الطائفية والثورة السوريةصفحات مميزة

عن الطائفية في سورية


إياس الحوراني

مع بداية الثورة كان من الواضح أنها حركة مدنية تسعى لتحقيق آمال كل الشعب السوري في الحياة الأفضل التي يستحقها, ولكن, ومع بعض الوقت أخذ كثيرون يعيبون على الثورة ارتباطها بالمساجد كنقاط انطلاق للمظاهرات الأسبوعية, ثم مالبثت أن نشأت حالة من الاصطفاف الطائفي حول الثورة, فبت قادراً على معرفة موقف أي سوري من الثورة بارتياب لا يتجاوز العشرة في المئة بناءً على طائفته, وبدأت الحالة المدنية الجميلة التي كانت ملتقى حقيقياً لكل السوريين تتلاشى أمام ظهور الطائفية الحديثة التي ظهرت بداية في زوايا الثورة وثناياها, ثم ما لبثت أن تصدّرت واجهتها حتى بات الخوف من تقسيم البلاد أشد من الخوف من بطش النظام, وهي إحدى انعكاسات الصراع السني الشيعي في المنطقة, والذي وجد نتيجة الخوف الغربي أو الأمريكي بالذات من المشروع الإيراني النهضوي, والذي كان من غير الممكن التصدي له بالطرق التقليدية المعروفة, فكان الحل الأمثل ضرب القوى المختلفة في المنطقة بعضها ببعض من خلال صراع طائفي سني – شيعي, تكون القوتين الأساسيتين فيه إيران كقوة شيعية تتبع ولاية الفقيه من جهة, ودول الخليج وعلى رأسها السعودية كحامل لواء الدين الإسلامي المرتبط بالقبيلة والعشيرة من جهة أخرى, وساعد على إيجاد مبررات لهذا الصراع وجود أقليات شيعية في الدول الخليجية, والفضائيات المموّلة والمدعومة من الحكومات, والتي اتخذت على عاتقها فضح ما أسموه (التزوير الشيعي لأصول الدين والشريعة), والتفنيد في كتبهم والتبرير والتسويق لفتاوى تجيز مقاطعتهم ومحاربتهم.

ولمّا كان المجتمع السوري حديث العهد بالتفكير الطائفي, فإنه من الطبيعي أن يكون حملة هذا الفكر في سوريا هم المغالون في التعصب, وهم نفسهم الذين تعصبوا للسلاح منذ بداية الثورة, وظهروا لاحقاً كبعض (العصابات المسلحة) المنضوية تحت لواء الجيش الحر, أو بشكل أدق المتذرعة بوجود الجيش الحر لتنفيذ أجندات الدول الداعمة لها, وهم في الغالب من الشباب السوري المتأثر بالفكر التكفيري أو السلفي, و اختلاف هذه الفئة لا يمكن أن يقتصر على الطائفة العلوية كأقرب مكون سوري للشيعة (على الرغم من وجود الكثير من الاتهامات المتبادلة بين بعض فرق الشيعة والعلويين), بل يمتد ليشمل باقي مكونات المجتمع السوري على اختلاف دياناتها, فمن لم يكن كافراً في نظرهم يكون مطالباً بالإقرار بولايتهم كجزء من أسس إقامة دولة إسلامية على الأراضي السورية.

دائما للإعلام دور كبير, ولم يعد خافياً على أحد أن الضخ الإعلامي الرهيب الذي شاركت فيه العديد من المحطات الفضائية العربية حتى المحترمة منها, تبنّى الثورة على أنها حرب للإسلام (كتعبير عن المذهب السني فقط) ضدّ ما بات يسمى لدى الكثيرين (العصابة النصيرية الكافرة), وهو ما نجح في تغذية الشحن الطائفي, وإظهار الجيش الحر ككل كمدافع عن الإسلام, وأن قضية الحرية والديمقراطية لا تعنيه, وقد ساهم في تعزيز الشعور بحالة الاصطفاف الطائفي عدم وجود مرجع شرعي معتمد في الطائفة العلوية, بعد أن استطاع النظام تهميش دور العديد من مشايخها عبر الزمن, يكون قادراً على النأي بالطائفة عن إجرام العائلة التي باتت الطائفة تنتمي لها لا العكس, بالإضافة إلى صمت باقي الطوائف التي وجدت في صمتها حلاً يجنبها الاصطدام مع النظام, من جهة ويجنب البلاد حرباً أهلية من جهة أخرى, فاكتفت ببيانات تؤكد على الوحدة الوطنية والوقف إلى جانب الوطن في معركته ضد الغرب وتدافع عن حقوق الشعب في الحرية والديمقراطية, وبذلك تكون قد أمسكت العصا من المنتصف, أما نظام لا يأبه سوى لبقائه واستمرار سلطته.

اتبع النظام منذ البداية سياسة التهرب من الأمر الواقع, تحاشياً لمواجهة واقع الثورة القائمة وما تفرضه من تغيير, لذلك لجأ إلى روايات كثيرة منها رواية (المؤامرة الكونية) الشهيرة, ورواية الفتنة الطائفية التي أطلقتها السيدة بثينة شعبان عندما قاربت في تصريحها, الشهير أيضا, بين ما يجري اليوم وأحداث الثمانينات إبّان انتفاضة الاخوان المسلمين, عندها أشارت, من توصف بأنها الناطق الرسمي باسم حافظ الأسد بعد موته, بكل وقاحة إلى ما قام به الأخوان عندما اغتالوا شيخاً سنياً وآخر علوي, وقد تبنى الرئيس نفسه هذه الرواية خلال الإشارات المواربة في خطاباته المتعددة, كان الهدف من هذه الرواية الظهور بمظهر المدافع عن الأقليات والحامي لها, علّ هذا النظام يكتسب شيئاً من الشرعية التي منحها لنفسه عندما دخل لبنان بحجة إنهاء الحرب الأهلية, والواقع كان أن النظام يحتمي بالأقليات لا يحميها, مع أن هذه الروايات آتت أكلها وتجلى ذلك بحرص الأقليات على المطالبة بضمانات لحقوقها بعد سقوط النظام في كل فرصة سانحة, ومن حق النظام الاعتراف له بالذكاء, فسرعان ما توارت هذه الرواية عن الذكر للتماشى مع سياسته الجديدة ميدانياً والمتمثلة بالقصف العشوائي الذي يطال كل سكان المناطق المقصوفة, على الرغم من الأخبار التي تشاع حالياً, ويصعب تصديقها, عن تشكيل ميليشات طائفية تتواجد في دمشق وريفها وتقوم بأعمال قتل على الهوية بحماية من الأجهزة الامنية.

بدا لاحقاً أن مهمة النظام قد تمّت بنجاح, فالخوف من الطائفية أصبح واقعاً في ظل تعالي الأصوات المسلحة والمطالبة بإقامة دولة إسلامية, مع ما تحمله هذه الفكرة من إشكالات في الفهم لدى المطالبين بها والمعارضين لها, بالإضافة للسيناريوهات التي تتناقلها وسائل الإعلام, وخصوصاً الرسمية, عن خطط الغرب لتقسيم البلاد على أساس طائفي, وادعاءات المعارضة بأن الأسد يسعى لإقامة دولة علوية في منطقة الساحل, وهذا ما فسر به الكثيرون استمرار القصف على حمص, وما وصف على أنه مجازر تطهير عرقي ضد السنة في منطقة غرب العاصي.

مع كل ما تقدّم, تبقى المفاضلة بين ارتباط الفرد بوطنه وارتباطه بطائفته العامل الحاسم في تقييم خطر الطائفية في أي بلد كان, بالإضافة إلى جملة من التوازنات الإقليمية والعالمية التي تفرض على العالم بقاء دولة متماسكة في منطفة حساسة كسوريا, لا يُقبل أن يكون للفوضى مكاناً فيها, فليس من مصلحة أحد من دول الجوار وعلى رأسها إسرائيل أن تنزلق الأمور إلى حرب طائفية في سوريا, قد لا تقتصر آثارها على الخط المنقط الراسم لحدودها, بل ستمتد لتشمل كل المنطقة وعلى رأسها لبنان, وقد تكون الأحداث الأخيرة أو ما بات يعرف بملف ميشيل سماحة وأحداث طرابلس خير دليل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى