صفحات العالم

مقالات تناولت موقف حزب الله الأخير من المسألة السورية

“انتصر” السيد مجدداً/ حـازم الأميـن

لم يضجر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من الانتصارات التي ما زال يسجلها واحداً تلو الآخر، فهو أبلغ كوادر الحزب أن الانتصار في سورية قد تم. (نفذت اسرائيل منذ بداية السنة 5 غارات على مواقع في سورية من دون أن تواجه برد واحد، وهو أمر خارج معادلة الانتصارات).

والحال أن عدد الانتصارات اذا ما أراد المرء قياسها على النتائج، فعليه أن يعتقد أن السيد حسن عليه اليوم أن يؤم المصلين في المسجد الأقصى، وأن يُنهي الصلاة ويتوجه للطواف في الشام.

لكن وظيفة انتصارات السيد ليست على ما كشفته الأيام “القضاء على العدو”! لهذه “الانتصارات” وظيفة أخرى، فهي إذ تُنهي الحرب غير مكترثة بنتائجها المباشرة، تدير ظهرها متجهة لحرب أخرى. في حرب تموز “انتصر السيد”، ومنذ ذلك التاريخ (نحو ثماني سنوات) لم يرمِ أحد حجراً من فوق الشريط الحدودي مع اسرائيل، وتأمن للأخيرة قوة دولية مقاتلة على الحدود.

لكن النصر، وهذه المرة من دون مزدوجين، كان في الداخل اللبناني. انقض “حزب الله” على الحكومة واحتل الوسط التجاري وأتبعه بـ”7 أيار” ثم بالقمصان السود، وكرّس حكومة اللون الواحد، وانطلق الى حكم لبنان.

هذا هو جوهر الانتصار في حرب تموز 2006. إسرائيلياً كل النتائج جاءت في مصلحة تل أبيب. الهدنة الطويلة والقوات الدولية، وانتقال “حزب الله” الى بيروت ولاحقاً الى دمشق، وها هو يبتعد شيئاً فشيئاً نحو حلب.

“النصر” في سورية هو من نوع النصر الذي سجله الحزب في 2006، فهو في مضمونه نصر على السوريين وعلى سورية، وسيستتبعه الحزب بنصر على اللبنانيين الذين استسلموا لنصر الحزب الأول في حرب تموز. فعندما يقول السيد إنه على وشك الانتصار في سورية، يكون في حينها يخاطب اللبنانيين قائلاً انتظروني فسأعود من سورية وفي جعبتي نصر جديد.

ليس مهماً أنه ترك هناك في الشام نظاماً متهالكاً وبلداً تحتاج إعادة بنائه الى أكثر من 250 مليار دولار، وأن هناك أكثر من 200 ألف قتيل، وأن شرخاً طائفياً لم يشهد تاريخ المنطقة له مثيلاً سيُثقل على الوجود الشيعي في المنطقة لعقود طويلة. فقد تحقق “النصر” الذي سيحمله السيد معه الى بيروت.

“النصر” هنا هو غير ما تواترت على فهمه العامة. نصر يُقدّم ما بعده على ما هو فيه. أن ننسى عدد القتلى وحجم الخسائر، فالمهم ان القائد ما زال حياً ليعلن “النصر”.

أما العدو فليس مهماً أنه ينعم بـ”نصرنا”، لا بل يُساعدنا على الانتشاء به، فهو منذ الآن العدو البعيد والمؤجل. فلنراقب الجهد الإسرائيلي الاستثنائي لتكريس نصر “حزب الله” في حرب تموز، ولنقس هذا الجهد بنتائج الحرب.

فقد نعمت اسرائيل بهذه النتائج بما لم تنعم به طوال حروبها منذ تأسيسها، إلا اذا استثنينا تجربتها في الجولان، وهي بدورها ناجمة عن “نصر” مماثل للجيش العربي السوري في حرب عام 1973، فكان أن أعقبت الحرب هدنة أبدية.

صحيح أن المشهد صار مكرراً ومملاً، إلا أن “انتصارات” السيد ما زالت تؤتي ثماراً في الداخل، وأولها على ما يبدو استدارة وليد جنبلاط.

موقع لبنان ناو

المربّع الذهبي بدلاً من المثلث الذهبي/ عبد الوهاب بدرخان

“نحن دولة تحترم شعبها”… العبارة للسيد حسن نصرالله. والمعنى يقصد “دولة حزب الله” التي تستعيد مخطوفيها سواء من سوريا أو من اسرائيل. أما الدولة الاخرى، “دولة جميع اللبنانيين”، فلم تكلّف نفسها عناء تحديد مرجع رسمي لحل قضية المسجونين والمفقودين لدى النظام السوري منذ أعوام طويلة، وكأن هذا النظام امتنع عن التعاون في هذا الملف لأنه لم توجد “لجنة أو جهة معينة” لبنانية لمتابعته. ماذا عن انكار النظام وتضليلاته للجان أمنية قصدت دمشق بالفعل واستُخفّ بها ولم تُعطَ اجابات ولا ايضاحات؟ وماذا عن مراجعات رؤساء ورؤساء حكومات ونواب وسياسيين، وصولاً الى العماد ميشال عون الذي لم ينتزع خيراً ولا شراً في هذا الموضوع في عز الغزل بينه وبين بشار الاسد؟

ثم ان “احترام الشعب” لا يكون فقط باسترجاع الأسرى والمخطوفين، وهذا واجب، بل يكون أيضاً في الإحجام عن غزوات كـ 7 أيار 2008، وعن الإصرار على تكرارها لا لشيء إلا لأن البعض المسلّح من الشعب يريد مصادرة ارادة البعض الآخر، بل تقزيم الدولة وتجاوز الجيش وبالتالي مصادرة ارادة البلد. وطالما أن السيد نصرالله أعلن مساء الاثنين أن الأزمة في سوريا انتهت وأنه خرج منتصراً منها موزعاً الفرص الأخيرة على الفريق الآخر في الداخل، وعلى أربع – خمس في المنطقة، فما الذي يزعجه في مراهنة الآخرين على ما يجري في سوريا.

لكلٍ رهانه، ولا شيء انحسم في سوريا لمجرد أن نصرالله يعلن ذلك. فهو يعلم جيداً أن الأزمة بلغت الآن لحظة صعبة ولا تغيير جذرياً طرأ على الوضع الميداني، إلا اذا كان نصرالله مغتبطاً بنجاح خطة النظامين السوري والايراني بزرع “داعش” في مناطق المعارضة الى حدّ تحذير طرابلس بخطة مماثلة. ولكل أوهامه، فخلال العامين الأخيرين بشّر الأمين العام لـ “حزب الله” نفسه وجمهوره بالكثير من الأوهام و”المنامات”، وداس الكثير من الحقائق من دون أن يتمكّن من تغييرها سواء في لبنان أو في سوريا.

ففي لبنان لا يزال مصرّاً على أن يأتيه “الفريق الآخر” صاغراً مستسلماً معترفاً بالهزيمة وراضخاً للسلاح غير الشرعي وشروطه لتشكيل حكومة يفترض أن تكون “توافقية”، وإذ فشل هذا الرهان فإنه يعزو الأمر الى الغضب السعودي. وفي سوريا استسهل منذ اللحظة الاولى الاستهزاء بثورة الشعب مستبدلاً العداء للسوريين بالعداء لاسرائيل فاستسهل أيضاً قتلهم والتعامي المتعمّد عن آلامهم وطموحاتهم. هذه عقلية متجبرة لا علاقة لها بروح المقاومة و”احترام الشعوب”.

في الخطاب المقبل قد يهدّد نصرالله رافضي “المثلث الذهبي” (الشعب والجيش والمقاومة) الذي لم يعد له معنى منذ زمن، بفرض “المربع الذهبي” (الاسد والمقاومة والجيش والشعب)، فاغتنموا “الفرصة” قبل أن يفعل.

النهار

عاشوراء سوريا/ احمد عياش

آلاف الشبان الذين يجنّدهم “حزب الله” للقتال في سوريا ليس من الامور التي يمكن أخفاؤها. فمشهد البلدات والقرى الجنوبية الخالية من زحمة الشبان تبدو واضحة للعيان في فترة الاجازات. لا يزال الجنوبيون يتذكرون حالة مماثلة ايام الاتراك حين جندوا في آخر أيام سيطرتهم آلاف اللبنانيين بمن فيهم الشيعة للقتال في الحرب العالمية الاولى. وقد روى الذين خاضوا هذه التجربة حكاياتها التي تناقلتها الاجيال حتى اليوم. ومنها ما سمعها كاتب هذه السطور من والده الذي نقلها عن والده أي الجد الذي كان مجنداً في صفوف الجيش التركي. وفيها ان مواصفات الشخص الملائم للتجنيد هو الذي يخضع بنجاح لتجربة انتعال الحذاء العسكري الذي دُسّ فيه مسماراً عن عمد كي يضايق من ينتعله. فاذا أظهر الشاب صبراً على اذية الحذاء جرى إلحاقه فوراً بالجيش. أما من أظهر انزعاجاً الى حدود الهلع اعتُبر غير صالح للتجنيد. وبالطبع ارتضت غالبية شبان ذلك الزمان تحمّل اذية الأحذية التركية لأن الامر يتعلق برجولتهم التي كلّفت لبنان آلاف الضحايا.

بالطبع لا يحتاج “حزب الله” الى اعتماد اسلوب الحذاء التركي كي يجذب الشبان للقتال في سوريا. فهو لديه وسائل إغراء أكثر فاعلية تتضمن إمكانات مالية ضخمة وماكينة دعائية تعمل ليلاً نهاراً في البيئة الشيعية كي تحثّ مَن له القدرة على حمل السلاح على تلبية “نداء الواجب”. وأهم مبتكرات التحريض التي يشتبه في أنها من ابتكار إيراني هو شعار “زينب لن تُسبى مرتين” في اشارة الى ما حصل مع السيدة زينب شقيقة الإمام الحسين بعد موقعة كربلاء في العراق قبل أكثر من ألف عام وانتهى بها الأمر الى ضواحي دمشق التي أقيم فيها مقام شهير معروف باسمها. ولم يجد “حزب الله” في بداية الأمر صعوبة في اجتذاب الشبان بموافقة ذويهم الورعين للانخراط في معارك سوريا تحت شعار “نصرة” السيدة زينب. لكن، وبعد سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى صار ضرورياً تكثيف الاغراءات التي تتضمن تعويضات مالية كبيرة لا سيما بعد الوفاة. أما المال فموجود وبوفرة وليست هناك حاجة الى انتظار الشحنات منه من طهران بعدما تكفلت سيطرة “حزب الله” على مرفأ بيروت ومطارها ومصانع حبوب الكبتاغون المخدّرة التي لا تزال تعمل بهمّة عالية على توفير الموارد المالية اللازمة. ومثل شعار زينب حاول نظام بشار الاسد تحريض الاقليات المسيحية في سوريا على ان تحذو حذو “حزب الله” في لبنان. فكانت “أسطورة تدمير قرية معلولا”. لكن النتيجة كانت تحريض هذه الاقليات على الهجرة!

تحل غدا ذكرى عاشوراء التي تبدا أيامها العشرة مع مطلع السنة الهجرية. هل من يسمع أصوات الأجنّة في بطون الامهات السوريات وقد باتوا هدفا لقناصة النظام السوري. انهم يصرخون كما صرخ الحسين: “هل من ناصر ينصرني؟”.

النهار

مطالب التنازل… والتسويات/ عبدالله إسكندر

لاحظ الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله، في خطاب له أول من أمس، أن ميزان التأييد الشعبي لكل من قوى 8 آذار، الاسم الحركي للشيعية السياسية كما يعبر عنها الحزب، وبين قوى 14 آذار، الاسم الحركي للسُنية السياسية كما يعبر عنها تيار المستقبل، سيظل من دون تغيير لمئة سنة مقبلة، ليستخلص انه ينبغي على الطرفين تقديم تنازلات من اجل الخروج من هذا المأزق.

هذا الانقسام، بالمعنى الذي اراده نصرالله، يضرب في عمق التاريخ. وما دام يتعلق بصلب معتقدات مقدسة فإن السنوات المئة المقبلة لن تحمل له حلاً. الحل الحقيقي للأزمة هو في تقديم التنازلات ليس من اجل مزيد من تقاسم للحصص في السلطة السياسية وانما اعادة الحقوق الى الدولة، والمنهوبة منها بقوة السلاح.

المؤسسون للبنان الحديث توافقوا، وإن على مضض، ان تبقى الدولة ومؤسساتها المساحة المشتركة للجميع. وهم، وإن لم يتميزوا جميعاً بالتجرد الطائفي والمذهبي او بالنزاهة السياسية او بالحس الوطني، وفروا الظروف الملائمة لتعايش سلمي وتداول على السلطة. وذلك من خلال الحفاظ على المساحة الجامعة الممثلة في الدولة التي حافظت بدورها على الحصص داخل مؤسساتها. لتتشكل مفارقة تاريخية تتمثل في كون الضعف البنيوي لهذه الدولة مرتبطاً بمدى استمرار التوافق بين الطوائف على اعتبارها مساحة للجميع. وهذا ما جعل السلم الاهلي يتعرض للاهتزاز والانهيار في كل مرة حاول طرف ما ان يخرق التوافق على هذه المساحة المشتركة.

واليوم يتهدد هذا السلم الأهلي أكثر من أي وقت مضى، مع امتلاك «حزب الله»، الممثل للشيعية السياسية، للقدرة على التميز عن بقية مكونات لبنان، ولقوة عسكرية واقتصادية وسياسية تفوق قوة الطوائف الاخرى، ومع توظيفه لكل هذه القدرات في تقليص مشاركة الآخرين في المساحة المشتركة التي هي الدولة. خصوصاً ان ما يحد من الاعتراف له بحق التمدد على كل هذه المساحة يرتبط بنوعية الانقسام الطائفي والمذهبي الذي لا يرى الامين العام للحزب امكان تغيره ولو بعد مئة سنة.

الأولى في مثل هذه الحال، وإن صدقت النيات في احلال التعايش والاستقرار السياسي، ان يطالب نصرالله الجميع، بمن فيهم حزبه، بتقديم التنازلات الى الدولة ومؤسساتها، وليس ان يتبادل الاطراف التنازلات.

والتنازل للدولة يعني ان تُعاد اليها السلطات والصلاحيات كاملة في ادارة شؤون الناس وعلى كل المستويات، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة. ومثل هذا التنازل مطلوب من الحزب الذي استولى عنوة على وظائف اساسية للدولة ويسعى الى احكام سيطرته على ما بقي من مساحة مشتركة.

وعندما يطالب الحزب الآخرين بالتنازل له فإنه في الواقع يطالب بتمكينه من إكمال سيطرته على الدولة عنوة. وربما هذا هو معنى القول إن التنازل الطوعي حالياً سيكون تنازلاً عنوة قريباً.

واذ يربط الحزب إرغام الآخرين بالتنازل له في لبنان بتوقعه انتصار النظام السوري على شعبه فإنه يعزز نظرية النزاع التاريخي الذي لا حل له. نظراً الى طبيعة التحالف العابر لحدود البلدين. ويكمل نصرالله نظريته بالحملة العنيفة على المملكة العربية السعودية. اذ من غير المتوقع ان يكون متأثراً، في نظرته الى السعودية، بما تكتبه احدى الصحف «الممانعة» عن الدور السعودي. فبيت القصيد بالنسبة الى السعودية ليس دورها في دعم مطالب الشعب السوري، وإنما في ثقلها الديني في ميزان الخلاف التاريخي وفي وقوفها الندي في مواجهة إيران.

وهنا ايضاً تتطابق المطالبة بالحل السياسي في سورية مع مطلب التنازلات في لبنان. اي التسليم للمحور الايراني، و «حزب الله» والنظام السوري أحد أعمدته على شواطئ البحر المتوسط، ليس على مستوى الهيمنة الاقليمية فحسب وانما في التفسير التاريخي للانقسام الاسلامي.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى