صفحات مميزة

عن إمكانية “بقاء الأسد” مقالات تناولت الحدث

 

الشعب السوري قرر مصير الأسد/ بكر صدقي

وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون «بق البحصة» الثمينة، أخيراً، وقال إن «الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد»، مستكملاً بذلك ما بدأته مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة من كشف عن «جديد» إدارة ترامب حيال الصراع في سوريا: «تنحية الأسد لم تعد أولوية أمريكية»!

لم يتأخر بطل السلاح الكيماوي بشار حافظ الأسد في رد هذه التحية بأحط منها، فضرب بلدة خان شيخون بغاز السارين، ثم قصف المستشفى الذي حاول معالجة ضحايا المجزرة الكيماوية، ليقتل من بقي من المصابين على قيد الحياة مع من يحاول إسعافهم من أطباء، مقدماً بذلك أوراق اعتماده لدى واشنطن الجديدة بقيادة ترامب.

فإذا كان ضربه للغوطة بالسلاح الكيماوي، في 21 آب/اغسطس 2013، قد أدى إلى استعادة شرعيته لدى إدارة أوباما، عبر صفقة تسليم هذا السلاح، فربما يطمح بطل الكيماوي، من خلال مجزرة خان شيخون، إلى تلقي الاتصال الذهبي من دونالد ترامب، إذا صحت هذيانات جريدة الأخبار اللبنانية بصدد طلب الأخير موافقة نظيره بشار على إجراء تلك المكالمة الهاتفية. فحتى هذه الجريدة السوداء قد تصدُق القول مرة في عمرها، ما دام الأمر يتعلق بشخص بمواصفات ترامب.

كان السؤال الذي يشغل بال المراقبين، إلى ما قبل التصريحات الأمريكية الأخيرة، هو كيف يمكن التوفيق بين السعي الأمريكي المعلن لتحجيم الدور الإقليمي لإيران، وعدم الانشغال بمصير النظام الكيماوي، وترك هذا الأمر بصورة تامة لروسيا؟ وها هي الفكرة «العبقرية» التي «وجدتها» إدارة ترامب لحل هذا التناقض: الإبقاء على النظام الكيماوي مقابل عزله عن إيران! هذا ما سبق تجريبه بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وأدى إلى تحقيق مكاسب صافية لإيران وتابعه السوري، مع مزيد من التحاق التابع بالمعلّم.

والمعادلة أكثر صعوبة اليوم. فعزل النظام عن إيران، يحتاج إلى فك عرى التحالف الروسي ـ الإيراني أيضاً، وهو ما يبدو متعذراً اليوم على رغم خلافات كثيرة بين الجانبين، ظهرت في مناسبات عدة، ميدانياً، في سوريا. لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن إيران ما لم تتلق الثمن المطلوب في أوكرانيا: الاعتراف بشرعية إلحاقها لشبه جزيرة القرم ورفع العقوبات عنها. وهو ما يبدو، إلى الآن، أنه ليس في وارد الأمريكيين والأوروبيين. بهذا المعنى يصبح إخراج إيران من سوريا إضعافاً للموقف الروسي في نزاعها البارد مع الغرب. ولو كان الأمر متعلقاً بنظام الأسد وحده لما كان لديه مانع من بيع إيران مقابل الحماية الروسية الدائمة، المعززة أمريكياً.

تذكرنا الإدانات الدولية لمجزرة خان شيخون، ومحاولة موسكو التملص من المسؤولية عنها، بأجواء ما بعد مجزرة الغوطة في آب/اغسطس 2013.

سنرى في الأيام والأسابيع القادمة كيف سيتغلب المجتمع الدولي على حرجه حيال ما حدث، ويتابع مراقبته للمجزرة التي ستتواصل في سوريا، مع إعادة التوكيد على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد الممكن من «الأزمة»!

بين ردود الفعل الأولية على المجزرة، كان الرد الأمريكي لافتاً ببلاهته: الإدارة السابقة هي المسؤولة عما حدث في خان شيخون! أهذا صحيح حقاً؟ قد يكون صحيحاً أن تراخي إدارة أوباما إزاء الخط الأحمر الشهير بصدد استخدام الكيماوي قد أدى إلى تمادي النظام، في السنوات اللاحقة، في سحق السوريين، لكن ذلك كان مقابل نزع سلاحه الكيماوي، على الأقل القسم الذي أعلن عنه.

وصحيح أنه كرر استخدام غاز الكلور مرات عديدة بعد ذلك، لكنه لم يجرؤ على استخدام السارين إلا بعد الإشارات المشجعة التي وصلته من واشنطن.

فحين تقول لنظام بهذه المواصفات إن الشعب السوري هو من يحدد مصيره، فهو الذي يصبح أكثر حرية في تحديد مصير الشعب السوري. وهذا ما لم يتغير بين عهدي أوباما وترامب. فحرب النظام، على المعارضة المسلحة والمدنيين، مستمرة بلا توقف على رغم وقف إطلاق النار الروسي ـ التركي الذي لم يعلن أحد عن انهياره بعد. والتهجير القسري للسكان مستمر على قدم وساق.

وقتل المعتقلين مستمر في المسالخ البشرية لنظام الأسد الكيماوي. فما هذه الشطارة في إلقاء المسؤولية على الإدارة السابقة، على رغم أنها تستحق كل الإدانة في سياستها السورية (والإيرانية استطراداً)، في حين أن المجزرة الكيماوية الجديدة وقعت الآن وهنا. فما الذي لدى إدارة ترامب لتقدمه من سياسة تصحح ما اقترفته الإدارة السابقة بهذا الخصوص؟

في الواقع العملي، وبسبب التواطؤ الدولي، النظام الكيماوي هو من يحدد مصير السوريين، وليس العكس. هو الذي يقرر متى يصبح «النسيج الديموغرافي مناسباً» على ما قال مرة بشار الكيماوي في تصريحات لوسائل إعلام غربية.

أما من حيث الشرعية، فكل العالم يعرف أن الشعب السوري قد قرر، منذ ست سنوات، مصير هذا النظام المجرم بصورة لا رجعة عنها: إلى مزبلة التاريخ. مع أقرانه وأشباهه.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

موقف أميركا الجديد من الأسد… هل السر عند بوتين؟/ صالح القلاب

لو لمْ يؤكد البيت الأبيض بلسان المتحدث باسمه شون سبايسر بأن ما قاله وزير الخارجية ريكس تايلرسون وكررته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نكي هيلي، من أن الولايات المتحدة لا تركز على رحيل الأسد وأن لديها أولويات راسخة في سوريا والعراق في مقدمتها هزيمة «داعش»، يمثل و«بشكل قاطع» موقف الرئيس دونالد ترمب فلبقي فَهْمُ التصريحات،

التي فاجأ بها هذان المسؤولان الأميركيان المعارضة السورية ومعظم المعنيين بالأزمة السورية إنْ ليس كلهم إنْ في هذه المنطقة الشرق أوسطية وإنْ في الغرب الأوروبي وإنْ في العالم بأسره، في إطار أنه لا ضرورة للتركيز حالياً على هذا الرحيل ما دام أنه سيكون «حتمياً» ومضموناً في حال تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي ينص على مرحلة انتقالية تُفضي إلى تشكيل هيئة ذات مصداقية واعتماد صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات برعاية أممية.

ولعل ما عزز هذه النظرة الآنفة الذكر إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تايلرسون التي دعا فيها إلى عدم التركيز على رحيل الأسد قبل أن يؤكد الناطق باسم البيت الأبيض بأن هذه التصريحات: «تمثل بشكل قاطع موقف الرئيس دونالد ترمب» أن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نكي هيلي قد قالت أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركية يوم الخميس الماضي، أي قبل أسبوع : «إن كلاًّ من الرئيس السوري بشار الأسد وإيران يشكلان عقبة كبيرة أمام محاولات المضي قدماً لوضع حدٍّ للنزاع في سوريا… وأنه حين يكون هناك زعيم مستعد للذهاب إلى حدِّ استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه فإنه لا بد من التساؤل عما إذا كان هذا الشخص يمكن العمل معه.. ومع العلم أنه إنْ لم تكن لدينا سوريا مستقرة فإنه لن تكون لدينا منطقة مستقرة وسيزداد هذا الوضع سوءاً… إنها، أي سوريا، تشكل مصدر تهديد دولي في الوقت الحالي ولذلك فإنه علينا أن نجد حلاًّ لها».

ولذلك واستناداً إلى هذا الذي قالته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة والذي لم تتحدث فيه ولو بإشارة عابرة عن عدم التركيز «حالياً» على إقصاء بشار الأسد فإن هناك من اعتبر أنَّ رحيل الرئيس السوري سيكون تحصيل حاصل في حال استهدف الأميركيون الوجود الإيراني في سوريا بالفعل وبخاصة إذا وافق الروس على مثل هذا الاستهداف الذي يبدو أنَّ إسرائيل لن تكون بعيده عنه إنْ هو تم فعلاً وحيث أكد سفيرها في موسكو غاري كورين أنها «جاهزة» للإقدام على عملية عسكرية في الأراضي السورية ضد حزب الله «والقوى الرديفة له» إذا شعرت بخطر حقيقي يتهددها.

وقال غاري كورين أيضاً حسب «الشرق الأوسط»: «إن النظام الإيراني كان مهتماً على الدوام بدعم سوريا وحزب الله واستغلالهما كأداتين لتهديد إسرائيل وردعها… إنَّ أراضينا تتعرض للقصف المتعمد أو غير المقصود من مختلف أنواع الأسلحة، ولذلك فإن جيشنا لن يقف مكتوف الأيدي وسيرد على ذلك.. إننا إذا ما تغير الوضع وشرع حزب الله وأيُّ ميليشيا شيعية أو إيرانية في حشد جبهة ثانية على مرتفعات الجولان فإننا لن نقبل بهذا الأمر حينها وسوف نرد بأسرع وقت ممكن».

وهنا فإن ما يجب التذكير به، ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة، أن بعض المعلومات كانت قد تحدثت عن أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تحدث يوم الأحد الماضي عن تطوير صواريخ إسرائيلية فعالة جديدة للدفاع عن إسرائيل ضد أي خطر محتمل، قد أجرى محادثات مطولة خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو مع فلاديمير بوتين حول الدور الذي من الممكن أن يقوم به الإسرائيليون في حال اندلاع حرب ضد الوجود الإيراني ووجود حزب الله على الأراضي السورية وبخاصة الأراضي المتاخمة لجبل الشيخ وهضبة الجولان المحتلة.

وهكذا فكيف بالإمكان يا ترى الحديث عن عدم التركيز على تنحية بشار الأسد وعن أنه، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر: «يوجد واقع سياسي علينا أن نقبله فيما يخص موقفنا الآن» طالما أن الولايات المتحدة، كما يقول المسؤولون الأميركيون، معنية باستهداف الوجود الإيراني في سوريا، وذلك بالإضافة إلى أولوية هزيمة تنظيم «داعش»… التي، كما هو واضح، باتت تأتي في مقدمة الأولويات الأميركية بالنسبة للأزمة السورية؟!

وهنا فإن السؤال المحير فعلاً ونحن بصدد استعراض هذه التطورات المستجدة هو: ما الذي جعل دونالد ترمب يتخلى عن العديد من المواقف الأميركية المعلنة المتمسكة بعدم القبول بأي وجود لبشار الأسد في مستقبل سوريا؟!

والجواب الذي يرجحه أميركيون كثيرون هو أن التعليمات بهذا الخصوص قد جاءت إلى الرئيس الأميركي الجديد، الذي تجري الآن تحقيقات متواصلة بشأن أي علاقة محتملة له بالروس قبل فوزه بمعركة الانتخابات الرئاسية، من فلاديمير بوتين الذي بقي يصر ومنذ بداية الأزمة السورية على أنه إما «داعش» وإما بشار الأسد وأن الأولوية هي للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي!!

والواضح بل المعروف أن ترمب لم يخف إعجابه، «المنقطع النظير» بالرئيس الروسي وأنه لم يكف إنْ قبل الفوز بالانتخابات الرئاسية وإنْ بعد ذلك، عن مواصلة «التغزل» به والتقرب منه وأنه يتفق ما مارين لوبان المرشحة للرئاسة الفرنسية في أن بوتين يمثل رؤية جديدة وأنه ظهر عالم جديد خلال السنوات القليلة الماضية هو عالم فلاديمير بوتين وعالم دونالد ترمب وأيضاً عالم رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي وبالطبع وعالم هذه اليمينية الفرنسية المتطرفة.

لكن، وهذا يجب أن يقال هنا وفي هذا المجال، أن للقائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الجنرال جيمس جونز رأياً آخر بالرئيس الروسي وهو أنه، أي فلاديمير بوتين، ليس إستراتيجياً على الإطلاق ولكنه ماهر في اقتناص الفرص واغتنامها.

والمشكلة أنه لدى التدقيق في هذا الجديد الذي يطالب الأميركيون المعارضة السورية والعرب به، فإننا لا نجد سوى ارتكاب نظام بشار الأسد للمزيد من الجرائم ولا نجد إلا استمراره بعمليات التفريغ السكاني وعلى أسس دينية وطائفية وإلاّ تعاونه الواضح والمكشوف مع «داعش» هذا التنظيم الإرهابي الذي تقول الإدارة الأميركية الجديدة أن الأولوية بالنسبة إليها أصبحت للقضاء عليه.

وأيضاً فإنه لدى التدقيق في هذا الجديد السوري فإننا لا نجد إلا أن هذا الـ«داعش»، المتحالف مع نظام بشار الأسد ومع الإيرانيين والذي يواجه هو وعملياته بسكوت روسي، والسكوت علامة الرضى كما يقال، لا يزال يسيطر على 41 في المائة من الأراضي السورية وكل هذا في حين أن المعارضة السورية بفصائلها المعتدلة والمتطرفة تسيطر على مثل هذه النسبة بينما يسيطر الروس والإيرانيون وحزب الله وعشرات التشكيلات الطائفية المستوردة على معظم ما تبقى من سوريا وبحيث لم يبق لهذا النظام السوري إلا بقع متناثرة صغيرة في المنطقة التي أطلق عليها رئيس هذا النظام اسم : «سوريا المفيدة».

وهكذا وفي النهاية فإن المفترض أن دوافع تمسك الروس ببشار الأسد واضحة ومعروفة، أما دوافع مطالبة الأميركيين للمعارضة السورية بالاعتراف بـ «الواقع الجديد في سوريا» فإن هذا غير معروف وغير مفهوم مما يرجح ما يقال عن أن السر في هذا المجال موجود في موسكو.. عند فلاديمير بوتين..

الشرق الأوسط»

 

 

 

متى كانت أولوية الولايات المتحدة إسقاط الأسد؟/ عمر كوش

أخيراً، أتحفتنا السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بالقول إن أولوية الولايات المتحدة في سورية لم تعد إزاحة بشار الأسد، وذهب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى تأكيد كلامها، والقول إن مصير الأسد يحدّده الشعب السوري، وكأن مسألة إسقاط الأسد كانت تثقل كاهل بلاده، وتستنزف قسماً من مواردها، في حين أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى كانت أولوية الولايات المتحدة الأميركية إسقاط الأسد أو إزاحته عن السلطة؟

ويعلم القاصي والداني أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كان له اليد الطولى في إطالة أمد الحرب في سورية، وأنه كان يضع مختلف الحجج والعراقيل للتنصل من المسؤولية الدولية والأخلاقية حيال ما يقترفه نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس من جرائم حرب بشعة بحق غالبية السوريين، بل إن سياسته أفضت إلى المحافظة على نظام الأسد، مع التغاضي عن جرائمه التي وصفتها جميع المنظمات الحقوقية بأنها جرائم حرب أو ضد الإنسانية، من استخدام السلاح الكيماوي إلى القصف بالبراميل المتفجرة العشوائية، إلى حصارات التجويع والتركيع، إلى التعذيب حتى الموت.

وليس جديداً موقف إدارة الرئيس ترامب من بشار الأسد، لأن وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، اعتبر، في أكثر من مناسبة، أن “على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتفاوضوا مع الرئيس السوري، بشار الأسد، من أجل انتقال سياسي في سورية”، ولم يخف استعداد بلاده التفاوض مع الأسد “في نهاية المطاف”، الأمر الذي نسف عبارة “فاقد الشرعية” التي عادة ما كان يردّدها المسؤولون الغربيون، عندما يأتون على ذكر الأسد في بداية الثورة السورية، على الرغم من أنهم كانوا يردّدونها، بوصفها لفظاً، يفترق عن حمولاته المضمونية.

وعلى الرغم من أن تصريحات مسؤولي الإدارة السابقة اتسمت بالتنديد والشجب لممارسات النظام في بداية الثورة السورية، مع تأييد مطالب الثائرين في الحرية والديمقراطية، إلا أنها لم تجد معادلاً لها في الواقع، بل راح بعضهم يبيع الأوهام للمعارضة السياسية السورية، في حين أن إدارة بلادهم قامت بابتزاز المقاتلين في “الفصائل المعتدلة”، من خلال تقليص الدعم المحدود والتمويل المتحكّم به، ومنع وصول السلاح النوعي إلى أيديهم، ما أسهم، بالإضافة إلى جرائم النظام السوري الممنهجة، في استفحال ظاهرة التطرّف، وتنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وأخواتها، على حساب تدهور وضع تشكيلات الثوار.

“ليس جديداً موقف إدارة ترامب من الأسد، لأن وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، اعتبر، في أكثر من مناسبة، أن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتفاوضوا مع الأسد، من أجل انتقال سياسي في سورية””

وتغاضت الإدارة الأميركية السابقة عن التدخل العسكري الروسي، وراحت تنسق معه، وقبل ذلك سكتت عن التدخل السافر لنظام ملالي إيران في سورية، عبر خوضهم معركة الدفاع عن بقاء نظام الأسد، فأرسلوا آلاف المقاتلين والمستشارين، والآلاف من مليشيات حزب الله اللبنانية، والمليشيات الطائفية العراقية، وشكلوا ألويةً وفرقاً مليشياوية داخل سورية، وألوية المرتزقة، من دون أن تحرّك الولايات المتحدة ساكناً.

ولا شك في أن تعامل ساسة الولايات المتحدة من القضية السورية أسهم تحويلها من ثورة، تنشد الحرية والكرامة، ضد الاستبداد المقيم منذ أكثر من أربعة قرون، إلى قضية مجموعات متطرّفة، وصراع نفوذ إقليمي ودولي، قسّم المنطقة إلى معسكريْن، متضادين ومتحاربين على الأرض السورية، وأدى ذلك إلى ترك النظام السوري يفعل ما يريده من قتل أغلبية السوريين وتشريدهم، مع تكرار المسؤولين الأميركيين طمأنة النظام، من خلال تأكيدهم عدم وجود نية لدى بلدانهم في التدخل العسكري، وأن الحل الوحيد هو الحل السياسي، بمعنى يُفهم النظام بأنه مهما ارتكب من انتهاكات وجرائم، لن تكون هناك قوة دولية تردعه، لذلك مرت جرائمه من دون أي عقاب يذكر.

ولعل حيثيات الموقف الأميركي ظهرت منذ بداية الثورة، ثم مع التحولات والمتغيرات التي صاحبتها، وتجسّدت في اعتبار أن من مصلحة الولايات المتحدة دمار سورية وجعل الأوضاع فيها تسير نحو التعفن والتفكك والخراب، وأن لا مصلحة لديها للتدخل لوقف الكارثة، كونه لا يخدم مصلحة إسرائيل وأمنها، بوصفها حليفها الإستراتيجي الأوحد في المنطقة.

وعلى الرغم من أن موقف الإدارة الأميركية الجديدة حيال قضية الشعب السوري الطامح إلى الخلاص من نظام الأسد المجرم موقف لا مسؤول حيال قضية عادلة، إلا أنه واضح وغير موارب مثل موقف الإدارة السابقة، ومبني على الرؤية التي برّر وفقها الساسة الغربيون مواقف بلادهم حيال ما يجري في سورية، وتفيد بأنهم باتوا أمام أحد الخيارين، إما “داعش” وأشباهها أو النظام، مع ترجيح أن الأخير يشكل خطراً أقل من “داعش”. لذلك فإن بقاء الأسد في السلطة أفضل من أن تأخذ “داعش” السلطة مكانه، وهي رؤية خاطئة، تعتبر أن “داعش” يسعى إلى إسقاط النظام السوري، والحلول محله، ذلك أن “داعش” لا يطمح في أن يشكل بديلاً عن الأسد، ولم يطرح ذلك في أدبياته مثل هذه التصورات، فضلاً عن محاربة نظام الأسد ليست من أولوياته، بل عمل النظام على التنسيق معه، في أكثر من موقع ضد فصائل الجيش السوري الحر، وعقد معه اتفاقيات نفط وغاز وكهرباء. إضافة إلى هذه الرؤية، تلغي حقيقة أن جرائم النظام وحربه الشاملة ضد الثوار وحاضنتهم الاجتماعية، منذ بداية الثورة، جعل قسماً كبيراً من المحتجين السلميين ينحازون نحو العسكرة، وأن النظام أسهم في دخول العناصر المتطرّفة عبر إطلاق سراح أعداد كبيرة منهم من سجونه، وخصوصا سجن صيدنايا، إضافة إلى انسحاب قواته عن مناطق وجوده على الحدود مع العراق وتركيا، لصالح تنظيم داعش والفصائل المتطرّفة الأخرى، كما أن النظام هو أساس المشكلة السورية، وأن لا حل لمشكلة الإرهاب مع بقاء الأسد في السلطة، لأنه مارس جرائم إرهاب فظيعة بحق غالبية السوريين، وقتل أكثر من نصف مليون، وشرّد أكثر من نصفهم، ما بين لاجئ ونازح، ودمر أماكن سكناهم ورزقهم.

العربي الجديد

 

 

 

 

بالأسد أو من دونه، سيّان!/ علي بردى

شاءت تعقيدات الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من ست سنوات أن ترجح ميزان الربح والخسارة لمصلحة الرئيس بشار الأسد. ثمة تسليم بأن روسيا وايران خيبتا المساعي لاسقاطه منذ البداية. لم تعد هذه أيضاً في صدارة أولويات “دول القرار”، وخصوصاً الولايات المتحدة. غير أن التسوية لا تبدو الآن في المتناول. تكاد سوريا تصير كيانات، بالأسد أو من دونه.

مزقت الحرب النسيج الإجتماعي في سوريا. وحدها الأرقام – مهما سخر منها الأسد والمخلصون له – تظهر حجم الفظاعات التي حصلت. نجح من تصفهم المعارضة بأنهم “منحبكجية” في الإفادة من كل فرصة وأي فرصة للدفاع عن الأسد. بينما فشل المعارضون، وما أكثرهم، في لملمة شتاتهم تحت سقف واحد ضده. يقدر أن عدد سكان سوريا كان زهاء ٢١ مليون نسمة قبل بداية الثورة عام ٢٠١١. غير أن السنوات الست الأخيرة خفضت هذا العدد الى نحو ١٦ مليوناً. وصل عدد اللاجئين الى خمسة ملايين، أكثرهم في لبنان والأردن وتركيا. اضطر نحو عشرة ملايين الى النزوح عن أماكن إقامتهم، في موازاة إعادة تشكيل للتجمعات الديموغرافية في مناطق مختلفة على أساس الدين والطائفة والمذهب والعرق. توقفت عملية احصاء القتلى مع أن التقديرات تشير الى ما بين ٣٠٠ ألف و٥٠٠ ألف قتيل وأكثر من مليون جريح، بينهم عشرات الآلاف ممن أصيبوا بأعطاب دائمة.

استعادت القوات النظامية الجزء الأكبر مما يعتبره الأسد “سوريا المفيدة”. ولكن ما أن يشرف على “إنتصار” في معركة حتى تنفتح له جبهة أخرى. لا تزال تشكيلات غير متآلفة من المعارضة والجماعات الإرهابية تسيطر على مناطق واسعة من سوريا هذه، فضلاً عن “غير المفيد” منها. تتفاوت نسب النفوذ لدول مؤثرة مثل تركيا والسعودية وغيرهما. يبدو أن الجميع حزموا أمورهم على تحقيق الهدف الأول: القضاء النهائي على “الدولة الإسلامية – داعش” عبر العراق وسوريا.

في موازاة التقدم الذي تحرزه القوات العراقية، يدعمها “الحشد الشعبي” الموالي لايران وقوات “البشمركة” الكردية لتحرير الموصل من “الدولة الإسلامية – داعش” بغطاء عسكري واسع من الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بدأ السباق عملياً في اتجاه تحرير الرقة، عاصمة الخلافة، بمساعدة أيضاً من الولايات المتحدة التي تسلح وتدرب تحالفاً عربياً – كردياً على الأرض، فضلاً عن تحالفها الدولي – العربي. في المقابل، لا تريد روسيا وايران ترك هذا الميدان.

في انتظار النتائج الحاسمة لهذه المعركة وسواها، لا يمكن تصور شكل سوريا الذي يتغير بصرف النظر عن مستقبل بشار الأسد.

بقاؤه أو رحيله سيّان!

النهار

 

 

 

 

استغراب لتسليم واشنطن ببقاء الأسد علناً في ظل عدم تحديد سياسة خارجية أميركية بعد/ روزانا بومنصف

اثارت المواقف التي اطلقتها مندوبة الولايات المتحدة لدى منظمة الامم المتحدة نيكي هيلي عن “ان اولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على ازاحة الاسد من السلطة” انتقادات ديبلوماسية من حلفاء واشنطن الغربيين سرعان ما تبينت في مواقف وزيري الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت والبريطاني بوريس جونسون. اذ قال الاول “اجهل ماهية الموقف الاميركي في النهاية وادعو المسؤولين في واشنطن الى توضيح موقفهم” فيما قال نظيره البريطاني “ان التركيز على التصدي لداعش هو امر جيد لكن يجب حصول انتقال لابعاد نظام الاسد الذي تسبب في عدد كبير من القتلى والدمار..”. وقد لا تكون المواقف الاوروبية مؤثرة بشكل فاعل في معادلة القوى المتعلقة بالازمة السورية، الا ان هذين الموقفين استدعيا ردا من البيت الابيض ورد فيه “في ما يتعلق بالاسد يوجد واقع سياسي علينا ان نقبله في ما يخص موقفنا الان”. هذا الموقف الاميركي بدا مستغربا من مصادر ديبلوماسية غربية انتقدت الموقف الاميركي انطلاقا من عوامل عدة قد يكون ابرزها عدم وجود سياسة اميركية ازاء سوريا بعد مع الادارة الجديدة وتاليا فان السؤال هو كيف يمكن ادارة ان تتخذ موقفا من هذا النوع وتسلم بورقة او باعلان ورقة يمكن ان تستخدمها من اجل ما يمكن تحصيله في المقابل على اي صعيد كان من روسيا او سواها؟. وما هو العامل الاضطراري الذي يدعو الى التسليم علنا بهذه الورقة وما هو تأثيرها بالنسبة الى الاستعدادات لاستعادة الرقة من تنظيم الدولة الاسلامية؟. اذ ان بقاء الاسد مرحليا هو امر واقع سلم به الجميع ضمنا في انتظار انخراط الولايات المتحدة في سياسة واضحة ازاء سوريا والمنطقة بحيث لم يكن من داع لاعلان هذا الموقف في هذا التوقيت. فالديبلوماسيون المهتمون والمعنيون مباشرة بالشأن السوري يجزمون بان لا سياسة اميركية حتى الان ازاء سوريا وكذلك الامر بالنسبة الى سائر المتصلين باركان هذه الادارة. والموقف الاميركي لقي انتقادا من باب انه اعطى اوراقا مهمة للرئيس الاسد من حيث الاستمرار في رفض الانتقال السياسي في اي مفاوضات تجري في جنيف واعطائه دفعا قويا اما للمضي في عمليات عسكرية من اجل اعادة اخضاع المعارضين السوريين لشروطه انطلاقا من انه سبقت مفاوضات جنيف الاخيرة عمليات عسكرية للمعارضة قرب دمشق سمحت لها بتوجيه رسالة للنظام وداعميه باستمرار وجود القدرة على تحقيق مكاسب ميدانية ما عزز موقعها في المفاوضات. في حين ان موقف الولايات المتحدة يفضي الى غض النظر عن عمليات عسكرية من اجل تطويع المعارضة وتحجيمها من اجل تحجيم مطالبها بالانتقال السياسي وفق جنيف واحد. يسري ذلك على ما تعتبره المصادر نفسها تخبطا في الموقف الاميركي من المناطق الامنة التي تجزم هذه المصادر باستحالة اقامتها ما لم تعن انخراطا اميركيا اكبر.

والامر مستغرب في شأن الاسد مقدار ما يعبر عن تسليم مسبق اقله علنيا بمطلب ليس روسيا فقط في شأن الرئيس السوري بل بتمسك ايراني مطلق ببقاء الرئيس السوري في الوقت الذي تنطلق الولايات المتحدة في الموضوع السوري من موقع متقدم في غير مصلحة حلفائها وموقفها في الادارة السابقة علما انها لم تحدد سياستها ازاء سوريا. وينسحب الامر ايضا على رغبة الادارة الاميركية وفق ما اعلنت بالتصدي لايران في طموحاتها في المنطقة فيما تسلم لها مسبقا بورقة مهمة تعزز نفوذها في سوريا ولا تقوضه انطلاقا من ان بقاء الاسد اكان رئيسا فعليا او رئيسا خاضعا للنفوذ الايراني او الروسي هو ابرز المكاسب لايران في سوريا من بين مكاسب اخرى. فهذه عناوين حددتها الادارة الاميركية الجديدة حتى الان فيما ترجمتها متناقضة مما يترك الحلفاء في موقع صعب ازاء تحديد او تبني سياسة جديدة في غياب الاسس الواضحة لذلك وكذلك غياب الاهداف.

ترد المصادر الديبلوماسية المعنية اسباب ذلك الى استمرار تخبط الادارة الاميركية فعليا وتستشهد على ذلك بالارباك في مواقف وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي لا تلحظ المصادر اي تأثير لحضوره بعد او لوزارة الخارجية الاميركية ككل في صوغ اي رؤية واضحة في مقابل عدم الرغبة في خوض معارك فعلية ضد روسيا التي ترغب في ابقاء الاسد في موقعه الى جانب اقتناع حلفاء لاميركا كتركيا مثلا ومصر ايضا على رغم تباعدهما والتوتر القائم بينهما ببقاء الاسد في موقعه تحت وطأة العمل من اجل ان تشكل حكومة تضم المعارضة وتعطيها حصصا تشارك فيها في الحكم بما يحد من صلاحيات الاسد وسيطرته على مفاتيح السلطة في سوريا. وهو ما يجري العمل عليه بقوة من روسيا منذ بعض الوقت لجهة دفع التفاوض في اتجاه مدى خضوع المؤسسات لا سيما الامنية منها الى سلطة الاسد وما هي حدود سلطته الفعلية على رغم الاقتناع بان العمل وفق هذا المنطق لا يعني ان حل الازمة السورية بدا واضحا حتى الان علما ان ديبلوماسيين يقولون ان هذه الطريق قد تكون بداية الحل مع الاعتراف بان جميع الضالعين او المنخرطين في الحرب السورية قد انهكوا ما يؤشر الى جدية امكان البحث عن حلول على رغم ان المفاوضات في جنيف ليست بالجدية التي تسمح بالقول انها تقود الطريق الى ذلك خصوصا في ظل غياب اتفاق اميركي روسي حتى الان. انما يترافق ذلك مع الاقرار بان هذه البداية لا تعني اطلاقا ان الحل محتمل قبل بضع سنوات بمتغيرات كثيرة ايضا.

النهار

 

 

 

أمريكا و«بشار» من جديد.. وفرحة «الممانعين»!!L ياسر الزعاترة

ثلاثة تصريحات خلال 24 ساعة صدرت من واشنطن بشأن بشار الأسد، وقد تصل هذه السطور للقارئ، وقد صدر المزيد من ذات اللون والممضون.

التصريح الأول كان لمندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة “نيكي هيلي”، التي قالت إن “سياسة بلادها في سوريا لم تعد تركز على إزاحة الرئيس بشار الأسد”، مضيفة أن “أولويتنا هي كيفية إنجاز الأمور ومن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقي للناس في سوريا (..) لا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة”.

بعدها بساعات كان وزير الخارجية، تيلرسون، يقول إن مصيره (أي بشار) “سوف يحدده الشعب السوري على المدى الطويل”، وهي ذات العبارة التي ما برحت طهران (أتباعها أيضا) وموسكو ترددها منذ خمس سنوات.

بعد ذلك جاء دور المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، والذي قال إن هناك حقيقة سياسية واقعية علينا تقبلها بخصوص حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد، مشددا على أن “بلاده في حاجة الآن إلى التركيز على هزيمة تنظيم الدولة بصفتها رأس أولوياتنا”.

والسؤال الذي يطرح نفسه بناء على ذلك، وفي ظل الاحتفالية التي أقامها إعلام التابعية الإيرانية بهذه التصريحات، هو: هل ثمة جديد في الموقف الأمريكي من بشار حقا، أم أن الاستراتيجية التقليدية لا زالت تتواصل منذ خمس سنوات ولغاية الآن؟

ربما نحتاج هنا إلى القول إن التصريحات الدبلوماسية لا تعكس دائما السلوك الواقعي على الأرض، ونتذكر على هذا الصعيد مثلا ما كنا نتابعه من تصريحات تتعلق بسوريا من قبل أوباما، وعلى نحو متكرر حد الملل من وزير خارجيته جون كيري، ونتذكر كيف كانا يقولان الشيء ونقيضه، وكيري تحديدا كان يتحدث عن سوريا بحسب البلد الذي حل فيه، والضيف الذي يكون بجواره، وكانت قضية الموقف من بشار هي الأكثر ارتباكا في التصريحات.

أما على الأرض، فكانت الاستراتيجية الأمريكية هي ذاتها لم تتغير ولم تتبدل منذ عسكرة الثورة نهاية العام 2011، وهي إطالة أمد الحرب من أجل استنزاف الجميع. وفيما كان هذا الموقف استجابة للرغبة الصهيونية في البداية، فقد أصبح أكثر وضوحا بعد التدخل الروسي على أمل توريط الروس في حرب طويلة تستعيد أفغانستان، وأن بدا بوتين حريصا على هذا الصعيد.

هناك تطور برز في الآونة الأخيرة يتمثل في زيادة التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، لكنه تدخل بذات الروحية، ممثلة في إطالة أمد النزيف، إلى جانب مساعي دعم الأكراد تحديدا، وهو دعم يصب أيضا في لعبة إطالة الحرب أيضا، فيما يمكن القول إن الحرب على تنظيم الدولة تصب أيضا في صالح النظام بهذا القدر أو ذاك، وإن استثمر كثيرا في وجود التنظيم لأجل وصم الثورة بالإرهاب.

الخلاصة أن أمريكا لم تكن يوما مع الثورة السورية، بل هي ذاتها من ضغط على جميع داعمي الثورة من أجل حرمان الثوار من السلاح النوعي القادر على الحسم، والاكتفاء بالسلاح القادر على إبقاء مسيرة الحرب مستمرة.

وإذا شئنا توخي الأمانة، فإن هذه الاستراتيجية التي خطط لها الصهاينة واعتمدتها أمريكا، وأمّن عليها الغرب عموما قد أثبتت نجاحا، فقد استنزفت إيران وحلفاءها، وكذلك تركيا وربيع العرب، وتم تدمير سوريا، وكل ذلك يستخدمه بعض فاقدي الأخلاق ضد الثورة، لكأن الجريمة هي جريمة شعب طلب الحرية والكرامة، وليست جريمة نظام وحلف طائفي رد على مطالبه المشروعة (وبطريقة سلمية لشهور) بالموت والتهجير والتدمير.

يبقى القول إن من سيفرض مصير بشار والنظام هو تسلسل الأحداث، وتحديدا حين يدرك الجميع أن أحدا لن يوقف الحرب ما لم يحصل السوريون على حد مقبول من طموحاتهم، ممثلة في التخلص من المنظومة الطائفية الأمنية القديمة، ولو استمرت الحرب عشرة أعوام أخرى.

*كاتب سياسي أردني/ فلسطيني

الدستور الأردنية

 

 

معهد واشنطن: تغيير مسار بشار الأسد

كلنا شركاء: أندرو جيه. تابلر- معهد واشنطن

في الرابع من نيسان/أبريل، استخدم نظام الأسد أسلحة كيميائية ضد المدنيين في محافظة إدلب السورية، الأمر الذي شكّل اختباراً مبكراً وفعالاً للسياسة الخارجية لإدارة ترامب. وفي حين منحت واشنطن الأولوية لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق سوريا، تبرهن انتهاكات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار واستخدامه للأسلحة الكيميائية في غرب البلاد أن الرئيس بشار الأسد مستمر في مسعاه الهادف إلى استعادة كل شبرٍ من الأراضي السورية، على الرغم من افتقاره إلى القوات اللازمة لذلك. وطالما تستمر هذه الدينامية، فمن المرجح أن يستمر معها استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية، الأمر الذي سيعيق الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية تفاوضية تحافظ على سلامة البلاد. وهذا بدوره سيزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية ويفتح المجال أمام الجماعات الإرهابية المدرجة في قائمة الولايات المتحدة للإرهاب بتوسيع نطاق ملاذاتها الآمنة.

لقد بدأت الإدارة الأمريكية بصياغة ردّها العلني على الهجوم، مع إشارة وزير الخارجية ريكس تيليرسون إلى تحوّل محتمل في السياسة خلال مؤتمر صحفي عقده في 6 نيسان/ أبريل حيث قال: “من الواضح أن دور الأسد في المستقبل غير مؤكد، ومع الأعمال التي أقدم عليها يبدو أنه لن يكون له أي دور في حكم الشعب السوري”. وإذا قرر الرئيس الأمريكي اتخاذ خطوات صارمة لدعم هذا الكلام، يمكنه الاستعانة بعدد كبير من الآليات الدولية القائمة.

نظرة قانونية دولية

في الوقت الذي تعمل فيه “بعثة تقصي الحقائق” التي شكلتها “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” على جمع الأدلة حول المادة المستخدمة في اعتداء هذا الأسبوع وحول الجهة المسؤولة، يجدر بواشنطن وشركائها أن يطالبوا نظام الأسد بالامتثال لصلاحيات اللجنة، وتحديداً ما يعرف بـ “آلية التحقيق المشتركة”. وحتى اليوم مكّنت هذه الآلية “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” من اكتشاف استخدام نظام الأسد لغاز الكلورين ثلاث مرات على الأقل، وهذه انتهاكات واضحة لـ “اتفاقية الأسلحة الكيميائية” التي انضمت إليها سوريا في إطار اتفاق الأسلحة الكيميائية الذي لاقى ترويجاً ضخماً في عام 2013 وتوسطت فيه روسيا والولايات المتحدة. وإذا تم التحقق من استخدام غاز السارين في 4 نيسان/أبريل، ستؤكَّد الشكوك التي تساور “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” منذ فترة طويلة، وهي أن سوريا لم تكشف عن كامل مخزونها من الأسلحة الكيميائية وفق ما يستوجبه اتفاق 2013، وهي مسألة بنفس القدر من الخطورة مع عواقب كبيرة على الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي.

وفي السياق الأوسع، تُظهر هذه التطورات أن الأسد يصعّد مسعاه القاسي للبقاء في السلطة. فمن خلال قصفه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بالغاز بصورة عشوائية وعرقلته التوصل إلى حل سياسي، فإنه يضمن بقاء البلاد في حالة انقسام دائم تستنزف الشعب وتنشر التنظيمات الإرهابية في كل مكان. وبامتناعه عن الوفاء بالتزاماته بموجب “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”، فهو يهدد بتضخيم أعباء الصراع – فكلما طال استخدامه لهذه الأسلحة، زاد احتمال أن تقع في أيدي الإرهابيين، ناهيك عن حقيقة أن مثل هذه الفضائع تعزز التطرف وجهود التجنيد. وباختصار، لا تزال الحالة تشكل تهديداً واضحا للأمن الإقليمي والدولي.

لذلك، يجدر بالولايات المتحدة أن تقلب الطاولة على الأسد وتستغل انتهاكاته لـ “اتفاقية الأسلحة الكيميائية” لحمله على الالتزام بثلاث قضايا أخرى، وهي:

  • وقف إطلاق نار مستدام من شأنه أن يسمح بإجراء محادثات سياسية حقيقية
  • عملية إنتقال سياسي كما هي محددة في “إعلان جنيف” لعام 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254
  • إقامة مناطق آمنة في سوريا لحماية المدنيين.

إن الامتثال لـ “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” و”إعلان جنيف” مكرّسان في نفس وثيقة مجلس الأمن الدولي، أي القرار 2118، الذي يمكن تنفيذه من خلال عدة تدابير كالعقوبات الناشئة واستخدام القوة بعد صدور قرار لاحق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فالقرار 2235 الذي انبثقت عنه “آلية التحقيق المشتركة” ينضوي تحت الفصل السابع المذكور. ومن بين منافع الضغط الأخرى لتنفيذ هذه القرارات أنه سيرغم روسيا على الكشف عما إذا كانت غير قادرة أو مجرد غير راغبة عن حضّ نظام الأسد على وقف استخدام أسلحته الكيميائية والتفاوض على عملية انتقال سياسي. ومن شأن هذه المقاربة أيضاً أن تعد الأمريكيين لمواجهة عسكرية محتملة مع الأسد بشأن انتهاكاته لاتفاقية الأسلحة الكيميائية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون القرارات بمثابة وسيلة للحصول على موافقة روسيا على ضرورة المناطق الآمنة في سوريا.

المصارحة والتفاوض بحسن نية

من شأن التركيز على جهود التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا أن يساعد واشنطن على تحديد موقفها من دمشق وموسكو. والسبيل الأفضل لمنع الأسد من تصعيد الأزمة والهيمنة على العملية الانتقالية هو الضغط عليه للالتزام بـ “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”، ولا سيما البنود المتعلقة باستخدامها والإفصاح عنها. وهذا من شأنه أيضاً أن يسلب سلاحاً استراتيجياً استخدمه النظام مراراً وتكراراً، ويمنع وقوعه في أيدي الإرهابيين. ويمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية بالتسلسل الآتي:

ممارسة ضغوط دبوماسية حول القرارين 2118  و 2235: يجب أن يركّز هذا الجهد على مسألتين هما: تدمير الأسلحة الكيميائية وتسهيل قيام الهيئة الحاكمة الانتقالية المذكورة في “إعلان جنيف”. فمشكلة الأسلحة الكيميائية هي المسألة السورية الوحيدة التي تلقى توافقاً واضحاً في مجلس الأمن الدولي حول الخطوات التي ينبغي على الأسد اتخاذها. وبالمثل، فإن العملية الانتقالية المحددة في” إعلان جنيف” تحظى بقبول دولي واسع النطاق. ومن شأن التشديد على هاتين المسألتين عبر التركيز على الامتثال للقرار 2118 أن يبقي النظام ملتزماً بالمخطط وأن يوجهه بعيداً عن تبرير هجومه ضد المدنيين كحرب على “الإرهاب”. وفى الوقت نفسه، يتعين على الحكومة الأمريكية مواصلة ضغطها لاعتماد مشاريع قرارات من قبل الأمم المتحدة من شأنها ان تجعل أركان النظام السوري مسؤولة عن أي تورط فى هجمات بالأسلحة الكيماوية. وينبغي أن تكون لهذه القرارات نتائج واضحة في حالة عدم الإمتثال.

استحثاث ضغط عام على دمشق وموسكو بناءً على عدم امتثال الأسد لـ “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”: تستطيع واشنطن، من خلال تسليط الضوء على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية وانتهاكاته المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، أن تحدد بشكل قطعي ما إذا كانت روسيا ستقنع الأسد بالوفاء بالتزاماته بشأن الأسلحة الكيميائية والانتقال السياسي. ومن شأن هذه المقاربة أن تحث موسكو على المستوى الإنساني والسياسي أيضاً، مما يعطيها ذريعة للضغط فعلياً على الأسد.

زيادة الدعم السياسي لإيجاد تسوية سورية قابلة للتطبيق ولجهود مكافحة الإرهاب: من شأن الضغط الدبلوماسي وضغط الرأي العام أن يسهما في استعادة دعم المعارضة للولايات المتحدة بعد أن كان هذا الدعم قد وصل إلى الحضيض في عهد أوباما. وبوسع واشنطن بدورها أن تستغل هذه النية الحسنة للحصول على ضمانات من المتمردين بشأن وقف إطلاق النار والمحادثات السياسية. وقد يشكّل هذا الأمر أيضاً خطوةً أولى جيدة نحو كسب دعم سياسي للمناطق الآمنة من أجل حماية المدنيين وطرد التنظيمات الإرهابية.

تحذير روسيا للابتعاد عن القواعد السورية: من أجل التحكم بخطر التصعيد والانتقام الروسي من الأضرار الجانبية الناجمة عن الضربات العسكرية الأمريكية المحتملة، يتعين على واشنطن أن تنبّه موسكو حول إبقاء قواتها بعيداً عن جميع القواعد السورية المشاركة في تخطيط هجمات الأسلحة الكيميائية أو مزج/نشر عوامل الأسلحة الكيميائية.

سيف داموقليس: قوة عسكرية مباشرة ومحدودة

يُظهر سجل الأسد منذ عام 2013 أنه لا يتّبع أي تغيير كبير في مساره ما لم يواجه تهديداً حقيقياً من القوات العسكرية الأمريكية. ويمكن اعتبار رده على الضربات العسكرية الإسرائيلية منوّرةً في هذا السياق. ففي الماضي، لم يتخذ النظام أي خطوة تذكر عندما دخلت الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي السوري وقصفت القوافل التي كانت تحاول نقل أسلحة استراتيجية إلى «حزب الله». ولكنّه استخدم مؤخراً الأنظمة المضادة للطائرات من أجل ضرب الطائرات الإسرائيلية أثناء قيامها بمثل هذه المهام، مستمداً الثقة بالنفس على ما يبدو من الدعم العسكري المتنامي من روسيا وإيران. ولذلك، من الضروري إخراج الأسد عن هذا المسار الخطير. فهذه المسألة ليست مجرد مصداقية أمريكية: فمن خلال إطالة الحرب وتصعيدها، يخوّل النظام الاستمرار بفرض تهديدات مباشرة على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط.

ومما يزيد الوضع إلحاحاً هو التوقيت السياسي المحلي: ذلك أن طريقة تعامل الرئيس ترامب مع الأزمة ستكون تحت تدقيق متزايد، الأمر الذي يحد من قدرته على اتخاذ خطوات حازمة بشأن قضايا دولية ملحة أخرى (مثل حالة كوريا الشمالية). وبينما تقرر الإدارة الأمريكية ما إذا كانت ستتبع الخيار المنخفض التكلفة نسبياً والمتمثل بالرد العسكري المحدود (مثل ضربات القذائف الانسيابية [صواريخ كروز])، فيمكنها أن تتخذ على الفور خطوةً دولية فعالة ضد تصرفات نظام الأسد تتمثّل بالدرجة الأولى بممارسة الضغوط من أجل تطبيق القرارين 2118 و2235 والمطالبة بإقامة مناطق آمنة.

 

 

 

 

 

واشنطن: الأسد أمر واقع/ عبد الرحمن الراشد

شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، ألقى قنبلة مدوية، «بالنسبة للأسد، فإنه يوجد واقع سياسي علينا القبول به». السبب؟ أنه توجد للولايات المتحدة أولوية أهم، ألا وهي محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا. هذا التبرير الرسمي للمتحدث الرئاسي الأميركي.

في الواقع، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإعلانه الخطير هذا، لم يخرج عن خط تعهداته التي أعلنها خلال حملته الانتخابية. حينها انتقد ترمب سياسة سلفه الرئيس باراك أوباما لأنه ترك إيران تستولي على العراق وإيران، لكنه قال إنه عند توليه الرئاسة سيركز على محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الروس. عملياً، اليوم ينفذ ما قاله حرفياً بالأمس.

السؤال الصعب كيف يستطيع ترمب محاربة النفوذ الإيراني و«داعش» وفي الوقت نفسه يتعاون مع نظام دمشق؟

قبل الحرب الأهلية في سوريا كانت علاقة دمشق بنظام طهران استراتيجية، وتسببت في تدهور علاقة نظام الأسد بدول معسكر الاعتدال، مثل الخليج ومصر آنذاك. كما أن الولايات المتحدة التي كانت غارقة في أزمتها في العراق، بعد الاحتلال، اتضح لها أن إيران استخدمت سوريا كمركز استقبال الإرهابيين من أنحاء العالم وتأهيلهم للقتال في العراق تحت علم «القاعدة» طوال ست سنوات دامية.

ومنذ بداية الانتفاضة في سوريا كانت معظم دول الخليج راغبة في تفاديها، لولا أن دمشق فضلت الطريق الصعب؛ التعاون مع إيران لمواجهة الانشقاقات الواسعة ومحاربة المعارضة المسلحة. والحقيقة فشل دعم إيران العسكري في إنقاذ النظام، وما كان له أن ينجو إلى هذه المرحلة الحالية، أو ما سماه سبايسر بالواقع السياسي الجديد، لولا التدخل الروسي الضخم عسكرياً. روسيا، وليست إيران، هي التي أعطت دمشق قبلة الحياة سياسياً وعسكرياً. وإذا قبلنا بهذه الحقيقة، فإنه ينبغي على النظام السوري أن يقبل بها أيضاً. إيران هي المشكلة بالأمس وهي المشكلة غداً، وإيران سبب نزاع دمشق مع دول المنطقة العربية التي هي في حالة دفاع عن نفسها ضد التمدد العدائي والتخريب الإيراني الذي لم يتوقف. هذا النزاع العربي مع نظام آية الله، لا علاقة له بالخلافات العربية مع نظام بشار الأسد الذي لم يحسن إدارة علاقاته مع الدول العربية بخلاف ما كان يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي أبقى على شعرة معاوية مع الجانبين، وكان وسيطاً إيجابياً في كل الخلافات بين ضفتي الخليج العربية الإيرانية.

من المحتمل أن تتحول الدول الخليجية نحو التعامل بإيجابية مع «الواقع السياسي الجديد»، وهو الأمر الذي سبقته إليه تركيا منذ عزل أحمد داود أوغلو وتعيين بن علي يلدرم رئيساً للوزراء. هنا السؤال الأول، هل يرغب نظام دمشق في إنهاء الوجود العسكري الإيراني من على أراضيه أم لا؟ والسؤال المكمل له، هل حقاً يستطيع لو قرر التخلص من فيلق القدس الإيراني، وميليشياته اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، التي تقدر مجتمعة بنحو خمسين ألفاً على الأقل؟

الرغبة في حل سياسي للأزمة السورية هو مشروع المعارضة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، منذ أن اتضح أن أياً من الطرفين لن يكسب الحرب بقوة السلاح. الخلاف كان، ولا يزال، يدور على صيغة الحل ويمكن أن نقول اليوم إنه فشل، فالأسد استأثر بكل شيء، أو يظن أنه كذلك. إنما الحقيقة أن سوريا صارت إناءً مكسوراً، ولنرَ كيف يستطيع إصلاحه سياسياً وإدارياً وأمنياً دون دعم الدول العربية المعتدلة.

المعادلة الصعبة المقبلة، في حال تم الاتفاق على بقاء نظام الأسد، هي في إخراج إيران من القصر الرئاسي في دمشق. باستمرار نظام آية الله يسيطر على مفاصل الدولة السورية أتوقع أنه لن تشهد سوريا استقراراً مهما أجمعت قوى العالم، ولا أقول هذا من باب الإنكار الأخلاقي على ما يحدث، بل أيضاً لأن الواقع السوري نفسه أكبر من إيران وروسيا ونظام دمشق. الواقعية تتطلب فهم هذا الجانب، وهو أن وجود إيران وميليشياتها على الأرض السورية سيفشل أي اتفاق يوقعه أي فريق.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

 

 

 

رسالة تهنئة لبشار الأسد/ محمد كريشان

أود في البداية أن أعبر لكم كأحد أبناء شعب «منحبك» العظيم عن مدى سعادتي بالموقف الأمريكي الأخير الذي تخلى، صاغرا منكسرا، عن اعتبار إزاحة قائد فذ مثلكم أولوية. لقد استفاد الرئيس ترامب، الذي نتفاءل به خيرا، من تجربة ذلك التافه أوباما الذي كان يردد كالببغاء أن أيامكم معدودات فذهب هو غير مأسوف عليه وبقيتم أنتم يا أسد الأسود…

لقد وصل الجميع كله إلى ما كنتم تحذرون منه منذ البداية وهو تفشي الإرهاب في العالم بعد أن بدأ في سوريا. قلتم ذلك صراحة ولكن ما من متعظ حتى وقعت الفأس على الرأس. صحيح أننا كنا معبرا للإرهابيين عندما يكون يمرون إلى العراق وصحيح كذلك أننا نحن من أطلقناهم من السجون ليعيثوا في الأرض فسادا ولكن هذا لا يهم.. من يتذكره أصلا!!؟؟. لقد أفلحتم في ضرب تلك المظاهرات السلمية التي كانت تطالب بكل وقاحة بالحرية ثم نجحتم في جرها إلى السلاح فكان لكم ذلك. وبمجرد التحاق أصحاب اللحى من كل مكان تمكنتم بعبقريتكم الاستثنائية من الترويج بأن ما يطلق عليه ثورة ما هو إلا مشروع تكفيري مخيف، والحمد لله أن هذه الجماعات لم تدخر جهدا في مساعدتكم بكل همة على مزيد انتشار هذه الصورة. كان ذلك بعد نظر ثاقبا منكم في البداية أما البقية فتكفلت بها هذه الجماعات مشكورة….

أحمد الله أيضا أن كل أعدائكم يا سيادة الرئيس قد أُشــــغل كل منهم بما يصرف عنكم سوءه، فها هي السعودية متورطة بالحرب في اليمن، وتركيا بترتيب أوضاعها الداخلية التي بعثرها استبداد أردوغان، وقطر بإعادة صياغة سياساتها السابقة وأوروبا بخروج بريطانيا من اتحادها. الحمد لله أيضا أن قيـّــض لنا أنصارا جددا مثل الرئسيس عبد الفتاح السيسي وبعض نظرائه الأفاضل في لبنان والعراق كما أن الجزائر لم تقصّر هي الأخرى وكذلك تونس..تخيل!!.

كان يفترض أن تكون سيادتكم حاضرين في القمة العربية الأخيرة في الأردن لولا بعض الحاقدين. على كل، هم الخاسرون فقد أضاع القادة العرب على أنفسهم محاضرة رائعة منكم في فن البقاء في سدة الحكم، ولا مشكلة على الإطلاق لو دمر البلد كله وتشرد نصف شعبه وبات كله ملعبا لكل من هب ودب من الشرق والغرب…!!

ما يدعو إلى السرور أيضا أن من يسمون أنفسهم معارضة غارقون في خلافاتهم التافهة وانقساماتهم وفسادهم بشكل نفـّــــر الجميع منهم فضلا عن أن محادثات جينيف، التي تكرمتم بالتنازل لإجرائها مع مجموعة من الخونة والعملاء، تزداد مع كل جولة إمعانا في تفاصيل لا قيمة لها إلى حد أن ديمستورا قال مؤخرا إن المفاوضات الحقيقية لم تبدأ بعد وهذا ما يثلج الصدر حقا. لقد نجحنا في جر هؤلاء إلى ملهاة حقيقية توهموا معها أن المطلوب منا ليس سوى تسليم السلطة إليهم، أي أن نعطيهم بالمفاوضات ما فشلوا في الظفر به بالسلاح… فشروا!!

لحسن الحظ كذلك أن صور الدمار والخراب التي تمعن كل القنوات التلفزيونية المأجورة العربية والغربية في نشرها وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي المشبوهة لم تعد تحرك أحدا، لقد تعود الجميع على صور القتلى واستغاثة الجرحى حتى أن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان التي تزعم استعمالنا السلاح الكيمياوي لم تحرك ساكنا. وما عساهم يفعلون أصلا بعدما رأوا ذلك المعتوه عاجزا عن فعل أي شيء بعد ما قال إنه لن يسمح بتجاوز الخط الأحمر؟!! …

لقد ظنوك قائدا رخوا مثل بن علي أو مبارك أو حتى القذافي، ما صدقونا حين صرخنا فيهم جميعا منذ اليوم الأول «الأسد أو نحرق البلد». بقيتم صامدين في عرينكم بل وتعددت الوفود القادمة إلى دمشق للمساندة، آخرها هؤلاء البرلمانيين التونسيين الذين وإن كان نقدر مبادرتهم الرائعة إلا أننا كنا نتمنى لو سمحت الظروف لبن علي بإنجاز عـُــشر، فقط العشر ليس أكثر، مما أنجزتموه أنتم في شعبكم حتى تتاح لنا الفرصة أيضا لزيارة تونس والسعادة بلقائه والتقاط الصور معه في قرطاج، أو مع صورة له إن تعذر الأمر. كان بإمكاننا أيضا أن نشيد بما يقوم به بن علي لإحباط المؤامرة الكونية على تونس العروبة، كان بإمكاننا أن ندعوه أن «يشد حيلو شوي» لأنه بصراحة.. بصراحة ، كان رجلا مائعا، لم يبد من الحزم والرجولة ما كان يمكن أن يقضي على هؤلاء السفلة الذين ثاروا عليه بدعاوى سخيفة. للأسف لم تتح لبن علي المسكين الفرصــــــة للنهل من تجربتكم الفريدة وتمتيع التونسيين بالقليل القليل مما تمتع به الشعب السوري تحت قيادتكم الفذة….

لدي الكثير والكثير مما أريد قوله لكم غير أن «الجايات أكثر من الرايحات»… المهم الحمد لله على السلامة ….

٭ كاتب وإعلامي تونسي

القدس العربي

 

 

 

لماذا تسلّم واشنطن ببقاء بشار الأسد؟/ روزانا بومنصف

صححت الديبلوماسية الاميركية المواقف التي اطلقتها في مسألة ان اخراج بشار الاسد من السلطة لم يعد اولوية، عبر مواقف جديدة لمندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الامن نيكي هيلي، عطفا على ما كان قاله وزير الخارجية ريكس تيلرسون ان الشعب السوري هو الذي يختار رئيسه على المدى البعيد من خلال القول “ان الاسد مجرم حرب وشعبه لا يريده”. قد يكون التصحيح أتى في مكانه عشية قصف لإدلب أوقع عددا كبيرا من الضحايا دفع بالاوروبيين الى طلب انعقاد مجلس الامن والتنديد بقصف من النظام الذي قد تكون المواقف الاميركية منحته جرعة مناعة قوية للقيام بما قام بها تحت عنوان محاربة الارهاب، علما ان الاعتداء الذي حصل في بطرسبرج غير بعيد عما حصل في ادلب ايضا، ايا كان المسؤول عنه، روسيا او النظام. في اي حال، فإن المواقف الاميركية الاولى بقيت هي الاساس بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية تعتبر ان ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب منسجمة مع نفسها من ضمن العناوين الذي اطلقها الاخير خلال حملته الانتخابية عن التعاون مع روسيا لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” في سوريا، في ظل دعم معروف لروسيا لبقاء الاسد، وهو يستكمل المواقف التي اتبعتها ادارة سلفه باراك اوباما في هذا الاطار. التصحيح الديبلوماسي الاميركي لم يأخذ مداه في ظل معطيات تفيد بإقناع هذه الادارة، اضافة الى اقتناعاتها المبدئية لجهة عدم الرغبة في الانخراط في حرب في سوريا ضد روسيا وايران في هذا الإطار، من جانب دول لم تعد ترى ضيرا في بقاء الاسد مرحليا في غياب البديل. تعود دوما تجربة ليبيا وما نال رئيسها معمر القذافي وما حصل في ليبيا بعد ذلك الى واجهة الاسباب المقنعة في هذا الاطار، خصوصا ان حكم الجيش او العسكر لا يزال ينال الافضلية ازاء الخيارات البديلة، اي خيار الاخوان المسلمين الذي فشل وافشل في مصر وسواها ولم يعد يستسيغ الاميركيون او الغربيون العودة اليه، أقله في المرحلة الراهنة، في انتظار اعادة تأهيلهم. وهي تجربة تخوضها بعض الدول معهم، لكن جهوزيتهم غير مرجحة في المدى القريب، في حين ان الدول الغربية ترغب بقوة في إبعاد شبح الارهاب عن مدنها. وفي موازاة ذلك، لا يبدو الليبراليون العرب قادرين على لجم الموجات الاسلامية. وتجربة البديل من بشار الاسد كانت عبر التفكير والتشجيع على بديل، مما أدى الى تفجير القيادات الامنية في دمشق وترك هذا الخيار مفتوحا للمرحلة اللاحقة بعد المرحلة الانتقالية المستمرة مع الاسد راهنا.

ولم تكن مفاوضات جنيف الاساس الذي يرسي الحل في سوريا، لكن الموقف الاميركي قوض كليا هذه المفاوضات على قاعدة ان ما تسعى اليه المعارضة من انتقال سياسي لن يحصل، وربما لن تكون هناك ضرورة فعلية، باستثناء تطبيع الوضع بين النظام والمعارضة، على أساس قبول الاخيرة من ضمن حصة لها في الحكم يتردد في شكل حاسم انها نسبة 15 في المئة، أي النسبة نفسها التي عرضها وسطاء كثر على الرئيس السوري قبل بدء الانتفاضة في سوريا، من أجل إشراك المعارضة في الحكم وتجنب الأسوأ، فكان الخيار الاخير. وهذا هو الحل التي تعمل عليه روسيا مع سلة من النظام البرلماني والانتخابات الرئاسية من الشعب برعاية الامم المتحدة، وهما أمران لا يزال يرفضهما كل من الاسد وايران التي ترغب في أن يتاح للاسد انتخابه مجددا. لكن الامور متوقفة على طبيعة التفاوض الذي تجريه واشنطن مع ايران انطلاقا من معطيات يجزم بها مطلعون ديبلوماسيون، على رغم التجاذب الكلامي الحاد النبرة أحيانا بين الجانبين. فعلى أساس هذا التفاوض يتم رصد جملة أمور من بينها مثلا قياس حرارة انعكاسه على لبنان، وتحديدا عبر جنوبه، وما اذا كان استلزم في وقت من الاوقات تسعيرا للموقف قد يدفع لبنان ثمنه عبر اشتعال الحرب من الجنوب. هذه المعطيات تتناقض مع انطباعات او مخاوف مقابلة لجهة ترجمة التوتر الاميركي- الايراني في لبنان او عبره، في ضوء السقف العالي للمواقف الاميركية في هذا الاطار. لكن بما ان خيار الحرب اساسا مستبعد من اجل سوريا او العراق او اي بلد في المنطقة، فأن الخيار الآخر هو الحوار على قاعدة انطلاق تستند وفق ما تسوق هذه المعطيات الى الإقرار بأن اليمن سيبقى من ضمن النفوذ السعودي بعيدا من ايران، على رغم الانطباعات لدى البعض ان الحوثيين هم من يسجلون الانتصارات على الارض، في حين ان ايران حاضرة بقوة في العراق وسيكون لها نفوذها في سوريا إنما ليس بمقدار ما هي عليه في العراق، في ظل خلل سكاني لن تستطيع معالجته على رغم التغيير الديموغرافي الذي يعتمده النظام وايران في مناطق سورية عدة. هذا لا يعني ان حلا قريبا للحرب السورية محتمل في المدى المنظور، خصوصا في الوقت الذي تعقد فيه مؤتمرات كمؤتمر بروكسيل من اجل رؤية في مساعدة اللاجئين السوريين الذين لا يتوقع أن يعودوا الى بلادهم في المدى المنظور. ومن هنا الخطورة الكبيرة التي يستشعرها لبنان من جانب مسؤوليه من كل الاتجاهات، على قاعدة أن ثمة مخاطر تتهدده في ظل الزيادة العددية المتوقعة بين اللاجئين نتيجة الولادات المتزايدة بنسبة كبيرة، وفي ظل غياب حل يقضي بعودتهم الى بلادهم.

النهار

 

 

 

 

تحرير سورية من الأسد/ رندة تقي الدين

الصور الآتية من ريف إدلب مريعة. أطفال خان شيخون قصفهم طيران بلدهم بغاز السارين الكيماوي. المشاهد المنقولة على شبكات التواصل الاجتماعي عن ضحايا الغاز السام تقطع النفس. إن هذا العنف وهذه الوحشية التي يستخدمها بشار الأسد لإرهاب أهل بلده من أجل البقاء في الحكم هي التي تولد وحشية «داعش» والإرهابيين المنتشرين في كل أنحاء العالم. فقصف ريف إدلب بالكيماوي هو بمثابة ما يقوم به «داعش» في الرقة وتدمر وغيرهما. فهذه الحركات الإرهابية التي ترعب العالم هي وليدة نظام تكوينه وأداؤه التهديد والتخويف والإرهاب. فليستيقظ هؤلاء الذين يعتقدون بأن بشار الأسد هو ضامن ضد الإرهاب لأنه هو الإرهاب نفسه. والحقيقة أن لا فائدة مما يسمى مفاوضات آستانة وجنيف لأنها بمثابة حوار طرشان مع مبعوث دولي غير قادر على أي تقدم ولا تأثير في أي طرف.

إن عمليات التحالف لتحرير الرقة من «داعش» ليست كافية طالما هناك تهديد آخر وهو بقاء الأسد وجماعته على رأس الدولة. فالآن وبينما هناك كلام كثير عن أن العالم تعود على بقاء الأسد ولم يعد أحد يطالب برحيله، ينبغي التذكير بأنه لم يكن هناك «داعش» قبل الأسد والحرب الأميركية في العراق. إن قصف المدنيين الأبرياء من قبل القوات الجوية السورية وبالغاز السام ليس أقل من القصف الجوي الذي دمر حلب القديمة وأفرغها من سكانها، كما أنه ليس أقل من تهجير السوريين وتشريدهم ودفعهم إلى الأراضي اللبنانية والأردنية والتركية. فالإرهاب السوري اختبره اللبنانيون خلال الحرب الأهلية. ومن بعد ذلك تألق الوريث بشار في الاستمرار في النهج المماثل لوالده في لبنان وعلى شعبه من دون أن تكون له حنكة والده وحفاظه على خط الرجعة والخط الأحمر مع من كان يدعي أنهم أعداؤه مثل إسرائيل وأميركا.

إن العالم يراقب وينتظر تغيير الإدارات من الولايات المتحدة إلى فرنسا إلى ألمانيا والبعض يقول مثلما سمعنا من ريكس تيلرسون وسفيرته في الأمم المتحدة أن أولوية الولايات المتحدة ليست رحيل الأسد بل تحرير الرقة. ولكن ما هذا المنطق اللامنطقي الذي يدعو إلى تحرير الرقة من إرهابيي «داعش» وترك إرهاب النظام الذي دمر البلد ووضعه تحت وصاية إيران وروسيا وهجر ملايين السوريين الذين يتعرضون للإذلال في الدول المضيفة التي لم يعد بإمكانها تحمل عبء هذا النزوح المؤلم؟ كيف تدعم بعض الدول العربية التي تخشى «الإخوان المسلمين» في سورية، بقاء الأسد الذي بنهجه وإرهابه لأهل بلده يدفع إلى التطرف واللجوء إلى حركات منبوذة؟

لم تعد العروبة تعني شيئاً أمام مناظر الأطفال السوريين يُقتلون بالغازات السامة، ولا أحد من العرب يتحرك. وحدهما فرنسا وبريطانيا أسرعتا إلى طلب اجتماع لمجلس الأمن ولو أن ذلك لن يكون فاعلاً طالما هناك الفيتو الروسي الذي سيمنع أي قرار. بات الوضع لا يحتمل. حان الوقت كي تعي بعض الدول الغربية والعربية أن إرهاب «داعش» هو نتيجة لإرهاب النظام السوري الذي هو على عكس ما يعتقده البعض في الغرب وفي عدد من العواصم العربية ليس ضامناً لبديل متطرف إرهابي بل هو يولده. فالتحالف الذي يريد تحرير الرقة عليه أن يدرس ماذا بعد هذا التحرير. من سيتسلم الرقة ومن يديرها؟ وذلك أيضا بالنسبة إلى جميع المدن السورية، فلا يجوز أن تترك عصابات النظام المتقاتلة لتهيمن في مناطق عدة وتتقاسم مغانم حرب كريهة دمرت البلد وشردت شعبه وهددت وأفقرت جيرانه. فالأوضاع الأمنية في كل من لبنان والأردن هشة ويقول في هذا الصدد مسؤول لبناني لـ «الحياة» صحيح أن الأمن في لبنان مضبوط حالياً ولكن من يعلم ماذا يحدث بعد تحرير الرقة وأين تهرب الجماعات الإرهابية. فالمفاوضات ليست الحل لأن النظام يضيع الوقت والحل يجب أن يكون باتفاق أميركي روسي على رحيل الأسد.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى