رضوان زيادةصفحات سورية

عن مصير الغوطة/ رضوان زيادة

 

 

صور جثث القتلى بالعشرات ممددين على أرض الغوطة  الشرقية لا تجد مكاناً تدفن فيه بكرامة. وصور الدمار الذي أصاب مدن حرستا وحمورية ودوما وغيرها من مدن الغوطة الشرقية تذكّر بصور الدمار في برلين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وصور النازحين الفارّين من أتون الجحيم في الغوطة إلى اللامكان، حيث يحملون معهم قصص الرعب والخوف من المستقبل المجهول. هذه الصور كلها تكثف صورة سورية اليوم، حيث القتل والدمار الجواب الوحيد الذي يمتلكه النظام السوري للحل في سورية، حيث لا معنى لقرارات مجلس الأمن التي لا تنفذ أو تطبق. ولا تشكل كل تلك الإدانات الدولية والأممية لسلوكه في تعامله مع مواطنيه، لا تعني بالنسبة له شيئاً، أو تقف عائقاً أمامه لتحقيق الحل النهائي كما يريده، ومهما كانت التكلفة.

صور الأسد وهو يزور محيط الغوطة، والدمار يحيط به من كل مكان، والجنود الروس يحيطون به من كل جانب، كما اعتاد زيارة كل المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها، من داريا إلى حمص وحلب، تختصر صورة دكتاتور عصري، اختزن قصة نيرون، وهو يشاهد روما تحترق أمامه، لكنه يبدو سعيداً أنه ما زال يحتفظ بكرسيه، وإن كان الكرسي مبني على جماجم مئات آلاف السوريين وعذاباتهم وآلامهم ودموعهم.

تمكّن نظام الأسد تقريبا من السيطرة الكلية على الغوطة الشرقية، بعد تقسيمها إلى ثلاث

“أدرك السكان أن النظام لن يسمح لهم بالحياة ولو كانوا تحت الحصار خمس سنوات”

مناطق، عربين وحرستا ودوما، ومع اتفاق إجلاء المقاتلين في عربين وحرستا إلى إدلب، بقيت دوما صامدة في رفض اتفاق التهجير القسري، والذي أصبح في عرف النظام السوري يرادف التهجير الكلي لكل السكان المدنيين إلى مخيمات اللجوء، أو النزوح إلى المدن الأخرى، من دون عودة قريبة أو بعيدة إلى بيوتهم ومدنهم التي هجروا منها. وإلى الآن، لم تشهد أي من مدن داريا أو الزبداني أو مضايا أي عودة لسكانها الذين هجروا منها، حتى بعد سنواتٍ من سيطرة قوات نظام الأسد والمليشيات المتحالفة معها على هذه المناطق. ما يدل على استراتيجية واضحة، يسير فيها نظام الأسد، تقوم على تهجيير المدنيين من كل المناطق المدنية التي خرجت عن سيطرته، من دون وجود أية خطة أو اكتراثٍ بعودة هؤلاء المدنيين إلى مدنهم وبيوتهم. المهم هو السيطرة على هذه الأراضي، مهما كانت التكلفة العسكرية أو المدنية، ولا تبدو الخطة العسكرية المستخدمة مختلفة تماما عن المستخدمة في المدن السابقة، وآخرها حلب في أواخر عام 2016، حيث يجري استهداف المستشفيات أو المراكز الطبية بكثافة هائلة، ما يعني تدمير أي أمل بالحياة أو الشفاء لمن تبقى تحت الحصار، ومن ثم تكثيف الغارات الجوية من دون أي احترام للقانون الإنساني الدولي أو للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبشكل عشوائي، على المدنيين أو المنشآت المدنية، مثل المدارس أو روضات الأطفال، ما يجعل مبدأ استمرارية الحياة بحد ذاته مستحيلا، ويحول الحياة فيها إلى الجحيم بعينه، وهو ما يدفع كل السكان إلى الخروج بأي شكلٍ مع أقرب فرصة تتاح لهم، لأنهم يعرفون أن البقاء يعني خيارا وحيدا هو الموت.

وتفيد المعطيات الأولية، مع غياب كامل للمنظمات الدولية أو المنظمات الحقوقية، بأن أكثر من 1700 مدني فقدوا حياتهم خلال العملية العسكرية السورية – الروسية أخيرا في الغوطة الشرقية خلال أقل من حوالي 45 يوماً.

ومنعت قوات النظام السوري وصول قوافل الإغاثة الإنسانية بشكل كامل، وإنما سمحت لعربات منفردة بالطبع بالدخول للالتفاف على القرارات الدولية، والقول إن النظام السوري لم يسمح

“لا معنى لقرارات مجلس الأمن التي لا تنفذ أو تطبق”

لقوافل الإغاثة الإنسانية الأممية بالدخول، على الرغم من أن النظام يدرك أن هذه السيارات المنفردة لن تسمح لمساعدة أكثر من 400 ألف مدني كانوا في تلك الفترة يقطنون في الغوطة الشرقية، وهو ما أدركه السكان أنه لن يسمح لهم بالحياة، حتى لو كانوا تحت الحصار خمس سنوات ماضية، وأن عليهم الآن القبول بالخيار النهائي، التهجير أو الموت.

لم يتوقع أي شخص موقفا مختلفا من روسيا أو النظام السوري، فجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري على مدى السنوات السبع الماضية تجعل أي شخص مدركاً أن لا وجود لفكرة القانون، أو القانون الإنساني الدولي، في قاموس النظام. وبالتالي، لن يتردد في القيام بأي شيء تتيح له السيطرة على ما تبقى من مناطق خارج سيطرته في محيط العاصمة دمشق، لكن ما فوجئ به السوريون هو غياب المحاسبة الدولية لما جرى في الغوطة، على الرغم من صدور عدة قرارات دولية من مجلس الأمن، تلزم نظام الأسد احترام وقف إطلاق النار والسماح بالمساعدات الإنسانية بالدخول إلى الغوطة. خصوصا في ظل الموقف الأميركي، على لسان مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، التي استخدمت لغة قوية للغاية، مهددة باللجوء إلى إجراءات من خارج المجلس، إذا فشل في ضمان تنفيذ القرار الأممي الخاص 2401، والذي صدر في 24 فبراير/ شباط 2018، وألزم “كل الأطراف بوقف الأعمال القتالية، بدون تأخير، 30 يوما متتابعة على الأقل في كل أنحاء سورية، من أجل السماح بإيصال المساعدات والخدمات الإنسانية والإجلاء الطبي بشكل دائم وبدون عوائق، بما يتوافق مع القانون الدولي”.

لكن بقي هذا القرار بلا معنى في سماء الغوطة وعلى أرضها، حيث استمرت القذائف والصواريخ تنهمر من السماء، كما بقيت الأرض مفتوحة لتمدد مليشيات الأسد، بهدف السيطرة على ما تبقى من أراضي الغوطة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى