المثنى الشيخ عطيةصفحات الثقافةصفحات سورية

عشتارات سورية يصعدن أدراج النظام السفلي

 


المثنى الشيخ عطية

“آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض”…

وكأنما لا يريد السوريون أن يكونوا إلا كما هم، أبناء الأساطير، أو هكذا تريد عيني الآن أن تراهم، وليكن، طالما إشارات المقاربة ما بين الواقع والأسطورة ماثلة كما هم، ليكن حتى لو في شطحة أملٍ تحاول أن تؤسطر الواقع البسيط كي تعود به إلى فضاءاته الأسطورية السورية الأولى، الواقعَ البسيط الذي يحكي القصة وفقاً لوكالات الأنباء أنه في الثامن عشر من آذار أطلقت قوات أمن النظام السوري النار على متظاهرين عزّل، شبابٍ يطالبون بإطلاق سراح ستة عشر طفلاً من مدينتهم درعا كان النظام قد اعتقلهم لتأثرهم بشعارات الثورة التونسية والمصرية وكتابتهم على الجدران “الشعب يريد إسقاط النظام”، ويطالبون بالحرية لبقية معتقلي الرأي من السوريين، ويطالبون بمكافحة الفساد.. ليسقط منهم أربعة شهداء، ولتحفظ ذاكرتي أسماءهم هم: حسام عبد الوالي عياش، أكرم الجوابرة، أيهم الحريري، ومحمد عياش.. وليستمر التظاهر مع تشييع جنازات الشهداء، وليعم التظاهر جميع المدن السورية وليواجه الشعب السوري بصدور عارية وأيدي خالية حتى من الحجارة وفق شاهدي العيان لوكالات الأنباء التي منعها النظام من تغطية ما يحدث من مجازر، رصاص قوات جيش وأمن النظام التي حصدت حتى كتابة هذه السطور أكثر من مائة وثمانين شهيداً، مع مئات المعتقلين والمغيبين… وذلك بعد يومين فقط من تجمهر السادس عشر من آذار حيث قامت قوى أمن النظام في دمشق باعتقال عشرات المحتجين والمحتجات أمام وزارة الداخلية تضامناً مع ذوي المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام في سجن عدرا منذ تاريخ الثامن من آذار، وبوحشية غير مبررة تم فيها سحل نساء على قارعة الطريق، وإحالة نائب الحاكم العرفي اثنين وثلاثين منهم إلى قاضي التحقيق الأول بدمشق الذي قام باستجوابهم بالتهم القرقوشية إياها: النيل من هيبة الدولة وتعكير صفو العلاقات بين عناصر الأمة! وإصدار مذكرات توقيف بحقهم ونقلهم إلى سجني عدرا ودوما.. وما يفتح باب تداخل الواقع بالأسطورة هو وجود عشر نساء بين المعتقلين ولتحفظ ذاكرتي أسماءهن: سهير جمال الأتاسي، سيرين خوري، ربا اللبواني، دانة ابراهيم الجوابرة، فهيمة صالح أوسي (هيرفين)، نسرين خالد حسن، وفاء محمد اللحام، ناهد بدوية، ليلى اللبواني، صبا حسن، وقبلهن المدونة القاصر طلّ الملوحي التي لفق النظام السوري لها فيلماً بائساً مبتذلاً وخسيساً شهّر فيه بعرضها وعرض عائلتها، وقلّد فيه بصورة مبتذلة أسطورة ماتاهاري في التجسس، وحكمها بالسجن خمس سنوات لإرهاب المدونين الشباب والنساء منهم بخاصة، والسياسية السابقة الدكتورة تهامة معروف التي لفق لها النظام فيلماً بائساً بإعادتها للسجن تنفيذاً لحكم جائرٍ كان قد أطلق سراحها منه منذ خمسة عشر عاماً لإرهاب السياسيين السابقين.

ولأن الأمر يتعلق بسورية التي حيرت العالم نظاماً وشعباً من حيث كون نظامها الأشدّ قمعاً وفساداً وتخاذلاً أمام العدوّ الخارجي في المنطقة، ويصرّ على أنه الأكثر تحضراً ونظافةً وممانعة غير معروفة لمن!، ومن حيث كون شعبها الأكثر عراقةً وتحضراً وإباءً وقومية وبؤساً معيشياً وامتهاناً لكرامته وإفساداً لأهله من قبل نظامه، ويصرّ على بطء وتأجيل الاستجابة لرياح الثورة الديمقراطية التي هبّت على المنطقة من تونس ومصر…

ولأن الأمر يتعلق بسورية النسوية حيث أن الخجل من كون من صدّره النظام لرواية الفبركة الخسيسة عن تجسس الصبية طل الملوحي هي امرأة جدة تجاوزت الثمانين تعمل مستشارة في وزارة الخارجية وتدعى الدكتورة بشرى كنفاني، وأن الخجل في كون من يتصدّر الكتابة الإنشائية المخادعة عن الثورات الديمقراطية وتزوير أحداث التظاهر والكذب على وسائل الإعلام في قيام القوى الأمنية باعتقال الرجال والنساء وشحطهن في الشوارع وقتل المتظاهرين وتصويرهم دون وازع من شعرة ضمير وطني أنهم مجموعات مندسة ومخربة هي امرأة مستشارة إعلامية في القصر الرئاسي تدعى الدكتورة بثينة شعبان… تردّ عليه السوريات بكواكب سورية، وردة سورية الأسيرة السابقة الدكتورة فداء الحوراني، ووردة سورية الأخرى الأسيرة الآن سهير الأتاسي، وبقية وردات سورية/ عشتاراتها وأمهاتها داخل المعتقلات والسجون وفي صفوف الكفاح مع الشباب والمعارضة…

لأن الأمر يتعلّق بسورية التي منحت مناقبيتها العالم قيمه ومثله ومنحت أساطيرها العالم آلهته ومسيحيوه واسم قارة من قاراته هي أوروبا..

ولأن الأمر يتعلق بسورية المرتبكة المربكة التي كانت تردّ على السؤال بسؤال لمن يسألها لماذا لا تبدأ ثورتها، ومتى تقوم ثورتها وفي أي مدينة ستحدث حيث كل مدينة منها لها تاريخها الشخصي المميز في معاناة القمع والاستبداد والقتل… يجيء ردّها ببساطة كما أراها في أسطرتي لها، يجيء ردّها: الربيع.

السوريون أبناء الربيع، ومن لم يعرف ذلك، ليسمع تلاوة بضعة أبيات من قصيدة الأرض لمحمود درويش:

“وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض/ في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا/ مواعيد غامضةً /واحتفالاً بسيطاً/  ونكتشف البحر تحت النوافذ/  والقمر الليلكي على السرو/ في شهر آذار ندخلٌُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ /وتنهمرُ الذكريات على قريةً في السياج”…

في شهر آذار.. في الثامن عشر من آذار، في سورية، على أبواب تفجّر الربيع/ النوروز، أعلن “آدون/ تموز/ دوموزي” بدء ظهوره، بشقائق نعمان تتفجر في سهول حوران، بدم الإله القتيل المبشر بالربيع في أساطيرنا/ حقائقنا السورية، بتفجر اللون الأحمر القاني لدماء أربعة شهداء ولتحفظ ذاكرتي أسماءهم، تبعوا خطى أمهاتهم/ عشتارات سورية، أمهاتها، اللواتي نزلن أدراج دهاليز سجن النظام السوري، مجردات من زينتهن، كما نزلت جدتهن عشتار أدراج العالم السفلي، مجرّدة من زينتها، ليحضرن أبناءهن الشهداء الذين تحوّلوا إلى آلهة قتلى أحباء، وليصعدن أدراج النظام السوري، يتبعهن أبناؤهن الذين يخرجون متظاهرين ويجددون بدمائهم الزكية، في درعا، الصنمين، دمشق، بانياس، اللاذقية، حمص، حماة، دير الزور، حلب، وبقية المدن السورية مع أشقائهم الآخرين الذين تساقطوا ويتساقطون برصاص النظام القاتل.. ربيع سورية البهي، الديمقراطي، التعددي…

في شهر آذار قالت سيدة العالم السفلي أريشكيفال صاغرة بعد أن لم يبق لها إلا أن تنصاع، قالت لوزيرها نمتار :”رش عشتار بماء الحياة وخذها من حضرتي/ وأما تموز عشيق شبابها/ فاغسله بالماء الطاهر/ وامسحه بالزيت الحلو/ ألبسه حلة حمراء ودعه يلعب بالناي/ ودع أهل البلاط يبدلون مزاجه”

“ولمَّا كانت أُخْتُهُ بليلي تُخيطُ جواهرها/ وخرجها مليءٌ بأحجار العين/ سمعت عزف أخيها فنثرت جواهرها/ حتى أن أحجار العين ملأت الأرض”…

في شهر آذار، في يوم الأربعاء السادس عشر من آذار دخلت عشتارات سورية/ أمهات سورية عالم النظام السوري السفلي، لولادة أبنائهن/ الآلهة الآدونيون، لولادة ربيع سورية وديمقراطيتها التي ضرّجها جلاوزة النظام بالدم.. وفي الأيام القادمة من ربيع سورية، تصعد عشتارات سورية أدراج النظام السفلي حاملات بأيديهن ربيع الحياة، رغم أنف سادة النظام السفلي الذين يتخلون عن سلطاتهم صاغرين…

“ثم فتحت أريشكيفال فاها لتتكلم /فقالت هكذا لوزيرها نمتار/ رش عشتار بماء الحياة وخذها من حضرتي/ سار نمتار وقرع باب أجلجينا  /زَيَّنَ العتبات بحجارة المرجان/ أَحضَرَ الأنوناكي وأجلسهم على عروشٍ من ذهب/ ورش عشتار بماء الحياة، وأخرجها من حضرتها/ ولما أخرجها من الباب الأول أعاد إليها رداء جسدها/ وعندما أخرجها من الباب الثاني أعاد إليها حبكات اليدين والرجلين/ ولما أخرجها من الباب الثالث أعاد نطاق حجارة الولادة لوركيها/ ولما أخرجها من الباب الرابع أعاد لها زينة صدرها/ ولما أخرجها من الباب الخامس أعاد لها قلادة عنقها/ ولما أخرجها من الباب السادس أعاد لها حلقات أُذنيها/ ولما أخرجها من الباب السابع أعاد لها التاج العظيم على رأسها”…

في شهر آذار، يعود السوريون إلى فطرتهم الأولى، سوريين، في أسطرتي لهم، غير مسلمين ولا مسيحيين، غير سنة ولا شيعة ولا علويين، غير دروز ولا اسماعيليين، غير عرب ولا أكراد ولا أرمن ولا سيريان ولا آشوريين، يعودون في أسطرتي لهم إلى أبناء مطيعين لأمهات سورية/ عشتاراتها، اللواتي دخلن في السادس عشر من آذار سجون النظام السفلي، ليصعدن بأبنائهن أدراج نظام عالم الشوفينية الدينية الطائفية المذهبية المظلم إلى نور الثورة الديمقراطية السورية، نور إبداع الربيع السوري…

وفي شهر آذار…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى