صفحات العالم

عندما لا يفهمك الناس

 


عبد الرحمن الراشد

أول درس لنا في الكتابة الصحافية، وتحديدا كتابة الخبر، هو البساطة، أي أن يفهمك جميع الناس لا بعضهم. وأعتقد أن الدرس مماثل للذين يريدون مخاطبة الشعوب، أو العوام كما يسمون في الماضي، أيضا التبسيط. وأظن لو أن الرئيس بشار الأسد جرب دراسة الإعلام لما قال ما قاله أول من أمس في خطابه. نحو ستين دقيقة انتظرها الكثيرون في أنحاء العالم، لا الشعب السوري وحده، ليسمعوا منه تفسيرا لما يحدث، ويحاولوا أن يفهموا أين يقف، وفوق هذا يريدون أن يعرفوا إلى أين ينوي أن يأخذ بلده. النتيجة – بعد سماع الخطاب – هي أن الرئيس بشار يعاني من مشكلة في مخاطبة الناس، مع أنه أكثر زعماء العرب إجادة للغة العربية.

ومن المألوف عند معظم زعماء العالم أن يوكلوا مهمة كتابة كلماتهم لأدباء متخصصين في مخاطبة شعوبهم، وهي تكتب بناء على الرؤساء وتصاغ وفق لغتهم السياسية. بالنسبة لمواطن يريد أن يسمع تبريرا للقتل أو ينشد حلا يطمئنه على وضعه وعائلته، كيف سيفهم الرئيس وهو يتلو هذه الجملة، «بالنسبة للمواطنين فإن الحكومة الجديدة تعني دماء جديدة والدماء الجديدة تعني آمالا جديدة وكبيرة ولكن هذه الدماء لكي لا تصبح قديمة بفترة قصيرة لا بد من العمل على تجديدها بشكل مستمر وهذا التجديد يكون من خلال تجديد الأفكار.. ليس بالضرورة أن تكون الدماء هي الأشخاص الذين ينضمون إلى الحكومة أو إلى الدولة وإنما الأفكار الجديدة التي ننتجها كل يوم»!!

كلنا نستطيع أن نكتب نصوصا معقدة تخاطب نخبة المثقفين، إلا أن بشار دون غيره تحديدا، يحتاج أن يكون واضحا لا غامضا، بسيطا لا معقدا، يعطي آمالا حقيقية لا عبارات منمقة. جمهوره في ذلك اليوم غالبيتهم من عامة الناس، بينهم المثقف جدا والأمي تماما. وحتى لو أن غالبية ملايين الناس التي احتشدت للاستماع إليه تعرف لغته، فأنا أجزم أنها لم تصل، الناس في الأزمات تريد لغة مباشرة تصل إلى العقل والقلب معا.

العلة الأكبر في خطاب الأسد لم تكن اللغة وحدها بل المحتوى أيضا. هذه أخطر أزمة مرت بها بلاده، سوريا، في تاريخها الحديث، وهو أمر لا بد أنه يدركه جيدا، وبسببها حكمه كله معرض للانهيار. ومنذ بدء الأزمة منذ نحو ثلاثة أشهر خطب في شعبه مرتين. لذا، وبعد طول غياب توقع الجميع أن يكون خطابه الأخير هو الأهم، لكنه لم يعط الناس شيئا، مجرد وعد بالحوار!

الجميع خرجوا من الخطاب باستنتاج واحد أنهم لم يفهموا ألغازه، هذا إن كانت فيه ألغاز. لم يرن في آذانهم شيء من رجاء، ولم تنقبض صدورهم أيضا من عبارات تهديد. عاشوا على آمال مثل: حل عشرة أجهزة أمنية، أو إقصاء عشرين مسؤولا، أو إعلان انتخابات، إلا أنهم سمعوا على مدى ساعة بشائر صغيرة مثل منح الفارين جوازات للعودة، أو مثل هذه، «إنه تم إعداد مشروع قانون الإدارة المحلية الذي سيسهم في معالجة الكثير من الإشكاليات مثل المركزية الحالية والتنظيم بين الإدارات المحلية».

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى