صفحات الثقافة

مهمة البحث عن الطلياني/  عمارة لخوص

 

 

من المتوقع جدّاً أن تُترجم رواية “الطلياني” لشكري المبخوت إلى لغات أجنبية إثر فوزها بـ “جائزة البوكر العربية” هذه السنة. لا شك أن الترجمة إلى الإيطالية على وجه الدّقة ستنطوي على سوء فهم عميق، خصوصاً إذا أصرّ الناشر على الاحتفاظ بالعنوان الأصلي. فعنوان الرواية واضح لا يقبل الالتباس، يحيل إلى بطل القصة عبد الناصر، ولكن القارئ الإيطالي سيكتشف أن إيطالية البطل وعلاقته بإيطاليا لا وجود لهما في متن الرواية.

يحاول رواي القصة، أن يقنعنا أن الشخصية الرئيسية اكتسبت تسمية “الطلياني” بسبب الوسامة، غير أن هذا التفسير أو التبرير غير كاف. فالوسامة الإيطالية مرتبطة بالموضة والألبسة المعروفة التي تحمل أسماء أرماني وفيرساتشي وغيرها. غير أن البطل غير مهووس باللباس الإيطالي.

إن التحكّم في تفاصيل الكتابة الروائية عملية حيوية، لا تستقيم الرواية دونها. كان يمكن للكاتب استعمال القليل من الخيال لملء بعض الفراغات والخروج من هذا المأزق؛ كأن يكون البطل عاشقاً للغة الإيطالية أو السينما الإيطالية أو كرة القدم الإيطالية، أو عاش أو قضى بعض العطل في إيطاليا أو عمل مع الإيطاليين أو يحب الطبخ الإيطالي، وغيرها من الحيل والتفسيرات التي تجعله يستحق عن جدارة تسمية “الطلياني”.

ثم إن الحضور الإيطالي في المشهد التونسي قوي جداً، فلا تزال الروابط بين تونس وإيطاليا راسخة بسبب الهجرات القديمة والجديدة (من صقلية إلى تونس والعكس صحيح) كما أن ثمة جالية إيطالية عريقة في تونس العاصمة تملك صحيفة تصدر باللغة الإيطالية إلى اليوم.

تطرح رواية “الطلياني” إشكالية اختيار عناوين الروايات. فالكثير من الروائيين لا يبالون كثيراً بالعنوان، إذ يضيفونه في الأخير من دون التفكير كثيراً. ومنهم من يقلّد ويقتبس من دون تأنيب الضمير، ومنهم من يعتقد أن اختيار العنوان ليس من مهامه، بل من مهام الناشر. وهذا خطأ فادح، فالعنوان قد ينفع الرواية كثيراً إذا كان الكاتب موفقاً في اختياره، في الوقت نفسه قد يضر بها إذا أساء الاختيار. فهناك روايات أُغرم بها القراء بداية من عناوينها مثل “العجوز والبحر” و”مئة عام من العزلة” أو “موسم الهجرة إلى الشمال”.

قد يكون العنوان الأنسب لرواية شكري المبخوت هو “البحث عن الطلياني المفقود”، ولكننا سنقع تحت طائلة التقليد والاجترار الممل. ثم إن من مهام القرّاء الاستمتاع بالقراءة وليس إيجاد عناوين مناسبة بديلة. مع ذلك، يجب التأكيد على مسألة الثقة المتبادلة التي يجب تتوفر بين الكاتب وقرّائه. مثلاً، إذا لم نعثر على العنوان في القصة ولم نجد له تفسيراً مقنعاً؛ فإن ذلك يشكّك في قدرة الكاتب على بناء قصته وشخصياته واستثمار خياله.

* روائي وأنثروبولوجي جزائري مقيم في نيويورك

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى