أكرم البنيصفحات سورية

عن خلافات المعارضة السورية وتوافقاتها!


أكرم البني

بعيدا عن الاتهامات والشتائم والانفعالات السياسية التي تسم كثيرا من ردود الفعل والتعليقات حول الخلاف الناشئ بين الكتلتين الرئيسيتين من المعارضة السورية، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، من الطبيعي أن تتعرض هذه المعارضة لنقد جريء وحازم بسبب استمرار انقسامها وتأخرها عن التفاعل مع مطالب الشارع المنتفض وطموحاته، لكن ما ليس طبيعيا هو المبالغة في تحميل هذا الخلاف كل المسؤولية واعتباره أشبه بكارثة الكوارث وأم المشكلات دون احترام لحق التباين في الرأي والاجتهاد بين أطرافها ومشروعية تعدد المواقف، ودون تقدير لحقيقة يفترض أن لا تغيب عن الأذهان، بأن ليس ثمة معارضة في أي بقعة من العالم هي معارضة موحدة ومنسجمة ومتراصة الصفوف دائما!

إشهار هذه الحقيقة لا يعني أبدا أن المعارضة السورية بخير وعافية، مثلما لا يعفيها من المسؤولية فيما تعانيه من انقسامات وإرباكات، أو من مثالب وأمراض بعضها قديم قدم نشأتها وبعضها حديث حداثة التحديات المستجدة التي تعترضها.

ثمة أسباب تعود إلى الطبيعة التكوينية للمعارضة السورية التي تتشكل من خليط غير متجانس ينحدر من منابت سياسية شديدة التنوع، وتستند غالبية تنظيماتها إلى مرجعيات شمولية أو أقرب إلى الشمولية، غابت عنها عملية البناء والتربية الديمقراطية ردحا طويلا، بل ولنقل إن معظمها لا يزال عمليا عاجزا عن التحرر، إن لم نقل مترددا في نفض يده من ثوابت إيديولوجية وفكرية عفّى عليها الزمن وغدت تتناقض مع جوهر الفكر الديمقراطي وروحه، كما لا يزال دورها ضعيفا في بناء ثقافة الديمقراطية ونشرها، بصفتها مجازا ثقافة المعارضة والتي يفتقدها المجتمع السوري، مثلما لا يزال بعضها يصوغ مواقفه السياسية والتنظيمية بدلالة الحسابات الذاتية والمصالح الحزبية، ولا يزال فيها من يدعي ملكيته الحق التاريخي في الزعامة والريادة، وربما لا يتوانى عن استخدام وسائل فوقية وسلطوية إن صح التعبير، يعيبها على غيره، في السيطرة وفي تعامله مع الرأي المختلف.

وثمة أسباب تعود اليوم إلى تباين مواقف أطراف المعارضة السورية في قراءتها للمتغيرات الحاصلة ودرجة قربها أو بعدها من الشارع الجماهيري، وتاليا تفاوت استعدادها لحمل مطالب الناس والاستجابة لطموحاتها، فهتاف «الشعب يريد» هو المفتاح، ويبدو أن الأقرب إلى الناس من يمسك جيدا بهذا الشعار، فالذي يحدث في سوريا هو أشبه بانتفاضة عفوية لم يحضر لها إراديا ولم تخطط لها قيادات كاريزمية، بل بدا جليا انحسار دور الأحزاب وضعف فاعليتها في تحريك الشارع وقيادته، بينما تقدمت الصفوف مجموعات شبابية لا ماضي سياسيا لها، أمسكت زمام المبادرة ونالت ثقة الناس بسلوكها اليومي المثابر واستعدادها العالي للتضحية، وهي من يقرر دعم واعتماد هذا الطرف المعارض أو ذاك، الأمر الذي يفسر قربها من المجلس الوطني بسبب تبنيه معظم أطروحاتها وشعاراتها.

ولا يقف الخلاف عند الحدود السابقة، بل ينعكس في نقطتين هامتين؛ النقطة الأولى مدى جذرية الموقف من النظام السياسي الراهن بين من يتبنى الموقف الشعبي الداعي إلى إطاحة النظام بكافة أركانه ومكوناته وهو ما حملته قرارات المجلس الوطني السوري وبين من يسعى إلى تغيير، يعتبره جذريا، يكرس قواعد الحياة الديمقراطية التي يدعو إليها لكن ضمن رهان على مشاركة متفاوتة من قبل أهل الحكم أو بعض أركانه، كما تعلن أطراف من هيئة التنسيق الوطني، فالتباين في التواصل مع الجمهور المنتفض، أفضى إلى تباين بين لغة الناس والتنسيقيات التي تبنت شعار إسقاط النظام وبين النزعة الإصلاحية المعروفة تاريخيا لهيئة التنسيق الوطني، حتى إن شعارها عن إسقاط النظام الاستبدادي الأمني الفاسد فسر على أنه دعوة لإسقاط النهج كصيغة من صيغ الرهان على تغيير النظام وإصلاحه وليس إسقاط أركانه!

والنقطة الثانية هي تباينات تصل الى حد التناقض أحيانا حول موضوع التدخل الخارجي ودوره في حماية المدنيين العزل وتعديل توازنات القوى القائمة بما يفسح في المجال لتطور الانتفاضة الشعبية بصورة أكثر اتساعا وجدوى، وإذ تتفق رؤى جميع المعارضين على رفض التدخل الخارجي العسكري وتعترف بأن التطورات العالمية الراهنة منحت العوامل الخارجية دورا كبيرا في تقرير مصير الكثير من الأزمات الإقليمية والصراعات المحلية، لكن ثمة تباين حول طابع هذا الدور وحدوده، بين من يرغب في أن يقتصر على الضغوط السياسية أو الاقتصادية، وبين من يفضله عربيا وعبر مراقبين حقوقيين وإعلاميين، وبين من يريده تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن!

واستدراكا، لا يمكن لأحد أن ينكر، وعلى الرغم من الخلافات السابقة، أن أطراف المعارضة السورية تتفق جميعها على رفض الواقع القائم، وتحميل النظام السوري كامل المسؤولية فيما آلت إليه أحوال البلاد، وتتفق تاليا، على أن موضوع وهدف السوريين الآن، هو الانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية، عبر بناء الدولة المدنية الحديثة، المؤسسة على عقد اجتماعي يتجسد في دستور جديد، يكفل التعددية وتداول السلطة، واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالشرائع والمواثيق العالمية والأهم احترام خصوصية مكونات المجتمع السوري القومية والطائفية والمذهبية على قاعدة المواطنة والحقوق المتساوية، مثلما لا يمكن لأحد أن ينكر إصرار جميع أطراف المعارضة على دعم الحراك الشعبي وكل أشكال المظاهرات والاحتجاجات السلمية، وعلى نبذ العنف ورفض الحل الأمني والعسكري، وإلحاحها على سحب الجيش من المدن والأحياء وكف يد الأجهزة الأمنية، وإطلاق سراح كافة المعتقلين، وأيضا توافقها على رفض التسعير الطائفي ونبذ الفكر التصفوي والثأري، ورفض كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية، التي يحاول النظام من خلالها الالتفاف على الأزمة.

نعم، ثمة عيوب ومثالب تكتنف المعارضة السورية وتشكل عائقا أمام إلحاح توحيد صفوفها، لكن يفترض في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد وأمام اتساع ساحة توافقاتها، أن ترتقي بروح المسؤولية وأن تسعى على الأقل لتوحيد إيقاع سياساتها وممارساتها خاصة لجهة تمكين الانتفاضة الشعبية ومدها بأسباب الدعم وبإجابات واضحة حول نهج استمرارها وأساليبها وأدواتها، وأيضا لجهة بلورة خطاب مشترك أمام الرأي العام يظهر صحة تنوع العمل المعارض وتباين أدواره ولطمأنة الجميع، خاصة القطاعات المترددة، على أهداف الانتفاضة وغايتها، وتحديدا على المرحلة الانتقالية والخطوات الأجدى لوضع البلاد بأقل تكلفة وآلام في مسار التغيير الديمقراطي المنشود.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى