صفحات مميزة

عن التدخل الروسي السافل في سورية –مقالات محتارة

 

مدرسة بوتين في سياسة الخداع/ غازي دحمان

يذهب بعض المحللين الأميركيين إلى الشفقة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفه ضحية خداع الرئيس السوري بشار الأسد، ذلك أن بوتين، ومن خلال تفحّص وعوده لإدارة الرئيس باراك اوباما، كان جاداً وحتى مخلصاً، في مسار الحل السياسي في سورية، بيد أن تكتيكات الأسد التي قامت على تضييق هامش الخيارات أمام بوتين دفعته للنكوص والتراجع عن التزاماته.

يرتكز هذا المنطق على مؤشرات ضعيفة تتمثل بوعود بوتين الكلامية، من دون النظر الى السلوك الذي يتبعه والذي يقوم على تأسيس معطيات مختلفة كلية وتندرج في سياق استراتيجيته تجاه سورية، من محاولات تعويم الأسد وتمييع المعارضة وتقوية نفوذ حلفاء النظام وتشريع وجودهم، مقابل إضعاف المعارضة والانخراط المباشر في الحرب عليها.

لكن، وبعيداً عن الخوض في الوقائع التي تبرهن على سطحية الفرضيات التي تقول بجدية بوتين في الحل السياسي، وهي كثيرة، فإن مثل هذه الفرضيات أصلاً لا تتفق مع الثقافة السياسة لبوتين ولا مع سلوكه الذي بات علامة فارقة في السياسة المعاصرة، إذ تثبت سيرة الرجل أنه لم ينخرط من قبل في عملية سلام، في كل الأزمات التي واجهها واعتبر أنها تشكّل تحدياً له تعامل معها بالعنف والخديعة وأنهاها بالطريقة التي يرغب هو فيها.

السياسة لدى بوتين صنو الحذاقة والتشاطر وهي صنعة محكومة بقدرة السياسي على تمرير أفعاله وفرضها وليست مهمة التكاليف والنتائج التي تترتب عليها، وبالتالي يصبح مجالاً للفخر أن يتم استخدام سورية، بأرضها وسكانها، حقلاً تدريبياً للسلاح الروسي طالما أن العالم قبل بهذه السياسة بحجة المحافظة على مؤسسات الدولة وحماية الحكومة الشرعية.

لقد أوجد بوتين جملة من الأدبيات السياسية والقواعد يمكن لأي قائد أو زعيم سياسي الاسترشاد بها لتعلم فن المخادعة، وبما أن بوتين يسيطر على قوة عظمى نووية، فإن العالم يجد نفسه مضطراً للتغاضي أو لتمرير بعض سلوكياته، غير أن المشكلة تكمن في أن الزعماء الأقل وزناً من رؤساء الدول وقادة الأحزاب والمنظمات يقتبسونها على أنها قواعد قانونية مقبولة دولياً وتمثل وجهة نظر أخرى ممانعة أو منتقدة للنظام الدولي بقيادته الغربية بعد أن يجرى تكييفها مع أوضاعهم وصراعاتهم، والتي هي في الغالب في مواجهة الشعوب التي يحكمونها.

إنه زمن بوتين السياسي لأن ليس سواه من ينتج قيماً سياسية، في حين أن العالم معطّل فهو إما مستنكر أو صامت. وحده بوتين يجرب، ينجح ويخفق، لكنه ينتج دائماً قيماً سياسية، وإن كانت هذه القيم معيبة في جوهرها، غير أنه يجبر العالم على تفسيرها أحياناً ودائماً يبحث عن طريقة لفهمها، وبذلك يكون بوتين منتج السياسة والاستراتيجية الأكثر فاعلية في السنوات الأخيرة، ربما لهذا صنفوه إحدى أهم شخصيات هذه الفترة!

ولعلّ من أهم قواعد السياسة التي فرضها بوتين على العالم، قاعدة عدم وجود يقين سياسي ولا ضمانات للالتزامات والتعهدات السياسية، وأن كل شيء متحرك وقابل للتعديل والتغيير لحظة يغيّر السياسي الشاطر المعادلات السياسية والاستراتيجية، وهذا يتطلب استثمار الفرص السانحة وقراءة ذكية لطبيعة المرحلة والقدرة على الانغماس في مفاصل الأزمات والأخطار وتحويلها إلى فرص، تماماً كما استطاع تهديد الوحدة الأوروبية مستثمراً أزمة اللاجئين، والتي هي في الأصل من إفرازات الأزمة السورية التي ينخرط فيها بوتين بقوة.

لا يتوقف زمن بوتين السياسي على السياسات التي ينتجها، بل بما أنتجه من نسخ طبق الأصل تتبع أساليبه نفسها، في إيران وسورية والعراق ولبنان وكوريا الشمالية، وتنذر البيئة الدولية بتفريخ المزيد من هذه النسخ، التي تعتمد سلوك الخداع والمراوغة في السياسة وطرق معالجة الأزمات الإقليمية والدولية. صحيح أن هذه النسخ كانت حاضرة حتى قبل وصول بوتين الى السلطة، لكنها كانت شبه محاصرة، وهي تنتعش اليوم ضمن الحقول التي صنعها تنازل العالم لبوتين عن كثير من القيم والحقوق.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

عزيزي فلاديمير: سورية تتفسّخ/ غازي دحمان

متأخراً، أكثر من اللزوم، وصل خبر تفسّخ سورية إلى مسمع الرئيس الأميركي، باراك أوباما. استغرق المنادي وقتاً دام خمس سنوات ليعبر المحيط الأطلسي، أو ربما جاء أميركا بالعكس عبر المحيط الهادي، بعد أن عبر براري آسيا، ويصل إلى عتبة حديقة البيت الأبيض، معلنا أن بلداً في المشرق العربي، واسمه سورية، يتفسخ بسرعة. حينذاك، لم يضيع أوباما الوقت، ويبدو أنه لم ينتظر الاستفسار عن الأمر من مستشاريه، ومن المختصين في شؤون الشرق. اتصل مباشرة وعبر الخط الساخن بنظيره الروسي، والدهشة تعقد لسانه، وبالكاد استطاع إكمال حروف جملته الصاعقة “سورية تتفسخ يا عزيزي فلاديمير”.

وبعيداً عن تحليل الموقف والحالة العاطفية التي كان عليها أوباما، لحظة إبلاغه فلاديمير بوتين هذا الخبر، ثمّة ما يلفت بالصياغة الكلامية لهذا البلاغ، إذ من المنطقي أن تكون العبارات أكثر عقلانية، وتتفق مع سياق الأزمة وتطوراتها وتحولاتها، كأن يقول مثلاً “الأمور تتطور بشكل خطير في سورية” أو “أنّ التداعيات التي سيرتبها فشل عملية التفاوض ستكون خطيرة”. بذلك، يكون التقدير متناسباً بدرجة كبيرة مع الوقائع، فالمنطقي أن فشل المفاوضات يؤدي إلى تدحرج الأوضاع، نحو درجة أسوأ، لكنه لا يصل هكذا وبشكل فجائي إلى حد تفسيخ البلد دفعة واحدة.

تكشف هذه المبالغة العاطفية والكلامية عن استهتار كبير بالملف السوري ومجرياته، وعن استعجال في تصدير الموقف، فالرئيس الأميركي لا يكلف نفسه حتى العناء في اختيار المصطلحات المناسبة لتوصيف الحدث. وبالتالي، فإن أي كلام حاضر في البال قد يكفي للتعبير، الأمر كله يدخل في إطار بيع المواقف، فتوقيت صدور التصريح يظهر أنّ الرجل أراد إرسال رسالة إلى دول الخليج التي كانت طائرته تتجهز للإقلاع صوبها. إنه مهتم ومتابع للأزمة السورية، ويكن تجاهها فائضاً من القلق والإحساس بالمسؤولية، فلا يزاودن أحدٌ عليه، وكأنه يقول: سجل إني مهتم بالموضوع السوري، في حين كشفت تعبيراته عن انقطاع مديد، بحجم غفوة طويلة وسبات عميق، ذلك أن سورية دخلت مرحلة التفسخ من زمن طويل.

ليس ذلك وحسب، بل لم تحصل عملية تفسّخ سورية مصادفة، ولا بشكل فجائي، بل تمّت وفق عملية ممنهجة ومنظّمة، أخذت مداها، وكل مدماك كان ينهار من بنية سورية كانت واشنطن وموسكو على علم بتوقيت انهياره، وكانتا تستثمران سياسياً وإستراتيجياً في ذلك الانهيار، كل وفق حساباته ومخططاته.

في كل مراحل الانهيار، كان أوباما يدّعي أنه يستحيل وقف هذا الانهيار، تلك ثورة أطباء ومهندسين وصيادلة، لا يمكن المغامرة والاستثمار فيها لوقف الانهيار. ولذلك، قمع أوباما حتى المحاولات التي أجراها مستشاروه وموظفون في الخارجية و”سي. أي. أي”، لتقييم الوضع في سورية واقتراح خيارات وبدائل للتعامل معه، وانتهى الأمر بوقف أوباما عمل تلك اللجان التي تذكّره بالوضع السوري ومخاطره وتداعياته الداخلية والإقليمية.

ويلفت غوردن براون، المستشار السابق لأوباما لشؤون الشرق الأوسط، في مقابلته مع مجلة

“لا يرى أوباما زميله بوتين مشمراً عن ساعديه ويقوم بتقطيع الذبيحة السورية” “ذا اتلانتك” إلى أن أوباما، وفي أثناء الأزمة الكيماوية، وتخطي بشار الأسد الخطوط الحمراء التي وضعها، قرّر أن يتحدّى ” قوانين اللعبة” المعمول بها أميركياً، ويجرب أن لا ينفذ تهديده، ويحل الأزمة الخاصة بالخطوط الحمر، عبر استخدام تكتيكات سياسية مختلفة، على الرغم من أن تلك المعالجة ترتّب عليها تشريع قتل مئات آلاف السوريين، وتهجير الملايين، وتشريع تحويل سورية إلى مختبر علني لأسلحة روسيا وتدريبات جيوش إيران، إلا أن أوباما يفتخر بنجاحه بتلك التجربة، ويعتبرها إحدى أهم إنجازاته، في وضع يشبه كثيراً الطرفة الشعبية المتداولة في المشرق العربي، والتي تقول إن رجلاً من العامة ذهب إلى إمام المسجد، وسأله يا إمام هل تصح الصلاة بدون وضوء، فأجابه الإمام بالنفي القطعي. عندها قال الرجل للإمام: وما رأيك أنني جربتها وصحّت.

الغريب، وبعيداً عن كل ما فعله أوباما، والذي ربما لا يرى فيه سبباً لتفسخ سورية، أنه لا يرى زميله بوتين مشمراً عن ساعديه، ويقوم بتقطيع الذبيحة السورية وتوزيعها حباً وكرامة، فهذه القطعة للغالي صالح مسلم، لكي يصنع عليها فيدراليته، وتلك للحليف الإيراني، تصلح جسر عبور بين العراق ولبنان، أما الجولان فقد طلبها العزيز نتنياهو بلسانه، تلك ليست مواصفات بلد يتفسخ، على الأقل في هذه الحالة تتفق المكونات على حدودها الجديدة، وعلى شكل العلاقة المستقبلية وطبيعة الالتزامات المترتبة على كل طرف، إنما هذه عملية نحر لأضحيةٍ في عز النهار، وعلى عينك أيها العالم.

ثم إن التفسخ عملية سياسية في آخر المطاف، تولّدها رغبات واتجاهات سياسية، وتحكمها اعتبارات قومية وطائفية، وأيضاً تنظّمها إتفاقيات وتفاهمات معينة، صحيح أنه من حيث المظهر تبدو وكأنها عملية عشوائية، لكنها تتفق عند الحد الأدنى، وهو حدود الدم وانتشار المكون، أما ما يحصل في سورية فهو عملية ” زعرنة” موصوفة، إذ ماذا تعني محاولات التفلت الروسية للقضاء على مكونات المعارضة التي هي ليست سوى ممثل للبيئات التي تريد روسيا تدميرها بحجرها وناسها؟

يا عزيزي فلاديمير، نجحت لعبتنا في سورية، وكان توافقنا مثالياً، وأنا جربت وأنت تدربت، وأريد أن نهنئ أنفسنا على هذا النجاح، تقديري ومودتي، هذه الرسالة الصحيحة التي كان على باراك إبلاغها لفلاديمير، وليس عبر الهاتف، بل عبر احتفالية في حديقة البيت الأبيض، لكنه مكر السياسة، يا عزيزي.

العربي الجديد

 

 

 

بوتين إذ يأمر الأسد بما يلائم الأسد/ حازم صاغية

بعد رحيل جوزيف ستالين في 1953، بدأ الشرق الأوسط يرتفع في قائمة الأولويّات السوفياتيّة، وكانت سوريّة مدخل هذا التحوّل. ففيها، قبل مصر، بدأ كسر احتكار الغرب لتسليح المنطقة، من خلال صفقة سلاح تشيكيّة وروسيّة تراءى لـ «التقدميّين» العرب أنّها تكفّر عن ذنب الصفقة التشيكيّة التي ضمنت، عام 1948، التفوّق العسكريّ للمنظّمات الصهيونيّة ضدّ الجيوش العربيّة في فلسطين. وفي سوريّة، لا في العراق ولا في السودان، تمكّن الشوعيّون، منذ أواسط الخمسينات، من إحراز موقع مؤثّر في السلطة. ومعروف أنّ الخوف منهم، فضلاً عن الخوف من تركيّا، كان من الأسباب الدافعة إلى الانضواء السوريّ في وحدة 1958 تحت جناح مصر. أمّا في 1967 فكان النظام البعثيّ في سوريّة، الذي وزّر الشيوعيّ سميح عطيّة، النظام العربيّ الأقرب إلى قلب موسكو، متقدّماً في ذلك على النظام الناصريّ، علماً أن دمشق الرسميّة، لا القاهرة، كانت الأكثر راديكاليّة حيال الصراع مع إسرائيل. وأمّا منذ 1970، فبات حافظ الأسد القائمقام الأوّل للروس في الشرق الأوسط العربيّ، يحاولون أن يوازنوا به أنور السادات الذي اتّجه بمصر غرباً، ولا يرون على يديه دماء شيوعيّة كالتي اشتهر بها بعثيّو العراق وزعيمهم صدّام حسين.

ولئن لم تخلُ علاقات موسكو ودمشق الأسديّة من بعض التوتّر، في هذه المحطّة أو تلك، فإنّ محطّات التلاقي ظلّت أكبر كثيراً، محكومةً باستراتيجيّة سمّاها حافظ الأسد بلوغ التوازن الاستراتيجيّ مع إسرائيل، وإن عنت عمليّاً أوسع استثمار في الحروب الأهليّة المشرقيّة والإمعان في إضعاف المنطقة وتفتيتها.

على العموم، كانت روسيا السوفياتيّة إلى جانب سوريّة الأسد، وإلى جانب كلّ نظام عسكريّ يقول إنّه سيحارب الدولة العبريّة فيما يحكّم المخابرات بحركات مواطنيه وسكناتهم. فهي تعرف أنّها لا تملك إلاّ السلاح والعقائد العسكريّة تصدّرها وتمدّ فوقها النفوذ الذي تبتغيه في الشرق الأوسط. أمّا في السلع المدنيّة التي يحضّ عليها الخروج من العسكرة وأنظمة الطوارئ والتعبئة، فحال الروس مثل حالنا، لا يفضله إلاّ قليلاً.

صحيح أنّ روسيا البوتينيّة ليست الاتّحاد السوفياتيّ الشيوعيّ، إلاّ أنّ السياسات الخارجيّة لموسكو حافظت على درجة بعيدة من الثبات الذي تتخلّله اختلافات ضئيلة. وهنا اندفع بوتين في دعمه النظام السوريّ أبعد ممّا اندفع أيٌّ من أسلافه السوفيات، لكنّه اندفع أيضاً في دعم الموقف الضمنيّ لنظام الأسد من الصراع مع إسرائيل، وإن خالفته الأقوال والتصريحات المنسوبة إلى الرسميّين السوريّين.

فإعلان بنيامين نتانياهو ضمّاً نهائيّاً لهضبة الجولان السوريّة المحتلّة، وسط تنسيق مع بوتين الذي فوّضه الأسد أمر السيادة السوريّة، وما يتردّد في الإعلام عن رسم «خطوط حمر» و «حصص» يريد الإسرائيليّون ألاّ يغيبوا عنها، يوحي بدور روسيّ في تقسيم سوريّة المحتمل لا يقلّ عن الدور السوفياتيّ في تقسيم فلسطين قبل سبعة عقود. وهذا ما يتجانس تماماً مع نظريّة «سوريّة المفيدة» التي يصعب إدراج الجولان فيها، خصوصاً أنّ كلفة تحريرها أكبر كثيراً من أكلاف المناطق «غير المفيدة» الأخرى. ومن باب أولى في من يتخلّى عن الجولان أن يتخلّى عن فلسطين التي سبق للنظام الأسديّ أن تخلّى عنها عدداً من المرّات لا يفوقه إلاّ عدد المرّات التي أكّد على تحريرها.

وهذا أمر واقع آخر سيأمر به بوتينُ الأسدَ ليجد في المأمور أطيب الاستعداد لأن يؤمر. و «هل يمكنني»، كما قد يقول سيادة الرئيس، «أن أقف في وجه العالم؟».

الحياة

 

 

 

دماء حلب والأحادية الروسية/ وليد شقير

قد يكون المتابعون للمجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد وحلفاؤه في حلب منذ أكثر من أسبوع، غاب عن بالهم أن اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية الذي أنتجته روسيا والولايات المتحدة الأميركية في 22 شباط (فبراير) الماضي نص على نقاط تفصيلية تجعل من الهجمة الأخيرة التي يشنها تحالف الأسد وإيران و «حزب الله» وسائر الميليشيات الحليفة على مناطق المعارضة، فضيحة على الصعيد الدولي.

لم يسبق أن ضربت أي دولة أو جهة مسلحة بعرض الحائط اتفاقاً دولياً كالذي نحن أمامه، على مر الحروب، بهذا الوضوح، سوى إسرائيل حيال الشعب الفلسطيني، مثلما تفعل الدولة الروسية العظمى، الطامحة إلى استعادة مكانتها الدولية ونديتها مع أميركا. إنها تتصرف كالميليشيات غير المنضبطة، ما يجعل الهالة التي أعطيت لـ «القيصر» و «لاعب الجيدو» الماهر الذي يجيد مفاجأة خصمه، تسقط إلى أدنى درك أمام سيل الدماء التي تنزف من المدنيين، وهول التدمير الممنهج في حلب.

قد يكون من السذاجة التذكير بنصوص الاتفاق الذي صاغه سيرغي لافروف وجون كيري، بعدما تسببت الموجة السابقة من الهجمات على حلب في مطلع شباط بغضب أوروبي وأميركي، لتزامنها مع بدء مفاوضات جنيف في حينها وفق قرار مجلس الأمن 2254: وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي للجيشين السوري والروسي (النظام قصف حلب بصاروخ بعيد باليستي، إضافة إلى الطيران طبعاً)، التوقف عن السعي لكسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة في وقف النار (يفاخر النظام والإيرانيون بخوضهم المعركة «الكبرى» لاحتلال حلب… وبأنباء الحشود لهذا الغرض)، السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن من دون عراقيل الى جميع المناطق فوراً لإيصال المساعدات ( سمح النظام بإدخال قناني المياه إلى داريا ومنع الطعام عنها وعن مضايا وغيرها باعتراف ستيفان دي ميستورا)، الإفراج المبكر عن المعتقلين، وخصوصاً النساء والأطفال، الاستخدام المتناسب للقوة في حال الدفاع عن النفس (ما يعطي المعارضة حق الرد..). ولم يغفل الاتفاق هدف «تنفيذ سريع وفعال وناجح لعملية الانتقال السياسي» طبقاً لقرار مجلس الأمن وبيان جنيف 2012، وفي عدد من فقراته يلزم «الدول الإقليمية بدعم وقف العنف».

في المقلب الآخر من «سذاجة» استرجاع النصوص حقائق ساطعة برزت:

– استخدمت موسكو اتفاق الهدنة، ومن ثم إعلانها سحبها الجزئي والمسرحي لقواتها الجوية في 14 آذار، من أجل جعل النظام ينظم صفوفه مع الإيرانيين، الذين استقدموا المزيد من القوات الخاصة تمهيداً للاندفاعة التي ينفذها الآن.

– بررت موسكو تراجعها عن البحث في مصير الأسد تحت عنوان إجراء انتخابات رئاسية بعد 18 شهراً يترشح فيها هو ويسقط بنتيجتها، لأن النازحين المعارضين له سيشتركون فيها بحماية ورقابة دوليتين، بأن «الحليف الصعب»، إيران، يرفض هذه الصيغة. وانتقلت موسكو إلى طرح صيغ ملتبسة من نوع تعيين نواب للرئيس وتشكيل مجلس عسكري مشترك، للتحايل على مطلب نقل صلاحياته وبحجة أولوية محاربة «داعش» و «جبهة النصرة». جاء كل ذلك بعدما أقنعت واشنطن منذ خريف 2015، أن البت ببقاء الرئيس السوري أو رحيله يتم بعد بدء العملية السياسية، وبالاتفاق مع «الدول الإقليمية». وهو يعني التسليم ببقائه.

– تركت النظام وحلفاءه يستخدمون «داعش» وهجماته على مواقع المعارضة التي تخضع في الوقت نفسه لاختبار قتال تنظيم «الدولة الإسلامية»، من أجل إضعاف المعارضة المعتدلة المصرّة على رحيل الأسد، بعد أن نجحت في توحيد صفوفها في مؤتمر الرياض الشهير (في مطلع كانون الأول/ ديسمبر) بين المجموعات السياسية وأكثر من 90 فصيلاً مسلحاً على الأرض وتعذر تجاوزها.

– دفع المعارضة إلى الانسحاب من مفاوضات جنيف 3 الأخيرة احتجاجاً على خرق الهدنة والمجازر، من أجل السعي إلى تقسيمها وتشتيتها والمطالبة بوضع بعض فصائلها على لائحة الإرهاب، وإيجاد مفاوضين جدد لإحلال «معارضة موسكو» و «القاهرة» و «الداخل»… مكانها في التفاوض على قاعدة بقاء الأسد.

– مع أن الرئيس باراك أوباما يواصل التسليم بالدور الروسي، واكتفى باتهام فلاديمير بوتين بدعم «النظام القاتل» مع إيران، فإن موسكو تبعث مجدداً من الميدان السوري الرسائل إليه، أثناء جولته الداعمة لحفظ وحدة أوروبا وتوسع حلف «الناتو» إلى دول البلطيق. فتشدد بوتين في سورية، بعد أوكرانيا، يرمي إلى إفهام أوباما ومن سيخلفه، أنه يتمسك بمناطق النفوذ التاريخي لروسيا.

دماء السوريين هي وقود الرسائل الروسية، وسط انهماك تركيا والدول العربية المعنية بهمومها. وتفرد موسكو بتحديد موعد جديد لمفاوضات جنيف يذكر بالجنوح الأميركي نحو الأحادية، وإطلاق يد الحلفاء لإسقاط الهدنة يكذّب ادعاء الحرص على تغطية الشرعية الدولية.

الحياة

 

 

 

الطريق الروسي الخطير/ بيتر راودسك

لأول مرة تحاول روسيا تصدير نموذجها من الدول المنشقّة خارج الفضاء السوفييتي السابق، عن طريق تقديم الدعم الصريح للأقليّات الكرديّة في سورية والعراق. فيتمثل هدف روسيا البعيد المدى في إضعاف وزعزعة استقرار تركيا التي تعتبرها موسكو منافساً إقليمياً وحلقة ضعيفة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تعدّه روسيا خطراً رئيساً على سيادتها.

ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات شبكة من الأراضي غير المعترف بها في ما يسميه الروس “الخارج القريب”، وتشمل “ترانسنيستريا” في مولدافيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، كما وشملت أخيراً “جمهورية دونيتسك” في أوكرانيا. وعلى اختلاف الملابسات الأولية، فإنّ هذه المناطق المتنازع عليها باتت بمثابة أداة مهمة في السياسة الخارجيّة الروسية. وعلاوة على ذلك، روسيا مستعدّة ولا تتردد في استخدام القوة لصيانة مصالحها في دول الجوار، حيث شهدنا ذلك في أثناء التدخّل الروسي العسكري في كل من جورجيا (2008) وأوكرانيا (2014). وحاليا تنتهز روسيا فرصة استغلال الفوضى في العراق وسورية، وطموحات الأكراد في الحكم الذاتي في هذه الدول.

ولا حاجة إلى البيان أنّ هذا الوضع قد أقلق تركيا التي شهدت تصاعد أعمال عنف جديدة في العام الماضي في جنوب شرق البلاد بين قوات الأمن ومتمرّدين من حزب العمّال الكردستاني. ويدعي الأكراد في منطقة ديار بكر أنّ ناشطين شباباً عديدين أُرغِموا على حمل السلاح مرّة أخرى، بعد سلسلة من الاعتقالات التي لا مبرِّر لها والترهيب من القوميين الأتراك، وذلك بعد هدنة استمرّت سنين. وفوق هذا كلّه، زادت التفجيرات الأخيرة في العاصمة أنقرة التوتّر بين الأتراك والأقلية الكردية التي تشكّل نحو عشرين بالمائة من عدد السكّان في البلد.

وبينما تحاول تركيا التعامل مع الاشتباكات الجديدة، زادت روسيا دعمها الأكراد في البلدان المجاورة. فقد زوّدت الأكراد في العراق بخمسة مدافع مضادة للطائرات والذخائرة اللازمة لها. وهذه الخطوة تواجه، وبشكل مباشر، أنقرة التي نفذت غارات جويّة ضدّ مسلحي حزب العمّال الكردستاني في الأراضي التي تسيطر عليها قوّات البشمركة الكردية في العراق.

وعلاوة على ذلك، فإنّ روسيا من الأنصار الشديدين للقضية الكردية في شمال سورية. وأصبح من الواضح أن الضربات الجوية الروسية لم تساعد قوّات النظام السوري للمضي أمام المعارضة السورية فحسب، بل وفرضت الهيمنة الكردية بمحاذاة الحدود مع تركيا. وقد تعزّز التعاون بين الأكراد السوريين والروس، إذ افتتح الأكراد مكتب بعثة لهم في موسكو في شباط/فبراير الماضي. ولربما كانت تلك الخطوة الأخيرة الأكثر إثارةً لغضب أنقرة هي أنّ الأكراد أعلنوا قيام نظام فدرالي في ثلاث من المناطق الخاضعة لسيطرتهم ذات الأغلبيّة الكردية والمعروفة باسم روج آفا. ولأسباب لا تخفى على أحد تقلق الحكومة التركية من الحكم الذاتي الكردي في سوريا الذي قد يسبب المزيد من عدم الاستقرار في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد فبالتالي تبرر الإجراءات العلنية الروسية مخاوف أنقرة.

صرّح المؤرخ الروسيّ يوري فيلشتينسكي أنّ الحرب التركية ضدّ الأكراد ستكون لها نتائج خطيرة متنبئاً بلهجة كئيبة: “تركيا بصفتها دولة علمانية سوف تزول من الوجود”. وأردف إن عدم الاستقرار المقبل قد يهدد كلا من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، وكذلك ترشحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما يبدو أنه الهدف الحقيقي لفلاديمير بوتين. ومع ذلك، فإنّ فكرة زعزعة استقرار تركيا بواسطة الأكراد في المنطقة ليست جديدة. فقد طرح هذه الفكرة بالفعل منذ نحو عقدين المفكّر اليميني البارز ألكسندر دوغين، حيث أثّرت أفكاره تأثيراً شديداً على خطة الكرملين للسياسة الخارجيّة، فيدعو في كتابه أصول الجغرافيا السياسية (1997) إلى “إثارة الصدمات الجيوسياسية” داخل تركيا من خلال استغلال العلاقات العرقية الأريوسية مع الأرمن والأكراد.

وعلى الرغم من هذا التعاون الذي لا يزال يزداد تعمّقاً، بادرت روسيا مشروعها الجديد بثبات. ومن المثير للاهتمام غياب كبار المسؤولين الروس من حفل افتتاح مكتب التمثيل الكردي في موسكو، إلّا أنّ ممّن حضر هذه المناسبة ممثلو دول منشقّة أخرى، تموّلها وتسوسها موسكو. فممّن قدّم تهنئته للمسؤولين الأكراد ممثلون من أستونيا الجنوبية وأبخازيا وجمهورية دونيتسك.

يرتبط النهج الروسيّ الحذر بأمرين، أوّلهما أن هناك مصالح اقتصادية ضخمة، معرّضة للخطر فطوال السنوات الخمس عشرة الماضية، اتّسمت العلاقات بين روسيا وتركيا بالتقدّم النسبي والتعاون المتبادل. أما حالياً فإن خمس واردات الطاقة التركية تأتي من روسيا. وفضلاً عن ذلك فروسيا ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا، كما أنها بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها تتعلّق بالأزمة الأوكرانيّة ازداد حجم التجارة بين روسيا وتركيا.

أما المسألة الثانية فهي الامتداد المحتمل لعدم الاستقرار إلى منطقة القوقاز. ولا يجوز تناول استئناف وتيرة التوتّر في إقليم مرتفعات قرة باغ بين أذربيجان وأرمينيا، بمعزل عن الانفصال المتزايد بين روسيا وتركيا، وهي منطقة أخرى متنازع عليها، برزت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. فتتخذ روسيا خطوات موزونة بدقّة تجاه الأكراد في سورية، من أجل الحفاظ على الاستقرار في منطقة شمال القوقاز، وخصوصاً في الشيشان وداغستان.

وباعتبار أن روسيا لا تزال تحسب أن الغرب يشكّل تهديداً لأمنها الوطني، وتعتبر توسّع “الناتو ” خطراً رئيساً لاستقرار البلد فيحلّل خبراء الأمن الروس السيناريوهات المحتملة التي تتعلّق بالهجوم الغربي على روسيا بجدّية. وينظر الروس إلى دعم الناتو العسكري الدول المجاورة في شرق أوروبا على أنّه ردّ الفعل الطبيعي للولايات المتحدة على دور روسيا المتزايد في مجال العلاقات الدولية.

وفي سياق المواجهة الحالية، أصبح واضحاً أن الدعم الروسي للأكراد في سورية والعراق سوف يزداد على المدى الطويل، بهدف تفكيك وحدة الناتو. فقد اختلفت أنقرة وواشنطن بمقاربتيهما المتضاربتين تجاه الأكراد في حين تقاتلان المتطرّفين. أوقف التدخّل الروسي في جورجيا وأوكرانيا التوسّع المتوقع لحلف شمال الأطلسي إلى هذه البلدان بشكل فعال أما استغلال الطموحات الكردية فهدفه فكّ التحالف. وفي هذه الظروف وبالطريقة نفسها، قد ينطبق ذلك على الدولة السورية أيضاً.

العربي الجديد

 

 

 

 

قواعد لعبة موسكو في سوريا/ أندرو جيه. تابلر

في الآونة الأخيرة، يبدو أن موسكو قد قررت أخيراً الاستماع لواشنطن عندما يتعلق الأمر بسوريا. أولاً، في 15 آذار/مارس أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “سيسحب” قواته من سوريا، وذلك على ما يبدو رداً على محاضرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول البقاء خارج “المستنقع” السوري.

وبعد عشرة أيام، وفي إطار إستضافته لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في موسكو، صرّح بوتين بتعبير نادر أثنى فيه على “القيادة السياسية” لأوباما تجاه سوريا. وفي نهاية اللقاء، أعلن كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن ما لا يقل عن خمسة مجالات من المفترض أن يتم التعاون فيها بين الطرفين في الشأن السوري:

– إذ ستقوم موسكو وواشنطن بـ”تعزيز” اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إقراره في 27 شباط/ فبراير و”دعمه” من خلال إنهاء استخدام “الأسلحة العشوائية”،

– وتوسيع إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا،

– وإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على إطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين،

– وإنشاء إطار للانتقال السياسي،

– صياغة مسودة للدستور بحلول شهر آب/ أغسطس.

بل إن لافروف تحدث عن إنشاء “هيئة حاكمة انتقالية” في سوريا، تردداً لصدى صوت “هيئة الحكم الانتقالي” الواردة في “بيان جنيف” لعام 2012، وهو الحد الأدنى لواشنطن حول التسوية في سوريا.

ولكن إلقاء نظرة أعمق إلى الموضوع تكشف أن واشنطن تقترب من موقف موسكو بشأن سوريا، بما في ذلك صياغة دستور من شأنه أن يسمح للأسد بالبقاء في السلطة خلال “المرحلة الانتقالية”. وإذا تمكن بوتين من فرض موقفه، إما على طاولة المفاوضات أو على أرض المعركة، سيبقى الأسد في السلطة لسنوات قادمة.

خفض القوات وليس انسحابا

إن “الانسحاب” الروسي من سوريا هو في الواقع تخفيض عدد القوات أو إعادة تمحورها أكثر من كونه انسحاباً. فقد سحبت موسكو، اعتباراً من مطلع نيسان/ إبريل، حوالي نصف طائراتها المقاتلة التي يبلغ عددها 36 طائرة من القاعدة  الجوية في حميميم خارج مدينة اللاذقية الساحلية.

فمنظومة “إس-400” الروسية المتطورة المضادة للطائرات لا تزال في مواقعها من أجل الدفاع عن القاعدة من أي هجوم ومنع الولايات المتحدة وجيران سوريا من إقامة مناطق حظر جوي في سوريا من دون إذن موسكو. وقد نشرت موسكو قواتاً خاصة لتحديد الأهداف المستقبلية لتوجيه ضربات جوية روسية ونقلت المروحيات إلى قواعد شرق حمص.

ونظراً لأن بوتين أعلن عن قراره الانسحاب من دون استشارة الأسد، بدا الأمر وكأنه يتخلى عن الرئيس السوري. إلا أن موسكو لا تفارق الأسد. وبالأحرى، يُظهر بوتين الإحباط أوالسخط من أداء الأسد الضعيف في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات.

فمنذ بدء الحملة الجوية الروسية في نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، قام الطيارون الروس وفقاً لبعض التقارير، بأكثر من 9000 طلعة جوية، غالبيتها وجهت إلى أهداف غير تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، مثل جماعات المعارضة المختلفة التي تحارب الأسد.

فالقوة الجوية الروسية أنقذت نظام الأسد من الانهيار، وهو ليس بالأمر البسيط، ولعبت دوراً حيوياً في استعادة النظام لمدينة تدمر السورية المركزية من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» في أواخر آذار/ مارس، فضلاً عن المناطق شمال اللاذقية وبالقرب من حلب.

بالإضافة إلى ذلك، عززت الضربات الجوية الروسية هجوماً قامت به «وحدات حماية الشعب»، وهي ميليشية كردية سورية، لقطع “ممر أعزاز” – الذي يربط بين أعزاز (شمال حلب) وكوباني (غرباً على الحدود مع تركيا) – وهو الشريان الحيوي لقوى المعارضة السورية التي تقاتل في حلب.

لكن بشكل عام، إن الحملة الجوية التي شنتها موسكو ساعدت النظام على استعادة ما يزيد قليلاً عن 4000 ميلاً مربعاً، أي حوالي 5 في المائة من الأراضي السورية، وجزء صغير فقط من الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» وهو في أوجه مجده.

إن ذلك يترك الأسد مسيطراً على نحو ثلث البلاد و 63 في المائة من السكان الباقين. وفي ذلك الوقت، تفاخر الأسد بأنه “سيستعيد كل شبر من الأراضي” التي فقدت أثناء الصراع، مما يعني أن روسيا ستأتي لمساعدته. ولكن نظراً إلى الصعوبة التي واجهها النظام السوري في استعادة السيطرة على الأراضي والتمسك بها، فقد كان ذلك يعني أن موسكو ستواجه احتمال [اعتمادها استراتيجية] التزام عسكري طويل الأمد إذا كانت تريد أن ترى الأسد يستعيد السيطرة على الغالبية العظمى من البلاد.

لهذا السبب ظهرت توبيخات حادة للأسد من فيتالي تشوركين، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي ذكر أن روسيا قد استثمرت بكثافة في الأزمة وأن موسكو “تود لو يأخذ السيد بشار الأسد هذه [التطورات] بعين الاعتبار”. وبالتالي فقد يساعد الانسحاب على ترسيخ هذه الرسالة.

ويهدف انسحاب موسكو أيضاً إلى إجبار الأسد على التعاون خلال محادثات السلام. فقد كان من المحبط بالنسبة لموسكو أن ترى الأسد يبطل أجزاءً من محادثات السلام التي توسطت فيها موسكو وواشنطن في الخريف الماضي، وهي عملية منصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

على سبيل المثال، بعد أن خلصت موسكو وواشنطن إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 22 شباط/ فبراير، أعلن الأسد فوراً أنه سيجري انتخابات برلمانية في 13 نيسان/ إبريل، بإخلاله أساساً بالقرار الذي ينص على إجراء الانتخابات فقط كجزء من تسوية نهائية؛ وقد جرت الانتخابات في ذلك التاريخ وفاز فيها تحالف “الوحدة الوطنية” التابع للأسد بشكل مثير للريبة بنسبة 80 في المائة من الأصوات.

وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أيضاً أن دمشق لن تناقش مستقبل الرئاسة، مشككاً في استعداد النظام للموافقة على أجزاء من القرار المتعلق بالعملية الانتقالية والتعديلات الدستورية. وفي ضوء تعنت الأسد، لم يكن إعلان بوتين الانسحاب مفاجئاً من خلال النظرة إلى الماضي – ذلك الانسحاب الذي حدث مباشرة بعد الاجتماع الأول للأمم المتحدة مع فريق الأسد للتفاوض.

موسكو منقسمة

في ما يتخطى الرسالة المنشودة إلى الأسد، يعكس الانسحاب الروسي أيضاً الانقسام داخل الحكومة الروسية حول كيفية التعامل مع حليفتها. فعلى الرغم من أن قرارات السياسة الخارجية تأتي في النهاية من بوتين، شددت وزارة الشؤون الخارجية، بطبيعة الحال، على المفاوضات ودعت وزارة الدفاع إلى تدخل عسكري أقوى.

وقد اختار بوتين البدء بالمفاوضات. وفي حزيران/ يونيو 2012، توسطت وزارة الشؤون الخارجية ووزارة الخارجية الأمريكية في “بيان جنيف”، الذي يضع الإطار لعملية انتقالية يجتمع من خلالها نظام الأسد وفصائل المعارضة المختلفة لتشكيل “هيئة الحكم الانتقالي” التي ستتولى “السلطة التنفيذية الكاملة”.

لكن تبيّن أن جمع النظام والمعارضة على طاولة واحدة أمر صعب، لذلك استغلت وزارة الشؤون الخارجية شخصية من الخارج، هي فيتالي نومكين من الأكاديمية الروسية للعلوم، وهو أكاديمي يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع نظام الأسد ودوائر السياسة الغربية (والذي هو الآن المشرف الروسي في محادثات السلام السورية في جنيف).

ورعى نومكين أيضاً محادثات تهدف إلى توحيد النظام مع شخصيات من المعارضة السورية مقبولة من موسكو، مثل قدري جميل ورندا قسيس. وعُقد اجتماعان بين المعارضة والنظام في أوائل 2015 لكنهما لم يسفرا عن نتائج تذكر، إذ تبيّن أن النظام صارم بشدة، وغير راغب في تلبية مطالب المشاركين من المعارضة القريبين من موسكو حول تدابير بناء الثقة، ولاسيما فيما يتعلق بالإفراج عن السجناء.

وبعد ذلك، في الصيف الماضي، فيما توقعت وكالات الاستخبارات الروسية الانهيار الكامل لنظام الأسد، نقل بوتين وزارة الدفاع إلى “مقعد الطيار” لتقديم الدعم العسكري للنظام من أجل محاربة تنظيم «داعش» وغيره من المتطرفين.

وفي العام الذي سبق تدخل روسيا، اعتبرت وزارة الدفاع في الاجتماع السنوي الذي تستضيفه، أي “مؤتمر موسكو حول الأمن الدولي”، أن سبب الانتفاضات في الشرق الأوسط ليس الحوكمة الضعيفة بل “الثورات الملونة” التي ترعاها الولايات المتحدة، والتي شجعت أيضاً على الاحتجاج وتغيير النظام في أوكرانيا وأماكن أخرى في الخارج بالقرب من روسيا.

ومن جهته، لجأ نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنتونوف إلى أكاديمي بارز آخر هو رئيس معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي، لدعم هذه النظرية. وقال ساتانوفسكي “لم تتجل المشكلة في الانتفاضات العربية، بل في رد أمريكا على تلك الانتفاضات”. لذلك، بالنسبة لموسكو، لم يكن الحل فقط في دعم نظام الأسد ولكن في مساعدته على اتخاذ موقف هجومي ضد كل أعدائه.

لذا عندما تدخلت روسيا في 30 أيلول/ سبتمبر، لم يكن من المفاجئ ألا تستهدف الضربات الروسية تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» فحسب، بل كافة أطياف المعارضين للأسد، بمن فيهم المتمردين الأكثر اعتدالاً الذين تدعمهم الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، وبغية الاستفادة من التدخل العسكري، بدأت وزارة الشؤون الخارجية مفاوضات مع الولايات المتحدة في فيينا، وللمرة الأولى، مع إيران. وفي مدة تزيد قليلاً عن الشهر، أعادت مجموعة التفاوض، والتي شملت أيضاً الصين والأمم المتحدة وعدد من الدول العربية والأوروبية، تسمية نفسها «المجموعة الدولية لدعم سوريا». كما وافقت على قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ولسوء الحظ بالنسبة إلى موسكو، تخلفت إنجازات نظام الأسد في ساحة المعركة مقارنة مع النجاحات الدبلوماسية التي حققتها موسكو. فبسبب النقص الحاد في المقاتلين، عانت قوات الأسد من صعوبات في الاستفادة من الحملة الجوية الروسية، مما أدى إلى التقديرات التي برزت في أوائل كانون الأول/ ديسمبر بأن النظام استعاد 1 في المائة فقط من الأراضي السورية.

ولتغيير حظوظ النظام، صعّدت موسكو بشكل كبير من هجماتها في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير إلى 200 طلعة يومياً. وفي النهاية، أعطى الهجوم على هذه الأرض المحروقة، نظام الأسد ما يكفي من الزخم لاستعادة السيطرة على حلب وشمال اللاذقية وغيرها من النقاط الرئيسية جنوب البلاد، ولكن المكاسب لم تبلغ سوى 4 في المائة من الأراضي الإضافية. ومع بقاء ثلثي سوريا خارج سيطرة الأسد، ليس من المستغرب أن يختار بوتين الاستمرار في المسار الدبلوماسي.

خطابات مقابل تغيير حقيقي

حتى الآن، لم يبدُ أن الانسحاب قد مارس ما يكفي من الضغط على الأسد لإجباره على الاستماع إلى بوتين. ففي بداية نيسان/ إبريل، برزت دلائل تشير إلى أن موقف الأسد يلين، على الأقل خطابياً. ففي مقابلة له مع “خدمة أخبار سبوتنيك” الروسية، تراجع الأسد عن تصريحات المعلّم السابقة بأن الرئاسة غير قابلة للتفاوض.

واقترح الأسد [إعداد] مشروع دستور جديد، على الرغم من أنه سار قدماً في الانتخابات البرلمانية في 13 نيسان/ إبريل، والتي ادعى أن من شأنها “اظهار حجم القوى السياسية في البلاد” على الرغم من أن النظام هو الذي عمل على تنظيمها. وقال الأسد إنه سيفكر بعد الانتخابات، في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولكن فقط “إذا كانت هناك إرادة شعبية لذلك”.

أما بالنسبة إلى عملية الانتقال السياسي، والتي حثت عليها المعارضة والولايات المتحدة، فيبدو أن الأسد يفسرها على أنها تعني “الانتقال من دستور لآخر” وليس تغييراً في القيادة. ففي محادثات السلام هذا الأسبوع، أكد كبير المفاوضين السوريين، بشار الجعفري، على أن مستقبل الأسد “غير قابل للنقاش”.

وفي المحادثات التي بدأت في جنيف في 13 نيسان/ إبريل، علّق وفد المعارضة مشاركته في 18 نيسان/أبريل بسبب انتهاكات وقف إطلاق النار التي ارتكبها النظام. لهذا السبب فإن السؤال المهم هو ما إذا كان خطاب الأسد، سواء حول الانتقال [إلى نظام آخر] أو وضع دستور جديد أو حول الانتخابات الرئاسية، سيكون كافياً لجلب جزء هام من المعارضة إلى طاولة المفاوضات والحفاظ على مشاركته فيها.

هذا وقد أعطى اتفاق وقف إطلاق النار الذي عملت موسكو وواشنطن على التوصل إليه، بعض فصائل المعارضة غير المتطرفة مهلة من الضربات الجوية الروسية وتلك التي يقوم بها النظام؛ ولكن في أوائل نيسان/ إبريل، ارتفع عدد انتهاكات وقف إطلاق النار بشكل كبير.

فقد قصف النظام عدد من أراضي المعارضة في جميع أنحاء البلاد، وفي المقابل، أسقطت بعض فصائل المعارضة، إلى جانب «جبهة النصرة»، طائرة تابعة للنظام. ويشكك الكثيرون بأن وقف إطلاق النار هو مجرد موقف تكتيكي قبل أن تقوم روسيا، إلى جانب إيران، بإطلاق حملة لمضاعفة تأمين حلب. وفي الأيام الأخيرة، كان [أصحاب] “القبعات الخضراء” من إيران، والذين يعارضون أي مناقشة حول عملية انتقالية في سوريا، قد رُصدوا جنوب حلب.

وبالنسبة للولايات المتحدة، السؤال المطروح هو ما مدى الاستثمار في هذه العملية. هناك علامات أولية تشير إلى وجود اهتمام كبير. وفي الأسبوع الماضي ذكرت وكالة أنباء “بلومبرغ” أنه في خلال اجتماعهم في موسكو، سلّم بوتين إلى كيري مسودة دستور “[كان] مبنياً على وثائق صاغها خبراء قانونيون مقربون من الحكومة [السورية]”.

وذكرت صحيفة “الحياة” العربية اليومية أن روبرت مالي، من كبار مستشاري “حملة الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا”، كان في جنيف الأسبوع الماضي للتفاوض بشأن الدستور، الذي سيشهد بقاء الأسد في السلطة، ربما مع ثلاثة أشخاص يتولون منصب “نائب الرئيس”.

إلا أن واقع المعركة والمفاوضات ألقت بثقلها بشكل كبير على هذه العملية. فاتفاق وقف إطلاق النار يرزح تحت ضغط كبير. وقد فشلت موسكو حتى الآن في إقناع الأسد بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية لمئات الآلاف تحت الحصار في جميع أنحاء البلاد، وهي ربما النقطة الأكثر إلحاحاً التي أصر عليها بوتين وكيري في الاتفاق في موسكو.

على المدى الطويل، تُطرح مسألة كيفية إطلاق عملية “انتقالية” يلعب فيها الأسد دوراً مركزياً، وهو تناقض حتى في الشرق الأوسط، نظراً لأنه من المرجح أن يُبعد المعارضة أو يعيق جماعات المعارضة من التخلي عن اعتمادها السلبي على المتطرفين مثل «جبهة النصرة»، التي نفذت تفجيرات انتحارية ثبت أنها المفتاح لمحاربة الأسد. ويبدو أن نظام الأسد قد دخل الآن في مثلث مع روسيا وإيران، الطرف الأحدث على الجدول الدبلوماسي، والذي لا يدعم العملية الانتقالية في سوريا من دون الأسد.

في بداية الانتفاضة السورية، تم طرح فكرة “الشمولية” لتلبية مطالب المعارضة بالديمقراطية و”الكرامة”.

واليوم إنها لأمر أساسي من أجل الحصول على ما يكفي من الأطراف المعارضة للانضمام إلى  النظام السوري “الجديد” الذي يمكن أن يجذب ما يكفي من الدعم الشعبي ويحشد ما يكفي من المقاتلين لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية من المتطرفين السنة مثل تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» دون الحاجة إلى الاعتماد على المتطرفين الشيعة مثل «حزب الله» و«لواء أبو الفضل العباس»، اللذان يقاتلان حالياً نيابة عن نظام الأسد.

وإذا فشلت واشنطن في العثور على حل وسط فعّال، ستتجه سوريا إما إلى الانقسام أو الانحلال إلى نظام فيدرالي أو كونفدرالي غير مستقر والذي من المرجح أن ينطوي على مشاركة دولية واسعة لسنوات قادمة.

* أندرو جيه. تابلر باحث كبير بـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، الذراع البحثي للوبي إسرائيل بواشنطن.

المصدر | فورين أفيرز – ترجمة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

 

 

 

سوريا: ماذا تريد روسيا الآن؟/ إياد أبو شقرا 

كان راصدو انتفاضة الشعب السوري ومآلاتها خلال السنوات الخمس الأخيرة رهينة لتجاذبين: بين حسن الظن بالمواقف الدولية، وعلى رأسها الموقف الروسي – وتاليًا، الموقف الأميركي – على أساس أنه ليس بمقدور أي دولة كبرى، مهما بلغ عمق تحالفها مع نظام تابع السكوت إلى ما لا نهاية على قمعه الإجرامي لشعبه، وبين تعامل أكثر واقعية واثق بأن روسيا، على الأقل، لن تتخلّى عن نظام آل الأسد مهما كان الثمن.

في البداية نبّه استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، بالتحالف مع الصين، لمنع اتخاذ أي قرار حازم ضد نظام بشار الأسد، بعدما اختار «التحاور» مع مطالب شعبه بالقتل والتهجير، كثيرين إلى أن لدى روسيا حسابات جمّة معقّدة في المسألة السورية. غير أن الصورة ظلت «ضبابية» بالنسبة لأولئك الذين فضّلوا قراءة موقف موسكو على أنه لا يخرج عن كونه مجرّد رسالة موجّهة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية عنوانها «نحن هنا» الغاية منها منع إهمال موسكو كما حدث في ليبيا.

كانت تلك قراءة البعض بعد «الفيتو» الروسي-الصيني الأول. إلا أن عددًا متزايدا من هؤلاء أخذوا يغيّرون قراءاتهم بعد «الفيتو» المزدوج الثالث، ويتنبّهون لجديّة وعناد لا لبس فيهما في الكرملين يعبّر عنهما أسوأ تعبير وزير الخارجية سيرغي لافروف.. ومعه أبواق الإعلام الأمني الروسي في وسائل الإعلام العربية والعالمية. إذ غدا واضحًا لكثيرين أن المسألة تجاوزت «التذكير» وقاربت ما هو أخطر، ولا سيما، أن موقف واشنطن الحقيقي أخذ ينكشف خطوة خطوة بالتوازي مع مسيرة «تطبيعها» النووي والسياسي مع طهران، ومسلسل تساقط «الخطوط الحمراء» سوريًا.

ولم يطل الوقت حتى تأكد أن الولايات المتحدة ما عادت جزءًا من مجموعة «أصدقاء سوريا» – وهذا إن كانت كذلك أصلاً – بل صارت في أفضل الحالات طرفًا «محايدا». ومن ثم، أضحت لقاءات لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري أقرب إلى جلسات انسجام وصفاء ودية منها إلى اجتماعات بحث جادّ في قضايا خلافية.. على وقع المجازر والمآسي في مختلف أنحاء سوريا، ناهيك بغرقى البحار ومعاناة نازحي اللجوء.

خلال السنوات الأخيرة، مع تخلّي باراك أوباما عن السوريين.. وتذرّعه بالتصدّي لخطر «داعش» الذي اعتبره أولوية الأولويات بالنسبة لواشنطن، لم تكتف موسكو بدعم نظام الأسد بالسلاح والذخائر والدبلوماسية في أروقة السياسة الدولية، بل نشطت على مسار ضرب المعارضة السورية الحقيقية، وضرب صدقيتها، واصطناع «معارضة» عميلة أخرجتها من تحت عباءة النظام ودهاليز استخباراته، بل وفي حالات معينة، من وزرائه وساسته والناطقين باسمه «سابقًا».

وللأسف، عند هذه النقطة نجحت موسكو في استثارة حساسيات معيّنة داخل بعض الدول العربية، راهنت عليها لتستقوي بها في مؤامرتها الهادفة إلى تفجير المعارضة السورية من الداخل. وبالفعل، بوشر باصطناع «معارضة» مزيفة من أزلام النظام وعملائه بهدف تحويل أي «حوار» سياسي يتبنّاه المجتمع الدولي إلى «دردشة» يجريها نظام الأسد مع نفسه، لتنتهي بإعادة إنتاج الطغمة ذاتها.. كي تمارس دورها ذاته، ولكن بوجوه بعضها غير مستهلَك في أعقاب إحالة المستهلَكين إلى التقاعد.

لكن هذه الخطة في حدّ ذاتها ما كانت كافية، في ظل إخفاق الميليشيات الإيرانية «المتعددة الجنسيات» في حسم المعارك على الأرض، واحتفاظ قوى الثورة والمعارضة بقوة الدفع والعزيمة، رغم كل التفخيخ والتفجير السياسي عبر «المعارضات المزيفة» والتفجير العسكري عبر «داعش» الذي كان – ولا يزال – يقاتل الثوار مدعومًا بتواطؤ النظام.

أكثر من هذا، كان هناك قلق في أوساط بعض الأقليات الدينية والمذهبية مما تعنيه هيمنة ملالي طهران وحرسهم الثوري على سوريا، وحملة الاستحواذ الإيرانية على الأراضي في مختلف أنحاء البلاد عبر التهجير والتبادل السكاني والشراء الإغرائي والقسري والتحايلي (ومنها بيع عقارات المهجّرين).

وهكذا، تضافر عاملا «صمود الثورة» ميدانيًا و«القلق الأقلياتي» – ولا سيما المسيحي – من الهيمنة الإيرانية، لإقناع موسكو بضرورة التدخل العسكري المباشر. وتيسّر لها ذلك في سبتمبر (أيلول) 2015 دون أي مشكلة بفضل «عقيدة أوباما» القائمة على الاصطفاف مع «الشيعية السياسية» على امتداد الشرق الأوسط بمواجهة «التطرّف الإرهابي السنّي» ممثلاً بـ«داعش» و«القاعدة» وإفرازهما السوري «جبهة النصرة».

اليوم تخوض روسيا وإيران الحرب الميدانية في سوريا على الأرض، بينما تواصل واشنطن التملّص من أي التزام لها مع المعارضة السورية. بل إنها تنسّق ليس فقط مع الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي (أحد الوجوه المعتدلة للشيعية السياسية على مستوى المنطقة)، بل تطلِق في العمق وعلى مستوى عالٍ مع أكراد العراق وسوريا مسارًا يهدّد بالتعجيل بتقسيم العراق وسوريا، وربما تركيا أيضًا.

واشنطن تتعامل راهنا مع سلطات إقليم «كردستان العراق» كدولة ناجزة السيادة، سياسيا وعسكريًا وماليًا، من دون المرور حتى بحكومة العبادي. أما بما يخصّ سوريا، فهي تتجاهل تمامًا التدخل الإيراني العسكري المباشر، وتتبنى التفسير الروسي لكل الوثائق والتفاهمات السياسية في جنيف، وتصمت على مساعي موسكو الحثيثة لاصطناع «معارضة» عميلة تنسف بها فعليًا أي مفاوضات تنتهي بحل سياسي.

هذا الموقف الأميركي، كما سبقت الإشارة، تفسره أبلغ تفسير «عقيدة أوباما»، لكن ما ليس أقل منه أهمية فهم «السيناريو» الروسي في ظل التفويض الفعلي الأميركي لموسكو.

إن محوَرية التصوّرات الروسية للمنطقة تؤكدها هذه الأيام ليس فقط زيارة قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني لموسكو، وسط سكوت أميركي تام، ولا إصرار موسكو الشديد على وجود كردي موالٍ لها منفصل عن المعارضة في أي مفاوضات مقبلة، بل الحوارات المستمرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. أيضًا.

إسرائيل لاعب أساسي في كل ما يحدث في المنطقة، وتصوّر وجود «نأي بالنفس» إسرائيلي – على الطريقة اللبنانية – عن أوضاع المنطقة وخرائطها المستقبلية وهمٌ كبير.

نعم، إسرائيل لاعب مؤثر وحاسم، ومحسوب حسابه في واشنطن وموسكو وطهران، ولا خرائط للمنطقة بغير علمها وبمعزل عن مصالحها ومطالبها.

الشرق الأوسط

 

 

ما هو الاتفاق الأميركي الروسي؟/ محمد ابرهيم

عاد الغموض يلف طبيعة الاتفاق الأميركي – الروسي حول سوريا. لكن المقارنة بين سلوك الطرفين وتصريحاتهما تظهر أن الروس أقرب الى جوهر الاتفاق الأصلي من الأميركيين.

لقد كان تأجيل البت بمصير الرئيس السوري الى المراحل الأخيرة من تسوية الأزمة الأساس الأول الذي بني عليه الاتفاق. وهذا بطبيعته لا يمنع روسيا من الاستمرار بالقول ان السوريين هم الذين يقررون مصير رئيسهم، وأميركا من الاستمرار بالقول انه لا وجود للرئيس السوري في سوريا المستقبل.

لكن حتى بالنسبة للمرحلة الانتقالية لا يبدو ان الاتفاق يشمل هيئة انتقالية تنتقل اليها صلاحيات الرئاسة. حتى ان الرئيس الأميركي استعمل أخيرا تعبير الحكومة الانتقالية في اقتراب شديد من العرض الرسمي السوري تشكيل حكومة وحدة وطنية. واقتراح الوسيط الدولي تعيين ثلاثة نواب للرئيس مع تحديد صلاحياتهم يبدو أيضا في مناخ ان المرحلة الانتقالية المتفق على مبادئها بين الروس والأميركيين تشمل استمرار دور ما للأسد.

الأساس الآخر للاتفاق الأميركي – الروسي هو أولوية مكافحة الإرهاب. وترجمة ذلك ان وقف الاقتتال لا يشمل “داعش” ولا “النصرة”، ففي وجههما يستطيع النظام وتستطيع المعارضة “الشرعية” استكمال عملياتهما العسكرية. لكن اذا كانت مواقع “داعش” متمايزة فإن هذا لا ينطبق على مواقع “النصرة” المتداخلة مع مواقع أطراف المعارضة المقبولة. لذلك كان لافتا ايضا التصريح الروسي المسؤول الذي أوحى بأن هناك اتفاقا على انسحاب أطراف المعارضة المقبولة تمهيدا لمعركة حلب، أي معركة عودتها الى مناطق سيطرة النظام. هذا الإيحاء بوجود موافقة أميركية لم ينفه أي مسؤول أميركي.

بعض الوضوح ربما يأتي من القرار الأميركي بزيادة الانخراط على الأرض السورية والمتمثل بإرسال 250 جنديا إضافيا. لكن الذين تبين سريعا انهم مخصّصون لمساعدة القوات الكردية- العربية على توسيع مناطق سيطرتها على حساب “داعش” وصولا الى تحرير الرقة على أيد عربية. هذه المساهمة الأميركية الجديدة وضعت على الرف ما كان يحكى عن “الخطة ب” في حال لم يترجم الاتفاق الأميركي- الروسي على الأرض وقفا على الأعمال الحربية. وفي هذا السياق يأتي رفض الرئيس الأميركي طلب المستشارة الألمانية العودة للبحث بقضية المناطق الآمنة في سوريا دعما للمطلب التركي المزمن. وإذا كانت ميركل تنظر الى الأمر من زاوية تحفيز تركيا على حل مشكلة اللاجئين الى أوروبا، فإن الرئيس الأميركي يبدو أقرب الى مراعاة روسيا وروح الاتفاق معها.

في المحصلة يمكن القول ان ما يبدو حتى الآن تمايزا أميركيا روسيا لم يعد أكثر من محاولة أميركية هادئة لجعل حلفائها يستسيغون تنازلات حقيقية قدّمت للروس.

النهار

 

 

 

موسكو- طهران: تحالف زائف/ باسل الحاج جاسم

يعتقد كثيرون أن العلاقة بين روسيا وإيران ترتقي إلى ما يمكن تسميته تحالفاً. لكن، بالتحليل المفصل يظهر أن ذلك ليس دقيقاً، وقد لا تظهر للوهلة الأولى أحجار راسبة كثيرة في مياه علاقات البلدين.

تعتبر روسيا نفسها قوة عظمى في العالم، بينما تعتبر إيران نفسها قوة إقليمية، وتحاول كل من روسيا وإيران إخفاء خلافاتهما في ملفاتٍ كثيرة قدر الإمكان، إلا أن بعضها يطفو على السطح بين حين وآخر.

وبدر أول إنذار جدي من الجانب الإيراني، عندما قررت السلطات الإيرانية رفع دعوى قضائية في محكمة التحكيم الدولية ضد روسيا، متهمة موسكو برفض تزويد إيران بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات S-300، ونشر منذ فترة طويلة هذا الموضوع في وسائل الإعلام الروسية. وأعرب الجانب الروسي حينها عن استيائه من الخطوة الإيرانية “غير الودية”، وتم حل المشكلة لاحقاً بعد رفع العقوبات عن إيران.

وبدأت جولة جديدة من المواجهة مع إيران في سبتمبر/ أيلول عام 2015، عندما قررت روسيا البدء بعملية عسكرية في سورية، لدعم نظام بشار الأسد، فعلى الرغم من أن الأسد حليف لإيران أيضا. لكن وجهات النظر في موسكو وفي طهران مختلفة حول ترتيبات ما بعد الحرب في سورية، ومصير الأسد نفسه.

دعمت إيران عملياً نظام الأسد وحدها منذ عام 2012، وقبل روسيا، وتحملت طهران، في الوقت نفسه، العبء الاقتصادي والسياسي والعسكري لدعمها هذا. ومع ذلك، لم تتمكّن قوات الحرس الثوري الإيراني من إجراء التغيير الجذري في الموقف داخل سورية لصالح حليفها الأسد (وكذلك لم ينجح التدخل الروسي لاحقاً في إجراء تغيير جذري على الأرض السورية).

ولا بد من ملاحظة أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية جعل إيران تنتقل إلى موقع خلفي هناك. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يمر أمر كهذا مرور الكرام في طهران، فايران تعتبر أنها تراجعت إلى شريك ثانوي، وربما صامت، لروسيا في سورية، حتى أن خبراء اعتبروا أن أحد أسباب إعلان الإنسحاب الروسي من سورية هو الاستياء الإيراني، إلا أن ادعاءات كهذه صعبة الإثبات، وكذلك في إطار سياق الحديث عن التدخلين الروسي والإيراني في سورية، بعض دوائر صناعة القرار في موسكو غير راضية من مستوى موقف إيران بشأن حادثة إسقاط تركيا الطائرة الروسية في أواخر العام الماضي. ومن الواضح أن موسكو عولت على مزيد من الدعم من طهران بشأن هذه المسألة، لكنها أخطأت.

ولا يمكن إغفال وجهة نظر بعضهم على أن التدخل الروسي في سورية ساهم، نوعاً ما، في تحجيم الدور الإيراني الذي استفرد بالقرار السوري، منذ نهايات عام 2012، حيث انعكس الانزعاج الإيراني من التهميش الروسي، بتقارب إيراني مع تركيا، إضافة إلى تصريحات للرئيس الإيراني، حسن روحاني، تشير إلى عدم رضا إيران عن جميع القرارات التي تتخذها روسيا في سورية.

وخلافاً لتوقعات الجانب الروسي، إيران بعد رفع العقوبات عنها، لم تشتر لطيرانها المدني الطائرات الروسية، وفضلت طائرات إيرباص الأوروبية، (بصفقة وصلت قيمتها إلى 25 مليار دولار)، إضافة إلى ذلك، يماطل الجانب الإيراني ويعيق تنفيذ مشاريع المحطة الكهرومائية في بندر عباس، ومحطة كهرباء السكك الحديدية في غرمسار، والتي تتم في إطار مشاريع مشتركة مع روسيا.

كما أن رغبة إيران في تحقيق زيادة كبيرة في صادرات النفط، بعد رفع العقوبات كان له تأثير

“تلقت روسيا طعنة بالظهر خلال زيارة الرئيس روحاني إلى تركيا” سلبي على روسيا. وفي الواقع، تصب هذه الخطوة من إيران في صالح الولايات المتحدة، وتجد روسيا نفسها مضطرة للتماشي مع حليفتها، بسبب طبيعة التطورات الإقليمية والدولية. ويدفع هذا التنازل من موسكو قيمته الروبل الروسي الذي يتراجع بشكل حاد أمام الدولار الأميركي.

وتلقت روسيا طعنة بالظهر قبل أيام، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا، وإعلانه هناك أن إيران مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا. ويعتقد خبراء كثيرون أن هذه الكلمات كانت موجهة إلى موسكو، أكثر منها إلى أنقرة، وأن إيران مستعدة لضرب سوق كبير للغازالطبيعي ومهم جدا لحليفتها.

فمجرد عرض كهذا لأنقرة من طهران يمكن فهمه بأن الرئيس الإيراني أراده وسيلة للتباهي بأن إيران قادرة على الحلول محل الغاز الروسي في السوق التركي. ومن شأن هذا الأمر، أولاً، أن يحرم روسيا من التدفقات المالية الهائلة التي تحتاجها كثيراً على خلفية انخفاض أسعار النفط. وثانياً، سوف تخسر موسكو الأداة الوحيدة للضغط على تركيا التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا.

وهكذا، يمكن أن يدفع دور روسيا في المنطقة إلى التراجع. وكذلك لا يمكن إهمال رغبة تركيا في تنويع واردات الغاز لديها إلى إيران، من أجل ضرب مصالح روسيا. ومع تأمين نصف الحجم الحالي لوارداتها، تكون كافيةً لوضع حد لأعمال الغاز الروسي في تركيا.

وأخيراً، تلقت روسيا ضربة في قطاع الطاقة أيضا من إيران خلال اجتماع في الدوحة، أخيراً، للدول المنتجة للنفط، وبات من المعروف أن إيران رفضت تجميد إنتاج النفط، ما يعني مزيدا من التذبذب في أسعار النفط. وبالتالي، المزيد من انخفاض قيمة الروبل.

ولا يعتقد أن يتم حل المشكلات والخلافات المستقبلية المتوقعة بين إيران وروسيا، أو على الأقل، تجميدها فترة معينة، فعلى الأرجح، إيران ستحاول إبعاد روسيا عن الأسواق التي ترى فيها مصالحها، عبر الوسائل الاقتصادية والسياسية.

العربي الجديد

 

 

 

لماذا السكوت الروسي في سوريا؟/ فيكتوريا سيميوشينا

موسكو ـ «القدس العربي»: بعد مرور شهر على فرض نظام وقف إطلاق النار في سوريا، لا يمكن الحديث عن «هدنة» حقيقية. فوفقا لمعطيات المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سوريا، تم تسجيل 38 خرقاً للهدنة خلال الأسبوع الفائت في محافظات اللاذقية وحمص ودمشق وحماة وحلب. ووفقا لمعلومات وسائل الإعلام الأجنبية ووزارة الدفاع الروسية، استهدف الطيران الروسي مواقع جهاديين من تنظيم «الدولة الإسلامية» وجبهة النصرة في محافظات حلب والرقة وحماة.

وأعلنت هيئة الأركان العامة للجيش الروسي أن المقاتلات الروسية استهدفت خلال الأشهر السبعة الماضية نحو 29 ألف موقع للإرهابيين فى سوريا، من بينهم أكثر من 200 موقع لاستخراج النفط وأكثر من 2000 صهريج لنقله، لافتة إلى أن خبراء المتفجرات الروس قاموا بتفكيك أكثر من 3000 عبوة ناسفة فى تدمر الأثرية.

كما شدد الفريق سيرجي رودسكوي قائد إدارة العمليات في هيئة الأركان في كلمة ألقاها، خلال مؤتمر قضايا الأمن الدولي المنعقد بموسكو، على أن ذلك ألحق خسائر جسيمة بموارد تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة» وأفقدهما مصدرا رئيسيا لتمويل عملياتهما وقيد إمكاناتهما في شراء الأسلحة والذخائر.

لكن نتائج التسوية السياسية في سوريا ليست كبيرة بهذه الغاية.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 نيسان/أبريل للمرة الأولى أن في روسيا تعمل مجموعة، ليست من الطائرات فقط، ولكنها تضم قوات جوية وبحرية بالإضافة إلى البرية. وفي هذا الخصوص، أفادت الصحيفة الأمريكية «وول ستريت جورنال» أن الاستخبارات الأمريكية سجلت نقل المجموعات الروسية المدفعية إلى شمال غرب حلب ومحافظة اللاذقية حيث تجري العمليات العسكرية في الوقت الراهن. ورافقت المجموعات الإيرانية القوات الروسية بحسب الصحافيين الأمريكيين. ويرى المحلل السياسي الروسي والمستشرق فلاديمير أحمدوف أن المرحلة العسكرية في النزاع السوري في الوقت الحالي غلبت على المرحلة السياسية، ويضيف: «تحتفظ القوات الروسية بوجود عسكري كبير في سوريا. والجنود الروس يشرفون على العملية العسكرية في حلب. كما نعمل على خط حمص- حماة- دمشق-إدلب. وليس من الممكن الحديث عن وقف إطلاق النار في سوريا حيث تجري العمليات القتالية في حلب. أعتقد في الوقت الحالي تجري المرحلة الجديدة من العملية العسكرية الروسية». ويؤكد الخبير انه يوجد نوع من السكوت من قبل القيادة الروسية، ويتعلق هذا السكوت بآمال موسكو الكبيرة بإمكانية توصل الأطراف في جنيف إلى اتفاق».

ويقول أحمدوف «ولكن لم تتمكن الأطراف في جنيف من التوصل إلى اتفاق. والحل السياسي لا يعمل في سوريا في هذا الوقت. وذلك على الرغم من ان الرئيس الأمريكي دعم الرئيس السوري بشار الأسد، حيث قال إن إسقاط الأسد الآن ليس صحيحا. من جانب آخر، توجد أنباء أن الولايات المتحدة إلى جانب تركيا ودول الخليج ستقوم بتوريد السلاح الجديد إلى المعارضة السورية. لكن المهم أن مواقف روسيا والولايات المتحدة متقاربة في الوقت الراهن حيث يسعى الروس والأمريكيون إلى الانتهاء من هذه المسألة في أسرع وقت ممكن. ومن أجل ذلك، من الضروري تحقيق الرجحان في الساحة العسكرية. وبدون ذلك، من الصعب الحديث حول التسوية السياسية».

ويرى الخبير، المستعرب، والأستاذ في قسم العلوم السياسية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، ليونيد إيسايف، أن السكوت الروسي يتعلق بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القوات الروسية من سوريا ولو جزئيا. هذا الأمر يشير إلى أن سوريا ليست محور السياسة الخارجية الروسية وانطلاقا من هذه اللحظة سيدور الحديث حول سوريا إذا وقع أمرٌ ما جدي هناك مثل تحرير مدينة تدمر. ويضيف:»صرحت قيادتنا ان المرحلة العسكرية للنزاع قد انتهت. كما توجد هناك بعض العواقب للتقدم في الساحة العسكرية في البلاد، وهو ضعف الجيش السوري الذي خسر كثيرا خلال خمسة أعوام من الحرب». ويؤكد إيسايف ان حل النزاع السوري ليس هدفا رئيسيا للسياسة الخارجية الروسية. والهدف الأهم هو عرض دور روسيا على الساحة الدولية كلاعب أساسي. ويشير الخبير إلى ان الكرة الآن في الملعب العسكري في سوريا مضيفا ان المعركة في حلب قد تؤدي إلى تصعيد التوتر في المنطقة: «بالنسبة لموسكو، الهجوم على حلب ليس مفيدا ولا حاجة له، حيث تتمركز في منطقة حلب المجموعات المعارضة المختلفة، والاصطدام معها أمر ليس مرغوبا فيه وسيؤدي إلى أزمات عديدة. ولكن يمكن التقدم باتجاه الشرق لمحاربة الإرهابيين وتنظيم الدولة الإسلامية».

وعلى الصعيد السياسي، لا بد من الاعتراف ان الجولة الجديدة من محادثات جنيف فشلت حيث لا يوجد أي تقدم في تسوية النزاع، خاصة بعد مغادرة المعارضة السورية جنيف الاسبوع الماضي. ولا يزال مصير الأسد مسألة مبدئية. حيث ترفض المعارضة رؤيته في مستقبل سوريا ويـقـــتـــرح المشــــاركون الآخــــرون الخيارات الأخرى. ومن البديهي أن هذا الفشل في محـــادثات جنيف سيؤدي إلى تنشيط العمليات العسكرية.

وتعتقد ماريا دوبيوكوفا، رئيسة النادي الدولي للدراسات الشرق أوسطية، أن حل قضية الخلافات داخل المعارضة السورية هو القضية الأساسية على طريق التسوية السورية، والقضية الأخرى هي عدم وجود حل وسط حول مسألة الانتقال السياسي ولا يوجد فهم لهذا الانتقال لدى المعارضة السورية ولدى مشاركي المجموعة الدولية لدعم سوريا. وتضيف: «حتى هذه اللحظة، توجد عدة خيارات للانتقال السياسي في سوريا ويجري العمل على صيغة تشكيل نص الدستور الجديد. ولكن هذا العمل يصبح صعبا جدا مع عدم وجود الاستقرار على خطوط الجبهات الحربية والتهديدات بخرق الهدنة. كما يوجد تهديد جدي بأن الجيش السوري سيشن هجوما في حلب قريبا، الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد التـــوتر وعــــدم إمكانية تسوية النزاع بالوسائل الدبلوماسية السياسية».

كما ترى الخبيرة أن آفاق وقف إطلاق النار تبقى غامضة حتى في حال امتناع دمشق عن الهجوم على حلب. وذلك بسبب عدم تمكن روسيا والولايات المتحدة من صياغة الآليات الآمنة للرد على خروقات الهدنة ووسائل منع وقوع هذه الخروقات. ولهذا، الوضع يبقى غير واضح، حسب ما تقول ماريا.

وعلى صعيد آخر، اعترف ممثل المجموعة التحليلية البريطانية «جينز» بأن الدخل الشهري لتنظيم الدولة الإسلامية قد انخفض بنسبة 30 في المئة مقارنة مع عام 2015 الأمر الذي اضطر الجهاديين إلى فرض ضرائب جديدة على المناطق التي تخضع لسيطرتها. كما انخفض استخراج النفط في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة» من 33 الف إلى 21 برميل يوميا. أما أسباب هذه الخسائر، فتعود في الدرجة الأولى إلى أعمال القوات الجوية الروسية العسكرية. وبشكل عام، تستعد الأطراف المتنازعة في سوريا في الوقت الحالي لما يسمى في وسائل الإعلام «معركة حلب». ويبدو أنه في هذه المحافظة سيكون حل النزاع السوري في الأيام القليلة المقبلة.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى