صفحات مميزة

عن العقوبات الاميركية على حزب الله وتأثيرها على الوضع في سورية –مجموعة مقالات-

 

 

 

ترامب يبدأ «جردة حساب» مع «حزب الله»/ حسان حيدر

أعادت الولايات المتحدة فتح سجلات أعمال إرهابية لـ «حزب الله» مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود، بعدما ظن هو وإيران أنها طويت الى الأبد، فأمعن طوال هذه الفترة في تكرارها، لاعتقاده أنه خارج المحاسبة وأبعد من أن تطاوله يد الدول المستهدَفة، بل انتقل بارتكاباته الى مستوى إقليمي أوسع.

ومن الواضح أن تذكّر المسؤولين الأميركيين، بعد كل هذا الوقت، عملية تفجير مقر المارينز في بيروت في 1983، والتي سبقها قبل أشهر قليلة تفجير مقر السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية، جزء من تغيير جذري في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بعد الانسحاب الطوعي من المنطقة الذي نفذته إدارة باراك أوباما على مراحل، وتلاه خصوصاً زحف إيران لملء الفراغ وفرض قوى الأمر الواقع الموالية لها.

ويبدو أن «فترة السماح» الأميركية لإيران وميليشياتها، ولا سيما «حزب الله»، انقضت، وحان الوقت لإجراء «جردة حساب» لتسديد «دَينها» للمنطقة وللعالم، بعدما عاثت فيهما تخريباً من دون رادع، وتفتيتاً لا يقف عند حدود، ونجحت الى حد كبير في تقسيم العرب والمسلمين، مستغلة تبني الدولة العظمى الوحيدة عقيدة انكفائية، وتسليمها طوعاً بـ «القدر الإيراني» الذي لا يردّ، تاركة حلفاءها يواجهون وحدهم آلة تخريب جهنمية لا تتورع عن أي عمل لبسط نفوذها.

وكانت سياسة المهادنة مع إيران التي اعتمدها أوباما وصلت الى حد توجيه تعليمات صارمة الى القوات الأميركية في المنطقة بتجنب أي مواجهة مع «الحرس الثوري» وأذرعه، على رغم استفزازاتهم المتعمدة والمتكررة لها. أما رسائل التطمين التي بعث بها الى خامنئي مؤكداً أن إدارته لا تسعى الى تغيير نظام طهران، فلم تفعل سوى زيادة عنجهية «المرشد».

اليوم تعود الولايات المتحدة الى رشدها، لأن سياسة دفن الرأس في الرمال ألحقت بمصالحها خسائر فادحة، وقلصت حلقة أصدقائها ودفعتهم الى التشكيك في صدق التزاماتها. لكن هذه العودة لن تكون عملية سهلة، فقد تغلغلت إيران عميقاً في العراق وسورية ولبنان واليمن، وتتطلب رداً بمستوى الخروقات التي أحدثتها، وربما هذا ما جعل إدارة ترامب توسّع مروحة هجومها المضاد ليشمل إيران ذاتها و «حرسها الثوري» و «الحشد الشعبي» في العراق، و «حزب الله» في لبنان وسورية، بالإضافة الى سائر التنويعات الميليشياوية المذهبية المؤتمرة بأوامرها.

وهذه المواجهة تستلزم خطوات مدروسة قابلة للتطبيق، وقد تكون البداية في التصويت المرتقب للكونغرس على معاقبة إيران على مواصلة برنامجها الصاروخي، وعقوبات أخرى على «حزب الله» لدوره في سورية.

لكن، ما الذي يمكن أن يفعله الحزب رداً على السياسة الأميركية الجديدة؟ الكلام يدور عن إعادة تجربة العام 2006 عندما افتعل حرباً مع إسرائيل، هدفها تمكين الجيش السوري من العودة الى لبنان بعد خروجه الذي تلا اغتيال رفيق الحريري.

هذه المرة سيكون هدف الحزب الهروب الى أمام، وإعادة تلميع صورته التي بهتت كثيراً بسبب تورطه في سورية، وليس مهماً ما قد يلحق بلبنان من دمار في حرب جديدة، فالحزب «ينتصر» كلما كان الدمار أوسع والخسائر البشرية أكبر. وهو في ذلك يتفق مع إسرائيل ونظام الأسد على أن لبنان ليس وطناً قائماً بذاته، بل ساحة لتصفية الحسابات بين إيران ومنافسيها.

إدارة ترامب تبدو مقتنعة بأن النظام الإيراني لا يمكن أن يتخلى طوعاً عن طبيعته العدائية، ويتراجع من تلقائه عن سياسته التوسعية التي تمليها تركيبته المذهبية، لكن عليها أن تواجه بجدية تهديدات الإيرانيين للمصالح والقوات الأميركية في المنطقة، لأن أي تراجع ولو بسيط قد يؤدي الى انهيار سياستها الجديدة بأكملها.

الحياة

 

 

 

 

الضاحية: المشروع والأوهام/ حسام عيتاني

مفلسٌ إفلاس من ينتظر هزة أرضية لينهار بيت خصمه، مَن يتوهم أن شتيمة قيلت في الضاحية الجنوبية لبيروت بحق الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، قابلة للاستخدام السياسي ولتشكيل علامة على تململ البيئة الحاضنة للحزب.

علاقة «حزب الله» بجمهوره أعمق وأكثر تعقيداً من أن يختصرها كلام قيل في ساعة غضب، سواء تناول شخص نصرالله أو ممارسات بعض مسؤوليه، عن فرضهم عقود زواج المتعة على نساء محتاجات كشرط مسبق لتقديم المساعدة، أو عن الاحتجاج على خرق الحزب عقداً مضمراً بينه وبين الجمهور بتجنيد الشبان الشيعة للقتال في سورية مقابل «توفير الحماية»، التي تعني ضمان حرية انتهاك القوانين وتحييد مؤسسات الدولة، الأمنية خصوصاً، ومنعها من القيام بواجباتها، أي استثناء «شعب المقاومة» من الانتظام العام أمام القوانين المختلفة.

صحيح أن ما نقلته محطات التلفزة اللبنانية من شكوى في الشارع بعد إزالة مخالفات في منطقة حي السلّم التي تعتبر من أحزمة الفقر في الضاحية الجنوبية، يعكس مزاجاً اعتراضياً على سلوك الحزب، لكن المفارقة أن الغضب وُجّه إلى الحزب بصفته سلطة الأمر الواقع، ولم يوجّه إلى مؤسسات الدولة الغائبة أصلاً عن المشهد برمته.

الجمهور غضب (آنياً وموقتاً) من الحزب لأنه أخلّ بالاتفاق الضمني المذكور. بكلمات ثانية يريد الجمهور «مزيداً» من سلطة الحزب وليس «أقل». يريد المزيد من الحماية مقابل التضحيات في سورية ويريد «إصلاحاً» لسلوك السلطة الحزبية وليس ثورة عليها، ما دامت السلطة التي تمثلها الدولة اللبنانية لا تحضر إلا على شكل جرافات تتسلل تحت جنح العتمة لتزيل مخالفات وتعديات على الأملاك العامة. الدولة هنا هي خفافيش الظلام المختبئة بالليل لتغدر بالناس في حين أن الحزب، وفق هذا المنطق، هو الذي يحتل النهار ويعمل في ضوئه ولا يخاف لومة لائم. إنها خيبة أمل من الجمهور، لا أكثر، على خذلان في محطة صغيرة وتفصيلية من مسيرة الولاء «لخط المقاومة».

وفي السياق ذاته، فإن التساؤلات التي تُسمع أحياناً في جنازات قتلى الحزب العائدين من سورية عن السبب الذي يجعل أبناء الفقراء الشيعة هم من يدفع ثمن الحرب، في حين يختفي أبناء المسؤولين عن ساحات القتال، لا تعبّر إلا عن موقف رافض ممارسة تمييزية محددة من دون أن تصل إلى موقف مندد بالانخراط في الحرب كلاً، ولا بزج الطائفة الشيعية في أتون صراع صيغت مسوغاته (الدفاع عن آل البيت النبوي ثم منع تمدد التكفيريين إلى لبنان) أولاً وآخراً لتخاطب مكان الخوف المشروع على المقدسات وعلى الحياة.

فـ «حزب الله» المنهمك في أكبر عملية هندسة اجتماعية عرفها لبنان منذ تأسيسه، بات -كما هو معروف- صاحب المشروع السياسي الوحيد في هذا البلد، فيما تتلهى بقية القوى بالمياومة السياسية التي يشكل التشاطر في رسم الدوائر الانتخابية وسرقة المال العام وإعداد صفقات تفوح منها روائح الفساد الكريهة، جُلَّ شواغلها.

التنفيس عن غضب عدد من الأفراد، ولو جاء في معقل حزبي، لا يزيد على كونه تنفيساً لغضب عدد من الأفراد سيجد أسياد الأمر الواقع وسائل للالتفاف عليه وتدويره في ما يخدم مشروعهم، أما الأوهام فستبقى أوهاماً.

الحياة

 

 

 

بين العقوبات والتغيير الميداني/ وليد شقير

تضيف العقوبات الأميركية على «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» بذريعة مخالفة البرنامج الصاروخي الباليستي لطهران ودورها في زعزعة الاستقرار الإقليمي، والتي ستأخذ طريقها إلى النفاذ قريباً، عنصراً جديداً في المواجهة الدولية مع حكم ولاية الفقيه وتمدده الخارجي، لكن الأرجح أنها لن تفعل فعلها في ثني «الحرس الثوري» عن مواصلة استراتيجيته في المنطقة.

العقوبات قد تفرض عليه جهداً للتحايل عليها ومواربتها بمساعدة دول أخرى (العين على قطر ولبنان…)، وتدفعه إلى التشدد أكثر في الداخل إزاء احتجاجات الإصلاحيين على إنفاقه أموال البلد الغني، على التسلح والتوسع الإقليمي، وتجاهل حاجات مجتمع فتي يعاني البطالة في المدن، وفي أرياف غارقة في الفقر والتخلف… لكنها لن تعدّل الطموحات الإيرانية.

إذا كان هدف العقوبات كما قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون التأثير في الداخل لإحداث التغيير في النظام، فإن انضمام الرئيس حسن روحاني إلى المفاخرة بأنه «لا يمكن في العراق وسورية ولبنان وشمال أفريقيا والخليج الفارسي القيام بأي خطوة حاسمة» (بعض الترجمات استخدم عبارة مصيرية) من دون الدولة الفارسية، يدل إلى أن على واشنطن أن تنتظر طويلاً قبل حصول التغيير. فموازين القوى الداخلية تجبر أمثال روحاني على الالتحاق بـ «الحرس» طالما أن وظيفة وجوده لم تتحقق: إراحة الاقتصاد برفع العقوبات.

الأسئلة كثيرة عما إذا كان نهج إدارة دونالد ترامب مختلف في العمق والجوهر، عن نهج سلفه باراك أوباما حيال طهران. فالأخير، حين برر أمام الأميركيين توقيعه الاتفاق النووي عام 2015، (لمن يتذكر) أبقى العقوبات المتعلقة ببرنامجها الصاروخي، وزعزعتها استقرار جيرانها وتدخلاتها الإقليمية، وخرقها لحقوق الإنسان… فهل يختلف قول ترامب ومستشاره للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر «أينما تحل المشكلات وتشتعل الفتن بين المجتمعات وتدور رحى العنف المدمرة، ترى أيادي الحرس الثوري الإيراني»، عن موقف أوباما؟

مشكلة الموقف الأميركي هي في الانطباع الدائم الذي يطرحه ديبلوماسيون أميركيون سابقون ومنهم موفد واشنطن السابق إلى سورية السفير روبرت فورد: تأخرنا في مواجهة نفوذ طهران. ولا يقتصر استنتاج خبراء غربيين على القول إن العقوبات قد تزيد من نفوذ «الحرس الثوري» على الوضع الاقتصادي بحجة مواجهة هجمة واشنطن العقابية، بل يتخطاه عند المتابعين للسلوك الأميركي إلى الحقائق الواقعية: أي تعديل في نفوذ طهران يفترض أن يتم ميدانياً أولاً وأخيراً. وعلى واشنطن أن تغادر السياسات التي تعاقبت عليها الإدارات في العقود الماضية، والتي غضت الطرف عن توسع «الحرس» في المنطقة، فكانت ترفض الإقرار بأن طهران تتدخل في اليمن لدعم الحوثيين، قبل أكثر من 10 سنوات. وحين انكشف التدخل اعتمدت نظرية الإفادة من تقاتل الحوثيين مع «القاعدة». وواشنطن هي التي أخلت الساحة لإيران في العراق، وتركت لها أن تتغلغل في سورية بذريعة قتال «داعش»، وبالتالي أن تمتّن دورها في لبنان. وحسن النية قد يدفع إلى القول أنها فعلت كل ذلك من دون تحسب لمرحلة ما بعد «القاعدة» و «داعش» ولمن يملأ الفراغ بعد انحسارهما. لكن الحقيقة هي أن واشنطن ارتكزت إلى هدف ضمني خبيث عبّر عنه أوباما حين أمل بإحداث توازن بين القطب الشيعي وبين الدول السنّية في المنطقة، بإضعاف الأخيرة، فكان مآل هذه السياسة خراب الإقليم وإضعاف الدول العربية، وتهشيم النسيج الاجتماعي في العديد منها، وتقدم إيران على حسابها. وإذا كان حسن النية يفترض أن هناك «صحوة» أميركية إزاء الأضرار الهائلة لتلك السياسة، فإن تصويب الأمور يحتاج أكثر من العقوبات. فماذا فعلت واشنطن، ميدانياً، لإخراج إيران من اليمن؟ وماذا ستفعل عملياً لسحب ميليشيات إيران من العراق بعد أن اعتبرتها شريكاً في قتال «داعش» وبعد أن جرى تشريعها؟ وهل يمكن أي متابع أن يجد تعريفاً مفهوماً لخططها في سورية؟ قد يستثني المرء السؤال عن سياستها في لبنان طالما أن «التسوية» فيه جنبت البلد الصغير الحرب الدائرة في الدول الثلاث الأخرى، وجعلت منه «ملتقى» لخدمات تلك الحروب، وما دامت تدعم تقوية الجيش اللبناني والمؤسسات، لأن المعادلة فيه تخضع لموازين القوى في دول أكثر أهمية.

امتنعت طهران سابقاً عن الاستجابة لمحاولة أوباما التفاوض معها على أزمات المنطقة، برفض البحث في أي أمر غير الاتفاق على النووي، مستقوية بحاجته إلى إنجازه. وإذا كان ترامب يأمل من العقوبات جرها إلى التفاوض، كيف يمكنه ذلك من دون تعديل الواقع الميداني، في أي من الدول المحورية، أو على الأقل من دون اتفاقه مع اللاعب القوي الجديد، روسيا؟

الحياة

 

 

 

التباعد الأميركي- الروسي.. وخطّ طهران- بيروت/ عبد الوهاب بدرخان

بدأت الولايات المتحدة خطوات أولى لتنفيذ «استراتيجية ترامب» ضد إيران، بعقوبات جديدة تستهدف تطوير الصواريخ البالستية وأخرى تريد التضييق مالياً على «حزب الله» اللبناني- الإيراني. في الوقت نفسه يلقي الواقع الميداني في العراق وسوريا ضوءاً على تقدّم تحرزه إيران في استراتيجيتها الخاصة بالربط بين مواقع نفوذها، إذ إنها لعبت دوراً مباشراً في استعادة محافظة كركوك لمصلحة الحكومة العراقية باختراقها صفوف البشمركة الكردية عبر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (معقله في السليمانية) الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني ويبدو أن نجله بافل هو وريثه في الزعامة وكذلك في العلاقة مع إيران. كما أن ميليشياتها خاضت أخيراً القتال الرئيسي (تحت راية النظام السوري) لاستعادة مدينة الميادين شرقي سوريا، وهي موقع مهم يمهّد أيضاً لاستعادة مدينة البوكمال الحدودية مع العراق وتحقيق الربط بين الميليشيات الإيرانية على جانبي الحدود.

ولذلك يرى العديد من محللي التحركات الإيرانية أنها لا تواجه أي عقبات أمام إقامة الخط البري بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق. وكان هذا الخط ولا يزال يطمح لعبور محافظة الأنبار، ولعله تعزّز أخيراً بحسم الحرب على «داعش» في الموصل وتلعفر ثم باستغلال أزمة الاستفتاء الكردي بوضع كركوك تحت الهيمنة الإيرانية عبر إعادتها إلى سلطة بغداد. وعلى رغم أن الحديث عن هذا الخط البري ورد باستمرار في مختلف التحليلات السياسية والعسكرية فقد كان لافتاً دائماً أن المراجع الحكومية، خصوصاً الأميركية والروسية، لا تشير إليه علناً. ولكن قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل نبّه أخيراً إلى أن إيران «تسعى الى بناء محور من طهران إلى بيروت» وتعزيز نفوذها العسكري في سوريا واليمن والعراق. وتفيد معلومات متداولة بأن هذا «المحور» موضع بحث بين الولايات المتحدة وروسيا، وأن واشنطن مصمّمة على إحباطه في حين أن موسكو لا تضعه في أولوياتها.

ماذا يعني ذلك؟ أن عدم التوافق بين الدولتَين الكبريَين يحقق لإيران مصلحة خالصة في استراتيجيتها الخاصة. فهي تجني وحدها الثمار من محاربة «داعش» ومن أزمة بغداد- أربيل. وإذ يقول الجنرال فوتيل إن البنتاغون يعمل مع «شركاء محليين» للتصدّي للدور الإيراني فلابدّ أنه يشير إلى الجيش العراقي وهذا رهان صحيح بمقدار ما هو مجازفة كبرى بسبب الاختراق الذي تمثله ميليشيات «الحشد الشعبي» وقد تمكّنت إيران من فرضها كجيش موازٍ يتمتّع بـ«شرعية» قانونية، بل فرضت مشاركته في مختلف المعارك ضد «داعش» ووجوده إلى جانب الجيش في أي مكان. كما يعوّل الجانب الأميركي على «قوات سوريا الديموقراطية» التي منحها كل الإمكانات لطرد تنظيم «داعش» من محافظة الرقّة ولمتابعة القتال ضدّه في دير الزور، غير أن هيمنة الأكراد على هذه القوات وتعمّد الأميركيين الاعتماد الجزئي أو الرمزي على العرب السوريين من أبناء المنطقة أشاعا الشكوك في النوايا الأميركية، كما في قدرة هذه القوات على مواجهة الدور الإيراني.

كان تنظيم «داعش» هو الذي ألغى الحدود وربط بين «ولايتَيه»، العراق والشام، ومن الطبيعي أن يفضي إنهاء «دولة الخلافة» المزعومة إلى إعادة الحدود إلى وضعها السابق. غير أن خطط النفوذ الإيراني ترمي إلى وراثة «الحدود الداعشية المفتوحة»، وتنتهز أسوة بالتنظيم الإرهابي الفوضى في العراق وسوريا وضعف الدولة فيهما. وتجري وقائع التحرّك الإيراني علناً وتحت الأنظار، ولا أحد يستطيع القول إنه فوجئ بها أو يكتشفها الآن، ولذلك تصبح التساؤلات مشروعة أولاً عن فاعلية أي عقوبات أو إجراءات أميركية، وثانياً عن أفق الدور الروسي في سوريا بـ«شراكة» ملتبسة مع إيران، وثالثاً -وهذا الأهم- أين مسؤولية الدولتَين الكبريين؟ وهل هما معنيّتان فعلاً باحترام الحدود طالما أنهما أكّدتا مراراً توافقهما على محاربة الإرهاب؟

ويذهب التشكيك أحياناً إلى حدّ القول بأن الروس والأميركيين متفقون ضمنياً على تمكين إيران، وأحياناً على توريطها، ولا يبدو أيٌّ من الاحتمالَين واقعياً ولا الهدف منهما. فالتجربة تفيد بأن ما ترسمه إيران على الأرض تستطيع الحفاظ عليه وترسيخه بسبب اعتمادها على «شركاء محليين». ولكن المطلوب، أي الحؤول دون الربط الحدودي بين الميليشيات الإيرانية، يبقى من بديهيات المسؤولية الدولية لروسيا وأميركا، خصوصاً أنهما مدركتان خطورة أي تساهل حياله أو تلاعب به. إذ إن ترك الميليشيات تتنقّل بسهولة هو وصفة لإدامة الصراعات وإحباط أي حلول سياسية في العراق وسوريا ما لم تضمن هيمنة إيران ومصالحها

الاتحاد

 

 

 

الدولة والدويلة كمشروع إيراني للعرب: لبنان نموذجا وغزة اختبارا/ علي الأمين

يقترح حزب الله على اللبنانيين أن يتدبروا أمورهم بعد تسليمهم مرغمين أو طائعين، بأنّه المقرر في شؤونهم الإستراتيجية، سواء في علاقات لبنان الخارجية، أو بالتسليم بأنّهم ضمن المحور الإيراني، وباستعدادهم لتقبل تقاطر رؤسائهم ووزرائهم إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة، فضلا عن تسليمهم بحق حزب الله أن يقرر وحده الحرب أو السلم مع إسرائيل، وقبل ذلك وبعده، يجب أن يسلموا أو يستسلموا لواقع أنّ الدولة اللبنانية هي صيغة نظام مشروطة ببقاء الدويلة التي تحيا على حساب الدولة، فيجب أن يسلم اللبنانيون أنّه خارج أيّ مساءلة أو محاسبة، فلا سلطة تعلو على سلطاته، لا سياسيا ولا قضائيا ولا عسكريا ولا أمنيا.

حزب الله يبتدع صيغة جديدة لا تستقيم في أي دولة ولا في أي نموذج للحكم. صيغة حكم يقوم جوهرها على عدم تحمل المسؤولية تجاه الدولة، وللتخفيف من أعبائها تجاه الشعب، أو تجاه الالتزامات الخارجية سواء كـانت اقتصادية أو سياسية، له الغنم، وعلى بقية اللبنانيين الغرم.

لهذا كان حزب الله بخلاف ما يعتقده بعض اللبنانيين أو غيرهم، غير راغب في تعديل صيغة النظام اللبناني بما يوفر له أو لطائفته حصصا إضافية في نظام المحاصصة الطائفية، وهو ليس من الغباء ليذهب نحو استلام السلطة بالشكل والمضمون، هو يريد السلطة لكن لا يريد تحمل المسؤولية، لذا كان وفيا لمدرسة الوصاية السورية التي عاشها لبنان بين العامين 1990 و2005 أي السيطرة على قرار السلطة من دون أن يخل شكلا بوجود مؤسسات ورؤساء ومسؤولين يتقدمون الواجهة، لكنهم بالفعل يلتزمون بمتطلبات سلطة الوصاية، والتي من أدوارها توزيع الحصص وإدارة الخلاف حول المكاسب والمناصب بين قوى السلطة الشكلية في لبنان.

يستخدم حزب الله القوة العسكرية والأمنية وسطوة السلاح، لفرض وصايته على لبنان، وربما قد يقبل اللبنانيون منه أن يحكم هو نفسه لبنان بمعنى أن تكون له كل مواقع السلطة، لكنه لن يقبل بذلك لأنه يرفض أن يتحمل أعباء الحكم بل هو يريد منافعه ولا يريد أن يتعرض لأي مساءلة دستورية أو قانونية أي أنه لا يريد تحمل مسؤولية حكم الدولة.

فمثلا هو يريد أن يقاتل في أي مكان في العالم، ويريد أن يستثمر موقعه في لبنان من أجل ذلك ودائما، من دون أن يكون مسؤولا عن تبعات خطواته، يتجاوز الدستور ونظام العلاقات بين الدول، ويفعل ما يشاء على هذا الصعيد، وهو يدرك أن الجميع سواء في لبنان أو في الخارج الإقليمي والدولي سيقدر أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن لجمه أو محاسبته، فيما هذه الحكومة نفسها توفر الغطاء الفعلي له من خلال إظهار عجزها عن ذلك في الحد الأدنى.

ينطلق حزب الله من إستراتيجية إبقاء الدولة معلقة في لبنان، أي من ثابت يقوم على أن مشروع الدولة القوية هو خطر وجودي عليه، حتى لو كـان هو من يحكمها، وهو بالتالي يكشف المنهج الذي تسعى إيران إلى تعميمه في مناطق نفوذها، سواء في اليمن بين الدولة وأنصار الله، أو في العراق بين الحكومة والحشد الشعبي، وحتى في قطاع غزة الذي شهدنا فيه ملامح هذه الثنائية.

هذه الثنائيات التي تجمع بين منطق الدولة ولا منطق الدويلة، هو المشروع الذي تعدُ القيادة الإيرانية به شعوب المنطقة، وهو مشروع أقل ما يقال فيه أنه يوفر نفوذا إيرانيا بكلفة سياسية ومالية وعسكرية إيرانية مقبولة، ويجعل في الوقت نفسه الدول أمام استنزاف مستمر اقتصاديا واجتمـاعيا، فضـلا عن أنه عبـارة عـن مشروع قنابل عنقودية تتفجر عند أي خطوة نحو توحيد الشعب وتثبيت سيادة الدولة بكل ما يعنيه مفهوم السيادة للدولة من التزام بالعقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة.

حزب الله يقترح على اللبنانيين هذه الصيغة بالقوة، ويدرك اللبنانيون عموما أن هذه الصيغة والتي وَرثت الوصاية السورية، باتت أكثر خطرا على لبنان، فهي في الحد الأدنى تساهم في المزيد من تصدع المؤسسات الدستورية والقانونية، وتجعل لبنان في مهب الصراعات الإقليمية والدولية، وهي صيغة تنطوي على أكثر من الفساد في إدارة شؤون الإدارة العامة ومؤسسات الدولة، إلى الإفساد الذي تقوم عليه معادلة الوصاية الجديدة، وجوهر الإفساد يقوم على معادلة مفادها أنّ رموز السلطة في لبنان يتحاصصون مع حزب الله وبإشرافه تمارس عملية نهب المال العام، في مقابل سكوتهم على كل انتهاكاته للسيادة ولعملية تخريب علاقات لبنان الخارجية.

في كل المواقف التي تصدر عن سياسيين أو متخصصين في المجـال المالي والاقتصادي، تسود فكرة مفادها أن لبنان يتجه نحو المزيد من الأزمات على هذا الصعيد، بسبب غياب السياسات المسؤولة من قبل السلطة، وهذه النتيجة تعود في أول أسباب تشكلها إلى غياب المرجعية التي تستطيع أن تقول للبنانيين أنا المسؤول عن إدارة شؤون الدولة، لا بل يستخدم محترفو استثمار السلطة لمصالحهم الحزبية أو الفئوية من المسؤولين، وبلا خجل، مقولة أنهم غير قادرين بسبب المعادلة التي يفرضها حزب الله وطبيعة وجوده، فيما هم أنفسهم لا يتوقفون عن ممارسة مواهبهم في الاستجابة السريعة لما يقترحه عليهم هذا الحزب نفسه في الدخول في لعبة المحاصصة والفساد.

جانب آخر لا بد من الإشارة إليه، يتصل بإغراء آخر وخطير يوفره الانخراط في عملية استنفار العصبيات المذهبية والطائفية، ذلك أنّ السلطة التي تستبيح الدستور والقانون كما المال العام، باتت تحترف في لبنان مواجهة غضب المواطنين من عملية إفقارهم وإهانتهم، بدفعهم للغرق في أفخاخ هذه العصبيات، ليفجروا غضبهم من السلطة في اتجاه يعزز من نفوذها، أي عبر نقل المواجهة من شعب ضد سلطة ظالمة، إلى صراع عصبيات في ما بينها غايته أن يغطي كل الخطايا التي ترتكبها السلطة بمختلف فرقائها.

إيران توغل في عملية إعادة تفكيك الدول العربية، وهو تفكيك يتلاءم ويوفر كل شروط السيطرة الخارجية على المنطقة، وهي إذ تدغدغ الأحلام المذهبية والطائفية والإثنية، فإنها تقترح على الدول الطامعة بالمنطقة العربية سواء كانت غربية أو شرقية أو حتى على إسرائيل، أنّها الشريك الملائم والموضوعي في عملية تقاسم النفوذ طوائف ومذاهب وإثنيات، فيما الدولة الوطنية والنظام الإقليمي العربي هما الهدف، والدفاع عنهما هو صلب أي مشروع مواجهة.

كاتب لبناني

العرب

 

 

 

الدولة والدويلة كمشروع إيراني للعرب: لبنان نموذجا وغزة اختبارا/ علي الأمين

يقترح حزب الله على اللبنانيين أن يتدبروا أمورهم بعد تسليمهم مرغمين أو طائعين، بأنّه المقرر في شؤونهم الإستراتيجية، سواء في علاقات لبنان الخارجية، أو بالتسليم بأنّهم ضمن المحور الإيراني، وباستعدادهم لتقبل تقاطر رؤسائهم ووزرائهم إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة، فضلا عن تسليمهم بحق حزب الله أن يقرر وحده الحرب أو السلم مع إسرائيل، وقبل ذلك وبعده، يجب أن يسلموا أو يستسلموا لواقع أنّ الدولة اللبنانية هي صيغة نظام مشروطة ببقاء الدويلة التي تحيا على حساب الدولة، فيجب أن يسلم اللبنانيون أنّه خارج أيّ مساءلة أو محاسبة، فلا سلطة تعلو على سلطاته، لا سياسيا ولا قضائيا ولا عسكريا ولا أمنيا.

حزب الله يبتدع صيغة جديدة لا تستقيم في أي دولة ولا في أي نموذج للحكم. صيغة حكم يقوم جوهرها على عدم تحمل المسؤولية تجاه الدولة، وللتخفيف من أعبائها تجاه الشعب، أو تجاه الالتزامات الخارجية سواء كـانت اقتصادية أو سياسية، له الغنم، وعلى بقية اللبنانيين الغرم.

لهذا كان حزب الله بخلاف ما يعتقده بعض اللبنانيين أو غيرهم، غير راغب في تعديل صيغة النظام اللبناني بما يوفر له أو لطائفته حصصا إضافية في نظام المحاصصة الطائفية، وهو ليس من الغباء ليذهب نحو استلام السلطة بالشكل والمضمون، هو يريد السلطة لكن لا يريد تحمل المسؤولية، لذا كان وفيا لمدرسة الوصاية السورية التي عاشها لبنان بين العامين 1990 و2005 أي السيطرة على قرار السلطة من دون أن يخل شكلا بوجود مؤسسات ورؤساء ومسؤولين يتقدمون الواجهة، لكنهم بالفعل يلتزمون بمتطلبات سلطة الوصاية، والتي من أدوارها توزيع الحصص وإدارة الخلاف حول المكاسب والمناصب بين قوى السلطة الشكلية في لبنان.

يستخدم حزب الله القوة العسكرية والأمنية وسطوة السلاح، لفرض وصايته على لبنان، وربما قد يقبل اللبنانيون منه أن يحكم هو نفسه لبنان بمعنى أن تكون له كل مواقع السلطة، لكنه لن يقبل بذلك لأنه يرفض أن يتحمل أعباء الحكم بل هو يريد منافعه ولا يريد أن يتعرض لأي مساءلة دستورية أو قانونية أي أنه لا يريد تحمل مسؤولية حكم الدولة.

فمثلا هو يريد أن يقاتل في أي مكان في العالم، ويريد أن يستثمر موقعه في لبنان من أجل ذلك ودائما، من دون أن يكون مسؤولا عن تبعات خطواته، يتجاوز الدستور ونظام العلاقات بين الدول، ويفعل ما يشاء على هذا الصعيد، وهو يدرك أن الجميع سواء في لبنان أو في الخارج الإقليمي والدولي سيقدر أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن لجمه أو محاسبته، فيما هذه الحكومة نفسها توفر الغطاء الفعلي له من خلال إظهار عجزها عن ذلك في الحد الأدنى.

ينطلق حزب الله من إستراتيجية إبقاء الدولة معلقة في لبنان، أي من ثابت يقوم على أن مشروع الدولة القوية هو خطر وجودي عليه، حتى لو كـان هو من يحكمها، وهو بالتالي يكشف المنهج الذي تسعى إيران إلى تعميمه في مناطق نفوذها، سواء في اليمن بين الدولة وأنصار الله، أو في العراق بين الحكومة والحشد الشعبي، وحتى في قطاع غزة الذي شهدنا فيه ملامح هذه الثنائية.

هذه الثنائيات التي تجمع بين منطق الدولة ولا منطق الدويلة، هو المشروع الذي تعدُ القيادة الإيرانية به شعوب المنطقة، وهو مشروع أقل ما يقال فيه أنه يوفر نفوذا إيرانيا بكلفة سياسية ومالية وعسكرية إيرانية مقبولة، ويجعل في الوقت نفسه الدول أمام استنزاف مستمر اقتصاديا واجتمـاعيا، فضـلا عن أنه عبـارة عـن مشروع قنابل عنقودية تتفجر عند أي خطوة نحو توحيد الشعب وتثبيت سيادة الدولة بكل ما يعنيه مفهوم السيادة للدولة من التزام بالعقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة.

حزب الله يقترح على اللبنانيين هذه الصيغة بالقوة، ويدرك اللبنانيون عموما أن هذه الصيغة والتي وَرثت الوصاية السورية، باتت أكثر خطرا على لبنان، فهي في الحد الأدنى تساهم في المزيد من تصدع المؤسسات الدستورية والقانونية، وتجعل لبنان في مهب الصراعات الإقليمية والدولية، وهي صيغة تنطوي على أكثر من الفساد في إدارة شؤون الإدارة العامة ومؤسسات الدولة، إلى الإفساد الذي تقوم عليه معادلة الوصاية الجديدة، وجوهر الإفساد يقوم على معادلة مفادها أنّ رموز السلطة في لبنان يتحاصصون مع حزب الله وبإشرافه تمارس عملية نهب المال العام، في مقابل سكوتهم على كل انتهاكاته للسيادة ولعملية تخريب علاقات لبنان الخارجية.

في كل المواقف التي تصدر عن سياسيين أو متخصصين في المجـال المالي والاقتصادي، تسود فكرة مفادها أن لبنان يتجه نحو المزيد من الأزمات على هذا الصعيد، بسبب غياب السياسات المسؤولة من قبل السلطة، وهذه النتيجة تعود في أول أسباب تشكلها إلى غياب المرجعية التي تستطيع أن تقول للبنانيين أنا المسؤول عن إدارة شؤون الدولة، لا بل يستخدم محترفو استثمار السلطة لمصالحهم الحزبية أو الفئوية من المسؤولين، وبلا خجل، مقولة أنهم غير قادرين بسبب المعادلة التي يفرضها حزب الله وطبيعة وجوده، فيما هم أنفسهم لا يتوقفون عن ممارسة مواهبهم في الاستجابة السريعة لما يقترحه عليهم هذا الحزب نفسه في الدخول في لعبة المحاصصة والفساد.

جانب آخر لا بد من الإشارة إليه، يتصل بإغراء آخر وخطير يوفره الانخراط في عملية استنفار العصبيات المذهبية والطائفية، ذلك أنّ السلطة التي تستبيح الدستور والقانون كما المال العام، باتت تحترف في لبنان مواجهة غضب المواطنين من عملية إفقارهم وإهانتهم، بدفعهم للغرق في أفخاخ هذه العصبيات، ليفجروا غضبهم من السلطة في اتجاه يعزز من نفوذها، أي عبر نقل المواجهة من شعب ضد سلطة ظالمة، إلى صراع عصبيات في ما بينها غايته أن يغطي كل الخطايا التي ترتكبها السلطة بمختلف فرقائها.

إيران توغل في عملية إعادة تفكيك الدول العربية، وهو تفكيك يتلاءم ويوفر كل شروط السيطرة الخارجية على المنطقة، وهي إذ تدغدغ الأحلام المذهبية والطائفية والإثنية، فإنها تقترح على الدول الطامعة بالمنطقة العربية سواء كانت غربية أو شرقية أو حتى على إسرائيل، أنّها الشريك الملائم والموضوعي في عملية تقاسم النفوذ طوائف ومذاهب وإثنيات، فيما الدولة الوطنية والنظام الإقليمي العربي هما الهدف، والدفاع عنهما هو صلب أي مشروع مواجهة.

كاتب لبناني

العرب

 

 

هجوم أميركي على لبنان/ منير الربيع

دخل لبنان في خريطة طريق أميركية سعودية. من مسار العقوبات إلى تغريدات الوزير ثامر السبهان، فالجميع في لبنان يترقّب ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة، في ظل استمرار الضغط الأميركي والخليجي على إيران وحزب الله. هذا الضغط الأميركي يترجم مزيداً من التواصل مع بعض الدول الأوروبية لتصنيف حزب الله بكامله تنظيماً إرهابياً. هذه التطورات حرّكت الدبلوماسيين الغربيين في بيروت للقاء المسؤولين، في محاولة منهم لإستشراف ما لديهم.

 

تعتبر مصادر دبلوماسية غربية أن الوضع لا ينذر بالتفاؤل على الإطلاق. والتصريحات والمواقف المتبادلة بين طهران والسعودية وأميركا، توحي بأن المنطقة تدنو من الإنفجار، إذا لم يخرج مسعى جدّي يقوض كل هذه الاحتمالات. حتى الآن، لا جهد جدّياً، فيما أميركا تبدو مصرّة على المسار الذي اختارته بدءاً من العقوبات، وصولاً ربما إلى توجيه ضربات عسكرية لحلفاء إيران في المنطقة، والتي سيكون لبنان جزءاً أساسياً منها بفعل وجود حزب الله وسطوته. لذلك، لا تخفي المصادر الغربية قلقها من إمكانية تطور الأمور نحو ما هو أسوأ.

 

الاهتمام الأميركي بلبنان والوضع فيه، يشبه إلى حدّ بعيد مرحلة العام 2004 وما قبل صدور القرار 1559. تشبّه المصادر الوضع الحالي بتلك المرحلة، وتعتبر أن لبنان سيكون ساحة للتجاذب بين واشنطن وطهران، إذ إن الإدارة الأميركية ستشدد الضغط على حلفاء إيران في لبنان، مقابل تعزيز دعمها المؤسسات الشرعية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، بحسب ما يلفت لبنانيون زاروا العاصمة الأميركية في الأيام الماضية. وينقلون ما شاهدوه من اهتمام بقائد الجيش العماد جوزيف عون، والإشادات التي سمعها هناك على أداء الجيش، مع وعود بزيادة الدعم وصولاً لتحقيق الجيش إنتشاراً على كل المناطق الحدودية، وكما في الشرق كذلك في الجنوب.

 

وتنقل المصادر أن لبنان أصبح من ضمن الإستراتيجية التي تعدّها الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط. وتستند المصادر إلى الجولة التي أجرتها قبل أيام السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد على المسؤولين السياسيين. وقد وضعتهم في عناوين الإستراتيجية الأميركية، التي تتناول مسألة تحجيم نفوذ إيران في المنطقة، وخفض منسوب تأثيراتها على عدد من الدول أبرزها سوريا ولبنان والعراق، حيث بات كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، لا قرار يتخذ بدون مشاورة طهران أو موافقتها.

 

وتشير المصادر إلى أن الاستراتيجية الأميركية التي لم تتضح كامل معالمها بعد، موضوعة على مديين، متوسط وبعيد. فالمدى المتوسط يركز على مواجهة إيران من خلال تضييق الخناق المالي والعسكري على حلفائها وأذرعها في المنطقة. أما المدى البعيد فقد يحمل سخونة في آلية التعاطي، من دون إغفال حصول أي خطوة عسكرية تجاه أذرع إيران، سواء أكان في سوريا أم في لبنان. ولا يغفل الأميركيون عن أن حزب الله وغيره من التنظيمات الموالية لطهران، من النسيج الاجتماعي والسكاني والسياسي. بالتالي، هم يعرفون أنهم غير قادرين على إنهائها أو الغائها. لذلك، فإن الهدف الأساسي لهم، هو الحد من نشاطها الخارجي أولاً، والذي تعتبره واشنطن تهديداً لمصالحها، وثانياً من خلال الحد من قدرة تأثير سلاحها، إن عبر ضرب مخازن الأسلحة، أو عبر سحب مفاعيلها، من خلال دعم المؤسسات الشرعية.

 

ولا ينفصل هذا الكلام عن الزيارات الاميركية المكثفة إلى لبنان، لسواء أكان لأعضاء ورؤساء لجان في الكونغرس أم لمسؤولين عسكريين. وهذا ما يعلّق عليه أحد المتابعين قائلاً إن الأشهر المقبلة ستشهد هجمة أميركية كبيرة على المنطقة، لتوسيع وجودها العسكري الذي سيفوق الوجود الروسي، مع فارق أن الأميركيين يعملون بصمت على هذا الامر، وسيكون هناك مفاجآت كثيرة من خارج لبنان إلى داخله.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى