صفحات مميزة

عن التدخل الروسي في سورية09.11-15.11.2015 –مقالات متنوعة-

 

العرب وروسيا.. مواجهة حتمية بسوريا/ غازي دحمان

الإستراتيجية الروسية

مواجهة الخطة الروسية

تنطلق أغلب التحليلات التي تحاول مقاربة الحركة الدبلوماسية الخاصة بسوريا، من فرضية أن روسيا تحاول النزول عن الشجرة ولا ترغب في تحول الساحة السورية إلى مستنقع يعيد إنتاج تجربة أفغانستان بطريقة أكثر مأساوية، وبالتالي فإن القيادة الروسية تحاول التوصل إلى تسويات مقبولة تضمن مصالح جميع الأطراف وتسهم بالفعل في صناعة ترتيبات تساعد على حل الأزمة السورية المستعصية.

وفي الواقع، يؤشر فحص المعادلات التي تسعى روسيا لإرسائها في سوريا على زيف مثل هذه الفرضيات وكمية الشحن الرغبوي التي تنطوي عليه، وهي تفرض أولا أن سلوكيات قادة الكرملين وتصرفاتهم تحكمها معايير عقلانية وحسابات الربح والخسارة، كما أنها تفترض ثانيا أن روسيا جاءت بهدف إحلال السلام في سوريا بعد أن عجز العالم عن هذا الأمر، وأنها -وبما لها من تأثير على رأس النظام السوري ومفاصله- ستتمكن من إنجاز هذه المهمة!

في الواقع العياني لم يثبت أن قادة الكرملين الذين أوصلوا دولا عديدة إلى حالة الفشل (أوكرانيا وجورجيا)، وقبلها وضعوا روسيا نفسها في مآزق سياسية واقتصادية، ليسوا حكماء بالدرجة التي يتصورها البعض، أو لديهم معايير مختلفة للتقييم، كما أنهم لم يأتوا إلى سوريا لحل أزمة شعبها التي ساهموا بدرجة كبيرة في استفحالها ووصولها إلى هذه المراحل.

المؤكد أن الوجود الروسي في سوريا هدفه -بالدرجة الأولى، وكما هو واضح من الإجراءات الروسية على الأرض- إعادة صياغة النظام الإقليمي العربي تحديدا، لاعتقادها بأنه أسهل المناطق التي يمكن من خلالها إظهار الوجود والتأثير، ولظنها أن المنطقة اليوم تمر بحالة فراغ بعد تضاؤل الوجود الأميركي بها، وتداعي أركان المنظومة العربية وانهيار بعض أنظمتها.

وبالتالي فهي تتعاطى مع الحدث بوصفه فرصة إستراتيجية مهمة لا بد من الاستفادة منها لتحقيق فائض من القوة والنفوذ يعوضها خسائرها في أوروبا، وذلك عبر التحكم في المجال العربي من سوريا شرقا إلى ليبيا غربا.

الإستراتيجية الروسية

تعمل روسيا في سبيل نجاح مخططها على تطبيق إستراتيجية مزدوجة: ميدانيا وسياسيا. ففي المجال الميداني تسعى إلى:

– تدمير جميع البدائل المحتملة للأسد وفرضه كخيار وحيد والممثل الشرعي البديل والوحيد القابل للدعم والحياة في سوريا. وهي في سبيل ذلك تصر على مقولة عدم وجود فارق بين إرهابيين معتدلين ومتطرفين، فهي تدخل الميدان السوري وتفرض سلفا تعريفها الخاص للإرهاب وتطالب الآخرين بالعمل تحت سقف تعريفها، وحتى دعوتها للحوار مع الجيش الحر وتأمين غطاء جوي له، لم تكن سوى نوع من الاستهزاء بهذا الجيش بعدما أرفقت دعوتها تلك بشرط “إن وجد هذا الجيش”.

– توسيع هامش توسعها ليشمل كافة الأراضي السورية، وإنجاز ذلك على مراحل، ففي المرحلة الأولى تبدو العين مصوبة على حلب بهدف عزل البر السوري عن تركيا، بالإضافة إلى تأمين مناطق حمص وحماة. ونجاح هذه المهمة سيليه الانطلاق إلى مراحل جديدة، وفي كل هذه المراحل سيكون العمل الأهم إنهاء أي وجود لمعارضة سوريا.

– تقليص خيارات الدول الداعمة للثوار ودفعها لقبول الحل الذي تفرضه روسيا، وذلك من خلال تدمير الأذرع التي صنعتها والبنى التي شكلتها في مواجهة نظام الأسد وحلفائه. ذلك أن إضعافها على الأرض يجردها من أوراق القوة التي تمتلكها ويجعلها رهينة القبول الروسي بها سياسيا وتفاوضيا.

أما في المجال السياسي فتسعى روسيا إلى:

– الحصول على تنازلات قدر الإمكان وتقنينها وتثبيتها كمسلمات وحقوق روسية نهائية، فقد حصلت موسكو في بادئ الأمر على انتزاع اعتراف من الأطراف الإقليمية والدولية على حقها في النفوذ بسوريا، ولم يلاق هذا الأمر اعتراضات مهمة.

وتعتبر المؤتمرات السياسية التي تعقدها روسيا من أجل سوريا من الآليات التشغيلية للحصول على هذه التنازلات، حيث يتضح أن موسكو لا تلتفت كثيرا إلى المخرجات السياسية لهذه المؤتمرات، بقدر اهتمامها بتحصيل أكبر قدر من التنازلات لتوظيفها في سياق صراعها السياسي حول السيطرة على سوريا والمنطقة.

– استنزاف الأطراف الإقليمية والدولية بالتفاوض عبر التركيز على إستراتيجية طرح أسوأ الخيارات والبقاء ضمن مربع هذه الخيارات، فمثلا استهلاك الأطراف بقضية دور بشار الأسد في مستقبل سوريا، بينما لا أحد يناقش رغبة روسيا وإصرارها على بقاء هياكل النظام السابق، بما يعني تفريغ الثورة السورية من أحد أهم أهدافها وهو تغيير النظام من رأسه حتى قاعدته وإنهاء آليات عمله التي كانت السبب في إنتاج الأزمة.

– استقطاب الأطراف الإقليمية والدولية إلى الحل الروسي تحت عناوين عديدة “التنسيق، الحياد، الدعم” بحيث تتحول الأطراف الرافضة إلى أقلية معزولة وغير مؤثرة. وتراهن روسيا على هذه النقطة بعد أن حصلت على تنازل مجاني من النظام المصري الحاقد على الثورات العربية لأسباب ذاتية، وبالتالي فإنها استطاعت اختراق الموقف العربي وإضعافه عبر إخراج مصر من خانة الرافضين لوجودها في سوريا.

مواجهة الخطة الروسية

تبدو الدول العربية محكومة بانتهاج إستراتيجية مواجهة ضد المخطط الروسي، ذلك أن إخراج سوريا من الإطار العربي وإدخالها في مجال النفوذ الروسي المدعوم إيرانيا سيشكل مدخلا خطيرا للضغط على أمن الدول العربية وتحديدا المشرقية منها، وسيرفع سقف الطموح الروسي في المنطقة إلى البحث عن توسيع مجال نفوذها، خاصة أنها تشتبك مع الدول العربية على أكثر من جبهة، يأتي في مقدمها النفط والغاز وخطوط إمدادهما وطرق نقلهما وأسواق تصديرهما، فضلا عن العداء البادي في السياسة الخارجية الروسية للأنظمة السنية وتحالفها اللصيق مع إيران.

ويجب أن تتضمن خطة المواجهة على المستوى الميداني:

– لا تمتلك روسيا الأصول العسكرية الكافية لفرض نفوذها في سوريا، كما أنها تواجه عقبات تقنية في موضوع نقل أعداد أكبر من المعدات والجنود، وهي تعتمد تكتيكات تقوم على ضرب الجبهات الواحدة تلو الأخرى لعدم قدرتها على العمل في كافة الجبهات دفعة واحدة. ومواجهة هذا التكتيك تتطلب دعم جميع جبهات الثوار وتحويلها من الموقف الدفاعي الانتظاري إلى الهجوم والإمساك بزمام المبادرة، وهذا الأمر يشكل إرهاقا لروسيا على الجبهات السورية ويدفعها إلى التراجع والبحث عن مخارج.

– عدم السماح لروسيا بإنجاز المراحل التي تتضمنها إستراتيجيتها وعدم تركها تنسق خطوط دفاع صلبة وتؤسس بنية عسكرية من المليشيات الطائفية في سوريا والعراق، وهذا الأمر يتحقق عبر عكس الهجوم على حلفاء سوريا وإيقاعهم في الفوضى وإشغالهم بالدفاع عن أنفسهم أكثر.

– استثمار عامل الزمن، وهذا العنصر يشكل كابوسا لقادة روسيا العسكريين، وكلما طال صمود الثوار أكثر أدركت موسكو أنها تدخل في عملية استنزاف لا طائل منها، وأن جهودها محكوم عليها بالفشل.

وعلى المستوى السياسي:

– مواجهة إستراتيجية الاستنزاف التفاوضية الروسية برفع سقف المطالب تجاه روسيا، خاصة في العناصر المفتاحية للأزمة (مصير النظام وليس بشار الأسد، ودور إيران ومليشياتها)، ووقف أي شكل من أشكال التنازل أمام روسيا.

– التركيز على تعريف القضية وتعيين عناصرها الأساسية (إطار الحرب) من كونها ثورة شعب وعدم السماح لروسيا بإعادة صياغتها وتأطيرها كقضية إرهاب وحسب، وفي هذه الحالة يتوجب على الدبلوماسية العربية المطالبة بتضمين عنصرين مهمين لمرافعتها الدبلوماسية في المؤتمرات السياسية الخاصة بسوريا:

أ) وضع نظام الأسد ضمن قائمة الكيانات الإرهابية باعتباره المسؤول عن قتل العدد الأكبر من السوريين.

ب) وضع إيران ووكلائها ضمن هذه القائمة لمساهمتهم في ارتكاب مجازر وعمليات تطهير على أساس طائفي.

– عزل الدول العربية التي تؤيد صراحة التدخل الروسي واعتبارها شريكا في الإضرار بالأمن العربي، فمن غير المعقول أن تتسبب هذه البلدان في إضعاف الأمن العربي وضياع الموارد وتهديد حياة الشعوب العربية بذرائع لا تبدو متناسقة مع الخطر الكبير الذي تتسبب فيه.

– التركيز على الجانب الإعلامي، وخاصة الموجه إلى روسيا، حيث تستفيد قيادة الكرملين من عدم وجود منافس لها في هذا المجال، مما يجعلها تشكل الرواية التي تناسبها عن الحرب السورية.

تشكل فصائل الثوار السورية مقدمة الدفاع عن الأمن العربي، في حين تقف الدبلوماسية العربية على خطوط المجابهة السياسية، وإذا لم يرتق الأداء في الجبهتين إلى مستوى التحدي الذي تفرضه روسيا وأتباعها في المنطقة، فإن العالم العربي سيجد نفسه قد خسر خط الدفاع الأول -إن لم يكن ذلك قد حدث بالفعل- وتراجَعَ للدفاع عن أشياء في صلب أمن دوله الداخلية، وهذا ما يحتم جعل الساحة السورية مكسرا للأطماع الروسية والإيرانية في المنطقة.

الجزيرة نت

 

 

 

 

الإجرام الروسي/ سلامة كيلة

جاء الطيران الروسي، وقوى برية أخرى، لكي يحارب داعش، كما كرَّر الإعلام الروسي، وإعلام النظام، لكن هذا لم يمنع صدور تصريحات عن رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، بأن التدخل يتعلق بالمصالح القومية الروسية، وأن يتسرّب عبر تصريحات متعددة أن التدخل جاء لمنع انهيار النظام في لحظةٍ، كان فيها على وشك السقوط. طبعاً، لم يظهر أن الهدف هو الحرب ضد داعش، حيث شملته غارات محدودة (طاولت المدنيين في مناطقه)، وظهرت المصالح الروسية في بناء قاعدة جوية وتوسيع القاعدة البحرية، والإتيان بقوات برية، وذلك كله لكي يتعزّز الدور الروسي في البحر المتوسط، والمنطقة العربية.

لكن، لم يفلح الطيران الروسي في تحويل “جيش” النظام وإيران وحزب الله وغيرها إلى قوة قادرة على استرداد الأرض التي خسرتها خلال هذه السنة، خصوصاً في الوسط (ريف حماة الغربي) والريف الجنوبي والشمالي لحلب وريف اللاذقية، فقد فشلت كل الهجمات، وجرى تدمير عشرات الدبابات، وقتل قادة عسكريون إيرانيون ومن حزب الله ومن النظام عديدون. بالتالي، لم تفلح الصواريخ المتطورة التي تطلقها الطائرات الروسية، أو حتى الصواريخ البالستية التي تطلق من بحر قزوين، أو من البحر المتوسط، في تغيير ميزان القوى العسكري. على العكس، تحقق تقدم للكتائب المسلحة.

ما يفلح به هذا الطيران بكل تقدمه التكنولوجي، وقوة صواريخه، هو الإبادة الجماعية. فروسيا بوتين تمارس ما مارسته في الشيشان، حيث قاد بوتين حملة شاملة من أجل سحق التمرد، ومارس كل أشكال الوحشية من أجل إخماده، إذ دمّر غروزني العاصمة لكي يحقق ذلك. وإذا كان النظام قد استفاد منه أصلاً، خصوصاً في “اكتشاف” البراميل المتفجرة، فإن الطيران الروسي يكمل الوحشية بصواريخ أكثر تطوراً، وهو يريد من ذلك تحقيق هزيمة الثورة، وفرض انتصار النظام. ولا يبدو أنه قادر على ذلك، لأن في سورية ثورة هزمت النظام، ولا يفيد كل التدخل الخارجي من أجل إنقاذه.

قصف بعض مواقع الجيش الحر. لكن، يبدو أن التركيز الأساسي للقصف يطاول المستشفيات، والمستشفيات الميدانية، والمدارس والأسواق والأحياء الشعبية. الجزء الأساسي من القصف يطاول هذه المناطق في دوما وريف دمشق وحلب وريف حمص وريف حماة وإدلب وريفها، وحتى حين يقصف مناطق داعش يقصف الأحياء والأسواق والمستشفيات، كما فعل في البوكمال. لهذا تزايدت المجازر بعد التدخل الروسي، وازداد عدد الشهداء، خصوصاً من الأطفال والنساء وكبار السن. ومن أجل ذلك، يجري استخدام الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، ويكمل النظام باستخدام البراميل المتفجرة وأسلحة محظورة.

لا شك في أن هذه جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية. وربما كان هذا هو أسلوب بوتين الذي يعتقد بأن استخدام الوحشية سوف يفرض “انهيار العدو”، ومن ثم يعلن انتصاره هو. إنه يستخدم “الصدمة والرعب”، هذا المصطلح الأميركي الذي يمارسه الروس الآن في سورية. لكن، لا يبدو أن هذه السياسة قد أدت إلى نتيجة، حيث لم تؤدِ إلى تغيير ميزان القوى على الأرض. على العكس، لا زال ميزان القوى مختلاً لمصلحة الجيش الحر.

تريد روسيا الحفاظ على بشار الأسد عبر سياسة وحشية، هي استمرار لسياسة النظام، لكي يبقى مسيطراً من دون أن ينال ذلك. ولقد استجلب قوات حزب الله والحرس الثوري والمليشيا الطائفية العراقية، ومن أفغانستان وباكستان، من دون أن يغيّر ذلك في الواقع شيئاً، الأمر الذي فرض تدخل روسيا التي تريد “أن يختار الشعب السوري” من يحكمه، وهي تحاول سند نظام يتداعى، لأن الشعب قرَّر إسقاطه.

تحاول روسيا الآن، ولسوف تصل إلى النتيجة نفسها: الفشل، على الرغم من كل الجرائم التي ترتكبها، والتي هي جرائم ضد الإنسانية، وستحاسب من الشعب التي لم ترَ إلى الآن أنه يريد إسقاط النظام. عادةً، حين تكون الإمبريالية مأزومة تمارس أقصى العنف، وترتكب الجرائم، وتقترف الإبادة الجماعية، هذا بالضبط ما تفعله روسيا في سورية.

العربي الجديد

 

 

 

إسقاط طائرة أم إسقاط سياسة؟/ ميشيل كيلو

في موقف أخلاقي عجيب، قال روسي ما في أول تعليق على سقوط طائرة سيناء: من المعيب واللاأخلاقي ربط سقوط الطائرة بتدخل جيش روسيا العسكري في سورية. كان هذا الموقف الأخلاقي موجها إلى … “داعش” التي كانت قد أعلنت، قبل ساعات، مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، فلم يجد صاحبنا ما يذكّرها به غير الأخلاق، وهو ينفي أن تكون وراء الحادث. لا داعي للقول بطبيعة الحال: إن هذا السيد يصدق أن تدخّل بلاده العسكري في سورية أخلاقي، وإلا لما دافع عنه باسم الأخلاق، وهي مادة قليلة الاستعمال في السياسة عامة، والسياسة الروسية منها خصوصاً.

بعد الموقف الأول، تحوّل المسؤولون الروس من التذكير بالأخلاق إلى ما يتقنونه جيداً: الكذب، فأنكروا أن يكون تنظيم الدولة وراء إسقاط الطائرة، وسعوا إلى إضفاء طابع عادي، بالأحرى تقني، على الحدث الفاجع، لفصله عن ردة فعل عربية/ إسلامية محتملة ضد سياسة الكرملين المعادية للسوريين، خشية أن يرى العالم الإسلامي فيها عدواناً على شعبٍ مسلم، مارس حقه الطبيعي في الثورة على حكومته الظالمة، وأن يثور مسلمو روسيا ضد قيادتها التي ما أن ترنح نظام الأسد حتى سارعت إلى دخول الحرب من أوسع أبوابها، وبادرت إلى قصف شعبه، لأنه يرفضه، مع أن الشعب السوري يعتبر نفسه صديقاً لروسيا، ولم يقل أو يفعل ما يشي بعدائه لها، أو برغبته في الإضرار بمصالحها. يعود هذا الموقف الروسي العدواني إلى أكذوبة يصدقها من أرسلوا جيشهم لقتل الشعب السوري، وفرض الأسد عليه، هي أن السوريين يؤيدون رئيسهم، ويشعرون بالامتنان حيال ضربات موسكو الجوية لهم. لذلك، سيحجم المسلمون في كل مكان، مثلما يحجم السوريون، عن اتخاذ موقف سلبي أو عدائي من روسيا، مهما أمعنت في قتل إخوتهم في سورية.

لم يصدّق كذب روسيا أحد غير قادتها الذين دأبوا على بعث رسالة واحدة إلى ثلاثين مليون مسلم من مواطنيهم، تخبرهم أن إسقاط الطائرة ليس رد فعل إرهابي على حربهم ضد السوريين، وأن من المحال أن يسمح المسلمون للإرهابيين بالإساءة إلى روسيا، رداً على جميل أفعالها السورية. كما يستحيل كذلك أن يجتاز الإرهاب حدود روسيا نفسها أو أن ينتقل إليها، ليس فقط لأن القوة الروسية تردعه بنجاحٍ، فشلت واشنطن في إحراز ما يماثله، بل كذلك لأن روسيا لم تقاتل غير الإرهابيين، ولم تقصف غير جموعهم في سورية، فمن غير المعقول منطقياً قيام مسلمي الاتحاد الروسي برد فعل سلبي أو عدائي، لا سمح الله، على تضحيتها، الموجهة بكليتها لرفع سيف الإرهاب عن أعناقهم، ومنعه من الاعتداء عليهم في عقر دارهم، وإلحاق الأذى بهم. المسلمون السوريون سعداء، لأن جيش روسيا الذي يستبسل في محاربة الإرهاب لا يؤذي المدنيين والأبرياء، فكيف يمكن لغير أعداء الإسلام ربط سقوط الطائرة بفعل إرهابي/ انتقامي ضد مأثرة إنسانية مفعمة بالحرص على الأبرياء؟

اللهم لا شماتة. ليس إسقاط الطائرة سوى أول الغيث، ولن يمر وقت طويل، قبل أن ينهمر مطر الإرهاب على الكرملين ومصالحه داخل روسيا وخارجها. عندئذ، سيعلم أن إسقاط طائرته كان بداية سقوط سياساته، وأوهامه حول قدرة سياساته الراهنة في استعادة ما كان للاتحاد السوفييتي السابق من نفوذ في العالمين العربي والإسلامي، وأن تورطه في الحرب ظالم وإرهابي، وما يقوم به من عمليات عسكرية لم يكن هدفه الإرهابيون، بل بسطاء الناس، وأنه دخل إلى فخ أو مستنقع، عملت أميركا المستحيل، لكي تبقى خارجه، وتوقع موسكو في شباكه، كي لا تقوم لها قائمة أو ينجو أحد منها بعده.

دخل الرئيس بوتين إلى سورية بحسابات قيصرية، ولن يخرج منها كما دخل إليها، وقديماً قال شكسبير عن حال تشبه حال روسيا الراهنة: بعضهم يذهب لجز الصوف، ويعود وقد جزّ وبره.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

تدخل روسيا يكمل مهمة النظام السوري/ جورج صبرة

أشعل الرئيس فلاديمير بوتين النار على الأرض السورية، ووضع قِدْرَه على الموقد، واستنفر طباخيه العسكريين والسياسيين والإعلاميين والدينيين أيضاً في حركة دؤوبة، معلناً بداية الزمن الروسي في القضية السورية. دوافعه إلى ذلك كثيرة ومتنوعة. منها ما هو داخلي روسي مرتبط بالأزمات التي تعاني منها روسيا. ومنها ما هو إقليمي، يتعلق بشبكة المصالح والعلاقات المعقدة والمتحولة في المنطقة. ومنها ما هو دولي شديد الصلة بالمطامح الروسية وصراعها المكتوم مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص.

انطلقت الطائرات الروسية إلى مسرح العمليات تحت غطاء كثيف من البروباغندا الدولية الرائجة تحت اسم «محاربة داعش». وأعلنت قيادتها العسكرية عن إنشاء غرفة عمليات إقليمية في بغداد، وإجراء تنسيق شامل مع إسرائيل. وتولت الاستخبارات السورية تزويدها ببنك الأهداف المطلوبة والمرغوبة. وبعد شهر واحد من التحشيد حول الحملة الروسية، «ذاب الثلج وبان المرج»، وسقطت كل الأوراق والأوهام ورسائل التضليل عن الأهداف العسكرية والسياسية الحقيقية لهذه الحملة. فالمناطق التي استهدفت بالقصف، كانت في معظمها مناطق لـ «الجيش السوري الحر» بنسبة 96 في المئة، ولم تقصف الطائرات الروسية أهدافاً «داعشية» إلا بنسبة 4 في المئة فقط. وكان عدد الضحايا من المدنيين أضعافاً مضاعفة من الثوار والمسلحين وحملة البنادق على الأرض. ومع ذلك فشلت الحملة في جهدها الرئيس المطلوب، وهو تغيير ميزان القوى على الأرض، ومساعدة النظام على استعادة ما فقده عبر هزائمه المتوالية منذ بداية 2015، في محافظات ريف حلب وإدلب وحماة ودرعا. وظهر للعيان حجم المخادعة في السياسة الروسية. إذ تعلن الإلتزام بوحدة وسيادة واستقلال سورية، والحرص على الدولة ومؤسساتها، في الوقت الذي تنتهكها وتعتدي على شعبها. وتحول دون صدور مشروع فرنسي لمنع استخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين، عندما ادعى مندوبها لدى الأمم المتحدة بأن إسقاط البراميل قد توقف. ثم شهد العالم إسقاط 94 برميلاً على مدينة داريا بعد ذلك.

غير أن أخطر ما قام به الطيران الروسي بضرباته الموجهة والمدروسة جيداً، هو رسم معالم الكانتون الطائفي الذي يريد بشار الأسد الدفاع عنه وتحصينه وأخذه رهينة، توضع عند الحاجة في المقايضات والتسويات المحتملة. فالقذائف التي أُلقيت على شمالي محافظة اللاذقية وعلى طول سهل الغاب وغربي حمص، أرادت أن تقول في رسالة واضحة: هذه محمية روسية، ممنوع الاقتراب منها.

بعد فشل الجهد العسكري الروسي في إجراء التغيير المطلوب على الأرض، سارعت السياسة الروسية – في عملية لكسب الوقت وحفظ ماء الوجه – نحو بذل جهود مضنية لعقد مؤتمر فيينا الرباعي ومن بعده الموسع، والذي جاء على شكل مهرجان دولي دعي إليه الجميع. وكان منبراً لسماع الأصوات المتناقضة والمتباينة حيناً، وتلك التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة حيناً آخر. تم ذلك في غياب السوريين، وجاءت النتائج في البيان الختامي باهتة ومتواضعة، تعكس محصلة تسووية روتينية لرياح تهب من جميع الجهات.

هدية مجانية ومن دون استحقاق تم تقديمها لإيران بدعوتها للمشاركة في مؤتمر فيينا. لأنها لم تعترف حتى اليوم بالعملية السياسية التي بدأت في جنيف 1. وبدت مشاركتها شاذة وعامل استفزاز، كدولة ما زالت تعتمد خيار الحل العسكري وتدعمه على الأرض بجميع الأشكال. كذلك كانت مشاركة دول كلبنان والعراق ومصر، التي تعاني شعوبها ما تعاني، ولو كانت قادرة على المساهمة في حل مشكلات الآخرين، فلم لا تعمل على حل مشكلاتها الخاصة، وهي من النوع نفسه؟!

غير أن التوجهات الروسية، التي التقطها المبعوث الأممي دي ميستورا ورددها باعتبار بيان فيينا رديفاً لبيان جنيف 1 كمرجعية للعملية السياسية، تبدو في العمق أشد خطراً مما تبدو على السطح. فهو مسعى دأبت عليه السياسة الروسية، بعد أن أظهرت ندمها على الموافقة على مشروع المبعوث الدولي كوفي أنان عام 2012، الذي أنتج بيان جنيف 1، وتحاول منذ ذلك الوقت حرف العملية السياسية عن مسارها بضرب منطلقها الأساس، وإيجاد مرجعية جديدة تلبي مصالح موسكو.

نتيجة فشل الهجمات الجوية في إحداث فرق وإجراء تغيير مطلوب، ورغبة من روسيا في مزيد من الاستعراض العسكري، اندفعت لتطوير احتلالها لسورية، وتعزيز قواعدها البحرية والجوية بأنظمة دفاع جوي، قد تستدعي أو تستدرج قوات برية متنوعة لتوفير الحماية الأرضية لها. كذلك اتجهت الى الفضاء السياسي الإقليمي والدولي في مبادرة لتحقيق الوجود الروسي على هذا الصعيد، مستهدفة الوصول إلى مرجعية بديلة وخريطة طريق للتسوية وفق رؤيتها. مثلما توجهت روسيا نحو الساحة السورية السياسية والعسكرية بجهود مشتتة ومنافقة لإجراء حوارات مع «الجيش السوري الحر» «إذا بقي منه أحد» (على حد تعبير الوزير لافروف) والمعارضة السياسية التي تريدها وتسميها «معتدلة» على حد تعبير الوزير لافروف، وكأنها تكتشف للمرة الأولى وجود المعارضة السورية، مع أنها على صلة بمختلف أطرافها منذ سنوات.

إن مسعى الروس لنقل مرجعية المفاوضات من جنيف إلى فيينا، ووضع الأمر الإقليمي في أيد تفتقر إلى الأهلية والقدرة، وادعاء البحث عن معارضة ضائعة من أجل إحياء دور سياسي بعد فشل الجهود العسكرية في إظهار العزم الروسي والفاعلية في إدارة شؤون المنطقة وفي القضية السورية بشكل خاص، كل ذلك سيذهب أدراج الرياح. لأن أفعال الغزو الروسي أعظم تأثيراً وأكثر فصاحة وإقناعاً من أقوال السياسة الروسية وادعاءاتها المنخورة. وقد تلقى السوريون رسائل الروس بشكل حقيقي وبوضوح كامل، واكتشفوا أن ليس لسورية ولطموحات السوريين مكان معتبر في الاستراتيجية الروسية للمنطقة، إن وجدت.

إن كل يوم يمضي من عمر الغزو الروسي لسورية، يحمل في طياته تأجيجاً وترسيخاً من جانب قوى الثورة لمقاومة العدوان. ويحمل تعميقاً للتباينات بل التناقضات القائمة بين المشروعين الروسي والإيراني على الأرض السورية وفي أرجاء المنطقة. كما يزيد منسوب الفشل في سوية الأداء الروسي وإنجازاته دولياً، والذي تأمل منه روسيا في أن يظهرها كقوة عظمى، تشكل قطباً موازياً للغرب، تقرر عندما تريد، وتواجه قرارات الآخرين إذا شاءت.

وبعد أربعين يوماً من وقائع الهجوم الروسي المعاكس على المنطقة، عبثاً ينتظر الساسة الروس حملة الصحون، ليصطفوا أمام المطبخ الروسي بانتظار ما سيخرج من قدر، ليس فيه إلا طبخة حصى. ويبقى الصوت الأعلى في إدانة هذا الغزو وإعلان فشله هو أرقام الضحايا من المدنيين، وحجم التدمير والتهجير من القرى الآمنة الذي أنتجه، وعدد المشافي الميدانية التي استهدفتها طائرات السوخوي. كل ذلك يحكي بالصوت والصورة حكاية عدوان على شعب مصمم على نيل حريته، ويعاني ما يعاني من جرائم نظام، عمل الروس طويلاً على دعمه والتستر على جرائمه وتبريرها، وهم اليوم يكملون مهمته ويرتكبون مثيلات لها.

* رئيس «المجلس الوطني» السوري المعارض

الحياة

 

 

 

 

 

مصارحة فرنسيّة ـ روسيّة/ سمير العيطة

في لقاء جرى مؤخّراً في باريس، اعترف مسؤولون روس وفرنسيّون أنّ الشرخ القائم بين أوروبا وروسيا أضحى عميقاً. لقد ضاعت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق فكرة الحلم المشترك الذي ارتسم في الأفق حينذاك حول أوروبا الكبرى. وباسم الانتصار النهائي للرأسماليّة و «نهاية التاريخ»، قضمت أوروبا بعض دول أوروبا الشرقيّة من آليّات اتحادها وحلف الأطلسيّ، وقسّمت يوغوسلافيا السابقة. بينما جهدت روسيا لإعادة بناء ذاتها وإنشاء فضاء أوروبي – آسيويّ (أوراسيّ) مع الصين ينافس أوروبا الغربيّة.

لقد انفجرت أزمة أوكرانيا والقرم لتوسّع هذا الشرخ، الذي لم يتمّ احتواؤه سوى عبر رغبة الطرفين في عدم خوض حربٍ مدمّرة على الأرض الأوروبيّة. وما تمّت ترجمته باتفاقيات مينسك. ليست العقوبات على روسيا هي التي دفعت إلى التوافق على حلّ براغماتيّ على أساس «الواقعيّة السياسيّة realpolitik»، لأنّ هذه العقوبات قد أدّت إلى تنشيط صناعات استبدال الواردات في روسيا، وأضرّت بأوروبا بقدر ما أضرّت بروسيا.

أمّا أزمة الشرق الأوسط، فما زالت تشكّل عقدةً خارج السيطرة في ما يتعلّق بتطوّرات أحداثها. ويعي الطرفان أنّ المنطقة دخلت في مرحلة زوابع وأنّ استقرارها قد تقوّض لأمدٍ طويل لأسبابٍ اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، وأنّها لن تعرف عودة الاستقرار إلاّ بعد فترةٍ طويلة.

تعاملت أوروبا مع تطوّرات «الربيع العربيّ»، كما تعاملت مع دول البلقان بالعقوبات الاقتصاديّة أو التدخّل العسكريّ المباشر عبر القصف الجويّ. لكنّ الاختلاف هنا أنّها لا تستطيع تقديم أيّ مكافأة إيجابيّة لدول الجنوب مثل الانخراط في الاتحاد الأوروبيّ. وكان الانعطاف الأكبر هو التدخّل الفرنسيّ – البريطانيّ في ليبيا الذي ضرب أسس الدولة الليبيّة وأوقع البلد في فوضى لن تنتهي قريباً. ما سيكون له تداعيات كبيرة على الدول العربيّة، كما على إفريقيا وأوروبا نفسها. لم تغفر روسيا كيف تلاعبت أوروبا على قرارٍ لمجلس الأمن كي تستخدمه لهذا الغرض، وتوافقت في ما بعد في هذا الأمر مع إدارة أوباما التي لن تسمح باستنساخ التجربة في سوريا.

يعترف الطرفان أنّ هناك اختلافاً جوهريّاً بين أوروبا وروسيا في النظرة إلى الإسلام السياسيّ ودوره في مستقبل المنطقة. فالأوروبيّون، والفرنسيّون خاصّة، مقتنعون بأنّه القوّة الوحيدة المنظّمة في مناخ التطوّرات الاجتماعيّة في المنطقة، وبالتالي القادرة على صنع الاستقرار، خاصّة أنّه يحصل على دعمٍ كبيرٍ من جهات ثريّة. فلا بأس من هيمنتها فترة كما هيمن الخميني على إيران منذ ثورة 1979. في حين يرى كُثُر غيرهم أنّه يحمل في طيّاته، إذا هيمن وحده، فكر الجهاديّة الإسلاميّة الذي أدّى إلى بروز «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» وتطوّرهم الكبير، حتّى في تونس. قناعة الأوروبيّين تأتي من الإحساس بضعف الفكر والقوى العلمانيّة والديموقراطيّة في البلدان العربيّة وشرذمتها وغياب القيادات التي يُمكن أن تحمل رسالتها. وقناعة الروس، وإدارة أوباما كذلك، تأتي من أنّه لا يُمكن استنساخ التجربة الإيرانيّة في البلدان العربيّة. إذ إنّ إسلام إيران السياسيّ يحمل بين جنباته نزعة قوميّة فارسيّة عمرها آلاف السنين، في حين تواجه إسلام العرب السياسيّ تاريخيّاً مع العروبة والوطنيّة «القطريّة» كهويّة.

كلّ هذا له تداعياته من اليمن إلى مصر. ويبرز في محاولة إيجاد مسار للحلّ السياسيّ في فيينّا بعد التدخّل العسكريّ الروسيّ في سوريا.

من هنا تكمُن الخطوة الجوهريّة الأولى للدول المشاركة في فيينّا في التوافق على مَن هو المتطرّف والإرهابيّ بين المعارضة المسلّحة. ثمّ التوافق على مسار سياسيّ لا يسمح باستعادة التجربة الليبيّة بعد التغيير، ويحافظ على وحدة سوريا التي تختزل فكرتها ضمنيّاً مشاكل الشرق كلّها من تواجد طوائف إسلاميّة خارج سياق مذاهب السنّة والشيعة السائدين، إلى كنائس انطاكيا، إلى الشعور القوميّ المتصاعد للكرد.

أحد العقلاء الأوروبيين النادرين أشار في نهاية اللقاء الروسي – الفرنسيّ إلى أنّ سوريا كما العراق دول قديمة عريقة، لها وطنيّة راسخة، منذ مئة سنة، بقدم وعراقة معظم الدول الأوروبيّة وبرساخة مواطنيّتها.

السفير

 

 

 

 

موسكو وطهران: أيّ الاحتلالين يفضّل المسيحيون والعلويون؟/ حسان القالش

يبدو أن الروس سيتفوقون على الإيرانيين في مستوى قبولهم وشعبيتهم بين الأوساط المؤيدة للاحتلال. فالبُعد الديني – المسيحي الذي تعمدت روسيا إضافته في شكل واضح ومباشر إلى تدخّلها، والذي لا يقتصر على مخاطبة الداخل الروسي فقط، بل مخاطبـــة الحساسية الغربيّة تجاه قضايا المسيحيين ومصيرهم في المشرق، يكتسب طابعاً شبه دوليّ، يختلف عن البُعد المذهبي للتدخل الإيراني.

الأمر الذي يجعل مسيحيي المنطقة الخائفين والمؤيدين للأسد يفضّلون روسيا على إيران، بخاصة أن الادعاء الروسي حماية المسيحيين أكثر قبـــولاً وتصديقاً من الادعاء الإيراني الخجول وغير المباشر.

في المقابل، يلوح أنّ شكلاً من أشكال الصّدام سيحصل بين الروس والإيرانيين في الداخل السوري، ما سيؤدّي إلى إعادة التفكير بـ «العُقدة العلويّة» في سورية من جديد. فعلى رغم رضا معظم العلويين عن نجاحات إيران وحزب الله، فإنهم لا يخفون خشيتهم على هويّتهم الاجتماعية والدينيّة من نشاط التبشير الشيعي الإيراني الذي بدأ منذ ما قبل الثورة السوريّة بكثير. فعدا الاختلاف الكبير بين البيئتين الاجتماعيتين، هناك الاختلاف في العقيدة بين الشيعة والعلويّين، والذي يصل عند بعض علمائهم إلى مستوى يقارب التكفير والتبرّؤ، وهذا ما لا يدركه كثر من السوريين وكثر من مدّعي المعرفة بالشأن السوري.

وواقع كهذا لا يؤهّل إيران لتنصيب نفسها حامية للعلويّين. ذاك أنّ من شروط حماية الجماعات، لا سيّما الأقليّات، أن يتمّ ضمان استمرار وجودها كما هي، واحترام عقائدها ومجتمعاتها. وهذا ما ليس في وارد إيران تجاه العلويّين، الذين قد يجدون أنفسهم في مرحلة ما مضطرين لمقاومة الإيرانيين، كما سبق لهم أن فعلوا في ظروف أقسى عندما قاوموا التبشير البروتستانتي نهاية القرن التاسع عشر، وأظهروا رغبة نسبيّة في اندماجهم ضمن الدولة العثمانيّة.

وبهذا، قد تكون روسيــا المؤهلة الوحيــدة اليوم لادّعاء حماية العلويين الذين لم يـسبق لهم في تاريخهم أن كانوا موضــوعــاً لأي حماية أجنبيّة، بخاصّة أنّ العلاقات الروسيّة الإسلاميّة التاريخيّة المعقّدة أظهرت في كثير من المناسبات تفضيل روسيا السماح للمسلمين التابعين لها بالإبقاء على معتقداتهم وعاداتهم والامتناع عن التبشير بينهم.

ولئن كان هذا خبراً ساراً ربّما للعلويين، كجماعة، إلاّ أنّه ليس كذلك بالنسبة الى السوريين كجماعة وطنيّة، خصوصاً أولئك الذين ترفّعوا عن إيجاد الحلول للعقدة العلويّة. بيد أنّ التفاؤل الحذر في هذا السياق يكمن في أنّ إيران لن تكون مرتاحة في احتلالها سورية في وجود شريكها الروسي. على أنّ التفاؤل ينتظر من يبني عليه، وإن كان الأمل بذلك أشبه بالسّراب.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

 

 

 

التسوية في سوريا قادمة/ عبير بشير

بعد كل هذه المجازر في سوريا، وبعد آلة القتل التي حصدت أكثر من 250 ألف شخص، وبعد كل هذا الدمار الذي طال الحجر والبشر والشجر في سوريا، وطال الفرد والمجتمع والدولة، وبعد قوافل اللاجئين والمشردين شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. لم تعد نظرية المؤامرة الكونية، ولا نظرية النظام الطائفي، ولا نظرية دموية ووحشية النظام، ولا حتى نظرية عسكرة الثورة، بقادرة على تفسير الحالة السورية من صراع فيها وصراع عليها. بات قدر سوريا أن تكون على خط البركان، وان تكون نقطة تقاطع نفوذ إقليمي ودولي فائق الحساسية والأهمية. وسوء حظ سوريا أن يتم اختزال معيار النصر أو الهزيمة في هذه المعركة الكونية ببقاء الأسد أو رحيله، وأن تذهب كل الأطراف في خياراتها إلى نقطة اللاعودة. ومع تعثر الحل في سوريا، وتسيّد شعار الانتصار مستحيل والهزيمة ممنوعة باتت الأطراف الداعمة للأسد على جهوزية ولو همسا بالقبول بأي شيء ما عدا، رحيل الأسد. في المقابل فإن الأطراف الداعمة للمعارضة، باتت على إستعداد للقبول بأي صيغة أو تسوية لا تتضمن بقاء الأسد.

روسيا الحليف التاريخي لسوريا، أعلنت منذ اللحظة الأولى للثورة السورية بأنها لن تسمح بسقوط الأسد وهي بالأحرى لن تسمح بسقوط مصالحها مع نظام الأسد – وقدمت كل الدعم للنظام السوري من أسلحة وذخيرة ومستشارين، وخبراء و….، ودعم سياسي غير محدود، وغطاء حديدي في مجلس الأمن… كانت روسيا متشددة في الدفاع عن نظام الأسد، وقد عقدت العزم للذهاب حتى النهاية في الحفاظ على رأس النظام وجسمه، وخصوصا بعد الضربة التي تلقتها في ليبيا. هذا الخط لم يفاجئ المحللين الذين هم على دراية بطبيعة العلاقة التاريخية بين سوريا وروسيا، وبين مؤسسات الجيش الروسي وأجهزته الامنية، ومؤسسات الجيش السوري وأجهزته الأمنية. فحين زار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الإتحاد السوفياتي برفقة وزير دفاعه مصطفى طلاس بعد حرب 1982 في لبنان، للحصول على المنظومات العسكرية الحديثة، قال وزير الدفاع السوفياتي ديمتري أوستينوف لنظيره السوري: لا يوجد لدينا هذا الكم من الأسلحة للتصدير، ما كان من السكرتير الأول للحزب الشيوعي يوري أندروبوف، الذي كان قد تسلم الحكم حديثا بعد وفاة بريجنيف، إلا أن تدخل موجها تعليماته لوزير دفاعه: أعطهم كل ما يحتاجون من سلاح من الإحتياط الإستراتيجي للجيش الأحمر، وستعوض الصناعات العسكرية ما سنقدمه الآن لسوريا. يقال أن الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين ينحدر من المنظومة العسكرية والأمنية الروسية نفسها التي إنحدر منها أندروبوف، منظومة تجعل من سوريا خطاً أحمر، وتجعل من كل دعم عسكري روسي مهما بلغ حجمه قابلاً للتصديق.. غير أن تفسير الانخراط الروسي المباشر في المغطس السوري وبرسم طائرات السوخوي، يحتاج إلى أكثر من الحديث عن العلاقة الإستراتيجية التاريخية التي تربط روسيا بسوريا. وهو على وجه الدقة والتحديد، جاء بعد وبالتحديد، جاء بعد نداء الاستغاثة الذي أطلقه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني للقيصر بوتين: أنجدنا وإلا خسرنا الأسد وسوريا معا!!كل المعلومات والحقائق التي ابلغها سليماني لبوتين، لم تكن خافية على الكرملين الذي عنده تقدير دقيق جدا للموقف مما يجري في سوريا، ويدرك جيدا بأن قوات النظام السوري على شفا الانهيار التام، وأن الرئيس السوري يترنح على وقع تقدم قوات المعارضة، وعجز النظام والقوات الموالية له وقوات حزب الله عن تحقيق أي انتصار ميداني حقيقي. غير أن سليماني قدم للقيصر تأكيدات وإغراءات وهي في الحقيقة تضليلات – بأنه بمجرد حصول الغطاء الجوي الروسي، فإن قواته وقوات النظام البرية على جهوزية تامة لشن هجوم كاسح على الأرض، وسحق المعارضة، أو تفكيكها على أسوأ تقدير. معطيات الميدان في الأسابيع الأولى للهجوم الجوي الروسي، وفشل قوات النظام في التقدم في اتجاه إدلب وحلب رغم الكثافة النارية الجوية، قلبت الحسابات القيصرية في سوريا. مقدمات عسكرية قوية كتلك، لم تكن لتمر مرور الكرام على الداهية ورجل الاستخبارات بوتين، والذي وضع منذ بداية الأزمة السورية معادلة ربح ربح، ولم يكن ليسمح بوتين بوجود احمد جلبي ثاني بنسخة إيرانية، والوقوع في فخ الأفغنة من جديد، لذلك ذهب بالتوازي مع المسار العسكري، إلى طرق الباب السياسي بسرعة من فيينا واحد إلى فيينا2 إلى…، وكانت الفاصلة، مشهد الاستدعاء، بطائرة شحن روسية لموظفه في سوريا بشار الأسد، الذي بثته شاشات الفضائيات، وفاحت منه رائحة الوصاية، مشهد جلوس الضابط الصغير بشار، أمام القيصر بوتين. ليقول للعالم بأنه الوصي الجديد على سوريا، وولي أمر الأسد ونظامه، تعالوا….وفاوضوني…!!

ما يهم الرئيس الروسي الآن هو إضعاف المعارضة المعتدلة إلى أقصى حد عبر سلاسل الضربات الجوية، وتقوية جسم النظام السوري ورجاله فيه ولو نسبيا، قبل الدخول في المرحلة الانتقالية، والحفاظ على كل مقومات قوة الطائفة العلوية في سوريا. بالنسبة لبوتين الأسد أصبح شخصية كارتونية، ولكنه ضروري كجوكر ابتزاز للعالم، ونحن على أبواب البازار الكبير. ويرى بعض المحللين بأن حديث بوتين عن أولوية القضاء على الإرهاب قبل أي حديث عن مستقبل الأسد، نسف فيينا 2 وينسف أي فيينا قادم. غير أن علينا أن نتوقع، بأن العقل الروسي الذي يبدع في لعبة الشطرنج، لا يمكن أن يرمي ويحرق كل أوراق التفاوض مرة واحدة، ولا نتوقع من بوتين، أن يقول كل ما عنده، ويوقع على الصفقة من أول جلسة أو ثاني جلسة أو ثالث جلسة في فينا. الروس الذين جاءوا في البداية إلى سوريا للدفاع عن مصالحهم، وعن المياه الدافئة في اللاذقية. يبدو الآن يريدون سوريا، سوريا المفيدة. القيصر يعمل في سوريا على أساس أن روسيا باقية فيها دائما. وهو ليس في وارد التراجع إلى واقع ما قبل الأزمة السورية. الخبراء الروس، المستشارون، الفنييون، القوات الخاصة، الأسلحة الثقيلة، الطائرات الحربية، أيضا باقية في الساحل السوري واللاذقية.. إلى إشعار آخر، وهم يعملون على بناء قاعدة عسكرية جديدة في جبلة التي تشرف على مطار حميميم.

وزير خارجية السعودية عادل الجبير، فتحدث عن هذا الموضوع، حينما أشار إلى أن نقطتي الخلاف في مؤتمر فيينا2 هما: الأولى، حول موعد وطريقة رحيل بشار الأسد، والثانية حول موعد انسحاب القوات الأجنبية من سوريا وهي – القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها، والقوات الروسية.

غير أن الروس وبدخولهم على الخط العسكري، والخط السياسي الساخن معا وفي الوقت نفسه يريدون من الجميع موالاة ومعارضة، حلفاء وأعداء، التسليم بدورهم المحوري والدائم في سوريا حربا وسلما، وفرض نفسهم كرقم صعب جدا في أي ترتيبات انتقالية في سوريا. وتريد روسيا إنجاز ذلك في أسرع وقت ممكن، لأنها تعرف جيدا كلفة الانخراط المفتوح في الصراع السوري، والثمن الباهظ الذي ستدفعه في الداخل الروسي والخارج، جراء استعداء واستهداف المكون السني. ولو صحت الفرضية التي تتحدث عن أن انفجاراً بقنبلة كان وراء تحطم الطائرة الروسية المدنية في أجواء سيناء، فإن ما قبل هذه النقطة ليس كما بعدها. وهي ستخلق مناخاً داخلياً ضاغطاً على الرئيس بوتين، الذي استجاب لتوصية مجلس الأمن الروسي بتعليق كافة الرحلات الجوية إلى مصر، وإجلاء الرعايا والسياح الروس من مصر.

المستقبل

 

 

 

 

 

صراع أميركي – روسي وحديث عن “سوريات”!/ عادل مالك

إنها مرحلة ازدحام التساؤلات الكبرى التي تحتاج الى العثور على إجابات واضحة ومحدّدة: من مع من؟ ومن ضد من؟ ومن يحارب من؟ في هذا «الزمن الروسي» في المنطقة. على أن العنوان العريض لهذه المرحلة هو التالي:

إنها الحرب على الإرهاب وحرب الإرهاب على محاربيه. ليست في الأمر هواية تلاعب بالألفاظ، بل هو تعبير عن واقع الحال. وحتى هذا العنوان تعدّدت توصيفاته، وألقابه «الحركية». فهناك الإرهاب التكفيري الذي «لا يهادن»! ويقدّم نفسه على أنه الحل الوحيد لمشكلات المنطقة وما أكثرها. وهناك الإرهاب «المعتدل»! وفق «التقويم» الذي أطلقه الرئيس باراك أوباما، وهو يعلن دعمه لما أسماه «المعارضة المعتدلة» في سورية، وردت عليه موسكو (عبر وزير الخارجية سيرغي لافروف) بالتساؤل: هل يوجد «إرهاب معتدل»؟

والإرهاب التكفيري عاد الى بيروت ليضرب ليل الخميس – الجمعة، قلب الضاحية الجنوبية عبر قيام انتحاريين (وربما أكثر) بتفجير نفسيهما في شارع مكتظ بالسكان، فكانت حصيلة كارثية من الضحايا والجرحي أعادت الخوف الى اللبنانيين. فهل عادت التفجيرات الانتحارية بعد توقّف استمر أكثر من سنة؟ ومن هي الجهة التي ارتكبت هذا الإرهاب التكفيري؟ تنظيم «داعش» تبنى العملية.

وأيضاً، هل من علاقة بين هذه التفجيرات وما يجري في سورية؟

نكتب هذه السطور والأمور لم تتّضح تماماً في استثناء العدد الكبير من الشهداء: 45 ضحية، ومئات الجرحى وعودة مشاعر الخوف!

في استطاعة «داعش» أن يزعم أن نضاله الجهادي التكفيري يقف في جانب، والعالم كلّه تقريباً في جانب آخر متعقباً تحركات هذا التنظيم الذي لا تزال قصة ولادته ونشأته شديدة الغموض. إذ كيف يمكن لجحافله أن تتنامى في هذا الشكل بعيداً من أعين المخابرات المنتشرة في المنطقة، إلا إذا كان هذا التنظيم ربيب بعض هذه الأجهزة، وتصدق المعلومات التي تتحدث عن اتهامات في هذا الشأن عما يجري في سورية؟

ما هو معلن، أن المقاتلات الروسية تقوم بطلعات يومية وتقصف مواقع لـ «داعش»، فيما تعلن مصادر أخرى أن القصف الروسي يستهدف فريقاً من المعارضة السورية كالجيش السوري الحر وغيره، وقبل التدخل الروسي كان ما يعرف بقوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، يعلن عن قصف «داعش» في مختلف المناطق السورية، لكن من دون نتائج محددة وواضحة. ووسط الأجواء، برز جيش النظام في سورية من جديد وكأن المقاتلات الروسية تؤمن له الغطاء الجوي، فسجل إنجازات عسكرية ضد «داعش» و «جبهة النصرة».

ويمكن الإشارة الى المعلومات التي كشف عنها الصحافي الأميركي المعروف ديفيد إغتاتيوس، في «واشنطن بوست»، حيث اعتبر أن ما تشهده سورية حالياً «حرب بالوكالة» بين الأطراف المتنازعة، إضافة الى مواجهات عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة عبر استهداف المقاتلات الروسية مواقع «داعش» ومواقع أخرى تعود الى مقاتلين تعلن المصادر الأميركية أنها تتولى»تدريبهم وتمويلهم». هكذا تسرب واشنطن معلومات تتحدث عن اتساع رقعة الصراع تصعيداً ودموية، على حدّ تعبير دوائر الاستخبارات الأميركية المركزية.

على أن كل هذه التطورات الدرامية طغى عليها حادث آخر، ألا وهو تفجير الطائرة الروسية المدنية وسقوطها بركابها الـ232 في صحراء شبه جزيرة سيناء، بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ بثلاث وعشرين دقيقة. وكان لافتاً في هذا الحادث، احتمال السقوط بتفجير قنبلة فيما كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يعلن «التريث في إطلاق الأحكام في انتظار نتائج التحقيق والعثور على الصندوقين الأسودين»، مضيفاً: «هذا الأمر قد يستغرق بضعة شهور»!

وبعد ساعات قليلة على الحادث الذي شهد تغطية إعلامية واسعة جداً في العالم، وصل الرئيس السيسي في زيارة عمل الى لندن. وتقول مصادر مطلعة واكبت المحادثات لـ «الحياة»، أن الاجتماع بينه وبين رئيس الحكومة ديفيد كامرون، كان «عاصفاً» ولو بهدوء، حيث وجه الرئيس المصري العتب الى رئيس الوزراء البريطاني قائلاً: «كان عليكم إبلاغنا كسلطات مصرية رسمية بهذه المعلومات التي تملكونها، والأمر ينطبق على الولايات المتحدة والرئيس أوباما، باعتباره أول من أعلن أن الطائرة الروسية سقطت بفعل تفجير قنبلة».

حادث تفجير الطائرة الروسية وجّه أكثر من رسالة وفي غير اتجاه: إلى مصر بأن في الإمكان اختراق كل التدابير الأمنية في مطاراتكم، ولذلك فالموسم السياحي أصيب في الصميم، كما تم إلغاء الحجوزات كافة التي كانت معدّة لأعياد رأس السنة الشهر المقبل. كما أن التفجير إصابة مباشرة لمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد أراد الإرهابيون أن يتحدّوا قرار موسكو التدخل في سورية.

ومع أن التحقيقات لا تزال جارية لكشف بعض التفاصيل، تأكد أن قنبلة زرعت في إحدى الحقائب التي وضعت على متن طائرة الموت، وأمكن إيصال القنبلة عبر موظف (أو أكثر) يعمل أو يعملون في قسم الأمتعة في مطار شرم الشيخ الدولي. وفي كل حال، الحادث أوضح بعض حقائق الأمور: فالعملية الأمنية ليست فردية من هذه الدولة أو تلك، بل إن الأمن مسألة لا تتجزأ، وهو عملية مترابطة الأطراف. وبتعبير آخر، فبعد «عولمة الإرهاب» لم يعد كافياً أن تلجأ كل دولة بمفردها لاتخاذ الإجراءات الأمنية لتكون في منأى عن التفجيرات الأمنية!

لذلك وفي ضوء حادث إسقاط الطائرة الروسية، لا يكفي أن تعتبر روسيا أنها عمدت الى ضبط الأمن في مطارتها لتعلن أنها في مأمن من العمليات الإرهابية، بل إن التنسيق بين مختلف مطارات العالم هو الذي يجب أن يُعتمد.

والسؤال الذي طرح مع مجموعة كبيرة من الأسئلة: هل ما جرى من إجراءات لبوتين في سورية هو ما عرّض الطائرة الروسية لما تعرضت له؟

ربما كان من المبكر التوصّل الى استنتاجات نهائية، لكن تدخل المقاتلات الروسية (أكثر من 50 طائرة من مختلف الأنواع) كانت وستكون له نتائج في أكثر من اتجاه سلباً وإيجاباً. ولأن المساعي الهادفة الى السلام المفقود في المنطقة لا يجب أن تتوقف، فمن المقرر استئناف اجتماعات «فيينا – 2» اليوم السبت.

كان يقال قديماً: «كل الطرق تمر في روما»، ثم «كل الطرق تمر في جنيف»، واليوم وفي التداول السياسي، نحوّل الشعار الى «كل الطرق يجب أن تمر في… فيينا» الرابضة على ضفاف الدانوب الأزرق.

وقد نشأ سجال حول اجتماع «فيينا – 2»، بخاصة حول مشاركة إيران، وتركز على كيفية الوصول الى الحل السياسي للأزمة السورية، وهناك خلاف شديد حول مصير الرئيس بشار الأسد في المرحلة المقبلة، وسط إصرار المملكة العربية السعودية على استبعاده كلياً، فيما محور موسكو – طهران ينادي بترك مصيره للشعب السوري في انتخابات تُجرى لاحقاً.

والأكيد أن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، لن يشارك في فيينا لأنه سيكون مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في جولته الأوروبية، وقد انهالت المناشدات العالمية لعدم إفشال اجتماع فيينا، لا سيما من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي ناشد جميع الأطراف عدم مقاطعة هذه الاجتماعات «الهادفة الى إيجاد مخرج لهذا الكابوس المتمثّل بما يجري في سورية».

وكان طبيعياً أن يلقي موضوع الإرهاب بظلاله على قمة الرياض الرابعة بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأوضح بيان القمة الختامي رفض أي تدخّل في شؤون دول المنطقة الداخلية. كما جرى تأكيد قمة الرياض لضرورة اعتماد الحل السياسي للأزمة السورية وحلّ سائر النزاعات بالوسائل السلمية مع التركيز على الإشارة الى إيران… وحسن الجوار! ويُذكر هنا تصريح جواد ظريف بعيد إعلان التفاهم على «الملف النووي الإيراني» مع الدول الغربية بقوله: «إن إيران تؤمن بأن الجار قبل الدار». وننتظر دول المنطقة وضع هذا الشعار موضع التنفيذ.

وبعد…

فالبيان الذي صدر عن «فيينا – 1» تضمّن العديد من العبارات التي تُستخدم للمرة الأولى، ومن ذلك «أن وحدة سورية واستقلالها وسيادة أراضيها وهويتها العلمانية أمر أساسي»، والدعوة الى «أهمية الإبقاء والحفاظ على المؤسسات السورية». ولعلّ في هذا البند إشارة واضحة الى عدم انهيار الدولة والمؤسسات على غرار العراق، وهذا ما طرح السؤال: من الأهم: الأسد أم سورية؟

وفي بند آخر: «ضرورة حماية حقوق السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية»، وفي هذا إشارة الى عدم التمييز الذي يخضع له بعض السوريين في بعض المناطق من تحيّز «الداعشيين» وشركائهم.

يبقى السؤال الذي يريد كثر معرفة الإجابة عنه: هل ما يجري من محاولات تتّصل بالواقع السوري يقرب من حلّ الأزمة وبلوغها النهاية؟

يجيب أهل الحل والربط: أبداً، على الإطلاق، بل على العكس. فستشهد سورية وربما بعض الدول الأخرى في المنطقة، مزيداً من الأخبار السيئة قبل التوصّل الى ما يشير الى بعض التفاؤل ولو الخجول، بالانتقال الى «سورية جديدة».

سورية جديدة موحدة؟ ليس بالضرورة، تأتي الإجابة، وثمة حديث عن «سوريات» قد ينتهي إليها الصراع الدائر بكل أبعاده.

لقد قلنا إن السلام في سورية «قد يكون أكثر تعقيداً من الحرب المستعرة فيها» («الحياة» السبت، 31/10/2015)، وإضافة الى ذلك فالتفجير الإرهابي المروّع في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من بيروت، جرح ثخين في الجسد اللبناني المثقل أصلاً بالجراح.

فهل وصل «داعش» الى قلب العاصمة اللبنانية؟ وهل هو الرد على التدخل في الحرب في سورية؟

انتهى المقال ولم نجب عن التساؤلات: من مع من؟ ومن ضد من؟ ومن يحارب من؟

الحياة

 

 

 

 

 

موسكو وجنوب سورية ؟/ محمد برهومة

المروّجون أو المتوجسون من نجاحٍ ما لموسكو في سورية يقولون، كلٌّ من الزاوية التي ينظر إليها، إنّ روسيا نجحتْ، في إطار التنسيق مع أصدقائها في المنطقة في شأن عملياتها العسكرية في سورية، في تحييد مصر والأردن، أو على الأقل طمأنتهما، كما نجحتْ في ضبط حركة تركيا، وإرسال طمأنة من نوع خاص لإسرائيل.

في الأسبوع الأول من هذا الشهر خضع هذا القول للاختبار، حيث وردت أنباء عن استهداف الطائرات الإسرائيلية في منطقة القلمون شحنات من الأسلحة كان ينوي الجيش السوري نقلها إلى «حزب الله». كان التحرك الإسرائيلي منسجماً مع التفاهمات مع موسكو، حيث اتفق الطرفان منذ بدء التحرك الروسي على الحيلولة دون توظيف طهران و «حزب الله» الغارات الروسية لتهريب شحنات نوعية من الأسلحة لـ «حزب الله».

الضربات العسكرية الروسية تركزت أساساً على شمال سورية ووسطها، لكنّ ثمة ما يغري دمشق وطهران، وربما موسكو، في توسيع هذه الدائرة وتحقيق هدفٍ فشل النظامُ مراراً في إنجازه وهو قطع أيّ دعم لوجيستي أو تواصل عملياتي بين المعارضين السوريين في الجنوب وشركائهم في المناطق المحيطة بدمشق. وافتراض دمشق أن تل أبيب لن تُسقط أي طائرة روسية في الجنوب كما فعلت مع طائرات النظام التي عبرت المجال الجوي الإسرائيلي في أيلول (سبتمبر) 2014، يعوزه اليقين ربما، لأنّ حادث القلمون يشير إلى أن الأمور لا تسير وفق هذا المنطق.

لقد ساهم فشل «عاصفة الجنوب» في إرساء «ستاتيكو» في تلك المنطقة، لكنّه بدأ يتعرّض، هو الآخر، للاختبار وربما الزعزعة، بخاصة إذا قررت موسكو في خططها المبيّتة التدخل في الجنوب. هذه الخطط تحدّث عنها الرئيس بوتين وغيره. وقد أفادت «مجموعة أوراسيا» بأنّ بعض المصادر المتصلة بصناعة القرار في موسكو ذكرت أنّ التدخل في سورية سيمتد إلى الجنوب، وأنّ مقاتلي الجيش السوري و «حزب الله» والميليشيات الشيعية والقوات الإيرانية، سيدعمون على الأرض الضربات الجوية الروسية.

أواخر الشهر الماضي نفذت طائرات حربية، قيل إنها روسية، غارات في بلدات الحارة وتل عنتر وكفرناسج وعقربا في ريف درعا الشمالي. كانت هذه هي المرة الأولى التي توسّع فيها موسكو غاراتها باتجاه الجنوب السوري. وثمة تقارير تذهب إلى أن النظام في وارد تركيز قواته لشن هجوم جديد هناك، ومن غير المستبعد، بالطبع، طلب الدعم الجوي الروسي. هذا مثار قلق للأردن وإسرائيل، بخاصة أنّ عمّان تُقدّر أن شروط الموقف الذي أرسته في جنوب سورية ضمن ما يُعرف بغرفة «موك» حال دون سقوط دمشق بأيدي جماعات إرهابية في سورية، ما يتطلب من موسكو الحذر من تقديم خدمات لإيران و «حزب الله» على حساب مصالح أصدقائها في الجوار السوري.

تصريحات آن باترسون، أكبر ديبلوماسية أميركية معنية بشؤون الشرق الأوسط للجنة في الكونغرس، قبل أيام، بأنّ النظام السوري«منهك» وأنّ «المعارضة في الجنوب أكثر اعتدالاً وأقرب لتوجّه أميركا وأنها تحرز تقدماً» لا تبدد الشكوك بما يكفي، وربما من المهم أن تكون ثمة إجراءات ملموسة لواشنطن لمنع تدهور الأوضاع في تلك المنطقة. ومع أنه ليس هناك ما يؤكد حتى الآن أن ثمة رابطاً بين نيات دمشق وطهران وموسكو في الجنوب وبين إطلاق مسلحين مجهولين مؤخراً النار على قادة في فصائل المعارضة السورية المعتدلة في ريف درعا، وهو ما رفع الى ثلاثين إجمالي عدد عمليات الاغتيال بحق قادة وناشطين معارضين جنوب البلاد خلال شهر، فإنه يضع علاقة موسكو بطهران من جهة وعلاقتها بأصدقائها في عمّان وتل أبيب من جهة أخرى تحت المجهر.

* كاتب أردني

الحياة

 

 

 

 

حرب سوريا.. عقدة واشنطن عودةُ موسكو/ وصفي الأمين

فَرَضَ التدخل العسكري الروسي في سوريا واقعاً جديداً ومتغيرات كبرى، جعلت محاولات الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها في المنطقة أكثر صعوبة وتعقيداً. لكن قلق الأميركي ناجم عن شكوكه في وجود رغبة روسية أكيدة في حل سياسي للأزمة السورية، وقناعته بأن موسكو تسعى للتأسيس لعقيدة سياسية وعسكرية توسعية، خصوصاً مع سعيها لإثبات قدرتها على إدارة أمن المنطقة وإعادة ترتيبها، إلى جانب واشنطن. وجاءت مناورات «حلف الأطلسي» الأخيرة في البحر المتوسط، تعبيراً عن عمق القلق من جهود روسيا لبناء قواعد عسكرية، من القطب الشمالي إلى بحر البلطيق، مروراً بالقرم وانتهاءً بالمتوسط، فضلا عن إظهار قواتها، قدراً «مقلقاً» من الثقة والحزم.

الولايات المتحدة تعتبر سوريا عقدة المنطقة، ومرتكزاً أساسياً لتنفيذ مخططاتها. ومع تحولها من أزمة محدودة إلى تهديد عالمي، وساحة لاشتباك محتمل بين القوتين، ومدخلاً لفراغ استراتيجي تحكمه الفوضى، أصبحت بالنسبة للبيت الأبيض مسألة أمن قومي مباشر.

لكن المفارقة هي في أن مصلحة الحلف الأميركي تقتضي إبقاء الوضع على حاله، بل وتحويله إلى حرب استنزاف توقف التقدم الروسي، وتمنع محور المقاومة من امتلاك زمام المبادرة، وتحدّ من دور إيران. التدخل الروسي الذي ظهر مكافئاً للدور الغربي في سوريا، ساعد محور المقاومة على تحقيق تقدّم ميداني، قد يؤدي استمراره إلى خلخلة مرتكزات أساسية للاستراتيجية الأميركية، أبرزها سقوط الممنوعات الثلاثة: قيام تكتل إقليمي سياسي واقتصادي وأمني خارج السيطرة الأميركية، وتهديد سلاسة تدفق النفط إلى العالم، وتهديد أمن إسرائيل. في هذا الإطار يمكن فهم إصرار واشنطن على النظر إلى المنطقة من زاوية الإرهاب فقط، واعتباره سلاحاً فعالاً في مواجهة خصومها. هي تعمل على تعديل ميزان القوى بالعودة إلى الرهان على الجماعات التكفيرية وعلى العشائر، وتدريبها وتزويدها بأسلحة وذخائر نوعية. وفي الإطار نفسه، يأتي إرسال جنود أميركيين إلى سوريا ودعوة وزير الدفاع الأميركي الجماعات المسلحة إلى مواصلة القتال ضد الجيش السوري وحلفائه. ربما قررت الولايات المتحدة الانتقال من التدخل الحذر في الأزمة، إلى الاختبارات الصعبة وتغيير قواعد اللعبة.

يُقرّ الجميع بعدم إمكانية الحل العسكري وعدم قدرة روسيا على كسب الحرب، وأن أقصى الممكن هو حماية النظام ومنع سقوط سوريا بالكامل في قبضة الحلف الأميركي. لكن الأميركيين يتوجّسون من إصرار روسيا على لفت انتباه العراقيين إلى قدرتها على مساعدتهم ضد «داعش». موسكو ما زالت تعتبر العراق جزءاً من مجالها الحيوي، ومن مساحة أمنها ومصالحها. وهو ما تدركه واشنطن، الساعية إلى حصار روسيا. وتدرك أن التحديات في سوريا والعراق متداخلة ومترابطة، ولا يمكنها الاستقرار في بغداد، إلا بإخضاع دمشق.

التطورات في سوريا مقدمة لتسويات كبرى، أو لصراعات أوسع وأقسى. لهذا مازال التردد والارتباك سمة الموقف الأميركي، فالأميركيون يبقون على خياراتهم كافة إزاء التدخل الروسي. فتارة يتحدثون عن إمكانية التعاون الموضعي مع موسكو، وأخرى يحذرون من إمكانية الصدام. واشنطن تريد رحيل الرئيس الأسد وتفكيك الأجهزة الأمنية، لكنها تريد الحفاظ على النظام، وتخشى سقوطاً مفاجئاً لبنيانه يفتح الطريق أمام «داعش» وأخواته لملء الفراغ. وهي تعتبر الجيش ذراع الرئيس الأسد الأقوى، لكنها تعتبره دعامة النظام الأساسية والضمانة لردع التكفيريين، ولا تخطط لتفكيكه في حال كسبت الحرب خشية تكرار التجربة العراقية الكارثية. لذا فهي تسعى في هذه المرحلة إلى تغيير الوقائع الميدانية بدعم فصائل «معتدلة»، لتؤسس لرديف عسكري يمكِّنها من فرض قيادة جديدة للجيش في حال هزم النظام.

لأن خياراتها ضيقة ومحدودة، وسيناريوهات أيّ تدخل مباشر في سوريا لم تكتمل بعد، تحاول واشنطن تشكيل معارضة قادرة على إدارة الكارثة التي قد يخلفها تغيير جذري في سوريا، برغم الشكوك القوية في قدرة المجتمع الدولي على احتواء أي انهيار شامل في سوريا.

الاضطراب في موقف الأميركي، وخشية الروسي من دخول سباق تسلح جديد، تدفعهما إلى إبداء الاستعداد للتعاون في التوصل إلى حل سياسي. هما يتفقان على مرحلة انتقالية تريد واشنطن تقصيرها لستة أشهر، بينما تعمل موسكو على تمديدها أطول فترة ممكنة. تختلفان حول دور الرئيس الأسد خلال تلك الفترة، لكنهما يتركان الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، في ما خصّ بقاءه أو رحيله. ومع توسّع رقعة المعارك، وعدم وجود مؤشرات على أي توجه أميركي لإعادة النظر في الاستراتيجية القائمة، يضغط حلفه لدفع روسيا إلى التمييز بين «داعش» وبين «الفصائل المعتدلة»، ويراهن على ازدياد حدة ردود الفعل المعادية لها بين المسلمين السنة. في المقابل، تسعى روسيا للإمساك بزمام العملية السياسية لإدارة سوريا، بعيداً عن الإرادة الدولية، ووضع خطوط حمر أمام مشاريع واشنطن التي تعمل بدورها على تحويل «مؤتمر فيينا» إلى هيئة وصاية دولية، تدير سوريا وتقودها نحو تسوية تخدم مصالحها في تغيير معادلات المنطقة.

ليس متوقّعاً التوصل إلى صيغة لوقف الحرب في سوريا قريباً، ما يشجع الأميركيين على استخدام ورقتهم الأقوى، استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً. هم يعتقدون أن تطور العمليات في سوريا سيدفع روسيا إلى توسيع تدخلها، والغرق في الحرب هناك. واشنطن تصعّد في سوريا لحماية نفوذها في العراق ومشروعها في المنطقة. ولا ردّ على تسعير الأميركيين المواجهة مع روسيا وحلفائها، إلا في اليمن والعراق ودعم أكراد تركيا. والعراق هو الأقرب والأكثر تأثيراً، إذ يصعب فصل ما يحدث فيه عما يحدث في سوريا. ولإرباك الحركة الأميركية بات ضرورياً تسخين بعض الجبهات، التي ربما تفجّر أزمات جديدة في وجه الأميركي، قد تمتد الى مصر وشمال إفريقيا.

السفير

 

 

 

خطة بوتين في سوريا: تناقضات استراتيجية وانسدادات سياسية/ الحواس تقية

ملخص

لا تنحصر عومل فشل استراتيجية بوتين في خطته التفاوضية بفيينا، بل تتعدى إلى الشروط التي اعتقد أنه تمكَّن من توفيرها لإنجاح خطته، وهي إقناع مختلف القوى الفاعلة في الأزمة بأهداف مشتركة، وبقبول تدخله العسكري المباشر الذي يعيد ترجيح كفة النظام في موازين القوى العسكرية. فالأهداف تعاني من تناقضات تعمِّق التباعد بين أطراف الأزمة بدلًا من التقريب بينهم، ولا تمتلك روسيا القوة الكافية لفرض ميزان قوى جديد لا يستطيع خصومها تغييره، ويقوِّي تدخلها العسكري تنظيمَ الدولة فيفاقم المخاطر التي وعدت بالقضاء عليها.

مقدمة

ينعقد اللقاء الثاني حول الأزمة السورية بفيينا بداية الأسبوع القادم، وقد أكَّدت تقريبًا كل الدول التي حضرت اللقاء الأول مشاركتها. ومن المرجح أيضًا أن تشارك إيران، رغم تصريحات بعض مسؤوليها التي لا تستبعد المقاطعة إن لم تحصل على بعض التنازلات المسبقة، وسيعمل المجتمعون على تسوية النقاط العالقة بناء على النقاط المتفقة عليها في اللقاء الأول.

اتفق المشاركون في لقاء فيينا الأول، المنعقد في 30 سبتمبر/أيلول، على دعوة الأمم المتحدة إلى جمع النظام السوري والمعارضة حول طاولة حوار، من أجل إطلاق عملية سياسية تقود إلى تشكيل حكومة جديرة بالثقة وغير طائفية ولا تقصي أحدًا، تتكفل بوضع دستور جديد، وتنظيم انتخابات تحدِّد شكل النظام السوري الجديد.

نجحت روسيا في إقناع خصومها بأن التوافق على آليات الحل، يؤدي إلى إنشاء جو من الثقة يُسهل التوصل إلى تسوية سياسية، فأعفت نفسها من التفاوض الجاد على المضمون الحقيقي للأزمة، وهو: مستقبل الأسد، ومصدر السلطة الجديد، ومستقبل النفوذين الروسي والإيراني في البلد. فما هي مثلًا علاقة هذه الحكومة مع الأسد: هل تخضع له أم أنها تتمتع بصلاحياته؟ وما سلطتها وأدواتها في تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة تعبِّر عن خيارات السوريين؟ ما علاقتها بالأجهزة الأمنية الموالية للأسد؟ وما مستقبل القوات الإيرانية والموالية لها؟ وما مستقبل الوجود العسكري الروسي؟

حصدت من هذا الاجتماع أول المكاسب السياسية لتدخلها العسكري المباشر في سوريا، فلقد فرضت لأول مرة مشاركة حليفها الإيراني في التفاوض، ومنعت مشاركة المعارضة السورية، ووضعت أسسًا للحل السياسي، وإن كانت فضفاضة، لا تضع رحيل الأسد ورحيل القوات الروسية والإيرانية شرطًا مسبقًا للتسوية السياسية، وباتت تفاوض، من موقع الندية، الولايات المتحدة، على أهم قضية قد تعيد صياغة نظام الشرق الأوسط بكامله.

تمكَّنت من تحقيق هذا الإنجاز لأن تدخلها العسكري أعطى انطباعًا بأنها قادرة على حماية النظام من السقوط ومنع أية تسوية لا ترضاها، أو إقناع حلفائها بتقديم التنازلات الضرورية لعقد صفقة سياسية تضمن مصالحهم الحيوية. لكن تعرضت لنكستين، بعد أكثر من شهر بقليل من الاجتماع الأول، ستجعلان موقفها أضعف في اجتماع فيينا الثاني:

أولًا: نجح تنظيم الدولة بمصر، حسب ترجيح دول غربية(1)، في تفجير طائرة ركاب روسية، فأظهر أن موسكو التي تعجز عن حماية مواطنيها ستكون أعجز عن حماية مواطني البلدان الأخرى، وأنه قادر على منازلتها في السماء التي اعتقدت أنها تسيطر عليها، وأن يفرض عليها مواجهة شاملة كانت تريد حصرها داخل الحدود السورية.

ثانيًا: لم يستبعد وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، أن تكون روسيا أخطر من تنظيم الدولة (2)، وهو يعبِّر بلا شك عن تحول متدرج في موقف إدارته من الدعوة إلى التعاون بين البلدين لقتال التنظيم، إلى التشكيك في جدوى التدخل الروسي المباشر بسوريا، إلى إعطاء الأولوية للتصدي له.

يتضافر التحولان في التشكيك بجدوى انعقاد لقاء فيينا الثاني، وضرب المكاسب التي حققتها روسيا في جولته الأولى، وتفجير التناقضات بين أطرافه ومضامينه.

لا تنحصر عومل الفشل في الاستراتيجية التفاوضية المتبعة، بل تتعدى إلى الشروط التي اعتقد الرئيس بوتين أنه تمكَّن من توفيرها لإنجاح خطته، وهي إقناع مختلف القوى الفاعلة في الأزمة بأهداف مشتركة، وبقبول تدخله العسكري المباشر الذي يعيد ترجيح كفة النظام في موازين القوى العسكرية. فالأهداف تعاني من تناقضات تعمِّق التباعد بين أطراف الأزمة بدلًا من التقريب بينهم، ولا تمتلك روسيا القوة الكافية لفرض ميزان قوى جديد لا يستطيع خصومها تغييره، ويقوِّي تدخلها العسكري تنظيمَ الدولة فيفاقم المخاطر التي وعدت بالقضاء عليها.

أهداف متضاربة

يتضمن خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمام الأمم المتحدة، في 28 سبتمبر/أيلول(3)، مجمل أهدافه من التدخل العسكري المباشر في سوريا، لكنه توسع بعد ذلك في تفصيلها في لقاءت إعلامية مختلفة، ويمكن تصنيفها إلى أهداف تكتيكية وأهداف استراتيجية:

القضاء على تنظيم الدولة والجماعات التي تصنِّفها روسيا إرهابية، وهي تقريبًا كل الجماعات السنِّية المسلحة التي تناهض روسيا وحلفاءها.

وراء هذا الهدف التكتيكي، تريد روسيا تحقيق عدَّة أهداف استراتيجية، أحدها داخلي، وهو استباق أي تنامٍ للتمرد المسلح داخل الأقلية المسلمة في روسيا، والتي تمثِّل تحديًا جديًّا في المستقبل القريب، لأن حجمها الذي يبلغ حاليًا نحو 20 بالمئة، يزداد بسرعة أعلى من الأكثرية الأرثوذكسية، وستزداد ضغوطها على النظام الروسي ليوسِّع مشاركتها في السلطة، ويجعل قيمها جزءًا من الهوية الروسية، التي تكاد تنحصر حاليًا في اللغة والمسيحية الأرثوذكسية والحنين للعظمة الإمبراطورية، ولا تعطي مكانًا للقيم الإسلامية.

الهدف الاستراتيجي الآخر، لعب دور الحامي من خطر تنظيم الدولة لعدد كبير من الدول بأوروبا والشرق الأوسط وآسيا، مقابل اعترافها بروسيا قوة دولية لا غنى عنها في إدارة النظام العالمي.

الهدف التكتيكي الثاني: الحفاظ على نظام الأسد.

توجد خلفه عدة أهداف استراتيجية:

منع أي تغيير ثوري، حتى لا يتكرر ما وقع في بداية التسعينات بجوار روسيا، في ما يسمى بالثورات الملونة، والتي سمحت للغرب بتوسيع نفوذه تحت شعارات نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق.

ترسيخ هيبة روسيا كحليف يمكن الاعتماد عليه؛ حيث وقفت إلى جانب النظام السوري سياسيًّا، باستعمال حق النقض لحمايته؛ وعسكريًّا، بإمداده بالسلاح والقتال إلى جانبه حينما اقتضت الحاجة. بخلاف الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تخلَّى عن حلفاء أميركا من القادة العرب الذين أسقطتهم الثورات، ثم تخلَّى عن الثورات التي وعد بدعمها لما تصدت لها قوى الثورة المضادة، فخسر الأنظمة السابقة ولم يربح القوى الثورية.

حِفْظ منافذ الأسطول الروسي نحو البحر الأبيض المتوسط، يحقِّق هدفين: ضمان حركة القوات الروسية نحو مختلف مناطق العالم، فتحظى تعهداتها بدعم الحلفاء بالمصداقية، وهي شرط لأية قوة تتطلع للعب دور دولي. ومن جهة أخرى، يضع تركيا، العضو في الحلف الأطلسي، بين فكي كماشة يمزقان قواتها بين حماية الحدود الشمالية وحماية الحدود الجنوبية.

المدخل الخطأ والحصان الخاسر

يرتكز بوتين في خطته على قاعدتين: أولًا: إقناع القوى المتصارعة على سوريا بالتعاون لمواجهة خطر تنظيم الدولة المشترك، ثم بضرورة التسليم بأن نظام الأسد ضروري للتصدي له.

اعتقد بوتين بأن هدف مكافحة التنظيمات “الإرهابية”، الذي يُعد محل إجماع دولي، يسهل تمرير أهدافه وأهداف حلفائه الخاصة التي تُعد محل خلاف مع خصومه، مثل تصوير تنامي التواجد العسكري الروسي بأنه ضروري للإبقاء على نظام الأسد باعتباره القوة الشرعية الوحيدة القادرة على تخليص الجميع من الخطر المشترك. لكن هذه التركيبة لا تحظى بقبول الأطراف المناوئة التي تبني مواقفها بناء على النتائج المترتبة على قتال الجماعات “الإرهابية” وتنظيم الدولة؛ فمثلًا ترفض الولايات المتحدة الانخراط الكامل في أي قتال يقوِّي الميليشيات الشيعية وإحكام سيطرتها على الحكم بالعراق، وترفض تركيا المشاركة في أي قتال يقوِّي الانفصاليين الأكراد الذين تعتبرهم الخطر الرئيسي على أمنها. وتمتنع السعودية عن خوض أية مواجهة مسلحة تقوِّي من نفوذ إيران والميليشيات الشيعية الموالية.

تواجهه أيضًا صعوبتان في إقناعهم بضرورة الحفاظ على حليفه السوري:

الأولى: تعتقد دول عربية وغربية أن نظام الأسد أخطر من التنظيمات الإرهابية.

والثانية: يفتقد للقوة العسكرية الضرورية لإنجاح خطته، التي تعتمد بشكل رئيسي لحدِّ الآن على القصف الجوي؛ حيث لا يمكنه تحقيق نتائج لم تحققها 7000 غارة شنَّها طيران التحالف بقيادة أميركا، خلال نحو عام، على تنظيم الدولة في العراق؛ علاوة على أن سلاحه الجوي أقل كفاءة، لأنه يعاني من صعوبة التموين لابتعاده عن قاعدته الرئيسية بالبحر الأسود، ويضطر إلى قطع مسافات طويلة عبر إيران والعراق للوصول إلى سوريا(4)، ولا يمتلك التقنيات المتطورة الكافية لتوجيه المقذوفات، وتنقصه المعلومات الاستخبارية الضرورية لتحديد الأهداف. وتدل تجارب الحروب السابقة على عجز سلاح الطيران عن حسم المعارك إذا لم يستند إلى قوات برية تقاتل على الأرض، ولا تعد حرب البوسنة استثناء، فمع أن الشائع أن طيران الحلف الأطلسي حسم المعركة من الجو، إلا أن الحقيقة بخلاف ذلك، فالعامل الحاسم كان سياسيًّا وليس عسكريًّا.

قد يعتمد السلاح الجوي الروسي على قوات نظام الأسد البرية والقوات الإيرانية والفصائل الموالية لها، لكن نجاحه في كسب الحرب ليس محسومًا، بل قد يعد انخراطه في القتال المباشر، اعترافًا من الكرملين بفشل الجيش النظامي السوري، ثم قوات حزب الله والميليشيات الإيرانية، ولن يكون الدعم الجوي، الذي لم يفتقدوه بشكل عام، عاملًا كافيًا لنجاحهم فيما أخفقوا فيه خلال السنوات الماضية.

لا تعاني موسكو من ضعف في الجانب العملياتي وحسب، بل من اختلالات في الاستراتيجية الشاملة المعتمدة، فهي تسعى إلى تطبيق استراتيجية غير تناظرية في سياق مختلف عن السياق الذي ساعد، من قبل، على نجاحها. ففي حملتيها العسكريتين بجورجيا وأوكرانيا، استعملت الرابط اللغوي لتشكيل جماعات متمردة موالية، ثم أعانتها للاستيلاء على مناطق محاذية لروسيا، وحرصت على أن تظل جزءًا من استراتيجيتها، تستعملها كأداة ابتزاز لدول الجوار التي ترفض هيمنتها. وقد كانت هذه الاستراتيجية فعَّالة إلى حدٍّ ما، في الحالتين الجورجية والأوكرانية، لأن المتمردين الموالين واجهوا دولًا تحرص على بقائها والسيطرة على إقليمها، وترضى، في بعض الأحيان، بخسائر جزئية، لكن الوضع في سوريا مختلف، فروسيا تقف إلى جانب النظام في مواجهة المعارضة المسلحة، ولا يمكنها ابتزازهم باقتطاع جزء من إدلب مثلًا أو حمص أو حلب لتغيير سياساتهم؛ بل إن حليفها، النظام السوري، هو الذي يعاني من الابتزاز، لأن حفاظه على وحدة الإقليم والسيطرة عليه أساس شرعيته الدولية، وأي خسارة لجزء منهما طعن فيها.

والملاحَظ، أن إيران تعتمد نفس الاستراتيجية وتواجه المعضلة نفسها؛ فلقد شكَّلت جماعات مسلحة موالية ترتبط في الغالب معها برباط أيديولوجي، ثم تشجعها على رفض الوضع السائد وتغييره لتكون متحكمة في الدولة أو تملك القدرة على شلِّها، وقد حققت نجاحات حين كانت تعارض السلطة القائمة، كما في لبنان، لكنها فشلت، لما تحوَّل حلفاؤها إلى سلطة بديلة، كما في العراق واليمن، أو مدافعين عن سلطة قائمة كما في دفاع حزب الله وفيلق القدس عن نظام الأسد.

تُخالف الدولتان أيضًا، مبدأ استراتيجيًّا مهمًّا، هو الامتناع عن تشتيت الجهد وتركيزه على مركز جاذبية الخصم(5)، لكنهما وزَّعا قواتهما على عدة جبهات، فروسيا شتَّتت قواتها على ثلاث جبهات: الجورجية، والأوكرانية، والسورية، وقد اضطرت مثلًا إلى القبول بهدنة مع أوكرانيا حتى تتمكن من تخصيص قوات تخوض القتال في الجبهة السورية(6)، وقد تفقد توازنها في أية لحظة لو اشتعلت الجبهات الثلاثة معًا، فتضطر إلى الموازنة بينها، وإعطاء الأولوية دون شك للجبهات المحاذية لها، والمخاطرة بخسران الحرب في سوريا.

وضع إيران مماثل؛ حيث تخوض قتالًا، في العراق، وسوريا، وتحرص على دعم الحوثيين في اليمن، وقد استنزف تعدد الجبهات وطول القتال قواتها، فخسرت مؤخرًا عددًا من قادة الصف الأول في معركها بسوريا، وقد تتفاقم مستقبلًا المخاطر المهددة لأمنها القومي، إذا تمكَّنت طالبان، كما هو مرجَّح، من السيطرة على أفغانستان، فتقع في مأزق الاختيار بين توجيه قواتها لحماية حدودها الشرقية من خطرهم، أو تركيزها على الجبهة الغربية لحمايتها من تنظيم الدولة، ومن تداعيات أي سقوط مفاجئ لنظام الأسد.

قد تحرص الدولتان على تفادي هذا الكابوس بالسعي إلى تحقيق نصر سريع في الجبهة السورية لتوجيه قواتهما إلى جبهات أخرى، لكنهما لا تسيطران على الوقت، بل تسيطر عليه المعارضة السورية المسلحة التي لا تمتلك خيارًا آخر غير الاستمرار في القتال، مهما طال، لأنها لا تمتلك وطنًا آخر ترحل إليه.

تمدد عسكري وانكماش اقتصادي

يستطيع الاقتصاد الروسي تحمُّل الحملة العسكرية في سوريا، بمستواها الحالي، لفترة طويلة، حسب وحدة الإيكونوميست للأبحاث، التي قدَّرت أعباءها، استنادًا لعدة دراسات مختصة، بين 1.5 مليار إلى 2 مليار دولار سنويًّا، لكن ستضغط عدة عوامل مستقبلًا على روسيا فتضطرها إلى زيادة انخراطها، مثل فشل القوات البرية المشتركة للنظام وإيران وأعوانهما في وقف تقدم قوات المعارضة المسلحة، وانكشاف القواعد الروسية أمام القصف أو الهجمات البرية، فترتفع تكلفة الحرب ارتفاع كبيرًا، لأن موسكو ستضطر إلى استعمال قواتها ببحر قزوين لإطلاق مزيد من الصواريخ الموجَّهة، التي تبلغ تكلفة كل منها 36 مليون دولار، أو تقرر اضافة قوات جديدة إلى 4000 جندي متواجدين حاليًا بقواعدها في سوريا.

ليست تلك التكاليف، مهما ارتفعت، إلا جزءًا بسيطًا من تداعيات العزلة التي ستفرضها الدول المناوئة للتدخل على الاقتصاد الروسي. مثلما كانت أضرار الاقتصاد الروسي من العقوبات الغربية أكبر من تكاليف حملة احتلال القرم. فمن المرجح، أيضًا، أن تتخذ الدول المناوئة للتدخل الروسي المباشر في سوريا حزمة من العقوبات الاقتصادية، قد تكون معلنة، أو قد تكون غير معلنة، مثل حرص السعودية على إبقاء أسعار النفط منخفضة، وتحركها لأخذ حصة من سوق الطاقة ببولندا، التي تعد سوقا للطاقة الروسية، وقد اعتبرت مجموعة بلومبرغ المختصة في الشأن الاقتصادي هذا التحرك جزءًا من استراتيجية سعودية تتوخى دعم الدول التي توجد بجوار روسيا وتناهض هيمنتها، وتصدت في السابق للاتحاد السوفيتي الذي يحنُّ بوتين إلى أمجاده(7).

ليس من المستبعد أيضًا أن تتصدى الدول الغربية لاستراتيجية بوتين الشاملة باستراتيجية عقوبات اقتصادية شاملة، فتتفق مع السعودية وتركيا وقطر على تبنِّي استراتيجية موحدة، تستنزف الاقتصاد الروسي، حتى يضطر الكرملين إلى التخلي عن أحلامه الإمبراطورية مقابل الانتفاع من فرص السوق العالمية. وقد أثبتت عدة تجارب تاريخية، مثل إيران مؤخرًا، أو الاتحاد السوفيتي سابقًا، أو الصين في عهد دنغ شياو بنغ، أنها تميل إلى الخيار الثاني.

يفتقر بوتين، في المحصلة، إلى الموارد الاقتصادية الضرورية لتمويل حملات عسكرية واسعة وطويلة الأمد، لأنه يواجه أوضاعًا اقتصادية غير مواتية، فسعر البترول يتأرجح حاليًا حول 50 دولارًا، فتفقد روسيا توازناتها المالية، التي تستند إلى سعر 105 دولارات للبرميل حتى تستطيع مداخيلها تغطية مصروفاتها في سنة 2015، حسب بيانات عدد من المؤسسات المالية(8).

تتضافر عدة عوامل على مفاقمة هذا الاختلال مستقبلًا:

رجحان تأرجح أسعار البترول حول 60 دولارًا خلال عشر سنوات قادمة، حسب الخبير الاقتصادي نوريال روبيني(9)، فتظل الخزانة الروسية تعاني من العجز في توفير الموارد المالية لتغطية مصروفات الدولة.

رجحان استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا نتيجة احتلالها لجزيرة القرم، ورعايتها لحركة انفصالية بشرق أوكرانيا(10). واحتمال أن تتعزز بإجراءت عقابية اقتصادية تتخذها السعودية وقطر وقد تشاركهما تركيا، ولكن بدرجة أقل، لأن اعتمادها على الطاقة الروسية، لإشباع خُمس حاجاتها الاقتصادية يحد من خياراتها(11).

ارتفاع المصروفات الحكومية، من أجل الاستيراد، والدعم الاجتماعي، والتوسع في تحديث المؤسسة العسكرية.

قد تعالج الحكومة الروسية الخلل الناتج في الموازنة باستعمال الحتياطي المالي، لكنه سينضب، حسب الخبير الاقتصادي أندرس أسلوند، نهاية العام القادم 2016(12)، فتضطر إلى الاستدانة، لكن العقوبات الاقتصادية الغربية تحرمها من الوصول إلى الأسواق المالية الخارجية، فتلجأ إلى تخفيض النفقات، فتتردى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وقد تضطرب الأوضاع الداخلية، فتفقد القيادة الروسية التماسك الداخلي الضروري لحروبها الخارجية.

يواجه حينها بوتين نفس المعضلة التي واجهها الاتحاد السوفيتي في المفاضلة بين الزبدة والسلاح، أي الاختيار بين التنمية الاقتصادية والمجد الإمبراطوري، لكنه يعرف هذه المرة تبعات كل خيار، فقد أدَّى تجاهل أثمان المجد الإمبراطوري إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وأدَّى خيار التنمية الاقتصادية إلى رفع الصين من مصاف العالم الثالث إلى الأول، وجعلها قاطرة العالم الاقتصادية، ووفَّر مزيدًا من الموارد لتطوير قواتها العسكرية.

مفاقمة المخاطر

منح التدخل الروسي المباشر تنظيم الدولة فرصة لعب دور حامي المسلمين السنَّة الذي كان يتطلع إليه، فنجح، بفضل فرعه في سيناء، في تفجير طائرة الركاب الروسية، كما ترجِّح عدة دول غربية، فأظهر أنه القادر على تكبيد بوتين خسائر بشرية تضطره إلى القبول بتنازلات، مثل إجلاء مواطنيه من مصر وتعليق الرحلات المتجهة إليها، حتى لا تنهار شرعيته الداخلية. ومن المرجح، أن يؤدي نجاح هذه العملية إلى التحاق أعداد جديدة من المقاتلين بتنظيم الدولة، فيحرص على تكرارها، والسعي إلى نقلها إلى داخل روسيا لضرب هيبة بوتين بإظهاره عاجزًا حتى عن حماية بلاده.

تقوِّي هذا الاتجاه عدَّة عوامل متضافرة:

لم تكن موسكو جدية أبدًا في قتال التنظيم؛ حيث رفضت المشاركة مع قوات التحالف التي شرعت منذ عام في قتاله بقاعدته الرئيسية بالعراق، التي تعد أهم من فرعه في سوريا، وأقل تعقيدًا، لأن النظام العراقي، بخلاف السوري، يحظى بقبول الجميع، ولا يسعى أي طرف لإسقاطه.

يركِّز طيرانها قصفه بشكل رئيسي على المعارضة المسلحة، التي تُصنَّف في معظمها بالمعتدلة، ويشارك بعضها في برامج التدريب الأميركية، وقد يكون ينفذ خطة تمليها اعتبارات استراتيجية وسياسية، فالمعارضة المسلحة المعتدلة تمثِّل خطرًا داهمًا على النظام السوري لأنها تضغط على مراكزه الحيوية، وتمثِّل بديلًا سياسيًّا له، وشريكًا للقوى الغربية، لكن نجاحه في إضعافها لن يكون مكسبًا للأسد بل قد يصب في مصلحة تنظيم الدولة، كما حدث في ريف حلب(13)؛ حيث استولى على مواقع خسرتها المعارضة السورية المعتدلة.

دلَّت التجربة أيضًا على أن القضاء على جماعات المعارضة المعتدلة يدفع قطاعات واسعة من السوريين، الذين كانوا تحت حمايتها، ليس إلى الرضوخ للنظام، بل إلى البحث عن حام جديد، قد تجده كما حدث في العراق في تنظيم الدولة، الذي انضمت له عشائر سنِّية لطرد القوات العراقية من الموصل، فوفرت له حاضنة شعبية، تمنحه عُمقًا اجتماعيًّا يرسِّخ وجوده. وقد اعترف باراك أوباما بوجود هذا الرابط، ودعا إلى كسره بتلبية تطلعات المتذمرين الاجتماعية والسياسية(14).

تضفي روسيا صفة “الإرهاب” على كل معارضيها حتى تنزع عن المعتدلين أي شرعية سياسية، فتسد آفاق الحل السياسي أمامهم، فلا تترك لهم من خيار إلا تغليب خيار القوة، فتتولى القيادة جماعات متشددة، قد تعتقد أن تنظيم الدولة على حقٍّ في استهانته بالحلول السياسية، فتتحالف معه أو قد تذوب فيه لتوحيد الجهد في مواجهة الخطر المشترك. وتمثِّل دعوة أيمن الظواهرة الجماعات المقاتلة إلى تجاوز خلافاتها والتركيز على القوات الروسية مؤشرًا على هذه الإمكانية(15).

يسهم الاستقطاب الأيديولوجي أيضًا في تقوية تنظيم الدولة، فلقد اعتبر حربه جهادًا للشيعة والصليبين، وقد وفَّرت إيران الوقائع الداعمة لذلك، فهي تعتمد في عملياتها القتالية بسوريا، على فيلق القدس المكلَّف بنشر الثورة الإسلامية، والميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان ولبنان وباكستان. أمَّا روسيا، فلقد صورت كنيستها الأرثوذكسية التدخل في سوريا حربًا مقدسة لحماية المسيحيين(16). لا يحتاج التنظيم لأكثر من ذلك لإقناع السنَّة بالالتحاق به للجهاد، وكما يقول المثل: مع مثل هذا النوع من الأصدقاء ستنهزم دون جهد من الأعداء.

أحجية الحل السياسي

تحُول عدة اعتبارات دون توصل الأطراف المتنازعة إلى حل سياسي توافقي، فلو اتفقت مثلًا على الاحتكام إلى الانتخابات، فإن النتيجة ستكون، حسب التركيبة السكانية والاستقطاب الطائفي، إمساك السوريين السنَّة بمفاصل السلطة، وهو ما توعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالتصدي له(17)، وتخشى إيران من تبعاته على نفوذها بالعراق، ولبنان.

ولو أرادت مثلًا، تشكيل نظام محاصصة طائفي شبيه بالنظامين اللبناني والعراقي فإن المكوِّن السنِّي يمثِّل من جديد الأغلبية، ولا يمكن للمكوِّن العلوي أن يصمد في مواجهته إلا إذا حافظ على ميليشيا مسلحة أقوى من الجيش النظامي كما هي الحال في لبنان، أو أنشأ إقليمًا شبه مستقل تحميه ميليشيات معترف بها، كما هي الحال في إقليم كردستان بالعراق، لكن يحتاج في الحالتين إلى أن يظل مسيطرًا على الدولة حتى يفرض عليها توفير الغطاء الشرعي لبقاء النفوذين الإيراني والروسي في سوريا. يفتقر هذا الخيار إلى عوامل تحققه، لأنه يدفع الرافضين لنظام الأسد والرافضين للنفوذ الإيراني والروسي إلى توحيد جهودهما لتقويضه.

لا يحظى خيار التقسيم بفرص أفضل، لأن المعارضة المسلحة والقوى الداعمة لها، تتشارك في رفضه، لأنه يوفر غطاء لاستمرار التواجد العسكري الإيراني والروسي، وقد تواصل حربها على النظام حتى ينهار، وعلى القوات الروسية والإيرانية حتى تضطر إلى الرحيل.

الفشل المتوقع

اعتقدت القيادة الروسية أن تدخلها العسكري المباشر في سوريا يجعلها لاعبًا مركزيًّا في التسوية، ويضطر جميع الأطراف المتنازعة إلى القبول بشروطها، لكن ديناميات التدخل ترجِّح حدوث نتائج معاكسة تضر أهم دعامتين راهن عليهما وقامت عليهما استراتيجية بوتين، وهما:

تشكيل نواة حلف دولي واسع مناهض للقوى الغربية.

فكُّ الطوق الغربي ولعب دور شريك الولايات المتحدة في إدارة الشؤون الدولية.

يعاني الحلف الروسي-الإيراني المناوئ للغرب من معضلة أساسية؛ حيث تعتبر إيران إسرائيل خطرًا مباشرًا على أمنها ونفوذها، وتحرص على تقوية حزب الله ليكون رادعًا لها، بينما تعتبرها روسيا شريكًا تحرص على مصالحه، وترفض الإسهام في أي عمل يخلُّ بموازين القوى الراجحة لصالحه، وسينفجر التناقض بين الرؤيتين إذا زالت حاجة البلدين للتعاون للحفاظ على النظام السوري، خاصة إذا نجحا في مسعاهما، واضطرت إيران إلى التخلص من القيود الروسية، لتعزيز قواتها لمواجهة تنامي القوة الإسرائيلية.

لا يحظى هدف استعادة الدور المركزي في شؤون العالم بفرص أفضل؛ فمن المرجح أيضًا أن تزداد عزلة روسيا الدولية، فلقد أدَّى احتلالها القرم إلى خسارة الشعب الأوكراني الذي بات يعتبرها دولة احتلال، وتوثيق التضامن الأوروبي-الأميركي بدلًا من إضعافه كما كانت ترجو، وأفرغ تجمعها الأوروآسيوي من أي مضمون استراتيجي وحصره في التعاون الاقتصادي، وأيقظ مخاوف الدول التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي، والدول التي تخشى من أن يستعمل بوتين مبدأ حماية الناطقين بالروسية ليحتل جزءًا من إقليمها.

سيوقعها تدخلها العسكري المباشر في سوريا، في عزلة بجنوبها؛ حيث ستبدو دولة احتلال، ومساندة للأقليات الطائفية والمذهبية على حساب الأكثرية السنِّية. وليس من المستبعد أن تنتهز أميركا الفرصة لتكوين طوق مشترك يحيط بغرب روسيا وجنوبها، فيستنزف قدراتها، حتى تضطر إلى التخلي عن سياساتها التوسعية. وما يؤشر إلى هذا المنحى الجديد، تصريح وزير الدفاع الأميركي بأن روسيا قد تكون أخطر من تنظيم الدولة. وتدل التجربة على أن الولايات المتحدة قد تتحالف مع الخطر الثانوي للقضاء على الخطر الرئيسي كما تحالفت مع ستالين للقضاء على هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، أو تحالفت مع المجاهدين الأفغان لإلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفيتي. وحتى إن لم تتحالف، فلقد تتسامح مع الخطر الثانوي إذا كان يشاركها في قتال الخطر الرئيسي. وقد يجعلها هذا الترتيب الجديد للمخاطر، ترفع الحظر عن تسليم المعارضة الصواريخ المضادة للطيران الروسي رغم احتمال وقوع بعضها بيد الجماعات التي تضعها أميركا في قوائم الإرهاب.

يُشبِّه خبراء استراتيجيون مهارات بوتين الاستراتيجية بمهارته في الجيدو؛ حيث يعتمد في كلتيهما على استعمال قوة الخصم لإلحاق الهزيمة به، لكنه اختار في سوريا الرهان على قوته بدلًا من قوة خصمه، فلا يتوقع في فيينا نتيجة مغايرة للتي ألحقها سابقًا بخصومه.

_________________________

الحواس تقية – باحث بمركز الجزيرة للدراسات

هوامش

1- برلين ترجح فرضية اعتداء إرهابي وراء تحطم الطائرة الروسية، موقع دويتشه فيله، (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.dw.com/ar/%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D8%AD-%D9%81%D8%B1%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%AA%D8%AD%D8%B7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9/a-18834990

2- Robert Burns, Pentagon chief says Russia, China potentially threaten global order

ASSOCIATED PRESS NOVEMBER 07, 2015( تاريخ الدخول 9/11/2015)

https://www.bostonglobe.com/news/nation/2015/11/07/carter-says-russia-china-potentially-threaten-global-order/XpBljLTa23wjXXnjB53hHO/story.html

3- كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، موقع يوتيوب،  تم نشره في 28‏ سبتمبر/أيلول 2015 (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

4- Zbigniew Brzezinskiو Russia must work with, not against, America in Syria, The Financial Times, October 4, 2015 (تاريخ الدخول 4 أكتوبر/تشرين الأول 2015)،

http://www.ft.com/intl/cms/s/0/c1ec2488-6aa8-11e5-8171-ba1968cf791a.html#axzz3op4spWhK

5- J O S E P H L. S T R A N G E and RICHARD IRON, Center of Gravity, What Clausewitz,Really Meant, JOINT FORCE QUARTERLY, JFQ / issue thirty-five, October 2004,P 20-27.

http://www.clausewitz.com/bibl/StrangeAndIron-COG-JFQ.pdf

6- THOMAS GROVE، Russia Said to Redeploy Special-Ops Forces From Ukraine to Syria

. Wall Street Journal.Updated Oct. 23, 2015 11:14 p.m.

(تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.wsj.com/articles/russia-said-to-redeploy-special-ops-forces-from-ukraine-to-syria-1445636834

7- Leonid Bershidsky,Saudi Arabia’s Oil War With Russia, Bloomberg review,OCT 16, 2015 1:22 PM

(تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.bloombergview.com/articles/2015-10-16/saudi-arabia-s-oil-war-with-russia

8-  Brent crude oil price dips below $50 a barrel, bbc,

January 2015

(تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.bbc.com/news/business-30707638

9- Prof. Nouriel Roubini, Chairman, Roubini Global Economics, at the 15th Annual Herzliya Conference، تم نشره في 7‏ يونيو/حزيران 2015،

( تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

10– Katy Barnato, Why sanctions against Russia are here for the long-haul, CNBC,Monday, 5 Oct 2015 | 1:29 AM (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.cnbc.com/2015/10/05/why-sanctions-against-russia-are-here-for-the-long-haul.html

11-Andre Tartar and Caroline Alexander,Turkey May Find Life Without Russian Gas Easier Said Than Done, Bloomberg,October 12, 2015 — 8:00 AM (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.bloomberg.com/news/articles/2015-10-12/turkey-may-find-life-without-russian-gas-easier-said-than-done

12-Anders Aslund, The only cure for what plagues Russia, The Financial Times, December 17, 2014 6:14 am (تاريخ الدخول 9/11/2015)

http://www.ft.com/intl/cms/s/0/770f73c2-8541-11e4-ab4e-00144feabdc0.html#axzz3qyX8pASm

13-MICHELLE NICHOLS,U.S. says Russia strikes in Syria bolster Islamic State militants, Reuters, World | Thu Oct 22, 2015 11:45pm (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://in.reuters.com/article/2015/10/22/mideast-crisis-russia-usa-idINKCN0SG2EL20151022

14-Barack Obama,President Obama: Our fight against violent extremism

Barack Obama, los Angles Times,17 februray 2015, 8.30 PM

(تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015) februray 2015, 8.30 PM

http://www.latimes.com/opinion/op-ed/la-oe-obama-terrorism-conference-20150218-story.html

15- الظواهري يدعو الجهاديين في سوريا والعراق إلى توحيد الصفوف والتعاون، موقع إذعة فرانس 24، أ ف ب، آخر تحديث: 13 سبتمبر/أيلول 2015 )تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.france24.com/ar/20150913-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%88%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8

16- الكنيسة الروسية: التدخل بسوريا معركة مقدسة. موقع الجزيرة نت،  (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://www.aljazeera.net/news/international/2015/10/1/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A8%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3%D8%A9

17- الزيانى ينتقد تصريحات لافروف حول سوريا، موقع جريدة الراية القطرية، أ ف ب، تحديث: الأحد 25 مارس/آذار 2012, الساعة 3:00 صباحًا بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة، (تاريخ الدخول 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)،

http://raya.com/mob/getpage/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/40fed2ee-d527-45a4-a72e-4317b5db2dd8

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

العملية الإرهابية الأولى بعد التدخل الروسي الحرب تتمدّد أم توقيت إجرامي صرف؟/ روزانا بومنصف

قد لا ينفصل التفجيران الكارثيان اللذان حصلا في برج البراجنة مساء الخميس عن تفسيرين يغلبان لدى المراقبين: التفسير الأول يركز على الموقع الذي استهدفه التفجيران أي برج البراجنة التي تشكل جزءاً من الضاحية الجنوبية بما قد يكون جزءاً متجدداً من الحرب القائمة في سوريا والتي يشارك فيها “حزب الله “مطوراً عملياته من المدن والقرى القريبة من الحدود مع لبنان الى مدن ابعد. وتالياً فان التفجيرين قد يشكلان فصلاً من فصول الحرب الدائرة والتي يشكل انخراط الحزب فيها جزءاً اساسياً منها وان تراجع العمليات المماثلة في المدة السابقة ليس لعدم وجود قرار بالمضي في هذه الحرب، بل لان من يقف وراء هذين التفجيرين أي تنظيم الدولة الاسلامية وفق تبنيه العلني لهما قد وجد ثغرة استطاع النفاذ منها الى الضاحية بعد اشهر من التشدد الأمني على مستوى مناطق وجود الحزب كما على مستوى لبنان من خلال الكشف مسبقاً على خلايا ارهابية عدة خلال الفترة السابقة. وتبعاً لذلك فان توقيت التفجيرين لا يكتسب أي اهمية تتصل بما قد يراه البعض ربطاً باستحقاقات معينة كانعقاد مؤتمر فيينا اليوم مثلاً للبحث في سبل ايجاد حل للحرب السورية أو سوى ذلك من المحطات انطلاقاً من ان العقل الاجرامي لا يربط العمل الذي يعتزمه الا باقتناص الفرصة لتنفيذه، وتالياً لا معنى لهذا التوقيت وفق هؤلاء اللهم باستثناء قدرة من يقف وراءهما على تحين الفرصة المناسبة لتنفيذ العملية الارهابية. اما التفسير الآخر فيرتبط بواقع ان لبنان شأنه شأن الدول المجاورة للدول الغارقة في الحروب والفوضى تصله تداعيات الحرب السورية. وتالياً فان التفجير الارهابي يمكن توقعه في أي لحظة وسبق لتونس على سبيل المثال ان واجهت خلال هذه السنة هجومين ارهابيين كان آخرهما في حزيران الماضي في مدينة سوسه السياحية وعزيت اسباب ذلك الى الفوضى المتفشية في ليبيا المجاورة. وهو الأمر الذي ينسحب بدوره على مصر التي عانت من هجمات ارهابية كان آخرها ما أصابها نتيجة تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء. ولبنان بدوره يدفع منذ بداية الحرب السورية ضريبة مرتفعة متعددة الأوجه.

الا ان ذلك لا ينفي دلالات مهمة لهذه العملية الارهابية المزدوجة من بينها انها العملية الأولى بعد التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية بذريعة محاربة تنظيم الدولة الاسلامية. والمفارقة في هذا الاطار انه فيما سخرت روسيا من عمليات غير ناجحة قام بها لمدة سنة وشهرين حتى الآن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا، فان التنظيم توصل الى توجيه ضربتين بهذا المعنى للجهود الروسية من حيث انها لم تشكل رادعاً حقيقياً ولم تنجح في المهمة التي تقول انها أتت من أجلها. والعملية المزدوجة في برج البراجنة وبعد تفجير الطائرة الروسية التي انطلقت من شرم الشيخ انما تفيد بأن التنظيم لم يعد يقصر ردوده من ضمن الحدود السورية أو العراقية بل وسعها الى خارج حدود هذين البلدين الى مصر ولبنان وان كانت روسيا المستهدف الأساسي في تفجير الطائرة فيما لبنان و” حزب الله” تحديداً مستهدف في تفجير برج البراجنة. وهذا يعني ان التدخل الروسي لم يساهم في تغيير المعادلة التي يقول انه اتى من أجلها بل انه بدلاً من تقليص حجم تمدد تنظيم الدولة فانه يساهم في اتساع هذا التمدد.

ومن بين الدلالات التي لا يمكن تجاهلها ما يصب في خانة الحزب بالذات. فالمواطنون اللبنانيون الأبرياء الذين استهدفوا بالجريمة الاجرامية هم ناسه ومؤيدوه في الدرجة الأولى. وهذه ضربة قاسية له باعتبار ان الحرب لم تعد تقتصر على عناصره الذين يقاتلون في سوريا للاسباب التي يتحدث عنها الحزب بل تطاول المدنيين منهم أيضاً كما حصل قبل سنة ونصف تقريبا. وفي هذه النقطة تحديداً فان العودة الى استهداف المناطق المدنية اليوم هي غيرها قبل اشهر عدة باعتبار ان تطورات كثيرة حصلت وقد بات الحزب اكثر ثقة في الاعلان عن حماية لبنان وليس فقط حماية مناطقه بعد التسوية التي تم التوصل اليها في الزبداني والانتقال من المناطق الحدودية السورية المباشرة مع لبنان والتي تم تأمينها الى العمق السوري. كما سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان اعتبر تطورات الأشهر الأخيرة في سوريا بمثابة خط بياني لانتصار محقق في حين يظهر التفجيران في برج البراجنة ان الحرب مد وجزر وان الأمور أصعب بكثير من الصورة التي يتم تقديمها بها. وقد لفت المراقبين ردود الفعل العفوية والمباشرة التي أبداها سكان المنطقة المستهدفة بعد التفجيرين الارهابيين. اذ ان غالبية هؤلاء هم من بادر الى الاعلان عن النية في الاستمرار في الطريق نفسها نسبة الى دعم الحزب في الدفاع عن مقام السيدة زينب في اشارة الى الصلة لما حصل في رأيهم ولو على نحو غير مباشر بانخراط الحزب في الحرب السورية.

وأياً تكن الدلالات الأخرى التي يمكن ان تظهر فان التفجيرين الأخيرين يتطلبان أكثر من مواقف جامعة تستنكر اللعب بأمن البلد واستهداف الأبرياء. الوضع يحتاج الى حلول جريئة مطلوبة على مختلف المستويات خصوصاً متى كان الرهان على أن الحرب السورية ستنتهي قريباً غير دقيق. وقد يكون ذلك مطلوباً ليس من السلطات فحسب.

النهار

 

 

 

 

هل تكون نتائج التدخّل الروسي في سوريا شبيهة بنتائج التدخّل السوري في لبنان؟/ اميل خوري

هل يمكن القول إن التدخل العسكري الروسي في سوريا شبيه بالتدخل العسكري السوري في لبنان؟ فالرئيس بشار الاسد هو الذي طلب النجدة عندما صار خطر تنظيم “داعش” واخواته يهدد مصيره ومصير نظامه. والرئيس سليمان فرنجيه الذي طلب في الماضي مع قادة مسيحيين دخول القوات السورية الى لبنان لرد هجمات الفصائل الفلسطينية ومن معها على مدن وقرى في جبل لبنان بحيث باتت معرضة للسقوط عسكرياً اذا لم يتم التصدي لها بسرعة. وبعدما وضعت الولايات المتحدة الاميركية القادة المسيحيين امام خيارات صعبة: إما القبول بتدخل القوات السورية، وإما الاستسلام، وإما إحضار البواخر الاميركية لنقل المسيحيين الى خارج لبنان… فكان لا بد من اختيار التدخل العسكري السوري الذي استقبلته مناطق مسيحية بالأرز والهتاف.

وما ان دخلت القوات السورية الى لبنان حتى قصفت مواقع المتقاتلين مسيحيين ومسلمين توصلاً الى وقف اقتتالهم، في حين كان فريق من المسيحيين يظن وهو يرحب بهذه القوات انها ستضرب خصمهم المسلم والفلسطيني. فكانت نتيجة هذا التدخل العسكري السوري ليس حماية لمسيحيين أو مسلمين، انما حماية لمصالح سوريا في لبنان وسياستها في المنطقة بموافقة عربية ودولية وعدم اعتراض اسرائيلي بعدما نالت تل ابيب حصتها من هذا التدخل باخراج الفلسطينيين المسلحين من لبنان الى تونس علّها ترتاح من عملياتهم الفدائية على الحدود اللبنانية المشتركة وداخل اسرائيل. وحدد اتفاق الطائف مدة سنتين لاعادة انتشار القوات السورية في منطقة البقاع، بحيث يتم خلالها وقف اطلاق النار بين الاطراف كافة تنفيذاً لقرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر في 27 نيسان 1989، وتشكيل لجنة من عاهل المملكة المغربية ومن عاهل المملكة العربية السعودية والرئيس الجزائري لحل الازمة اللبنانية وتوفير المناخ الملائم لدعوة اعضاء مجلس النواب اللبناني الى عقد مؤتمر حتى خارج لبنان عند الضرورة لمناقشة الاصلاحات التي يمكن اعتبارها اساساً صالحاً للحوار والوفاق الوطني، وبعد إقرارها والمصادقة عليها ينتخب مجلس النواب رئيس الجمهورية الذي يشكل حكومة وفاق وطني تلتزم وثيقة الاصلاحات السياسية ودعم الحكومة في اتخاذ الاجراءات التي تراها ضرورية لممارسة سيادتها الكاملة على الاراضي اللبنانية، وان تنهي القوات السورية مهماتها الامنية في لبنان خلال مدة اقصاها سنتان، وتتسلم قوات الشرعية اللبنانية مسؤولية الأمن بالكامل، وان تعيد تمركزها في المناطق المحددة في الاتفاق (البقاع الغربي – ضهر البيدر – خط حمانا – المديرج – عين دارة)، واستعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً، ووضع خطة امنية مفصلة مدتها سنة هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجاً على كامل الاراضي بواسطة قواتها الذاتية بعد حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها الى الدولة خلال ستة أشهر، وفتح باب التطوع لجميع اللبنانيين في قوى الامن الداخلي، وتعزيز القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على مواجهة العدوان الاسرائيلي.

لكن القوات السورية لم تخرج من لبنان إلا بعد 30 عاماً مخالفة اتفاق الطائف، وبعد انتفاضة شعبية عارمة عرفت بـ”ثورة الارز”، ولم تحلّ كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، ولا مكنت قوات الدولة الذاتية من بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، ولا تم الانتشار على طول الحدود مع اسرائيل لمواجهة اي عدوان.

فهل تكون نتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا شبيهة بنتائج التدخل العسكري السوري في لبنان الذي اخضعه لوصاية دامت 30 عاماً، وتولت سوريا اختيار رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات والوزراء ووضع قوانين انتخابية لمصلحة المرشحين المؤيدين لاستمرار هذه الوصاية، ما يجعل سوريا من حصة روسيا في عملية تقاسم النفوذ في المنطقة؟

لقد نُقل عن مصدر “في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية” ان روسيا تخطط لاحتلال بعيد المدى في سوريا، سواء لمحاولة تقسيمها أو لمنع تقسيمها، خصوصاً بعد قيام روسيا بنقل مزيد من الجنود والعتاد الحربي الى قواعد ومطارات جرى احتلالها وسط سوريا، مع قول روسيا ان تدخلها مرهون بالحرب على الارهاب، وحدَّد مسؤولون عسكريون فيها مدة اربعة أشهر لانهاء المهمة.

لكن ثمة من يرى أن وضع روسيا في سوريا هو غير وضع سوريا عندما تدخلت عسكرياً في لبنان، وكان تدخلها يحظى بتأييد عربي واقليمي ودولي. فهل يحتاج حل الازمة في سوريا الى ما يشبه اتفاق الطائف الذي توصل الى حل الازمة في لبنان، فيتم اولاً وقف الاقتتال وتمكين اللاجئين السوريين من العودة الى وطنهم ليشاركوا في الانتخابات الرئاسية والنيابية عند اجرائها بعد تشكيل حكومة وفاق وطني تنتقل اليها كل الصلاحيات ولا يعود معها مبرر لبقاء الاسد في الحكم.

الواقع ان اي حل للازمة السورية لا يمكن تنفيذه إلا بعد وقف الاقتتال كما جرى في لبنان، سواء بقوات سورية داخلية او بقوات خارجية.

النهار

 

 

 

 

سماء متفجّرة/ منير الخطيب

أدمت رسالة «داعش» الجويّة مصر. وتناثر حطام الطائرة الروسية فوق كل مطارات العرب والمسلمين. كشف دوي الانفجار عن هشاشة أمنية محلية، وفضح الريبة الدولية في أجهزتنا، ولو كانت تتدرّب في أحضان الغرب منذ عشرات السنين، وأن التنسيق مع الدول الغربية في المجال الأمني والعسكري يسير على طريق باتجاه واحد، مثله مثل التعاون المالي والاقتصادي، تبعية وتفريط وانكشاف.

تفجير الطائرة، وجّه رسالة من مطار عربي، مفادها أن لا سماء آمنة بعد اليوم. الطائرة التي هوت في سيناء، كان من الممكن أن تسقط في لندن أو في باريس. والطائرة الروسية كان من الممكن أن تكون أميركية أو يابانية. انتقلت الحرب الروسية على «داعش» الى ساحات جديدة. تستدعي أن تحلق الميراج والفانتوم والتورنايدو الى جانب السوخوي، لا الاكتفاء بحصار المطارات المصرية. فبهذا الحصار يكون التنظيم الإرهابي قد حقق نصراً بلا عناء.

الدولة المصرية، وبرغم استقرارها النسبي وانتظام عمل مؤسساتها لا تحتمل خسارة معركة مع الارهاب، ولو بحدود نجاح الأخير في اختراق أمن مطار مصري، ولو بقي قادة «حماس» في السجون. اختراق كهذا يُفشِل النظام، ويسحب الثقة من الجيش المصري، ومن مؤسسة الرئاسة القائمة على إمساكها بالأمن على حساب أي قضية أخرى.

اهتزاز الثقة بمؤسسات القاهرة، انكشف بوضوح مع الطريقة التي تعاملت بها الدول الكبرى معها، إذ تبيّن أنها لا تعتبر الأجهزة الأمنية المصرية محترفة بما يكفي لتبادل التنسيق الأمني معها، ولو بحدود إخبار عن رصد مكالمة بين معتوهين في سيناء والرقة السورية، ما تسبّب بتأخير الكشف عن ملابسات الجريمة الجوية.

كان من الممكن احتواء تفجير الطائرة بقدر قليل من التداعيات السلبية، واعتبار شرم الشيخ أو «مدينة السلام» الأكثر حماية على الأراضي المصرية، خاصرة رخوة عبرت من مطارها عبوة الى متن طائرة بضربة حظ. وكذلك كان يمكن أن تكون الخسارة الروسية البشرية بهذا الحجم أمراً مبرراً، لكون الساحل البحري اكتشفه الروس أو السوفيات أيام عبد الناصر، وهم الذين بنوا منتجعاته الاولى التي تحوّلت في ما بعد الى مصيف ومشتى للضباط الروس الذين تقاعدوا وسكنوا فيه وأسسوا جاليات كبيرة، إلى أن احتلته إسرائيل وحدّثت فنادقه بما يتناسب ورغبات المستوطنين. وبالتالي لا تخرج الكارثة عن إطار الحادثة الطارئة والمنعزلة، برغم فداحتها.

إن عدم الثقة الاوروبية والاميركية والروسية التي تبدت في التنسيق مع مصر، حوّل الكارثة مشروع وباء يهدد العالم. وقد حصل ضغط لتبديل إجراءات التفتيش والتدقيق في المطارات، ليصل الأمر إلى حد فرض نوع من الانتداب على المعابر العربية. وكأننا أمام «لوكربي» جديدة تستهدف مصر بحصار مالي وقانوني يغرقها للعقود المقبلة، خصوصاً أنه بات من السهل اعتبار العرب والمسلمين «داعشيين» محتملين مزروعين في كل مكان. فبعد تفجير الطائرة، هجوم على مركز عسكري في العاصمة الأردنية قضى فيه ستة بينهم أميركيان. السماء متفجّرة، والأرض خارجة على السيطرة. حدود الفوضى على الخريطة العربية تتسع يوماً بعد يوم، لدرجة قد يتحول الانخراط الروسي في الحرب على الارهاب الى تفصيل ميداني محدود، ولو ساهم بانتصارات واضحة في الميدان السوري. «التوحّش» مرجّح للاستمرار والتمدد، وخروج مصر عن مسار الاستقرار، تأبيد للقتل والفوضى.

السفير

 

 

 

 

 

 

 

الطريق إلى الحرب الروسية في سورية/ سالم لبيض

يكاد يكون فهم ما يجري في سورية من حرب إقليمية ودولية من خارج اللغة الطائفية ومنطقها العفن أمراً عبثياً، فقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية نجاحاً باهراً منذ احتلالها العراق سنة 2003 في جعل الطائفية مفتاحاً سحرياً، يستخدم في تفسير وتأويل النزاعات العسكرية والديناميكيات السياسية التي يعرفها الوطن العربي، بما في ذلك المناطق الخالية من الطوائف، حيث يقع إعداد أرضية فكرية وأيديولوجية تستند إلى ما هو مذهبي سني أو أباضي في انتظار ميلاد جماعة شيعية منظمة، وإذا استعصى الأمر على لعبة الطائفية فغالباً ما يُستبدل بالعامل الإثني- المذهبي، كما وقع في غرداية في الجزائر، أو بالمعطى القبلي، كما هو الشأن في ليبيا.

ويعتبر تغيير اتجاه الثورة اليمنية، وانتفاضة فقراء اليمن، إلى حرب طائفية أخرى بين فريق سني تقوده المملكة العربية السعودية، بمسمى التحالف العربي، وتقاتل باسمه، وآخر شيعي يسمونه الحوثيين ويكنّي نفسه حزب أنصار الله مدعوم من إيران الدولة التي تتبنى رسمياً المذهب الشيعي، على الرغم من تنوع مذاهب شعوبها، مثالاً صارخاً على تفشي هذه الآفة الثقافية والمذهبية والدينية القاتلة للمجتمعات، والمدمّرة لحضارتها ولاجتماعها وعمرانها، عندما تُساء إدارتها وتوظف في لعبة المصالح السياسية.

ولم يكن كثيرون من عامة الناس يعلمون ما دوّنته مراكز البحوث والدراسات العربية والأجنبية منذ عقود حول البنية المجتمعية العربية وتركيبتها الدينية والمذهبية والإثنية والقبلية الهشّة المتشظية والمتشعّبة، فقد مرّت مئات السنين على هذا التعايش العبقري بين مكونات الأمة والحضارة الواحدة التي تجتمع لغةً وديانةً وتاريخاً مشتركاً، حتى وهي موزعة سياسياً على أكثر من دولة وكيان. وهذه المكونات هي مصدر ثرائها وقوتها وعنفوانها، فإذا بها تتحول إلى عامل وهنها وضعفها ومولّداً للفرقة والدم وتصفية الأفراد والجماعات وتفكيك الدول والمؤسسات والجيوش والعمالة للأجنبي والدفاع عن الاستعمار علناً، بدون خشيةٍ أو أدنى حياء، بعد أن كان ذلك جرماً وإثماً، يعدّ من كبائر الذنوب، فلا يغتفر أبداً.

هذا هو المستنقع الجديد الذي أسنت مياهه وعفنت، لكن ذلك لم يمنع الثقافة السياسية العربية الرسمية المعاصرة من أن تشرب منه حتى الثمالة، فيسري في عروق الحكومات والدول العربية التي انقسمت وتحالفت على تلك القاعدة المذهبية الميتا- وطنية.

وقد بلغ هذا الأمر أوجه عندما تسرّب إلى أروقة جامعة الدول العربية التي ترأسها يوماً المرحوم عبد الرحمن عزام باشا (1873-1976) عند تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية على أنها بيت للعرب أجمعين ودولهم الخارجة حديثاً عن هيمنة الاستعمار الأوروبي، فإذا بها تتحول إلى بيت مرجع الإيواء إليه هو المذهبية والطائفية المنتصرة.

سنوات طويلة مرّت على العرب، شعوباً ودولاً وحكومات، من دون أن يحتكموا في علاقاتهم

“سنوات طويلة مرّت على العرب، شعوباً ودولاً وحكومات، من دون أن يحتكموا في علاقاتهم السياسية إلى الروابط المذهبية والطائفية” السياسية إلى الروابط المذهبية والطائفية، فقد كانت القومية العربية والوطنية القُطرية كمصدر للشرعية أكبر قوة وأشدّ تأثيراً. ولمّا انهارت الأنظمة الوطنية والقومية أو أطاحتها قوى عالمية متجبّرة ونافذة، فُتح الطريق على مصراعيه أمام الأنظمة ذات المرجعيات الدينية والطائفية وسلطة المفتين والأئمة والمشائخ التي لم تستطع أن تصمد كثيراً، قبل أن ينهار سلطانها بسرعة في تجارب عدّة ناشئة.

ومن هذه الزاوية فقط، يمكن أن نفهم الحرب الدائرة رحاها على الأراضي السورية ومختلف المراحل التي مرّت بها، وما انتهت إليه من دخول قوى دولية جديدة حلبة الصراع، بعد أن كان أمر المنطقة حكراً على الولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي وحلفائهم العرب التقليديين، مشكّلة حلفاً جديداً يقوده، هذه المرّة، الدب الروسي الذي انجذب سريعاً إلى رائحة الدم، معلناً قيادته المعارك العسكرية، تدعمه كل من الصين وإيران كقوى دولية لا تخفي مناهضتها أو منافستها الولايات المتحدة.

وللتذكير فقط، قضى النظام السوري سنوات طويلة حليفاً رئيسياً للدول العربية المحافظة بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر، حتى أنه اشترك معها في الحرب على العراق (17 يناير/كانون ثاني إلى 28 فبراير/شباط 1991) ضمن حلف الـ 39 دولة لتحرير الكويت حسب ما أُعلن وأُشيع آنذاك. كما انخرط النظام نفسه بعد ذلك في مؤتمر مدريد للسلام، نتيجة مباشرة لمشاركته في الحرب العالمية على العراق، بحضور إسرائيل في نوفمبر/تشرين ثاني 1991، وهو المؤتمر الذي رعاه الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأب، وشارك النظام السوري في مفاوضاته من أجل الصلح مع الدولة العبرية، وإبرام معاهدة معها مثيلة لمعاهدة كامب ديفيد المصرية – الصهيونية سنة 1979، وقبل توقيع اتفاقية وادي عربة الصهيونية- الأردنية سنة 1995. وقد انتهى مسار مدريد إلى الفشل الذريع، وإلى حقيقة مُرّة أدركها السوريون بالفعل، بعد أن كانوا يعلمونها بالقوة، وهي أن الصهاينة لا يريدون الانسحاب من أرض الجولان التي احتلوها سنة 1967، كما انسحبوا من سيناء، ولو كان ذلك بشروط مذلّة، وإنما يبتغون تحقيق وصفتهم المبجّلة المعروفة بـ “السلام مقابل السلام”، بدلاً من “السلام مقابل الأرض”، بما في ذلك غلق سورية مخيمات التنظيمات الفلسطينية الوطنية والقومية والإسلامية.

وقف السوريون على سراب السلام المزعوم مع إسرائيل الذي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية، وأقنع به الرئيس المصري حسني مبارك نظيره السوري حافظ الأسد، وهو ما أدى إلى تراجع السلطات السورية عن هذا الاتجاه، مع صعود بشار الأسد إلى كرسي الرئاسة، خلفاً لوالده بداية من سنة 2000 فجاءت نتائجه عاجلة بأن رفضت سورية الانخراط في الحرب الأميركية على العراق واحتلاله وتفكيك الدولة العراقية، وحلّ جميع مؤسساتها بداية من سنة 2003، غير أن نتيجة الحرب كان لها منحى آخر، تمثل في بداية تغير التحالفات السورية، بعد اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق سنة 2005، وإجبار الجيش السوري على الخروج من لبنان بأشهر قليلة بعد تلك العملية، في اتجاه إقامة علاقات استراتيجية مع إيران، ودعم حزب الله في حرب يوليو/ تموز 2006 ودعم حركة حماس الإسلامية وتسليحها، لاسيما في حرب غزة لسنة 2008- 2009، والانفتاح على النظام العراقي الجديد المُهيمَن عليه من آيات الله، والمدعوم في الوقت نفسه من إيران والولايات المتحدة الأميركية، على ما في ذلك من مفارقة.

ولا يمكن بأي حال فهم خفايا هذه الحرب الدائرة اليوم في سورية، وفق منطق التحليل والتأويل

” الربيع السوري

لم يجهضه فقط بشار الأسد والدولة السورية بوصفها من يحتكر العنف المشروع، وإنما أجهضته القوى المحافظة العربية والدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية” الذي كان سائداً سنة 2011 على ما كان يمتلكه من قوة وشرعية آنذاك، والاقتصار على ما جدّ في ذلك الوقت من حراك شعبي، أراد أصحابه تحويله إلى ثورة تسقط النظام البعثي الحاكم، وإقامة ديمقراطية تعددية ليبرالية على الشاكلة التونسية، أو حتى المصرية. فذلك الحراك لم يستطع أن يتحول إلى مجرد انتفاضة، ناهيك أن يكون ثورة شعبية مدنية وسلمية محددة الأهداف ومكتملة الأركان. ولم يجهضه فقط بشار الأسد والدولة السورية بوصفها من يحتكر العنف المشروع، كما هو شأن أي دولة، وفق النظرية السياسية لرائد علم الاجتماع، الألماني ماكس فيبر، وإنما أجهضته القوى المحافظة العربية والدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الملتقية آنياً مع تركيا الإسلامية –الأردوغانية، حليفة الدولة العبرية منذ سنة 1949، والعضو في الحلف الأطلسي، وذات المطامح العثمانية الجديدة. التقطت هذه القوى لحظة استعمال النظام السوري العنف ضدّ المحتجين للتدخل مباشرة في مجريات الأمور على الشاكلة الليبية تماماً. علماً وأننا لم نقرأ يوماً في المصنفات التاريخية والسوسيولوجية للثورات عن ثورة تدعمها الدول الاستعمارية القديمة أو الجديدة أو القوى والدول العربية المحافظة التي لم تخف توجسها وخشيتها من الثورة التونسية، أو المصرية، بوصفها الأصل في الثورات والانتفاضات العربية، ناهيك عن مقاومتها وإجهاضها ثورات عربية تقليدية، وأخرى في أماكن شتى من العالم.

أُجهض الحراك السوري في اليوم الذي تبنته القوى الدولية التقليدية وحليفاتها العربية، فموّلته وسلّحته وتولّت أمره أجهزتها الاستخباراتية، بعد أن استحدثت له غرف عمليات خاصة، فجنّدت له كل المرتزقة من العالم للقتال بمقابل من أجل إطاحة نظام الأسد. وقد انطلت الحيلة على فريق واسع من الشباب العربي، اعتقدوا أن سورية هي أرض جهاد، فكانوا لقمة سائغة استخدمتها تنظيمات الإسلام السياسي والمجوعات التكفيرية للقتال في معركةٍ، توهموا أنها معركتهم، والحال أنها معركة قوى دولية وإقليمية، لها مصالح استراتيجية وإرادات هيمنة كامنة ومعلنة، تنزع إلى تغيير المعطيات الجيو-سياسية للمنطقة برمتها.

أين الخلل، إذن، بعد تفكيك طبيعة الصراع وخفايا الأمور في الحرب السورية، في دخول الروس على الخط في لعبة المصالح والرهانات والسيطرة على الشعوب والثروات التي لم تختف يوماً من العلاقات الدولية، وإنما تغيرت أساليبها وأدواتها وبعض مظاهرها؟

فإذا كان الأمر يتعلق باحتلال روسيا سورية، فإن المنطقة برمتها تعيش تحت الهيمنة الأميركية

“دول المنطقة برمتها تعيش تحت الهيمنة الأميركية والغربية، ولا توجد دولة واحدة تمارس سيادتها على أراضيها وأجوائها وبحارها، وتمتلك قرارها الوطني بالكامل” والغربية، ولا توجد دولة واحدة تمارس سيادتها على أراضيها وأجوائها وبحارها، وتمتلك قرارها الوطني بالكامل. وإذا كانت روسيا قادمة لحماية مصالحها في سورية، و”الشرق الأوسط” ككل، فقد سبقتها في ذلك الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة. وأخيراً، إذا كانت روسيا مكلّفة بالقيام بدور موكل إليها من أميركا، كما يروّج بعضهم، فإن النقاش برمته سيصبح ساذجاً وغير مقنع بالمرّة في هذه الحالة، والافتراض الممكن بدل ذلك أن روسيا استطاعت دخول لعبة الكبار، منذ تدخلها في أوكرانيا، وضمها شبه جزيرة القُرم، من دون أي ردّ فعل من الولايات المتحدة وحلفائها، كما وقع في الكويت سنة 1991، لأنها باتت قادرة على ذلك، بعد أن فرضت شروطها، فأصبحت مقبولة في ناديهم الذي اعتاد، منذ زمن طويل، توزيع الريع بمعناه السياسي والاقتصادي والمالي.

وبالتالي، تبدو أغلب الحجج التي يُحاجج بها النظام السوري اليوم من خصومه ومناوئيه في الاستنجاد بـ”الدب” الروسي لحماية نفسه والاستمرار في السلطة ضعيفة، ويغيب عنها التماسك الداخلي والتماهي مع الوقائع الخارجية، بل إن حجّته تبدو أكثر قوة، إذا كان يستثمر في التدخل الروسي، لإعادة الأراضي السورية السائبة والمدوعشة إلى سلطة الدولة المركزية في دمشق. أما الدول التي تحاججه وتدينه، بسبب دعوته دولة أجنبية لكي تحميه، موفراً لها قواعد عسكرية، فقد كانت الأسبق في الاستنجاد بقوى خارجية، ومنحها مواطئ قدم عسكرية على أراضيها، في أيام الحرب والسلم على حدّ السواء.

لم تعد المسألة تتعلق ببقاء نظام الأسد من عدمه، لأن الأمر يبدو أنه حُسم في أروقة القوى الكبرى، بعد التضحية بآلاف الشباب “المؤمن المتدين من أنصار الإسلام السياسي” في جبهات القتال، وبعد استنزاف الدول العربية الغنية في ثرواتها وأموالها لصالح شركات تصنيع الأسلحة، وإنما باتت تتعلق بإعادة تشكيل الخارطة السياسية العربية، ومن ورائها لعبة الثروة والهيمنة. والأمر لم يعد مختلفاً لدى عرب كثيرين في أن يكونوا تُبعاً للإمبريالية الأميركية، أو “للإمبريالية الروسية”. أما قضايا التحرر والاستقلال والسيادة والنهضة والوحدة والتقدم، فإنها مجرد مصطلحات فقدت دلالاتها ومعانيها، في ظل غياب المشروع العربي، أو حتى من يمثّله، فلا حاجة لمزيد من “فلكلرة” القيم السياسية العربية الجميلة، وإفراغها مما تبقى فيها من محتويات.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

مسار الحلّ في سوريا تُمسك بناصيته موسكو/ قاسم عزالدين

العملية العسكرية الروسية في سوريا هي نتيجة تحوّل كبير في موازين القوى الدولية بين تحالف واشنطن من جهة، وبين ما يمكن تسميته بالتحالف المعادي للهيمنة الأميركية من جهة أخرى (روسيا، الصين، إيران، المقاومة، «البريكس»..) فالإدارة الأميركية التي تستدير شرقاً من الأطلسي إلى الهادئ، تنجرّ في حقيقة الأمر تحت ضغط متغيرات فعلية أنتجتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، التي بدّلت مراكز الثقل بين الطرفين في ركائزها الاقتصادية والسياسية والديموغرافية.. والحربية أيضاً (الاتجاهات العالمية ــ 2030، وكالات الاستخبارات الاميركية الـ16، 2013). فما يُتهم به باراك أوباما لناحية كونه «متردداً وضعيفاً» في سوريا، هو نتيجة ضعف قدرات الولايات المتحدة الفعلية في الهيمنة العسكرية التي لا يُشبع تراجعها جِرَاء الذئاب وسَرْحاناتها. وما كان يُعرف باسم «باكس امريكانا» في زعامة واشنطن العالمية، انتقل في ثقله الأساس من التدخّل العسكري المباشر إلى ثقل تعظيم ايديولوجية الديموقراطية الاميركية (أشكال متعددة من أنواع السلطة الفيدرالية والتوافقية والانفصالية بموازاة إلغاء دور الدولة وجغرافيتها السياسية السابقة)، التي تلبي بشكل أو آخر مصالح وطموحات الطبقات السياسية الحاكمة في غالبية البلدان.

في هذا السبيل تخوض الولايات المتحدة حروبها عبر قوى محلية وإقليمية تدافع عن مصالحها الخاصة المرتبطة بمنظومة النموذج المعولم، فتدافع لذلك بحميّة أشدّ عن توسّع واشنطن و «الحلف الأطلسي» بالوكالة. فروسيا التي تراءى لها الانضمام الى «الحلف الأطلسي» في مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي تسود فيها ايديولوجية اللحاق بركب النموذج، اصطدمت بأن واشنطن تغيّر أشكال التوسّع الامبريالي، لكنها لا تغيّر تقاليد الانتقام من دولة هزمتها في الحرب كهزيمة الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة أو هزيمة المانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ولم تحارب واشنطن غريمتها وجهاً لوجه، إنما استندت إلى أوروبا الغربية وإلى دول المحيط الحيوي الروسي مطيّة في توسّعها. هذا التوسّع استند تحديداً إلى توسّع «الديموقراطية» الاميركية عبر الاتحاد الاوروبي في بلدان أوروبا الشرقية وفي «رابطة البلدان المستقلّة»، واستند أكثر إلى التحاق هذه الدول بالنموذج النيوليبرالي فيما يُسمى «شراكة» هذه البلدان مع أوروبا (فتح الاسواق والتجارة والاستثمار). وفي هذا الاطار من «الانفتاح» الاقتصادي والحيوسياسي، توسّع «الأطلسي» بنشر الدرع الصاروخي في المجر وتشيكيا ثم اتجه إلى بلغاريا وبولندا والى اذربيجان وجورجيا في القوقاز، وفي هذا السياق قفزت واشنطن فوق الاتحاد الأوروبي في انقلاب أوكرانيا حين ركلت فيكتوريا أولاند الاتحاد الاوروبي في قولها الشهير «فلتذهب أوروبا إلى الجحيم».

روسيا المكلومة في يوغوسلافيا السابقة والعراق، وقت حوّلتها هزيمة الانهيار السوفياتي إلى «خرقة» في أيدي مافيات النهب والدعارة، أُسقٍطَ في يدها الليبية برغم «استفاقة بوتين» في «مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي 2007». فهي التي أرغمها توسّع «الأطلسي» على التدخّل العسكري في جورجيا وفي القرم، لا تتصل بثقافة العودة إلى الحرب الباردة. إنما تقوم ثلاثيتها القويّة (الكنيسة، والحركة القومية، وطبقة رجال الأعمال) على العودة إلى خاتمة الحرب العالمية الثانية في التوافق مع الغرب على «يالطا» بحسب بوتين، وعلى إدارة الشؤون الدولية في مجلس الأمن. فهي تتقاطع مع واشنطن وأوروبا كدولة ريع وطاقة في نموذج السوق الحرّة، لكنها تتنافس من داخل النموذج كدولة يعتمد ثقلها الجيوسياسي على القوّة العسكرية وعلى تراث ثقافي وديني قابل لجذب الأقاليم إلى اليابسة من بين أنياب «عدوانية الجزر والمحيطات»، وفق مقولة أبو النظرية الأوراسية (ألكسندر دوغين، روسيا والفكر السياسي في القرن الحادي والعشرين، منشورات آرماغنا، باريس، 2012). فقواعد الاشتباك بين الطرفين لا تصل بهما تحت سقف النموذج إلى معركة كسر عظم في أوكرانيا أو في سوريا، لكنها لا تصل بهما أيضاً إلى اتفاق على توزيع الأدوار كما يُشاع بشأن التدخل الروسي في سوريا، إنما تجري معاركهما في حدود العض على الأصابع داخل مجرى من التنافس محدود عمقه واتساعه مسبقاً في المدى المنظور على الأقل.

ففي هذا المسار، تتيح واشنطن هامشاً من حرية التحرّك أمام سلطات حلفائها لحماية نفسها بنفسها، كما تتيح هامشاً من حرية التحرّك لقوى مناهضة السلطات في إطار تجديد هواء السلطة. وعلى هذا التحوّل عدّلت الإدارة الأميركية «الشراكة الاستراتيجية» الأميركية ــ الخليجية (روزفلت ــ عبد العزيز في بحيرة المرّة، 14/ 2/1945) في اتجاه حمايتها من عدوان خارجي من دون حمايتها من مخاطر سياساتها الداخلية وخياراتها الإقليمية (قمة كمب ديفيد مع زعماء الخليج بغياب الملك سلمان احتجاجاً، 14/5/2015). وهو متغيّر يمتد إلى إسرائيل أيضاً كما عبّر الاتفاق النووي بغير شروط «السلام» والمرور إلى الغرب ذهاباً وإياباً، بحسب الاستراتيجية الاميركية السابقة في «الانفتاح» على الدول العربية. لكن هذا الهامش لا يُطلق حرية حلفاء واشنطن في «كعم» خطوطها العريضة لزعامة التحالف، كما حاولت تركيا في إنشاء حديقتها الخلفية في سوريا، التي تراها واشنطن «تمرّداً» تركياً يتجاوز خيارات الزعامة لخريطة الجغرافيا السياسية في سوريا والمنطقة، أو حين أوقفت واشنطن «انفتاح» الحكومة العراقية على موسكو ولا سيما في طلب الضربات الجوية الروسية التي تراها واشنطن فوق السقف المتاح لحليفها العراقي. في المقابل، تنسج موسكو على المنوال نفسه مع حلفائها ومع حلفاء واشنطن أيضاً. في هذا الصدد، ذهب الكرملين في خيوطه مع حلفاء واشنطن إلى التفاهم مع السعودية (ومن خلفها واشنطن) لتمرير قرار تفويض السعودية في حصار اليمن براً وبحراً وجواً وفي حرقه بالطائرات، كسابقة في تفويض بلد من خارج مجلس الأمن بمهمة عدوانية، هي حكر على أعضائه «في حماية الأمن الدولي». وكان من المفترَض أن تبادل السعودية موافقة موسكو على «تضحية استثنائية» بـ «مشاركة» موسكو في مسعاها للحل في سوريا، مقابل الاعتراف الروسي بالسعودية كدولة إقليمية مسؤولة. لكن السعودية ظنت أنها تأخذ بوتين بـ «مكيدة بدويّة» قابلة لتكرار «عاصفة الحزم» في سوريا، أو حتى يمكن شراؤه «بالبخشيش».

أُرغمت موسكو على التدخل العسكري في سوريا بعدما انقطعت بها السبُل مع واشنطن وحلفائها بحثاً عن حلّ يوقف «تهديد أمنها القومي»، بحسب تعبير بوتين ــ مدفيديف. وهذا الأمن القومي لا يقتصر في سوريا على احتمال عودة الآلاف من المقاتلين إلى المحيط الحيوي الروسي فحسب، إنما هو أساساً إصرار واشنطن وحلفائها على تغيير موقع سوريا الجيو ــ سياسي في استدارة كاملة نحو الغرب وقطع الطريق على موسكو في المتوسط وفي المنطقة العربية. وكذلك قطع الطريق عليها في غاز الساحل السوري و «الأنبوب العربي» (القطري ــ السعودي…) وفي مدّ أنبوب روسي آخر من سوريا إلى أوروبا لا يقيّد موسكو بتركيا. فضلاً عن ذلك تتخوّف روسيا من سقوط سوريا في أيدي تحالف واشنطن التركي ــ السعودي ــ القطري، ما يزيد الخلل في المنطقة العربية لمصلحة واشنطن التي لن تفوّت فرصة التوسّع ولا سيّما عبر تركيا (بامتداداتها السورية) إلى القوقاز والقرم.

دخول موسكو «لحماية أمنها القومي» في سوريا، لا يتحمّل تفريطها بسلطة الأسد وما بقي من «مؤسسات الدولة» ولا سيما الجيش والأمن. في هذا الأمر تتباين موسكو مع واشنطن التي تذهب مع حلفائها إلى المراهنة على وضع سوريا تحت وصاية دولية ــ إقليمية لإدارة «المرحلة الانتقالية» (مؤتمر دولي على أساس جنيف) في اتجاه تغيير النظام وموقع سوريا بترميز «رحيل الأسد». لكن موسكو تتقاطع مع واشنطن في مسعى التوازن «بين المكوّنات» في سوريا ضمن ما يُسمّى «وحدة الأراضي السورية» بحسب «الإنجاز» الاميركي في العراق الذي يوصف أيضاً بالمحافظة على وحدة الاراضي العراقية بل يوصف بالانتقال «الديموقراطي» وعلمانية الدولة وسيادتها.. إلخ ففي العراق بات الإقليم الكردي أمراً واقعاً. وإلى جانبه تسعى واشنطن إلى إنشاء إقليم في شمالي سوريا تأمل أن تتبناه «المعارضة المعتدلة» (الجماعات المتنافسة مع «داعش» بما فيها «النصرة» وحلفاؤها) بدعم من الحلفاء، للسيطرة على منطقة «الاقليم السني»، كما تأمل في الأنبار ونينوى في العراق. غير أن هذه المعضلة دونها حواجز قد يدخل تجاوزها في حقل المعجزات. أهمها أن هذه الجماعات التي تعوّل عليها واشنطن في تغليب الصراع على السلطة وعلى النفوذ مع «داعش»، يغلب عليها الصراع مع النظام السوري للوصول إلى «داعش» لاحقاً كما أقرّ اوباما في تفسير تلاشي معارضته الخاصة التي بقي منها 4 ـ 5 عناصر. فهي أقرب إلى التحالف الميداني مع «داعش» (وربما الجبهوي أيضاً) في نقل المعارك من الشمال إلى «سوريا النافعة» في مواجهة روسيا وحلفائها. والمهم الآخر في معضلة واشنطن هو تباين ذي شأن مع حلفائها التركي ــ السعودي ــ القطري التي تغذي جماعاتها المسلّحة وتتمايز مصالحها المباشرة في سوريا (الأنبوب العربي والزعامة العربية في وجه إيران) عما يمكن أن تساوم عليه واشنطن بشأن إمساك موسكو بناصية السلطة في سوريا.

تركيا ذهبت بعيداً في المراهنة على تغيير موقع سوريا في إسقاط النظام، فبات التراجع أكثر كلفة من المضي قدماً في سوريا أملاً بالاستناد إلى موقع عربي يتيح لها توسّع النفوذ والمصالح في المنطقة العربية، ويتيح لها التوجّه شرقاً كما يتيح الاستناد على امتدادات تفتح لها طريق الغرب. والسعودية التي تصارع إيران في سوريا واليمن والعراق تعويلاً على منع تمدد النفوذ الإيراني في «أمن الخليج»، دخلت في مسار إقليمي يُفضي تراجعها عنه إلى ارتدادات عنيفة، قد يكون أشدّها انفجار تيارات «القاعدة» و «داعش» في السعودية. بيد أن موسكو الساعية إلى تسوية إقليمية مع واشنطن تتوازن فيها اليد الروسية في سوريا مقابل اليد الأميركية في العراق، لا تستطيع «وحدها هزيمة الإرهاب» (بوتين) إنما تستطيع نقل المعركة إلى المنطقة من العراق إلى انقرة واليمن والرياض وربما أبعد، ولكل شيء آفة من جنسه.

تحت سطح الحمم الملتهبة التي تحرق المنطقة، بركان هائج نتيجة زلزال كوني يعصف بمنظومة الدول والحدود والسياسة والجغرافيا الوليدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فالاحتراب بين القوى الإقليمية في «إدارة النزاعات»، تعويلاً على الهروب من حمم البركان لا يذهب بعيداً.

السفير

 

 

 

 

“منهج تسوية” روسي للأزمة السورية

قبل أيام من انعقاد اجتماع فيينا الثاني، والذي يناقش المجتمعون فيه موضوع الأزمة السورية، في ظل غياب جميع الأطراف السورية عنه، تناقلت وكالات الأنباء اقتراحاً روسياً بعنوان “منهج لتسوية الأزمة السورية” مؤلفاً من ثماني نقاط تتمحور حول اتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة على عملية إصلاح دستوري تستمر لغاية 18 شهراً، ويتبعها انتخابات رئاسية.

وبحسب الـ”منهج” الروسي المقترح، فإنه يتوجب على “مجلس الأمن الدولي” اعتبار تنظيم “الدولة الإسلامية” وعدد من الجماعات “المتطرفة”، تنظيمات “إرهابية”، بما يدعم الجهود المناهضة للتنظيم، ويوفّر إطاراً قانونياً للتعاون بين المشاركين في عمليات “مكافحة الإرهاب”. ويؤكد الـ”منهج” الروسي على ضرورة استبعاد العمليات ضد التنظيم وغيره من “الجماعات الإرهابية” عن أي وقف لإطلاق النار.

من جهة ثانية، يدعم الـ”منهج” إعادة إطلاق العملية السياسية، وفق بيان “جنيف-1″، وتحت إشراف المبعوث الخاص للأمم المتحدة، بشرط أن يكون وفد المعارضة مستعداً للمشاركة في منع “الإرهابيين” من الوصول إلى السلطة، وضمانة الطابع “العلماني” للدولة السورية.

وتدعو روسيا في مبادرتها المقدمة الأطراف السورية إلى إطلاق عملية إصلاح دستوري، تمتد لفترة أقصاها 18 شهراً، بما يضمن التوازن العادل لمصالح وحقوق كافة الجماعات العرقية والطائفية في مؤسسات الدولة، على أن يتم تشكيل لجنة دستورية تضم جميع أطياف المجمتع السوري، وتقدّم مشروع الدستور الجديد في استفتاء شعبي. وفي حال الموافقة على الدستور المقترح، يتم اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتؤجّل انتخابات مجلس الشعب، المفترض عقدها في ربيع عام 2016 المقبل، بحيث يتم اجراؤها تزامناً مع الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وتقترح المبادرة نقل السلطة التنفيذية إلى الحكومة السورية التي يتم تشكيلها على أساس الكتلة الحاصلة على غالبية الأصوات الانتخابية، في حين يتولّى الرئيس المنتخب مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة، إضافة إلى السيطرة على الخدمات الخاصة والسياسة الخارجية للدولة.

ونفت وزارة الخارجية الروسية الأنباء عن وثيقة الحل الروسي، وقال مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا لا تملك وثيقة خاصة بتسوية الأزمة السورية ولكنّها تبادلت مع المشاركين في اجتماعات فيينا “عدداً من أفكارنا قد تكون مفيدة كونها مادة لمناقشات مقبلة حول كيفية بدء عملية سياسية”، مؤكداً أن الموقف الروسي يعتبر أن أي عملية سياسية يجب أن يقودها السوريون أنفسهم، معتبراً القرار حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد بيد الشعب السوري.

ورداً على الوثيقة الروسية المزعومة، أعلن عدد من المعارضين السوريين، وأعضاء من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، رفضهم لها، معتبرين أن هدف موسكو هو الإبقاء على الأسد و”تهميش صوت المعارضة”.

واعاد وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، تأكيد موقفه، بالقول إنّه إن لم يرحل الأسد عن السلطة سلمياً فسيتم ذلك عسكرياً. وقال السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت، إن “الخطة الروسية لن تكون محور المحادثات المقررة في فيينا التي تهدف إلى الاتفاق على خارطة طريق لإنهاء الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات”.

من جهة ثانية، قالت وزارة الخارجية الروسية، إن الوزيرين سيرغي لافروف وجون كيري، شدّدا على ضرورة إقناع الأطراف السورية بالبدء في الحوار، وذلك في اتصال هاتفي بينهما. وأعلنت طهران عن عدم مشاركة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، في اجتماع فيينا المقبل، الذي سيبحث اختيار أسماء “وفد موحد” لتمثيل المعارضة السورية في مفاوضات مع النظام حول عملية سياسية انتقالية.

وفي الوقت الذي أعلن فيه بوغدانوف، أن روسيا تنتظر من شركائها والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، اقتراحاتهم حول قائمة “الإرهابيين”، طالب “الائتلاف الوطني” مجلس الأمن، بإدراج المنظمات “التي تمولها إيران لإرتكاب جرائم القتل والتعذيب في سوريا”، على قوائم “الإرهاب الدولية”، مؤكداً أنّه سيلاحق مرتكبي هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية.

المدن

 

 

 

منطقة الرأس المقطوع/ غسان شربل

اذا ثبت ان «داعش» هو من فجر الطائرة الروسية فلا غرابة في الامر. من يرتكب مذبحة الايزيديين يرتكب مذبحة من هذا النوع. ومن يقطع رؤوس المسلمين من ابناء العشائر التي رفضت مبايعته يقطع رؤوس سياح وافدين من بلاد لينين وبوتين. ومن يعدم على الارض يعدم في الفضاء. اذا ثبت ان «داعش» هو المرتكب تكون سياسة الرأس المقطوع دخلت مرحلة ابعد واخطر.

للمكان دلالاته وللزمان مغازيه. انها محاولة لقطع رأس السياحة المصرية. القطاع الذي تراهن الحكومة المصرية عليه كمصدر للعملات الاجنبية ومصدر رزق لحشد من المصريين العاملين في هذا القطاع والمنتفعين منه. وقطع رأس امن المطارات في مصر لا يقطع رأس السياحة وحدها بل يصيب الاستثمار معها. وقطع راس الاقتصاد المصري على هذا النحو محاولة صريحة لقطع رأس برنامج السيسي وعهده. يزيد الضربة ايلاما ان مصر يصعب ان تحصل الآن على السخاء الذي حصلت عليه من اصدقائها غداة اطاحة «حكم الاخوان».

لا خيار امام السيسي غير متابعة الحرب على الارهاب. وهي في الحقيقة مكلفة وصعبة خصوصا ان مصانع الارهاب في ليبيا المستباحة تعمل بكامل طاقتها. لكن الحرص على مصر يفرض القول ان العملية السياسية التي تواكب الحملة الامنية تستحق وقفة تامل ومراجعة. يستحق انقاذ مصر بذل محاولات جديدة لاستقطاب من لم تتلوث ايديهم بالدماء من انصار الحكم السابق. يستحق انقاذ مصر بذل جهود اكبر لفتح النوافذ واختراق الكتلة الاخرى والتحاور مع من يبدي استعدادا للمراجعة ايضا.

اختيار الطائرة الروسية هو ببساطة محاولة لقطع رأس الاطلالة التي سجلها فلاديمير بوتين على مسرح الشرق الاوسط بتدخله العسكري في سورية. انها محاولة لتسديد صفعة للقيصر وبلاده. رسالة راعبة حملت للجثث المتناثرة. ارغمت الضربة بوتين على اتخاذ قرارات مزعجة لصديقه السيسي وبينها الهروب الروسي الكبير من شرم الشيخ. ولا غرابة ان يشعر السيسي بالمرارة بعدما ذهب بعيدا في تفهم السياسة الروسية في سورية وملاقاتها.

جاء بوتين لمقاتلة الارهابيين في سورية كي لا يضطر الى محاربتهم داخل الاتحاد الروسي او على اطرافه. ها هم يوسعون الحرب. من يضمن غدا سلامة السائح الروسي هنا او هناك؟ ومن يضمن سلامة السفارات الروسية في الدول الرخوة؟ ها هو ابو بكر البغدادي يعامل روسيا والروس كما عامل اسامة بن لادن اميركا والاميركيين. بتدخلها في سورية انتزعت روسيا من اميركا لقب «الشيطان الاكبر».

لا يستطيع بوتين الخضوع لعمليات قطع رأس هيبة «الجيش الاحمر». سيواصل ما بدأه وقد يزداد غرقا. تكاليف حربه اكبر بكثير مما توقع سيد الجواسيس. لا يستطيع اقتصاده مجاراة الاقتصاد الاميركي في احتمال النزيف. لهذا يبدو مدعوا الى مراجعة باكرة. عليه اخراج بلاده سريعا من الحريق السوري وباطفائه. يحتاج الى الرجل الخبيث المتردد الذي الذي رفض ادخال اصابعه في الجمر السوري. يحتاج الى باراك اوباما والدول الاقليمية المؤثرة. يحتاج الى ما يتجاوز براعات لافروف ومتعته في نصب الكمائن وتعميم الالتباسات.

لن نعلق كل شيء على شماعة «داعش» رغم خطورته واهواله. هذه اصلا منطقة الرأس المقطوع. قطع المستبدون رؤوس شعوبهم والدساتير. حولوها قطعانا مثخنة. قطعت الاستخبارات رؤوس الحكومات والبرلمانات والاحزاب والنقابات. قطعت الرقابة رؤوس الاعلام والاعلاميين. قطع الفساد رؤوس المواطنين. التهم الاقتصاد وافترس الارض ومن عليها. قطع التعليم المتخلف رأس مخيلة الطلاب والسنتهم ووزعهم محبطين وخانعين ومتسولين ولاجئين وانتحاريين.

منطقة الرأس المقطوع. قطعت الفتنة رأس الوحدة الوطنية. قطع الاحتراب الاهلي رأس الدولة. قطعت المليشيات رأس الجيوش. قطع الارهابيون والمتدخلون رأس الحدود الدولية. قطع المغامرون رؤوس الخرائط. قطعت «الاوطان الصغيرة» رأس الوطن الذي حقنوا اوردتنا باناشيده.

لسنا في الطريق الى الهاوية اننا نقيم فيها. هذا ليس حطام الطائرة الروسية. انه حطام الشرق الاوسط. ليتنا نلمح فكرة تنقذ. ليتنا نسمع صوتا يدل على الطريق. فشلنا في اقامة دولة طبيعية. كشفت العاصفة عمق تخلفنا وعجزنا ووطأة قيودنا. لم يأت مسلحو «داعش» من القمر. جاؤوا من توحش منطقتنا ومجتمعاتنا.

الحياة

 

 

 

الخليج وروسيا والأسد/ شملان يوسف العيسى

من الصعب على المحلل السياسي فهم ما يدور في المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص من متغيرات متسارعة خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا تحت غطاء محاربة (داعش) لكنها واقعياً تقصف مراكز المعارضة السورية الممثلة بـ«الجيش الحر». إن بقاء الأسد ليس حتمياً أو ما يطلق عليه في الغرب المعارضة المعتدلة نجدها اليوم تغير موقفها، وتعلن في الوقت الذي دعت فيه موسكو أقطاب المعارضة والنظام للحوار في موسكو.

دول الخليج العربية التي تدعم المقاومة السورية وجدنا المسؤولين يزورون روسيا الواحد تلو الآخر. دول الخليج الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة تحاول التقرب من موسكو، بينما إيران حليفة موسكو في الدفاع عن النظام السوري، والتي تسعى لتثبيت النظام الاستبدادي والدفاع عنه، نجد طهران تنتقد روسيا وتعلن عن عدم رضاها عن الموقف الجديد لموسكو الذي أعلنت فيه بأن بقاء الأسد ليس حتمياً.

القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري يشكك بموقف روسيا تجاه مستقبل الأسد متهماً إياها بالبحث عن مصالحها في سوريا حيث صرح لوكالة فارس الإيرانية بأن الرفيق الشمالي (يقصد روسيا)، الذي جاء أخيراً إلى سوريا للدعم العسكري يبحث عن مصالحة وقد لا يهمه بقاء الأسد كما نفعل نحن. وأعلن أن إيران لا ترى أي بديل للأسد، وأن هذا موقف المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري. البعض لا يفهم هذا ويتحدث عن بديل للأسد.

أمير دولة قطر أكد دعم الصمود الأسطوري للشعب السوري، وأكد أن قطر تعزز التعاون مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التغيرات الإقليمية والعالمية. الفوز الأخير لحزب «العدالة والتنمية» في تركيا يقوي الموقف القطري- التركي الذي يدعم المقاومة السورية وتحديداً مجموعة «النصرة».

فرنسا والولايات المتحدة بدأتا تعززان قواتهما في البحر المتوسط، فقد بعثت فرنسا حاملة الطائرات شارل ديجول للمنطقة، وروسيا بدورها بعثت حاملة مروحيات لدعم العمليات الهجومية للقوات النظامية السورية. في الوقت الذي تعلن فيه واشنطن أن 85 – 90 في المئة من الغارات الروسية استهدفت المعارضة المعتدلة.

السؤال الذي علينا طرحه هل كل هذه التجمعات العسكرية في المنطقة من قوى عالمية وإقليمية ومحلية سيصب في النهاية لمصلحة الشعب السوري المغلوب على أمره، أم أن هنالك مخططات دولية جديدة تسعى لتمزيق دول المنطقة. كل الأطراف التي تتدخل في سوريا اليوم تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوري دون الأخذ في الاعتبار بشاعة التخريب والتدمير والقتل والتشريد والتهجير القسري للشعب السوري.

هنالك توافق دولي بعد مؤتمر فيينا لإيقاف الحرب ومحاولة إيجاد حلول سلمية للمعضلة السورية.

الإتحاد الاماراتية

 

 

 

روسيا والفخ السوري!/ علي حماده

خمسة أسابيع على العدوان الروسي على سوريا، والأرض لا تتغير بل ان ريف حماة يشهد تقدماً لفصائل المعارضة على حساب قوات بشار الأسد التي لم تستطع التقاط فرصة دخول روسيا على خط الصراع الميداني مباشرة لتحقيق تقدم ملموس على الأرض. حتى إن الإيرانيين يعانون في مختلف الجبهات ولا سيما في مناطق حلب مع “جبهة النصرة”. اما ميليشيا “حزب الله” فقد توقفت عند “انجازات” محدودة جدا، لا بل انها بخسائرها الفادحة التي تجاوزت ألفاً وخمسمئة قتيل، وخمسة آلاف جريح بالكاد قادرة على الاحتفاظ بالمواقع التي احتلتها في القلمون وفي محيط العاصمة دمشق.

والواضح ان روسيا التي تقصف بكثافة مختلف المناطق المحررة من سوريا منذ أكثر من شهر غير قادرة على احداث تغيير دراماتيكي على الأرض، ومن هنا فإنها تقف اليوم عند مفترق طرق مهم: اما ان تكتفي بالعدوان بشكله الحالي، وإما ان تتورط اكثر عبر ارسال قوات على الأرض للاشتراك في القتال مباشرة تعويضاً عن ضعف قوات بشار الفاضح، وعجز ميليشيات إيران المتنوعة. فهل تقدم موسكو على الخطوة الكبيرة اي توسيع العدوان ليشمل انزال آلاف الجنود الروس على الأرض، وتعريض الجيش الروسي لتجربة تستعيد مأساة احتلال افغانستان قبل ربع قرن؟

المشكلة ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الساعي الى استعادة مجد غابر من خلال اعادة انتاج سياسة توسعية في الخارج تقوم على استخدام القوة على الأرض، مثلما فعل في جورجيا، وأوكرانيا والآن في سوريا، غير قادر على التعويل على قدرة بشار على الاستمرار طويلاً. فالنظام مهترئ، وما تبقى من الجيش والميليشيات التي أسسها على هامش الجيش وصل الى أدنى مستوياته القتالية منذ انطلاق الثورة في آذار ٢٠١١. هذا الواقع قد يدفع الروس الى التورط اكثر من أجل حجز مقعد متقدم لبشار على طاولة المفاوضات المنتظرة! فلا يكفي أن يحارب الروس والإيرانيون مكان النظام لكي يثبتوا انه قابل للحياة وجزء من مستقبل سوريا. الحقيقة أن سوريا تغيرت وكل جيوش العالم لا يمكنها أن تعيدها الى ما قبل آذار ٢٠١١. اكثر من ذلك نحن نزعم أن بشار انتهى منذ وقت طويل. وانه يستحيل على إيران وروسيا ان تبقياه جزءاً من مستقبل سوريا، وعلى الرغم من تراجع الأوروبيين والأميركيين عن موقفهم الحاسم من بشار وبطانته منذ بدء العدوان الروسي.

بناء على ما تقدم، لا يرجح ان يعقد مؤتمر دولي في فيينا قريباً، فموسكو غير متحمسة له الآن بعد ان لمست حدود قدراتها في الصراع على الأرض في سوريا. وهي مضطرة لان تعمل جاهدة لتغيير المعادلة على الأرض قبل الانتقال الى طاولة المفاوضات، مما “يبشر” بشتاء دموي.

قصارى القول، ان روسيا وصلت اليوم في سوريا الى حافة الوقوع نهائياً في الفخ السوري. والمعيار هو تورطها في الحرب البرية من عدمه.

النهار

 

 

 

 

لماذا لم يقرأ الغرب الخطاب الروسي؟!/ محمد العبدالجادر

في مارس 2014 قام الرئيس فلاديمير بوتين بخطابه الحماسي ووصفه بالتاريخي أمام مجلس الدوما بعد دخول القوات الروسية شبه جزيرة القرم، وما سمي بعد ذلك الأزمة الاوكرانية، حيث شدد الرئيس بوتين في ذلك الخطاب على حق روسيا بالتصرف والتدخل العسكري وعقد مقارنات بدخول الولايات المتحدة، والغرب عسكريا في جبهات بالعالم، وأشار الى أن الولايات المتحدة والغرب طبقَّا سياسة حكم السلاح في إشارة إلى منطق «القوة» الذي أصبح يحكم السياسة الخارجية وليس القانون الدولي.

وأطلق على «الربيع العربي» «شتاءً» (في قراءة خاصة للمنطقة)، وأكد أنه لا يخشى على روسيا من الحرب الباردة في تحد للتهديد بالعقوبات الاقتصادية. فروسيا تعتبر خامس اقتصاد في العالم وتملك جيشا قويا، وقدرةً على صنع سلاح متطور.

العودة الى هذا «الخطاب» مهمة، لسبب أن الغرب والولايات المتحدة لم يقرآ محتوى الخطاب ومضمونه. فمنذ هذا الخطاب وروسيا تتصرف بموجب قراءتها للأحداث وهي موجودة بشكل مباشر، وهو ما أكده التدخل العسكري في سوريا رغم الانزعاج الغربي وتبعات هذا التدخل الذي أجبر الجميع على الجلوس في طاولة مفاوضات «فيينا» وفرض وجهة النظر الروسية وبغض النظر عن النتائج ومن الخاسر والرابح في هذا الملف الشائك والمأساة التي كبّدت الشعب السوري أكثر من 250 ألف قتيل والملايين من المشردين واللاجئين في بقاع الأرض، وتصدير هذه المحنة الى أوروبا وإطالة أمد النزاع العسكري، وعدم وضوح الحل السياسي، وفي الوقت الذي تتزامن فيه انتقادات لاذعة تتعرض لها الإدارة الأميركية الحالية في تعاملها مع الازمة السورية، وتجلّى ذلك في جلسة الاستماع في الكونغرس الاميركي منذ فترة، حيث أحرج وزير الدفاع وقيادته العسكرية بخصوص سياستهم في سوريا، وبدا واضحا أن حلفاء أميركا السابقين يرون تردد الموقف الأميركي. لقد أخطأ الغرب قراءة مضمون «خطاب» بوتين الذي يمثّل السياسة الخارجية الروسية، وبموجب الصحف الغربية أصبح الرجل الأكثر تأثيراً في العالم! وعادت المنطقة اليه من خلال زيارات القادة والفاعلين المهمين بالأحداث، فقد فرض الرجل أجندته على الغرب، فزاره الشرق بكل متناقضاته!

القبس

 

 

 

 

موسكو وضريبة الإمساك بالأسد/ مصطفى فحص

توهم السوفيات أن بتدخلهم الحاسم في أفغانستان، وتحقيقهم السريع لأهدافهم السياسية والعسكرية، أن انتصارًا تاريخيًا للشيوعية يلوح في الأفق! ولكن سرعان ما تبدد هذا الوهم بعدما تكشفت الوقائع الحقيقية للمشهد الأفغاني الذي واجهوه. واليوم لم يستغرق التدخل الروسي في سوريا الكثير من الوقت حتى اصطدم بالواقع السوري الصعب والمعقد، الذي سيفرض عليهم التخلي مبكرًا عن أوهام الانتصار السريع الذي روّج له في الأيام الأولى لتدخلهم العسكري، فكما دفع السوفيات ثمن الإمساك بالورقة الأفغانية، وحماية النظام الذي نصبوه في كابل، فإن الكرملين بدأ يستشعر الكلفة الباهظة لتدخله المباشر من أجل حماية ما تبقى من نظام البعث، مدركًا أنه قد يدفع ثمنًا كبيرًا جراء إصراره على الإمساك منفردًا بورقة الأسد.

كان على السوفيات أن يزجوا بقرابة 120 ألف جندي من أجل تثبيت النظام السياسي الجديد في كابل، وتأمين ما يقارب 80 في المائة من الأراضي الأفغانية في سنوات الغزو الأولى، ولكن سرعان ما تحول هذا الانتشار العسكري الواسع إلى أداة لمعاقبتهم من قبل الخصوم، وهذا ما تحاول موسكو عدم تكراره في سوريا، إذ تتجنب إرسال المزيد من جنودها، وتبذل جهودًا من أجل احتكار ورقة الأسد على طاولة المفاوضات، بمنأى عن حجم تدخلها العسكري، لكي لا يكون الثمن الذي ستدفعه من أجل إمساكها به أغلى من الثمن الذي ستجنيه من المساومة عليه.

على الرغم من ضآلة الفرص بتضييق الفجوة بين مواقف الدول المشاركة في اجتماعات فيينا، فإن فكرة التخلي عن الأسد وجدت طريقها إلى أروقة صناع القرار في موسكو، وبات الخلاف معها على تفاصيل كيفية خروج الأسد من السلطة وتوقيته، وهو بند خلافي بين الدول كفيل بإيصال المحادثات إلى حائط مسدود، إلا أن طهران واجهته برفض قاطع، حيث لم تستطع ضبط مواقفها تجاه المرونة المفتعلة التي أبداها حليفها الروسي، ما دفع المستشار العسكري لمرشد الجمهورية، الجنرال رحيم صوفي، إلى تذكير الجميع بأن إيران هي من تقود الحرب في سوريا، أما قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري، فقد وجه انتقادات قاسية ومباشرة لروسيا جراء تلويحها بإمكانية القبول برحيل الأسد، حيث قال: «إن الرفيق الشمالي الذي جاء مؤخرًا إلى سوريا للدعم العسكري يبحث عن مصالحه، وقد لا يهمه بقاء الأسد كما نفعل نحن، ولكن على أي حال هو موجود الآن هناك، وربما مجبر على البقاء (حرجًا) أو لأسباب أخرى»، اعتبار الجنرال جعفري أن موسكو مجبرة على البقاء في سوريا، هو تأكيد على انزلاقها الفعلي في الصراع السوري، وإشارة إلى صعوبة انسحابها منه أيضًا. الحرج الذي أوقعت موسكو نفسها به بالنسبة لجعفري، هو أنها ليست وحدها من يمسك بورقة الأسد، وإذا أرادت أن تثبت عكس ذلك، عليها الانخراط بقوة وبحجم يفوق الانخراط الإيراني الميداني، وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية، التي فشلت في تحقيق أهدافها بعد أكثر من 40 يومًا على انطلاقها.

الإمساك بالأسد يتطلب المزيد من التأثير الروسي بكلفة اقتصادية سياسية وعسكرية عالية تتجنب موسكو دفعها، وقد باتت في مواجهة عاملين؛ الوقت الذي بدأ يؤثر على موقفها، والأرض التي تزيد من صعوبتها، وما بينهما من رغبة إيرانية ضمنية في تعثرها، ورهان دولي على عدم استطاعتها الاستمرار طويلاً في تدخلها، ما سيدفعها إلى القبول بتسوية، تقبل فيها بالحد الأدنى من شروطها، وتفضي في النهاية إلى رحيل الأسد. قبل أن يفضي الواقع الميداني إلى تحولات عسكرية تضع حدًا لاندفاعها، ويكشف محدودية ضغطها على قيادة النظام في دمشق، فتقع بين خيار الإمساك بورقة الأسد، وخيار الإفلات من الإمساك بها في سوريا، وهي تعلم جيدًا الصعوبة الناجمة عن إقرارها بالفشل أو التراجع، لأن دفع ثمن طموحاتها لن ينحصر على موقعها في سوريا، بل إن ارتداداته الداخلية لن تكون أقل من ارتدادات الحرب الأفغانية.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى