الطائفية والثورة السوريةراتب شعبوصفحات مميزة

عن العلويين والثورة السورية


    راتب شعبو

هل يجوز الكلام عن العلويين في السياسة؟ هل يمكن النظر اليوم إلى العلويين في سوريا ككتلة سياسية؟ وما هي حدود التطابق بين الطائفي والسياسي هنا؟ وما تأثير ذلك في مآلات الثورة السورية؟

يتحول العلويون في غالبيتهم في سوريا اليوم، بفعل ظروف بدايات الثورة السورية والمسار الذي اتخذته، وعوامل أخرى متداخلة سأسعى الى تحديدها، كتلة بشرية ذات توجه عام محافظ من الناحية السياسية ومضاد للثورة. هذه مفارقة حارقة ولاسيما إذا عرضنا هذا الواقع على تاريخ طويل تميزت به هذه البيئة الاجتماعية المنفتحة باحتضانها للأفكار والحركات والانتماءات السياسية الثورية مثل الماركسية والقومية والعلمانية وغيرها. وهذا في ظني تحوّل عارض يزول بزوال ضباب الخوف والتشكيك والتضليل تحت شمس سوريا جديدة.

ربما لم يكن العلويون متجانسين من الناحية السياسية حيال موضوع ما، كما هم اليوم حيال الثورة السورية التي كان من أبرز آثارها، وهذا مما يضع العقل في الكف، أنها وحّدت مواقف أبناء هذه الطائفة بمختلف تلويناتهم السياسية الموالية (أصلاً) والمعارضة (سابقاً)، وبمختلف مستوياتهم الثقافية في موقف واحد ينتهي إلى أن الثورة السورية حركة إسلامية بدوافع طائفية غير وطنية وليس لها مما تدّعي نصيب. لا بل إنها مؤامرة متعددة الرأس. وقد بدت لهم شعارات الحرية والكرامة التي هتفت بها حناجر مئات الألوف من السوريين متحدّين أخطار الاعتقال والتعذيب والرصاص الحي، ستاراً لأغراض غير وطنية في مخطط يهدف إلى ضرب المقاومة وإسقاط الدولة (وليس السلطة) السورية، وربما تفتيت سوريا. المستفيد من النظام وغير المستفيد، المرتكب والنزيه، الموالي الأزلي والمعارض الأزلي، المخبر والمناضل، المثقف والأمي، توحدوا سياسياً في وجه ما يرون أنه مؤامرة أميركية خليجية. والحق أنه منذ الأيام الأولى للحراك الثوري السوري، شعر العلويون بغربة عن هذا الحراك، لا تني تتزايد يوماً وراء يوم على وقع الدفن اليومي لموتاهم القادمين من مختلف أنحاء سوريا في خضم هذا الصراع. في النظر إلى هذا الواقع، نضع يدنا على العناصر التي جعلت من العلويين كتلة محافظة من الناحية السياسية وأبعدتهم عن المشاركة الفاعلة في الثورة السورية:

– الاشتراك في المنبت المذهبي مع الرئيس ومفاصل أمنية وعسكرية أساسية في النظام السوري الحالي. يتشعب فعل هذا الانتماء المذهبي المشترك اليوم إلى أثرين: ينبع الأول من أنه أشبع لدى العلويين عموماً حاجة ممضة الى الاعتراف على خلفية أن العلويين طالما شعروا عبر تاريخهم بنقص في الاعتبار دينياً (يكتفي العلويون برضاهم الذاتي حيال قناعاتهم الدينية من دون أن يكون لديهم أدنى ميل دعوي ديني أو أدنى ميل للمنافسة على الشرعية الدينية الرسمية مع الإسلام السني)، ووطنياً (بسبب الفقر والجهل والتمركز في المناطق الريفية النائية عن مراكز المدن التي تعتبر مصنع السياسة والسياسيين). على هذا فإن التحرك الشعبي ضد النظام السوري أطلق منذ البداية موجة قلق وخوف غامض من النكوص إلى حال سابقة من التهميش ونقص الاعتبار، ولاسيما أن الحراك بدأ من خارج البيئة العلوية وبسمات إسلامية ما فتئت تتزايد عمقاً واتساعاً، وأن شخص الرئيس برز في سياق الثورة على أنه المستهدف الأول إن بالهتافات أو التصريحات (يسأل كثير من المثقفين العلويين عن دلالة تسمية الصفحة الأهم للثورة السورية على الشبكة “الثورة السورية ضد بشار الأسد” وليس ضد النظام السوري مثلاً). إن لدى الكثير من العلويين اقتناعاً بأن كل الغرض من هذه الثورة هو إسقاط الرئيس لأنه علوي المولد، ويلتقطون من غمرة الأحداث والمواقف ما يفيد ذلك. أما كيف يستوي أن يُنظر إلى الثورة السورية على أن غايتها ضرب المقاومة، وهذه غاية سياسية تتجاوز الانتماءات الطائفية، وعلى أنها موجهة ضد الرئيس لأنه من مذهب معين، وهذه غاية طائفية حصراً، فهذا مما لا تعنى به الإيديولوجيا السياسية. الأثر الثاني لهذا الانتماء المشترك هو الخشية من أن يحمل العلويون وزر جرائم النظام (الذي كثيراً ما يصفه معارضون بأنه طائفي أو علوي) ويصبحون بعد سقوط النظام موضوعاً لعمليات انتقام تحاسب على الانتماء. تقوم هذه الخشية على اقتناع بأنه سوف يتم تحميلهم كجماعة، مسؤولية سياسات النظام لمجرد الانتماء وبصرف النظر عن ضلوع الشخص أو براءته. يغدو هذا العنصر أقوى كلما امتد أمد الثورة وزادت فظاعة ما يرتكبه النظام من جرائم يعتقد العلويون أنهم سيُحَمَّلون وزرها. أي أن العلوييين يعبّرون عن مخاوف بعيدة الأمد (التهميش) ومباشرة (الانتقام) بما يفضح تقييمهم العام للثورة السورية بأنها غير ذات صلة لا بالحرية ولا بالديموقراطية التي تدّعيها لنفسها.

– وجود نسبة كبيرة من العلويين في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية كوظيفة، في ظل حالة الفقر العام وتدهور الزراعة كمصدر للرزق، إضافة إلى عامل الجذب الذي شكلته هذه الأجهزة لفقراء الريف بوجود أشخاص من بيئتهم في مواقع مهمة فيها بما يتيح لهم في هذه الأجهزة شيئاً من القبول وحتى المحاباة. وكان التطوع في هذه الأجهزة ليس فقط مصدراً للدخل بل وأيضاً مصدراً للقوة والسطوة يمارسونها، من جملة من تمارس عليهم، على أبناء قراهم نفسها. على هذا، كان حضور العلويين كثيفاً دائماً في أجهزة القمع الرسمية في ظل نظام الأسد، حتى أن اللهجة العلوية ارتبطت في أذهان السوريين بهذه الأجهزة. من طبيعة الأمور، والحال هذه، أن تجد نسبة كبيرة من العلويين نفسها بحكم عملها ومهامها الرسمية (عدا اقتناعاتها السياسية) في وجه التحرك الثوري وهذا ما أدى، بعد تحول الثورة إلى حمل السلاح، إلى مقتل الكثير منهم، مع ما يولّد ذلك لدى الأهالي من مشاعر عداء تجاه الجهة التي تقتلهم. لم ينضج في أذهان العلويين، ولن ينضج بعد الآن، الاقتناع السياسي الذي يجد في “الجيش الوطني” خصماً حين يتحول أداة بطش وقمع وقتل للأهالي، الأمر الذي يجعلهم في تماهٍ تام مع الخطاب الإعلامي للنظام الذي يكرم أبناءهم كشهداء ويصف الجهة التي تقتلهم بأنها “عصابات”.

– مهّد ما سمّي سياسة الاستيعاب الجامعي لظهور فئة مثقفة جديدة بين العلويين، ذلك أن التعليم كان السبيل الآخر (سوى الجيش وأجهزة الأمن) المتاح لتحقيق الارتقاء الاجتماعي وتأمين مصادر الدخل. وقد استقطب هذا الباب الفئة ذات الطموح العلمي التي يعلو طموحها على التطوع في الجيش والأمن. اعتمد النظام كالعادة، سواء داخل الطائفة العلوية أو غيرها، سياسة تمييزية معيارها الولا، في إتاحة الفرص الدراسية العليا، الأمر الذي خلق جيشاً إيديولوجياً في صالح النظام دافع ويدافع عنه في وجه كل تحرك مضاد حتى لو كان علمانياً وسلمياً وملائكياً، فكيف إذا جاء التحرك عنفياً وبلون إسلامي غالب وبدعم من جهات ودول لا تقل استبداداً عن النظام السوري وبمباركات طائفية من مشايخ داخل سوريا وخارجها، مما زوّد من يريد الوقوف في وجه الثورة السورية ما يحجب به لب هذه الثورة ومغزاها.

– نفور العلويين العام من الاتجاهات السياسية الإسلامية وميلهم لاحتضان التيارات السياسية اليسارية عموماً بما فيها التيارات والأحزاب التي دفعت أثماناً باهظة في مواجهة استبداد النظام مثل الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي، رابطة العمل الشيوعي التي تحولت بعد مؤتمرها الأول والأخير في آب 1982 إلى حزب العمل الشيوعي، حزب البعث الديموقراطي (تيار صلاح جديد). وقد شكل هذا النفور أساس الشعور بالغربة عن الثورة السورية منذ بداياتها. يستحق الانتباه أن المزاج المعارض اليساري لم يتبدد في الوسط العلوي خلال الأحداث العنيفة التي شهدتها سوريا في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات، وظل للمعارض العلوي (اليساري غالباً) قبول وتأثير في وسطه آنئذ، على خلاف الحال اليوم حيث بات المعارض العلوي منبوذاً في وسطه إلى حد الوسم بالخيانة. ويحتاج هذا التحول إلى بحث مستقل لفهم أسبابه.

ما سبق من عناصر، خلق مجال جذب سياسياً يوحد أفراد هذه الطائفة على العموم ويعطيها اليوم صبغة سياسية معينة ويتيح مخاطبتها في هذه اللحظة ككتلة مذهبية سياسية. نرجو أن يكون من المفاعيل اللاحقة للثورة السورية، تبديد هذا المجال لصالح مجال تجاذب سياسي وطني تكون فيه هذه الطائفة وغيرها من الجماعات مخترقة بالتلاوين والتيارات السياسية الوطنية العامة. وبعد، يتطلب هذا الواقع تأملاً مستقلاً لتأثيراته في مآل الثورة السورية.

كاتب سوري

النهار

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. دراتب انا من الاشخاص الذين يعرفونك ودرسنا سويا في كلية الطب البشري في جامعة تشرين ،،،مع فارق العمر الكبير بيني وبينك ولكن كنا في نفس السنة الدراسية ،، وفي نفس المشفى لاحقا،الاسد الجامعي،،ولطالما شعرنا بالحزن عندما كنا ننظر اليك بعد ان عرفنا سبب كونك معنا في نفس السنة رغم فارق العمر،، ونظرنا باعجاب ايضا ،،اعجاب لقوة ارادتك ،،في رجعوك للجامعة وتخرجك ،،،ومن ثم الاختصاص وممارسة مهنة الطب بعد فترة سجن طويلة،،ولكن تعليقي على كتاباتك،،،،لك الحق في اتجاهاتك ولا الومك ،،لكن هل تسمي ما في سوريا الان هو ثورة،،،،،عذرا منك ،،هل الغاء الاخر هو ثورة ،،هل تكفير البشر وتحليل ذبحهم ثورة،،هل تقطيع اوصالهم ثورة،،هل تهديم المنشأت التحية لسوريا وضرب محطات الكهرباء وخطوط النفط وتفجير المدارس ثورة،،هل احتلال المشافي واستغلال المساجد بيوت الله لاغراض ارهابية ثورة،،،،لا لا لاوالف لا ،انها ليست ثورة حاليا ،،،في البداية كان برع لثورة الداخل لحل بعض القضايا كالفساد الذي نكرهه جميعا وتعبنا منه وغيره ولكن تحول فيما بعد لحرب ضد سوريا الوطن. .من اطراف عدة داخليا وخارجيا ،،،،عربيا ودوليا،،حرب ليس لاسقاط بشار الاسد فقط بل اسقاط سوريا كدولة ،،اما بالنسبة للشق الثاني من كلامك عن العلويين ،،،اجل هناك خوف من القادم ،،كل الاقليات لديها خوف بطبيعة الحال،،ولكن مع هذا الحقد الكبير الذي رأيناه ضد العلويين والتكفيرات التي الحقت بهم والشتائم من كل حدب وصوب و كلمات سبحان من احل ذبحك ،،،اجل اصبح الخوف اكبر من المجهول القادم ،،كلالاشخاص بطبيعة الحال لديها نزعة لحب طائفتها وهذا ليس عيب وليس تعصب ،،التعصب هو ان تلغي الاخر ،،وهو ان تنتمي لطائفتك قبل انتماءك لبلدك،وبالنسبة لي الطائفية شيئ جديد لم نتربى عليه وهذا ما علمنا اياه رئسنا. .اما الان السؤال الاول الذي يسأله الناس لي وانا في الغربة انت شو ويأخذونالموقف حسب ما ارد وطبعا لايكفيهم انا سورية. .يجب ان اتابع من مدينة كذا ،،ثم يعني من الريف والا المدينة ،،و،،،انا سورية الجنسية ومسلمة ومؤيدة لبشار الاسد والجيش العربي السوري، واتمنى سوريا حرة ديموقراطية واطمح للافضل ولكن حاليا حلمي يقتصر على ان ترجع سوريا فقط مثلما كانت امنة،،،،لانه حتى تصبح سوريا افضل فهي تحتاج عشرات السنين ،،او اكثر ،،هذه هي منتجات الثورة،،
    مع كل التحية من سورية مغتربة،،

اترك رداً على اميرة عمر إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى