صفحات العالم

عقدة الرياضيات


أحمد بزون

يمكن لـ«عقدة الرياضيات» أن تمتدّ إلى السياسة أيضاً، فقد توسعت حقول الإصابة بهذه العقدة، إذ لم تعد حكراً على الطلاب وحدهم، إنما باتت تصيب كل من يتطلع إلى السياسة اليوم، ويستخدم المنطق الرياضي.

الأمثلة كثيرة على دوامة المعادلات الرياضية، وفي الوضع السوري القلق الكثير من خطوط التقاطع التي تسبب صداعاً صعباً في جانبيّ الرأس. وآخر الأمثلة موقف الجامعة العربية من سوريا، وإطلاق المقررات التي ليست إلا إعلان حرب، قرأها ممثل دولة صديقة سابقاً للنظام السوري.

واستطراداً، فالمقررات التي أريد لها أن تساهم في خلع النظام ساهمت في نزول من لم ينزل من قبل، لا تأييداً للنظام ولا اعتراضاً عليه، إلى شارع التظاهرات. أي أنه حرك الأكثرية الصامتة، ما يعني أنه استفز السوريين الذين لم تخدمهم الجامعة العربية من قبل، أو الذين لوّعتهم الفوقية الخليجية، أو الذين ربّاهم الإعلام الرسمي على خلافات دائمة مع السعودية، رأس دول الخليج ورأس الجامعة العربية اليوم.

في المفارقة أن قرارات الجامعة العربية لم تكن، من قبل، تخيف أحداً، إلا أن هذا القرار الجديد يُشعر الجميع بالخطر الداهم لسوريا. وربما للمنطقة. لماذا؟ لأنه قرار عربي مدعوم من الخواجة الغربي. لكن، بالعودة إلى المنطق الرياضي، نتذكر معادلة «عدو عدوك صديقك»، لكن ثوار سوريا ليسوا أصدقاء إسرائيل التي ترى في النظام السوري عدواً. ومعادلة «صديق عدوك عدوك»، لكن الولايات المتحدة أصدق أصدقاء إسرائيل تستعدي اليوم النظام السوري الذي سلمته لبنان فيما مضى.

الأمثلة كثيرة في هذا السياق، خصوصاً إذا تحدثنا عن البؤر الملتهبة في العالم، مثل العراق وأفغانستان وإيران. كيف تتغازل إيران مع روسيا والصين، أو الولايات المتحدة مع الإسلاميين… كل الأمثلة تجعل التحالفات مهتزة، لأنها لا ترتكز على أي قاعدة لها علاقة بالمبادئ أو الإيديولوجيات. لا الدين بات عنصراً حاسماً، ولا الفلسفات الدنيوية، ولا الجغرافيا، ولا أي أمر آخر. ولأن المصلحة هي العنوان الأساس لكل صداقة أو عداوة، فكل علاقة باتت على قلق كأن الريح تحتها، وكل الأحلاف السياسية والعسكرية باتت معرضة للتفكك، كذلك هي الاتحادات، وليس بعيداً عن ذلك الاتحاد الأوروبي.

المشكلة في قرار الجامعة العربية، أنه أخطأ هدفه، فبدا كأنه حرب على سوريا، وشوّش صفوف المعارضة أكثر مما ساهم في حشد المؤيدين لها. الأنكى من ذلك أنه خلط بعض الأوراق، حتى أربك أصحاب الحق في الصراع الدائر في سوريا، أولئك الذين يسعون لتغيير النظام بأنفسهم، من دون أن يكونوا وقوداً للمصالح الأجنبية. نعم هناك مصالح أجنبية في سوريا، تتواجه مع مصلحة الأسد وجماعته في البقاء على رأس السلطة بأي ثمن.

وتمتد خطوط العلاقات في كل الاتجاهات، وتجتهد المعادلات الرياضية في رسم آفاق المستقبل. أما مصالح الشعب السوري فنهْبٌ لنيران المصالح الأخرى، ولن نعثر عليها في معادلة رياضية.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى