صفحات الثقافة

أدونيس في مرمى شباك الظلام.


حمزة رستناوي

الدعوات لتكفير المثقفين من مفكرين و مبدعين و التحريض عليهم ليس بجديدة في التاريخ العربي الاسلامي المعاصر , هذه الدعوات التي تتحصّل في الواقع إلى افعال أحيانا يطلقها رجال دين و اتجاهات اسلاميّة تكفيرية , لا تؤمن أساسا بالديمقراطية و التعدديه و اختلاف الرأي , اتجاهات تحمل لواء التكفير و التخوين و التحريض على التصفية الفكرية و الجسدية.

إن السلطات الاستبدادية القائمة حاليا في العالم العربي و خاصة ذات الإيديولوجيات القومية و الحداثويّة البائد منها و الباقي كما في العراق و ليبيا و الجزائر و سوريا و مصر و تونس لعب دورا ايجابيا في لجم الفكر الجوهراني الاحادي لرجال دين و اتجاهات اسلاميه تكفيرية في المجتمعات , و لكن هذه السلطات لم تقم بذلك إيماناً و دفاعا عن التنوير و الثقافة التعدّدية بل قامت بذلك خدمة لما يضمن بقائها في السلطة , من حيث لجم القوى المعارضة ذات التوجّه الاسلامي التكفيري , و في أحيان غير قليلة كانت هذه السلطات تقوم بالتضحية بهؤلاء المثقفين أو نتاجاتهم كرشاوى للجماعات الاسلامية و الموالين لها فكريا بغية استمالتهم كما في حالة المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد في مصر و علي كذلك الشهيد محمود محمد طه الذي أعدم بتهمة الردّة عام 1985م في السودان.

هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها أدونيس للتكفير و التخوين فقد تعرّض لهكذا اتهامات من قبل رجال دين و اتجاهات اسلامية تكفيرية في الماضي , و كذلك تعرض للتخوين من قبل مثقفي السلطة السورية تحت مسمّيات التطبيع مع اسرائيل , و يُسَجّل لأدونيس كونه لم يكن من شعراء و مثقفي البلاط الاسدي .

بغض النظر عن الموقف من النتاج الفكري و الشعري لأدونيس , إن الدعوات التحريضية ضد أدونيس – و بغض النظر عن مصداقيتها – هي جزء من رؤية شاملة لاتجاهات اسلامية لا تؤمن بالاختلاف و احترام حرية الرأي و التعبير و قبلها حق الانسان في الحياة , هي اتجاهات اغتنمت فرصة الربيع العربي و ما رافقه من فوضى , اغتنمت مطالب الشعوب بالحرية السياسية و حقها في حكم نفسها لتسويق نفسها و خطابها القاصر عن تلبية متطلبات الشعوب العربية في الحرية و العدالة.

استندت الدعوى التحريضية الأخيرة على الشاعر أدونيس على حجج من قبيل:

*أوّلاً : الانتماء الديني الفئوي : المذهب العلوي:

و لكن متى كان الانتماء الديني لفرد مبرراً للإقصاء و القتل في عرف العقلاء الراشدين , و كيف يمكن بناء وطن سوري متعدد الانتماء الديني على أسس المواطنة المتساوية في شرع هؤلاء , و من وكّلهم بمهام الوكيل الحصري لشؤون الله في الأرض

*ثانياً : التهجم على الدين الاسلامي

بغض النظر عن الخلاف أو الوفاق مع أدونيس حول تقيمه للتراث العربي الاسلامي , و هذه قضية مجالها الثقافة تحتمل الخلاف و الاختلاف , و يمكن لمن لا يعجبه رأي أدونيس و تنظيراته مقارعة الحجة بالحجة , فأدونيس لم يحمل مسدّس و سكين , و لم يقتل أحد و لم يدعوا لقتل أحد أو استخدام العنف . أما فيما يخص نصوصه الشعرية فللشاعر الحرية في تناول ما يشاء من المواضيع بالطريقة التي يشاء , و أي تقييد لحرية الابداع هو مشعر للقصور الحضاري للأمة فنجد في التراث العربي الاسلامي نصوص شعرية تقارب كل المحرمات سواء كانت الدينية أو الجنسية أو السياسية , نجد أبياتا و قصائداً ما يزال العرب يرددونها بعد مرور القرون و القرون , و لم يستطع المعارضون و التكفيريون تقيدها و تغيبها و هي لكبار شعراء العربية ممن نفتخر بهم امرؤ القيس و أبو نواس و الحلاج و ديك الجن الحمصي و نزار قباني .

*ثالثاً : التهجم على اللغة العربية:

و هذا اتهام مثير للاستغراب و الشفقة , فأدونيس أحد أهم شعراء العربية في العصر الحديث و هو من مطوري لغة الشعر العربي , و صاحب ما يقارب خمسين مؤلّف باللغة ..كلها كتبت باللغة العربيه, و ترجمت أشعاره من العربيه إلى لغات العالم ؟! و قد قام بترجمة 12 من روائع الأدب العالمي و نقلها إلى العربيّة

فهل مثل هذا يتهجّم على اللغة العربية؟ ماذا فعل هؤلاء التكفيريون , و ما الذي قدّموا للغة العربية ؟!

*رابعاً : التشبيح:

مصطلح التشبيح يعرفة السوريون ,و هو يرتبط بجماعات و مليشيات تستخدمها السلطة السورية لقمع الحراك الاحتجاجي المعارض , و تُنسب إليها أعمال وحشيّه , و قد تمّ التوسيع في استخدام مصطلح التشبيح ليشمل أولئك الاعلاميين المدافعين عن السلطة الاستبدادية , و ينطبق هذا الوصف على أبواق الاعلام السوري كطالب ابراهيم و شريف شحادة و بسام أبو عبد الله ..الخ و باقي الجوقة من المرتزقة اللبنانيين..الخ

و لكن هل وصل الأمر بهم لاتهام أدو نيس بالتشبيح ؟!

فأدونيس قدّم خطابا عموميّا – شخصيا أختلف معه – و لكنّه قد يكون أقرب إلى موقف الحياد بين السلطة و معارضيها من قوى الحراك الشعبي , لم يحرض على قتل المتظاهرين , و دعى إلى ضرورة الحكمة و و المراجعة و نبذ ثقافة الاقصاء و الإيديلوجيا , و يمكن مراجعة مثلا رسالته للرئيس الاسد :

“رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد ” الإنسان ، حقوقه و حرياته ، أو الهاوية…”

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1870&ChannelId=44050&ArticleId=1698

فكيف لهؤلاء أن يتهموا أدونيس بالتشبيح؟

أم أنه في عرفهم كل من يختلف معهم هو شبّيح ؟

أو كل انسان ينتمي للطائفة العلوية هو شبّيح ؟

إن هؤلاء التكفيريون الذين يدعون لقتل أدونيس هم الوجه الاخر للسلطات الاستبدادية القائمة, و هم حلفاء موضوعين لها في استمراريتها , فثمة قطاعات من المجتمع السوري تلتزم الحياد أو تميل إلى ذرائع النظام بكونه الحافظ على الاستقرار , و الذي يدفع هذه القطاعات إلى ذلك تخوفها من هؤلاء التكفيريين و من يواليهم من اتجاهات احادية تحتكر الله و الحقيقة

و إن ثورات الربيع العربي هي فرصة استثنائية للتخلص من هذه الثنائية “سلطة – اسلام تكفيري ” و هي فرصة لتفعيل إرادة الشعب و حقه في تقرير مصيره , فلم يثر الشعب السوري و غيره من أجل استبدال استبداد سياسي باستبداد ديني سياسي قد يكون أدهى و أمرّ

لكي لا يتكلم هؤلاء التكفيريون باسم الثورة السورية و ينتسبوا لها , يجب التصدي بوضوح و من غير لبس لهكذا دعوات تعيد المجتمعات و سوريا إلى الوراء و عصور الانحطاط الحضاري و الاقتتال الطائفي و طاعة ولي الامر.

أجد أنه من الواجب على القوى السياسية المُمثلة للثورة في التنسيقيات و كذلك على الشخصيات السياسية و المثقفين الموالين للثورة السورية أن يدينوا الارهاب الفكري ضد المثقفين و إن كانت البداية مع أدونيس فلا ندري أين ننتهي

يجب عزل الاتجاهات الاسلامية المتطرفة و و تنظيم القاعدة عن الحراك الشعبي الاحتجاجي , و النظر إليهم كطرف ثالث لا يخدم سوى مشاريع الفوضى الغير خلّاقة أو مشاريع بقاء النظم الاستبدادية و تأبيدها .

“الأحرار لا يخافون من الحرية , وحدهم المُستَعْبَدون يخافون منها ” أدونيس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى