صفحات سوريةفايز ساره

بانتظار معجزة سورية جديدة!/ فايز سارة

 لا بأس ربما هو زمن المعجزات السورية! هذا هو الواقع الذي أكدته التطورات منذ انطلاقة ثورة السوريين في آذار 2011، وكانت الثورة أولى تلك المعجزات. إذ لم يكن ليصدق أحد بأن السوريين يمكن أن يثوروا على نظام، دخل وتغلغل في كل تفاصيل حياتهم مستخدماً كل الأساليب والطرق، التي تكفل له سيطرة شاملة على حياتهم ومستقبلهم، وعمل على ترتيبها وفق رؤيته عبر تنظيمات وأدوات، تبدأ من الطلائع إلى الشبيبة، واتحادات الطلاب والنساء والعمال والحرفيين ونقابات المهندسين والأطباء والمحامين، وصولاً إلى الحزب القائد تحت رعاية الجهاز الأمني والجيش العقائدي، حيت تشاركت تلك التكوينات في العمل على تدجين السوريين وتطويعهم، لكنها أثبتت فشلها في مواجهة انفجار الثورة رغم نحو خمسين سنة من حكم البعث وفيها أربعين عاماً من حكم العائلة، فجاءت الثورة لتطالب بالحرية والكرامة، فكانت معجزة سورية مميزة.

وثمة تفاصيل في المعجزة، لا تقلّ أهمية عن روحها، منها أن السوريين الذين أطلقوا ثورتهم السلمية في وجه نظام مدجج بالسلاح وبروح القتل والإخضاع، استمروا شهوراً يواجهون الموت والاعتقال والدمار بصدور عارية و بصورة سلمية، تحمل رغبة عارمة بتغيير حياتهم ومستقبل بلدهم نحو الأفضل. وأضاف السوريون تفصيلاً آخر، هو استمرار صمودهم أكثر من عامين ونصف في وجه النظام وسياسته الدموية، التي خلفت كوارث، تركت وتترك بصمات ثقيلة على حاضر ومستقبل السوريين وبلادهم.

وصمود السوريين بثورتهم، إنما كان أساسه حشد هائل من الشباب والكهول من نساء ورجال، ظهروا في بداية الثورة في أرياف ومدن سورية، حاملين روح الوطنية السورية، وشعارات الوحدة الوطنية ساعين الى قيم الحرية والكرامة والديمقراطية والتنوير، التي عمل النظام على تغييبها من حياتهم ومن ثقافتهم المتداولة طوال عقود، وإحلال نقائضها من ثقافة الاستهلاك والخضوع والاستزلام والتبعية والشك وتعميم الفساد، وروح الانقسامات العرقية والدينية والطائفية المدمرة، وتجاوزوا اختلال توازنات القوة مع نظامهم الذي حظي إضافة إلى إمكانياته وقدراته الكبيرة بدعم سياسي وعسكري ومادي من حلفاء بينهم روسيا وإيران وحزب الله اللبناني ومليشيات أبو الفضل العباس العراقية، مقابل دعم محدود للشعب السوري قدمتها دول “أصدقاء الشعب السوري”، وتقصير من المجتمع الدولي في دعم نضال السوريين من أجل الحرية والديمقراطية والدفاع عن النفس.

غير أن المعطيات، التي أحاطت بثورة السوريين، دفعت إلى ظهور وقائع جديدة، كان من أبرزها إلحاق خسائر كبيرة بالشعب السوري وقدراته البشرية والمادية في ظل عجز عربي ودولي عن تقديم مساعدات كافية تدعم قدراته القليلة، واستطاع النظام بفعل المساعدة السياسية والمادية والعسكرية من حلفائه الروس والإيرانيين وأدواتهم الحفاظ على وجوده واستمراره بسياسة القتل والتدمير والتهجير.

وسط تلك المعادلة ووسط الإحباط الناجم عن الموقف الدولي في مساعدة السوريين، أخذ التطرف القومي والديني ينمو مع توافد قيادات وعناصر القاعدة إلى سوريا، وكان من ثماره ظهور جبهة النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام اللتين لم تكونا بعيدتين في تكوينهما وفي توجهاتهما وممارساتهما عن تدخل مباشر وغير مباشر من جانب النظام وحلفائه الإقليميين والدوليين، وهذا يتجاوز فكرة الاتهام السياسي إلى وقائع باتت معروفة ومتداولة، لعل الأبرز فيها الدور الذي لعبه النظام في إطلاق مئات من المتشددين من سجونه، والعلاقة التي نسجتها أجهزته مع كادرات المتشددين، وامتناع النظام عن ضرب مراكز تواجد جماعات التطرف المعروفة والظاهرة، وسماحه لعناصرها بالتسلل حتى إلى المناطق المحاصرة من قواته، إضافة إلى الإمكانات المادية والتسليحية، التي تتوفر لهما من مصادر حليفة للنظام وخاصة من العراق وإيران، وتركيز عمليات تلك القوى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وقيامها بالتصادم مع قوات الجيش الحر وتشكيلات الثوار، ومحاولاتها إرباك الحياة في تلك المناطق سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

لقد عجزت النخبة السورية والسياسية منها على وجه الخصوص في القيام بدورها القيادي في الثورة في المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، وبقيت معظم ممارساتها في ترداد الشعارات، دون أن تضع رؤية سياسية للواقع في مساره نحو تغيير النظام وما سوف يصير إليه بعد التغيير، ولا استطاعت أن توظف الطاقات والقدرات التي أفرزتها الثورة، ولا عملت على استثمار البيئة والتأييد الدوليين، اللتين ولدتها الثورة من أجل خلق وقائع جديدة تؤدي إلى انتصار قضية الشعب السوري ومطالبه في الحرية والكرامة.

السوريون وسط ظروف صعبة ومعقدة خلاصتها انتقال نظامهم إلى هجوم واسع على الشعب والثورة مستغلاً نمو التطرف الديني وترديات الواقع المعيشي وتدهور أوضاع المعارضة وانقساماتها، وفي ظل تراجعات كبيرة في الموقف الدولي وميل لتفاهمات مع النظام بدأت مع الملف النووي والضغط من أجل تسوية سياسية بلا ملامح واضحة، يقفون أمام تحدي معجزة جديدة، تأخذهم نحو إنهاء مأساتهم الإنسانية ومعالجة مشاكلهم السياسية والعسكرية في مواجهة نظام القتل والدمار والتهجير ومواجهة التطرف والانتقال نحو نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين وفق خريطة طريق مناسبة. فهل تحدث مثل هذه المعجزة؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى