صفحات سورية

عن انتهازية المعارضة اللبنانية للمعارضة السورية

 


حسين يعقوب

في العام 2006 وقع 274 مثقفاً وناشطاً وسياسياً سورياً ولبنانياً إعلانا مشتركا أطلقوا عليه “إعلان بيروت ـ دمشق/ إعلان دمشق ـ بيروت” دعوا فيه الى تصحيح جذري للعلاقات السورية ـ اللبنانية “بدءاً بالاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان ومروراً بترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي بين البلدين”. وأكد الإعلان “احترام وتمتين سيادة واستقلال كل من سورية ولبنان في إطار علاقات ممأسسة وشفافة تخدم مصالح الشعبين”. وثيقة اعلان دمشق ــ بيروت أشارت الى أن العلاقات بين سوريا ولبنان محمّلة بعدد من المشكلات تراكمت مفاعيلها عبر عقود منذ قيام الكيانين السياسيين ابتداء من العام 1920.

أتى هذا الاعلان بعد أن بدأت أحداث المشهد اللبناني تتسارع وتتفاعل، محلياً وإقليمياً ودولياً، بعد عملية اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، في الرابع عشر من شهر شباط 2005، والتي كانت بمثابة، زلزالاً سياسياً أصاب لبنان، نظراً لما كان لـ(رفيق الحريري) من وزن سياسي واقتصادي واجتماعي.

وفي هذا السياق أتت تأثيرات وتداعيات الحدث اللبناني على (المعارضة السورية)، في الداخل السوري، بالشيء الإيجابي. فالمتتبع لحالة الحراك السياسي، على الساحة السورية، التي تفاعلت وتنشطت مع قضية مقتل الحريري وتداعياتها على الأزمة اللبنانية، يبدو له وبوضوح ، أن تحولاً ملحوظاً قد حصل في خطاب ولغة المعارضة السورية، ممثلة بالتجمع الوطني الديمقراطي المعارض- وهو تحالف يضم خمسة أحزاب سورية محظورة- فقد أصدر تجمع المعارضة السورية بتاريخ 28-2-2005 بياناً قاسياً في انتقاداته للسلطة السورية، حول الوضع الراهن في لبنان، إذ، يبدي فيه تعاطفاً مع مطالب المعارضة اللبنانية، ويحمل النظام في سوريا مسؤولية تداعيات الأزمة اللبنانية الناجمة عن تأخره في تطبيق اتفاق الطائف، جاء فيه: ان النظام السوري لا يعمل حقيقة إلا على توفير أسباب بقائه واستمراره بكافة الوسائل، مستخدماً لغة منافقة ومضللة، لم تعد تثير اهتمام أحد. لأنها تقوم على تجاهل إرادة السوريين ومطامحهم من جانب، وعلى الاستخفاف بالرأي العام العالمي والقرارات الدولية من جانب آخر.

هكذا غذت أحداث العام 2005 اللبنانية وما تلاه المعارضة السورية لتعاود النشاط من جديد. بعدما كانت قد شهدت في العام 2000 أُطلق ربيع دمشق خلال صيفٍ أنتج لسوريا والدول العربية ظاهرة لم توجد في الجمهوريات الثورية وهي “التوريث”. كان ربيع دمشق هو “العربون” الذي قدمه النظام السوري للنخب السياسية والثقافية في سوريا لتمرير التوريث وعدم الاعتراض عليه. ونتيجة لذلك عاشت دمشق ربيعاً في التسمية فقط، امتدت فترته ما بين صيف حار وحاد شهد تعديل الدستور ووصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم وأداءَه القسم أمام مجلس الشعب في17/7/2000، وشتاء قارص عصف بالحراك السياسي واقتلعه من جذوره معلنا نهايته في 17/2/2001، بعد تجميد قوات الأمن السورية نشاط المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية.

ولأول مرة وفي العام 2005 ومنذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية تلاقى خطاب المعارضة اللبنانية مع خطاب المعارضة السورية، وقدمت الصحف اللبنانية منابرها أمام المعارضة السورية وبدأت صفحاتها تمتلىء بآراء الكتاب والمعارضين السوريين. وقدمت المعارضة السورية بلسان حال مثقافيها وكتابها دعماً لمطالب المعارضة اللبنانية المحقة. ولكن هذا كله لم يأسس إلى علاقات متينة وجدية بين المعارضتين، بل بقية المعارضة اللبنانية تتعطى مع المعارضة السورية على أساس نفعي وليس على أساس تأسيسي لعلاقات ديمقراطية بعيد عن ممارسات حزب البعث الديكتاتوي الذي حكم البلدين بالقمع والفساد والاستبداد ما يقارب 40 سنة.

فلقد تعاطت المعارضة اللبنانية بإنتقائية واستعراض مع قوى المعارضة السورية، واستخدمة اسم المعارضة السورية في الدعاية والاعلان والترويج. من دون الأخذ بعين الاعتبار مطالب ومصالح المعارضة السورية على محمل الجد. بل أكثر من ذلك، فلقد تعاطت النخب الثقافية اللبنانية بدوها أيضاً، بعقلية نفعية متواضعة الطموح على مقاس حجم مساحات بعض صفحات الجرائد والمجلات اللبنانية، فلم نقرأ على هذه الصفحات الا عن الوصاية السورية، والتدخل العسكري، وإعادة تنظيم العلاقة السورية اللبنانية لما فيه مصلحة البلدين..

ففي ظل عز الازمة بين المعارضة اللبنانية والسلطة السورية وفي ظل كل ما قدمته المعارضة السورية بالوقوف الى جانب المعارض اللبنانية، استمر بعض المعترضين اللبنانين بالتباكي من وقت لآخر على عروبة حافظ الأسد وعبد الحليم خدام وعلى نزاهة وحكمة غازي كنعان والوطني المخلص حكمت الشهابي، في حين يحمل كل من هؤلاء ملفا جرمياً كبيرا بحق الشعبين اللبناني والسوري. أنهك شعبه ودمر اقتصاده وأهلك تعبيراته السياسية. (بحسب تعبير أحد الكتاب السوريين)

وفي الأونة الأخيرة، ترافق بدء الانتفاضة السورية مع عودة “الأكثرية النيابية اللبنانية” الى مقاعد المعارضة، بعدما أستطاعت القوى الحليفة للنظام السوري من العودة والسيطرة كلياً على الحكم في لبنان. ورغم ذلك، لم تقم قوى المعارضة بإعادة قرأت هذا الملف على أساس أن نجاح الانتفاضة السورية سيشكل نقطة تحول في العلاقات اللبنانية السورية نحو الأفضل. بل انها أكتفت بقول “جملة سخيفة” ليس تمت للواقع بصلة، أن هذا الموضوع شأن سوري داخلي ليس لنا أي علاقة به. وهذا ما لا تتمناه المعارضة السورية التي دعمت وتحملت أثقال دعمها لمطالب المعارضة اللبنانية في عام 2005 بالإعتقال ومنع السفر والتضيق عليها.

في هذا الصدد فانه على المعارضة اللبنانية ان تكف عن التعاطي مع المعارضة السورية على اساس انتهازي وعليها ان تشارك المعارضة السورية معركتها مع هذا النظام والتوقف عن اللعب والمراهنات الخاطئة، والتي لم تأتي لها بنتيجة ترضي جموع جمهورها اللبناني وتطلعاته. وفي النهاية لا يسعني الا أن أقول ما قالها أحد الكتاب السوريون:”أن عملية استكمال استقلال لبنان واستنهاض ربيع بيروت، لا يكون إلا بالبناء على موقف استراتيجي يقوم على المشترك العام لمصلحة الشعبين السوري/ اللبناني، إذ بغير هذا البناء لا يمكن لرهانات تكتيكية المواجهة مع سلطة من وزن تلك السورية لحجم مصالحها في لبنان ولحجم وتنوع القوى اللبنانية المرتبطة مصلحيا وعقائديا مع النظام السوري. ولن يتم ذلك بدون إنجاز نهضة وطنية سورية لا تستطيع المعارضة السورية إنجازها وحدها ولا تستطيع ذلك بضع مقالات في جريدة أو ظهور وجوه مهترئة شعبيا على تلفزيون ما، أن ما تحتاجه هذه العملية هو أن تضع قوى المعارضة اللبنانية قدراتها الدولية والعربية، المالية واللوجستية في معركة استنهاض الشارع الوطني السوري لضرب النظام السوري في كعب أخيله، الساحة السورية، وبغير هذا لن نرى غير الصراخ في الغابة. أن مسالة إقامة علاقات و روابط حقيقية مع الكتلة الشعبية السورية، تكتسب أهمية استراتيجية في عملية إنقاذ الساحة الوطنية في لبنان كما أنه بدون تحرير الساحة اللبنانية لن تتم بنجاح عملية محاصرة النظام السوري بالشعب السوري”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى