صفحات العالم

عن سرقة الثورات


محسن خضر *

من النكات الشهيرة حول حكم الرئيس المتنحي حسني مبارك أنه أراد تعليم نجليه درساً في الحكم، وترويض الشعب فأحضرهما أمام قن دجاج، وطلب منهما، بعد أن فتح باب القن وأطلق الدجاج، أن يجمعا الدجاج الذي تقافز وانطلق في كل ناحية. فشل جمال في المهمة، وأخفق علاء بدوره. هنا أراد الأب الحكيم أن يلقنهما أول دروس الحكم. أحضر الدجاج ووضعه داخل جوال، وأغلقه وأخذ يهز الدجاج حتى داخ، وهنا فتح الجوال، وألقى الدجاج الدائخ على الأرض وطلب منهما أن يجمعوه بلا عناء، ويضعوه داخل القن.

أراد الحاكم الداهية أن يمرر خبرته في ترويض الشعب بأن يظل المحكومون في حالة أشبه بالغيبوبة أو التوله، ومن ثم لن يكون الأمر صعباً في تسييسهم وتوجيههم كما يشاء.

ربما تمر الثورة المصرية والتونسية بحالة مشابهة، وربما تكون الحالة المصرية أكثر وضوحاً في هذا الصدد بحيث تحقق حالة التدجين أو الترويض تلك سرقة الثورة في النهاية في رابعة النهار مهما كان الخطاب المرفوع ثورياً، بحيث نسمع جعجعة بلا طحن.

ليس المهم أن تكون اللافتة الثورية مرفوعة بل أن ما يتحقق على الأرض نقيض للحالة الثورية. تمر حالة الترويض للزخم الثوري بقصد امتصاص دفقتها الحالة وحميميتها الوثابة بأساليب عدة:

– السماح بإطاحة رأس النظام مع بقاء هيكل وقوانين النظام.

– التشتيت بإثارة قضايا خلافية أقرب إلى رطانة النخبة من عينة الجدل بين أن تسبق الانتخابات الرئاسية الاشتراعية أو العكس، ووضع الدستور أولاً أو تالياً، أو القائمة النسبة أو الفردية، وتطبيق قانون العزل السياسي أو التراجع عنه، ووضع المبادئ فوق الدستورية أو التراجع عنها.

– التضحية ببعض الأوراق المحروقة من رموز النظام السابق من محافظين وإعلاميين ومسؤولي بلديات امتصاصاً للزخم الثوري وإشباعاً لغرورهم.

– البطء الشديد في تحقيق المطالب الثورية وكأننا نستنسخ حكاية السلحفاة النشيطة والأرنب اللاهي، ولكن أرنبنا هنا هو الثوري اللاهب والمتحمس، بينما سلحفتنا البطيئة تقبض على أعنة الحكم، واختلاف السرعات هذا يستعيد حالة البطء التي اتسمت بها مواقف وقرارات الرئيس المخلوع، بينما كان ركاب «التحرير» ينطلقون في صاروخ يشق أجواء الفضاء.

-التباطؤ في استعادة الأمن مع التلويح بعصا السلطة الغليظة من محاكمة المدونين والمتظاهرين وتمديد قانون الطوارئ.

– التغطية على الثوار أصحاب المصلحة وإقصائهم مقابل التحاور مع رموز متحفية في حالة موت سريري من أصحاب دكاكين الأحزاب الورقية، وهو أسلوب مراوغ سبق أن استخدمه عمر سليمان في الحوار مع الحزبيين الديكور إبان الثورة، وهو ما يكرره المجلس العسكري مراراً، بالإضافة إلى تشجيع التوالد والتفرع المستمر في الحركات الثورية، والتي تفتت الكتلة الثورية إلى حلقات عنقودية تبدأ بانشقاق 2 أو 3 أو 4 من شباب الثورة ليكون كل منها حزباً أو ائتلافاً يتشوش المواطنون في معرفة أسمائهم وتوجهاتهم مع تشجيع الإعلام لهذه الانشقاقات باستضافتها وتلميعها.

– التهرب من تحديد جدول زمني لنقل السلطة.

– الرفض التام لمطالب الثوار في تشكيل مجلس رئاسي مدني عسكري مشترك للحكم.

– تقريب تيار فزاعة مثل التيار الديني لاكتساب تأييد لقرارات المجلس العسكري، وتقويته بحيث يتصدر المشهد على حساب الثوار الحقيقيين.

– إسقاط تهمة الإفساد السياسي من محاكمة رموز النظام السابق، وهو ما كان يحسم إدانة هؤلاء، وهو ما يعني محاسبة المسؤولين عن تزوير الانتخابات والتضييق على أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، واحتكار الفضاء السياسي، ومنع ظهور أحزاب القوة الفاعلة المناوئة من اليسار والناصريين والإخوان المسلمين.

من المفارقة أن المواطن العادي أصبح يتبرم من حال الانفلات الأمني والمطالب الفئوية، وأصبح يميل للمقارنة بين الوضع قبل وبعد ثورة كانون الثاني (يناير)، وهي مقارنة ليست في مصلحة الثورة، كما أن انتشار عودة فلول النظام السابق ومحاولة تجميل الوجوه القبيحة من خلال الظهور الإعلامي أو التبرؤ من أدوارهم السابقة تشير إلى حالة مريبة من خلال استعادة زمام المبادرة، والعودة إلى البرلمان وتجميع الصفوف ووجوه الصف الثاني في النظام الحزبي السابق. في مسرحية شكسبير الشهيرة «ترويض الشرسة»، يحاول الزوج الحازم والذكي بورتشينو ترويض الفتاة المدللة كاترين، والتي دللها أبوها الثري، وبأسلوب يجمع بين الشدة والملاينة والدهاء والإذلال ينجح الزوج في ترويض كاترين الشرسة في النهاية.

ويبدو أن ما يجري مع الثورة المصرية هو إعادة عرض للنص الشكسبيري بإخراج جديد يناسب إيقاع القرن الحادي والعشرين.

ثورة يناير هي كاترين الشرسة والتي تجتهد قوى كثيرة في الداخل والجوار والغرب في ترويض بقصد إجهاض وسرقة الثورة التي قد تتحول إلى ربع أو نصف ثورة أو بانتظار تفجر ثورة كاملة في إشعار آخر.

* أكاديمي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى