الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماصفحات مميزة

عن رزان زيتونة ورجاء الناصر… وهذه الحرب/ جهاد الزين

كتب إرنست همنغواي في كتابه “باريس هي عيدٌ” أن هذه المدينة تُشعِرك أنك فقيرٌ مرتين.

يمكننا استخدام صيغة الروائي الكبير تلك في المأتم السوري… للقول إن اختطاف الناشطة السورية الجريئة رزان زيتونه يحرِج كثيرين مرتين دفعة واحدة… يُحرِج كثيرين أوّلاً، لأن العملية التي استهدفت رزان ورفاقها في ريف دمشق يمكنها، رمزياً، أن تعني “إنهاء” الدور المدني في المعارضة السورية، وهو إنهاء – والأدق “تهميش” – لم يعد ممكناً للكثير من كوادر المعارضة المدنيّة في الخارج أن تتجاهله مثلما تفعل حاليا ومنذ فترة أصبحت طويلة. ويُحرِج كثيرين ثانيا لأن رزان أصبحت رمزا ليس فقط للنضال المدني الديموقراطي، أو حسب ما كتبت “اللوموند” الفرنسية “هي إحدى آخر حاملي الشعلة الأصلية للانتفاضة” ولربما الأنسب القول أنها إحدى آخر “ذكريات” ما كان يُسمّى “ثورة”… بل أيضا وربما أساساً لأن رزان من القلّة القيادية المدنية التي اختارت البقاء داخل سوريا في وقت أصبح معظم “النضال” المدني يعني التواجد في الخارج وليس في الداخل إلى جانب ووسط الشعب السوري الذي تعاني كل شرائحه وطوائفه ومدنه وأريافه محنة استثنائية لا مثيل لها في التاريخ العربي الحديث.

يُحرِج اختطافُ رزان زيتونة “هاربي الخارج” وليس “معارضي الخارج” كما بات يمكن وصف بعض حالات المعارضة وليس كلّها طبعا، خصوصا أن الاختطاف تمّ على الأرجح على يد متشدّدين إسلاميّين من الذين تتسع مساحات سيطرتهم الظلامية في أجزاء واسعة من سوريا… مثلما يُحرِج بالقدر نفسه استمرارُ اعتقال أحد أبرز وأصلب وجوه معارضة الداخل القيادي رجاء الناصر المختطَف ربما على يد أحد أجهزة النظام. ورجاء كان يتنقّل بين دمشق وبيروت وفقد أحد أولاده خلال الحرب.

إذن… إحراج المرة الأولى أن السيطرة أصبحت للظلاميين الآتين من الداخل والخارج وإحراج المرة الثانية أن رزان كما رجاء اختارا، كلٌ من موقعه ووجهة نظره السياسية المعارضة، أن يكونا في الداخل يتحمّلان جزءا من الأخطار التي يدعوان شعبَهما إلى تحمّلِها خلافا للكلام المجاني المتشدّد من الخارج.

تُحرِج رزان ويُحرِج رجاءُ الناصر للسبب التقليدي الذي يستقي منه المناضلون في كل مكان مصداقيَّتَهم القصوى وهو أخْذُ مجازفةِ البقاء على الأرض نفسها.

كان يمكن لي لو التقيت هذه المناضلة الكبيرة أن أختلف على الأرجح مع وجهة نظرها السياسية وسأفترض هنا أنها كانت ستصر على القول أن الانفجار السوري لا يزال ثورة وأن ما يحدث لم يصبح حربا أهلية وهو رأي كنتُ سأعارضه تماما مثلما – على سبيل التذكير – أن الصحافة الغربية تكاد لا تستعمل غير تعبير “الحرب الأهلية” في وصف الحالة السورية القائمة وقد حسمت معظم الصحف والمجلات الأوروبية والأميركية موقفها باستخدام هذا التعبير بعد فترة تردّد بل “مكابرة” أعقبت عسكرةَ الثورة التي قرّرتها دولٌ غربية وإقليمية باعتبار هذه العسكرة، كما أرى مع كثيرين، كانت الطلقة القاتلة على الثورة السورية رغم عنف النظام.

لكن رزان زيتونة أعطت المثل الفعلي – لا الكاذب – على الالتزام بما تُؤْمِن به ورفضت، كما أعلم عروضا مغرية للخروج فلم تضعف أمامها في فترة ضعف فيها مناضلون أمام رغد الحياة السياسية في فنادق الخمس نجوم. وهنا أكرِّر أنني حتما لا أعمّم… ولكن منذ زمن كان يجب أن يكون القاعدة فيه هي العودة إلى الداخل والاستثناء هو البقاء في الخارج.

نحن بانتظار الموقف الشجاع الذي يصدر عن رمز معارض ولاسيما بين المدنيين يقول فيه إن أهم ما يجب أن يحصل هو وقف الحرب في سوريا لأن الجحيم بلغ حداً لا يستحق معه هذا الجحيم رفعَ أي شعار يؤدّي إلى استمرار الحرب. فكيف حين تصبح سوريا أكثر فأكثر بلا أفق ديموقراطي وتوحيدي؟

تحية لرزان زيتونة الإنسانة والمناضلة وكذلك لرجاء الناصر وكل معتقل ومخطوف ولنرفع بدون تردّد شعار: اوقفوا هذه الحرب بأي ثمن.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى