صفحات سورية

عندما يكنس الناس شوارع سوريا

 


صالح مشارقة

نحن في انتظاركم أيها الشعب السوري العظيم، نحن في انتظاركم وانتم تكسرون خطة النظام العسكرية، وتبقون ثورتكم سلمية، لا مسدسات فيها ولا اغتيالات ولا إعدامات، ننتظر منكم دفتر حرية جديدا، دفتر يرفض فيه الشعب استخدام السلاح لتطهير وطنه، بل يشهر المكانس والأحذية في وجه مسدسات ودمى النظام.

مشهد المكانس كان أعظم لقطات التصوير في الثورة المصرية، فعندما نزل الناس العاديون آباء وأطفال وأمهات وصبايا وشبان ليكنسوا شوارع القاهرة في عز الثورة، عندما نزلوا اسقطوا رواية الحكم وخدروا عقل الحراس وانسوهم مهاراتهم الأساسية في رفع السلاح على المدنيين والعزل.

شاهدوا الأفلام الوثائقية عن التحول في مصر … واتحداكم أن لا تنهاروا عاطفيا إمام الأولاد والبنات الذين كانوا يكنسون شوارع وطنهم. ودققوا في الصور انظروا الى الأطفال الصغار الذين يتركون غرفهم بلا ترتيب يوميا لكنهم في غرفة مصر الكبيرة ينهمكون مع أمهاتهم باجتهاد كبير في تنظيف وترتيب البلد.

عندما يكنس الناس في سوريا شوارع وطنهم، تنتصر عبوديتهم واستسلامهم لما هو اكبر من الحكم، بإظهارهم أنفسهم عبيدا للوطن وشوارعه وأرصفته ولكل ذرة تراب مشى عليها الناس في الشارع. ينتصرون عندما يحمون الوطن بالنظافة فيما تظل قصور الحكم مشغولة بتنظيف صدأ المسدسات وخراطيم الغاز وحديد سيارات الشرطة.

عندما يكنس الناس شوارع سوريا، تنتصر ترسانة أسرة سورية على ترسانة أسرة الأسد، وتكسر المكنسة المسدس.. وتنتصر إلى الأبد.

اعرف أنني استطرد كثيرا في فكرة المكنسة، لكنني انهار عاطفيا بمجرد رؤية المصريين يكنسون شوارع القاهرة. هذا لم نره في كل ثورات التاريخ ولم تقم به أية شعوب لا أوروبية حضارية ولا آسيوية ثائرة ولا احد قام به ونريد أن يسجل للمجتمع العربي في تحولاته.

هذه هي تكتيكات الضعفاء المنتصرين التي تعلمتها من ميشال دي سارتو، هذه هي التكتيكات العفوية والساذجة التي تقتل الاستبدادات والطغيانات في كل شيء في الفكر الاجتماعي والسياسي والايديلوجيا والدين وفي ممارسة الحياة اليومية وفي قيام المعنى اليومي العبقري المستجد والثائر على التالف والمألوف.

يوم الخميس الماضي حاولنا على المنارة في رام الله، حاولنا أن نرد الجميل للشعب السوري، وقفنا قرابة عشرين شخصا فقط مرتبكين وخائفين، وقفنا مرتبكين حسن وخالد محمد ومهند ونائلة وتوفيق ومها وآخرين، مزقنا الخجل من عدم قدرة الفلسطينيين على تنظيم جمعة وفاء للشعوب العربية التي لطالما هرعت إلى الشوارع عندما كان يسقط منا طفل في غزة أو شيخ في جنين أو مقاوم في نابلس. لماذا ليس لدينا يوم وفاء فلسطيني لشعوبنا العربية وهي تكتب دفاتر حريتها الآن…. لماذا؟

في الشام ينبت أطفال الحرية في هذه الأيام، أولهم كان الطفل حمزة الخطيب، الذي اكتشف لأول مرة في بلده أن هناك لعبة هي أم الألعاب، اسمها الحرية وهي بديل اسم الحاكم في الشعار (الله وسوريا وحرية وبس)، جرب البريء أن يلعبها فكانت آخر ألعابه.

صحيح أنهم قتلوه لكنه إنولد في العقل والوعي العربي تماما مثلما إنولد محمد البوعزيزي في تونس، إنولد لنا طفل جديد كالقمر وصار شقيق بناتنا وأولادنا وحفيدنا له في كل عودة إلى البيت حبات حلوى أو دفتر ألوان أو أقلام رصاص وقمصان صغيرة وسينهكنا في النظر إلى وجهه بينما يكون طيفه في غرف أطفالنا.

مسكين حمزة صار مع البوعزيزي الآن ومع محمد الدرة وسالي زهران واحمد البسيوني ومع آخرين كثيرين كانوا رواد لعبة الحرية وضحايا ضباط توحشوا في الدفاع عن وهم بائد.

 

سيكنس أطفال الحرية في سوريا الشوارع، ولن يرفعوا المسدسات ولا السكاكين على الحاكم وترسانته، سينتصرون بالقبضات النظيفة وبالهتافات العفوية وبكاميرات الهاتف المحمول وبالتعليقات على الانترنت والصور واللافتات المهربة… سينتصر سلاح المكنسة والأحذية الطائرة على صور الزعماء ومسدسات ضباطهم وسيارات حرس النظام مهما امتدت المحنة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى