صفحات سورية

عندما حملنا الشرطي وأشياء أخرى

 


علي ديب

قبل أكثر من شهرين لم أكن لأصدق أن ما يجري في سوريا الآن هو قابل للحدوث ,

أن هذا الشعب الذي يخاف أن يتكلم حتى مع نفسه يمكن أن يفتح فمه لغير أنفاس الهواءالثقيلة.

لكن الأحداث أثبتت أن في الناس بقية من رمق الحياة مقاوم لعقود الذل والعقم الانساني,

ما لبث أن تبرعم ثم استوى ثم اشتد عوده, وما يزال الى أن يستغلظ ويؤتي ثماره في القريب.

صديقي شبه الحال بتحطيم البلوك في حائط كبير,

فمن الصعب بل من المستحيل أن تهدم الجدار بضربة واحدة ,

لكن قد يكون من السهل حتى على أصحاب البنى الضعيفةالقيام بهذا العمل

بعد تقسيمه الى وحدات أصغر ,أي تحطيم البلوكات من الأعلى للأسفل على دفعات.

وهذا ما حصل معي وكثير من غيري في كورس الحرية هذا

أو دورة الاسعاف النفسي لضحايا الاضطهاد والقمع المخابراتي التي نتبعها .

كنت أولا أذهب لأتفرج من بعيد على المتظاهرين مع الحفاظ على مسافة آمنة للهرب .

وكانت هتافات الحرية الخجولة (في وقتها) كافية لتطربني و تمنحني شعورا بالنشوة يمتد أياما.

كنت أعود للبيت وأنا أنادي لوحدي بهمس خفيض بالهتافات التي سمعتها كالسكران .

ثم لم تعد هذه الجرعة لتكفي, فصرت أقترب رويدا الى أن صرت في قلب المتظاهرين,

وليس أجمل من شعور الاندماج و الذوبان في أتون الجماعة:صغيرها وكبيرها,مثقفها وبسيطها.

كانت رؤية باصات النقل العام الكيوي قادمة من بعيد حاملة ما لذ وطاب مما تعرفون كافيا

لدب الرعب في قلوب المتظاهرين وتفريقهم ,لكن مع تتابع الجمع صرنا ننتظر

الكيوي لينزل منها الخاكي ويقذفنا بخانق الغازات, وما ألطف نسائم الغازات إذا ما قورنت

بلسعات الكهرباء المجانية و مداعبات الهراوات وقبلات الموت الرصاصية.

فقدنا من فقدنا و استشهد من استشهد لكن المتظاهرين كانوا يتزايدون ,

كنا لعنة كرأس الميدوسا كلما قطعت رأسا نبت مكانه اثنان.

صرت أتحدث بالسياسة و أكذب قناة الدنيا وأشتم رامي مخلوف مع سائق التكسي

و بائع الفول وموظف الطابو و طالب الجامعة والبسطاتي المخبر في جسر الرئيس.

وصلنا إلى جمعة حماة الديار وخرجنا كما دائما بمظاهرتنا السلمية التي لا توشك أن تبدأ

حتى يظهر أصدقاؤنا المخابرات في الخاكي ,ومجموعات الذين يفترض أنهم الشعب المؤيد

مع هراواتهم وعصبات أيديهم البلاستيكية ,

والشرطة بزيهم الأبيض النظيف متفرجين ومنتظرين للتعليمات من المخابرات.

هذه المرة لم نهرب بل وقفنا و دافعنا ثم حاولت مجموعات أفراخ الشبيحة أن تستفرد

بواحدنا ,لكنا لم ندعهم يعتقلونه ونادينا على الشرطة لتفصل بيننا, لنكتشف مدهوشين أن لديهم أسماعا,

إذ أقبلوا و قاموا بحماية الشاب.

وهنا أخذت الحمية شابا ليحمل شرطيا ويهتف ومعه الناس جميعا الله محيي الشرطة

ايد واحدة ايد واحدة وصارت القبلات مطرا على الشرطة من الناس .

الشرطي المحمول أخذته اللحظة بحماسها فصار يهتف الله محي الشعب ويلوح بهراوته

كما يرقص العريس في الأفلام المصرية ,وبدأ الجمع بتلاوة النشيد العربي السوري .

لكنه بعد لحظات تذكر أو أفاق فصار ينادي على الشاب الذي يحمله نزلوني يا شباب

والله هلأ جماعتي ليعملوا هيك وهيك فيني وهون الشباب فرطوا من الضحك.

من مذكرات مندس حضر جمعة حماة الديار في جامع الحسن

ملاحظات

1-لن أتحدث عن حضورأصحاب الكروش واللحى حليقي الرؤوس

في سيارات الدفع الرباعي والسيوف التي كانوا يحملونها ويشهرونها وبذاءاتهم البصرية والسمعية

2-لا تصدقوا المأفون شريف شحادة أو المنغاظ بسام أبو عبدالله عن أعداد المتظاهرين(قال 50قال)

نصيحة أخوية

من لم يجرب هذه المناخات والأجواء قد فاته خير كثير

وأتمنى أن لا يندم لأنه فوت فرصة لا تتكرر

سؤال

هل سيقوم الشعب السوري بتكسير ما تبقى من البلوكات والعبور لفضاء الحرية .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى