صفحات مميزة

عن تقاطع الموقف الروسي والإسرائيلي من الأزمة السورية –مجموعة مقالات-

 

محور بوتين ـ نتنياهو: رميم “الممانعة” وغرام “المبادرة”/ صبحي حديدي

إذا كانت دبابة، فقدتها إسرائيل خلال اجتياح لبنان سنة 1982، هي هدية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المادية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بمناسبة زيارته إلى موسكو مؤخراً؛ فإنّ هدية الأخير إلى بوتين معنوية، ثمّ سياسية بامتياز: إدخال الكرملين على خطّ التسويات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، والإسرائيلية ـ العربية عموماً، في موازاة السلّة التي كان البيت الأبيض يحتكرها، وفيها يضع العرب كلّ البيض. ليس دون مقابل إضافي (إذْ أنّ الدبابة الهدية ليست كافية في حدّ ذاتها!)، يتمثل في سعي بوتين إلى إدخال تل أبيب على خطّ التنسيق العسكري الأمريكي ـ الروسي في سوريا؛ كما سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية على صلة وثيقة بصنّاع القرار في إسرائيل.

وتلك خطوة تستوجب، من موسكو دائماً، استدراج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وضمان بعض الرضا ـ أو، على الأقلّ، الصمت ـ من الجانب السعودي. وفي أوّل برهان عملي على انخراط موسكو في تجريب الفكرة، قررت موسكو تخفيض مشاركتها في المؤتمر الوزاري الذي شهدته باريس مطلع الشهر، حول التسوية العربية ـ الإسرائيلية، فاكتفت بإرسال ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية سيرغي لافروف. ليس هذا فحسب، بل حرص بوغدانوف على تقديم اقتراح بصدد المستوطنات الإسرائيلية، أقرب إلى صورة طبق الأصل من مقترح أفيغادور ليبرمان القديم: منح السلطة الفلسطينية أراض «إسرائيلية» ذات أغلبية سكانية عربية، مقابل تخلّي السلطة عن أراض داخل الضفة الغربية تتكدس عليها المستوطنات.

ولكي يتخذ مشروع هذا المحور الروسي ـ الإسرائيلي الجديد صيغة تطبيقية ميدانية، لها أيضاً صفة اختبار النوايا والجاهزيات، فقد شاء نتنياهو منح بوتين امتياز تنظيم مؤتمر دولي، فلسطيني ـ إسرائيلي في الجوهر، لا يسحب البساط من تحت المبادرة الفرنسية، والشريك الأمريكي فيها، فحسب؛ بل يفرغها من محتواها أيضاً، ضمن تكتيك إسرائيلي مزدوج: رفض ما يُعرف باسم «المبادرة العربية»، في قمة باريس؛ وقبولها، ولكن ضمن إعادة تصنيع روسية، في مؤتمر موسكو الذي يُخطط له. لهذا كان لافروف هو الذي تولى قصب السبق في إعلان موافقة نتنياهو على المبادرة، مؤكداً أنه لم يسمع من رئيس الوزراء الإسرائيلي أي شرط مسبق، أو تعديل، لها؛ الأمر الذي «يجعل من الممكن النظر في تفاصيل الخطوات التالية لتطوير تسويات سلمية إسرائيلية ـ فلسطينية وإسرائيلية ـ عربية». في السياق ذاته، ولكن من باريس هذه المرّة، أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أنّ المبادرة العربية تضم «جميع العناصر التي تتيح التوصل إلى السلام»؛ نافياً أي تعديل لأيّ من بنودها، ومؤكداً أنّ المملكة تعتبرها «الفرصة الأفضل»، وآملاً أن «تسود الحكمة في إسرائيل وأن يوافق عليها الإسرائيليون».

والمرء، بادىء ذي بدء، يحقّ له أن يتساءل عن معنى إعادة تفعيل مبادرة أُقرّت في قمّة بيروت سنة 2002، وعُرفت باسم آخر أوضح مغزى في الواقع، أي «مبادرة الأمير عبد الله» وليّ العهد السعودي يومذاك: أهذا نبش من باطن الأرض، لما بات من عاديات الزمن، بعد 14 سنة حفلت بعواصف هوجاء وهزّات عاتية؟ وبأيّ رميم عظام سوف يُبنى كيان تلك المبادرة، ومَن سيفعّل ماذا، مع مَن؟ وما رُفض في الماضي، من جانب إسرائيل أولاً، ومحور «الممانعة» تالياً؛ كيف يُقبل اليوم من إسرائيل، ولماذا؟ وهل يكون رميم تلك «الممانعة»، المشغولة بقتال الشعب السوري، جنباً إلى جنب مع نظام الاستبداد وجرائم الحرب والإبادة، هو الملاط وحجر الأساس؟

للمرء، مع ذلك، أن يستذكر تفصيلاً طريفاً وذا دلالة في آن معاً: أنّ «المبادرة» اتخذت، في الأصل، شكل مقترح تبسيطي، تكشّف في سياق دردشة (غير بريئة على الأرجح) بين الأمير عبد الله والصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان؛ قبل أن ينقلب المقترح سريعاً إلى «مبادرة سلام» هلّلت لها الأمم شرقاً وغرباً. الجديد الخطير لم يكن يكمن في صدور المقترح عن المملكة العربية السعودية (بما كان يعنيه ذلك من شحنة سياسية ورمزية دالّة)، وعن الأمير عبد الله بالذات، وليّ العهد والحاكم الفعلي والرجل الذي عُرف عنه التشدّد في القضية الفلسطينية ومسألة القدس (الأمر الذي كان لا يستبعد غياب الإجماع حول المقترح في صفوف الأمراء السديريين، أو عدم اتضاح أيّ نوع من التوافق بين آل سعود والمشايخ الوهابيين، في أمر يمسّ ثوابت المملكة وجوهر موقعها السياسي والديني في المحيط العربي والعالم الإسلامي).

الجديد الخطير كان يكمن في تلك المقايضة، الجديدة بالفعل على الأجندة الرسمية العربية: الأرض مقابل التطبيع، والتطبيع الشامل كما لاح آنذاك (وكما توجّب أن نفهم من كلام فريدمان، وليس من التعليقات السعودية)؛ من النوع الذي تريده الدولة العبرية، وكانت وما زالت تسعى إليه. التطبيع الذي يُدخلها في عَقْد الشرق الأوسط كدولة مشارِكة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وكعامل «منشّط» و»محرّض» وضامن لولادة «الشرق الأوسط الجديد». هذا ما حلم به الصهاينة الأوائل، وهذا ــ وليس «السلام» التعاقدي، أيّاً كان محتواه ومفرداته ــ هو ما يسعى إليه الصهيوني ـ السياسي، والصهيوني ـ العسكري، والصهيوني ـ رجل الأعمال، والصهيوني ـ المبشّر الثقافي…

والحال أنّ قرارات الأمم المتحدة ذاتها، و242 بصفة خاصة، لا تشترط كلّ هذا «الغرام» بين الدول العربية وإسرائيل، مقابل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. كذلك فإنّ مبدأ «الأرض مقابل السلام»، الذي استند إليه مؤتمر مدريد وبات حجر الأساس في إطلاق «العملية السلمية» العربية ـ الإسرائيلية؛ لا يقول بما قالت به المبادرة، أي: التطبيع التامّ بين إسرائيل والدول العربية كافّة. وفي هذا تكون «دردشة» الأمير عبد الله قد ذهبت أبعد ممّا ذهبت إليه مبادرات وجهود ومؤتمرات أخرى حول السلام في الشرق الأوسط، من مشروع الملك فهد في العام 1981 (الذي عُرف بعدئذ باسم «خطة فهد») إلى مفاوضات كامب دافيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، مروراً بمؤتمر مدريد دون سواه.

وفي الأساس، ما الذي كانت الرياض تريده من طرح المبادرة؟ بل ما الذي أراده الأمير عبد الله بالذات، استطراداً؟ لماذا ـ إذا صدّقنا رواية فريدمان، كما نقلها عنه ناحوم برنياع في «يديعوت أحرونوت» آنذاك ـ كان مكتب الأمير عبد الله متلهفاً على نشر مقال فريدمان حول المبادرة، أكثر بكثير من لهفة الصحافي الأمريكي نفسه؟ ولعلّ أولى مفاتيح الإجابة على هذه الأسئلة كانت تلك الريبة الغريزية التي تقود إلى القول بأنّ المبادرة موجهة إلى البيت الأبيض أكثر من أرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل في حينه؛ وأنّ حاجة المملكة إلى ترميم علاقاتها مع الإدارة الأمريكية، وتحسين صورتها أمام الرأي العام الأمريكي بعد هجمات 11/9، كانت أشدّ إلحاحاً من رغبة الأمير عبد الله في إطلاق مبادرة سلام لا يمكن أن تحظى بشعبية داخلية، في أوساط مشايخ الوهابية بصفة خاصة.

وفي الخلاصة فإنّ ما يقترحه محور بوتين ـ نتنياهو، اليوم، لا يتجاوز ذرّ الرماد في العيون واللعب في الوقت الضائع، ومن الإنصاف الترجيح بأنّ رميم «الممانعة» العربية، الذي يخلّفه أمثال خامنئي وحسن نصر الله وبشار الأسد، مروراً بأمثال قاسم سليماني وهادي العامري وقيس الخزعلي؛ هو مادة الترميم الأولى، التي لن تزيد العظام إلا تسوّساً ونخراً.

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

تنازلات روسية قليلة/ عبد الرحمن الراشد  

التطور الإيجابي الأخير أن روسيا صارت تسوق الحل السلمي، الداعي لإشراك المعارضة السورية، وذلك لأول مرة منذ دخولها عسكريًا الحرب إلى جانب النظامين السوري والإيراني. الجانب السلبي تريد أن تبقي بشار الأسد مع معظم الصلاحيات الرئيسية وتنازل عن جزء للمعارضة، وهذا حل سيّئ وبالتأكيد مرفوض للمعارضة ولن ينجح.

هل يمكن أن يطور الروس أفكارهم بما يمكن المتفاوضين من التوصل إلى حل أخيرًا؟

الروس أكملوا نصف عام، وبعد دخولهم بآخر تقنية السلاح المتطور في مختبراتهم، لم يحققوا كثيرًا من وعدهم بدحر أعداء نظام الأسد، حتى مدينة حلب التي تعهد الروس بتحريرها لا تزال معظمها في يد المعارضة. وهذا لا ينفي أن قوات الأسد وحليفه حزب الله حققوا تقدمًا على الأرض بالسيطرة على بعض المواقع والبلدات، لكنها ليست انتصارات حاسمة، ولا يوجد في الأفق القريب حدوث مثل هذا الاحتمال. والانتصارات المحدودة للنظام ليست نتيجة لجهود الروس والإيرانيين العسكرية، بل في معظمها هي نتائج للضغوط على تركيا التي اضطرت لإغلاق ممرات عبور المسلحين والتمويل، وتسببت في تقليص دعم الدول المساندة للجيش الحر وبقية القوى السورية المسلحة.

ورغم هذه الانتكاسات فإن المعارضة السورية لا تزال تمسك بثلث مساحة سوريا والنظام بأقل من الثلث والجماعات الإرهابية بنحو الثلث أيضًا. كما أن الروس ذاقوا في منتصف الشهر الماضي أول هزيمة لهم موجعة، أعادت ذكرى أفغانستان عندما دمرت لهم طائراتهم المروحية الرابضة على الأرض في قاعدتهم العسكرية بين حلب وتدمر، ودمرت جماعات مسلحة أيضًا طابورًا طويلاً من شاحنات التمويل. الروس أنكروا الحادثة لكن مركز ستراتفورد الاستخباري أصدر صورًا لا مجال للشك فيها تبين حجم الدمار قبل وبعد الهجوم.

وسواء كان الهجوم تم بدعم، أو إرشاد، من قوى خارجية لإعادة التوازن من جديد على أرض المعركة، الذي اختل بسبب تدخل موسكو وتقلص الدور التركي، وسواء كان المهاجمون هم من تنظيم داعش الإرهابي أو الجيش الحر الوطني، فإنه يبقى تطورًا نوعيًا مهمًا يؤكد أن تكاليف الحرب ستكون باهظة على الجميع وليس فقط على الشعب السوري الذي ترمى عليه البراميل المتفجرة ويُقصف عشوائيًا بلا أدنى محاسبة دولية.

حلفاء الأسد الرئيسيون الثلاثة، الروس وإيران وحزب الله، اكتشفوا أنه لا انتصار ممكنًا في سوريا من دون حل سياسي، بخلاف تصوراتهم السابقة. تواجههم مشكلتان، الأولى عجزهم عن التقدم لأن أغلبية الشعب السوري بالتأكيد ضد نظام الأسد، وبالتالي دعم نظام أقلية مرفوض لن يحقق لهم السيطرة الدائمة حتى لو حققوا انتصارات على الأرض، والتحدي الثاني للمعتدين أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في القتال لعام وأعوام لاحقة دون أن تلحق بهم خسائر متزايدة.

الحل السياسي الذي طرأ عليه تقدم صغير الأسبوع الماضي يبقى المخرج للروس والإيرانيين، ولن يكون من دون تنازلات حقيقية تلغي رأس السلطة، وهي الاقتراحات التي تبناها مؤتمر جنيف الثاني.

أما الفريق الأميركي فقد أخذ دور الحكم، ويأمل في أن تنتهي المباراة بالتعادل أو ينتهي وقت الرئاسة دون خسائر سياسية في المواجهة في سوريا، ويترك الأزمة للرئيس الأميركي المنتخب لاحقًا. الضغط الروسي يتضاعف على الإدارة الأميركية من أجل توسيع دائرة أهدافه العسكرية بعد أن فشلت الحملات العسكرية الأخرى حتى الآن في إنتاج نصر عسكري.

مرة أخرى يفترض ألا تلهينا القضايا التفصيلية عن لُب الصراع، وهو التوسع الإيراني في المنطقة، الذي يريد السيطرة على العراق وسوريا ولبنان والذي لا يمكن معالجته فقط من خلال حل يرضي الروس في دمشق. التنازل لهم يعني التنازل عن إيران في كل المنطقة لا سوريا وحدها.

الشرق الأوسط

 

 

تسابق نحو موسكو يأساً من أوباما أم أميركا ؟/ روزانا بومنصف

في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الاميركية في مطلع تشرين الثاني المقبل ووصول رئيس اميركي جديد تشهد المنطقة سباقا محموما على روسيا لا يقتصر على اسرائيل التي زار رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو موسكو مرتين خلال شهرين واتصالات قوية منذ دخول روسيا عسكريا في سوريا لمنع انهيار نظام بشار الاسد في نهاية ايلول الماضي بل يشمل ايضا الدول العربية وكذلك ايران على نحو يثير تساؤلات عميقة في مقدمها: هل ان هذا التوجه الكثيف في اتجاه موسكو ينتظر رحيل الرئيس الحالي باراك اوباما باعتبار انه اصبح بطة عرجاء من اجل معرفة ما اذا كانت ستنشأ سياسة اميركية مختلفة ازاء دول المنطقة ولا سيما دول الخليج العربي ام ان هذه الدول قطعت الامل من الولايات المتحدة وقررت الانفتاح جديا على روسيا وتحسين اوراقها تحسبا لاي طارئ؟

يقول مطلعون إن هذا السؤال قد يعني بقوة دول الخليج العربي اكثر من اسرائيل مثلا التي ستجد موقعها وتميزها في اي معادلة اميركية جديدة، في حين تجد هذه الدول وضعا اكثر صعوبة ازاء تراجع اهميتها بالنسبة الى اميركا في العامين الاخيرين. وفيما يوجه المرشد الايراني علي خامنئي انتقادات قوية الى الولايات المتحدة على نحو يوحي باستمرار العداء الشديد وعدم التهاون ازاء اي تغيير في العلاقات بين ايران واميركا، فان الواقع الايراني يعكس أمرا مختلفا وفق ما ينقل هؤلاء المطلعون عن نخب ايرانية. فالايرانيون لديهم شعور بالزهو والقوة ازداد في الاشهر التي تلت توقيع الاتفاق النووي. وهم، على ضوء ما يعتبرون انها انتصارات تحققت لهم عبر الاتفاق كما عبر مد نفوذهم الى بعض دول المنطقة، يظهرون استعلاء على العرب على نحو لا سابق له. ومع ان اسباب هذا الشعور لدى ايران فارسي قومي قديم، الا ان ما عززه هو مجموعة عناصر احدها يعود الى نجاح المفاوضات حول الاتفاق النووي وخوف العرب من هذه المفاوضات ونتائجها المحتملة. وقد اضيف الى ذلك شعور العرب ان الولايات المتحدة قد تخلت عنهم، فيما يعتقد الايرانيون ان وضعهم افضل نتيجة ما يعتبرونه ورطة السعودية في اليمن. كما يزيد تعزيز هذا الشعور هيمنة ” حزب الله” على لبنان، وهو عامل لا يستهان به خصوصا ان ” الانسحاب ” الرمزي السعودي من لبنان اتى على خلفية الاقرار بسيطرة الحزب على هذا البلد. الا ان الاهم في الفوقية الايرانية المستجدة التي يتم السعي الى توظيفها بقوة لا يعود الى تبدل العلاقة مع الولايات المتحدة بل ايضا الى تبدل وضع الايرانيين داخل الولايات المتحدة. فهؤلاء يشعرون بالقوة ازاء ما يعتبرون انه عدائية ضد المملكة السعودية في الولايات المتحدة وبالمقارنة بين صورة ايران وصورة العرب هناك ولا سيما صورة دول الخليج، فان ايران تبدو مزهوة بان صورتها قد تحسنت كثيرا ازاء تراجع صورة خصومها. اذ تعتبر انها ربحت المعركة وتستمر في ربحها داخل الولايات المتحدة وان ما حصل من تسوية على النووي بينهما لا يقتصر على السياسة الخارجية بل ان هناك علاقة جديدة مع المجتمع الاميركي. وهذا ما يجعلها في موقع قوة في مركز حليف قديم محسوب على الدول العربية منذ عقود ونجحت ايران في اختراقه

هذا التنافس في اتجاه موسكو علنا وفي اتجاه الولايات المتحدة ضمنا يظلل مساعي او محاولات لفتح قنوات خلفية للحوار في المنطقة بين ايران والدول الخليجية يقوم بها بعض الدول عبر اطراف ثالثين او على نحو غير مباشر. الا انه ليس واضحا اذا كان يمكن ان يشهد اختراقا ما ام لا قبل تسلم الادارة الاميركية الجديدة مهماتها السنة المقبلة.

النهار

 

 

 

سر الود بين بوتين ونتنياهو/ سميح صعب

في ماضي العلاقات السورية – التركية السابق للحرب التي نشبت عام 2011، محاولة قام بها رجب طيب اردوغان وكان عامذاك رئيسا للوزراء للتوسط بين دمشق وتل ابيب، وتوقفت مع هجوم الكومندوس الاسرائيلي على سفينة “مافي مرمرة” في مياه المتوسط التي كانت تقود قافلة انسانية لفك الحصار عن قطاع غزة.

ما يستدعي الان التذكير بالدور التركي في حينه، هو الدور الذي يقوم به الان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتمتع بعلاقات جيدة الآن مع كل من سوريا واسرائيل، والزيارات المتكررة التي يقوم بها نتنياهو لموسكو والحفاوة التي يلاقيها في الكرملين وهو ما افتقده في البيت الابيض في عهد باراك أوباما حيث تميزت علاقات الرجلين بالجفاء على رغم مواصلة السخاء الاميركي في المساعدات العسكرية لاسرائيل، فقط كان مطلوباً من أوباما ان يهاجم ايران عسكرياً، الامر الذي امتنع عنه فاستحق عدم الود من نتنياهو.

وباستثناء الكلام العمومي عن العلاقات الروسية – الاسرائيلية وضرورة تعزيزها وخصوصاً مع وجود أكثر من مليون روسي يهودي في اسرائيل وعن مستلزمات التنسيق العسكري الروسي – الاسرائيلي فوق السماء السورية كي لا يحصل تصادم عرضي بين الجانبين، لا يصدر شيء محدد عن قيام روسيا بدور محدد أو ما يشبه الوساطة بين سوريا واسرائيل على غرار ما فعل اردوغان في يوم من الايام. أما الكلام عن الدور الروسي في ما يتعلق بالمساعدة على ايجاد حل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، فيبدو من قبيل الشكليات التي تقال في كل مناسبة، وربما أدركت روسيا ان ما يطلق عليه عملية السلام في الشرق الاوسط هي حكر على الولايات المتحدة على رغم ان روسيا عضو في اللجنة الرباعية وكانت تربطها علاقات تاريخية بمنظمة التحرير الفلسطينية.

وفي غياب أي مؤشر لحقيقة هذا الود بين روسيا واسرائيل، الذي يتجاوز حكماً كل ما يقال عن ضغط اسرائيلي لعدم تسليم روسيا صواريخ “اس 300” الى ايران او عن التنسيق الجوي في السماء السورية، تبقى الاسئلة معلقة حول هذه المسألة على رغم انه يجب ألا يغيب عن الذهن ما اذا كانت روسيا تجد في اسرائيل تعويضاً عن تركيا بعد تدهور العلاقات الروسية – التركية عقب اسقاط مقاتلات تركية مقاتلة “سوخوي” روسية على الحدود السورية الخريف الماضي. وربما كان بوتين يحاول أيضاً تفادي مزيد من الحصار الاميركي والاوروبي المطبق عليه بسبب أوكرانيا أو انه يحاول ألا يزيد دائرة الاعداء لا في الشرق الاوسط ولا في العالم.

كلها تساؤلات تحاول تلمس حقيقة هذا التطور المتسارع في العلاقات الروسية – الاسرائيلية. ولن يطول الوقت قبل ان تبدأ الامور بالانجلاء.

النهار

 

 

 

النزاع السوري: التقاطعات الروسية مع إيران وإسرائيل تحت عين واشنطن/ د. خطار أبودياب

تتسارع التطورات إبان الشهور الصعبة في النزاع السوري، وتُسلط الأضواء الإعلامية على معركة منبج تمهيدا لمعركة الرقة. لكن الوقائع السياسية، هذا الأسبوع، وأبرزها زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو، والاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري في طهران، تعتبر فائقة الأهمية لأنها تكشف عن القفز الروسي على الحبل المشدود في الساحة السورية ما بين أطراف يفتـرض أنهـا متخاصمة، وكل ذلك تحت سقـف تنسيق جـون كيري – سيـرجي لافروف.

هل يستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (لاعب الجودو) من نهاية ولاية باراك أوباما كي تكسب استراتيجيته الملتبسة بالنقاط ويزهو عندها القيصر الجديد بغنيمته السورية؟ أم تبرز الاستحالة لأن تبديد شبح تنظيم داعش سيضع الكل أمام مسؤولياتهم وعندها يتضح من يريد الحل السياسي فعليا، ومن يناور للاحتفاظ بالسلطة أو للإمعان في الاهتراء والتفتيت، وصولا إلى إعادة تركيب الإقليم في فترة لاحقة؟

قبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى موسكو (ثالث زيارة له إلى روسيا منذ سبتمبر 2015) قام الكرملين بخطوة رمزية تمثلت في إعادة دبابة إسرائيلية شاركت في معركة السلطان يعقوب، التي وقعت خلال حرب لبنان في العام 1982. ويبدو أن إعادة “الغنيمة السورية” من المعركة إلى إسرائيل تأتي في إطار تحسين العلاقات بين روسيا وإسرائيل، خصوصا بعد الدخول الروسي المباشر للحرب السورية. وبالفعل، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “أن زيارات نتنياهو المتكررة إلى موسكو هي ثمرة لعلاقات الثقة القائمة”. ولم يقتصر الأمر على التعبير عن مخاوف الجانبين وطمأنة أحدهما الآخر، ولا على التعاون في مجالي الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة، بل تعداه إلى تنسيق استراتيجي لتفادي الصدام، كما بالنسبة إلى موقع حزب الله في سوريا وتسليحه، أو كما في نزاع أذربيجان – أرمينيا ونقاط تعارض أخرى منها بيع السلاح الإسرائيلي لجورجيا وأوكرانيا وأذربيجان، وبيع السـلاح الروسي إلى إيران.

لا بد للمراقب أن يلاحظ أن غياب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن مؤتمر باريس حول الشرق الأوسط في 3 يونيو، واكتفاء موسكو بإيفاد ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي، وهذا يعطي دليلا إضافيا على رغبة موسكو في تجنب أي إزعـاج أو نقـد محدود لإسـرائيل في الملـف مع الجـانب الفلسطيني. وهكذا تبدو العـلاقة الروسية – الإسرائيلية متينة ومستندة إلى مصالح متبادلة كثيرة ووجود ديموغرافي هام لليهود مـن أصل روسي في إسرائيل. وهكذا لم يكن عبثـا وصف أرييل شارون يوما لفلاديمير بوتين بـأنه صديق إسرائيل الكبير. بالطبع تبقـى إسرائيـل مقيـدة بتبعيـة استراتيجية إزاء واشنطن، لكن بالرغم من تدهور العلاقة الشخصية بين أوبامـا ونتنياهو، هـناك قراءة إسرائيلية تركز على أنه أيا كان الرئيس الأميركي الجديد، لن تعود واشنطن بزخم إلى الشرق الأوسط، وأنه لا بد من التعامل مع اللاعب الـروسي بصفته من القوى الدولية المؤثرة في الجوار الإسرائيلي. وبحسب مصادر روسيـة فـإن تفاهـم بوتين ونتنيـاهو على عدم التركيز على مصير الرئيس السوري لأنـه “ليس من أولويات إسرائيل”، بل كان الأهم، بحسب هذه المصادر، هو “التعهد باحتـرام المصـالح الأمنية الإسرائيلية”، مقابل دعم إسرائيل لاستمرار تسليم واشنطن بالدور الروسي القيادي في الملف السوري.

والملفت للنظر أن تتزامن نهاية الزيارة الإسرائيلية إلى مـوسكو مع استضافة طهران لاجتماع رفيع المستوى بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا من “أجل تنسيق المعركة ضد داعش”، كان هذا في ظاهر الأمر حتى لا تربح واشنطن قصب السباق نحو الرقة، لكن في حقيقة الأمر كان ذلك بغاية دراسة تنسيق المواقف بخصوص وقـف الأعمال العدائية وإطلاق النار بعد بروز مواقف روسية رفضت في الأسابيع الماضية مجاراة إيران والنظام السوري في التصعيد حتى لا يسقـط التفاهم مع واشنطن.

كان هناك عتب متبـادل في طهـران (نتيجة التنسيق الروسي – الإسرائيلي يطرح البعض في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت تساؤلات عن اختراقات في اغتيال مصطفى بدرالدين القائد العسكري والأمني في حزب الله) نتيجة الخسائر الكبرى في معارك جنوب حلب، لكن ذلك ترافق مع مسعى إيراني لانتزاع وعود من روسيا للقيام بعمليـات مشتركة واسعة تهدف إلى إسقـاط كل الشمـال السوري، ودفـن الحراك الثوري السوري وتعويم النظام، من خلال استغـلال تركيز واشنطن الحصري على الحرب ضد داعش وعلى قرب دخول الإدارة الأميركية “مرحلة البطة العرجاء”.

من خلال القفز على الحبل المشدود، يمسك فلاديمير بوتين بالورقة السورية بشكل عام، مع مراعاة لمصالح إسرائيل وطمأنة إيران ومنظومة بشار الأسد، إضافة إلى الضغط على تركيا، ومحاولة عدم قطع الجسور مع الدول العربية في الخليج.

يرتبط نجاح التوجهات الروسية بالقدرة على عـدم “استفزاز واشنطن” في حال توسيع العمليـات العسكـرية، خاصـة أن جون كيـري يربط اسمه بمحاولة إنقـاذ المسار السلمي حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة.

تأمل واشنطن، كمـا باريس ولنـدن وبرلين، في أن تلتزم موسكو بما وقعت عليه في فيينا في شهر مايو الماضي، حول بدء الحكم الانتقالي في سوريا في الأول من أغسطـس القـادم. لكن من يسمع خطـاب الأسد الأخير ومجريات اجتماع طهران الثلاثي، يتضح له أن الوعود الروسية ستبقى من دون تنفيذ، وأن غبار المعارك ضد تنظيم داعش كفيل بحجب الرؤية عن حقيقة اللعبة الجهنمية الدائرة على الأراضي السورية.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

“بوتين” يتسلل إلى الشرق الأوسط عبر طهران .. ومصالحه في سوريا غير مهددة/ سمير التقي وعصام عزيز

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

من المهم أن نأخذ فترة لإعادة التفكير في أحداث الفترة التي تلت تدخل روسيا الشديد الوطأة في سوريا في الخريف الماضي، وحتى فشل الجهود الدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة في التوصل إلى حل سياسي هناك. تمثل هذه الفترة مرحلة انتقالية مهمة في نهج موسكو في التعامل مع النظام الذي أسسته الولايات المتحدة في المنطقة. كما أنه يكشف عن الاستراتيجية الكامنة للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بما تحتويه من نقاط القوة ونقاط الضعف.

ونحن نرى أن قرار بوتين بالذهاب إلى سوريا في الخريف الماضي كان مرتبطا بعملية التوقيع على الخطة الشاملة للعمل المشترك بين المجتمع الدولي وبين إيران، كما أنه كان مرتبطا بمصالح روسيا في الشرق الأوسط بشكل عام.

هناك اعتقاد شائع بأن تدخل روسيا في سوريا جاء من أجل الحفاظ على وجودها في شرق المتوسط. هناك العديد من الحقائق التي تدعم هذا الادعاء، مثل اكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة في هذه المنطقة، وحقيقة أن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس هي قاعدتها الوحيدة في الشرق الأوسط على وجه العموم.

ولكن الاتصالات بين بعض دول الخليج العربية منذ نهاية عام 2014 حتى الشهر الماضي تخبرنا عن تعهدات العرب بضمان الحفاظ على مصالح روسيا في سوريا في أي هيكلة لمرحلة ما بعد «الأسد» في حال قام «بوتين» بتغيير سياساته في سوريا، وأن تلك التعهدات قد وقعت على آذان صماء. وحتى وعود توسيع وتنويع العلاقات بين الدول العربية وروسيا لم تكن كافية لجذب انتباه «بوتين».

هذا يعني أمري: أن الرئيس الروسي كان يسير من البداية على قرع طبول مختلفة. وأن الدول العربية لم تتمكن من قراءة أفكار «بوتين» بشكل صحيح. وعلاوة على ذلك، فإن العروض العربية كانت تركز فقط، أو على الأقل بشكل أساسي، على أن روسيا ترغب في الحفاظ على مصالحها في شرق البحر المتوسط. وقد كانت هذه العروض فرصة مغرية للحفاظ على تلك المصالح في لحظة بدا فيها «الأسد» هشا للغاية، ولكن «بوتين» قد رفض الاستجابة لها.

يكمن الافتراض الأكثر قبولا في أن «بوتين» يرى الأمور من زاوية أوسع. هذه الزاوية لا تأخذ في الاعتبار سوريا فحسب ولكنها تنظر أيضا إلى إيران وبقية دول الشرق الأوسط.

دعونا نعود إلى هذه الفترة من الزمن (2013-2014) ونسأل سؤالا بسيطا: كيف يمكن لروسيا أن تكون قادرة على مد جسر جديد نحو الشرق الأوسط؟ يأتي الجواب مباشرة من خلال تلك الطريقة التقليدية في التفكير: تحسين العلاقات الثنائية مع الدول الرئيسية في المنطقة. ولكن مثل هذا النهج التقليدي غالبا ما كان يسفر فقط عن نتائج كمية.

في كل مكان في الشرق الأوسط، كانت العلاقات الإقليمية للولايات المتحدة صلبة هيكليا نظرا لأنها استندت على تاريخ طويل من العلاقات مع الجهات الفاعلة الرئيسية، إلا في مكان واحد وهو إيران.

إذا أرادت روسيا دخول المنطقة من خلال دول الخليج العربي، فإن دورها سوف يظل دوما ثانويا بالمقارنة بالولايات المتحدة. لقد كان من المستحيل بالنسبة لموسكو تحقيق أي مكاسب استراتيجية في نظام تم تشكيله من قبل الولايات المتحدة في البنك العربي الخليجي. كان هدف «بوتين» هو عكس هذا النظام وإقامة نظام آخر يمكن لموسكو فيه أن تكون لاعبا رئيسيا.

كان المكان الوحيد الذي لم يكن لديه أي مشتركات مع الولايات المتحدة، بخلاف العداء المتبادل، هو إيران. ولكن إيران في ذلك التوقيت كانت معزولة عالميا وهشة اقتصاديا. من أجل استخدامها كبوابة لروسيا إلى الخليج وإلى الشرق الأوسط بشكل عام فإنه كان يتعين أولا معالجة المشاكل التي من شأنها أن تقلص دورها في المستقبل في الوقت الذي تقوم فيه موسكو باستثمار رأسمالها السياسي في طهران. من خلال ذلك، فإن روسيا ستكون قادرة على بناء جسر مع طهران على أساس من التعاون لإيجاد حلول لمشاكل إيران. كانت المهمة الأولى هي فك القيود عن البلد الوحيد الخالي عن أي نفوذ أو تواجد أمريكي.

وقد أعرب العديد من المراقبين وحتى المسؤولين، بمن فيهم الرئيس «أوباما»، عن استغرابهم من الدور البناء الذي لعبته روسيا في توقيع الاتفاق النووي. بالإضافة إلى إتمام مهمة «بوتين» الأولى في فك القيود عن إيران، فقد كان من المهم أيضا بالنسبة لموسكو منع إيران من امتلاك السلاح النووي. كان الدور البناء الذي لعبته موسكو في الصفقة النووية يخدم مصالحها من كلا الوجهين: منع إيران نووية على حدودها الجنوبية، والنفاذ إلى الشرق الأوسط عبر الوجهة الوحيدة التي كانت الولايات المتحدة ضعيفة فيها أو غير موجودة.

وقد تحقق السيناريو كما رسمه «بوتين» تماما في هذه المرحلة المبكرة. كان الأمل أن موسكو يمكن أن تغير رأيها من خلال العروض العربية هو ضرب من السذاجة. سياسات «بوتين» ليست أساسا حول سوريا. ولكن تأتي في المقام الأول حول إيران وتاليا حول سوريا.

لكن أين هي نقاط الضعف في هذه الاستراتيجية؟

للإجابة على هذا السؤال فإننا بحاجة للعودة خطوة إلى الوراء ومسح الصورة العامة لمحاولة اكتشاف ما يطلق عليه علماء الرياضيات «المتغير المستقل»، وهو ذلك العامل القادر بشكل مستقل على تشكيل دور جميع اللاعبين الآخرين: وهو دور الولايات المتحدة. هذا هو الدور الذي يمكنه أن يحدد مصير خطة «بوتين». كان مصير هذه الخطة يعتمد على عنصرين: نجاح المحادثات النووية، وقدرة روسيا على تثبت للإيرانيين مدى فائدة الحصول على دعمها من أجل أن تكسب موسكو بابا غير أمريكي إلى الشرق الأوسط وإلى الاعتراف الدولي كلاعب على المسرح العالمي.

وقد كان هامش المناورة الأمريكي محدود في كلا المسارين. كانت واشنطن تريد عقد صفقة مع إيران، كما أنها لم يكن لديها أي شهية لمواجهة الإيرانيين في أي أزمة إقليمية سواء كانت تشمل روسيا أم لا.

في الوقت الذي كانت فيه موسكو مستعدة لتظهر للإيرانيين إلى أي مدى يمكن الاعتماد عليها، فقد كانت الولايات المتحدة ترسل رسالة مقلقة لحلفائها الإقليميين مفادها: نحن لن نفعل شيئا. ومن المذهل أن نعلم أن العرض الأولي للتوصل إلى اتفاق نووي قد أدلى به الإيرانيون في عام 2009 وشمل استعداد إيران لإجراء محادثات حول دورها الإقليمي، بما في ذلك الدعم لحزب الله.

العرض، كما قدم إلى الوسيط العماني في ذلك التوقيت، تم نقله إلى «دينيس روس» مستشار شؤون دول الخليج ومنطقة جنوب غرب آسيا لوزيرة الخارجية في ذلك التوقيت «هيلاري كلينتون». كان الوسيط العماني هو رجل الأعمال «سالم بن ناصر الإسماعيلي». وقد تضمن إشارة واضحة على الاستعداد للتفاوض على مستقبل «حزب الله». وفي النهاية فقد استقرت الولايات المتحدة على عقد اتفاق تقني صارم لا يمكن اعتباره فوق النقد حتى من الناحية التقنية.

وقد أكد الإيرانيون وقتها أن العرض الإيراني قد تم التصديق عليه من قبل «آية الله خامنئي». كان هذه في الواقع فرصة ذهبية للضغط من أجل ترتيب مختلف في منطقة الشرق الأوسط يشمل تضمين العرب الإيرانيين في ترتيبات أمنية مشتركة مضمونة من قبل الولايات المتحدة، وبالتالي حرمان موسكو من أي باب محتمل في المنطقة.

حاليا، تظهر الدينامية الإقليمية أن الصراع قد دخل تلك المرحلة التي تعلب فيها روسيا بالنسبة لإيران نفس الدور الذي تعلبه الولايات المتحدة بالنسبة للعرب. وتماما كما استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية لتحرير الكويت من القوات العراقية في عام 1991، فإن الروس الآن يستخدمون القوة العسكرية لتحقيق الهدف الإيراني بإبقاء «الأسد» في السلطة.

نقطة الضعف في خطة «بوتين» هي ببساطة أنه لا يمكن لأحد أن يضمن أن إيران في نهاية المطاف سوف يعاد دمجها في الاقتصاد العالمي مع كل العواقب السياسية المتوقعة. كما كتبنا في مناسبة سابقة، فإن سبب قيام روسيا بفتح ذراعيها لـ«قاسم سليماني» والحرس الثوري في أكثر من مناسبة يرجع إلى أنه في كثير من الأحيان كان المتشددون الإيرانيون هم الحلفاء الموضوعيين لموسكو. يمكن لهؤلاء المتشددين أن ينسفوا أي تقارب لإيران مع الغرب كما فعلوا مع البحارة الأميركيين في يناير/كانون الثاني الماضي.

لكن في نهاية المطاف سوف تعود المصالح الموضوعية لتفرض كلمتها على السياسيين. سوف يخسر المتشددون في نهاية المطاف وسوف يتم إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي. وهذا يعني أن روسيا، التي لديها أقل القليل لتقدمه للإيرانيين في هذا الصدد، سوف تظل محدودة في نهجها.

ميدل إيست بريفينغ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى