صفحات الناسمالك داغستاني

عن سيدي الرئيس الحيوان/ مالك داغستاني

 

 

خرج السيد الرئيس إلى المنصة، يا للغرابة، كان يرتدي بنطالاً أزرق فاتح اللون، يشبه ما كنا نرتديه جميعاً، نحن الحضور. فاجأتنا تلك المصادفة فصفقنا للون بنطاله. هتفنا كما قيلَ لنا، ضد أعداء الوطن وعن ضرورة دحر المؤامرة. أيضاً يا لتلك المصادفة السعيدة، تحدث السيد الرئيس في خطبته عن أعداء الوطن وعن المؤامرة وعن قادتها الخونة خارج وداخل البلاد. كم كنا سعداء أنه تجاوب مع هتافاتنا فقال ما قال، وكم صفقنا له بقوةٍ.

إنه الرئيس والقائد الذي يشبهنا. يقول مثلما نقول، وحتى إنه يرتدي بنطالاً أزرق مثل الذي قيل لنا في الحزب أن نرتديه. كان اللقاء مع السيد الرئيس مؤثراً جداً. حضرنا منذ الصباح وكم كانت بهجتنا عندما اعتلى السيد الرئيس المنصة ظهراً، وبقي يتحدث لأكثر من ساعة عن حرصه علينا وعلى الوطن، وعن زهده في السلطة لولا إصرارنا على تكليفه بهذه المهمة، التي يتحملها كرما لإجماعنا على مطالبته بها.

عصراً، وعندما كنت عائداً في الباص إلى القرية، رغبت لو أخبر كل ركاب الحافلة أنني قضيت اليوم في المهرجان الوطني، وأخبرهم عن سعادتي لرؤية سيادة الرئيس شخصياً، وهو يلوّح لنا بيديه أكثر من مرّة، إحداها كان ينظر فيها إلى الجهة التي كنت أقف فيها تماماً (مع ذلك أعتقد أن شركاء الحافلة عرفوا أني كنت هناك، على الأقل بسبب بنطالي الأزرق، الذي كنت أتفرّد بهِ عن الآخرين).

مساءً في البيت، حدثت زوجتي عن يومي الجميل، وربما بسبب يومها المتعب لم تهتم كما ينبغي بحديثي. حاولت عند عرض الخبر على شاشة التلفزيون في نشرة الأخبار المسائية أن أدقق في الصورة، علني أرى نفسي فلم أستطع، لكني رأيت الرئيس ثانية، وأيضاً رأيت ما كان فاتني، حين كنت أهتف بأعلى صوتي في الساحة. شاهدت كيف وصل الرئيس في سياراته السوداء إلى مكان المهرجان وكيف غادر. حزنت قليلاً عندما وجدت الرئيس يصافح صفاً طويلاً من الناس أثناء دخوله، وكذلك أثناء خروجه، وتمنيت لو كنت من بين هؤلاء لأحظى بشرف مصافحة الرئيس، ولكنتُ حتماً ظهرت على الشاشة معه. إلا أنني لم أخبر زوجتي عن حزني الصغير هذا، ولا حتى عن عتبي، كي لا أفسد بهجة هذا اليوم العظيم.

فكّرتُ أن أعتب على مسؤول الحزب الذي وزّع علينا مهامّنا، لكن ضميري لم يطاوعني، فقد كان أكثرنا انشغالاً، وحتماً لم يكن يملك الوقت للتفكير بضرورة أن أكون من بين الخاصة الذين استقبلوا وودعوا رئيس البلاد. نعم، كان مسؤول الحزب أكثرنا انهماكاً، ولديه من المهام ما لا يستطيع شخص بمفرده أن يقوم بها. يلوّح بعلم الحزب الذي يحمله، فنلوح على إثره تماماً كما أوصاناً. يهتف بحياة الرئيس فنهتف خلفه، ويصرخ بالموت للأعداء فنؤَمِّن خلفه متمنين الموت للخونة الأعداء. المسكين قضى يوماً شاقاً، وسوف يكون من المعيب أن ألومه، بعد يومه المرهق.

كان الرئيس يصافح المستقبلين، ويتوقف أحياناً أمام أحدهم فيستمع بصبره المعهود لشكوى ما، أو لطلبٍ سوف يلبيه حتماً على عادته المعروفة. اللعنة ماذا لو كنت بينهم. ربما كنت أستطيع أن أخبره أن رجال المخابرات قد أخذوا ابن شقيقتي بالخطأ. ابن أختي الذي ربيته أنا بعد موت أبيه في الحرب عندما كان طفلاً. أنا أعرفه كما لو كان ابني الذي لم أُرزق به. ابن أختي سعيد (ستلاحظون حتماً أننا لم نوفق في اختيار اسمه) لا يمكن أن يكون من الخونة، وحتماً هناك التباس ما قد أدى إلى اعتقاله بعد منتصف الليل في ذاك اليوم قبل أكثر من سنة، فهو شاب صادق وطيب ولا يكذب أبداً. أنا بنفسي ربيته على الولاء للوطن وقائد الوطن، فكيف له أن يتآمر مع الأعداء!

لو اختارني مسؤولنا الحزبي اللعين لأكون بين المستقبلين ربما كنت استطعت، على الأقل، أن أخبر هذا الرئيس عن بقرتنا التي ماتت في الصيف الماضي وهي تلد عجلها، الذي وُلد حياً لكنه ما لبث أن مات بعد ساعة إثر موت أمّه. هكذا فجأة صرنا أنا وزوجتي فقراء دون أي موردٍ للرزق بعد موت بقرتنا الشقراء، في بلدنا الذي فيه من المتخمين ممن يستطيعون امتلاك آلاف مزارع الأبقار.

لم أخبر زوجتي بأيٍّ من هذه الاحتمالات التي حرمني منها مسؤولنا الحزبي ابن الستين ألف كلب، وأهمها احتمال مصافحة رئيسه، والتي ربما كانت ستمنحنا الفرصة لإيصال مطالبنا العادلة إلى هذا الرئيس الذي يشرف على كل أجهزة المخابرات. لم أخبرها، فأنا لا أريد لها أن تشاركني ما كنت فيه من كربٍ لتفويتي فرصة قد لا تتكرر. فرصة كانت ربما ستعيد ابن أختي الطيب إلى أمه، لينجو من بين أيدي أولئك الظَلَمة الذين لا يخافون الله، فتتوقف أختي المسكينة عن البكاء وتستعيد عافيتها بعد أن أعياها فقدان وحيدها، وربما كانت تجعل هذا الرئيس الحيوان يأمر بمنحنا بقرة، ولا بأس حتى لو كانت دون عجل صغير.

تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى