صفحات سوريةطيب تيزينيغازي دحمان

عن ايران والوضع السوري –مقالات لكتاب سوريين

حلف إيران وانتقام الجغرافيا!/ غازي دحمان ()

أبت تلة موسى ان تمنح طوق إنقاذ لحلف إيران الذي تتدهور حالته بشكل يكاد يفوق قدرة كل العلاجات على وقف هذا التدهور، وكان الحلف الذي أنهكته الأعطاب لم يعد يمتلك القدرة على الوقوف بثبات على قدميه، كل ما يفعله لا يتجاوز لسعة هنا وخدشة هناك في اللحظة التي تخور قواه ودون أن يستطيع إقناع أحد بقوته ومهابته.

وعلى مدى جغرافي واسع، كانت إيران تصورت أنها أصبحت جغرافيا صديقة، تتكاثر العثرات وتزداد التضاريس تعقيداً، في لحظة تصبح خرائطها غير ممكنة الفهم والتفكيك، ودائما تتحول إلى أرض معقدة وصعبة، أرض كافرة لكثرة ما تنتج من المتاعب، من كل مغارة يطلع مقاوم وتطيح التلال رايات إيران، إذ لا يكاد رجال إيران يزرعون راية بعد أن يجعلوا من أجساد أبناء فقراء لبنان وأفغانستان واليمن جسراً للوصول إلى السارية حتى تقتلع رياح الأرض تلك الراية، وهكذا في دوامة مستمرة من الاستنزاف جرياً وراء سراب تبعده الأيام أكثر وأكثر.

ما ترفض إيران فهمه ولم تصل أوامره إلى الحلقات الدنيا من منفذي أوامرها «حزب الله» وبقية المنظومة المتناثرة في سوريا والعراق واليمن، هو أن التوازنات تغيرت إلى غير رجعة، أو بالأحرى تحطمت وأنه ليس من الذكاء بشيء الإصرار على عدم رؤية هذه التحولات ولا حتى محاولة إعادة بناء هياكل تلك التوازنات مرّة أخرى، هذا شيء يشبه محاربة طواحين الهواء، وهو وصفة دائمة للاستنزاف غير المجدي لا يمكن إلا لقوة غير عاقلة السير به أو بناء أمال في السيطرة عليه، تجربة أميركا في فيتنام وفي العراق هي نموذج مكبر وساطع يمكن الاهتداء به، وهي درس عسكري خلاصته أنه في اللحظة التي تتحول إلى قوة المهاجمة إلى وضعية الدفاع وتبحث عن مكسب هنا وتقدم هناك ضمن حالة اشتباك واسعة وبيئة معقدة وجغرافيا غريبة فإنها تكون قد بدأت بشراء الوهم بأثمان غالية.

في التاريخ الحديث، أو على الأقل في زمن حكم الجمهورية الإسلامية، لم يعرف عن إيران بأنها دولة منتجة للفكر العسكري المبدع ولا للأدوات القتالية الفاعلة، حتى في حربها مع العراق استندت إلى طريقة مكلفة لا يمكن لجيش عصري استخدامها نظراً لتكاليفها العالية التي يصبح معها حتى النصر خسارة موصوفة، والمقصود هنا طريقة «السلاسل البشرية» لكسر إرادة العدو، لذا لم يكن غريبا أن تفقد إيران مليون مقاتل، باستثناء ذلك اعتمدت إيران على الاعمال ذات الطابع الإرهابي الذي يقوم على الخطف والتفجير، وحتى في هذه اعتمدت بدرجة كبيرة على منفذين عرب من أمثال «الجبهة الشعبية القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل، وعلى «حزب الله» وبعض أجهزة نظام الأسد في عهد الأب والابن، وكل ما كانت تقوم به إيران في هذا المجال كان يقوم على التمويل وتحديد الأهداف.

السبب وراء ذلك أن النظام الحاكم في إيران هو نظام فوضوي بدرجة كبيرة ولا عقلاني في سلوكه السياسي، يكفي أنه يجيّر كل نشاطه وأفعاله في سبيل خروج المهدي المنتظر، وبالتالي يستحيل أن يعمل على بناء مؤسسات مستقرة وثابتة ولإنتاج أفكار متطورة على كافة الصعد والمستويات.

بنت إيران الجزء الأكبر من هيكل نفوذها عبر وكلاء محليين، في لحظة سادها حكم قمعي او نتيجة تسامح أهل الجغرافيا مع أنفسهم مع هذا النفوذ الذي أعتبر في حينه تفصيلاً ثانوياً في ظل انشغال الشعوب والمنطقة في العداء لإسرائيل والتصدي لخطرها، غير أن القضية تحولت إلى درجة الإشكالية من تلك اللحظة التي اعتبرت فيها إيران أن نفوذها ذاك أحد المكاسب الإمبراطورية التي لا يمكن التخلي عنه وانه يجب أن يكون السقف الذي تتحرك تحته كل الديناميات وكامل الفعالية في المنطقة، وهو ما غيّر من ديناميكية الصراع بشكل جذري وجعل الأمور تنقلب لغير صالحها.

ترفض إيران الاعتراف بكل تلك الوقائع التي تترسخ في المنطقة، فهي لم ترَ حتى اللحظة ثورة الشعب السوري ولم تفهم إصراره على نيل حريته، ولم تقرأ معنى انهيار أذرعها التي بالكاد تستطيع عمل زوابع إعلامية بين الحين والاخر، لم تفهم حتى اللحظة ان نظام الاسد تخلّع وتفكك وهو اليوم غير قادر بإمكاناته ومعنوياته سوى على الهروب إلى معاقله في الساحل، وبعد فترة سيفقد هذه الإمكانية وسيتوه في التضاريس بين حمص ودمشق، لم تفهم أيضاً ان» حزب الله» الذي بات يستنجد بالجيش اللبناني ويراهن على تسامح اللبنانيين ورفضهم الانجرار إلى حرب مذهبية كبرى، بان هذا التشكيل العسكري لم يعد كافياً أو قادراً سوى على حراسة مقراته الحزبية بعد أن انهكته كثرة المهام الإيرانية وخذلته الجغرافيا.

وتماماً مثلما كانت بيئة النفوذ الإيراني ومعطياته متحركة وغير قابلة للبناء عليها، كذلك فإن جهد أذرع إيران في المنطقة يجري في بيئة تمتاز بسيولة شديدة وبحركة سريعة لا تحتمل حتى بقاء راية على تلة كتلة موسى لساعات قليلة، هي باختصار ثورة الجغرافيا، بل انتقامها ومكرها الذي يغري غير العارفين بخفايا تضاريسها بالتوغل قبل أن تبتلعهم أو في أحسن الاحوال تفقدهم الإحساس بالاتجاهات بحيث تتحول كلها إلى مهالك، من القلمون إلى الرمادي وجبال صعدة وحتى مهاباد في إيران وبلوشستان: الجغرافيا تثور زلازل وبراكين تحت أقدام الإيراني.

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

اليمن وسورية بين الإندفاع الإيراني والحزم السعودي/ عبدالباسط سيدا

اندفاع النظام الإيراني في اليمن تحت وطأة نشوة ما حصّله في كل من سورية والعراق كان بمثابة غلطة الشاطر التي تُحسب عادة بألف، بخاصة أن هذا الاندفاع سوّق بتوجه مذهبي – امبراطوري عبر تصريحات العديد من المسؤولين، الذين لا يمكن النظام المذكورالتنصّل من واقع وحقيقة قربهم من محيط دائرة القرار، وتأثيرهم فيها.

فاليمن بموقعه الأكثر من استراتيجي، وبحكم تماسه الجغرافي، وتداخله السكاني مع السعودية، كان الخط الأحمر جداً الذي تجاوزته إيران بعبثية غير معهودة، عبثية أثارت الكثير من التساؤل والاستغراب. وهو تجاوز يذكّر المرء بغزو صدام حسين الكويت بناء على اجتهادات لم تتضح معالمها بعد. وربما هي اجتهادات من الطبيعة ذاتها، أو هي توجهات عقائدية متسرّعة تفسّر ماهية الدور الإيراني في اليمن. لكن النتيجة المترتبة على الحالتين هي ذاتها وقد تجسّدت في حسم سعودي- خليجي- اقليمي، وكانت «عاصفة الحزم» بداية التحوّل في طبيعة ومستوى التعامل مع قضايا الإقليم الساخنة.

والحالة اليمنية لا تنفصل عن الحالة السورية، طالما أن السعودية هي الهدف الأساس في نهاية المطاف. وحين تكون السعودية بموقعها وامكاناتها العربية والإسلامية والدولية هي الهدف، فهذا فحواه أن المنطقة بأسرها كانت وما زالت مستهدفة.

أما مصائر الشعوب، ومستقبل أجيالها، وأهمية الاستقرار، وقضايا التنمية في المنطقة فكلها أمور لا تتوقف عندها الاستراتيجية الإيرانية التوسعية، وهي استراتيجية محرّكها نزوع عقائدي متكلّس، لا ينسجم مع طبيعة المنطقة واحتياجاتها، ويتعارض مع الفكر الشيعي الأصيل، بخاصة من جهة الانفتاح، والقدرة المتميّزة على الحوار العقلاني الذي يكون عادة أساساً لأي تواصل.

إن أهمية «عاصفة الحزم» تكمن في المقام الأول في كونها فتحت الآفاق أمام كيفية جديدة للتعامل مع قضايا المنطقة، وذلك في ظل غياب التفاهم الدولي، وعدم فاعلية الموقف الأميركي راهناً نتجية حسابات الحملة الانتخابية وشعاراتها. وقد جاءت هذه العاصفة لتكون الرد الضروري على اللهاث الإيراني، المستفيد من مآلات المشروع الداعشي ومن مناخات الحملة الدولية على الإرهاب، من أجل استغلال الفرص، والتمدّد في مختلف الاتجاهات.

وبناء على ذلك، كانت الجهود الرامية الى تحقيق توافق اقليمي بين القوى المتضررة من المشروع الإيراني، وبصورة خاصة بين السعودية وتركيا، لا سيما أن الساحة السورية بالنسبة إلى تركيا هي على غاية الأهمية، وذلك تماماً مثل الساحة اليمنية بالنسبة إلى السعودية.

ويبدو أن الجهود المعنية حققت تقدّماً لافتاً، وإذا شهد التكامل بين مختلف المواقف الإقليمية المزيد من الانطلاق في المستقبل القريب، سيكون ذلك لمصلحة المنطقة بأسرها، ومن ضمنها إيران بطبيعة الحال. فإعادة التوازن إلى المنطقة، والاستعداد لمواجهة التحدّيات الخاصة بقضايا إيجاد فرص التعليم والعمل للأجيال الشابة، وتأمين الخدمات، بخاصة الصحي منها، للمواطنين، والإسهام في الحضارة الإنسانية وانجازاتها المادية والثقافية من موقع الفاعل المتفاعل المستفيد، وليس من موقع المنفعل المنقاد المنهوب، هي كلها أمور مطلوبة، ستنعكس عواقبها وتراكماتها بصورة ايجابية على واقع الجميع.

وما يشهده الشمال السوري من تقدم لافت لقوات المعارضة الميدانية، وذلك بالتوازي مع التقدم الذي يشهده الجنوب، وتراجع النظام في الكثير من المواقــع، وحالات التآكل ضمن مجموعة القرار المسؤولة بصورة مباشرة عن كل ما لحق ويلحق بسورية وشعبها من تدمير وقتل وتشريد وتجويع، إلى جانب الإنهيار المتسارع في قيمة الليــرة السورية، وهو انهيار يعكس الواقع الكارثي للاقـتـصاد الســوري بحيث لم يعد الدعم الايراني قادراً على التستّر عليه، أو تحمّل أعبـائـه، كل ذلك يــؤكد اننا أصبحنا أمام وضعية جديدة بعد ان استنفد النظام، وبالتنسيق والعمل المشترك مع راعيه الإيراني، كل أوراقه وأسلحته، بما في ذلك ورقة الإرهاب والسلاح الكيماوي، وضعية من أبرز قسماتها استعادة القوى الميدانية السورية المعارضة زمام المبادرة، وارتفاع معنوياتها بصورة لافتة مؤثرة.

وقد جاءت اللقاءات الأخيرة بين ممثلين عن الائتلاف، وآخرين عن الفصائل الميدانية الكبرى سواء في الشمال أم في الجنوب، لتبين بوضوح أن قواعد اللعبة قد تغيّرت، وبأن بوادر انهيار النظام قد بدأت تلوح في الأفق على رغم كل مزاعم التماسك والتظاهر بالقوة.

وبناء على ذلك، نرى أن دعوة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لقوى سورية عدة إلى جنيف، وذلك من أجل التباحث حول امكانية الوصول إلى قواسم مشتركة بخصوص امكانية حل سياسي واقعي، هي دعوة لم تعد تنسجم مع طبيعة المتغيّرات الأخيرة المتسارعة، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في طريقة إجراء المشاورات، ونوعية القوى المشاركة فيها.

وما يُستشف من الأوامر الملكية الأخيرة التي أصدرهـا خـادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الخاصة بالتعيينات والتعديلات التي شملت ولي العهد، وولي ولي العهد، والوزراء ومسؤولي المجلس، هو وجود إرادة جادة لتسليم الملفات المفصلية إلى الطاقات الشبابية، وهي طاقات سيكون في مقدورها تفعيل وتنفيذ الاستراتيجية السعودية في ميدان ضرورة المحافظة على الأمن والاستقرار الاقليميين، وتحقيق التقدم الاقتصادي في مختلف الميادين عبر التعاون والتنسيق مع القوى الإقليمية الفاعلة، بخاصة تركيا. ولبلوغ النتائج المرجوة، هناك حاجة ملحة لتقدير تضحيات وتطلعات شعوب المنطقة بأسرها، والعمل من أجل تأمين حقوقها، واحترام خصوصياتها. وهذا أمر يستوجب التواصل الجاد والعمل المشتـرك مع القـوى الفـاعلة المـؤثـرة محلياً لمواجهة المشاريع التدميرية التي أنهكت البشر والشجر والحجر.

المنطقـــة تــعـيش أوضــاعــــاً استثنائية غير مسبوقة، أقرب ما تكون إلى أجواء حرب كونية بمعايير إقليمية، وفي مناخات كهذه لا تكون الاجراءات المعهودة منتجة، لذلك تكون الحاجة ماسة إلى نمط جديد من التفكير، قادر على اتخاذ القرارات المفصلية بنَفَس استراتيجي يرتقي إلى مستوى التحديات.

* كاتب وسياسي سوري

الحياة

 

 

 

 

علاقة «أبدية» مع سوريا/ د. طيب تيزيني

طالعنا الإعلام التلفزيوني بإعلان إيراني صدر عن أحد المسؤولين الإيرانيين بصيغة خبر أو بقرار، لا أدري بماذا أسميه، يعلن فيه أن إيران لن تتخلى عن سوريا، نعم سوريا وإلى الأبد! وكان ذلك في بداية هذا الشهر، والملفت في هذا الإعلان أنه قد جاء بلهجة حازمة قاطعة!

وهذا ما دعاني، أولاً، إلى التساؤل الجاد عما إذا كان يوجد في المنظومة السياسية السجالية مثل ذلك القطع والحسم، خصوصاً حين يتصل الأمر ببلدين اثنين يملك كل منهما استقلاله الوطني، وثانياً حين يدور الأمر على وضعيات يعبر عنها بلغة هي أقرب إلى الاستخدام الفلسفي أو الديني. فإذا كان التقارب بين إيران وسوريا قد راح في السابق يأخذ صيغاً واضحة وصريحة ومتسارعة، فقد كان ذلك يمثل حالة محتملة، خصوصاً في ظروف مثل عام 2006 حيث كان الموقف الإيراني من إسرائيل موقفاً سلبياً (هكذا ظهر الأمر)، حتى إذا لم يكن قد حدد أهدافه كاملة. وهذا ما لم ننسه. أما ما يحدث الآن، في مرحلة الثورة السورية، من مزيد من التقارب بين البلدين إلى درجة أن جيوشاً وقطعات عسكرية إيرانية تقتحم سوريا للدفاع عن النظام القائم عسكرياً، فإن في ذلك ما يدعو إلى الأسى والاستنكار والشجب.

وستتضح شرعية الاستنكار والشجب للتدخل العسكري الإيراني في سوريا وبقيادة القوات العسكرية لـ«حزب الله» برئاسة حسن نصرالله، نقول ستتضح خصوصاً حين نكون قد سمعناه متحدثاً من قناة «المنار» مُعلناً أن قواته العسكرية لم تدخل إلى سوريا إلا بهدف «حماية المقدسات الشيعية» الموجودة فيها! وبغض النظر عما إذا كان التأكيد على وجود تلك المقدسات في سوريا وارداً، أو لم يكن، فهنالك حتى الآن بعض التساؤلات -بصرف النظر عما إذا كانت تلك المقدسات غير موجودة أو موجودة جزئياً في سوريا- التي يبرز منها التساؤل التالي: إذا كان التاريخ المفترض لذلك الوجود قد شارف على أربعة عشر قرناً هجرياً ونصف القرن، فهل تعتقد يا حسن نصرالله أن المقدسات إياها ظلت دون حماية تليق بأصحابها، بحيث كان من الممكن أن تُنتهك من طرف فئة أو أخرى؟ لا أشك يا حسن نصرالله أن السوريين -أهل الأرض السورية- هم الذين حموا المقدسات وأشرفوا على خدمتها الخدمة اللائقة.

لقد شعرت وشعر الكثيرون من السوريين، ومن أهلنا اللبنانيين، بالكثير من الأسى والألم، ولنقل: وذهب ذلك مع الريح! ولكن أن يقف اليوم في هذه الأيام المأساوية الدامية على السوريين والشعوب العربية، رجل يعتبر شخصية رسمية في إيران، ويصرح بعلاقة جيدة وأبدية مع سوريا الرسمية، فإن هذا ما كان مقبولاً، إذ لماذا يشغل الإيرانيون والآخرون منهم المتعاونون مع قواتكم العسكرية، أنفسهم بمهمات قتال في سوريا وضد شعبها؟ إنه لأمر ما كان له أن يحدث، وإذ هو حدث وترك ويترك دماء سورية زكية تختلط مع الأرض، فإن مثل ذلك القول أصبح سلاحاً تأنف النفس أن توجهه ضد السوريين والعرب جميعاً، بل وكذلك الإنسانية والرأي العام الدولي.

وما أثار العقل وترك أسئلة في القلب والذهن ليس مجرد أمر عارض، ومع ذلك من البداهة أن أدعوك إلى العودة لشعبك اللبناني، ولأخيك السوري، ولدينك القائم على الحرية والعدل. وثمة فكرة أخيرة أستنبطها من الإعلان الذي قدمه المسؤول الإيراني وأعلمنا فيه أنه سيبقى يدعم سوريا فيما هي عليه، وكم شعر كثيرون بخيبة الأمل والمرارة حين سمعوا ذلك المسؤول الإيراني يتحدث بما مؤداه أن ذلك الدعم لسوريا سيبقى «إلى الأبد»! وهذا ما جعلنا نشعر بمرارة وألم منك وعليك، فليس هكذا أيها المتحدث تورد الإبل وتُتخذ المواقف.

الاتحاد

 

 

 

لا ربيع في دمشق وبيروت من دون طهران؟!/غازي دحمان

تثبت الأحداث، يوماً بعد أخر، أن الحرية المنشودة في المشرق العربي لن تتحقّق، طالما بقيت طهران أسيرة حكم الملالي، كما أن الاستقرار والحياة الطبيعية، ستبقى غائبة عن هذه المنطقة، مع استمرار معادلة الحكم القائمة في طهران، ما يعني أن تضحيات الثورة السورية سيكون محكوماً عليها بالمآل والنتيجة اللتين وصل إليهما حراك المجتمع المدني اللبناني الذي انتهى بإحداث تعديلات بسيطة في المشهد اللبناني من دون قلب المعادلة كلياً، بما يتوافق وتطلعات غالبية اللبنانيين، بمختلف طوائفهم وإنتماءاتهم السياسية والفكرية.

والأمر ليس مقتصرا على سقوط أحد رموز التبعية الإيرانية أو إضعاف رمز أخر، فتلك لن تكون سوى سجالات في حرب طويلة الأمد، يديرها ملالي طهران لغايات في أنفسهم. فقد تكشّف أن إيران لديها أكثر من خطة في إدارتها للأزمات المشرقية، وأن خططها تلك تنطوي على تراجعات في أمكنة معينة، مقابل تجميع قواها في مكان آخر. وفي النتيجة، تبقى فاعليتها في التعطيل والتخريب، مؤثرة ومؤذية، بالقدر الذي يبقي منسوب التوتر مرتفعاً، وكفيلاً بإبقاء كيانات سياسية في المنطقة تدور في فلكها.

ليس سراً قيام إيران باختراق النسيج الاجتماعي السوري، وبناء أنساق وتشكيلات موالية لها، تتخذ في الغالب الصفة العسكرية، وهي تشكل ضمانة للوجود الإيراني بعيد المدى، حتى لو اضطرت إلى التراجع في وجه الثورة السورية، مع إدراكها انها قد تضطر أيضاً إلى تغيير بعض الواجهات بأخرى. وهذه التشكيلات مرتبطة عقائدياً وحتى معيشياً بالمركز الايراني، وقد كيّفت قناعاتها بأن الارتباط مع إيران بمثابة الحلف المقدس، بعد أن أقنعت نفسها بأن ارتباطاتها السابقة من وطنية وقومية هي مجرد أوهام، بل أنها مصادر تهديد لوجودها وكيانها.

على ذلك، فإن مواجهة الثوار لإيران على جبهاتهم، على أهميتها، تبقى ناقصة ما لم يتم ربطها بهدف استراتيجي أبعد، وهو جعله خطوة على طريق «ربيع طهران«، وهذا يستدعي إيجاد آليات وتقنيات إضافية للوصول إلى قلب المجتمع الإيراني، وتحريك ديناميات الثورة بداخله، بمعنى ربط الثورة العربية بشقيقتها الإيرانية، والخروج من النظر إلى إيران بوصفها كتلة متماسكة، وأن الحرب معها لا تعدو كونها حربا دينية صرفة. ذلك أن تفحص الوقائع بحيادية، من شأنه ان يكشف خطل هذا الاعتقاد، واستفادة حكم الملالي، وتوابعه في المنطقة، من هذا الخطأ.

يمتاز المجتمع الإيراني بحيويته وثرائه الفكري وتنوعه، وامتلاكه لمختلف التيارات الفكرية من حداثية وليبرالية، وينطوي على توجهات ثورية من خارج تعريف الثورة الإسلامية. كما توجد تيارات مناصرة للمرأة وللأقليات. وهذه التيارات تعارض بشدّة سياسات التدخل الملالي، بل تطالب بتركيز الجهود لتطوير وتنمية المجتمع الإيراني، كأولوية مطلقة. وقد شاهد العالم فعالية هذه التيارات وطبيعة توجهاتها ومطالبها في ثورة طهران الخضراء سنة 2009 ، وكيف جرى قمعها بشدة، وتخلى العالم عنها، لدرجة يصح معها وصفها بالثورة اليتيمة أيضاً.

بالمقابل، يمتاز نظام الحكم في إيران بأنه من أنظمة الحكم الشمولية، وهو عبارة عن خليط من حكم ثيوقراطي أوليغارشي (عسكري مستبد) وإن كانت سيطرة رجال الدين هي الطاغية، إلا أن ذلك لا ينفي بوليسيته، من خلال اعتماده على العديد من أجهزة القمع، في إدارة الحكم وضبط حركة المجتمع وتوجيهها. ولا يخفى على متابع للشأن الإيراني أن الادوات السلطوية للحكم الإيراني من مؤسسات ودستور وعملياتها السياسية من انتخابات وتداوله للسلطة، ليست أكثر من قضايا شكلية، او أقله عمليات تجري ضمن نخبة واحدة، ولا تختلف في ذلك عما هو موجود لدى الأنظمة الديكتاتورية المقيتة في العالم الثالث.

نتيجة ذلك، ثمة انفصال واضح بين ما يطلبه وما يطمح له ويريده الجزء الأكبر من الشعب الإيراني، وما يفعله قادة النظام الإيراني. فتلك المطالب لا تدخل ضمن اعتبارات صناعة القرار ولا تنعكس في نتائج تلك القرارات، وإلا ماذا يعني أن يتبرع نظام الملالي بحوالى 35 مليار دولار لدعم نظام الأسد سنويا، فيما أكثر من أربعين في المئة من خريجي الجامعات الإيرانية عاطلون عن العمل، حسب اعترافات علي لاريجاني، هذا ناهيك عن درجات الفساد العالية في كل المستويات العسكرية والإدارية، التي يغطيها انخراط إيران العسكري على أكثر من جبهة؟

يحتاج العرب في تعاملهم مع إيران إلى ما هو أكثر من «عاصفة الحزم»، خصوصاً بعد أن تبين أنهم لا يفعلون أكثر من قتل أنفسهم، ففي اليمن وسوريا والعراق يقتل العربي العربي، وإذا كان ليس المطلوب أن يكون القتيل إيرانياً، فإنه يستلزم حكما إجبار ملالي إيران على تعديل سياساتهم تجاه المنطقة. وهذا لن يتم بالتصدي لهم في الجغرافيا العربية، لأن هذه المعركة لن تنتهي بعد قرن من الآن، بل من خلال التفكير من خارج صندوق الأدوات وفتح نوافذ الأمل لشعب إيران، الذي لديه ألف سبب وسبب للثورة على نظام خارج من العصور الوسطى، لا مستقبل لديه ولا أمل في إصلاحه. آن الأوان لتوأمة «ثورة المشرق« مع «ثورة إيران«، كي يزهر الربيع في دمشق وبيروت وسائر المشرق.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى