صفحات سورية

سوريا – ضميرغائب…..وأخلاق مجردة

 

مروان سليمان

الأخلاق جانب من شخصية الإنسان و تأكيد إنسانيته، و إذا خلا من هذه القيم الأخلاقية فلا فرق بينه و بين وحوش الغابة. و نتيجة لسنوات الإستبداد التي عشناها و لا نزال نعيشها، و حالات الإنحطاط سواء الفكري أو الأخلاقي و القهر الإجتماعي، أصبح الكثير من الناس في هذا العالم بلا قيم أخلاقية و معايير إنسانية، و إنهارت في نفوسها كل القيم الخلقية و الإجتماعية، فيقبلون بالذل بدل الكرامة و المطالبة بالحقوق، و يرضون بالظلم بدل العدالة و المساواة.

أصبحنا في زمن يتكلم فيه التافه السخيف في أمر العامة و باسمها، فأصبح الناس يصدقون الكذاب و يأتمنون عليه و يكذبون الصادق و يخونونه، و كما قيل: إذا أردت التفوق في هذا المجتمع فعليك بالكذب و النفاق و الرياء و لا تنسى نصيبك من الغباوة و الجهل، و حتى تعثر على صديق مقرب لك تأكد بأن هناك العشرات من المتربصين و الإنتهازيين الذين يتحينون الفرص للإنقضاض عليك، مثلهم مثل الذئاب المتربصة بالفريسة.

عندما تغلق الأبواب و المنافذ بوجوههم و يسئ حاضرهم و يكون مستقبلهم مجهولاً فإنهم ينبشون في الماضي السحيق عسى و لعل أن يجدوا فيه شيئاً من الماضي الغابر لرسم سياسة فاشلة على أنقاض فشل آخر للدخول في مأزق جديد و بذلك يكون مبررهم في إطالة عمرهم تحت شعارات مزيفة ( مصلحة الأمة- الثوابت- النهج النضالي- الفكر الثوري).

إن الذين لهم القوة و اليد الطائلة هم السبب في الشقاء الإنساني و هؤلاء لا يجدي معهم النصيحة أو القول الحسن، فهم محبوا التفاخر بأمجادهم المزيفة التي يبنونها على أنقاض ضحاياهم و يفتخرون بعزهم على مذلة أقوامهم و شعوبهم حتى ماتت القيم الإنسانية كلها من إجتماعية و ثقافية و حضارية في نفوسهم.

القوة مهمة و ضرورية و لكن عندما يتم استعمالها في المكان الصحيح، و قد تصبح امتلاك تلك القوة لعنة تصيب صاحبها عندما يصبح مالكها مصاباً بداء العظمة و التضخيم و التباهي بها لفرض واقع معين حسب مصالحه الشخصية أو الحزبوية أو من جماعته و مريديه الذين يؤتمرون بأوامره، أو حتى زعماء العصابات ( عصابات القتل و التهريب) الذين يتخفون بعباءات الزعماء( رئيس دولة كما في سوريا) أو زعيم أمة أو مرجعية دينية أو مؤسس لحزب أو حركة أو تنظيم ما، و الأمثلة كثيرة و تستطيعون بمعرفتكم التعرف عليها .

أصبح للعلم لدينا واحة ضيقة و مساحة صغيرة و لم يكن في يوم من الأيام محمياً بالأخلاق و القيم،و عندما وقعت القوة في أيدي أناس جهلاء بالمعرفة و مجردون من تلك القيم، و المصيبة الكبرى إنهم لا يدرون ما يفعلون، و هم الآن يشكلون خطراً على المجتمع و بذلك أصبحت تلك القوة أداة فتاكة في أيدي قوى شريرة( إن صح التعبير)و بدأ يدمر نفسه و يدمر الوطن بالكامل على أمل الحفاظ بما كان يتمتع به حتى الأمس القريب.

إن السعادة لا تأتي بالخلاص من حكم ديكتاتوري الذي هو ضروري من أجل إنهاء معاناة شعب و لكن القلق ينتاب فئات الشعب من القادم في المستقبل أيضاً و هذا لا يعطي مبرراً بأن نظل تحت حكم الظلم و القمع و الأمن إلى ما لا نهاية، و هذا لا يعني بأن نتخوف من أية شخصية تحكم البلد بغض النظر عن قوميته و دينه و مذهبه،ما دامت تتحكم فينا القوانين و الدساتير و الشرائع بالأساليب الديمقراطية و الإحتكام إلى صناديق الإقتراع في تحديد شرعية الرئيس من عدمها، و تفكيك آلة الإستبداد و من يشرفون عليها أو كانوا، و إعادة السلطة إلى أصحابها الشرعيين الذين هم أبناء الشعب، لأن مشروع بناء الدولة لا يكون لمجموعة أوحزب معين سواء كان قومياً أو دينياً أو على أساس مذهبي لأو طائفي، لأن الشعب سوف يقاومه بشدة و لن يسمح بذلك، و إنما مشروع بناء الدولة هو إحتواء جميع أبناء الشعب بغض النظر عن قوميته أو ديانته أو مذهبه، و بذلك نكون قد حافظنا على دماء شهدائنا الذين سقطوا في سبيل تحقيق هذه الأهداف و ترتاح الأمهات الثكالى اللاتي افتقدن أبنائهن و أزواجهن بالإضافة إلى آلاف المصابين بالعاهات الجسدية التي تبقى أوسمة بطولة و شجاعة و تضحية معلقة على صدورهم إلى الأبد.

التسوية السياسية لدى النظام مرفوضة جملة و تفصيلاً، لأنها من مبادئه الأساسية، ليس بسبب فوات الآوان بل لأنها ضد التوريث و ضد بقاء الأسد في السلطة و لذلك فالعصابة الأسدية تسير على مبدأ يجب أن تموت لكي أعيش أنا، و يجب على الشعب أن يتحمل المجازر و عمليات الإبادة الجماعية  لكي يعيش الحاكم بأمان.

لا يزال الأسد و أعوانه يسعون إلى تحريف المعركة عن أهدافها الحقيقية من مطالبة بالحرية و العدالة و التخلص من الظلم و الإستبداد الذي لم يعد الشعب قادراً على تحمله و تحمل القتل الجماعي الصامت على مرأى و مسمع العالم أجمع، و لا يزال الأسد و أبواقه يحولونها إلى معركة كونية ضده و لا يزال يلعب بالألفاظ و ينشئ لغة و خطاباً قديماً مر عليه الزمن، و يدك البلدات و القرى بالطائرات و الدبابات و المدفعية و لكنه لا يريد أن يصدق ما يجري بأنها ثورة عمادها الفقراء، أسبابها القمع، أهدافها التخلص من حكم آل الأسد إلى الأبد.

12.09.2012

السبت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى