صفحات المستقبل

عندما يخذل المثقفون الشارع تربط الأقليات وجودها بالنظام


أجلس ُ الآن في غرفة ٍ معتمة ، أسمع ُ صوت َ المطر و الرعد ِ يهدد ُ سكون َ الأشياء من حولي ، هكذا تبدأ العواصف و تجتاح ُ كلّ شيء ٍ .

يتردد ُ في الآونة الأخيرة أحاديث جانبيّة كثيرة عن مخاوف بعض المثقفين و الناشطين على الإنترنت من تحوّل الحراك الشعبي على الأرض في سوريا من ثوريّ يضمّ كافة أطياف الشعب إلى طائفيّ يضمّ فئة ً معينة من الشعب ستلغي الفئات الأخرى منه ُ اذا ما انتصرت الثورة . و هذه المخاوف ربما تكون موجودة و حقيقية و لم تأت ِ من الفراغ ، لكنّ من خلقها هم المثقفون أنفسهم .

بعض المثقفين و المعارضين الذين قضوا معظم عمرهم في مبارزة النظام السوري و العراك معه ُ حول الحريات و حقوق الإنسان و الإعتقالات التعسفية و غيرها ، نفسهم من قضوا جزءا ً من عمرهمِ خلف َ قضبان ِ الإعتقال لرأي ٍ قالوه ُ أو مقال ٍ كتبوه ُ ، هم أكثر من يخدم صمتهم النظام السوري الذي مازال َ يقول أنّ الحراك الشعبي هو عبارة عن مسلحين و قتلة و عصابات مسلّحة و سلفيين. لو وجد َ بين َ الناس َ أسماء من المثقفين و المعارضين المشهود لهم بمنطقيتهم و رجاحة عقلهم لما استطاع النظام أن يُقنع َ جزءا ً كبيرا ً من الشعب الذي يقف ُ على الحياد ، أو المتخوّف ، بأنّ ما يجري هو فعلا ً عصابات مسلّحة . لو تبنّى صوتهم هذا  الحراك لما كان َ يتيما ً يبحث ُ عن أب ٍ يرعاه ُ و لما فـُتح المجال أمام َ بعض المستغليين بأن يتصدروا شاشات التلفزة و أن يتوجهوا بخطابهم إلى الشعب الذي لا نستطيع أن نمنعه ُ أن يحبهم و لا أن نخبره ُ اليوم بأنهم يريدون استغلاله ُ في حين أنهم الوحيدين الذين يقفون َ بصفّه ِ . كيف َ يمكن للمثقفين الذين خذلوا الشعب َ في الشارع أن يكسبوا ثقته ُ في المستقبل ؟

من ناحية أخرى فإنني أتفهم ُ تخوّف الأقليات من المجهول القادم مع المستقبل و لكن لا أفهم ُ أبدا ً اختيارهم بربط مصيرهم الوجودي بمصير النظام ، وجودهم بوجوده و فرض بأنّ زوال النظام سيؤدي إلى زوالهم. كثيرا ً ما قال لي أصدقاء من الأقليات بأنهم يخشون أن يبينون موقفهم من الذي يحصل لأنّ مجتمعهم المحيط بهم يرفض ذلك و لا يتهاون بأن يشي بأسمائهم إلى رجال الأمن ، فالمسألة بالنسبة له ُ مسألة دفاع عن الوجود و هذا حقّ. إلّا أن تبني هذا الفكر و ربط وجود فئة معينة من الشعب بوجود نظام ٍ أصبح َ زواله ُ أمرا ً بديهيا ً هو أمر ٌ لا منطقيّ . النظام لا يرتبط بأحد سوى بمصالحه ِ و هو يقوم باستخدام كافة فئات الشعب لخدمة هذه المصالح .  النظام ُ زائل و الشعب ُ باق ٍ و اذا كان لا بدّ للرهان على شيء و ربط الوجود به فهو الشعب الذي اذا تكاتف و ضمّ جميع فئاته لن يستطيع ألف “عرعور “ أو غيره ُ أن يؤثر في جوهره. الشعب لا يمكن أن يعتمد على فئة ٍ واحدة و لا يمكن لفئة واحدة أن تشكّل دولة .

غياب بعض فئات الشعب سواء من المثقفين أو بعض الأقليات أو غيرهم هو الذي يجعل من الحراك الشعبي اليوم مشكوكا ً باشراقة مستقبله ِ  و ليس َ العكس أبدا ً .

http://www.freesham.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى