صفحات العالم

عصابات النظام السوري تمعن في قتل المنتفضين

 

 


كاظم حبيب

لم يتأخر الشعب السوري عن الانتفاض الثوري السلمي ضد دكتاتورية بشار الأسد وقمع أجهزة الأمن السياسي والفساد السائد في البلاد وضد هيمنة “الحزب الرائد والقائد!”, ضد حزب البعث العربي الاشتراكي, وعن اللحاق ببقية شعوب الدول العربية المنتفضة, سواء تلك التي انتصرت انتفاضاتها وتسعى إلى تجذيرها وتعزيزها, كما في مصر وتونس, أم تلك التي ما تزال تخوض النضال الرائع لتحقيق ذات الأهداف, كما في اليمن وليبيا, أم تلك التي ستنهض بالضرورة لكنس النظم الشمولية وحكم الحزب الواحد أو العائلة الواحدة كما في السودان والسعودية, وكذلك ضد النظم القومية الشوفينية والطائفية السياسية وبقية النظم الرجعية أينما وجدت في الدول العربية. وستعم هذه الظاهرة الإنسانية في كافة دول منطقة الشرق الأوسط حيث تعاني شعوبها من حكومات مستبدة وشوفينية ومشكلات مماثلة.

منذ أكثر من شهر والشعب السوري يطور ويصعد نضاله السياسي السلمي الذي بدأ في درعا في سبيل الخلاص من حزب البعث الحاكم ومن بشار الأسد والحكومة التي تتعارض سياساتها ونهجها الشوفيني والاستبدادي مع مصالح وإرادة الشعب السوري. فلم تقتصر الحركة على مدينة درعا وضواحيها, والتي قتل فيها الكثير من المناضلين الشجعان الذين تحدوا إرهاب السلطة وعصابات المافيا الحاكمة في دمشق, بل اتسعت الانتفاضة لتشمل مدناً أخرى كثيرة مثل اللاذقية وبانياس وحمص وحماه ودمشق وضواحيها ..الخ سقط خلالها المئات من المناضلين شهداء ومئات الجرحى والمعوقين, وخلال يومي الجمعة والسبت الماضيين استهد أكثر من 120 مناضلاً من المتظاهرين في جميع أنحاء سوريا وحيثما انطلقت مظاهرات شعبية, إضافة إلى استمرار اعتقال المئات من المناضلين ليتعرضوا إلى شتى صنوف التعذيب على أيدي جلاوزة وجلادي الأمن السياسي السوري. وليس غريباً أن يقتل البعض منهم تحت التعذيب, فتاريخ قيادة حزب البعث في سوريا يقدم الكثير من الشواهد على هذه الممارسات المعادية للإنسان وحامل الرأي الآخر.

لقد حاول رأس النظام رمي عبء قتل المتظاهرين على عاتق أجهزة الأمن والشرطة باعتبارها لم تتعلم غير ذلك ولا بد من تثقيفها! ولكن وفي اليوم الذي أصدر بشار الأسد قراراً بإلغاء قانون الطوارئ السيئ الصيت وقانون السماح بالتظاهر السلمي حتى أصدر معه مباشرة قراراً يمنع بموجبه تنظيم المظاهرات لأجل غير مسمى. وهو القرار الذي أعطى الحق للأجهزة الأمنية بملاحقة المتظاهرين واعتقالهم ومن ثْمَ تفريق المتظاهرين باستخدام العتاد الحي وتوجيه خراطيم المياه إلى صدورهم. وبالتالي انكشفت لعبة التمييز بين أجهزة الأمن والشرطة القمعية ورأس النظام والحكومة المستبدة.

المظاهرات الشبابية لم تعد شبابية فقط, بل شعبية وواسعة حقاً, والمتظاهرون لم يعودوا بالعشرات بل بعشرات الألوف, والشعارات لم تعد تطالب بحقوق الإنسان والمجتمع المدني والديمقراطية والجنسية السورية للكُرد وضد الفساد فحسب, بل وبشكل مباشر تطالب بسقوط النظام الفاسد ورأسه. فالنظام يفسد من الرأس قبل الذيل, وهو نظام فاسد منذ عشرات السنين وغطت رائحته العفنة المنطقة بأسرها, وهو النظام الذي يتحالف مع نظام مماثل له في العفونة والاستبداد وإرهاب السلطة, النظام الإيراني “الإسلامي!” وقوى مماثلة له في الإرهاب والقمع والهيمنة مثل حزب الله في لبنان, وكلها تتعاون من أجل إفشال انتفاضة الشعب المقدامة.

إن الانتفاضة الشعبية في سوريا قطعت شوطاً مهماً في:

1 . تحدي الإرهاب الحكومي وكسر حاجز الخوف الذي سيطر على الشعب منذ عشرات السنين.

2 . تحدى الموت والعنف الذي تمارسه السلطة وأجهزتها القمعية في استخدام العنف والضرب والعتاد الحي لقتل المتظاهرين.

3 . أجبر النظام على تقديم تنازلات مهمة, ولكنها كانت على الورق فقط وكاذبة عملياً وذات مضمون مخادع, كما إنها غير كافية أصلاً للخلاص من حكم الحزب الواحد الفاسد والقائد المستبد والأجهزة القمعية.

4 . وأصبح المطلب الرئيسي لكل الشعب السوري هو “أرحل .. أرحل يا بشار” و “الشعب يريد إسقاط النظام”, كما يريد تقديم كافة المجرمين القتلة ومغتصبي حقوق الشعوب وقوته إلى المحاكمة لينالوا جزاؤهم العادل.

5 . ولم يعد هناك أي انقسام في صفوف الشعب بين مؤيد للنظام ومناهض له. فالمؤيدون له هم أجهزة الأمن والشرطة وجمهرة من نهابي ثروات الشعب وقوته وحياته, في حين أن المناهضين له هم الشعب كله.

لقد أحرق النظام من جانبه وبسبب سياساته القمعية والهمجية كل قوارب النجاة وأصبح الصراع وجهاً لوجه مع الشعب كله. وإذ لا يمكن استبدال الشعب السوري بشعب أخر, فلا بد إذن من مغادرة النظام ورأسه وكل الأوباش الذين حكموا سوريا طيلة العقود الخمسة المنصرمة.

والمسألة المطروحة الآن تتلخص في موقف الجيش من الشعب, هل سيقف في صف الشعب, الذي هو منه, أم سيقف إلى جانب الدكتاتور والحكم السياسي الفاسد؟ إن تجارب مصر وسوريا تؤكد إمكانية وضرورة وقدرة الجيش على حماية الشعب في الوقوف إلى جانبه والمشاركة في الخلاص من النظام الاستبدادي. وهو ما يتوقعه الشعب ويسعى إليه, وبغير ذلك سيكون الصراع مريراً والتضحيات غالية وكبيرة, كما يحصل اليوم في ليبيا مع تخلي وحدات غير قليلة عن المجرم القذافي والتحاقها بالمنتفضين, وما يمكن أن ينشأ عنه من تعقيدات دولية, أو انقسام في صفوف الجيش, كما هو حاصل اليوم في اليمن, وهو ما لا يرضي الشعب السوري بأي حال.

لقد حاول النظام السوري عبر السنين خلق جيش يطلق عليه بـ “الجيش البعثي العقائدي” وأغدق عليه الكثير من الامتيازات ليسكته عن البشاعات التي كان النظام يمارسها ضد الشعب, في وقت كانت الجولان وما تزال محتلة من دولة إسرائيل, ولم يبذل الجهود الضرورية لإيجاد حل لصالح الأرض والشعب السوري في استعادة الجولان من أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.

إن على قيادات وقوى الجيش أن تبرهن للشعب السوري بأنها القوة المخلصة للشعب السوري وإرادته الحرة ومصالحه وليس للفئة الضالة التي تحكم سورياً منذ ما يزيد على أربعة عقود, وهي التي مرغت كرامة الشعب السوري والجيش السوري بالتراب واغتصبت حقوقه المشروعة.

وفي الوقت الذي يرفض الشعب السوري الدكتاتورية البعثية, يرفض أيضاً دكتاتورية قوى الإسلام السياسية, ومنها قوى الإخوان المسلمين والسلفيين ومن لف لفهم. فهو يتطلع إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية وعلمانية حديثة, دولة تستند إلى دستور ديمقراطي وحياة نيابية حرة وتعددية وتداول سلمي وديمقراطي للسلطة وضمان عدم التمييز على أساس الدين أو المذهب أو القومية أو الإقليم أو الجنس وتقوم على أساس المواطنة الحرة والمتساوية, وتمارس سياسة البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الديمقراطي ومكافحة البطالة والفساد المالي والإداري وهدر الأموال ونهبها وضمان التوجه صوب العدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وفي استخدامه وتعجيل وتائر نموه ومعدلاته.

إن الانتفاضة الشعبية السورية سائرة في طريقها السليم ومتصاعدة يوماً بعد آخر إلى أن يُرمى النظام السياسي الفاسد القائم في مزبلة التاريخ ليأخذ الشعب السوري زمام أموره بيده ويبني حاضره ومستقبله المشرق. إلى هذه النتيجة المنعشة تتطلع شعوب المنطقة كافة وتتمنى للشعب السوري الخلاص السريع من ظلم المستبدين لترفرف أعلام الحرية والسلام والأمن والديمقراطية والدولة المدنية على أرض وفي سماء سوريا المناضلة.

24/4/2011 كاظم حبيب

الحوار المتمدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى