صفحات سوريةميشيل كيلو

عن “الائتلاف” السوري… كواليس ملاحظات من رمادا بلازا في إسطنبول/ ميشيل كيلو

 

 

 

لم يكن الذاهب إلى فندق رمادا بلازا في اسطنبول بحاجة إلى من يحدثه عن الانقسام في الائتلاف الوطني السوري، فهو يعلم أنه قديم ومتفاقم، وأن محاولات رأب صدوعه فشلت دوماً، بل إن إقامة تيار توافقي، أعلن عنه قبيل إجماع الهيئة العامة الأخير، انضوى في إطار هذه الانقسامات، فقد تبين، في أثناء الحوارات واللقاءات مع ممثليه، أنه من أكثر تيارات الائتلاف تشدداً وتصلباً، في النقطتين المتعلقتين بالحكومة والمجلس العسكري الأعلى ومن يمثلونه داخل الائتلاف، المتفرعتين عن مسألة سيحسمها أعضاؤه في نيف وشهر، تتعلق بمن سيختارونه لرئاسته، وهي قضية لم يطرحها أحد بصورة مباشرة وصريحة، لكنها كانت وراء كل ما شهده الفندق التركي، في ثلاثة أيام، من صراعات عبثية.

من أين تنبع أهمية المسائل المختلف عليها؟ لنبدأ بالحكومة: فقد كان تيار أحمد الجربا قد أقالها بصورة مهينة، بعد انتخاب المهندس هادي البحرة رئيساً للائتلاف بديلاً لسلفه الجربا: رئيسه في عام كامل، أوصل أوضاعه إلى قاع الحضيض، بينما برز موقعه الشخصي كأسدي صغير، يجر منتفعين وفاسدين داخل الائتلاف وخارجه. وكان معلوماً ومعلناً أن البحرة سيكون وجهاً انتقالياً، يمرر الوقت، ريثما يعود صاحب المنصب إليه والذي تعامل معه كملك شخصي له.

غير أن تبدلاً طاول موازين القوى داخل الائتلاف أعاد رئيس الحكومة، أحمد طعمه، إلى الوزارة من جديد، ورشح اللواء سليم إدريس لمنصب وزير الدفاع، فظهر هذان التطوران كهزيمة لتيار الجربا، تلاشت معها آماله في الرئاسة. بما أن أتباع من كان بعض ممثلي الأركان يسمونه بخشوع “السيد الرئيس” فقدوا، تحت رئاسة البحرة، تفويضهم بتمثيل أركان الجيش الحر، بعد موقف وطني جعل أعضاء المجلس العسكري ينتخبون بدلاء ميدانيين لهم، تنطبق عليهم مواصفات كان هادي قد حددها للأعضاء الجدد كالخبرة الوطنية، والسوية التعليمية المرتفعة، والتجربة النضالية، والتاريخ الثوري، والنزاهة الشخصية والأخلاقية… إلخ، وهي صفات لم تتوفر لمعظم ممثلي الأركان السابقين الذين اختارهم الجربا شخصياً، وانتزع قراراً من اللواء إدريس بتعيينهم ممثلين للأركان في الائتلاف، على الرغم من أن المجلس العسكري اعترض على قراره، وقال إن اتخاذه لم يكن من صلاحياته. هؤلاء الأعضاء الجدد أعلنوا، بكلام لا لبس فيه، أنهم لا يؤيدون الجربا، ويرفضون عودته إلى رئاسة الائتلاف، فشن جماعته الحرب عليهم، وطرحوا مسألة المجلس والحكومة، لكي يتوصلوا إلى صفقة تعيد “سيدهم الرئيس” إلى موقعه.

في لقاء عقد في غرفة البحرة، قال الطرف الآخر ما معناه: إن ممثلي الأركان غير منتخبين. حين سألناه إن كان هو منتخباً، او إن كنا نحن، أيضاً، أو أي عضو في الائتلاف، منتخباً أو منتدباً أو مفوضاً من أي طرف داخلي، قال: إن ممثلي الأركان كتلة انتخابية، فسألناه إن كانت كتلته غير انتخابية، وما العيب أو الخطأ في أن تكون كتلة انتخابية؟ عندما قال إن رئيس الائتلاف قرر حل المجلس العسكري. لذلك يعتبر تعيين ممثلين للأركان بقرار منه غير شرعي، ذكّرناه بأن رئيس الائتلاف الذي كان حاضراً بيننا، ويستمع إلى حوارنا، قد اعترف في اجتماع الهيئة العامة الأخير بخطأ قراره حل المجلس، وأن اللجنة القانونية في الائتلاف أبطلت القرار، باعتباره صادراً عن غير ذي صفة، وأن ممثلي الأركان حضروا جلسة الهيئة الماضية، بناء على دعوة رسمية، وجهت إليهم من الأمين العام للائتلاف.

عند هذا الحد، أخرج محاورنا من جعبته المادة 31 من نظام الجيش الحر الأساسي، والذي يكلف الائتلاف بالعمل على تشكيل قيادة عسكرية عليا للثورة، بالتعاون مع القوى والمجالس العسكرية والتنظيمات الثورية، فقلنا: إن تشكيل القيادة الجديدة لن يتحقق باستبدال أشخاص المجلس بغيرهم، إن كانت المجموعة الجديدة ستكون كتلة جديدة في إطار الائتلاف، وإن علينا إنجاز التشكيل باعتباره جزءاً من إعادة هيكلة شاملة للجيش الحر وقيادته، تضع في قيادته مجلساً عسكرياً أعلى، منتخباً مباشرة من الأرض، من غير الجائز أن تكون سياسية أو متحزبة. وبالتالي، مع جماعة أو كتلة ضد أخرى، لكونهم يمثلون مؤسسة عسكرية غير سياسية، وليس من المصلحة الوطنية تحولهم إلى أداة سياسية، أو طرف سياسي، في يد أية جهة، أو أي تيار، بما في ذلك تيارنا الديمقراطي.

بعد لأي، وافق من كان يفاوضنا على هذا التصور، لكنه اشترط إقالة ممثلي الأركان في الائتلاف والمجلس العسكري، قبل البدء بتنفيذه. رفضنا طلبه، واقترحنا تشكيل لجنةٍ من خمسة أعضاء يمثلون كتل الائتلاف الخمس، (كتلة التجمع الوطني السوري، كتلة المجالس المحلية، كتلة الوفاق، كتلة الجربا، وكتلة الأركان)، على أن يعملوا بالتعاون مع رئيس الأركان، أو من يمثله، على إعادة هيكلة الجيش، وانتخاب أعضاء المجلس الجديد، وينجزوا عملهم خلال ثلاثة أسابيع، فإن نشب بينهم خلاف حول نقطةٍ ما حولوه إلى لجنة تحكيم، أو تمييز تبت فيه خلال أسبوع. عندئذٍ، طالب محاورنا باعتبار ممثلي الأركان والمجلس مقالين بنهاية الأسابيع الثلاثة، سواء اتفق أعضاء اللجنة على إعادة الهيكلة، أم لم يتفقوا، فرفضنا الطلب، لأن من غير المعقول إهانة الناس الذين سيتركون مواقعهم بصورة شرعية، بعد إعادة الهيكلة.

وللعلم، اقترح محاورنا اتخاذ قرارات اللجنة الخماسية بالإجماع، الأمر الذي يعني أن مندوبه سيعطل إعادة الهيكلة، لكي يحصل على ما يريده: حل المجلس العسكري، وإقالة ممثلي الأركان. كان الإصرار على إخراج ممثلي الجيش من الائتلاف قوياً، بدرجة تثير الاستغراب، وكان من الواضح أن المسألة تتعلق بما هو أكثر من إعادة الهيكلة، وأن الهدف هو قلب موازين القوى في الائتلاف بأي ثمن، لصالح الجربا.

للأمانة، لم يقل محاوري هذا، بل قاله رجل الجربا في القاهرة، قاسم الخطيب، الذي صرخ في لحظة غضب: نحن مختلفون على الرئاسة، فإن بقي ممثلو الأركان في مكانهم صار الرئيس منكم، واستحالت عودة رئيسنا إلى موقعه. هل تفسر صرخة قاسم إصرار من حاورني على إبعاد ممثلي الأركان وإلغاء المجلس العسكري الأعلى بأي ثمن؟ أرجو أن لا يكون الأمر كذلك!

بعد تدخل المهندس البحرة، رئيس الائتلاف، تمت صياغة اتفاق تفصيلي، حددنا فيه آليات إعادة الهيكلة، بالتعاون مع الأركان أو من يمثلها. ورشحنا خمسة أعضاء لهيئة التحكيم، أو التمييز، وحددنا الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز العمل، وقررنا إبقاء كل شيء على حاله، بالنسبة لممثلي الأركان وأعضاء المجلس العسكري، على أن تنتهي مهامهم، في حال لم يقع الاختيار عليهم في المجلس الجديد، بعد ثلاثة أسابيع أو شهر.

انتقل ممثل كتلة التوافق إلى الحكومة، فاعترض على وجود وزير خارجية فيها، بحجة أن وجوده يضعف الائتلاف. قلنا إن الهيئة العامة هي التي قررت إيجاد الوزارة، وإن نظام الحكومة الداخلي ينص عليها بين وزاراتها. بعد قليل، غادرت الغرفة، لاعتقادي أن موضوع الحكومة ليس المشكلة، وأن المسألة الصعبة المتعلقة بممثلي الأركان والمجلس العسكري قد حلت. في الخارج، وبينما كان رئيس الائتلاف يوصلني إلى المصعد، أخبرني أنه يعترض على توزير اللواء سليم إدريس. وحين وصل المصعد إلى بهو الفندق، وجدت بانتظاري من يعترض على وزير العدل. بعد الظهر، أبلغني الدكتور صلاح درويش شكوكه حول وجود كتلة في الائتلاف تريد نسفه. سألته عن هويتها، فأجاب ضاحكاً: أنت تعرفها. سألت إن كان يقصد الجربا، فهز رأسه بالإيجاب.

في المساء، دعاني رئيس الائتلاف إلى غرفته، حيث قدم لي ورقة تحمل اقتراحاً من خمس نقاط، حمله إليه الدكتور بدر جاموس، يعد بتقديم دعم جماعي للحكومة، إذا ما وافقنا على تأجيل انتخاب الحكومة إلى الواحدة من بعد ظهر اليوم التالي، وأبدينا استعدادنا لدراسة أسماء المرشحين للوزارة، وقبلنا اعتراضات الفريق الآخر عليهم. بعد التذرع بالعسكر لتعطيل اجتماع الهيئة العامة الذي لم يحضره رئيس الائتلاف، أو أي عضو في مجلس رئاسته، جاء، الآن، دور الحكومة، لتكون مسوغ التعطيل والمقاطعة. في الورقة التي قدمها المهندس البحرة إلي، لفتت نظري نقطتان، زعمتا أنهما توردان ما اتفقنا عليه صباحاً حول ممثلي الأركان والمجلس العسكري الأعلى. قرأتهما، فأصابني الذهول والقرف: لقد حذفوا البند الأول المتعلق بالتعاون مع الأركان، من أجل إعادة هيكلة الجيش الحر، وانتخاب مجلس عسكري جديد، وصارت لجنة الائتلاف الخماسية سداسية (ليس فيها أي عسكري)، كما حذفت اسماء المحكمين الخمسة، وحلت محلهم لجنة من ستة أعضاء، برئاسة رئيس الائتلاف. سألت المهندس البحرة إن كان هذا ما اتفقنا عليه، فأبدى استهجانه للتزوير. كنت، الآن، على اقتناع بما أخبرني به الصديق الدكتور صلاح درويش، وهو أن هناك من يريد إلغاء الائتلاف، إذا لم يعد إلى حضن ذلك العقل التخريبي، وغير الوطني، الذي دمره وأسهم في إفساد الجيش الحر، ونقل خلافات السياسيين إليه، وعطّل الحكومة، ويريد، الآن، منع استعادة أية مؤسسة من مؤسساته بأي ثمن. ذلك ما كان بعض ممثلي هذا التيار يعلنونه بأعلى صوت، في بهو رمادا بلازا وممراته وقاعاته، حيث هدد واحد منهم بإسقاط سقف الفندق على رؤوسنا، إن بقي في الحكومة وزارة خارجية، أو جاء اللواء إدريس وزيراً للدفاع، أو وجدنا الجرأة على عقد اجتماع يمنح الحكومة الثقة اللازمة لاستئناف انطلاقتها، بحضور ممثلي الأركان، في حين أبلغ أحد الديمقراطيين أنس العبدة أننا سنتعرض، أفراداً وتنظيمات، لأقصى عقاب يمكن تخيّله، إن تمسكنا بممثلي الأركان والمجلس العسكري الأعلى ووزارة الخارجية واللواء إدريس.

لم يحضر رئيس الائتلاف أية جلسة من جلساته، مع أنه هو الذي دعا إليها، والتزم بالكتلة الصغيرة التي ينتمي إليها، على الرغم من لفت نظره إلى أنه رئيسنا جميعاً، وليس رئيس فريق صغير منا، وأن واجبه والنظام الأساسي يحتمان حضوره جلسات الهيئة العامة، والتوفيق بين المختلفين. لكنه رفض ما قيل له، بحجة أنه وسيط، يريد أن تخرج الهيئة العامة بالنتائج المطلوبة، وأصدر، في النهاية، قراراً يلغي ما تم إنجازه من عمل في الهيئة العامة بصدد الحكومة، بعد أن ألغت مذكرة بدر جاموس ما تم إقراره بصدد المجلس الأعلى والاركان!

لو استجابت أغلبية الائتلاف لرغبات الأقلية، لكنا الآن من دون مجلس عسكري أعلى وممثلين للجيش الحر، ومن دون حكومة وائتلاف!

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى