صفحات مميزة

عن بيان الأخوان المسلمون الأخير والوضع في سورية –مجموعة مقالات-

هدفان للإخوان وديمستورا/ عمر قدور

لقد نالت تصريحات ديمستورا حول هزيمة المعارضة، الأربعاء الماضي، ما نالته من ردود أفعال وصلت في ذروتها إلى المطالبة بتنحيته. غير أن المشكلة في ردود الأفعال تلك عدم تصديها للهدف الذي سجله ديمستورا في مرمى المعارضة عبر إعلان هزيمتها، فإذا كانت المعارضة تمثّل حقاً الفصائل العسكرية فتلك الفصائل قد هُزمت، وقادتها يطوّعون هزيمتهم في أستانا بموجب مفاوضات الرعاة الإقليميين. إلا إذا اعتبرنا مناطق خفض التصعيد، واستمرار تحكم هذه الفصائل بها، نوعاً من الانتصار لأولئك الذين يُفترض أن يكون هدفهم إسقاط تنظيم الأسد. تجنيب المدنيين القتل والدمار ذريعة أخلاقية جيدة للقبول بمناطق خفض التصعيد، مع ملاحظة أنها لم تحضر في مناسبات سابقة عندما لم يكن هناك اتفاق دولي وإقليمي على التهدئة، وبالطبع مع ملاحظة أنها تحدّ من شهوة تنظيم الأسد للإبادة.

يبدو أن المعارضة تحسست من استخدام كلمة الهزيمة، فبادر رئيس الهيئة العليا للمفاوضات إلى الرد بأن من هُزم هو مَن بات خاضعاً لإملاءات ملالي طهران، ومَن فقد الشرعية والسيادة والقرار الوطني “أي بشار الأسد”. مضيفاً أن من هُزم هي الوساطة الأممية. كبير مفاوضي الهيئة تحاشى الرد على منطق الهزيمة، فأشار إلى أن تصريحات ديمستورا تهدف إلى التغطية على تقرير للأمم المتحدة كان قد صدر محملاً تنظيم الأسد مسؤولية الهجوم الكيماوي في مجزرة خان شيخون وما يزيد عن عشرين هجوماً آخر. أيضاً مع ملاحظة أن صدور التقرير الأممي لم ينل الضجة الإعلامية التي نالتها تصريحات الوسيط الدولي، والبناء على التقرير ينبغي أن يكون مسؤولية المعارضة في حال وجود نوايا خبيثة للتغطية عليه.

قبل أسبوع من تصريحات ديمستورا كان “المجلس الإسلامي السوري” و”الحكومة المؤقتة” التابعة للائتلاف قد اشتركا في الدعوة إلى تشكيل جيش موحد للثورة، ومن سخرية الأقدار مجيء هذه الدعوة في الوقت الذي تتم فيه تصفية الخيار العسكري نهائياً، ومن دون أن توحي الدعوة بتغيير جذري في الاستراتيجية العسكرية التي اعتُمدت خلال السنوات الست الماضية. ما يجري تداوله على نطاق واسع أن المجلس الإسلامي السوري مقرّب من جماعة الإخوان المسلمين أو بمثابة واجهة لها، والجماعة كما هو معلوم منضوية في المجلس الوطني السوري وفي الائتلاف وحكومته تالياً، ما يعني عودة الجماعة إلى الواجهة بقوة ربطاً بالمتغيرات الميدانية والسياسية.

لكن الهدف الذي سجلته الجماعة في مرمى المعارضة أتى ببيانها الصادر بتاريخ 9 أيلول الحالي، والمعنون بـ”على ضوء المستجدات.. تأكيدات.. والتزامات”. البيان يؤكد نصاً على أن مشروع الجماعة الوطني في سوريا “إنما يدور على بناء سوريا الحديثة دولةً مدنية بمرجعية إسلامية، وأدوات ديموقراطية تعددية وتشاركية”. البيان كما هو واضح لا يقول “مشروع الجماعة الوطني السوري” وإنما مشروعها الوطني “في سوريا”، ومدلول ذلك لا يغيب عن واضعيه. أما الأهم فهو النص على المرجعية الإسلامية للدولة السورية العتيدة، والتأكيد على أنها من ثوابت الجماعة بعد كل ما اقترفته تنظيمات إسلامية في حق سوريين مسلمين أو غير مسلمين، بصرف النظر عما تنسبه الجماعة لنفسها من تأويل معتدل بالمقارنة مع تلك التنظيمات، إذ من المعلوم أن واحداً من أسباب تعدد التنظيمات الإسلامية ما ينسبه كل طرف منها لنفسه باعتباره صاحب الفهم الأصح للإسلام.

في هذا التوقيت، وبينما تتعرض المعارضة لما يشبه الإذلال بغية إخضاعها التام، وبينما هي مطالبة بالإقرار بالهزيمة وبقبول الذهاب بوفد موحد مع منصة تمثل الموقف الروسي بحذافيره، يأتي بيان الجماعة ليزيد الخناق عليها بوضع سقف إسلامي للتغيير الديموقراطي. وأهمية البيان لا تأتي من إصداره فحسب، وإنما من كون الجماعة موجودة بقوة في هيئات معارضة أساسية، أي أن الجماعة قادرة على إفشال عمل تلك الهيئات وإضعافها فوق ضعفها ما لم تراعِ متطلباتها. فوق ذلك لا تراعي الجماعة شركاءها في المعارضة، مع أن الأخيرة متهمة بـ”الأخونة” بسبب الشراكة معها، ولا يغيب عن واضعي البيان ذلك المزاج الدولي والإقليمي الرافض للتغيير بذريعة غلبة القوى الإسلامية على التحركات المطالبة به.

بالعودة إلى تصريحات ديمستورا، ومن ناحية تقنية، يمكن التأكيد على صحتها إذا كانت المعارضة في قسم منها تنطق باسم فصائل مهزومة وإسلام سياسي مهزوم أيضاً. مواجهة هذه التصريحات بإنكار الهزيمة، أو رميها على تنظيم الأسد الذي خسر السيادة والشرعية، يبقيان في الإطار التقني ذاته الذي لا يخدم المعارضة، ولا يخدم السوريين الذين يُفترض بالمعارضة أن تمثلهم. فحقوق السوريين وفق شرائع الأمم المتحدة ليست رهناً بالفوز بالحرب، إنما هي حقوق أساسية “فردية وجماعية” لا يحق لأحد التفريط بها، وبالمثل لا يحق لأحد التنازل في موضوع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

لن تستطيع المعارضة خوض المعركة، من أرضية حقوقية وأخلاقية، طالما كانت تحت ضغط التحالف مع جهتين؛ إسلام سياسي يرى شرعة حقوق الإنسان بانتقائية ويصر على المرجعية الإسلامية، ما يعني سلفاً مصادرة الحق الديموقراطي للسوريين أو لبعضهم، وفصائل عسكرية بعضها متهم بارتكاب جرائم حرب، الأمر الذي سيتُخذ ذريعة لمساواتها بالنظام وتبرئته. حتى تقرير الأمم المتحدة عن استخدام السلاح الكيماوي ترك ثغرة لهجمات لم يتهم النظام بها، وذلك يتطلب من المعارضة تجريم كل من استخدمه بلا تمييز، وأيضاً عدم الانتقائية في التعاطي مع كافة الانتهاكات المرتكبة خلال السنوات الماضية على أساس مرتكبيها.

في كل الأحوال لن تكون المعركة سهلة أو قصيرة أو مضمونة النتائج، لكن ما لم تسترجع المعارضة بشكل قاطع تفوقها الأخلاقي لن تحظى بالمصداقية الكافية داخلياً أو خارجياً. عطفاً على ذلك لا بأس في الاعتراف بالهزيمة، لا الهزيمة الميدانية التي تحدث عنها ديمستورا، وإنما الهزيمة التي تسببت بها فصائل بممارساتها تجاه الأهالي الصامدين في بيوتهم، وبعدم تقديم نموذج بديل جيد من قبلها أو من قبل الهيئات السياسية، وأيضاً الهزيمة التي يحاول اليوم الإخوان التنصل منها برميها فقط على من هم أكثر تشدداً منهم، وربما بتشكيل جيش موحد لم تبقَ له عملياً سوى مهمة محاربة إسلاميين آخرين.

المدن

 

 

 

 

بيان من جماعة الاخوان المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى أبناء شعبنا السوري الحر الأبي..

إلى أبناء أمتنا العربية والإسلامية الأماجد..

إلى أحرار العالم في كل مكان..

تمثّل التغيرات الدولية والإقليمية التي، تشهدها منطقتنا بشكل عام، ووطننا سورية بشكل خاص، زلزالاً عنيفاً يضرب في عمق القيم الإنسانية، ويشكّك في جدية التزام ممثلي المجتمع الدولي بالمبادئ العامة لمواثيق حقوق الإنسان، ويضع القانون الدولي بجملته ومفرداته أمام تحدّيات ضخمة في امتحان الجدية والمصداقية.. وعلى ضوء هذه المتغيرات والمستجدات بآثارها التدميرية والسلبية، تتقدّم جماعتنا -جماعة الإخوان المسلمين في سورية- بهذه المنظومة من التأكيدات والإعلانات، المعبّرة عن مبادئها، ومواقفها السياسية من هذه التغيرات والمستجدات.

أولاً: تأكيدات

إنّ جماعتنا التي اختارت منذ انطلاقة ثورة شعبنا في آذار 2011 أن تكون داعماً مباشراً لثورة شعبنا السوري الحر الأبي، ومعبّراً عن آماله وتطلعاته، تجد أنّ حقاً عليها، ومن الوفاء لأبناء شعبنا بشهدائه ومصابيه، وبأحراره وثواره، أن تعيد التأكيد على تمسّكها بثوابت هذه الثورة المجيدة، وأن ترسم ملامح مواقفها على ضوء المتغيرات والاستحقاقات المستجدة.

– تؤكّد جماعتنا، جماعة الإخوان المسلمين في سورية، أنّها جماعة إسلامية وطنية سورية، سقفها سوري وطني.

– تؤكد جماعتنا أنّها ظلّت ركناً بنيوياً في بناء سورية الحديثة منذ عهد الاستقلال، حتى قيام نظام الاستبداد والفساد 1963. ففي كلّ العهود الديموقراطية ظلّت جماعتنا ركناً ركيناً ثابتاً وفاعلاً في المنتظم السياسي والفكري والاجتماعي السوري.

– ولقد مثّلت جماعتنا بفقهها وفكرها ومشروعها، كما تجلّى في فكر مؤسّسيها، وأساليب حراكها مرجعية للإسلام الوسطي المعتدل. فتصدّت هذه الجماعة، في وقت معاً، لمدارس الجمود والانغلاق كما لدعوات الغلو في الدين والتطرف، كما لممارسات الإرهابيين في كل مكان.

– تؤكّد جماعتنا التزامها الكامل بما سبق وصدر عنها من وثائق (ميثاق الشرف الوطني) 2001 – و (المشروع السياسي) 2004، ووثيقة (عهد وميثاق) 2012. وتؤكّد جماعتنا أنّ مشروعها الوطني في سورية إنّما يدور على بناء سورية الحديثة دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وأدوات ديمقراطية تعددية وتشاركية.

ثانياً: إعلانات ومواقف

إنّنا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية وعلى ضوء التطوّرات العامة التي تشهدها منطقتنا وقطرنا والتي نتابعها على المستويات الدولية والإقليمية، نعلن:

– إيماننا أنّ الثورة السورية كانت ثورة شعبية وطنية عفوية، ثورة من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة الوطنية. ثورة سلميّة أبى الظالم المستبد متحالفاً مع كلّ أشرار العالم إلا أن يضرّجها بدماء المستضعفين الأبرياء.

– تعلن جماعتنا تمسّكها بالحلّ السياسي العادل. الحلّ السياسي الذي يتوافق عليه السوريون الأحرار من جميع مكونات المجتمع السوري الموحد؛ بعيداً عن كلّ سياسات الإكراه والإلزام، أو التهديد بقصف المدافع والطائرات.

– ترفض جماعتنا كلّ المنطلقات الإثنية أو الدينية أو المذهبية لتقسيم مجتمعنا. فالطائفة العلوية لا تتحمل كلّها مسئولية ما تقترفه زمرة الأشرار. والأخوةّ الكرد مكوّن أصيل في مجتمعنا لهم كل الحقوق والضمانات التي تدفع ما ألحقه نظام الاستبداد بهم، في إطار وحدة الدولة والأرض والمجتمع.

– تعتبر جماعتنا القوات الروسية الموجودة على الأرض السورية، قوى عدوان واحتلال، ومن هذا المنطلق تطالب المحتل بالخروج من أرضنا، وبرفع اليد عن قضية شعبنا، وتعتبر ذلك مدخلاً أوّلياً للوصول إلى الحل السياسي المعبر عن إرادة السوريين وتطلعاتهم.

– ترى جماعتنا في الاحتلال الإيراني احتلالاً استيطانياً يمثّل مشروعاً قومياً فارسياً، ومشروعاً طائفياً شيعياً، كما يمثّل مشروع هيمنة ونفوذ على المستوى السياسي. وبالتالي فإنّ جماعتنا، مع رفضها كلّ المنطلقات والممارسات الطائفية، ترى في الاحتلال الإيراني مشروعاً يهدّد هوية الشعب السوري ووحدة أرضه، ولا بدّ من العمل على خروجه بكلّ الوسائل المشروعة.

– لقد قرّرت جماعتنا، منذ انطلاقة الثورة السورية المباركة، أن تكون كما هو عهدها دائما، جزءاً من الجسم الوطني العام، حرصاً على وحدة، الصف، واجتماع الكلمة، واليوم وشعبنا وكلّ أحراره يتابعون حجم المناورات والتآمرات على ثورة هذا الشعب البطل العظيم.. واستباقاً لأيّ خطوة قد يفرضها المحتلّون والمناورون على شعبنا، أو قد يستجرّون إليها المشاركين في أستانة أو في جنيف فإنّ جماعتنا تعلن أنها لن تكون جزءاً من أيّ حلّ يفرض على شعبنا بالإكراه، ولن توقّع على أي وثيقة لا تضمن صراحة:

1- الحفاظ على هوية الشعب السورية، ووحدته المجتمعية، ووحدة أرضه الجغرافية.

2- تحقيق أهداف شعبنا بتأسيس دولة وطنية ذات سيادة، تضمن أمن جميع المواطنين وأمانهم وحرياتهم وكرامتهم، والمساواة التامّة فيما بينهم، كما تضمن وقف جميع أشكال التمييز العرقي والطائفي والحزبي والفئوي.

3- النصّ صراحة على محاسبة كل المجرمين الذين ارتكبوا المجازر بحق أبناء شعبنا، أمام قضاء حرّ ونزيه وعادل. وإنّ أيّ اتفاق يسمح للمجرمين أن يفلتوا من العقاب، سيكون مدخلاً لمراحل أخرى من دوامات العنف والفوضى وسفك الدماء.

4 – تعلن جماعتنا تأكيداً لكل التزاماتها السابقة، أنّها لن تكون شريكاً في التوقيع على أيّ وثيقة أو حلّ نهائي لا يتضمّن إبعاد بشار الأسد وإنهاء دوره سواء في المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سورية.

– وأخيراً فإنّ جماعتنا وهي تتطلع إلى بناء سورية دولة مدنية حديثة يضمن الدستور والقانون كلّ مواطنيها، تؤكد لكل المشككين والمتشكّكين أن مجتمعنا بأكثريته الطيبة الخيرة؛ ظلّت على امتداد القرون، هي الضامن الوحيد لأمن كلّ أبناء المجتمع، حين كانت مجتمعات أخرى تغرق في سياسات الاستئصال ونبذ المخالفين.

((وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)) (يوسف ٢١)

جماعة الإخوان المسلمين سورية

١٨ ذي الحجة ١٤٣٨

٩ أيلول ٢٠١٧

 

 

 

 

 

 

عن بيان إخوان سورية/ سلامة كيلة

كان ثمّة اعتقاد بأن جماعة الإخوان المسلمين السورية انطوت على ذاتها، بعد أن ظهر لها أنْ لا دور لها في سورية في كل الأحوال، وبعد تراجع دور داعميْها، تركيا وقطر، والصفقات التي تعقدها تركيا مع روسيا، لكن المفاجئ صدور بيان عنها، بعد اختفاء طويل، يتناول “رؤية” طالما كرّرتها الجماعة، حين تكون في “موقف تكتيكي”، أو في “زنقة”، أي حين تريد اللعب البراغماتي. ويبدو أن المأزق الذي تعيشه، والذي يفرض أن تتوارى وتندثر، فرض عليها العودة إلى التذكير بما قالت في العقدين السابقين، وإعادة صياغة الأفكار ذاتها، مع تحديد موقفٍ من “الوضع الراهن”.

قبل تناول بعض ما ورد في البيان، لا بدّ من الإشارة الى أن الجماعة مستمرة بالتعامل وكأن الأمور “طبيعية”، وأنها تعلن موقفها مصرّة على رحيل الأسد، وتحقيق “الدولة المدنيّة ذات المرجعية الإسلامية”، معتمدة على الأكثرية التي تعتبر أنها كلها تسير خلفها، وهي التعبير عن رؤاها ومصالحها. قبل ذلك، ليس في البيان، كما في بيانات ومواقف سابقة، ما يشير إلى أخطاء في علاقة الجماعة بالثورة، ولا إشارة إلى الوضع الذي وصلت إليه الثورة، والأسباب التي أدت إلى ذلك. ربما كان هدف البيان هو العكس، أي التغطية على ذلك كله، وإعادة إظهار الجماعة “إسلاما معتدلا”، و”مدنيا”، ومصرّا على أهداف الثورة. لكن المشكلة أن الجماعة كانت أوّل من رفض أهداف الثورة، وعمل على تلبيسها أهدافها هي. وهذا الشغل هو ما أوصل الثورة إلى أن تغرق تحت سطوة المجموعات “السلفية الجهادية” التي طالما دافعت الجماعة عنها، والأخطر أنها مهدت الطريق لهذه المجموعات. فقد لعبت منذ البدء، والشباب يصرخ في الساحات: “لا سلفية ولا إخوان.. الثورة ثورة شبان”، على أسلمة الثورة وتطييفها، منذ أوجد بعض أفرادها صفحة “الثورة السورية ضد بشار” التي كانت تمتلئ بالمنظور الطائفي القميء، إلى التحكّم عبرها في أسماء أيام الجمع، وفرض أسماء “دينية”، على الرغم من كل احتجاجات الشباب والتنسيقيات، إلى التحكّم في نقل الصورة عبر قناة الجزيرة، وفرض شعاراتٍ ملبّسة تلبيساً للتظاهرات، ومنع كل الشعارات المدنية الديمقراطية من أن تنشر. فقد كانت سبّاقة في تشكيل “شبكة إعلامية”، وهيئاتٍ باتت هي الناقل الحصري لكل الفيديوهات التي ترسل. إضافة إلى “فبركة” المجلس الوطني، بالتعاون مع أطراف معارضة (إعلان دمشق) وبدعم إقليمي كان متحالفاً أصلاً مع نظام بشار الأسد، وبات يريد سلطةً بديلةً يتحكّم فيها عبر هذه الجماعة. وكذلك الشغل على التدخل “الخارجي” (أي الأميركي)، على الرغم من أنه كان واضحاً استحالة ذلك، بينما أضرّ بالثورة، وأخاف منها. وأيضاً دورها “الأصولي” في السيطرة على التعليم، في مخيمات اللجوء في تركيا على الأقل.

ذلك كله يعني أن الجماعة، بسياستها، كانت جزءاً من الفاعلين على تدمير الثورة، بطموحها الذاتي، ومصالحها الضيقة. وبالتالي، لا بدّ من أن تحاسب على كل ما فعلته. لكنها تهرب من ذلك إلى اللعب بالأفكار من جديد. وهي تعتبر أنها باتت مدنيّة، ويبدو أنها تفهم المدنيّة بتقليص الديمقراطية إلى حرية أحزاب (قبل أن تسيطر) وانتخابات (إلى أن تنجح)، بينما لا دولة مدنية بمرجعية إسلامية، لأنها تصبح دولة دينية، فالأمر يتعلق بالحق في التشريع الذي بات من حق المواطنين المتساوين، أي من دون تمييزٍ على أساس الدين أو الطائفة أو الإثنية أو الجنس. والمرجعية الإسلامية تميّز بين المسلم وغير المسلم، وتفرض شريعةً ليست من نتاج الشعب. ولا يعني وجود أغلبية “سنية” أن الدولة يجب أن تكون “إسلامية”، فالدولة المدنية تبدأ في فصل الدين عن الدولة، ولهذا هي مدنيّة، أي دولة يتحكم بها الشعب بلا مسبقات فوقهم. لهذا الدين شأن شخصي على الدولة حمايته ككل المعتقدات الشخصية. ويجب أن يكون واضحاً أنه لا دولة ديمقراطية من دون أن تكون علمانية، بالضبط لأن أساس الديمقراطية هو المواطن المجرّد إزاء الدولة من دينه وطائفته وإثنيّته وجنسه.

العربي الجديد

 

 

 

إخوان سورية: رهان خاسر/ علي العبدالله

من دون مناسبة واضحة أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سورية بياناً سياسياً وجهته «إلى أبناء شعبنا السوري الحر الأبي»، و «إلى أبناء أمتنا العربية والإسلامية الأماجد»، و «إلى أحرار العالم في كل مكان»، تضمن فقرتين: «تأكيدات» و «إعلانات ومواقف»، عرّج في الأولى على موقف «الجماعة» السياسي ومشاركتها في التاريخ السياسي والثورة السوريين، وطبيعة مواقفها وثباتها عليها، وذكّر بالوثائق التي سبق وأصدرتها «الجماعة» في العقد الماضي (ميثاق الشرف الوطني في 2001، والمشروع السياسي في 2004، ووثيقة عهد وميثاق في 2012)، ومر في الثانية على الوضع الجديد في سورية فأورد مواقف «الجماعة» من «الثورة السورية» و «الحل السياسي» و «المنطلقات الإثنية أو الدينية أو المذهبية» و «الاحتلالين الروسي والإيراني» للأرض السورية، وعرض منطلقات «الجماعة» في تعاطيها مع الوضع الراهن في سورية من «الحفاظ على هوية الشعب السوري، ووحدته المجتمعية، ووحدة أرضه الجغرافية» إلى رفض «التوقيع على أيّ وثيقة أو حلّ نهائي لا يتضمّن إبعاد بشار الأسد وإنهاء دوره سواء في المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سورية» مروراً بمحاسبة المجرمين «الذين ارتكبوا المجازر بحق أبناء شعبنا، أمام قضاء حرّ ونزيه وعادل» و «تحقيق أهداف شعبنا بتأسيس دولة وطنية ذات سيادة، تضمن أمن جميع المواطنين وأمانهم وحرياتهم وكرامتهم، والمساواة التامّة في ما بينهم، كما تضمن وقف جميع أشكال التمييز العرقي والطائفي والحزبي والفئوي».

لم ينطوِ بيان «الجماعة» على جديد يبرر إصداره، ما يستدعي قراءة ما بين السطور وربط صدوره بالتطورات السياسية والميدانية الأخيرة على الساحة السورية، وبخاصة دعوة «المجلس الإسلامي السوري» لتشكيل «الجيش الوطني السوري» والبدء بالإعلان عن الفصائل والكتائب الموافقة على الاشتراك في العملية، وارتباط ذلك بالتحرك الإقليمي والدولي لمعالجة الوضع في محافظة إدلب بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» على معظم المحافظة، والاجتماع المرتقب في الآستانة الذي سيبحث الوضع فيها من أجل إيجاد مخرج تتوافق عليه الدول المشاركة في الاجتماع، ما يجعل إصدار البيان تكملة لدعوة «المجلس» لتشكيل «الجيش»، التي وقفت «الجماعة» خلفها، ويجعلهما بمثابة تقديم أوراق اعتماد لدى القوى الإقليمية والدولية بالإعلان عن «فرس رهان» مستعد للقيام بمواجهة الموقف في محافظة إدلب ومحاربة «الهيئة» هناك.

لكن أمام نجاح العرض وتحقيق هدفه بتلزيم «الجيش الوطني السوري»، ومن خلفه «الجماعة»، مواجهة «الهيئة» وبسط سيطرته على المحافظة، وتحوله/ تحولها إلى شريك وصاحب حصة في مستقبل سورية عقبات كثيرة وكبيرة أولها المناخ الإقليمي والدولي، الذي لم يبتعد عن المراهنة على الإسلام السياسي المعتدل لاحتواء تطرف الجماعات «الجهادية» فقط بل بات قريباً من وضعه في خانة الطرف المنبوذ، موقف تشترك فيه دول عربية وغير عربية، ومحدودية إمكانات تركيا، عرّاب «الجماعة» وراعيها الإقليمي، في مواجهة تطورات وتحولات المشهد المحلي والإقليمي والدولي العميقة والمتسارعة ما أضطرها للدخول في تحالفات ومراهنات تلزمها بالتخلي عن هذه الرعاية، هذا إضافة إلى ما تطرحه الصراعات الإقليمية والدولية على الحصص وتقاسم النفوذ في سورية من مساومات وتفاهمات معقدة لا دور للأطراف الضعيفة ولا حصص لها فيها.

يبقى أن طبيعة المشروع الذي تتبناه «الجماعة» العقبة الرئيسة في وجه قبول الدعوة /العرض. صحيح أن وصف «الجماعة» لنفسها بـ «جماعة إسلامية وطنية سورية، سقفها سوري وطني» يريح قوى إقليمية ودولية لكنه لا يشكل جواز مرور كافٍ عند وضعه في إطار مشروع «الجماعة» ككل والذي حدده البيان بـقوله: «إنّ مشروعها الوطني في سورية إنّما يدور على بناء سورية الحديثة دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وأدوات ديموقراطية تعددية وتشاركية»، حيث من المتعارف عليه، وما استقر في التجربة السياسية الحديثة، وأصبح قاعدة راسخة في الفقه الدستوري، أن الدولة ليس لها دين، بمعنى عقيدة سياسية، محدد، وأن تحديد دين للدولة يحولها في شكل آلي إلى جهاز قسر وتسلط وقهر، كما اتضح من تجارب شيوعية وقومية وإسلامية عديدة، فالدولة بما هي شخص اعتباري، لا تصبغ بلون عقائدي معين، ولا يصح إلزامها بذلك، وأنها مالك السلطة الوحيد الذي يفوض سلطاته إلى مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وان اختيار السلطتين التنفيذية والتشريعية يخضع لإرادة المواطنين الذين يختارون لإدارتهما عبر صناديق الاقتراع قوى حزبية منظمة أو شخصيات مستقلة ويمنحونهم حق التصرف لفترة يحددها الدستور يخضعونهم بعدها للمساءلة وللاستبدال في ضوء نتائج فترة الحكم، وهنا سمحت التجربة السياسية الحديثة للأحزاب والقوى الحاكمة بصبغ النظام بصبغة سياسية أو اقتصادية خاصة، فالأنظمة يمكن أن تكون إسلامية أو قومية، ليبرالية أو اشتراكية … الخ، وليس الدولة التي يجب أن تبقى دولة الجميع وفوق الجميع في آن. هذا من دون أن ننسى الدور السلبي لتاريخ «الجماعة» الذي عرف تقلبات سياسية وانتهازية أضعفت صدقيتها وشككت في أقوالها ومواقفها وحدت من فرص المراهنة عليها، ناهيك عن الأثر المدمر لتجربة إخوان مصر في الحكم خلال رئاسة محمد مرسي القصيرة على صورة جماعات الإخوان المسلمين وفرص وصولهم إلى الحكم.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

اضطرابات «الإخوان المسلمين» السوريين/ ماجد كيالي

للإنصاف فإن حديثنا عن جماعة «الإخوان» في سورية لا ينفي وجود حالات متنورة أو متقدمة في هذه الجماعة، ولا المظلومية التي تعرضت لها، ما ينطبق على غيرها من القوى. كما لا ينفي ذلك أن ثمة تجارب «اخوانية» أفضل وأكثر انفتاحاً كما في تونس والمغرب، ناهيك عن تيارات إسلامية أخرى أكثر نجاحاً واستيعاباً لمتطلبات العصر والعالم كما في إندونيسيا وماليزيا وتركيا. أيضاً لا يعني ذلك أن «الإخوان» نسيج وحدهم، إذ التحول إلى جماعة هوياتية أو أيديولوجية، مغلقة، يكاد يكون سمة لمعظم التيارات العربية العلمانية والقومية واليسارية والليبرالية، التي ينطوي كل منها على تنويعات أيضاً. وطبعاً فإن تجربة «الإخوان» السوريين تظل مقيدة أو محدودة بالنظر لافتقارهم للتجربة السياسية، بحكم حرمان السوريين من السياسية طوال نصف قرن، وهذا ينطبق على غيرهم من المعارضة. وبحكم أن الجماعة نمت في الخارج أكثر مما نمت في الداخل، في العقود الثلاثة السابقة.

مناسبة هذا الكلام البيان الذي أصدرته جماعة «الإخوان المسلمين» في سورية مؤخّراً، بعنوان: «تأكيدات وإعلانات مواقف»، والذي يبيّن الاضطراب في هذه الحركة، والتباس المفاهيم التي تطرحها، وضعف إدراكها لها أو إيمانها بها، وتراجعها عن عديد من القيم التي كانت أعلنت تبنيها أو تعهدتها في أوقات سابقة.

مثلاً، فقد نص ذلك البيان، في فقرات مختلفة، تأكيد الجماعة «على بناء سورية الحديثة دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وأدوات ديموقراطية تعددية وتشاركية»، (لاحظ كلمات أدوات ومرجعية إسلامية) وعلى تأسيس «دولة وطنية ذات سيادة، تضمن أمن جميع المواطنين وأمانهم وحرياتهم وكرامتهم، والمساواة التامّة فيما بينهم…» في حين أن الجماعة ذاتها كانت أصدرت «وثيقة العهد والميثاق» (آذار 2012) تعهدت فيها بإقامة «دولة مدنيّة، تقوم على دستور مدنيّ». أي من دون الحديث عن مرجعيات من أي نوع. كما نصت على فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية»… وإقامة «دولة ديموقراطية تعددية تداولية… ذات نظام حكم جمهوريّ نيابيّ… الشعبُ فيها سيدَ نفسه… دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم… تلتزم بحقوق الإنسان… وحرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد والعبادة، وحرية الإعلام، والمشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية…»، وهذا نص لا يحتمل اللبس، وفيه لغة حاسمة، وطنية ومسؤولة، تتحدث عن الديموقراطية من دون كلمات مراوغة مثل آليات أو أدوات، التي تعني التحفظ على الديموقراطية، كما تتحدث عن دستور مدني وليس دينياً، في حين أنها في النص الجديد (والبيان الذي سبق في حزيران الماضي) لا توضح ماهية النظام السياسي المطلوب لسورية المستقبل. فما الذي حصل ولماذا تراجعت الجماعة عن ذلك؟ وهل كان موقفها الأول مجرد للاستهلاك والتورية؟ أو ما الأمر حقاً؟

وربما يفيد التوضيح هنا أنه لا يمكن أحداً، لا الإسلاميين ولا العلمانيين ولا القوميين ولا اليساريين الحديث عن الديموقراطية من دون إقامة دولة المؤسسات والقانون والمواطنين، الأحرار والمتساوين، لأنها لن تكون ديموقراطية للخداع أو للانتخابات أو للجماعات الهوياتية الطائفية والأيديولوجية، إذ لا ديموقراطية من دون حرية، ومن دون حقوق مواطنة للأفراد، حيث الحقوق فردية وليست جماعية، ولأن الافراد الأحرار، الذين يتمتعون بمكانة المواطنة، هم الذين يكوّنون المجتمع الحر، في حين العكس غير صحيح، ويطرح للتلاعب والمخاتلة.

قد يجدر التأكيد هنا على حق أي جماعة بتبني الأيديولوجية، أو الأفكار التي تريد، وهذا ينطبق على التيارات الإسلامية، أيضاً، فالحرية لا تتجزأ، لكن ليس من حق أي جماعة أن تفرض فكرها بالإكراه، أو بمعونة جهاز الدولة، على المجتمع، لذا من حق الجماعة في بيانها التأكيد أن «سقفها سوري وطني» وأنها تتمثل مرجعية الإسلام «الوسطي المعتدل»، كما من حقها ممارسة النشاط السياسي، مثل غيرها، بالوسائل الديموقراطية، ومن دون التحريض على العنف أو الكراهية أو التعصب إزاء الآخر المختلف.

ثمة إيجابيات في البيان طبعاً ضمنها نصه رفض «كلّ المنطلقات الإثنية أو الدينية أو المذهبية لتقسيم مجتمعنا. فالطائفة العلوية لا تتحمل كلّها مسؤولية ما تقترفه زمرة الأشرار. والإخوة الكرد مكوّن أصيل في مجتمعنا لهم كل الحقوق والضمانات».

لكن يلفت الانتباه في البيان المذكور تنصّل الجماعة من المسؤولية عن ما يجري في سورية، سيما ارتهان المعارضة لأطراف إقليمية معينة، أو تصدر الجماعات الإسلامية العسكرية المتطرفة (وضمنها جبهة النصرة تحديداً)، أو مسؤوليتها عن صبغ الثورة بصبغة طائفية ودينية، أو مسؤوليتها عن مآلات المعارضة وضمن ذلك تنصلها من المسؤولية أي حل قد توقع عليه، أو ترضى به، هذه المعارضة في آستانة أو جنيف.

فإذا كانت جماعة «الإخوان» في سورية لا تتحمل أي مسؤولية عن كل ذلك فمن الذي يتحمل؟ أو ما هو دورها إذاً في الثورة طوال السنوات الماضية؟ أيضاً، لماذا لم تتمسك الجماعة بوثيقة العهد والميثاق (2012)؟ ولماذا تركت للخطاب الطائفي والديني يتصدر الثورة، ما أضر بوحدة السوريين وبسلامة وصدقية ثورتهم، وأفاد النظام؟ أيضاً تقول الجماعة في بيانها أنها تصدّت «لمدارس الجمود والانغلاق ولدعوات الغلو في الدين والتطرف، كما لممارسات الإرهابيين»، فكيف حصل ذلك ومتى؟ ومن هي هذه المدارس؟ وهل تصدت الجماعة حقا لجبهة النصرة وأخواتها، التي نكلت بالثورة وبالجيش الحر، وفرضت مفاهيمها قسراً في المناطق التي تسيطر عليها؟ هل دحضت منطلقاتها الفكرية، المتعلقة بالحاكمية والحدود والخلافة والجهاد إلى يوم الدين والفسطاطين؟ هل كشفت الغطاء عن تغطيها بالإسلام واحتكارها تفسيره؟ المشكلة أن كل هذه الأمور لم تحصل حتى الآن، وحتى أن الجماعة لا يبدو أنها تدرك أن هذه النمط من الكيانات الإسلامية لم يضر بالثورة السورية فقط ومجتمعات السوريين (لا سيما «السنة»)، وإنما أضرّ بشرعية ومكانة مجمل التيارات الإسلامية المعتدلة، أو التي تقدم نفسها على انها كذلك، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون ذاتهم.

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى