صفحات مميزة

عن محادثات فيينا والنتائج المرتقبة –مقالات مختارة-

 

 

النص الكامل لإعلان فيينا حول سوريا

ناقش اجتماع فيينا، الذي عقد في 14 تسرين الثاني/نوفمير 2015، وضم المجموعة الدولية لدعم سوريا، المؤلفة من جامعة الدول العربية، الصين، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، إيران، العراق، ايطاليا، الأردن، لبنان، عُمان، قطر، روسيا، السعودية، تركيا، الامارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، الإسراع في إنهاء الأزمة السورية. وقد بدأ المشاركون جلستهم بالوقوف دقيقة صمت على ضحايا الاعتداءات الإرهابية الشنيعة في باريس، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، والهجمات الأخرى في بيروت، العراق، أنقرة ومصر، مدينين بالإجماع، وبأشد العبارات، الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين.

وفي وقت لاحق، ناقش المشاركون بحوار بناء، سعياً منهم للبناء على التقدم المحرز في اجتماع 30 تشرين الأول/أوكتوبر، وقد عبر الأعضاء في المجموعة الدولية الداعمة لسوريا بضرورة انهاء معاناة الشعب السوري، والدمار المادي في سوريا، وعدم الاستقرار قي المنطقة، والارتفاع الناتج في أعداد الإرهابيين المستقطبين للقتال في سوريا.

وقد أقرت المجموعة الدولية الداعمة لسوريا بالترابط الوثيق بين وقف إطلاق النار، وعملية سياسية موازية وفقاً لبيان جنيف-1، وضرورة أن تتحرك المبادرتان على وجه السرعة. وأبدا الحاضرون التزامهم بضمان حصول انتقال سياسي يمتلكه ويقوده السوريون على أساس بيان جنيف في مجمله، وتوصلت المجموعة إلى تفاهم مشترك حول العديد من القضايا الرئيسية.

اتفقت المجموعة على دعم العمل الساعي إلى تطبيق وقف اطلاق نار في كل سوريا، على أن يوضع في حيز التنفيذ عند بدء ممثلي الحكومة السورية والمعارضة بخطوات أولى نحو الانتقال تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى أساس بيان جنيف. وتعهد الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن بدعم قرار مجلس الأمن الدولي لتمكين بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار، في الأجزاء التي لا يتعرّض المراقبون فيها إلى هجمات من الإرهابيين، ودعم عملية الانتقال السياسي وفقاً لبيان جنيف.

وتعهد أيضاً جميع أعضاء المجموعة الدولية الداعمة لسوريا، كدول منفردة، وأنصار مختلف الأطراف المتحاربة، باتخاذ جميع الخطوات الممكنة والمطلوبة لوقف إطلاق النار من قبل هذه المجموعات أو الأفراد الذين يدعمونهم، يمولوهم، أو يؤثروا عليهم. لكن وقف إطلاق النار لن ينطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية ضد “داعش” أو “جبهة النصرة”، أو أي مجموعة أخرى تتفق المجموعة الدولية الداعمة لسوريا على اعتبارها إرهابية.

ورحب المشاركون ببيان الأمين العام للأمم المتحدة والذي أمر الأمم المتحدة بالإسراع في التخطيط لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد. وقد اتفق الفريق على أن تقوم الأمم المتحدة بقيادة الجهود، بالتشاور مع الأطراف المعنية، لتحديد متطلبات وطرق وقف إطلاق النار.

وأعربت المجموعة الدولية الداعمة لسوريا عن استعدادها لاتخاذ تدابير فورية من أجل تشجيع تدابير بناء الثقة، والتي من شأنها أن تساهم في استمرار العملية السياسية، وتمهيد الطريق لوقف إطلاق نار على المستوى الوطني. في هذا السياق، وفقاً للفقرة الخامسة من بيان فيينا، فإن المجموعة الدولية الداعمة لسوريا ناقشت ضرورة اتخاذ خطوات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، على وجه السرعة، إلى جميع أنحاء الأراضي السورية، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2165، ودعت إلى منح الدعم لطلبات الأمم المتحدة المعلقة من أجل المساعدات الإنسانية. وأعربت المجموعة الدولية عن قلقها بشأن أزمة اللاجئين والنازحين داخل سوريا، وشددت على ضرورة ضمان عودتهم الآمنة الى بلادهم وفقاً لقواعد القانون الإنساني الدولي، والأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدان المضيفة. ذلك أن حل قضية اللاجئين مهم من أجل التسوية النهائية للصراع السوري. وأكدت المجموعة على الأثر المدمر لاستخدام السلاح العشوائي على المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية، كما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2139. واتفقت المجموعة الدولية الداعمة لسوريا أيضاً على ضرورة الضغط على الأطراف لانهاء أي استخدام عشوائي للسلاح بشكل فوري.

وأعادت المجموعة الدولية الداعمة لسوريا التأكيد على أهمية الالتزام بجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن الرقم 2199 الذي ينص على وقف التجارة غير المشروعة في مجال النفط، والآثار والرهائن، التي يستفيد منها الإرهابيون.

وقد اتفقت المجموعة الدولية الداعمة لسوريا، وفقاً لبيان جنيف 2012، والإحالة إليه المدرجة في بيان فيينا 30 تسرين الأول/أوكتوبر، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، على ضرورة إجراء مفاوضات رسمية بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة، تحت رعاية الأمم المتحدة، في أقرب وقت ممكن، والموعد المستهدف هو 1 كانون الثاني/يناير. ورحبت المجموعة بالتعاون مع المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا وآخرين، لجمع أكبر عدد ممكن من أعضاء المعارضة السورية، المختارة من السوريين. فهم من يختارون ممثليهم في المفاوضات ويحددون مواقفهم من المفاوضات، وذلك لتمكين بدء العملية السياسية. ويجب على جميع الأطراف في العملية السياسية الالتزام بالمبادئ التوجيهية، التي تم تحديدها في اجتماع 30 تشرين الأول/أوكتوبر، بما في ذلك الالتزام بوحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وطابعها غير الطائفي، لضمان سلامة مؤسسات الدولة، وحماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الطائفية. واتفق أعضاء المجموعة الدولية الداعمة لسوريا على أساسية هذه المبادئ.

وأعاد أعضاء المجموعة الدولية الداعمة لسوريا التأكيد على دعمهم للعملية الانتقالية الواردة في بيان جنيف 2012. وفي هذا الصدد أكدوا على دعمهم لوقف اطلاق النار الموضح أعلاه، ولعملية بقيادة سورية، من شأنها إقامة حكم شامل ذي مصداقية وغير طائفي، في غضون ستة أشهر، ووضع جدول زمني وعملي لإعداد مسودة دستور جديد، على أن تجرى انتخابات عادلة وشاملة بحسب الدستور الجديد خلال 18 شهراً، وأن تكون بإشراف الأمم المتحدة بما يحقق رضا وارتياح إدارة الحكم، وأعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية. وجميع السوريين، بمن فيهم السوريون في الشتات، يجب أن يكونوا مؤهلين للمشاركة.

وفي ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ووفقاً للفقرة السادسة من بيان فيينا، أعادت المجموعة الدولية الداعمة لسوريا التأكيد على أن “داعش” و”النصرة”، وغيرهما من الجماعات الإرهابية، على النحو المحدد من الأمم المتحدة، وأكثر من ذلك، كما هو متفق عليه من قبل المشاركين ومقرر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يجب أن تهزم. وقد وافقت المملكة الأردنية الهاشمية على المساعدة في تطوير فهم مشترك للجماعات والأفراد من أجل إمكانية ضمها إلى لوائح الإرهاب، بالتعاون مع ممثلين عن المخابرات والمجتمع المحلي، وهذا ما يجب الوصول إليه في بداية العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة.

ويتوقع المجتمعون أن يجتمعوا بعد حوالى شهر واحد، بهدف استعراض التقدم المحرز في تنفيذ وقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية.

 

 

 

78 مرشحاً لـ «الهيئة الانتقالية» بينهم الشرع … وقادة فصائل إسلامية/ إبراهيم حميدي

تختبر واشنطن وبعض حلفائها إمكان ضم قادة فصائل إسلامية معارضة إلى خريطة الطريق المتفق عليها في الاجتماع الوزاري الأخير في فيينا، وسط تفعيل الجهود لعقد مؤتمر موسع للمعارضة السياسية يجري فيه الاتفاق على موقف سياسي ووفد موحد من ثلاثة قوائم أميركية وروسية وعربية تضم 80 مرشحاً بينهم نائب الرئيس السابق فاروق الشرع، للتفاوض مع ممثلي النظام قبل بداية العام المقبل وتشكيل حكومة لإطلاق عملية انتقالية تنتهي في انتخابات بإدارة تحت إشراف الأمم المتحدة بعد 18 شهراً.

الجديد أن واشنطن تقدمت بقائمتها المرغوبة إلى مؤتمر المعارضة، وتضمنت 15 اسماً بينهم أربعة من «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، وهم رئيسه خالد خوجة وسلفه هادي البحرة ونائبة الرئيس نغم الغادري والرئيس السابق لـ «المجلس الوطني الكردي» عبد الباسط سيدا، مع «تفضيل أن يُسمح للائتلاف بتشكيل وفده الخاص»، إضافة إلى خمسة من «النخب ورجال الأعمال والعائلات المؤثرة»، بينهم أيمن أصفري وعبدالقادر سنكري وأديب الشيشكلي وفداء حوراني ولمى أتاسي، وإلى «ممثلي المجتمع المدني ورجال الدين» مثل الرئيس السابق لـ «الائتلاف» معاذ الخطيب والشيخ أسامة الرفاعي من «المجلس الإسلامي السوري» والشيخ إبراهيم عيسى وممثل الكتلة الديموقراطية في «الائتلاف» ميشال كيلو والناشطة ريم توركماني.

وتأتي أهمية «القائمة الأميركية» التي أرسلت إلى الخارجية الروسية كونها تضمنت اعتراف واشنطن بان «الائتلاف» لم يعد الممثل الوحيد للمعارضة كما حصل في مفاوضات «جنيف2» عندما أصرت على تمثيل «الائتلاف» للمعارضة باعتباره حصل على اعتراف أكثر من 120 دولة بأنه «الممثل الوحيد للشعب السوري». والأهمية الأخرى في القائمة، التي حصلت على نصها «الحياة»، أنها ذكرت أن «أي تجمع ذي صدقية للمعارضة السورية يتطلب حضور ممثلين للفصائل المسلحة» وأن «القرار إزاء هذا الأمر يتطلب مناقشات إضافية» بين واشنطن وموسكو، إضافة إلى غياب ممثلي «الإخوان» من القائمة مقابل وجود شخصيات إسلامية.

وتتعلق المناقشات الإضافية بالتوصل إلى اتفاق على قائمة موحدة لـ «التنظيمات الإرهابية» بعد إعلان الاجتماع الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» الأخير تكليف الأردن استضافة لقاءات لمسؤولي استخبارات دوليين وإقليميين للوصول إلى هذه القائمة ورفعها إلى مجلس الأمن كي تقرر الدول الخمس دائمة العضوية إدراجها في «القائمة الدولية للإرهاب» وإضافتها إلى تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» المدرجين في القائمة.

ويحاول مسؤولون غربيون وإقليميون الوصول إلى جمع بين ثلاثة مبادئ: الأول، التوحد الدولي- الإقليمي- السوري ضد محاربة الإرهاب. الثاني، دعم المعارضة المعتدلة وتوفير أوسع تمثيل ودعم لأي اتفاق على الانتقال السياسي في سورية في إطار البرنامج الزمني المتفق عليه. الثالث، صمود وقف نار شامل في البلاد بدأت مكاتب الأمم المتحدة المختصة وضع خطة لاقتراح وقف النار في حدود نهاية العام الجاري، بما ذلك قيام الأمم المتحدة بمراسلة عدد من الدول الإسكندنافية والعربية والإقليمية لاختبار رغبتها بإرسال مراقبين إلى سورية على أن يجري استثناء مناطق «داعش» و «النصرة» من وقف النار هذا، الأمر الذي عقد حسابات الدول الراغبة في المشاركة وسط ارتفاع تهديدات الإرهاب.

وإلى دعوة خوجة المفاجئة إلى فيينا ولقاءاته البروتوكولية على هامش الاجتماع الوزاري، حصلت محاولات إقليمية لدعوة قادة فصائل مسلحة إلى أروقة المؤتمر، بحيث جرى إعداد قائمة ضمت مسؤول العلاقات الخارجية في «حركة أحرار الشام الإسلامية» لبيب النحاس وعضو المكتب السياسي في «جيش الإسلام» محمد بيرقدار وقائد «جيش اليرموك» في «الجيش الحر» بشار الزعبي مع احتمال ضم عضو المكتب السياسي في «فيلق الشام» هيئة رحمة. لكن الخارجية النمسوية رفضت في آخر لحظة إعطاءهم تأشيرة دخول.

لكن تأكد أمس أن المبعوث الأميركي الى سورية مايكل راتني عقد في إسطنبول لقاءات مع قادة فصائل مسلحة بعضها محسوب على التيار الإسلامي، بعد لقائه والمبعوث البريطاني غاريث بيلي، الهيئة السياسية لـ «الائتلاف» أول من أمس لتقديم استعراض لنتائج مؤتمر فيينا وأهميته، خصوصاً ما يتعلق بـالبرنامج الزمني للمرحلة الانتقالية وبنود وقف النار وتحديد قائمة للإرهاب، إضافة إلى كون الاجتماع تضمن «لأول مرة اعتراف إيران بالمرحلة الانتقالية» بعدما كانت ترفض «بيان جنيف-1».

وقدم راتني وبيلي تطمينات لـ «الائتلاف» أنه في المدى المنظور لن يدرج سوى «داعش» و «النصرة» في قائمة «الإرهاب»، وأن إدراج بقية الفصائل يعتمد الى حد كبير على «المسار السياسي وأن هذه المسالة متحركة وليست نهائية»، ما فسر أن الأمر سيعتمد إلى حد كبير على سلوك هذه الفصائل وتعاطيها مع الحل السياسي المعروض ووقف النار، علما أن روسيا بدأت بدورها «تغازل» بعض الفصائل المسلحة وسط أنباء عن تفاهم جرى عبر الأردن وقضى بـ «تجميد» القتال في ريف درعا، بحيث لا ينفذ «الجيش الحر» والجيش النظامي عمليات هجومية وإن كانت الأيام الماضية سجلت هجوم النظام على الشيخ مسكين، إضافة إلى أنباء أخرى عن توصل روسيا عبر وسيط معارض لتهدئة مع «جيش الإسلام» في غوطة دمشق تضمنت وقفاً للنار لمدة أسبوع وإدخال مساعدات إنسانية وطبية وغذائية، علماً أن القوات السورية قصف دوما أمس.

وإذ جرى تقديم تأكيدات من وزير الخارجية جون كيري إلى خوجة على «صدقية المرحلة الانتقالية وبرنامج الزمني»، وأن الاجتماع الوزاري تضمن «الاتفاق على عدم الاتفاق إزاء مصير الرئيس بشار الأسد»، وان واشنطن لا تزال على تمسكها بـ «بيان جنيف والهيئة الانتقالية وأن لا مستقبل للأسد»، فإن دولاً غربية حضت «الائتلاف» على ضرورة الاستعداد لعقد مؤتمر موسع للمعارضة وإبداء ليونة في كونه لم يعد «الممثل الوحيد للمعارضة».

ويستعجل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عقد المؤتمر الموسع للمعارضة «خلال أيام للحفاظ على الدينامية المتولدة من مخاطر الإرهاب والتفاهمات الأميركية- الروسية». كما أبدت السويد والنروج ودول عربية الرغبة في استضافته شرط توافر ضمانات بنجاحه لـ «تشكيل هيئة حكم انتقالية» من نخبة مختارة من ثلاث قوائم: أميركية وروسية وعربية.

اللافت أن «القائمة العربية» ضمت 25 اسماً وسميت «الأسماء المرشحة للهيئة الانتقالية» بينهم الشرع ورئيسا الوزراء السابقين المنشق رياض حجاب والمعفى عادل سفر ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري إضافة الى قائد «الجيش الحر» سليم إدريس وعبد الإله البشير والإسلامي أنس عبده. وضمت أيضاً نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادي قدري جميل الذي يرأس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» ويقيم في موسكو.

وغاب اسم جميل في الأميركية، لكنه أدرج في «القائمة الروسية» التي ضمت 38 اسماً هم معظم الذين دعوا الى «منتدى موسكو2» في ربيع العام الجاري، بينهم خوجة والبحرة وأصفري وكيلو والمنسق العام لـ «هيئة التنسيق» حسن عبدالعظيم ورئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين، إضافة الى القيادي في «الإخوان المسلمين» محمد فاروق طيفور ورئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم. ولم تضم «القائمة الأميركية» أسماء من «الإخوان» مسايَرةً لمصر ودول عربية، و «الاتحاد الكردي» مسايرة لموقف تركيا، التي تعتبر هذا الحزب توأماً لـ «حزب العمال الكردستاني» المصنف في «قوائم الإرهاب»، علماً أن الوفد التركي سعى إلى إضافة «وحدات حماية الشعب» التابعة لـ «الاتحاد الكردي» إلى «قائمة الإرهاب» في فيينا، في وقت تقدم أميركا ذخيرة وسلاحاً وغطاء جوياً للمقاتلين الأكراد في حربهم ضد «داعش» شمال سورية.

الحياة

 

 

 

المبعوثون والممثلون الدوليون وما شابه/ ياسين الحاج صالح

هناك فئة واسعة من الموظفين الدوليين، الغربيين أساسا، المعنيين اليوم بالقضية السورية، وبالأمس واليوم بالقضية الفلسطينية، يمثلون هيئات «أممية»، أو بلدانهم النافذة. وحين لا يكون الواحد منهم شخصيا من صناع القرار في شأن قضايانا، فإنه يتحرك في دوائر صناع القرار في بلده وفي الهيئات الدولية، وله بالقطع تأثير على القرارت التي تمس مصائرنا، بلدانا ومجتمعات وأفرادا. فما هو تكوين هذه الفئة المخصوصة، الخطيرة الشأن؟ ماذا يشبه أولئك الرجال الذين تكلفهم بلدانهم الغربية أو الأمم المتحدة بمتابعة قضية سوريا أو فلسطين أو ليبيا أو اليمن أو السودان أو الصومال أو أفغانستان؟ بحدود ما أعلم ليست هناك كتابات بالعربية عن الأمر، ولست مطلعا على كتابات محتملة عنهم بالانكليزية. هذه المقالة تستند إلى معرفة شخصية ببعض العاملين في هذه الدوائر، وإلى متابعة لبعض تصريحاتهم وكتاباتهم.

يتعلق الأمر برجال غالبا، وبنساء أقل، من الشرائح العليا من الطبقة الوسطى أو من الطبقة العليا في بلدانهم، درسوا في جامعات من الأفضل في العالم، رواتبهم عالية، يسافرون كثيرا، ويلتقون في بلداننا برؤساء وملوك ووزراء وسفراء. وهم يتقلبون في مناصب تتراوح بين السفير والوزير والمبعوث الخاص والمستشار في «مركز دراسات استراتيجية» مرموق. ومن يكن سفيرا منهم يقيم في بيت فخم في الأحياء الدبلوماسية، أما المبعوثون فيقضون أوقاتهم خارج العمل في فنادق ومطاعم «راقية»، في صحبة مرافقين من نخبة البلد الذي يزورونه، أو دبلوماسيي بلدهم، أو النخبة الدبلوماسية الغربية في البلد المعني.

ينحدر معظم هؤلاء البيروقراطيين الدوليين من الغرب، المنطقة الأغنى في العالم، الأقوى عسكريا، الأقوى تأثيرا عالميا، والتي لم تعان منذ سبعين عاما من مآس عامة كبيرة سببها إنساني. ومعظم سياسيي اليوم في الغرب ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية، فلا هم سليلو صراعات اجتماعية أو حروب كبرى، ولا هم خبروا في حياتهم الخاصة والعامة مآس يمكن مقارنتها بما حصل لأكثر بلدان العالم الأخرى، ومن هذه الأخيرة ما أوقعتها بها بلدان المبعوثين والممثلين. يحصل أن يكون بينهم من ليسوا غربيي المنبت، مثل كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي بخصوص «الأزمة السورية»، لكنهم بيروقراطيون دوليون، يتبنون اللغة المعقمة للمنظمات الدولية، بحيادها القيمي الزائف، ويحولون الصراعات الاجتماعية والسياسية الكبيرة إلى «أزمات» تعالج بمنهج «إدارة الأزمات» الذي ينزع الصفة السياسية عما هي قضايا سياسية جوهريا. وبحكم تكوينهم في دول «متقدمة»، منظمة، ومستقرة، يُعتقد على نطاق واسع أنها نموذج ريادي للعالم ككل، منظورات المبعوثين والممثلين دولتية جدا، متمركزة حول الدولة، ومنحازة لكل ما هو دولة ومنظم ومركز. هذا في الغرب نفسه أولا، حيث الدولة- الأمة أهم اختراعات الحداثة وضمانتها في الوقت نفسه.

وليس هذا التكوين مقصورا على الممثلين والمبعوثين الدوليين وكبار العاملين في مؤسسات بحثية غربية ودولية تعنى بشؤون «الشرق الأوسط»، بل هو كذلك تكوين النخب السياسية الغربية عموما في زمن ما بعد الحرب الباردة. كانت هذه النخب قد طورت في زمن الحرب الباردة، وكضرب من التطعيم ضد الشيوعية السوفييتية ومشتقاتها، إيديولوجية ومؤسسات دولة الضمان الاجتماعي التي توسع نطاق الديمقراطية ليشمل شرائح أدنى من المجتمع. وهو ما أسبغ على فكر النخب الغربية عناصر إيديولوجية وقيمية عامة، لا تقتصر على «الحداثة» و»العقلانية».

مع نهاية الحرب الباردة قبل ربع قرن، لم تعد هناك وجهة عالمية ولا رؤية عالمية لسياسات النخب الغربية التي تطورت في اتجاه أكثر بيروقراطية وفنية وإدارية، وأقل سياسية. وهذا مع بقائها، تلك النخب، في موقع لا منافس له عالميا في التأثير على مصائر بلدان وشعوب كثيرة، والكوكب بملياراته السبعة.

وفيما يخص منطقتنا لدى تلك النخب ما يتراوح بين النفور والعداء حيال الإسلاميين، والمودة والحب الشديد لإسرائيل. وهي في كل حال لا تعرف جديا من مجتمعاتنا غير حكام كانوا يخنقون محكوميهم ويعزلونهم عن العالم. مجتمعاتنا، في عين المبعوث والممثل الدولي، مكونة من هلام لا ملامح واضحة له، ومن ملامح واضحة جدا لأشخاص مثل بشار الأسد وحسني مبارك وملوك الخليج وأمرائه، ومن شابههم. وهو ما تفاقمه المهنة الدبلوماسية المتمركزة تكوينيا حول الدولة، ثم أولوية الشواغل الجيوسياسية والجيوستراتيجية في تكوين المبعوثين والممثلين والباحثين في شؤون الشرق الأوسط. والاستراتيجيا «علم» يستخلص توجهات سياسية ضرورية، يمكن أن تترتب عليها عواقب وخيمة، من مقدمات اعتباطية جدا، تتمثل أساسا في مفهومي الهوية القومية والمصلحة القومية (تختلط حتى في «الديمقراطيات» الغربية بمصالح الفريق الحاكم، الحزبية والشخصية). الاستراتيجيا لا ترى مجتمعات ولا ترى صراعات اجتماعية، ترى دولا ولاعبين سياسيين كبارا فقط.

على أن المبعوثين يعرفون جيدا جدا، والحق يقال، أن بلداننا مكونة من مسلمين وغير مسلمين، ولديهم انجذاب غريزي قوي تجاه الشؤون الدينية والإثنية، موروث من أيام الاستشراق والاستعمار. في بلدان مثل سوريا ولبنان والعراق، يعرف الدبلوماسي الغربي والمبعوث الغربي والباحث الغربي في مركز دراسات من نوع «المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات»، أشياء كثيرة عن المسلمين والمسيحيين، وعن العلويين والسنيين، وعن الكرد والعرب، ولديهم في هذه الشؤون تفاصيل ومعطيات يتواتر أن لا نملك نحن أهل البلد مثلها.

في المحصلة، الرجل مبرمج على ترجمة المآسي الإنسانية إلى اللغة الباردة للبيروقراطية الدولية، وهو لا يكف عن محاولة معالجة الصراعات الاجتماعية والسياسية الكبيرة باقتراح حلول وسط فنية، لا تترك مجالا لقضايا العدالة، ولا تؤسس لأوضاع اجتماعية وسياسية وقانونية أفضل على مدى أبعد. المدى الأبعد لا يهم منهج إدارة الأزمات على كل حال. وكلما كان هناك طرف مركزي منظم أشد إجراما كانت الحلول الوسط المقترحة أنسب له وأقرب إلى موقعه. الضعيف خاسر منهجيا ودوما من هذا المنهج السياسي. فرص بشار الأسد السياسية بعد أن قتل ربع مليون صارت أفضل من فرصه حين كان قد قتل 10 آلاف فحسب.

هذا المنهج الإداري التسييري معاد للديمقراطية في كل مكان، بما في ذلك في المراكز الغربية. وهو متولد في تقديري عن تحولات سياسية ومؤسسية في الغرب إثر انتصاره في الحرب الباردة، تحولات تستتبع السياسة للاقتصاد وترجح نموذج الشركة الخاصة بعيدا عن الدولة الاجتماعية العامة في صيغة اشتراكية ديمقراطية أو في صيغة كِنزية.

لا يزال الغرب «ديمقراطيا»، لكن ظهر أنه ليس قوة دمقرطة عالمية اليوم، وأنه يفتقر أكثر وأكثر إلى طاقة كامنة تحررية. وهو متقدم، لكنه ليس قوة تقدم عالمية، ولا كمون تقدميا لديه. إنه منطقة ممتازة في العالم وحريصة جدا على امتيازاتها، وتقاوم المساواة بكل قواها. إن لم تجر معاكستها بقوة، يرجح لهذه التحولات أن تؤدي إلى ضمور الديمقراطية في الغرب ذاته، وإلى تحجر التقدم في صورة أرستقراطية ممتازة مسلحة، في استنفار دائم ضد برابرة مهددين.

طوال عقود، كان لقاء بنية المصالح الغربية في منطقتنا الشرق أوسطية مع التكوين الدولتي للمبعوثين الغربيين والدوليين، ومع وضع امتيازي محافظ للغرب في العالم، يدفع إلى الصدارة قضية الاستقرار. وهو ما يضمنه الشيء الذي يسمى «الدولة»، ويغلب ألا يتجاوز معناها جهازا منظما قادرا على القتل، يقوم عليه رجال يرتدون ربطات عنق.

والخلاصة أنه يلتقي في تكوين المبعوث الدولي منزع دولاني مع ضمور متفاقم للعنصر القيمي والسياسي في تصور العالم لمصلحة الاعتبارات الفنية والإجرائية (ومع أرجحية الحداثة في تصور العالم على حساب العدالة، والعقلانية على حساب التحرر)، ومع انتمائه إلى شرائح ممتازة في بلدان تشكل الشريحة الممتازة في العالم. وبفعل هذا التكوين، المبعوث لا يحس حتى حين يعرف، والقليل الذي يعرفه منزه عن الإحساس.

نقد المبعوثين مقدمة ضرورية لنزع هيمنة تصوراتهم عن العالم، وللإمساك الفكري والسياسي بقضايانا. اليوم يرتضي المبعوثون لنا ما لا يرتضونه لبلدانهم، وهو ما يكفي للقول إنهم ليسوا فاعلين أخلاقيين، وما يسوغ الاعتقاد بأن ما يعدونه لنا هو «سلام لا سلام بعده»، على ما عَنْوَن ديفيد فرومكين كتابا له عن تكوين الشرق الأوسط المعاصر، صدر عام 1989.

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

مصير الأسد أم مصير سوريا؟/ عماد مفرح مصطفى

عوامل عديدة تجعل من مصير بشار الأسد نقطة خلاف جوهرية في كل المفاوضات الدولية والإقليمية حول الأزمة السورية ومستقبلها، بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي.

فالعوامل الخارجية ترتبط أساسا بمستوى الدعم الذي يتلقاه النظام من روسيا وإيران، أما العوامل الداخلية فتتعلق بطبيعة النظام السوري ذي البنية والتوجه الشمولي ومكانة رأس النظام الممسك بكافة الصلاحيات والسلطات؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وهي عوامل أفرزتها تحولات السلطة داخل منظومة الحكم، وانزياحها وفق شروط ومعطيات كل مرحلة من مراحل احتلال “البعث” لسلطة “الدولة والمجتمع” نحو تهيئة المناخ المناسب لحدوث التصفيات الدموية بين حفنة من العسكر، وولادة ديكتاتورية الأسد “الأب والابن”.

بهذا المعنى، لم تكن “عقدة الأسد” وليدة اللحظة الثورية في سوريا عام ٢٠١١، بل نتاج عقود من الاستلاب والاستبداد، سخر النظام السلطوي من أجلها جميع الأدوات الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية، وربط خلالها معيار الاندماج بالدولة بمستوى الولاء والتقرب من “الأسد” وعائلته.

لم تكن “عقدة الأسد” وليدة اللحظة الثورية في سوريا عام ٢٠١١، بل نتاج عقود من الاستلاب والاستبداد، سخر النظام السلطوي من أجلها جميع الأدوات الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية، وربط خلالها معيار الاندماج بالدولة بمستوى الولاء والتقرب من “الأسد” وعائلته

” وهو الأمر الذي أثر على منظومة القيم الثقافية والسياسية، بحيث لم يتوان مريدو السلطة وسلطانها عن اختصار سوريا كدولة وكيان، في شعار “سوريا الأسد”، التي أسست لظهور معتنقي مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، كتعبير عن أيديولوجيا دوغمائية وبنية تفكير فاشية.

هكذا ومع إرساء قواعد الحكم السلطاني المستبد، أصبحت “عقدة مصير الأسد” الهاجس المركزي والفعلي لنظام دأب على تقديم نفسه للغرب والقوى الدولية على أنه نظام وظيفي يقدم الخدمات في الإقليم، من أجل التغاضي عن بطشه الداخلي ومشروعه السلطوي القائم على تمايز “طائفي” ومصالح “أقلوية”.

من هنا يمكن فهم الموقف الإيراني المتمسك “بالأسد”، بحجة أنه يشكل مع نظام حكمه الحلقة الرئيسية في “محور الممانعة” ومواجهة إسرائيل، من دون الاعتراف بحقيقة هذا النظام وما يقدمه من نموذج مثالي للاستئثار بالحكم على أسس “طائفية”، تلك الأسس التي توفر المناخ الأنسب لاستمرارية نفوذ طهران في سوريا والمنطقة.

وإذا كان الموقف الإيراني يعتمد في جوهره على اعتبارات “طائفية” فإن حقيقة المواقف الدولية والإقليمية من “عقدة مصير الأسد” منذ عام ٢٠١١ كانت وما تزال مرتبطة بمسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بالموقف من الثورة السورية وتحولاتها، والثانية ترتبط بالموقف من الجماعات المتطرفة وعملية مكافحة “الإرهاب”.

وعليه، يمكن انطلاقا من ذلك فهم المواقف المتباينة والمتحولة من “عقدة مصير الأسد”. إذ تعاطت أغلبية الدول العربية والغربية مع الحدث السوري بكونه نتاج ثورة شعبية تطالب بانفكاك سوريا من العقدة “الأسدية” ورحيل النظام.

في الوقت الذي دعمت فيه روسيا وإيران ذات النظام بكل أسباب البقاء، مع تبني خطابه حول المؤامرة والجماعات “الإرهابية” المسلحة حتى في زمن سلمية الثورة، بل وزادت على ذلك محاولة تهيئة الظروف الدولية والإقليمية لإنجاح إستراتيجية النظام في محاربة المعتدلين وخلق بيئة مواتية لظهور تنظيمات إرهابية، وإظهارها بديلا وحيدا عن نظام “الأسد”.

وتحقق ذلك الطموح الروسي والإيراني مع ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي شكل تمدده العامل الأكثر تأثيرا على مواقف الدول الغربية المطالبة بتنحية “الأسد”، حيث دخلت تلك المواقف طور التبدل والتغيير، وتحول الحديث من رفض إشراك “الأسد” في العملية الانتقالية إلى رفض إشراكه في المستقبل السياسي لسوريا، مشجعة بذلك الاستثمار الإستراتيجي لروسيا في “عقدة مصير الأسد”.

صحيح أن موسكو باتت تبدي مرونة في اتجاه حلحلة هذه “العقدة” من خلال ما تصرح بها خارجيتها، إلا أن ممارساتها وتدخلها العسكري زاد من معدل الخشية في أن تكون هذه “المرونة” مشفوعة بشراء عامل الوقت، يتم خلالها إنهاك المعارضة المعتدلة وخلق حقائق جديدة على الأرض بقوة السلاح والتدمير يتبعها مطالبة الغرب بالتفضيل بين حكم الأسد أو حكم تنظيم الدولة الإسلامية.

واقع الحال، أن روسيا لا تعتبر “عقدة مصير الأسد” هي جوهر الأزمة السورية، لذا تروج لأفكار تستند إلى أن دور الأسد جوهري في أي سلطة انتقالية، وتربط مصيره بانتخابات مستحيلة، كخطوة تبقي حليفها في السلطة أطول فترة ممكنة، أو في أحسن الأحوال إزاحته ضمن ترتيبات طويلة الأمد.

لا يمكن الوثوق بأي اتفاق ما دام لا تتوفر فيه الضمانات الكافية بعدم ترشح الأسد لانتخابات قادمة، كما لا بد أن تنص وبشكل واضح على طريقة وتوقيت رحيله، وذلك لأن أولوية تفكيك العقدة الأسدية عن رقاب ومستقبل السوريين تسبق كل الأولويات

” لذا يعتقد البعض بأن التحرك الروسي الأخير وطرحه الخيارات المتعلقة بمصير الأسد يشكل الاختبار الحقيقي والفعلي لجدية موسكو وقوة نفوذها السياسي في المنطقة، خاصة على إيران ومليشياتها الطائفية، وعلى النظام السوري وأوهامه السلطوية حول “الأبدية”.

ويقابل الموقف الروسي موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الراغبة في تقليص صلاحيات الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية تمهيدا لخروجه النهائي والكامل من السلطة مع نهاية ذات المرحلة، دون التركيز على مدتها، بينما تصر الأطراف العربية الداعمة لثورة السورية ومعها تركيا على رحيل الأسد فور بدء عملية الانتقال السياسي وفقا لبيان جنيف١، ذلك أن رحيل الديكتاتور ضروري لإقناع المقاتلين بترك السلاح والتوحد ضد الإرهاب.

في حين يبدو الموقف الإيراني أكثر تشددا، إذ تصنف “مصير الأسد” ضمن خطوطها الحمراء، انطلاقا من رفضها “تغيير الأنظمة من الخارج”، وإمكانية إجراء انتخابات في المستقبل بمشاركة الأسد، “انتخابات” لا تعتبرها طهران جزءا من سيناريو الانتقال السياسي المنصوص عليه في مقررات “جنيف”، بل عملية ترميم لبعض أوجه النظام من أجل إعادة تأهيله و”تعويمه”، وهو ما يوضح أن “عقدة مصير الأسد” ومقارباتها الروسية والإيرانية وفقا لمصالحهما الإستراتيجية وعلى حساب حرية وكرامة السوريين، باتت المعطل الرئيسي لأي تسوية سياسية، خاصة أن حل هذه “العقدة” سيشكل بوابة العبور إلى شكل وطبيعة النظام السياسي المستقبلي في سوريا.

على أي حال، لا يمكن الوثوق بأي اتفاق ما دام لا تتوفر فيه الضمانات الكافية بعدم ترشح الأسد لانتخابات قادمة، مثلما لا بد أن تنص وبشكل واضح على طريقة وتوقيت رحيله، وذلك لأن أولوية تفكيك العقدة الأسدية عن رقاب ومستقبل السوريين تسبق كل الأولويات.

وما سميت “بسوريا الأسد” تجاوزتها الأحداث والعقول منذ انطلاقة الثورة، ولم يعد لها أي وجود إلا في ذهن شبيحة النظام وقادة “الحرس الثوري” الإيراني، وقد أصبح المستقبل الوحيد الذي يمكن الحديث عنه، بعد نحو ربع مليون قتيل، هو مستقبل سوريا وليس مستقبل الأسد.

الجزيرة نت

 

 

 

 

سورية… من جنيف إلى فيينا/ ميشيل كيلو

بعد اجتماعات فيينا وغزو روسيا بلادنا، صار من الضروري أن نطرح على أنفسنا أسئلة، منها: هل خرجت قضيتنا السورية من أيدينا إلى الحد الذي يضيّع مكاسب الجيش الحر، ويضعنا على الطريق إلى ما بعد الحل السياسي العادل الذي نريده؟ وهل وجدت الدولتان الكبريان، أميركا وروسيا، مدخلا إلى حل يختلف عن مدخل وثيقة جنيف واحد، وهو بالاسم “الهيئة الحاكمة الانتقالية”، وعن آليات ونتائج الحل الديمقراطي الذي تقترحه؟ وهل تخلت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي عمّا أقرته في جنيف في يونيو/حزيران من عام 2012، لصالح شيء مختلف، هو “توافقات فيينا وتوصياتها”؟. ما معنى دعوة وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى تصنيف المعارضة لتحديد الإرهابية منها، والدعوة التي وجهتها بلاده إلى لقاء معارض جديد في موسكو؟. وهل يلتقي مع نهج موسكو إعلان واشنطن جهلها بهوية المعارضة التي ستحضر مفاوضات السلام مع النظام؟. أخيراً، هل أخطأ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بامتناعه عن المشاركة في خطة ولجان مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، وبتمسكه بوثيقة جنيف وآلية قرار مجلس الأمن الدولي 2118 للحل السياسي؟

بداية: توافق المجتمعون في فيينا على نقاط تسع، اعتبروها نوعاً من إطار مبادئ، يعني قبوله من الطرفين السوريين المتصارعين تأسيس أرضية مشتركة بينهما، يمهد تطبيقها لإيجاد أجواء من الثقة، يستحيل تفاهمهما على الحل بدونها. ومع أن “فيينا” تعتبر وثيقة “جنيف 1” وقرار مجلس الأمن رقم 21118 مرجعية للتفاوض، وتالياً للحل السياسي، فإنها لا تورد، تصريحاً أو تلميحاً، مما يشير إلى أن “الهيئة الحاكمة الانتقالية” أداة يبدأ الحل بتراضي الطرفين على تشكيلها، مهمتها نقل سورية إلى الديمقراطية بضمانة الخمسة الكبار. بعد نقاطها التسع، تقرر تفاهمات فيينا تكليف الأمم المتحدة (دي ميستورا) بجمع ممثلي الطرفين، الحكومة والمعارضة، في عملية سياسية، تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، يعقب تشكيلها (من بشار الأسد بطبيعة الحال) وضع دستور جديد، وانتخابات تتم تحت إشراف الأمم المتحدة وبموافقة الحكومة، وبمشاركة جميع السوريين، بمن في ذلك “المغتربون”، حسب نص فيينا.

علمانية أم ديمقراطية؟

سأتجاوز الدولة العلمانية التي يقرّر النص إقامتها في سورية بعد الحل، ولن أتوقف عند الفارق الكبير بينها وبين الدولة الديمقراطية التي طالب بها السوريون، لأقول إن إجرائيات مسار فيينا التطبيقية، بمسمياتها المختلفة والمختصرة، سبق لها أن وردت بتفصيل ودقة أكبر في مذكرة حول مستلزمات الحل ومراحله، قدمها وفد “الائتلاف” إلى المبعوث الأممي السابق، الأخضر الإبراهيمي، في مفاوضات مؤتمر جنيف الثاني، غير أن النظام رفضها جملة وتفصيلاً، وأصر على أن الحل يكمن في محاربة الإرهاب، ممثلا بالجيش الحر والمعارضة الديمقراطية بوصفهما كيانه الرئيسي الذي تستهدفه بتركيز خاص هذه الأيام غارات طيران روسيا الحربي، وتصنيفات لافروف للإرهابيين في سورية. هذه نقطة لا بد من الوقوف عندها، لوضع أيدينا

” لايجوز أن ننسى حقيقة أن جنيف كان سوري الطابع، عطلته الخلافات الدولية، وفيينا دولي الطابع، ومن المرجح أن تعطله هو أيضاً” على ما هو قائم من فروق بين مبادئ فيينا وما تعتمده المعارضة من رؤية للحل ومبادئه، وما يمكن أن يتمخض في الواقع عن هذه الفروق، وإلى أين يمكن أن تقود بنواقصها، وما يراد بها، ليس فقط بالنسبة لبشار الأسد ونظامه، بل كذلك بالنسبة إلى الانزياح الواضح عن وثيقة جنيف، الذي يبدو في الظاهر محدوداً ومقبولاً، لكنه قد يتحول إلى هوة سحيقة في البحث عن أشكاله التطبيقية التي ستتعين بموازين قوى، دخلت روسيا بكامل قوتها إليها، يسبقها إعلان عن تصميمها على تغييرها. ومع أننا لا نستطيع تحديد الملامح الواقعية لهذا التغيير، فإن ملامحه تبدو جلية في أهداف روسيا السورية، القائمة في حدها الأدنى على أوضاع تمكن النظام من احتواء المعارضة، وفي حدها الأعلى، على شطب الجيش الحر والمعارضة السياسية المتحالفة معه، من معادلات القوة والسياسة. وفي الحالتين، لا “جنيف”، ولا استجابة لما أعطاه لشعب سورية من حرية ونظام ديمقراطي، بل هجانة سياسية، تضع قابليها من المعارضين في حضن استبداد متجدّد، دمر مجتمعنا، عدوه الرئيسي، وقتل قطاعات واسعة من شعبنا أو طردها من وطنها، سيحتوي ذلك الصنف من المعارضين الذين يقبلون القراءة الروسية لوثيقة فيينا التي ستكون أسوأ بكثير من نصوصه المعلنة، فلدى الروس قراءة خاصة للحل، دولياً كان أم محلياً، هي التي أفشلت جنيف وستفشل فيينا، في حال خالفت ما يريدونه لسورية، ومن تسويات مع الأميركان والأوروبيين على المستوى الدولي، مما لا يرتبط بعلاقة الشعب السوري مع النظام الأسدي، وإنما يتفرع عن مصالح ومشكلات كونية متنوعة جداً ومزمنة، متنازع عليها بقوة مع واشنطن والدول الغربية، لكن قبول الحل السياسي ونمطه يتوقف على معالجتها بما يلبي مصالح روسيا من جهة، وأطراف متصارعة معها، تستطيع بدورها تخريب الحل، بعضها دولي أو إقليمي وبعضها الآخر عربي، فإن لم تجد هذه العقد المتشابكة جداً من المصالح المتضاربة والإرادات المتصارعة حلاً توافقياً مقبولاً من الجميع، فشل حل فيينا السياسي، أو تأجل الحل عامة، أو غدا تحقيقه ضرباً من الاستحالة، واستمر الصراع في سورية، وتم إلقاء وثيقة فيينا إلى سلة المهملات، وأخلت مكانها لوثيقة أخرى، تعبر عن موازين القوى التي ستكون قد شرعت تحكم العلاقات بين المتصارعين الكبار، دولياً وإقليمياً، كما يتم، منذ نيف وشهر، رمي أجزاء مهمة ورئيسية من وثيقة جنيف إلى هذه السلة بفضل وثيقة فيينا.

الفشل والمعوقات

يضع ما سبق يدنا على نقطة مهمة، تتعلق بمعوقات، يرجح أن يفضي تفعيلها المحتمل في أي وقت إلى فشل نمط الحل الذي اقترحته وثيقة فيينا، ولها مصادر ثلاثة، أتحدث عنها فيما بعد، بعد التوقف قليلاً عند النقطة التالية: بينما انصب جنيف بوثيقته، وباللقاء الذي ترتب عليه في فبراير/شباط من عام 2013 على الشأن السوري، على علاقة الشعب بالنظام والبديل المقترح بعد رحيل الأسد، المؤكد بقرار من مجلس الأمن الدولي يفسر معنى “الصلاحيات التنفيذية الكاملة”، يقول إنها صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السوريين التي ستنتقل حتماً إلى “الهيئة الحاكمة الانتقالية”، جاعلة وجودهما على رأس السلطة نافلاً، ولا لزوم له، بمجرد قيامها. هذا التركيز على القضية السورية دون غيرها من قضايا ومشكلات دولية وإقليمية وعربية متداخلة معها، هو الذي دفع كتلة “الائتلاف” الرئيسية إلى اتخاذ قرارها بالذهاب إلى جنيف 2، الذي أحبطه الروس، بحجة أن وثيقته أنتجتها أوضاع ميدانية، لكنها تغيرت، وأن الحل يجب أن ينطلق من الوقائع، وليس من الوثائق. اليوم، ومع فيينا ووثيقته، تدور الأمور، بدرجة رئيسية، حول المصالح والصراعات الدولية التي تترجم إلى خلافات شديدة حول الحل المقترح للمعضلة السورية، وتأخذ صورة صراع حول تقاسم البلد والمصالح، كغنائم متنازع عليها. هذا الفرق مهم إلى درجة تحتم مطالبة “الائتلاف” بتوضيح القراءات المتباينة التي أملت وثيقة فيينا، وترجمتها المحتملة في المفاوضات بيننا وبين النظام، بالنظر إلى أن هذه القراءات هي التي ستترجم مصالحها ومطالبها، التي يجب أن نعرفها بدقة، وأن يكون لنا دور في جعل أصحابها يترجمونها بطرق تخدم الحل الذي يريده شعبنا.

هذا عمل علينا إنجازه عبر اتصالات نجريها مع جميع الأطراف، وقراءات صحيحة لمواقفها،

“واشنطن ليست “ابنة عمنا الربعي”، ومصالحها لا تتفق مع ما نريده لبلادنا، وهي تتلاعب بنا منذ نيفٍ وأربعة أعوام، ويمكن أن تضحي بنا في أية صفقة دولية؟ ” أي لمصالحها، وإلا مرر خصومنا ما يريدونه، ونحن في غفلة من أمرنا. في هذا السياق، لا يجوز أن ننسى حقيقة أن جنيف كان سوري الطابع، عطلته الخلافات الدولية، وفيينا دولي الطابع، ومن المرجح أن تعطله هو أيضاً، إلا إذا أجبرنا الروس والإيرانيين، بدعم نوعي وكثيف من إخوتنا العرب وأصدقائنا الإقليميين والدوليين، على تقديم قراءة لمصالحهم، تلبي مطالبنا، وهذا احتمال ضعيف بالنسبة لروسيا، ومستحيل بالنسبة لإيران. هل نبادر إلى تركيز عملنا على الوصول إلى مثل هذا الدعم الذي سيساعدنا على تحقيق أهدافنا، من دون إغلاق باب الحوار مع موسكو، آخذين في الاعتبار أن واشنطن ليست “ابنة عمنا الربعي”، ومصالحها لا تتفق مع ما نريده لبلادنا، وأنها تتلاعب بنا منذ نيفٍ وأربعة أعوام، ويمكن أن تضحي بنا في أية صفقة دولية؟

أما المعوقات فتنبع جميعها من أولوية المشكلات الدولية على المشكلة السورية، مشكلتنا كشعب مع نظامه:

يخضع الحل في سورية لصراعات وخلافات التيارات والأجنحة المنضوية في السلطة الإيرانية، التي ترى جميعها في تحقيق مطالب الشعب السوري تهديداً استراتيجيا لمصالحها، ولمكانتها في بلادنا، التابعة اليوم لها، وتريد لأي حل سياسي أن يبقيها تابعة لها. بقول آخر: يلعب الموقف الإيراني من المسألة السورية دوراً كبيراً في توحيد تيارات السلطة، ويرجع جزء من تشدد إيران حيالنا إلى خوفها من انفراط عقد نظامها، تحت وطأة ما سينشب بين تياراته من صراعات، في حال وافقت حتى على حل وسط سوري. أرجح أن تفعل إيران المستحيل لفرض حلها، العسكري، ولتنفيذ خططها السورية التي تعتبر العمود الفقري لحضورها ونفوذها، في المشرق خصوصاً، وبلادنا العربية عموماً، والمرتكز الذي ستواصل منه معركتها لإخضاع الخليج وإكمال سيطرتها على الوطن العربي.

ويخضع الحل في سورية لمصالح روسيا وصراعاتها مع أميركا والدول الغربية، وهي معقدة إلى أبعد الحدود، ومن المستبعد أن تتنازل الدول الغربية فيها، بالنظر إلى ضعف روسيا وارتفاع سقف مطالبها، وقدرة الغرب على إنهاكها وزيادة تورطها المكلف في سورية. ما لم تتنازل الدول الغربية، فإن روسيا ستربط الحل في سورية بها أكثر فأكثر، مما سيدفع الغرب الى التشدد، إلا إذا قررت قبول حل يراعي وضعها الصعب، يفتح الباب أمام تفاهم لاحق حول خلافاتها مع بقية العالم، وهي كثيرة، وهذا مستبعد على الأرجح، لأنه سيفقدها الورقة السورية، ولأن بوتين يمارس سياسات مغامرة، يريد بها الظهور بمظهر الطرف القوي القادر على فرض ما يريده، بينما سيرى في أية خطوة تصالحية يقوم بها في سورية تنازلاً مجانياً، ولا مبرر له، خصوصاً وأن الحل سيأتي في هذه الحال بغير قراءته.

إرهاب النظام الأسدي

ويخضع الحل في سورية للبلبلة السياسية والعسكرية التي ترتبت على قرارت أوباما إعطاء الحرب ضد الإرهاب الأولوية على إزالة جذره الحقيقي: نظام الاستبداد الأسدي في سورية،

“لا بد من جعل تغيير النظام الأسدي وإسقاط الأسد أولوية دولية، وإلا ستفشل الحرب ضد الإرهاب” والنظام المذهبي /الطائفي في العراق، وحزب الله، التابع لقلعة الاستبداد الأخطر في المنطقة والعالم، ايران الملالي. واليوم، يدخل الروس على الخط، ويسعّرون هوس الإرهاب على المستوى الدولي، وفي علاقاتهم مع المسألة السورية، ليس لأنهم ضده، بل لدفع العالم إلى قبول قراءتهم حلاً سياسياً، يبقي على جذره الأسدي/ الاستبدادي في بلادنا ومنطقتنا، ويجدده، بحيث يعزّز معركته، ومعركة إيران ضد بلدان الخليج العربي. لا بد من جعل تغيير النظام الأسدي وإسقاط الأسد أولوية دولية، وإلا ستفشل الحرب ضد الإرهاب، كما فشلت حرب أميركا خلال العام الماضي، على الرغم من أنها ألقت طيرانها إلى المعركة، وتحالفت مع حزب العمال الكردستاني وأتباعه في سورية، وسلحتهم ومولتهم. ومع ذلك، فإن قتالها، بمعونة هؤلاء، ضد الإرهاب قد يستمر فترة طويلة جداً، من دون القضاء عليه. لا بد من نهج يقوم على فضح العلاقة بين النظام الأسدي والإرهاب، وتحديد صحيح لأولويات المعركة ضدهما، ينطلق من كون الأسدية هي الأصل والإرهاب هو الفرع، ويدفع دولياً وإقليمياً وعربياً لتطبيق ما قاله الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عقب لقائه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حول استحالة هزيمة الإرهاب، ما دام بشار الأسد في الحكم، وما دامت جرائمه هي التي تدفع آلاف السوريين إلى الالتحاق بـ “داعش” أو التعاطف معها. من دون دمج المعركة ضد الإرهاب بالمعركة ضد الأسد وبالعكس، لن يكون هناك حل سياسي قادر على دحر الأسد وعصاباته وكسر شوكة الإرهاب، الذي تغذّى من حلوله الأمنية أمس، ويتغذّى اليوم من غزو روسيا بلادنا، وقتلها شعبنا، وشطب الجيش الحر والقوى الديمقراطية من معادلات الحل فيها، لاعتقادها أنها ستجبر بذلك العالم على قبول الأسد، بعجره وبجره، بوصفه الخيار الوحيد المتاح.

وفي نهاية كل أمر، سيتوقف تحقيق الحل العادل على اقتناع روسيا بأن معركتها خاسرة حتماً، وبأنها لن تستطيع إنقاذ الأسد ونظامه، وأن عليها البحث عن حل يلبي مصالحها، ليس لأنه ينقذ الأسد، بل لأنه يتفق مع ما يطالب به الشعب السوري، صديقها التاريخي الذي باعته لمجرم يقتله بثلاثين من الفضة، في صفقة هي الأسوأ في تاريخ روسيا الحافل بالصفقات السيئة.

العربي الجديد

 

 

 

 

وفد المعارضة المفاوض/ باسل العودات

انطلاقاً من نتائج مؤتمر فيينا الثالث، وتأسيساً على إعلان جنيف الأول، وبعد تهميش السوريين واستبعادهم من المشاركة بالقرار في فيينا وما قبله وبعده، تستعد الدول المعنية بالأزمة السورية والمؤثرة فيها لرعاية وتنظيم مفاوضات مرتقبة بين النظام السوري والمعارضة، وتعكف (الأجهزة المختصة) بالأزمة السورية في هذه الدول على دراسة وتحديد قوائم لوفد المعارضة وأخرى لوفد النظام اللذين ستوكل لهما مهمة التفاوض، وكل واحدة من تلك الدول تحاول أن تسحب البساط لجهتها وتضع (رجالها) ضمن تشكيلة هذا الوفد أو ذاك.

لا يعنينا كثيراً الحديث عن وفد النظام، فدراسته في واقع الأمر مضيعة للوقت، فهو في الغالب عبارة عن لائحة روسية إيرانية جاهزة، وقد يُعطى النظام مقعداً أو مقعدين فيه، وسيكون بالمحصلة على شاكلة النظام، أشخاص سلطويون ديماغوجيون مزاودون مُنفّذو أوامر وبالدارجة السورية (أنصاف شبيحة).

ما يهمنا أكثر هو وفد المعارضة الذي سيُفاوض، والذي سيضع السوريون ثقتهم به وسيحملونه أمانة الثورة، ومطالب الملايين من السوريين الحالمين بالحرية والعدالة والمساواة، وهو ما يفرض عليهم مسؤوليات مضاعفة ومركبة لا يحسدون عليها.

تركيبة وفد المعارضة تُقلق السوريين كثيراً، فهم أولاً يخشون أن يكون هذا الوفد حصيلة حصص تتقاسمها الدول المؤثرة على المعارضة والداعمة لها، حصص لا يحكمها سوى مدى ولاء هذا الشخص أو ذاك لتلك الدولة وأجهزتها، ويخشون ثانياً أن يحدث خطأ في الاختيار، وأن يتسلق وفد المعارضة معارضون سوريون غير مؤهلين لا يُعتدّ بإمكانياتهم ولا قدراتهم السياسية والفكرية والتفاوضية.

هذه المشكلة الخطيرة تُعيدنا إلى بدايات الثورة السورية، حين بدأ يظهر معارضون سوريون غير معروفين كالفطر، وكان في فترة من الفترات المُبكّرة (علوّ الصوت) و(غرابة التصرفات) و(القدرة على التحريض) هو معيار الانتماء لقيادة المعارضة.

وبعد إرتهان المعارضات السورية للدول الداعمة، وتشكيل كيانات وتيارات معارضة جديدة لها قيادات سياسية ومؤسسات تابعة، وبدء تدفق المساعدات العينية والمالية للمعارضة، وتشكيل حكومات مؤقتة ومؤسسات إغاثة وكتائب عسكرية، زاد حرص الكثيرين على التعلّق بمعارضتهم، فهي بالنسبة لهم وسيلة للشهرة وإثبات الذات والثراء والسلطة أيضاً.

ظهر على السطح كثير من المعارضين السوريين من حديثي العهد بالمعارضة، أمّيون بالسياسة وبإدارة الأزمات، هواة لا خبرة لديهم ولم ينشطوا يوماً بالعمل السياسي، ولم يشاركوا لا في نضال من أجل إصلاح النظام أو تغيير السلطة، ولا حتى في حوار لبناء مستقبل أفضل، وكثيرون منهم ممن لم يكن يفهم التيارات السياسية الموجودة في سورية ولا حتى الثقافية منها، ومؤهلهم الوحيد هو رضى هذا الطرف الداعم أو ذاك عنهم، انتهازيون تسلّقوا ووصلوا، فسدوا وشخصنوا الثورة، وهمّشوا خبراء السياسة وعتاتها وطردوا الأجدر، وتحدثوا بصفاقة باسم الشعب والوطن.

تسيّد المشهد معارضون سوريون لا يعرفهم النشطاء ولا المناضلون المخضرمون، ومنهم من لم يدخل سورية منذ عقدين، لم يعرفوا آلام ومشاكل السوريين وآمالهم، ولا يعرفون اليوم مآسي السوريين وحاجاتهم سوى ما يروه على الفضائيات، ظهروا بسرعة ودون مقدمات وساعدتهم علاقاتهم وظروفهم ليصبحوا (قادة) مشاركين في أهم تيارات المعارضة، والمشكلة أنهم صدّقوا، فاعتقدوا أنهم نادرون ولا يصلح لإدارة الثورة سواهم، بل وقادرون متى أرادوا أن يهزّوا ويزعزعوا أركان النظام بتصريح تلفزيوني ناري.

يمكن ذكر الكثير من الأسماء (اللامعة) التي تحمل هذه الصفات، لكن المقام هنا لا يصلح، وبكل الأحوال هم معروفون لدى غالبية السوريين، فالشعب الذي سار بثورة معقّدة ومركبة من هذا النوع أوعى من أن يفوته أمر كهذا.

المشكلة الأخرى أن غالبية قوى المعارضة السورية تعرف الإمكانيات المحدودة والبائسة للكثير من أولئك، وتعرف أنهم مراهقون، لكنها لم تُجهد نفسها بإقامة دورات تدريب وصقل لهم، ولم تُحاول انتقاد خيباتهم، ولم تحاول إزاحتهم الى الصفوف الخلفية وإفهامهم أن الخبرات السياسية عملية تراكمية، تماماً كالإعلام والطب والفكر، وليست (فهلوية) كاللعب بالثلاث ورقات والتنجيم والنصب.

كثير من المعارضين السوريين الجدد ـ الطارئين ـ لم يفهموا الظروف التي مرّت وتمر بها سورية والمنطقة والعالم، ولا يُدركون الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية والشعبية في المنطقة، ولا يعرفون أولويات التفاوض وطرقه وآلياته ووسائله، ولا يملكون (كاريزما) الإقناع ولا سلاسة ومنهجية التفكير، ورغم هذا يُصرّون على أنهم الأجدر وهم لا يعرفون أن الكراسي التي يجلسون عليها أكبر بكثير من حجمهم.

إحدى المصاعب التي حلّت بالثورة السورية هي عدم الاختصاص، فالجميع بات يريد أن يصبح (قيادياً) في المعارضة السورية، التاجر يريد أن يصبح نجماً إعلامياً، ومُدرّس الأطفال مُفكراً سياسياً، ورئيس العشيرة مُحللاً استراتيجياً، والأكاديمي مسؤولاً إغاثياً، والعاطل عن العمل ناشطاً ثورياً، والجميع يُصرّ على أنه الأنسب ولسان حاله يقول (لست الوحيد لكني الأفضل).

على المعارضين السوريين المُخضرمين، وأولئك الجدد الجديرين المشهود لهم، أن يكشفوا الآن، والآن بالذات، من تسلّق دون جدارة، ويقولوا قول حق في الطارئين على المعارضة، ولا يخشوا من رفع الصوت، و(يُغربلوا) كل من اتّخذ المعارضة مكسباً أو هواية، ويختاروا الجديرين المُكرّسين القادرين بالفعل على التفاوض، ودون ذلك، من غير المستبعد أن يُشارك في المفاوضات معارضون غير كفؤين يُسهّلون للنظام رسم صورة مشوّهة لسورية لا ترضي صديقاً ولا تُغيظ عدواً.

المدن

 

 

 

 

مصير السوريين من باريس إلى فيينا/ بكر صدقي

افتتح تنظيم داعش، من خلال هجمات باريس الدموية، مرحلةً جديدة في السياسة العالمية لا يمكن فصلها عن المشكلة السورية. فالصدمة التي خلقتها العملية الإرهابية المنسقة في عاصمة النور، دفعت بأصحاب القرار في فيينا، في اليوم التالي، إلى الإسراع في التوافق على خريطة طريق محددة الملامح لوقف الحرب في سوريا، أبرز نقاطها توافق الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن على وقف إطلاق النار، من المحتمل أن يصدر قرار بشأنه من مجلس الأمن.

فعملية باريس المنسقة التي راح ضحيتها 132 قتيلاً ومئات الجرحى، هي الأولى من نوعها لتنظيم داعش ضد «العدو البعيد» وفقاً لقاموس مصطلحات الجهادية العالمية، وتشبه من نواح عدة هجمات منظمة القاعدة في نيويورك وواشنطن في 11 أيلول/سبتمبر 2001، والهجمات اللاحقة في مدريد ولندن وغيرهما.

فالمنظمة الإرهابية التي أعلنت دولة الخلافة من الموصل، حزيران/يونيو 2014، وتسيطر اليوم على مساحات واسعة من سوريا والعراق، ركزت جل جهودها، في المرحلة السابقة، على قتال «العدو القريب» في البلدين وتوطيد أركان حكمها البربري على السكان الواقعين تحت احتلالها، وتوسيع مساحة الأراضي التي تسيطر عليها، قدر المستطاع، على حساب القوى المجاورة من جيوش نظامية أو فصائل مسلحة.

ويمكن إدراج الهجمات الإرهابية التي نفذتها داعش في الأشهر السابقة على الأراضي التركية، في ديار بكر وسروج وأنقرة، في إطار قتال «العدو القريب» من حيث أنها استهدفت جماهير حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) الذي يعتبر الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني، وتقاتل داعش فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح «وحدات حماية الشعب». كذلك الهجوم الإرهابي الذي تبناه داعش واستهدف، قبل يوم من هجمات باريس، برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية الواقعة تحت سيطرة حزب الله اللبناني، فهو بدوره يندرج في إطار قتال «العدو القريب» الشيعي هذه المرة.

تميل التقديرات الاستخبارية الفرنسية، بالنظر إلى دقة التنظيم واختيار الأماكن المستهدفة، إلى أن عملية باريس تم التخطيط لها منذ فترة ليست بالقصيرة. من المحتمل أن التنظيم الذي لم يسجل انتصارات يعتد بها منذ بعض الوقت، وتعرض لهزائم عدة في مواقع مختلفة في العراق وسوريا، كان آخرها طرده من سنجار، أراد أن ينتقل إلى قتال «العدو البعيد» في حواضر العالم ليحقق إنجازات مبهرة تعيده إلى دائرة الضوء، بما يساهم في زيادة استقطاب «المجاهدين» من أنحاء العالم، وبما يربك الخصوم ويدفعهم إلى ردود فعل متوترة لن تؤذي التنظيم في شيء.

من هذا المنظور يمكن اعتبار إعلان حال الطوارئ في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر وحالة الهلع التي سادت فرنسا والعواصم الأوروبية، من «إنجازات» عملية باريس التي تسجل لصالح داعش.

هذا ما تتحدث عنه النظرية الجهادية: تكفي عملية صغيرة في إحدى المدن الغربية، تقوم بتنفيذها خلية صغيرة، لاستنفار الرعب بصورة دائمة وإشغال أجهزة الأمن، بشرط توفير الإبهار الإعلامي المناسب. كانت «غزوة باريس» مثالية في تطبيقها لهذا الجانب من النظرية الجهادية، وحققت كل الثمار المرجوة منها من قبل داعش.

لكن جانباً آخر من عملية باريس فرض نفسه على المجموعة الدولية المجتمعة في فيينا لبحث المشكلة السورية. ليس فقط لأن العملية «تم التخطيط لها في سوريا» كما أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، أو بسبب عثور الشرطة الفرنسية على جواز سفر سوري قرب جثة أحد الانتحاريين (وهذه مفارقة أثارت سخرية كثير من المراقبين)، بل لأن عملية باريس قالت بوضوح إن الحرب في سوريا التي سبق وطفحت على الجيران، في لبنان وتركيا والعراق، باتت تهدد أوروبا نفسها، بتداعياتها الإرهابية على الأقل. وقبل عملية باريس، كان تفجير الطائرة المدنية الروسية فوق شرم الشيخ إيذاناً مشؤوماً بأن الحرب في سوريا ستحرق كل من يقترب منها.

من المحتمل أن هذا الإدراك هو الذي أنتج، في فيينا، أول تفاهم دولي واسع حول المشكلة السورية منذ الثلاثين من حزيران/يونيو 2012، فيما سمي ببيان جنيف الأول الذي تحول إلى مرجعية نظرية ثابتة لحل المشكلة السورية، لكنه لم يتحول إلى حيز التطبيق خلال ثلاث سنوات ونصف بعد إصداره.

غير أن خريطة الطريق التي تبناها اجتماع فيينا لا تبدو قابلة لتحقيق أي تقدم جدي بالنظر إلى الألغام التي تمتلئ بها. أولها لغم تجنب مصير الأسد الذي من دون تحديده لا يمكن توقع أي عملية سياسية بين النظام والمعارضة كما يقترح بيان فيينا. وتؤكد تصريحات وزراء الخارجية ممن شاركوا في اجتماع فيينا هذا الخلاف العميق بين الطرفين الدوليين ـ الإقليميين حول فهمهم لتفاهم فيينا: الأمريكيون والسعوديون والأتراك من جهة، والروس والإيرانيون من جهة أخرى.

ويتمثل اللغم الثاني في تصنيف الفصائل المقاتلة على الأراضي السورية بين إرهابية ومعتدلة، الأمر الذي من المتوقع أن يثير خلافات قد لا يمكن حلها، خاصة وأن الروس والإيرانيين يرفضون تماماً إدراج الميليشيات الشيعية متعددة الجنسية المحسوبة على إيران، وتقاتل دفاعاً عن النظام السوري، في قائمة المنظمات الإرهابية. وكذا في تحديد المعارضة السياسية «المقبولة» للانخراط في عملية سياسية مع النظام.

أما اللغم الثالث فهو يتعلق بمرحلة متقدمة من خريطة الطريق، ويشترط تحقيق خطوات قبله، كوقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة انتقالية من النظام والمعارضة، ووضع دستور جديد، في غضون ستة أشهر كما تقترح خارطة الطريق. ونعني به لغم الانتخابات الرئاسية والنيابية تحت رقابة دولية. وكأن المشكلة السورية هي مشكلة انتخابات لم تكن غائبة يوماً طوال حكم آل الأسد، في حين أن الأمر يتعلق ببناء دولة دمرها هذا النظام وجيش حوله إلى ميليشيات وآلة تدمير للبشر والحجر.

أرادت روسيا من تفاهم فيينا أن يكون أداة تشريع لحربها المتواصلة على سوريا ولإعادة تأهيل النظام الكيماوي، من خلال تصوير الأمر على أنه حرب «الدولة السورية» ضد الإرهاب.

وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أعلن كل من يحمل السلاح ضد نظام دمشق بوصفه «إرهابياً». صحيح أن بيان فيينا أشار بالاسم إلى داعش والنصرة كمنظمتين إرهابيتين لا يشملهما وقف إطلاق النار، ولكن تم تكليف الأردن بإعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية التي ستبقى مستهدفة إذا تم وقف إطلاق النار.

ما زال الطريق طويلاً قبل الوصول إلى رؤية ضوء في آخر النفق، ما دامت الصفقات الكبرى بين اللاعبين الدوليين والاقليميين لم تنضج بعد، وإن كان استشعار الخطر الجدي قد بلغ ذروته بعد عملية باريس.

القدس العربي

 

 

 

تصعيب السلام في سورية/ ميشيل كيلو

لا لأنه ليس لإيران دور في سورية، بل لأن دورها هو الأكثر أدلجة وانشحاناً بما لا علاقة للثورة السورية به. وبالتالي، هو الأخطر والأكثر قدرة على إغلاق درب الوصول إلى حل سياسي، يوقف قتل شعب عارضت أغلبيته دعوتها إلى مداولات الحل السياسي التمهيدية بين روسيا وأميركا ودول إقليمية وعربية في فيينا، والمشكلة أن الدعوة جاءت في ظل عملية خلط أوراق شاملة أنتجها: أولاً، الانهيار الذي بدا وشيكاً لجيش النظام، وما ترتب على هزائمه المتعاقبة من تبدل ملموس في ميزان القوى، لصالح انتصارٍ يستجيب لحرية السوريين، ويحسم الصراع في بلادهم. ثانياً، التدخل العسكري الروسي الذي استهدف الجيش الحر، وصولا إلى شطبه من الساحة، وإعادة إنتاج رهان الأسد والروس القديم، الساعي إلى إنتاج وضعٍ حدّاه النظام والإرهاب، لا يترك للعالم من خيار غير الحل الروسي الذي يقول بتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة الأسد، وضم بقايا الجيش الحر إلى جيش جديد، يتكون من الشبيحة وبقايا مسلحي النظام، ووضع دستور يتم بعده إجراء انتخابات تضفي “شرعية شعبية” على الأسدية. ثالثا: تكثيف الاحتلال الإيراني لسورية، وما أدى إليه من حرب تخوضها طهران بدل جيش النظام، وسعيها إلى إدامة حربها أطول فترة ممكنة، لعل ذلك يقوّض قدرة السوريين على الدفاع عن أنفسهم، ورغبتهم في مواصلة النضال من أجل حريتهم.

في هذه الأجواء من التحول السياسي والتصعيد العسكري المشحون بالمخاطر، الذي يمكن أن يطوي صفحة تقادمت من علاقات الأطراف المنخرطة في الصراع على سورية، تمت دعوة طهران إلى فيينا، على الرغم من أن حضورها سيزيد الأمور تعقيداً، وأنه كان حرياً بالداعين التريث، ريثما تتضح مرحلة ما بعد الغزو الروسي لسورية، ويقع بعض التقارب حول مشاريع الحلول، وتقتنع إيران بالتخلي عن دورها التخريبي الحالي، أو بتقييده. ومع أن وزير خارجيتها، جواد ظريف، وافق باسمها، ولأول مرة، على اعتبار وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 مرجعية الحل السياسي، فإن هذا لا يعني أن موقفها سيشهد تبدلاً إيجابيا تجاه

“إيران دولة بلا أصدقاء، تتعامل بمنطلقات وسياسات صراعية مع الآخرين عامة، وجيرانها العرب خاصة” المسألة السورية، بل يرجح أن “يصعب” حلها، عبر ربطه بتناقضات وصراعات أطراف السلطة العسكرية والأمنية/ السياسية والدينية فيها، وبالتشدد كآلية توحيد لمواقفها، وبتوافقها على اعتبار نظام الأسد “درة إيران الاستراتيجية”، وخطاً أحمر، يطاح بمن يتخطاه من مسؤوليها، يجب التمسك به، وإن أدى ذلك إلى حرب عالمية ثالثة، كما قال عدد من قادتها. هذه المواضعات الإيرانية تجعل بلوغ الحل أكثر تعقيداً مما يظن ساسة الغرب، وتحول دون تحقيق حل عادل ومتوازن، يقلص قدرة نظام طهران على إدارة خلافاته، وتوحيد أطرافه.

إلى هذا العامل الداخلي، يضاف عامل دولي، يعبر عن نفسه في حقيقة أن إيران دولة بلا أصدقاء، تتعامل بمنطلقات وسياسات صراعية مع الآخرين عامة، وجيرانها العرب خاصة، وترفض التعامل معهم من مواقع التكامل والمشتركات، بسبب أيديولوجيتها المذهبية التي تضفي العصمة على شخصٍ لا يُساءَل، ولا يحاسب، ولا يلتزم بقانون، هو “مرشد”، يستمد سلطانه من مصدر قدسي ورباني. لذلك، تعد مخالفته بما هو ولي فقيه معصية وكفراً. هذه الأيديولوجية تجعل الجمهورية الإسلامية دولة مختلفة عن باقي دول الأرض، محكومة بنواظم ومعايير، لا تشاركها فيها دولة أخرى، من غير الجائز مقارنتها بأية نواظم ومعايير وضعية؟. ستأتي إيران بهذه الأيديولوجية، وبالصراعات التي تنتجتها مع الدول الأخرى، بما في ذلك مع روسيا، إلى الساحة السورية، ليصير الحل السياسي فيها تابعاً لصراعاتها مع العالم، ومرتبطا بأهدافها، وبما تريد الحصول عليه، ما سيصعب الحل ويأخذه إلى ميادين لا علاقة للسوريين بها، إن ذهب إليها، وقع في الاستعصاء والاحتجاز.

أخيراً، يعزز موقف طهران أوهام روسيا حول انتصارٍ، لا تسقط فيه طائراتها، أو يقتل جنودها، تحرزه بمعونة جند طهران وجنرالاتها الذين يرسلون يومياً إلى ميادين الحرب، ليس من أجل أن تنتصر روسيا، وإنما العكس: كي تبقى يد إيران هي العليا في سورية، وتحول بين روسيا والتلاعب بمصير الأسد. أليست هذه العلاقة عاملاً إضافيا يصعّب الحل السياسي؟. من اللافت أن طهران لم تعلن عن مشاركة جيشها في الحرب، إلا بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، ودعوتها إلى جنيف، فهل فعلت ذلك لتصلب موقف روسيا التي دخلت في طور من التشدد باحتلال سورية، والشروع في قصفها من دون تفويض دولي، أو طلب من نظام شرعي، وليست بحاجة إلى من يشجعها على التشدد، أم فعلته لتعامل طرفاً في الحرب، لن يقبل أن يُعامل مثل غيره من المدعوين، أي كباحث عن حل سياسي، سيصعب حلاً لا يلبي مصالحه، وفي المقدمة منها ضمان وجوده العسكري/ الأمني في سورية.

إيران طرف في الحرب، طالما رفض الحل السياسي. وكان من المبكر جداً دعوتها إلى فيينا، إلا إذا كانت قد دعيت، لتشارك في التهام ضحيتها أو تقاسمها.

العربي الجديد

 

 

النظام بلا رأسه والمعارضة بلا نصرها/ حازم الامين

على العالم أن يختار في حربه على «داعش» بين تنازل أمني وتنازلٍ أخلاقي! هذا على الأقل ما تعرضه عليه موسكو عقب هجمات باريس الدامية. ويتمثل التنازل الأمني في جدولة الحرب وتدرجها، بدءاً من إسقاط النظام في سورية وصولاً إلى القضاء على «داعش»، والتنازل هنا يتمثل في إطالة أمد الحرب والتعامل مع المزيد من تعقيداتها. أما التنازل الأخلاقي فيتمثل في التعامل مع بشار الأسد كأمر واقع، على أن يترافق ذلك مع انقضاض دولي على «داعش» يُقدم عليه تحالف يضم إلى موسكو وواشنطن وباريس، طهران و «حزب الله» والنظام في سورية.

يمـــيل كثيرون إلى القول إن العالم سيختـــار التـــنازل الأخـــلاقـــي، وأن بشار الأسد لم يعد أولوية، وأن بقاءه ضعيفاً يؤدي وظائف ما زال العالم في حاجة إليها. أمن إسرائيل ومصالح موسكو ونفوذ إيران المشرقي، هذه كلها يؤمنها نظام ضعيف في سورية ما بعد «داعش».

أما الغرب فيمكنه أن يتعايش مع بشار على نحو ما تعايش مع صدام حسين ما بين 1990 و2003! وهذه مقولة سائدة ويتم الترويج لها في الكثير من الأروقة.

لكن بغض النظر عن قدرة أصحاب هذه الفكرة على تسويقها، وهم وجدوا في أحداث باريس قوة دفع لنظريتهم، لا بد من الإشارة إلى أن الخوض فيها لا ينطوي على تنازل أخلاقي فقط، بل ثمة عقد واقعية تحول دونها.

ما هي القوة البرية التي ستملأ الفراغ الذي سيخلفه «داعش» بعــــد دحره؟ ونحن هنا نتحدث عن أكثـــــرـ من ثلث مساحة سورية. النظام السوري؟ مـــــن السذاجـــة طبعاً الاعتقاد بذلك: ذاك أن النظام وحلفاءه الإيرانيين واللبنانيين كانت هزائمهم الميدانية في الكثير من المواقع قد أخذت شكل انكفاءات غير ناتجة عن هزائم عسكرية، إنما عن نقص بشري وضعف في البنى العسكرية.

ثم إن هزيمة «داعش» من دون حليف سني محلي وإقليمي ستكون تأسيساً لشروط إعادة إنتاج «داعش» موازٍ، وبقاء بشار في السلطة يعني ذلك حرفياً. فلن يجد التحالف الدولي قوة سنية تقف إلى جانبه في حربه على «داعش» طالما كان عنوان هذه الحرب «بقاء بشار الأسد». ثم إن نصراً مذهبياً على «داعش» هو انتصار له، والحرب على «داعش» من دون السنة ستنطوي على عمق مذهبي يُدركه الغرب تماماً كما تُدركه موسكو وطهران، وهؤلاء كلهم اختبروا الفشل الكبير في العراق، وسيكون تكراره في سورية ضرباً من الغباء.

في سورية، لا تستطيع طهران أن تُكرر خبرتها العراقية المتمثلة في أن «داعش» مشكلة السنة العراقيين، وأن تنكفئ بقواها العراقية إلى حدود المناطق الشيعية. الانكفاء عن المناطق السنية في سورية انكفاء عن سورية، وجبال العلويين لا تكفي لبناء دولة، فيما مدن الساحل لا يتمتع فيها العلويون بغلبة، ودمشق، معقل النظام، محاصرة من ريفها، ومن جنوبها وغربها.

وموسكو بدورها تُدرك أن حرباً جوية على «داعش» من دون قوة محلية لن تكون أكثر من تكرارٍ للحرب الجوية التي تخوضها الولايات المتحدة منذ نحو سنتين على «داعش» من دون نتائج فعلية.

سيكون البحث عن تسوية في سورية تُسهل القضاء على «داعش» من دون البحث في مصير بشار الأسد غير مجدٍ، والأرجح أن هذه قناعة الجميع، ويبقى السؤال في كيفية مغادرة بشار وبقاء النظام، بما يؤمن لجميع القوى الإقليمية بما فيها طهران مصالحها؟

أما الصعوبة الثانية، فتتمثل أيضاً في الشريك المعارض. ما هي القوة السورية المعارضة التي ستُجري التسوية؟ ذاك أن التسوية من دون بشار تقتضي شريكاً، وتقتضي أيضاً تنازلات موازية. معارضة منسجمة تقبل ببقاء النظام، مع ما يجره ذلك من بقاء لرموز منه. ثم إن قطاعات واسعة من المعارضة المسلحة لن تجد مكاناً لها في هذه التسوية، كـ «جيش الفتح» مثلاً المنضوية فيه «جبهة النصرة» و «أحرار الشام». وهذه القوى ستكون جزءاً من هموم الشريك المعارض، وجزءاً من مهماته الواقعية. فالنظام المُحَافَظ عليه لن يقوى على تحديد قواه وأطره الجديدة من دون مده بشرعية جديدة مكتسبة من قوى معارضة طرحت على نفسها تسوية لن تكون سهلة بأي حال من الأحوال.

ولعل ما هو مطروح على السوريين في لحظة التسوية، لم يسبق أن طُرح على مجتمع مشرقي مـــن مجـــتمعات الحروب الأهلية. معادلة التسوية تقتضي من أهل النظام أن يتحولوا إلى شركاء فيه من دون رأسهم، ومن معارضي النظام أن يقبلوا به وأن يندمجوا في مؤسساته، مع ما يعني ذلك من ابتلاع لخُطب النصر والحق والغلبة.

صعوبات هائلة تنتظر التسوية السورية، لكن لا سبيل للانتصار على «داعش» من دونها. ولا يبدو أن عامل الوقت مساعد على هذا الصعيد، ولهذا ستتكشف الأيام والأسابيع القريبة عن جهد دولي حقيقي في هذا الاتجاه. ولعل مسارعة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تحديد أسابيع لمباشرة المفاوضات الجدية في شأن سورية ليست المؤشر الوحيد على ذلك، فمسارعة الرياض للإعلان عن استضافة أطراف المعارضة السياسية لتشكيل وفد منسجم إلى فيينا مؤشر آخر، وربما كانت هدنة الغوطة الشرقية في دمشق تمريناً على هُدن موازية ومُرافقة لعملية المفاوضة.

الحديث عن أن القضاء على «داعش» تحول إلى أولوية غربية تتقدم الرغبة في البحث عن مستقبل النظام في سورية صحيح من دون شك، خصوصاً في ظل معادلة التنازل الأخلاقي في مقابـــل التنازل الأمني، فالغرب يُقدم أمنه على قيمه. لكن الذهاب إلى الحرب على «داعش» من دون أن تكون التسوية في سورية خطت خطوتها الأولى سيكون تكراراً لأخطاء حصلت في أفغانستان وفي العراق، ناهيك بأن المساهمة الغربية في الحرب هذه المرة لن تكون برية، وسيكون من الجنون تعويض المشاركة البرية بجيش النظام السوري وحلفائه في المذهب وفي الإقليم.

يبدو أن لدى السوريين الآن فرصة، وهذه لحظة التنازلات المؤلمة. أما القضاء على «داعش» فمن المرجح أن يكون مهمة تتعدى سورية.

الحياة

 

 

 

 

 

 

لكنْ من يمثل السوريين في طاولات الحوار؟/ بيسان الشيخ

وضعت أزمة اللجوء الأخيرة القارة الأوروبية أمام صحوة ضمير وأزمة أخلاق إنسانية وسياسية. هكذا اضطرت إلى إعادة النظر في المبادئ المؤسسة لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وحدود البلدان وسيادتها ومعنى الاتحاد (الأوروبي) وغير ذلك مما قامت عليه تلك البلدان. يظهر هذا خصوصاً في السياسات الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط وسورية تحديداً، قبل أن تعود الهجمات الأخيرة لتنظيم «داعش» والتهديد بارتكاب المزيد منها ضد أهداف غربية، لتوجّه البوصلة باتجاه آخر.

وقبل وقت قريب لكنه يبدو الآن غائراً في الزمن، بدت صور العائلات برجالها ونسائها وأطفالها، والأفراد الشبان من ذكور وإناث، وهم منهكون يعبرون تلك المساحات الخضراء أو متعانقون بعد أعجوبة نجاة، أو حتى أموات تلفظهم أمواج المتوسط. وبدا أن تلك الصور أنجزت ما لم تنجزه 5 سنوات من الديبلوماسية المتعثرة، والمواجهة المسلحة غير المتكافئة والاستجداء المهين أحياناً لمجتمع دولي أصم.

صحيح أن أصواتاً معادية كثيرة علت ضد هؤلاء الوافدين الجدد، وارتفعت سياجات شائكة «لا تليق» بأوروبا، وطرحت مشاريع قوانين إقصائية وعنصرية، لكن بدا أن ثمة رأياً عاماً شعبياً متعاطفاً إلى حد بعيد مع القضية السورية، ولاحت لحظة مواتية لإحداث انفراج ما، ولتحقيق انعطافة سياسية دولية باتجاه حل المعضلة لمصلحة السوريين أنفسهم وليس نظامهم، لا سيما أن غالبية الفارين عبرت صراحة عن هربها إما من مناطق آمنة نسبياً لكنها غير قابلة للحياة، أو من مناطق قصف النظام. وبدا أن إيجاد الحل، أو ابتكاره بشتى الطرق، أصبح حاجة دولية ملحة بغض النظر عما إذا كان محركها الضمني الاقتناع بضرورة رحيل بشار الأسد والتعاطف مع ضحاياه من الشعب السوري، أم أنه دافع أناني بعدم الرغبة في استقبال مزيد من اللاجئين والتعامل مع مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.

كانت لحظة تشبه في اثر الصدمة الذي أحدثته دولياً وما أدت إليه من تسريع مفاجئ لعجلة القرارات، ضربة الكيماوي على الغوطة الشرقية. فما تلا انتشار صورة الطفل إيلان نائماً على ذلك الشاطئ من يقظة دولية حيال الأزمة السورية، لا يختلف كثيراً عن صفعة سابقة أحدثتها صور أطفال الغوطة وهم أيضاً يغطون في سباتهم.

لكنها مرة أخرى تبدو لحظة أقصر من أن تمنح بارقة أمل حقيقية. فقد جاءت العمليات الإرهابية الأخيرة في باريس لتضع الحلقة الأضعف من المعادلة في دائرة الاتهام والكراهية وفي مواجهة جديدة غير منصفة ولا متكافئة. ففي مقابل حملات تضامن فردي مع الضحايا الفرنسيين، ونزاعات داخلية بين أطياف المعارضة حول أحقية التضامن وجدواه، وتقاذف اتهامات بنواياه التي تتراوح بين شعور بالذنب ودونية، قفز النظام السوري إلى الواجهة وأعاد تكريس خطابه القائل إنه يحارب الإرهاب، وإنه البديل الوحيد لـ «داعش»، وإن الغرب يجب أن يتحاور معه هو في حربه الجديدة، لأن التعاطف الإنساني مع هؤلاء اللاجئين لن يجلب لأوروبا إلا مزيداً من القتل والدمار.

وإلى ذلك، لم يتأخر النظام أيضاً في قطف ثمار تفجيرات باريس سياسياً عبر تعزيز موقعه في اللقاءات التي يُزمع عقدها في الأيام القليلة المقبلة. فقد تصلب الموقف الروسي وزاد تمسكه بالأسد، كما تم فرض الممثلين عن النظام و»المعارضة الواعية» التي تعمل في ظله ولا تهدد علمانيته المزعومة، مقابل تخبط واضح في «اختيار الممثلين» عن المعارضة.

وفي حين بدأت إجراءات التضييق الفعلية تُتَخذ بحق المدنيين السوريين في الخارج، سواء بإقرار قانون أميركي برفض استقبالهم، أو إغلاق حدود بلدان أوروبية، وإعادة نظر جذرية في فضاء التأشيرة الموحدة «شينغن»، أو حتى احتمالات سحب الجنسية من أصحاب الجوازات الأخرى… وهي كلها بالمناسبة «منجزات» تحتسب لـ «داعش» ويستفيد منها النظام في تحسين شروط التفاوض، لا يزال التحدي الأكبر أمام المعارضة السورية تحديد ممثليها أو الناطقين باسمها القادرين على تحمل عبء الملفات الثقيلة من عسكر وسياسة ولجوء. فما عاد يكفي اليوم أن تختار الدول الراعية (سواء تركيا أو بلدان الخليج) ممثليها من المعارضين السوريين في اللقاءات الدولية، ليس بسبب عدم الكفاءة بل لأنهم قد لا يملكون بالضرورة مصداقية وصلاحيات على أرض الواقع وفي الداخل السوري. ذاك أن الأولوية الآن باتت لجسر الهوة بين الميدان والسياسة، وبين العسكر على أرض المعركة والياقات البيض ممن يتحدثون باسمهم على طاولات الحوار.

الحياة

 

 

كل الطرق تؤدي إلى… بشار/ سامر فرنجيّة

لبضع دقائق بعد تفجيري برج البراجنة، ساد الصمت والترقّب بهدف التأكّد من خريطة التضامن. بدأ التضامن والإستنكار يندلقان من دون المشروطية المعتادة، ودخل كورس السفارات في حملة الدعم، وبعد تفكيك قنبلة «الفيديو المزوّر» عن ابتهاج تبيّن أنّه عرس، ارتاحت النفوس. التضامن كامل. العالم كله لبنان، لبنان كله بيروت، وبيروت كلها الضاحية.

فشل تنظيم «داعش» وانتصرت الإنسانية المحضة. لكنّ لـ «داعش» حيلاً كثيرة. فبعد الضاحية، ضرب التنظيم العاصمة الفرنسية، لينسحب التضامن من لبنان وينكبّ مضاعفاً على باريس. وفي أقلّ من يومين، استُبدِل التضامن الإنساني بـ «سياسة المحاسب التضامنية» و«علم التضامن المقارن»: من يتضامن مع من؟ من يلقى تضامناً أكثر؟ من لم يتضامن مع ضحايا آخرين؟ ما هي قيمة الضحايا؟ هل هناك ضحايا أغلى من غيرهم؟

الأسبوع الذي بدأ إنسانياً بامتياز، عاد وانقسم بحسب جدول قيمة إنسانية، مفاده الوحيد أن العالم، بشقّيه الحي والميت، غير عادل.

غير أنّ هذه اللعبة الحسابية المعتادة لم تستقرّ على المعادلة القديمة، أي أنّ المسلمين، أكانوا لاجئين ومهاجرين في أوروبا أو ضحايا في فلسطين والعراق، هم الضحايا المطلقون الذين يعطلون لعبة المقارنة، أو ينهونها. فمع الحرب السورية، بات هناك ضحايا أكثر إطلاقية سحبوا من ضحايا الأمس صفتهم المطلقة وقدرتهم على إنهاء لعبة المقارنة، وإنْ لم يستطيعوا أن يسحبوا منهم مكانتهم السياسية. ففي جدول التضامن المقارن، أصبح هناك قعر جديد رفض الجميع تسييسه. فانتهت هذه اللعبة بفلتان تضامني لا حدود له، أجبر أرباب التضامن إمّا على إشهار جنون تعاطفي مع الضحايا أجمعين أو على الرقص حول محاكاة تضامنية بلا حدود.

قد يعـــود هــــذا الفلتان التضامني إلى وجود ضحايا جدد، يرفض أصحاب التضامن تسييسهم، خرقوا جدول التضامن المعتاد من دون أن يرسوا نمطاً جديداً قد يطرح مخرجاً مختلفاً للعبة ذاتها. ولهذا الفشل السياسي سبب أساسي اسمه بشار الأسد وصعوبة نبذه من أصحاب التضامن مع العرب. وبدل تسييس هذه القضية، تمّ تحويلها إلى قضية إنسانية، تعيد إنتاج الأسد كحليف «تقني» لعمليات الإغاثة، يحتاج له من يتعاطف إنسانياً مع ضحايا لا معنى سياسياً لهم.

بدأ الأسد يعود من الباب الإنساني، بعدما عاد من الباب العسكري. فلم تختلف ردة فعل فرنسا في وجه الهجوم الإرهابي عن ردة فعل الولايات المتحدة بعد هجوم ١١ أيلول (سبتمبر). فردة الفعل الأوروبية المتوقعة على المهاجرين انطلقت وارتفعت أصوات اليمين المتطرف في المجر والمانيا، قبل أن تلاقيهم زعيمة “الجبهة الوطنية” مارين لوبن بمطالبتها بالاعتقال الفوري لمن لجأوا خوفاً من الاختلاط المحتمل للإرهابيين بالمهاجرين.

غير أن التحوّل غير المسبوق، قد يكون في ما أعلنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. فإضافة إلى تكثيف الغارات الجوية على «داعش» في سورية، أعلن أن فرنسا في «حالة حرب»، ما يتطلب تمديد حال الطوارئ ثلاثة أشهر ومراجعة الدستور للسماح للسلطات العامة بـ «التحرك ضد الارهاب الحربي»، إضافة إلى استحداث ٨٥٠٠ وظيفة جديدة في الامن والقضاء، وهذا خلال عمليات دهم متزايدة.

لقد قدّمت «حالة الحرب»، التي باتت مفتوحة كونها لا تخاض ضد دولة بل ضد حالة إرهابية، الحل الأمني على السياسي. فاللاجئون باتوا أزمة أمنية وتقنية، تتطلب إدارة أفضل لتحركاتهم وهوياتهم وأفعالهم، وهي إدارة تحتاج إلى التعاون مع جميع المعنيين، وقد يشمل هذا التعاون المصدر، أي النظام السوري الذي يتحوّل من مسبب سياسي للهجرة إلى مشارك «تقني» في عملية إدارة اللاجئين. كما أن عبثية العملية الجوية على «داعش»، وهي عبثية بسبب استثنائها النظام، باتت مدخلاً آخر لإعادة التنسيق مع النظام، والذي يتحوّل من طرف في حرب، وهو الطرف الوحيد الذي لم يحارب «داعش»، إلى مساعد عسكري لحملات جوية أبدت فشلها إذ هي غير مدعومة بعسكر على الأرض.

ما يبدو دفاعاً عن حدود أوروبا الخارجية، وهو دفاع قد يحوج إلى التعامل مع الأسد، بات مقروناً بحملة ثقافية في الداخل، رأت في هجوم «داعش» تعدّياً على «نمط حياة»، وهو تحدٍّ يمارسه ظلاميون يكرهون النبيذ الفرنسي!. وحتى الناقد الأول للرأسمالية، سلافوي جيجك، لم يستنتج من هذه الهجمات إلاّ ضرورة الدفاع عن المركزية الأوروبية في وجه الاعتداءات التي طاولت باريس. غير أن هذا الهوس الثقافي لم يعد يرسم حدوداً بين داخل حضاري وخارج ظلامي، بل أصبح يطاول فرنسا في داخلها الحميم. فبحسب دراسة إحصائية عن الفرنسيين الذين التحقوا بالجهاد في سورية، تختلف صورة الجهادي الفرنسي عن الصورة النمطية التي تربط التطرّف بالفقر والحرمان والجهل. فأكثرية الجهاديين، بحسب الدراسة، من الطبقة الوسطى ومن عائلات تُعرّف نفسها بأنّها «ملحدة». فـ «الداعشي»، بكلام آخر، بات فرنسياً، ليس فقط بالهوية، بل بالثقافة. والداخل الفرنسي ليس عرضة للهجوم فحسب، بل أصبح بذاته أرضاً خصبة للجهاديين، ما يتطلب توسيع المراقبة لجماعات كانت سابقاً خارج دائرة الشك. وفي هذا الهوس بالثقافة، يخرج بشار مجدّداً، كحليف ثقافي في وجه الظلامية، فيما الفارق بينه وبين فرنسا أن عدد الظلاميين عنده أكبر.

ربّما كانت هناك إمكانية لابتكار رد أكثر إنسانية وأقلّ أمنية وثقافوية على هجوم «داعش». بيد أنّ الردّ المتوقع باتت له نتيجة واحدة في المشرق العربي، وهي عودة بشار بأشكال مختلفة، بما يحاكي حاجات اليمين المتطرف واليسار المتعاطف والأمن الغربي. وقد لا يكون هذا عائداً لعبقرية الأسد أو لضعف مخيلة الفرنسيين، بل لسبب بنيوي أعمق. فهناك تحوّل في السياسة الدولية بات يتضح أكثر فأكثر، وهو أن الحدود التي كانت تنظّم العلاقات الدولية باتت تنهار: حدود تفصل بين الدول، وحدود تفصل بين حالتي السلم والحرب، وحدود تفصل بين الشعوب والثقافات. بكلام آخر، هناك نموذج تُعنى به أطراف كثيرة وقد بدأ يزول: عنوانه الأوضح كان «الثورة السورية». التمسّك ببشار، في هذا المعنى، قد يكون آخر محاولة لعالم ما زال يؤمن بحدود الماضي، ويتمسّك به كآخر حامٍ لهذه الحدود. وأي خروج من عبثية التمسّك بعالم يزول يكون بالعودة إلى بداية المقالة وإلى تسييس ضحايا الثورة السورية.

الحياة

 

 

 

ليحوّلوا فيينا إلى «يالطا جديدة» أو مؤتمر سلام شامل/ جورج سمعان

لقاء فيينا الثاني خطا خطوة ثانية. اتفق المشاركون على الحل السياسي في سورية. المرحلة الانتقالية ستة أشهر. ومفاوضات لوقف للنار لا يشمل «داعش» والنصرة»، ثم تشكيل حكومة من النظام والمعارضة. وأخيراً انتخابات عامة بإشراف دولي بعد ثمانية عشر شهراً في ظل دستور جديد. اللقاء كما سابقه لم يعقد بين قطبين كبيرين فقط. هناك آخرون كثر وهم يزدادون عدداً، بخلاف ما كانت عليه الحال أيام الحرب الباردة. كانت الكلمة للجبارين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وكان التشدد والعناد من نصيبهما فقط. وليس على اللاعبين الآخرين، أياً كان حجمهم، سوى الالتزام سواء توافق زعيما العالم أو اختلفا. وذريعتهما عدم تعريض الاستراتيجيات الكبرى للاهتزاز أو الاختراق. اختلف الزمن. أزمات الشرق الأوسط اليوم ليس مردها انهيار التوازن الجيوسياسي في المنطقة فحسب، كما عبر وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر. المشكلة أيضاً أن القوى الإقليمية التي كانت تخشى سطوة الدولتين العظميين قبل عقود باتت مصدر التشدد والعناد. بات الميدان مفتوحاً لكل الدول. ارتفع عدد المشاركين في لقاء السبت الماضي. في حين اقتصر مؤتمر يالطا إثر الحرب العالمية الثانية على القادة المنتصرين الثلاثة أو الأربعة. لذا ليس مفاجئاً في ظل غياب نظام دولي واضح أن يتحول الإقليم كله إلى إقليم فاشل. فمنذ وصف الصومال في عقد التسعينات من القرن الماضي بأنه دولة فاشلة، كرت السبحة ولحقت به دول. ولا فرق بين دولة انهارت هياكلها ومؤسساتها وتلك التي ماتت فيها السياسية، وارتدّت مجتمعاتها إلى مكوناتها الطائفية أو المذهبية، والإثنية أو الجهوية والقبلية. تراجعت إلى ما دون الدولة الوطنية الجامعة. من ليبيا إلى اليمن وحتى العراق وسورية ولبنان وفلسطين… وهذا تأكيد على فشل الدول الكبرى أيضاً وسياساتها في إدارة شؤون العالم وتسوية أزماته.

لم يعد «11 أيلول» (سبتمبر) حكراً على الولايات المتحدة. يكاد يكون لكل دولة أيلولها، وآخرها فرنسا بعد لبنان وروسيا وقبلهما بعض دول الخليج. لم تمضِ ساعات على إعلان الرئيس باراك أوباما «احتواء داعش» في العراق ووقف تقدم التنظيم في سورية، حتى كان الإرهابيون يضربون في قلب أوروبا. منذ غزو أفغانستان ثم العراق إلى حرب التحالف الدولي وتدخل روسيا لقتال تنظيم «الدولة الإسلامية» والفصائل الجهادية الأخرى، تصاعد الإرهاب وانتشر. ويعرف محاربوه أن العمل العسكري ليس السلاح الوحيد للقضاء عليه. ثمة أسلحة كثيرة أشبعت درساً ومواعظ وخططاً وبرامج. لكن العقدة الكبرى تبقى في توالد الأزمات التي تشكل خزاناً لا ينضب لهذه الحركات المتطرفة. وقد وضع الرئيس الأميركي الإصبع على الجرح الذي كان يعرف علاجه منذ وصوله إلى البيت الأبيض. من يوم أطلاقه مبادرات وخطابات ووعوداً لم يفِ بشيء منها سوى الانكفاء وسحب القوات التي زجها سلفه في ميادين عدة. «بشرنا» بصريح العبارة بأن النزاعات الإقليمية ستستمر، وأن أمن الشرق الأوسط لن يصبح مثالياً في وقت قريب.

عشية لقاء فيينا حدد الرئيس أوباما خريطة طريق للحل. قال إن جزءاً من الأهداف للقضاء على «داعش» تجنيدُ «شركاء سنة أكثر فاعلية في العراق للانتقال إلى مرحلة الهجوم بدل الاكتفاء بالدفاع». إذاً هو يعرف أن أبرز أسباب المشكلة ليس في «دولة البغدادي» ومجرميه وثقافتهم الوحشية فقط، بل هي أيضاً نتاجُ سياسات مذهبية. وبعضٌ من ترجمة إحساس أهل السنّة الذين يبحث عنهم اليوم البيت الأبيض، بالإذلال والإقصاء واليأس والاجتثاث، منذ وقوع الغزو الأميركي لبلادهم العام 2003. وشعورهم بأن واشنطن وبغداد لم تفيا بوعودهما وتعهداتهما لـ «صحوات العشائر» التي هزمت «دولة الزرقاوي». وهو يدرك أن ليس هناك أفضل من العشائر لإلحاق الهزيمة بالتنظيم الإرهابي. لكن هذه تتردد لأنها تخشى تكرار التجربة. وهي تدرك تماماً مثلما يدرك خصومها أن فريقاً كبيراً من الإرهابيين هم ضحايا الاجتثاث. العقدة الكبرى أن القوى التي تولت السلطة في العراق فشلت في بناء نظام يساوي بين الجميع. وانخرطت طرفاً متقدماً في الصراع المذهبي المتصاعد في الإقليم. فيما القوى المواجهة لا تزال تأمل باستعادة ما كان قبل سقوط نظام صدام حسين. وقد فاقم تدخل موسكو، وإن محدوداً، في تعقيد المشهد السياسي. فالذين جاؤوا بالأميركيين لإطاحة نظام البعث هم أنفسهم ينادون موسكو للمجيء! وما ينطبق على سنّة العراق ينطبق على أهلهم في سورية. هذا ما عبّر عنه أيضاً الرئيس الأميركي الذي لا يجد حلاً في بلاد الشام إلا «عندما لا يعود الأسد عائقاً أمام السنّة»…و «عندما لا تعود المنطقة برمتها تخوض حرباً بالوكالة عن الصراع الشيعي – السنّي».

هذا هو لب الأزمات: الصراع المذهبي في المنطقة. ولولاه لما بدت الحلول عصيةً على الحل إلى حد الاستحالة. كان اللاعبون من الخارج ينتظرون عادة تعب المتخاصمين والمتحاربين ليبادروا إلى تقديم الحلول، أو فرضها أحياناً. لكن العقدة هنا أن هؤلاء لم يتعبوا لأن حلفاءهم في الإقليم وخارجه لم يتعبوا ولم يريحوهم. الجماعات الأهلية وحدها ضاقت ذرعاً بحروبهم واكتوت وتكتوي بنارهم، لأنها وحدها تدفع الثمن الباهظ قتلاً وتهجيراً. لم تعد الدولة ومؤسساتها مرجعيات تقودها إلى التسوية. حملة السلاح ومن يمدهم بالدعم المرجعية الوحيدة… بالقوة والتشبيح والتخويف من الآخر. لذلك تبدو مهمة حيدر العبادي وإصلاحاته في العراق شبه مستحيلة، في ضوء الصراع الداخلي على السلطة، والصراع المفتوح بين مرجعيتي النجف وقم. خصومه، وعلى رأسهم نوري المالكي وبعض «حشده الشعبي» ومن يقف خلفهما في إيران، ألغوا الحياة السياسية في بغداد. وأوقفوا الحوار مع الشركاء الآخرين من السنّة والكرد. ولو قدر لهم لطردوا ربما هؤلاء من البلاد! ناهيك عن حماستهم لاستدعاء روسيا التي تبدي رغبة أكيدة في استجابة النداء. حتى بات العراقيون يخشون مزيداً من التقسيم لخريطة بلادهم.

اللاعبون الكبار في الإقليم لا يستعجلون التسويات. ينتظر كل طرف منهم أن ينهي مهمته في الحسم العسكري أو ما يقاربه قبل الذهاب إلى تفاهم أو مصالحة أو تسوية. وهذا يستغرق وقتاً طويلاً ويضيف مزيداً من المعوقات أمام الحلول. لذلك لم تثمر الحرب على «داعش» سريعاً. تسوية الأزمات أولى الخطوات على طريق القضاء على الإرهاب. وإذا كانت الحرب في سورية أولى المهمات في فيينا، فإن اللقاءات الجامعة في هذه المدينة مهما توسعت لن تؤدي المهمة الملحة والمزدوجة، توفير الحل والقضاء على الإرهاب، ما دام الخلاف على الجوهر عميقاً. الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري لا يريان سلاماً ولا هزيمة للتنظيم الإرهابي «طالما بقي الأسد في السلطة». والرئيس فلاديمير بوتين يرى إلى الأسد «رئيساً منتخباً وليس لدينا الحق في مناقشة مسألة تنحيه». والرئيس حسن روحاني الذي تفتح روما وباريس أبوابهما له هذا الأسبوع لا يعتقد بإمكان محاربة الإرهاب من دون «حكومة شرعية في دمشق، ودولة قوية»! ولا تختلف مواقف القوى الإقليمية الأخرى عن هذين الموقفين بين متمسك بوجوب رحيل الرئيس السوري ومتشبث ببقائه ولو إلى حين.

بينما يجتهد العالم عبثاً في البحث عن حل في سورية يزداد تفكك الجماعات الأهلية ومعها مؤسسات الدولة. تماماً كما حصل في ليبيا واليمن والعراق حيث نجحت نظم الاستبداد في تفكيك هياكل الدولة. وأقامت مؤسسات بديلة من كل السلطات عمادها العائلة وأجهزة أمنية متعددة الوظائف القمعية وجمهرة من المستفيدين الفاسدين. وهذا ما أدى إلى صعود الهويات المذهبية والعرقية والجهوية والقبلية مع سقوط أول حجر من جدار الخوف وارتفاع أصوات المطالبين بالحرية والعدالة والعيش الكريم. لذا يصعب تخيل إعادة اللحمة بين مكونات هذه الدول. فماذا يملك العبادي وانصاره من أسباب القوة لإعادة تشـــكيل نظام مقبول يمتاز بشيء من المساواة والعدالة بين كل العراقيين؟ ربما الأمل معقود على قوة المرجعية في النجف وتأثيرها، وعلى القوى الشيعية المتضررة من حلفاء إيران. ولكن أين مرجعية أهل الساحل السوري لملاقاة الشركاء الآخرين في الوطن عند منتصف الطريق؟ بل أين مرجعية هؤلاء الآخرين أيضاً؟ «داعش» و «النصرة» وعشرات الفصائل المسلحة المرتبطة بهذا الطرف الإقليمي وذاك؟ والحال ليست أفضل في ليبيا حيث تدور حرب عربية – عربية تنخرط فيها قوى أخرى في المحيط وأبعد منه حتى تركيا. وكذا اليمن حيث يجهد أمراء الحرب على استمرارها لتــعزيز «اقتصاداتهم» وتمكين سطوتهم على الناس.

الجرائم التي ارتكبها الارهاب في باريس، بعد جريمتي الطائرة الروسية والضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد التفجيرات المتنقلة في دول الخليج ومصر وغيرها لم تعد تسمح لـ «أهل فيينا» بترف الخلاف على الأولويات، أو على مستقبل فرد واحد أحد. لا يمكن حشد جهود جميع المجتمعين مهما ارتفع عددهم في تحالف واحد لهزيمة «داعش» وغيرها ما لم يسلموا بوجوب التوافق على حلول أو فرضها بالقوة. الإرهاب يتسلل من خلافاتهم وصفوفهم المتباعدة. والإرهاب ينتشر في ديارهم جميعاً. وما دام أن لليبيا مبعوثها الدولي ولليمن مبعوثه ولسورية مبعوثها ولفلسطين مبعوثيها ولجانها، فلماذا لا يحولون فيينا «يالطا جديدة» أو مؤتمر سلام شامل يعطي لكل دولة في الإقليم حقها بلا زيادة أو نقصان، ولكل مجتمعات الشرق الأوسط «من المحيط إلى الخليج» مروراً بفلسطين حقوقها، أبسط حقوقها في الحرية والمساواة والعدالة والحياة الكريمة؟ هل تطول معاناة أهل المنطقة حتى يروا قواها الفاعلة ودولها المؤثرة وقد قطعت شرايين الحياة عن المتحاربين حتى يتعبوا ويرتاحوا ويريحوا… هل فات الأوان ولم يعد بد من تغيير الخرائط؟

الحياة

 

 

 

 

 

الإرهاب بين الأسد وهستيريا “داعش”/ خالد الدخيل

بات أمراً واقعاً لا بد من الاعتراف به. الغرب في حال ارتباك أمام الإرهاب. مذبحة باريس التي تبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لم تكشف شيئاً جديداً عن مدى وحشية هذا التنظيم الإرهابي وهمجيته. لكنها أطلقت حالاً من الهستيريا في الغرب تمكن تسميتها بـ«هستيريا داعش»، وهي كذلك لأنها تأخذ كل ملامح الهستيريا التي تغذيها مشاهد الدم والقتل العشوائي لأبرياء فرنسيين كانوا يتناولون طعاماً في مطعم، أو يشاهدون مباراة كرة قدم، أو مسرحية، ولا علاقة لهم، لا من قريب أو بعيد، بصراعات تدور رحاها في منطقة نائية اسمها الشرق الأوسط. ولأن هذا استهداف يمثل ذروة الإجرام والاستهتار بأرواح الناس لم ترتفع الأصوات مطالبة بالقضاء على «داعش» وحسب، بل تجاوزتها إلى المطالبة بإخضاع المسلمين الأوروبيين والأميركيين لمعاملة خاصة، وبعدم قبول المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وأميركا. الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند اقترح تغيير الدستور الفرنسي لهذا الغرض تحديداً. وهناك الآن حكام 11 ولاية أميركية تعهدوا بالعمل على عدم قبول أي مهاجر مسلم في ولاياتهم. بل إن بعضهم قال إنه لن يقبل مهاجرين من الشرق الأوسط من غير المسيحيين. وإذا أضفنا إلى ذلك الموقفَ العنصري لليمين المتطرف في أوروبا من العرب والمسلمين، وتصاعدَ هذا الموقف في أعقاب موجة المهاجرين وهجمات باريس الأخيرة، فإنه يعكس مؤشراً مقلقاً على تصدع في ثقافة العلمانية، وتراجع لمفهوم المواطنة المدني في الغرب.

هذا حال من التعبير العاطفي المباشر، أو العنصري أمام موجة إرهابية لها سياق تاريخي فيه الكثير من الإرهاب الذي يتداخل، تقاطعاً أحياناً وتنافراً أحياناً أخرى، بصراعات سياسية لها ما يبررها. وقد اختزلت هذه الهستيريا في سؤال ذي دلالة: هل يجب التخلص أولاً من «داعش» أم من الرئيس السوري بشار الأسد؟ أصوات كثيرة في الغرب الآن تطالب بأن تكون الأولوية للتخلص من «داعش». بالنسبة إلى هؤلاء ليس مهماً ما حصل ويحصل للشعب السوري على يد «داعش» ونظام الأسد، الأهم من ذلك ما حصل وما يمكن أن يحصل للأوروبيين على يد هذا التنظيم. الشعب السوري يتعرض للقتل يومياً منذ ما يقرب من خمس سنوات، وقد قتل منه حتى الآن أكثر من 300 ألف، وهجّر أكثر من عشرة ملايين. لكن الهستيريا لم تصب أوروبا وأميركا إلا بعد مقتل 129 فرنسياً في مذبحة باريس. هل في هذا الموقف رائحة عنصرية؟ أم أنه موقف طبيعي للطرف الأقوى في الصراعات الدولية عندما يفقد رشده ورؤيته الاستراتيجية في لجّة هذه الصراعات؟

سؤال آخر: هل من المصلحة أو الحكمة السياسية اختزال أزمة الشرق الأوسط في «داعش» وضرورة التخلص منه كأولوية سابقة على غيرها؟ ينطلق هؤلاء من أن تنظيم «داعش» هو الذي يهدد أمنهم وعيشهم، ويستهدفهم مباشرة وليس الرئيس السوري أو الميليشيات التي تحارب دفاعاً عنه. يعترفون بأن الأسد ديكتاتور دموي، وبأن له مساهمة ودوراً كبيراً في تفشي الإرهاب في المنطقة. لكن دوره ومساهمته في كل ذلك لا يطاولان أوروبا أو أميركا مباشرة. ماذا عن تهديد الإرهاب بكل ألوانه للمنطقة، ولحلفاء الغرب في هذه المنطقة؟ أبرز من يمثل هذا الاتجاه الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومعه وزير خارجيته جون كيري. كلاهما يرى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي ونهاية للحرب الأهلية في سورية من دون خروج بشار الأسد من المشهد نهائياً. في هذا إقرار بأن بقاء الأسد عامل رئيس في تفشي الإرهاب، أو كما يردد كيري بأن الأسد بات عامل جذب للإرهابيين، إلا أن سياسة أوباما منذ بداية الثورة السورية ساهمت وتساهم في إطالة أمد بقاء الأسد، وبالتالي في تفاقم ظاهرة الإرهاب. هل من المبالغة القول في هذه الحال إن السياسة الأميركية تساهم، وإن بشكل غير مباشر أو مقصود في تغذية الإرهاب، وتحديداً إرهاب داعش؟ تماشياً مع ذلك تنهمك إدارة أوباما، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، بما يسميه جون كيري سياسة الحل الانتقالي التي يفترض أن تبدأ بعد أسابيع، كما يقول. واللافت في هذه السياسة أنها تنطلق من التعاون مع روسيا فلاديمير بوتين التي ترى أن لا شأن للحل السياسي في سورية بمصير الأسد، وأن هذا يجب أن يترك للشعب السوري يقرر في شأنه ما يراه.

السؤال الذي يتجاهله أوباما وكيري هنا هو: هل سيفضي هذا الحل الانتقالي إلى ترجيح رؤية أوباما برحيل الأسد، أم رؤية بوتين ببقائه في المشهد؟ وكيف؟ واشنطن وموسكو متفقتان على أن الأولوية الآن هي للقضاء على «داعش». الإشكالية ليست في تبني هذه الأولوية بحد ذاتها، وإنما في أنها أولوية يتم تبنيها بشيء من التكاذب المتبادل، ومن دون استراتيجية واضحة، أو هدف نهائي متفق عليه بين الأطراف التي اجتمعت في فيينا. ماذا مثلاً لو تحقق القضاء على «داعش» (وهو أمر مشكوك فيه على كل حال) وتسبب ذلك بتعزيز قوة الأسد؟ هذه نتيجة لا تتسبب بقلق كثير في موسكو. على الناحية الأخرى، المفترض أن هذه النتيجة تقلق واشنطن كثيراً. لكن يبدو أن أوباما إما غير آبه بإمكان هذه النتيجة، أو يرى أن إمكان تحققها ضعيف في كل الأحوال. كيف؟ لا أحد يعرف. هنا يتضح الغموض في سياسة إدارة أوباما تجاه الحال السورية، ومن ثم حال الإرباك التي تتسبب بها بين حلفاء واشنطن.

في هذا السياق يتذكر الجميع صفقة نزع السلاح الكيماوي للنظام السوري عام 2013، التي تمت بوساطة ومبادرة روسية. حصل ذلك في أعقاب استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في صيف ذلك العام. وانتهت الصفقة بأمرين لافتين: تراجع أوباما الشهير عن خطه الأحمر، والسماح للروس بتحقيق مكسب سياسي للأسد، ساهم في إطالة أمد بقائه. تفرض هذه السابقة التشكيك في موقف أوباما المعلن من الحل الانتقالي الذي انتهى إليه اجتماع فيينا. كما تفرض عدم استبعاد تراجعه عن شرط تنحي الأسد وخروجه من المشهد في نهاية الحل الانتقالي. وهذا أمر وارد جداً ولا ينبغي استبعاده، فالعملية السياسية لمقترح الحل الانتقالي هي الآن تحت السيطرة الروسية بفعل وجودها العسكري في سورية. وبوتين ليس معروفاً بميوله الشعبية أو الديموقراطية. وبما أن بشار الأسد في عرف الرئيس الروسي هو رئيس منتخب شعبياً، فما الذي يمنع إعادة انتخابه بالآلية نفسها في نهاية المرحلة الانتقالية؟ وإمكان تراجع أوباما مرة أخرى هو ما توحي به تصريحاته ووزير خارجيته، وهي تصريحات غامضة ومطاطة وتحتمل أكثر من معنى وأكثر من تفسير.

الشاهد هنا أولاً: أن الحل الانتقالي المقترح مؤشر على حجم التراجع السياسي في الغرب عن الرؤية الاستراتيجية التي عرف بها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة التي أفضت إليها. أصبح الخوف والتردد، والرؤية الآنية الضيقة هي التي تسم الفكر السياسي الغربي. وهذا ما يتجسد في سياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط، وتأثيرها الواضح على المواقف الأوروبية. والشاهد ثانياً: أن ما حصل في باريس، وقبله في بيروت، لا يمكن فصله كنتيجة عن هذا التحول في السياسة الغربية من حيث أنه ترك الوضع السياسي في الشرق الأوسط يتعفن سنة بعد أخرى. أهل المنطقة هم المسؤول الأول عن ذلك، صحيح، لكن حجم الغرب وحضوره في الصراعات الدائرة فيها لا يعفيه من المسؤولية أيضاً. والمساحة التي يتم تجاهلها بين المسؤوليتين تغذي الإرهاب ومعه حال الهستيريا في الغرب حالياً. التساهل مع «داعش» جريمة، لكن التذرع بوحشية هذا التنظيم للتساهل مع الأسد يفضي إلى الجريمة ذاتها. لنتذكر أن «داعش» ظهر بعد الغزو الأميركي للعراق، وفي ظل نظام الأسد الذي يمتد عمره قرابة نصف قرن من الزمن. كيف يمكن الفصل بين السبب والنتيجة في هذه الحال؟

* أكاديمي وكاتب سعودي

الحياة

 

 

 

 

تلفيق الحل في سورية/ حسان حيدر

شكلت اعتداءات باريس الإرهابية فرصة إضافية للدول الكبرى التي تضغط في اتجاه تلفيق حل في سورية يتجاوز كل الشعارات التي رفعت في السابق، ويجبر المعارضة على القبول بما يعرض عليها، ويتجاهل المسببات الفعلية للحرب الأهلية ودور نظام بشار الأسد في إطلاق دورة العنف المستمرة منذ قرابة خمس سنوات، ويتغافل عن العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا نتيجة رفض النظام وداعميه أي تغيير ولو طفيفاً في تركيبته.

وفي سياق هذا التوجه، ظهر التنسيق واضحاً بين الموقفين الروسي والأميركي خلال قمة «مجموعة العشرين» في تركيا، ففي حين شدد الروس على ضرورة ان تتخلى فرنسا عن تمسكها بإزاحة الأسد بعد «غزوة باريس»، تولى الأميركيون الضغط على «الائتلاف الوطني» السوري لعقد مؤتمر يتخذ قراراً بالتفاوض مع النظام وفق خريطة الطريق الغامضة التي رسمها اجتماع فيينا الأخير، والتي تحتمل أكثر من تأويل.

وبدا موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انطاليا امتداداً بغيضاً للشماتة التي أظهرها الأسد بتحميله فرنسا المسؤولية عن «تمدد الارهاب»، عندما قال ان تشددها في اعتبار رحيل الرئيس السوري شرطاً مسبقاً لأي تغييرات سياسية في سورية «لم يحمها من الإرهاب»، وكأنه يقول إن اعتداءات باريس شكلت عقاباً ضمنياً للموقف الفرنسي المتمسك بـ «أمور ثانوية».

وسانده في موقفه أوباما الذي تحدث عن زيادة التنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وفرنسا في مواجهة «الدولة الاسلامية»، في تلميح الى ضرورة «تصويب» الموقف الفرنسي من الأولويات في سورية.

وأثمرت هذه الضغوط، مضافاً اليها فداحة حصيلة الاعتداءات، بداية تغيير عبر عنه الرئيس الفرنسي الذي قال ان «الأسد لا يمكن ان يكون حلاً، لكن عدونا في سورية هو داعش».

غير ان المواجهة مع تنظيم «أبو بكر البغدادي» تظل مجرد ذريعة اميركية واهية لتبرير النأي بالنفس عن الإسهام في تغيير فعلي في سورية. فالحملة الجوية التي يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة لم تؤدّ الى وقف تمدد التنظيم الارهابي على الارض في سورية والعراق، ولا الى وقف عملياته التخريبية في العالم، او تقليل خطره الماثل على العواصم والدول، او حتى استعراضاته الإعلامية.

كما ان الإحاطات التي قدمها معظم المسؤولين الاميركيين أفادت بأن القضاء على «داعش» قد يستغرق عقداً أو أكثر، في ظل رفض واشنطن والدول الغربية عموماً نشر قوات على الأرض، وهو رفض كرره أوباما قبل يومين فقط معتبراً ان المواجهة مع «داعش» مختلفة ولا يمكن ان تتم بالمفاهيم العسكرية التقليدية.

أما الضغط الأميركي على أنقره لإغلاق الحدود التركية مع سورية في شكل كامل، فيهدف الى مجرد تقييد حركة تهريب ارهابيي «داعش» في اتجاه اوروبا، بعدما تجاوز التنظيم في اعتداءات باريس «خطوطاً حمراً» ربما أحرجت واشنطن التي تعتبر أن معالجة مشكلته من مسؤولية دول المنطقة، داعية أياها الى إرسال قوات برية لمحاربته.

ولهذا ليس مفهوماً كثيراً لماذا الإصرار الشديد الآن على ان «لا صوت يعلو» فوق صوت الحرب على الإرهاب، إلا إذا كان الهدف تمرير تسوية في سورية على حساب السوريين ومعارضتهم، تسقط من حسابها الثمن الباهظ الذي دفعوه لمجرد رغبتهم في أن تنطبق عليهم بديهيات حقوق الإنسان.

والخوف الكبير هو أن ما بدأ بالتراجع التدريجي عن المطالبة برحيل بشار الأسد قد ينتهي بالتخلي عن اي تغيير فعلي في النظام، ودائماً بحجة أولوية محاربة «داعش».

الحياة

 

 

 

شكوك عميقة تحيط بالتسوية في سورية/ خالد غزال

على رغم خروج الاجتماع الوزاري «للمجموعة الدولية لدعم سورية» بقرارات عن المرحلة الانتقالية لمدة سنتين، يتخلّلها وقف شامل لإطلاق النار وتشكيل حكومة مشتركة خلال ستة أشهر وانتخابات عامة بعد ثمانية عشر شهراً، لا يعني ذلك أن هذه التسوية قد نضجت مقوماتها. تتداخل عوامل بنيوية وسياسية وإقليمية ودولية، لتشكّل عناصر متناقضة تضع شكوكاً عميقة على إمكان وضع حدّ لهذا النزاع الدامي المتواصل منذ خمس سنوات.

أول المعوقات يتّصل بالبنية السورية نفسها. سورية اليوم هي غيرها التي كانت قبل انطلاق الانتفاضة. فالانقسام في المكونات المجتمعية السورية وصل الى أعلى درجات الفرز الطائفي والمذهبي، ويحمل كلّ منها هواجس على مصيره الحالي والمستقبلي، وينبش

الحياة من تراثه خصوصيات تميّزه عن الآخر، وصولاً الى الاستعانة بالخارج لحماية هذه المجموعات، بما يذكر بمرحلة استعمارية عرفتها المنطقة العربية عندما كانت الدول الغربية تدّعي أن تدخّلها أتى لحماية هذه المجموعة أو الطائفة بناء لطلبها.

الى جانب هذا الانقسام الطائفي الحاد، تعيش سورية حالياً تقسيماً واقعياً. فالدولة المركزية لم تعد مسيطرة على مجمل الأراضي السورية، لها «كانتونها» المحدد، فيما سائر التنظيمات المسلّحة تقتطع الأراضي السورية الأخرى، بحيث يصعب تعداد «الكانتونات» المتناثرة. تتمتع التنظيمات المسلّحة المنتشرة بقدرات مادية وعسكرية واقتصادية، بحيث باتت «ميني سلطة» لها مصالحها التي تقاتل من أجلها، وليست مستعدة للتخلّي عن المساحات التي تسيطر عليها ببساطة.

يستظلّ هذا الانقسام والتقسيم بفوضى كيانية تضرب سورية وتضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبلها وكيانها، في ظلّ أطماع خارجية تسعى الى اقتطاع أراضٍ ورعاية قوى أهلية، تصبّ كلها خارج إطار توحيد سورية والحفاظ على كيانها.

المعوّق الثاني المتّصل بقوة بالمعوّق الأول، يتناول طبيعة التسوية أو التسويات المقترحة، ومدى واقعيتها أو صلاحيتها لحلّ الأزمة السورية. مطروح حتى الآن ما جرى التوافق عليه في جنيف عام 2012، ومطروحة المبادرة الإيرانية، ثم المبادرة الروسية، إضافة الى ما يعلنه النظام من أن التسوية لن تكون قبل إنهاء الإرهاب. المشاريع المطروحة تحمل ألغاماً أكثر منها حلولاً. الإصرار على بقاء النظام ورئيسه عقبة مركزية يصعب الوصول الى تسوية من دون حلّها. ثم أي تركيبة سياسية سترسو؟ هناك حديث عن تسوية على الطريقة اللبنانية، أي بإيجاد «طائف سوري»، ينتج نظاماً من المحاصصة الطائفية والمذهبية. يطرح سؤال عن القوى التي سترعى تنفيذ التسوية: ففي لبنان، تولى النظام السوري رعاية تسوية الطائف وتنفيذها، فمن سيرعى الطائف السوري؟ وأي قوة خارجية ستأخذ على عاتقها حل الميليشيات السورية وإخضاعها للسلطة المركزية؟

الى جانب هذه المعضلة، تطرح مسألة القوى الداخلية التي ستشارك في التسوية. في سورية، معارضات منتشرة ومتعدّدة على غرار التنظيمات المسلّحة، فمن هي القوى التي ستدخل في هذه التسوية؟ تتصارع المعارضات على أحقية التمثيل، وكل واحدة تريد إلغاء الأخرى، ولا تبدو صاحبة برنامج سياسي مقنع للسوريين. إضافة الى مشكلاتها البنيوية، يبدو النظام السوري عصياً على الاعتراف بمكوناتها، إلا بما سبق أن فبركه من بعض الشخصيات. لا يساعد تشرذم المعارضة والفوضى في تكويناتها على تشكيل قوة سياسية تفرض نفسها في أي حل يطبخ لسورية.

يبقى المعوّق الثالث والمتّصل بالصراع الإقليمي والدولي على سورية، وهو عامل يتحكّم اليوم بمسار الأزمة السورية، حرباً أو تسويات. من المثير للحزن والسخرية، أن مؤتمرات دولية وإقليمية تعقد ولا يتمثل فيها الشعب السوري، سواء عبر النظام أو المعارضة. تدور الاتصالات بين القوى الدولية وتقدّم الاقتراحات والحلول من دون الأخذ بالاعتبار المصالح السورية. تدور الآن حروب بديلة باردة وساخنة على الأرض السورية بين القوى الدولية، التي ترى في الأزمة السورية تصريفاً لبعض صراعاتها الكبرى. لم تكن الدول الكبرى المتصارعة اليوم والمتدخّلة في سورية بحجة محاربة الإرهاب، تعطي أهمية لمصالح سورية والحفاظ على مقوماتها. الأساس في هذه القوى استثمارها الإرهاب الذي خلقته ورعته بعض هذه الدول، من أجل حلّ خلافاتها التي تقع خارج سورية والمنطقة العربية. لذا لا يضير هذه القوى أن تبقى الحرب السورية مفتوحة، وأن يدمر ما تبقى من سورية، بشراً وحجراً، طالما أن جنود هذه الدول غير منخرطين في القتال. من هنا، نسمع اليوم كلاماً عن تسويات لا مقومات حقيقية لتنفيذها، قبل أن تتوصّل هذه القوى الإقليمية والدولية الى نيل الحصص التي ترغب فيها.

هذا يعني أن أمام سورية وشعبها رحلة مديدة من العذاب وشلالات الدم المهدورة، ومزيداً من التهجير والذهاب الى المجهول.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

 

 

إنهيار محادثات فيينا/ حسين عبد الحسين

بعد ثلاثة لقاءات وبيانات وخطة روسية وخطاب أميركي وعشرات التصريحات والتسريبات، يبدو ان محادثات فيينا المخصصة للتوصل الى حل للأزمة السورية انهارت، كما ظهر جليا في تخلي الطرفين عن الملاطفة الديبلوماسية والتكاذب الذي تمسكا به على مدى الشهر الماضي.

وليس واضحا بعد ما هي الأسباب التي أدت الى نسف هذه المحادثات، على الرغم من ان عمق الخلاف بين الطرفين وكثرة التباينات بينهما تجعل من التكهن عملية سهلة.

لكن الواضح فعلا هو ان الطرفين تراجعا عن مواقفهما التي مهدت لانعقاد سلسلة مؤتمرات فيينا.

الولايات المتحدة تراجعت عن مقولة ان مفتاح القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) هو رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، واستبدلت شرط رحيل الأسد بشرط غامض يعتبر وقف الحرب في سوريا مدخلا للقضاء على داعش، وتاليا انهاء الحرب في سوريا، حسب خطاب وزير الخارجية جون كيري، الذي كان مثقلا بالتناقضات.

هذا الأسبوع، تراجعت واشنطن عن المواقف التي ادلى بها وزير خارجيتها الأسبوع الماضي، فقال الرئيس باراك أوباما، على هامش زيارته الى الفيليبين انه “لا يمكن القضاء على داعش إلا بعد التوصّل الى تسوية سياسية في سورية، والتوصّل لمثل هذه التسوية لن يكون ممكناً مادام الأسد في السلطة”.

روسيا وإيران، بدورهما، تراجعتا. الأولى تراجعت عن تصريح للناطقة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا قالت فيه ان روسيا لا تؤيد الأسد ولا رأي لها في بقائه في الحكم. هذا الأسبوع، قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ان بلاده تعتقد ان الأسد جزء من العملية السلمية، وان شريحة واسعة من السوريين متمسكة ببقائه في الحكم.

اما إيران، فقال مساعد وزير خارجيتها حسين عبداللهيان ان بلاده لا تعتقد ان الأسد سيبقى رئيسا الى الأبد. هذا الأسبوع، قال عبداللهيان ان “الأسد خط أحمر”.

إذا، تراجعت اميركا، من جهة، وروسيا وإيران، من جهة ثانية، عن تصريحاتها السابقة التي حاولت لف مصير الأسد بغموض، وتأجيل البت بهذا المصير الى “الفصل الأخير” من العملية السياسية في سوريا، على اعتبار ان في المراحل الأخيرة من التسوية، تكون العملية السياسية قد أدت الى تثبيت الوضع السوري بشكل يسمح برحيل الأسد والقضاء على داعش في الوقت نفسه.

هكذا، إنهارت محادثات فيينا في وقت أسرع مما توقع الكثيرون.

التبرير الأميركي، حسبما جاء على لسان أوباما، مفاده ان روسيا وإيران مازالتا تحتاجان الى شهور للاقتراب من التسوية. وسبق لأوباما اعتبر، بعد اول اتصال معه بادر اليه نظيره الروسي للتباحث حول الأزمة السورية في تموز، ان بوتين يتصل به لأن الأسد كان قارب الانهيار ولأن بوتين يبحث عن مخرج للأسد.

وعززت الحملة العسكرية الروسية في سوريا رأي أوباما، الذي اعتبر ان موسكو سارعت عسكريا لإنقاذ الأسد.

ثم زار بوتين الأمم المتحدة في نيويورك والتقى أوباما على أمل ان يرى الرئيس الأميركي انه – بعد التدخل الروسي – لا مفرّ لداعمي المعارضة السورية، خصوصا أميركا، الا التراجع وقبول شروط روسيا وقبول بقاء الأسد. في نيويورك، انتظر بوتين تنازلا اميركيا يوقف ماكينة الدمار الروسية في سوريا فيما انتظر أوباما تنازلا روسيا يؤمن للماكينة العسكرية الروسية مخرجا ديبلوماسيا يحفظ لموسكو ماء الوجه.

هكذا، تكاذب الطرفان، اميركا وروسيا، وذهبا الى فيينا، ودعيا الدول المعنية أولا، ثم الدول غير المؤثرة ثانيا. وبعد بيان لقاء فيينا الثالث، تبين ان الفجوة بين الطرفين مازالت عميقة، فعاد كل منهما الى موقعه، وأعطى أوباما نفسه مزيدا من الوقت حتى يقتنع الروس والإيرانيون ان مخرجهم من المستنقع العسكري السوري هو عبر ديبلوماسية تترافق مع موافقتهم على رحيل الأسد.

ما بعد فيينا، قد تستعر الحرب السورية أكثر فيما يستمر عناد شخص واحد يمكن لرحيله عن الحكم ان يغير الكثير وان يحقن دماء سورية، لو كان حريصا عليها اصلا، لما كان العالم يقف متكاذبا حول حل لا يبدو انه يقترب.

 

المدن

 

 

 

 

الأسد في دور المخلص/ تسفي برئيل

خلق مؤتمر فيينا للوصول إلى حل سياسي في سوريا، والذي انعقد يوم السبت، الانطباع بان العمليات في فرنسا كفيلة بان تعطي أيضا شيئا ما جيدا. وان ها هو يتوفر أخيرا توافق بين القوى العظمى على المسيرة المرغوب فيها لحل الازمة في سوريا وانه سيكون ممكنا قريبا توحيد القوى للقتال ضد «داعش». وحسب التصريحات التي خرجت من فيينا، ففي غضون نصف سنة ستتشكل حكومة مؤقتة تعمل لنحو 18 شهرا وتكون مسؤولة عن وضع الاسس لاجراء الانتخابات وصياغة دستور جديد.

الرئيس السوري بشار الاسد، حتى حسب اعلان فيينا السابق وحسب القرارات التي اتخذت في نهاية الاسبوع ايضا سيبقى يتولى منصبه ولن يمنعه احد من أن يكون جزءا من المسيرة السياسية. ولم يعد ممكنا إلا نحسب نقاط الربح والخسارة لكل طرف، ولا سيما للولايات المتحدة التي تخلت عن الانصراف الفوري للاسد وروسيا وإيران اللتين نجحتا، على الورق على الاقل في ضمان استمرار حياته السياسية.

ولكن قبل لحظة من انهاء الميزان مرغوب فيه أن نتذكر بان التصريحات والقرارات بقيت حاليا في النطاق النظري ولا يوجد اي يقين بان تنجح. وذلك لانه في كانون الثاني فقط ستبدأ المفاوضات مع ميليشيات الثوار، التي لم تشارك بعد في لقاءات فيينا ولم تقدم بعد موقفها من تصريحات فيينا.

مشكوك أن يكون ممكنا الوصول إلى تمثيل متفق عليه لميليشيات الثوار حين لا يكون هناك اتفاق بعد بين روسيا، الولايات المتحدة، إيران والسعودية من يكون الممثلون «الشرعيون» الذين يمكنهم ان يشاركوا في المداولات، باستثناء الاتفاق على أن «داعش» لا يمكنه أن يشارك. فهل سيوافق الجيش السوري الحر على الجلوس مع ممثلي الأسد؟ هل جبهة النصرة المتفرعة عن القاعدة ستقبل كممثل جدير في نظر الولايات المتحدة؟ ما هي الضمانات التي ستعطى للثوار بان الاسد سيكف عن ان يكون رئيسا في نهاية الفترة الانتقالية؟ وهذه مجرد أمثلة على المصاعب في الوصول إلى اتفاق على الارض.

لا شك أن العمليات في باريس قدمت ريح اسناد للمداولات في فيينا، وذلك لان الالحاح لبناء جبهة ناجعة للحرب ضد «داعش» اصبح في أعقابها حرجا. وفرضية العمل هي ان تهدئة الازمة في سوريا وحدها يمكنها أن تسمح بتجنيد ميليشيات الثوار وبالطبع الجيش السوري للحرب ضد «داعش».

ان المنطق الذي يغذي هذه الفرضية ليس معقدا. فالرؤيا الاستراتيجية ترى التعاون الجوي بين روسيا، الولايات المتحدة والدول الاوروبية، قوة برية تتشكل من مقاتلي الجيش السوري الذي تستوعب فيه قوات الثوار ومعا تشكل قوة هجومية مدربة وخبيرة لحرب هدفها اسقاط «داعش». هذه رؤيا محببة، ولكن تحققها يحتاج إلى اكثر من الخطاب المتفائل، إذ انه حتى لو توصلت ميليشيات الثوار إلى توافق فيما بينها، وحتى لو وافقت على الجلوس مع ممثلي النظام، فهذه عملية من شأنها في افضل الاحوال أن تستغرق نصف سنة، ولا يزال غير مضمون تشكل القوة المشتركة.

وفقط لاحداث بعض التبريد لمستوى التفاؤل، يجر بنا أن نذكر الخلافات والخصومات التي لا تزال قائمة حتى اليوم بين الاكراد والحكومة العراقية او المواجهات العنيفة بين طالبان والحكم الافغاني، بعد سنوات طويلة من صياغة الدستور واقامة حكومتين منتخبتين في هاتين الدولتين.

ولكن لنفترض أن الثوار رحبوا بالصيغة السياسية، ونشأت حكومة سورية وجيش سوري يرضيان كل الطوائف والكتل، فاي استراتيجية سيتعين عليهما ان يتخذا ضد «داعش»؟ فالمنطق السائد في هذه اللحظة هو أن «داعش» غير استراتيجيته وقرر تبني نهج عمليات القاعدة. ومشكوك أن يكون لهذا الفهم ما يستند اليه. في كل واحدة من العمليات الكبرى التي نفذها المتماثلون مع «داعش» خارج العراق وسوريا يمكن ان نعزو اسبابا وذرائع تخدم بالذات استراتيجية «التثبت والتوسع» القديمة التي وضعها التنظيم في رؤياه.

يحتمل أن تكون هذه العمليات تستهدف تجنيد المزيد من المتطوعين، زيادة ميزانيات التبرعات، تحقيق الحسابات المحلية بين المنظمات المتطرفة وبين الحكومات المحلية (مثلما في حالة اسقاط الطائرة الروسية التي اساس اضرارها وقع بالاقتصاد المصري وليس بروسيا) وبالاساس، مهاجمة من يحاول المس بالاراضي الاقليمية لـ«داعش» في سوريا والعراق كوسيلة ردع وليس من أجل «احتلال» الغرب او تقويض اساساته الثقافية.

اذا كانت استراتيجية «داعش» لم تتغير فثمة بالتالي منطق في بلورة قوة قتالية مكثفة، برية وجوية يشكل فيها الجيش السوري عنصرا مركزيا، من اجل الخروج إلى هجوم على الاراضي الاقليمية ل»داعش»، تفكيك قاعدته الاقتصادية واعادة المدن التي احتلها إلى مواطنيها.

اما بالمقابل إذا تحول «داعش» إلى منظمة إرهاب دولية، فان جبهة القتال الاساس ستنتقل إلى كل دولة ودولة يحاول المس بها، وعندها فان الجهود لتشكيل قوة سورية موحدة تحت نظام واحد سيبدو ثانويا مقارنة بالحرب التفصيلية ضد خلايا الإرهاب التي سيستخدمها «داعش».

سيكون هذا بالطبع فهما خطيرا من شأنه ان يخلد النظام في سوريا. إذ ان الحاق الحرب ضد «داعش» بالحل السياسي في سوريا لا يقترح حلا لحالة لا يكون فيها اتفاق على نظام جديد. فأي استراتيجية اخرى ستقترحها عندها القوى العظمى.

هآرتس 16/11/2015

القدس العربي

 

 

 

 

المعارضة السورية وتوحيد البندقية/ مصطفى فحص

فشلت الدول المشاركة في اجتماع فيينا الأخير في الاتفاق على توصيف فصائل عسكرية سورية كتنظيمات إرهابية، بعدما رفضت الدوحة وأنقرة وتحفظت الرياض على وضع حركة أحرار الشام، وفصائل أخرى ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية، بينما طالبت قطر وتركيا بالفصل بين جبهة النصرة كتنظيم إرهابي، والمنتسبين السوريين إليها، حيث اعتبرت أن انتماءهم إلى «النصرة» جاء بسبب غياب البدائل العسكرية، التي تؤمن لهم استمرار مواجهة وحشية الأسد.

بعد فيينا، باتت المعارضة مطالبة بإعادة تجميع فصائلها المسلحة في كيان موحد، يملك هيكلية عسكرية وبرنامجًا سياسيًا، يعزز موقفها التفاوضي، ويلتزم تنفيذ ما سيتم التوصل إليه على طاولة المفاوضات، وخصوصًا بند وقف إطلاق النار، وهو بمثابة الاختبار الأصعب للمعارضة، حيث يكشف عن مدى تأثيرها على الفصائل العسكرية، ما يحتم عليها بشقيها السياسي والعسكري تقديم نموذج مقنع أمام المجتمع الدولي، يمكن الاتكال عليه في المرحلة المقبلة.

يكمن دور الفصائل المسلحة التي تواجه الأسد و«داعش» في مفاوضات الحل السياسي في قدرتها على منح شرعية التفاوض لمن تتوافق عليه مع الائتلاف السوري المعارض، من أجل تمثيل المعارضة في جولات فيينا المقبلة أو أي عملية تفاوضية أخرى، وهذا ما يقطع الطريق أمام المشروع الروسي الإيراني في التدخل في تشكيل وفد المعارضة أو التشكيك في مدى تمثيله، ويعرّي ادعاء موسكو أنها على تنسيق مستمر مع من تصفهم بالجيش الحر، هذا الادعاء الذي تتخذه ذريعة لكي تبرر الاستمرار في توجيه ضرباتها إلى كل الفصائل التي تواجه الأسد، تحت حجة مكافحة الإرهاب.

إذا كانت المعارضة السورية لا يمكنها أن تتجاوز الفصائل المسلحة في قراراتها السياسية، فإن المطلوب من الفصائل توحيد خطابها السياسي، والاتفاق على رؤية مشتركة لسوريا المستقبل، لا تختلف في جوهرها عن مطالب المعارضة السياسية، وإظهار أكبر قدر من التوافق والتعاون مع المعارضة السياسية من أجل التوصل إلى صيغة مشتركة في ما بينها، تمنح الطرفين تمثيلاً مشتركًا موحدًا، بات ضروريًا في هذه المرحلة، ويعوّل عليه في إنتاج أي تسوية سياسية. وهذا ما دفع السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد إلى القول: «إنه دون مشاركة الفصائل الإسلامية التي لا تنطوي تحت لواء (داعش) أو (جبهة النصرة)، من الصعب التوصل إلى وقف لإطلاق النار».

بعد أربع سنوات على عسكرة الثورة السورية، ومحاولات الأسد «دعوشتها»، ووصول كل مشاريع الاستحواذ والسيطرة، ومحاولة مصادرة قرارها السياسي والعسكري إلى حائط مسدود، والفشل الذريع لأصحاب المشاريع الراديكالية في إقناع السوريين بأنهم بديل للأسد، ورفض السوريين أن يستبدلوا باستبداد الأسد باسم العلمانية، استبدادَ المتطرفين باسم الدين، أصبحت الكرة في ملعب هذه الفصائل، من أجل العودة إلى صيغة الجيش الحر ككيان وطني جامع، يكون جزءًا أساسيًا من المرحلة الانتقالية، وشريكًا في إعادة تأسيس الجيش الوطني، الذي سيكون عماد وحدة التراب السوري، وستوكل إليه مهمة مواجهة الميليشيات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية والدعوات الانفصالية.

لم يعد الغرب على استعداد لتكرار تجربة تحالف الشمال الأفغاني، حيث خاضت الفصائل الأفغانية حربًا أهلية في ما بينها بعد انتصارها على السوفيات وتحرير كابل، بينما فشلت المعارضة في الوصول إلى صيغة تشبه منظمة التحرير الفلسطينية، لعدم وجود الزعيم الرمز وفصيل كحركة فتح يوقدها، فبات على المعارضة السورية أن تواجه مسؤوليتها التاريخية بأن تتحول إلى حركة تحرر وطني بصرف النظر عن نتائج فيينا، فلا يمكن الاستمرار في هذه الفوضى التي تسببت بانتكاسات كبيرة وباتت جزءًا من مأساة السوريين.

الشرق الاوسط

 

 

 

 

رقص دولي على قبور السوريين!/ راجح الخوري

من نصدق باراك أوباما المخاتل عندما يقول إنه حصل ” تقدم متواضع” في الإجتماع الوزاري الخاص بسوريا في فيينا، تمثل بإتفاق المشاركين على خريطة طريق للعملية الإنتقالية في سوريا، أم نصدق وزير خارجيته جون كيري الواهم، الذي لم يتردد أمس في الحديث عن “عملية إنتقال سياسي كبير [كبير؟] في غضون أسابيع بين النظام والمعارضة، وذلك أثر التسوية الدولية التي تم التوصل اليها في ختام مفاوضات فيينا”؟

قياساً بالوقائع الواضحة ليس علينا ان نصدّق شيئاً من هذه الترهات، فإذا كان كيري يزعم “اننا على مسافة أسابيع من إحتمال إنتقال سياسي ونحن نواصل الضغط في هذه العملية”، فليس علينا سوى ان نتأمل الروزنامة التي حددها لهذا الموضوع، لكي ندرك ان العملية بعيدة جداً وقد يصبح اوباما وكيري خارج السلطة وربما خارج الذاكرة، قبل موافقة الروس ومن بعدهم الإيرانيون على عملية انتقال سياسي تنهي سلطة بشار الاسد على ما تقتضيه العناصر الأولية لأي حل.

يتحدث كيري عن عقد إجتماع بين النظام وأعضاء المعارضة السورية قبل نهاية الشهر المقبل، ولكن من الذي سيحدد أعضاء وعناصر هذه المعارضة، هل يحددها سيرغي لافروف الذي يحمل قائمة تقتصر على ٣٨ أسماً من أولئك الذين يسمّون معارضة الداخل التي تنام في أحضان النظام، وماذا نفعل بمعارضات الخارج؟

ويتحدث كيري عن الحاجة الى وقف لإطلاق النار، ولكن من سيضمن التوصل الى وقف اطلاق النار أو الى إلحاق الهزيمة بالإرهابيين من الآن حتى نهاية كانون الأول المقبل، أم ان علينا ان نصدق أوهام فلاديمير بوتين الذي يدعو الى جبهة دولية لمحاربة الأرهاب و”داعش”، وهو الذي بدأ حربه ضد المعارضة دعماً لبشار الاسد قبل ٤٩ يوماً تحديداً، من دون أي تعديل كبير في سيطرة “داعش” الميدانية؟

ثم هل نسي كيري الملاكمة الكلامية بينه وبين لافروف في المؤتمر الصحافي بعد مفاوضات فيينا حول مصير بشار الأسد، وهل يظن هو واوباما ومعهما بوتين ان عملية الإنتقال السياسي التي يتحدث عنها يمكن ان تعني ان السلطة تنتقل من الاسد الى الأسد، وان مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين وسوريا المدمرة، مجرد تفصيل في سياق التسوية التي يتوهمونها؟

هل يمكن الحديث عن حل أو عن عملية إنتقال سياسي، عندما يحاول بوتين مثلاً وبكل فظاظة توظيف دماء الفرنسيين بدعوته فرنسوا هولاند الى إعادة النظر في موقف فرنسا المعروف من ضرورة الرحيل الفوري للاسد، بالقول إن هذا الموقف لم يحمِ باريس من الإعتداء الإرهابي، لكأن موقف بوتين المتمسك ببقاء الاسد حمى الطائرة الروسية من التفجير الإرهابي؟

غريب إستمرار الرقص الدولي فوق قبور السوريين.

النهار

 

 

 

 

بؤس سورية في فيينا/ عدلي صادق

بسقف واطئ، التأم في فيينا، اجتماع الـدول الــ 17 والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة؛ للبت في مصير سورية. ذهبت المشاعر، عند الجلوس، في اتجاه اجتثاث “داعش” لا سواها. تراجعت كل الخواطر المتعلقة باجتثاث الأسد. فـ 129 فرنسياً، ربما يساوون في حسبة الموت، اثنين وعشرين مليوناً من بشر آخرين.

في سعيها إلى أن تناصر بالرصاص، البراميل المتفجرة والكيماويات، التي تنهمر على رؤوس السوريين، أربكت “داعش” الحكومات والشعوب. كان الفرنسيون قد أضمروا الذهاب حتى النهاية، للإجهاز على أي مستقبل لبشار الأسد. ربما الذي شجع الدواعش على الضغط على أزندة البنادق في باريس ما قاله دبلوماسي فرنسي قبل يومين على الجريمة: “ستعمل باريس، في فيينا، ما في وسعها، لمنع الأميركيين من تقديم أي تنازلات للروس. نعتقد أن السوريين وحلفاءهم والروس لن يستطيعوا تحقيق أي تقدم ميداني، وسيعود الروس بعدها نحونا، لكي ننقذهم من الورطة، ونفرض الحل الذي نريد. لكن، علينا أن ننتظر”.

دخل المؤتمرون إلى القاعة مشدوهين، وباتوا أكثر استعـداداً للتخلي، ولو مؤقتاً، عن فكرة الحكم الانتقالي الذي تُنقل الصلاحيات من الرئاسة إليه. تقبلوا جميعاً فكرةً فضفاضةً تقفز عن ذلك، وتشير إلى “حكومة موسعة، وذات صدقية تمثيلية، وغير طائفية، في غضون ستة أشهر”. وتبدأ الخطوات التي طرحها هذا البيان بمفاوضات يقودها الوسيط الدولي ديميستورا، في جنيف، في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، وترك النص، للمعارضة، أن تنام على افتراض أن هذا المسار، في النهاية، سيفضي إلى تغييرات تدريجية، وإن كانت غير التي توقعتها. في ذلك الانعقاد، تجنب الجميع السجال على تحديد من هي المعارضة المؤهلة لعملية سياسية، وكان ذلك طبيعياً، بسبب ما جرى في باريس. تحاشى المؤتمرون السجال حول نقطة من يمثل، ونقطة أهلية أو لا أهلية النظام في التمثيل. كان السياق مثلما يتحاشى المحزونون في المآتم، الحديث في القضايا الخلافية. يريد الروس مجموعة هيثم مناع، ومجموعة “أستانا” التي اجتمعت وصاغت موقفها في العاصمة الكازاخستانية، وتترأسها رندة قسيس، الكاتبة العلمانية. ولا مجال لفتح السجال عن حجم المعارضة وعناوينها. كان يصعب إدراج “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” و”جند الأقصى” ضمن الفريق الذي يمكن أن يفاوض، وينخرط في العملية السياسية. وهنا، تتبدى فداحة عجز الداعمين عن توحيد هذه الفصائل، في السنوات الماضية. فقد تجنب الداعمون النقاش بشأن أحقية هذه الفصائل في الحضور، في غمرة الغضب من مجزرة باريس. فالسجال لو بدأ سيكون للروس منطقهم الذي يعزّزه هول الجريمة الباريسية، ويزعم أن معظم المعارضات المقاتلة دواعش، وأن دعمها يُعد مخالفة، مثلما يعتبر دعم “داعش” والنصرة” مخالفاً للقرارات الأممية ويتجاوزها، مثلما تُتهم أطراف عربية وتركيا.

في هذا الخضم، بدا مسار فيينا أعقد من مسار جنيف المعقد أصلاً، فهو لا يحسم مسألة الانتخابات، ولا كيفية ملء الفراغ في الفجوة الزمنية. رأوا جميعاً أن من الترف، تعيين الفارق بين قصف داعش مع جبهة النصرة وقصف الآخرين.

لم يحضر السوريون، لا بنظامهم الآثم، ولا بمعارضاتهم الكثيرة. وحدها داعش هي التي حضرت من دون تمثيل. بلد وشعب غائبان عن طاولةٍ يقرر الآخرون عليها مصيرهما. بدت سورية، داخلاً جوّفته سلطته، مبكراً، من السياسة، ثم ملأته بالنيران والجثث، بعد أن ظلت تعرضه محض موقع جغرافي، يصح استثماره في سوق الاستراتيجيات الدولية، وخارجاً مشتتاً محزوناً بائساً لا ترقّ له قلوب اللاعبين الكبار. اليوم، لم يبق من سورية سوى موقعها. فهو المطروح، وحده، على طاولة اللاعبين، الذين يجتمعون للبتّ في أمرها، وحول من يأخذ ماذا منها، بعد التجويف وما بعد الشتات. لكن البائع، هذه المرة، ليس النظام الذي جوّف سورية من الداخل، وشتتها إلى الخارج.

أفسد هذا “الداعش” الوحش، على السوريين طهارة مسعاهم إلى الحرية، وأساء إلى مقاصدهم وإلى انتفاضتهم. وليس ذلك الإفساد بلا خلفياتٍ أقبح من الجرائم، لا سيما أن نتنياهو اعترف أمام أوباما، قبل أيام، بعلاقته مع جبهة النصرة.

العربي الجديد

 

 

 

لا «فيينا 3»… بل «الأسد بعد داعش/ محمد مشموشي

ليس مبالغاً به اعتبار أن مؤتمر «فيينا 2» السوري انتهى إلى المعادلة ذاتها التي كان رئيس النظام في دمشق بشار الأسد قد رسمها لتبرير حربه الوحشية والمتعددة الوجوه ضد شعبه منذ قرابة 5 سنوات: «أنا أو داعش».

وإذا كانت المجزرة التي ارتكبها تنظيم «داعش» في باريس عشية المؤتمر، وقبلها جريمتاه في ضاحية بيروت الجنوبية وضد الطائرة الروسية في سيناء، قد هيمنت على أجواء فيينا وساهمت بذلك في هذه النهاية، فلا بد من الاعتراف أيضاً بأن تعنت الوفدين الروسي والإيراني في الدفاع عن الأسد وتغطية موبقاته قد فعل فعله في هذا المجال كذلك. وهكذا يكون الأسد قد نجح في «الهروب» مرة أخرى تحت الشعار إياه: «أنا أو داعش». وفي هذا السياق، لا معنى لما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ختام المؤتمر من «أننا اتفقنا على أن نختلف بالنسبة لمستقبل الأسد» سوى هذا المعنى، وإن كان قد أضاف إليه قوله إن ما تم يصلح لأن يشكل خطوة على الطريق لإنهاء الحرب في سورية.

لكن المعادلة التي عمل الأسد طيلة سنوات على أن يضع السوريين والعالم أمامها، وأدت في ما أدت إلى تغول «داعش» واحتلاله أجزاء واسعة من الأراضي السورية، على حساب «الجيش السوري الحر» والمعارضة، لم تفده عملياً سوى أنها قلبت وإن مرحلياً سلم الأولويات لمصلحته: «داعش أولاً»!، قال البيان الصادر عن «فيينا 2»، ليطرح السؤال: هل يعني ذلك حكماً، كما قد يظن الأسد ومعه حليفاه الروسي والإيراني، أن الجزء الثاني من المعادلة (أنا) سيكون النتيجة الحتمية للحرب التي أعلنت من فيينا على «داعش» وأخواته من التنظيمات الإرهابية؟!.

الواقع أن هذا ما سعى إليه الأسد منذ «جنيف 1» في 2013، عندما طالب بأن تكون الحرب على الإرهاب بنداً أول في أعمال المؤتمر. بل إنه أفشل عملياً «جنيف 2» ثم «موسكو 1» و«موسكو 2» تحت الدعوى إياها أملاً منه بأن تكون الحرب على «داعش»، وبالتالي هزيمته أو استعادة الأراضي التي يحتلها، ثمناً لانتصاره هو وانتصار نظامه.

ولا يبدو أن روسيا وإيران أقل تمسكاً بهذه المعادلة من الأسد. وإلا فلماذا تراجعت الأولى عن الصيغة التي وردت في «جنيف 1» (للتذكير: صيغة جنيف روسية أولاً وأخيراً) تحت عنوان «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة»، وهددت الثانية بأنها قد لا تشارك في «فيينا 2» إذا كان هدفها تقرير مصير الأسد قبل الانتهاء من الحرب على الإرهاب؟!.

من نافل القول، وبصرف النظر عما جاء في بيان فيينا عن تشكيل حكومة انتقالية خلال ستة شهور ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية خلال 18 شهراً، أن الأمر ذاته سيكون مجدداً ذريعة الأسد في التهرب والمماطلة عشية «فيينا 3» وفيه… هذا إذا أمكن للدول الـ20 التي حضرت «فيينا 2»، وللدولتين الكبريين تحديداً، أن توفر إمكانات انعقاده.

ولم يعد خافياً، لا سيما بعد مؤتمري فيينا وأنطاليا وفي ظل تفجيرات باريس وسيناء وبيروت وإعلان «داعش» مسؤوليته عنها، ثم الحرب الدولية التي باتت معلنة ضده، أن عقدة التسوية في سورية أعيدت مجدداً إلى صيغتها الأسدية: «أنا أو داعش». وفيها، لا يبدو الأسد المستفيد الوحيد، وبالتالي المعطل الوحيد للتسوية، بل معه أيضاً كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني. الأسباب والدوافع مختلفة ربما، لكن الهدف واحد: الحرب على «داعش»، لأن المشكلة معه وليست مع الأسد.

وعملياً، لا يعني غير ذلك قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن مشكلة سورية هي نظام الأسد، وأنه يجب إنهاء هذا النظام سلماً أو حرباً. كما لا يعني غيره الخلاف من على منصة إعلان البيان الختامي لـ«فيينا 2» بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، حول الموقف من الأسد ودوره في التسوية. كان سؤال أحد الصحافيين مدعاة لرد من كيري، ثم لرد على الرد من لافروف، ليعود الأول فيرد على الرد الثاني… ويتبين إلى أي حد كان «الاتفاق على الاختلاف» كما قال كيري في مناسبة أخرى.

ولا يعني غير ذلك بدوره قول بوتين عشيـــة المؤتمر أنه لم يطرح مع الأسد مسألة تنحـــيه عن السلطة لسبب واحد هو أنه «لا يمتلك الحق قانونياً أو أخلاقياً لبحث ذلك مع رئيـــس منتخب». بل قوله في مقابلة بعده «إن سورية دولة ذات سيادة، والأسد رئيس منتخب من قبل الشعب، فهل لدينا حق مناقشة هذا الموضوع معه؟»، ويسارع هو إلى الرد على سؤاله بالقول: «طبعاً لا».

في المقابل، يتفق قادة وخبراء ومحللون في العالم على أن «لا سلام ولا هزيمة ممكنة لـ«داعش» طالما بقي الأسد في السلطة». بل إن كيري نفسه قال في ختام «فيينا 2» إن «داعش» صنيعة الأسد الذي يقوم بدوره بمشاركته في تسويق النفط الذي يستخرجه الأول من الحقول السورية التي يحتلها.

ما يبقى أن الحرب الدولية الشاملة على «داعش» بدأت فعلاً، أو ستبدأ قريباً، إما بسبب جريمة باريس ومثيلتها في سيناء ونتيجة مؤتمري فيينا وأنطاليا، أو لأن أحداً لا يمكنه أن يدافع عن التنظيم ولا حتى عن مجرد وجوده.

لكن السؤال، بعد هذه الحرب وأياً كانت مدتها ونتائجها، هو: هل يعقد «فيينا 3»، وقد سارع أحد وزراء نظام الأسد إلى القول بعد ساعات من بيان «فيينا 2» إن أي برنامج عمل، أو جدول زمني، للأزمة في سورية لا يخرج من دمشق و»بقرار سيد» منها لن يلتزم بها أحد؟.

ليست المعادلة في هذه الحال كما كانت في السابق («داعش أو الأسد»)، بل ستكون كما يشير كلام وزير النظام، «وزير المصالحة الوطنية» علي حيدر، «الأسد بعد داعش».

* كاتب وصحافي لبناني.

الحياة

 

 

 

رسالة الاجماع الدولي غير المكتمل في فيينا تتفاعل على وقع تجاذب المواقف المتناقضة/ روزانا بومنصف

قياسا على اجماع دولي تم التوصل اليه حول بنود لمعالجة الحرب في سوريا وايجاد حلول لها، اظهرته الدول التي اجتمعت في فيينا في 14 من الجاري، وضم للمرة الاولى ايران والمملكة العربية السعودية معا الى طاولة المفاوضات، وارادت هذه الدول ان توصله الى الافرقاء السوريين وكل المعنيين بالحرب السورية، فإن وحدة الهدف التي تصاعدت خصوصا بعد الاعتداءات الارهابية في باريس حول القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” لم تظهر ان الولايات المتحدة وروسيا يمكن ان تكونا قد اصبحتا على الوتيرة نفسها، او وفق التعبير الغربي على الصفحة نفسها ازاء التعامل مع الوضع السوري. فقد تصاعد في الايام الاخيرة خلاف كلامي علني واضح بين واشنطن وموسكو على موقع الرئيس السوري بشار الاسد ومصيره، الى حد يقارب الحرب الكلامية، إذ اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما ان تسليم روسيا وايران والنخبة الحاكمة في سوريا بانه لن تكون هناك نهاية للحرب الاهلية في سوريا ولن يتم التوصل الى تسوية سياسية مع بقاء الاسد في السلطة، قد يتطلب بضعة اشهر. فيما اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان ما من سبيل لحل الازمة السورية سلميا من دون الاسد الذي قال انه يعكس فئة كبيرة من المجتمع السوري على نحو يثير تساؤلا جديا عن امكان حصول مفاوضات تبحث في مرحلة انتقالية بات يرفضها رأس النظام السوري ويعلي صوته كأنه ممسك فعلا بخيوط اللعبة السياسية والعسكرية في سوريا، معولا على دعم حلفائه، في الوقت الذي يفترض أن المفاوضات التي ستبدأ مطلع السنة المقبلة ستبحث في سبل اخراجه من الحكم والاتفاق على بديل منه. ومع الاقرار بأن الخلاف على الاسد هو جزء من الاتفاق في فيينا، يجد مراقبون ان ثمة صعوبة كبيرة قد يواجهها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في محاولة تأمين تحالف واحد ووحيد ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” متى كانت الاهداف او النتائج مختلفا عليها الى هذا الحد، ولا مجال للتلاقي، وخصوصا متى كان القضاء على التنظيم يحتمل ان يصب في خانة بشار الاسد، علما ان ثمة من يعتقد ان جهود الرئيس الفرنسي قد تجد زخما اضافيا، ليس فقط من احداث باريس بل ايضا من التطورات المأسوية في مالي، وهو ما وسع دائرة الاعتداءات الارهابية وزاد شموليتها على نحو يفترض الا يسمح بترف استمرار الانقسامات الدولية ازاء سبل مواجهة التنظيم الارهابي.

لكن في الوقت عينه، فإن فرنسا التي تجد نفسها في موقع متناقض مع دول اوروبية ازاء بقاء الاسد، من غير المرجح ان تستطيع دفع واشنطن وموسكو لتكونا على الصفحة نفسها في التحالف. هذا على الاقل ما يعتقده بعض المراقبين، في مقابل آخرين يعتقدون ان موسكو تحظى بغض نظر اميركي للتحرك عسكريا في سوريا، في ظل تلاقي موضوعي على إبقاء الاسد في مرحلة التفاوض وعدم سقوطه قبل المفاوضات، بعدما أتى التدخل العسكري لانقاذه، وفي ظل رضى غير مباشر عن محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” والتورط حيث لا يرغب الاميركيون.

ويسجل المراقبون من جهة ثانية في المسار السياسي الذي انطلق للحل في سوريا، ثغرة اخرى في رسالة الاجماع الدولي من فيينا مع نجاح المملكة السعودية في تأمين اقرار لجنة حقوق الانسان في الجمعية العمومية للامم المتحدة بغالبية 115 صوتا وامتناع 51 صوتا ومعارضة 15 قرارا تندد بالتدخل الايراني والروسي في سوريا وبكل المقاتلين الاجانب والقوى الاجنبية التي تقاتل باسم النظام السوري، وخصوصا ما يسمى ألوية القدس والحرس الثوري الايراني وجمعات متشددة مثل” حزب الله”. ومع ان القرار ليس ملزما، وهو على مستوى لجنة أممية وسيحال امام الجمعية العمومية الشهر المقبل للتصويت عليه، فإن ذلك سيثير تساؤلات عن امكان تصنيف الاردن التنظيمات الارهابية وفق ما كلف في فيينا، وما اذا كان يمكن ان يقصر هذا التصنيف على “الدولة الاسلامية” و”النصرة”، في ضوء تصنيف “اجماعي” من جهة اخرى شاركت فيه الولايات المتحدة ودول اوروبية للحرس الثوري الايراني الذي يحارب الى جانب النظام وسائر التنظيمات ك” حزب الله”. فالمؤشر المعبر الابلغ من وجود اجماع دولي حول سوريا، وفق ما اريد اظهاره في فيينا، هو استمرار الخلافات الدولية من جهة والخلافات الاقليمية من جهة اخرى، او على اقل تقدير استمرار المعارك العسكرية والسياسية سعيا الى التأثير في المعركة الديبلوماسية الجارية والتي يتم التحضير لها بين السوريين انفسهم. وتقول مصادر ديبلوماسية انه فيما غلب الاعتقاد بعد دخول روسيا المباشر عسكريا في سوريا على ان روسيا تمتلك اليد العليا في اقرار سبل الحل في سوريا، فإن هناك اعتقادا لا يقل قوة مؤداه أن دخول روسيا الحرب ساهم في تورطها، وان الاسراع الى تحفيز الحل السياسي هو من اجل تجنب الغرق في الوحول السورية. إلا أن هذه النماذج عن الثغر في الاجماع الدولي، والتي يراها المراقبون المعنيون محتملة جدا في ظل الكباش والتجاذب حول مصير بشار الاسد، لا تنفي في المقابل وفق هؤلاء اضطرار الدول الكبرى المعنية الى وضع الحل على السكة، بقطع النظر عن المدة للوصول اليه والرهانات التي ترافقه . وهذا ما يرتقب هؤلاء ان يزداد في كل المراحل المقبلة، سعيا لتغليب وجهة النظر الى الحل مع الاسد او من دونه.

النهار

 

 

 

 

مهمّة سورية حسّاسة على الأردن/ محمود الريماوي

ليست يسيرة المهمة التي أوكلها مؤتمر فيينا 2 الإقليمي الدولي حول سورية إلى الأردن، بتنسيق تصنيف الجهات الإرهابية على الأرض السورية، وذلك لأسباب عدة. أولها أن الدول المعنية بالأزمة تتباعد تصوراتها حول هذا التصنيف، وهي دول يرتبط معها الأردن بعلاقات مختلفة. ولن ترضى هذه الدول مجتمعةً بقائمة واحدة بعينها، ولو كان ذلك ممكناً، لما تباعدت في الأصل المواقف والرؤى الإقليمية والدولية حيال الأزمة، وإزاء كل من النظام وقوى الثورة والمعارضة والأطراف الجهادية. ثاني الأسباب، أن موسكو هي التي اقترحت الأردن طرفاً منسقاً، وهو ما أثار ارتياحاً في عمّان التي اعتبرت اختيارها تزكيةً لوزنها الإقليمي المهم، على أن موسكو، كما هو معلوم، طرف في الأزمة، وشريك أساسي في محورٍ، يضمها مع طهران ومع الحكم في دمشق، وإلى حد كبير مع بغداد. وبينما ترتبط عمّان بعلاقات متنامية مع موسكو، إلا أنها ليست جزءاً من هذا المحور الذي تسبب عملياً في أعباء جسيمة على الاقتصاد الأردني، جرّاء موجة اللجوء السوري الكثيفة إلى أراضيه، والضعف الذي اعترى التبادل التجاري عبر الحدود السورية الأردنية منذ نحو خمسين شهراً مضت.

في واقع الأمر، أريد بالمقترح الروسي الذي قوبل باستجابة كبيرة في فيينا، تسمية الأردن طرفاً منسقاً، تعزيز علاقات موسكو بعمّان، وجذبها ما أمكن إلى محور موسكو طهران. وفي هذا الخصوص، افتتحت موسكو مركزاً إعلامياً لها في الأردن (يرث المركز الثقافي السوفييتي الذي عمل عقوداً)، وقد نجم عن ذلك موقف أردني، بدأ يتعامل مع التدخل العسكري الروسي أمراً واقعاً، وكما دلت على ذلك تصريحات أردنية على أعلى مستوى. فيما ذهبت تصريحات روسية إلى أبعد من هذا، بالقول بتنسيق عسكري مع الأردن، بخصوص جبهة جنوب سورية المحاذية للأردن ضد الجماعات الإرهابية بمختلف ألوانها. تشدد موسكو على توسيع البيكار (الفرجار) في تصنيفها الإرهاب، بحيث لا يقتصر على داعش، خلافا للموقف الإقليمي والدولي الذي يضع داعش، وإلى حد أقل، جبهة النصرة في مركز الإرهاب، ومن أجل أن تسوغ موسكو تركيزها على قصف منظمات مسلحة معارضةٍ، بصورةٍ فاقت بأضعاف قصفها داعش. ولا يتوقف الأمر عند هذا، فبينما عكفت الجهات الأمنية المختصة على المهمة الموكلة إليها، حتى انبرت موسكو لإصدار ما يشبه إيحاءات توجيهية، من قبيل القول إن حزب الله خارج تصنيف الجماعات الإرهابية في سورية.

ليس الأردن جزءاً من المحور الروسي الإيراني، ولا هو كذلك جزء مما يسمى المحور التركي

“في الأردن، جماعات جهادية متشددة، انزلق بعضها إلى الإرهاب، وعصم بعضها الآخر نفسه عن هذا المنزلق” السعودي القطري، ولعله بات قريباً من مواقف دول كمصر ودولة الإمارات، من دون أن يشكل محوراً مع الدولتين بخصوص الأزمة السورية. نجح في البقاء خارج المحاور، واعتمد سياسة تقوم على ممارسة ضغوط من أجل التوصل إلى حل سياسي جدّي، بيد أن السنوات الأربع الماضية شهدت أن الأردن كان على الدوام جزءاً من مجموعة أصدقاء سورية، وخلال سنتي 2011 و2012، اختار عسكريون سوريون منشقون كثيرون اللجوء إلى الأردن، وفي أحيان كثيرة، لأسباب لوجستية تتعلق بقرب الحدود الأردنية من مدن سورية.

مخيما الزعتري والأزرق شاهدان على تأثر الأردن بالأزمة السورية، حيث قذف النظام في دمشق بشطر كبير من شعبه خارج الحدود، وكانت مساهمة ذلك النظام الوحيدة في التعامل مع هذه المشكلة غير المسبوقة عربياً، هي الطلب من الدول المجاورة عدم إقامة مخيمات للاجئين السوريين! وقد استجابت الحكومة اللبنانية لذلك الطلب، تحت ضغوط شرسة من حزب الله، وترك اللاجئون يهيمون على وجوههم، وينامون في المدارس والحدائق والشوارع وفي العراء، بحجة عدم تسييس المسألة!. أما الأردن، فاتخذ الخطوة المنطقية التي تنسجم مع القانون الإنساني الدولي، ومع دواعي الأخوة العربية، بتأمين إقامتهم في مخيمات، وضمان الحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية، وهو ما أوضحه الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في محاضرة له، أخيراً.

قد يثير تصنيف الجماعات والمنظمات في سورية تحدياً أمنياً للأردن من تلك الجماعات التي سوف تندرج في التصنيف، وهذا وجه الصعوبة الثالث.

ولمواجهة هذه الصعوبات وغيرها، أمام عمّان فرصة التشديد على أن دورها تنسيقي بالفعل بين خيارات الأطراف الإقليمية والدولية وتصنيفاتها، وأن أية قائمة قد يتم التوصل إليها هي حصيلة توافقات تصنيفية من دول عديدة في الإقليم وخارجه، وأن القائمة ليست بالتالي “قائمة أردنية”، وإن كان ثمة جهد أردني ملموس في تنسيقها. يمكن أيضا التمييز في القائمة المزمعة بين ما هو متشدّد وما هو إرهابي، في التصنيف. فثمة أطراف متشددة يصعب حقاً انضواؤها في حل سياسي، أو انخراطها في مفاوضات، لكن سجلها يشهد أنها لا تستهدف المدنيين، ولا أتباع الديانات الأخرى، ونشاطها عسكري محض على جبهات القتال، خلافاً للإرهابيين الموصوفين الذين يستهدفون المدنيين، والأعراق وأتباع الديانات. فالمتشدد ليس إرهابياً بالضرورة، ولا بالتعريف. والتطرّف الأيديولوجي ظاهرة قائمة في سائر المجتمعات، بما فيها المتقدمة ومُعترفٌ بها! ووصل بعض ممثليها إلى مقاعد برلمانات أوروبية. في الأردن، جماعات جهادية متشددة، انزلق بعضها إلى الإرهاب، وعصم بعضها الآخر نفسه عن هذا المنزلق.

يبقى أن وضع قائمة كهذه ليس بديلاً عن حل سياسي شامل وجدّي للأزمة السورية. هناك من يريدون اختزال الأزمة على هذا النحو المبتسر، بل والملتوي، من أجل مواصلة الحرب وتسويغها. وبيان فييينا 2 أوسع من ذلك بكثير، ويقوم أساساً على وقف إطلاق نار برعاية دولية، ومفاوضات سورية بين النظام والمعارضة، تستند إلى بيان جنيف، وفق جدول زمني وبرعاية الأمم المتحدة، ويلي ذلك تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية، ويلي ذلك إجراء انتخابات.

دأب الأردن، في جميع المناسبات، وعلى سائر المنابر، على تأكيد التزامه بحل سياسي. الآن، تبدو الظروف سانحة مبدئياً لشق الطريق نحو هذا الحل الذي يستجيب لتطلعات السوريين. التقدم على هذا الطريق وفق مرجعية واضحة وجدول زمني محدد، يوفر بيئة لوضع حد للعنف المستشري، ويفرز الراغبين في الحل عن أولئك الذين يستثمرون في العنف، ويمارسونه بدون توقف وبكل الأسلحة، وعلى أوسع نطاق، وبغير قيود وضوابط من “أخلاقيات الحرب”، والضحية هو الشعب السوري المثخن بالجراح، والدول المجاورة التي تنوء بالأعباء، ومنها على الخصوص الأردن.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى