صفحات العالم

ماذا يريد الشعب بعد اسقاط الطاغية؟


د. فوزية أبوخالد

‘اللهم أدر الدائرة على الظالم

اللهم قوي الضعيف في وجه المستقوي

اللهم أكسر شوكة من يكسر كرامة شعبه

اللهم أرفع عن الشعب السوري الظلم وأنصرهم وأنتصر لهم

يا واحد يا قهار ياعزيز يا مقتدر …. يا فعال لما تريد

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله أجمعين’

أسمع دعاء القنوط من مسجد الجوهرة البابطين الملاصق لبيتي كما يأتيني الدعاء خاشعا شجيا يأخذ بتلابيب الجوارح من المساجد المجاورة الأخرى. أشم رائحة لغة جديدة منعشة في الدعاء العتيق. دعاء يضيء حق الشعب في العزة والمنعة ويبتهل لنصرته علنا على رؤوس الأشهاد.

أتذكر أول مرة وعيت برعب وبإندهاش على إقامة دعاء القنوط والححت في السؤال عنه يوم كنت بنتا صغيرة على أثر حرب حزيران عام 1967م .

ثم سمعت دعاء القنوط أو وجدته يتردد في جنبات صدري بعد ذلك التاريخ عدت مرات أخرى بوتيرة متتابعة نادرا ما يفصل بين الواحدة والأخرى منها أكثر من سبع سنوات عام 1973م تزامنا وتضامنا مع حرب أكتوبر، نشوة النصر الوحيدة وإن لم تخل من ملاحقات التشوية، عام 76م في الإجتياح الأسرائيلي لبيروت عدة مرات، عام 77/78 م في صلح السادات مع العدو الإسائيلي، عام 81 م في إنتفاضة الخبز بمصر أيضا، عام 82 م في ترحيل المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان، عام 82 -89 م في الإحتراب اللبناني الأهلي، 1990عام /91م في حرب الخليج الثانية عند مجيء قوى التحالف الدولية إلى الخليج بقيادة أمريكا للذود عن آبار النفط وإستعادة الكويت، مطلع الألفية الميلادية الثالثة عقب تفجيرات 11/9/2001، عام 2003م عند الاحتلال الأمريكي للعراق، عام 2006 م في الحرب الأسرائيلية على لبنان، عام 2011 في إستغاثات الشعب الليبي ضد حكم الطاغية، وعام 2012 في استغاثات للشعب السوري من بطش نسخة أخرى وإن لن تكون أخيرة من الطغاة.

فاجأتني مثل لابد أن فاجأتكم كثرة تواريخ الكوارث على التقويم العربي بما يكاد يجعل منطقتنا بؤرة بركانية نشطة تشتعل بالإحتراب وتحفل بمنحنيات خطيرة للتحولات في إتجاهات غير مأمونة أو في أحسن الأحوال مبهمة. تتغير وتتعدد أنواع المصائب التي تتوالى على المنطقة حينا بأيد عدونا وأحيانا أكثر حين لاعدو لنا سوانا أو من يدعي أنه منا وفينا ويتفوق على الأعداء في الإعتداء علينا، أما ما لا يتغير فإنها في الغالب ردات فعلنا على معظم اشكال العدوان التي تعرضت لها المنطقة . وهي في الغالب لا تخرج على ولا تعدو عن (إما أو ). فإما أن تكون مواقف ردات الفعل ‘شجبا واستنكارا’ أوتكون مواقف إستضعاف لا مفر فيها من ‘الإستعانة بصديق’، وإن كان داخله عدو . فالعدو المتخفي تحت قناع المصالح بوجه صديق يبدو خيرا من العدو السافر وإن حمل نسب قريب أوصفة صديق، على مافي مسألة ‘الاستعانة بصديق’ بحد ذاتها من محاذير شائكة ومبكية ومضحكة كشر البلية. والمؤسف حقا أن ردات الفعل لم تخرج عبر تواريخ الكوارث الطويل بالمنطقة عن احد هذين النمطين من السلوك السياسي (الشجب والاستنكار أو الاستعانة ‘بصديق’). وهو سلوك لا يخفى ولا يخفي ما يتسم به من عجز مدقع وشح في المخيلة وضعف بالذاكرة سواء جاءت هذه الكوارث بشكل مباغت مثل حرب حزيران 67م وحرب الخليج الثانية 90/91 وحرب 2006 أو كانت تراكمية مثل مواجهات الشعب الليبي ومواجهة الشعب السوري وقبلهما المواجهات الدائمة مع العدو الإسرائيلي.

أما سؤال: ‘لماذا لم يجر مثلا في مواجهة أي من كوارث ذلك التاريخ الحافل بالكوارث التفكير في الإستعانة بالجمهور أو على الأقل اخذ مشورته؟!’ فهو سؤال لا يطرح إلا نادرا أو تندرا.

هل ذلك بسبب أن المنظور السياسي العربي او بالأحرى النظام السياسي العربي برمته هو نظام لم يخرج على شرعة العلاقة الرعوية بما يسمى مجازا بـ’الشعب’؟! هذا في الوقت الذي بقي مفهوم الشعب مفهوما هلاميا مغتربا ليس له معنى في القاموس السياسي العربي إلا كمفردة ترويجية بينما جرى بشكل منظم وعشوائي معا تعطيل توطين وتطورمفهومه كمصدر للشرعية وللحكم ولإرادة تصريف الشأن العام للدولة والمجتمع. هل كان تهميش ‘كلمة الشعب’ كمفردة وكطاقة خلاقة ممكنا على الرغم من تكالب الكوارث وتكرارها لو أن شرعية السلطات في النظام السياسي العربي لم تكن تراوح بين شرعية أكتسبت بدالة التوريث وأخرى أنتزعت بدالة القوة العسكرية؟!.

كان سؤال الشعب سؤالا أقل إشكالية وشغبا وأكثر سكونا وقابلية للإستبعاد والإستهانة بأمره لولا تلك الصرخة المدوية التي اطلقتها حنجرة الشعب التونسي ثم الشعب المصري بمختلف مشاربه وديانته ولونه وجنسه وعمره وموقعه على السلم الاجتماعي او المسرح الجغرافي من ميدان التحرير بالقاهرة إلى ميدان الساعة بدمنهور إلى الفيس بووك في الوطن المتخيل: ‘الشعب يريد’ ‘الشعب يريد’ ‘الشعب يريد’.

وفي ظني أن سؤال الشعب من الآن وصاعدا سيكون سؤالا صعبا في اي معادلة سياسية قادمة سواء على صعيد القضايا ذات البعد القومي، الإقليمي والدولي أو على صعيد القضايا الداخلية في ‘الدولة الوطنية’، فبطولات الشعب السوري تكتب بدم الابرياء اليوم وثيقة شرف جديدة لحق الشعب أن يريد غير ما يراد له.

‘الشعب يريد’. هذه الجملة رأيتها مكتوبة أينما حللت وسمعتها أينما تلفت في زيارتي الاسبوع الماضي للقاهرة لتقديم ورقة عمل عن ‘وقع ميدان التحرير عربيا’ في المؤتمر الأول للقوى الشبابية لإعادة تدوين إنطلاق ثورة 25 يناير من ميدان التحرير، حيث كان اللقاء بالتعاون بين جامعة القاهرة وجامعة مانشستر ببريطانيا وعدة جامعات عربية وعالمية أخرى . ومن هنا وفي اجواء ما يكاد يحول الربيع العربي إلى جحيم يوشك ان يطبق علينا لولا فسحة الأسئلة وفردوس الأمل، لا يمكن إلا أن نسأل ماذا يريد الشعب بعد إسقاط طاغية وكيف يكتسب خبرة أن يعرف ما يريد أبعد من ذلك ويصل إليه بنفس النفس السلمي. وهذا ما قد أعود للكتابة عنه الاسبوع القادم.

‘ كاتبة سعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى