صفحات سورية

عن الحساسيّة الطائفية في خطاب الشيخ العرعور

 


حمزة رستناوي

بالتأكيد لعبت قناتي وصال و صفا و الشيخ العرعور دورا من الصعب تقديره بدقّة في التحريض على الاحتجاجات المناهضة للسلطة السوريّة .

و لكّني لا أميل لتضخيم هذا الدور و جعله الفاعل الأبرز في الحراك الاحتجاجي, و توصيف الشيخ العرعور بألقاب مثل” مفتي الثورة السوريّة..الخ”.

فهذا الحراك الاحتجاجي وليد ظروف موضوعيّة أساسها انغلاق الأفق السياسي و حاجة الإنسان السوري- و كل إنسان- للحرية و العدالة و احترام آدميّته.

و شرارة الاحتجاجات في درعا جاءت في سياق حادثة محدّدة تخص اعتقال أطفال و طريقة تعامل السلطة المحلّية مع ذويهم وجهاء درعا..الخ

و كذلك ثمّة سياق عربي عام لحركة الاحتجاج السوريّة بدأت شرارته من تونس

كل هذه الأسباب تنفي أي دور أوّلي للشيخ العرعور أو الفضائيات و من يدور في فلكهم, فهؤلاء لم يكونوا مسئولين عن اندلاع شرارة الاحتجاجات و ما تلاها كفاعلين أساسيّين. و لكنّهم فاعلين بالتأكيد ضمن و في حيّز ما.

و لكن أي حدث سياسي – و ضمنا الحدث السوري- هو ظاهرة معقّدة تتداخل فيه الداخلي بالخارجي, السياسي بالاقتصادي بالعقائدي بالاجتماعي, و من العُسف بمكان تصوير الفاعلين السياسيين فيه و المؤيدين له بأنهم ملائكة و أنبياء.

نحن نتكلم عن تحالف مُعلن أو غير مُعلن- متجانس أو غير متجانس- ما يجمع المشتركين به هو الرغبة و العمل إسقاط النظام القائم , و عدا ذالك ثمّة اتجاهات و رؤى و اجتهادات مختلفة و متنوّعة.

*لم أكن من متابعي قناتي وصال أو صفا , و قبل حوالي ستة أشهر قمت بحذف

عشرات القنوات الدينيّة و التبشيرية – سواء كانت سنّية أو شيعيّة أو مسيحيّة – من مفضلة جهاز التحكم الخاص ,كونها في المجمل تقدّم خطاباً مضى عصره أو خطابا لا يساعدنا على تجاوز و تفهّم مشاكلنا.

و لم أكن قد سمعت بالشيخ العرعور بعد , و لكن مع اندلاع حركة الاحتجاجات في سوريا , و ما هي إلا أسابيع قليلة حتى بدأ نجم الشيخ العرعور بالظهور و التداول, مما إضطرّني إلى متابعته و على مدى أسبوع كامل كي لا أتكلّم عن أمر لا أعرفه , و لدراسة مصالح الخطاب الذي يعرضه.

*ما لفت انتباهي هو أنّ العرعور يقدّم خطابا يتسم بالبساطة و القدرة على التأثير على غير عادة المثقّفين السوريين و ضمنا كاتب هذه السطور, مستفيدا من المخزون الثقافي الديني , خطاباً تحريضيّا على الاحتجاج مستفيداً من ذاكرة الكبت المزمن التي عاشها السوريون و على مدى عقود.

* ما لفت انتباهي أيضاً الغياب لأي صيغ طائفية صريحة أو تحريضا ً على غير المسلمين أو الأخوة العلويين, و كذلك تمحور خطابة – على المستوى الظاهري على الأقل – حول الحرّية و العدالة و ثقافة التعايش في الإطار العام .

و لكن هل يمكن الركون لذلك و القول أن الشيخ العرعور يقدّم خطابا وطنيّا يتّسم بالاعتدال ؟

إجابتي: لا

فالرسالة التي يقدّمها الشيخ العرعور لا يمكن عزلها عن السياق السياسي للصراع السنّي الشيعي , و قناتي وصال و صفا هما الجبهة السنّية من في هذه المعركة تقابلهما قنوات شيعيّة أخرى . و هذا الصراع ما هو إلا تعبير عن صراع سياسي إيراني سعودي على النفوذ و هو صراع ذو أبعاد دوليّة , الايديلوجيا هي أحد مرتكزاته.

و الخطاب الإعلامي للقناتين و الشيخ العرعور , ينظران للشأن السياسي السوري من هذا المنظور تحديداً ,ينظران لسوريا كمنطقة نفوذ فارسي شيعي يجب استعادتها.

و هذا يعقّد المسألة , بدلاً من المساهمة في حلّها, يربطها بصراعات خارج حدود سوريا و ينقلها من صراع سياسي قابل للحل إلى صراع عقائدي تاريخي غير قابل للحلحلة و التسوية.

*سأفترض سوري ينتمي للأخوة في الطائفة العلوية أو الدرزية أو الإسماعيلية أو المرشدية أو المسيحية أو الإلحادية يتابع الشيخ العرعور كيف سينظر إلى خطابه؟

و كيف سيستقبّل عبارة تظهر على الشريط السفلي لشاشة القناة من قبيل ” فضيلة الشيخ عدنان العرعور أسد السنّة” ؟!

بداهة العرعور رجل دين يقارب السياسة من منظور ديني سنّي , و في النتيجة هذا المنظور الديني هو منظور فئوي لا يشمل كل السوريين؟ مع كل الاحترام للأخوة المسلمين السنّة, و بما لا ينفي وجود مناظير أخرى ضمن السنّة أنفسهم.

فالبعد العقائدي هنا يمارس فعلا جاذبا ً لمراكز القوى خارج الوطنيّة السوريّة, و يمارس فعلا نابذا للوطنيّة .

سوف يتساءل الكثيرون من هؤلاء السوريين عن وجهة نظر الشيخ العرعور في قضايا مثل الحريات الاجتماعيّة و الحسبة و حريّة الاعتقاد و دين و مذهب رئيس الدولة …الخ و هي قضايا لا يمكن فصلها عن أي مشروع سياسي وطني.

إنّ نقدي السابق لا ينطلق من أرضيّة وصاية على أحد, بالتأكيد فلكل إنسان الحق بالاعتقاد بما يشاء” لا إكراه في الدين” وأن يحب من يشاء من رجال الدين و غير رجال الدين , و له الحق أن يتابع ما يشاء من فضائيات دينيّة و غير دينيّة.

و ما أركّز عليه هو أن مصالح هذا النمط من الخطاب كالذي يعرضه الشيخ العرعور أو القنوات الدينية السنّية و الشيعيّة لا يخدم المشروع السياسي المستقبلي لسوريا كدولة مدنيّة ديمقراطية أساسها المواطنة المتساوية , و لا يخدم المطالب العادلة للحراك الاحتجاجي في سوريا .

و كذلك ما أركّز عليه أيضا أن الصيغة التي يعرضها الشيخ العرعور ما هي إلا فهم معيّن للإسلام السنّي , ضمن فهوم أخرى أقل أو أكثر صلاحيّة من بعضها البعض.

و مقياس صلاحيّتها توافقها مع مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة الأساسيّة( حفظ النفس- العقل- الدين- النسل- المال) , و كذلك نجاحها في تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية , و مواطنة سياسيّة شرطها الحرية و أساسها العدل و احترام حقوق الإنسان ” و لقد كرّمنا بني آدم”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى