صفحات مميزة

عن معركة الرقة ومعارك الشمال السوري –تداعيات ونتائج – مقالات مختارة

الرقة على صفيح ساخن/ علي العبدالله

رغم قيام الادارة الاميركية بتنسيق عملية تحرير الرقة من “داعش” مع كل من السعودية وتركيا ومحاولتها طمأنتهما بطرق متعددة، من رفض تقديم دبابات وراجمات صواريخ لقوات سوريا الديمقراطية، الى منع هذه القوات من التوجه الى منطقة غرب الفرات(جرابلس – منبج)، وتأكيدها على عدم الاعتراف بأي كيان كردي، بما في ذلك الادارة الذاتية القائمة، فإن اختيارها لقوات سوريا الديمقراطية لتحرير الرقة من “داعش” أدى الى استفزازهما واستفزاز أكثر من جهة منخرطة في الصراع في سوريا وعليها. فالمعارضة السورية بمستوييها السياسي والعسكري رأت في الاختيار وصفة لحرب أهلية عربية كردية في ضوء ممارسات “وحدات حماية الشعب”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي)، والتي تشكل معظم القوات التي حُشدت لتحرير الرقة، عددها وفق بعض التقديرات بحدود الـ 12 ألف مقاتل، في مناطق عربية او مختلطة سيطرت عليها في المراحل السابقة ان في تل حميس وجنوب الرد وتل ابيض، وخاصة بلدة سلوك التي باتت فارغة من سكانها العرب، او في الشدادي حيث قامت، وفق معارضين ومنظمات دولية، باعدامات لشباب من هذه المناطق، بذريعة تعاونهم مع “داعش”، ومنعت ابناء هذه المناطق من العودة الى قراهم بعد انتهاء المعارك، ناهيك عن رد فعل سكان الرقة نفسها الذين عبروا عن هواجس ومخاوف من دخول القوات الكردية الى مدينتهم، وقد زاد في درجة استفزاز المعارضة اعلان ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في كردستان العراق الاستاذ غريب حسو عن ضم الرقة بعد تحريرها الى الفدرالية، التي كان “تجمع سوريا الديمقراطية” قد اعلن عن تبنيها في مؤتمر رميلان يوم 17/3/2016، حاولت قيادة قوات سوريا الديمقراطية تخفيف الهواجس والمخاوف بالاعلان ان قواتها لن تدخل الى المدينة وانها ستحميها من الخارج، كما حاول الاستاذ صالح مسلم في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية احتواء رد الفعل بالقول: “بعد التحرير سيكون هناك مجالس إدارة مدنية ومحلية هي من تقرر أمر الرقة وشؤونها، مثلما صار في تل أبيض وغيرها من المناطق التي تم تحريرها. وأهل الرقة سيكونون أحرارا في اختيار من يريدون أن يحكمهم”، لكن كلامه جاء بمثابة صب الزيت على النار لان ما تم في تل ابيض عمليا هو الحاق المنطقة بالادارة الذاتية عبر تشكيل مجلس محلي مُسيطر عليه.

النظام السوري الذي يحاول، وبشتى الطرق، اغواء الادارة الاميركية علها تقبله شريكا في محاربة الارهاب، أنتقد ارسال قوات اميركية الى الاراضي السورية، وعبّر عن استيائه من حزب الاتحاد الديمقراطي لقبوله التنسيق مع واشنطن بعد ان كان دعمه بطرق شتى وتغاضى عن  مواقفه وممارساته وتعاون معه ومده بالدعم العسكري واللوجستي.

موسكو هي الأخرى لم ترتح للانفراد الاميركي في تقرير مصير الرقة ونيل شرف تحريرها من “داعش” فقد انتقدت ارسال قوات خاصة أميركية الى شمال وشرق سوريا واعتبرته خرقا للسيادة السورية وطالبت واشنطن بتنسيق تحركها مع النظام السوري، وعند الاعلان عن بدء عملية تحرير الرقة اعلن وزير خارجيتها أن موسكو مستعدة للتنسيق مع التحالف الكردي العربي ومع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لشن هجوم من أجل طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من الرقة، وقال جازما “أقول بكل ثقة إننا مستعدون لمثل هذا التنسيق”. لكن رد واشنطن جاء بالرفض لانها رأت في الطلب مدخلا لاستدراج اشتراك قوات النظام والميليشيات التي تقاتل الى جانبه.

تركيا كانت الاكثر استفزاز من الاختيار الاميركي، فقد أصرت على الاعتماد على المقاتلين العرب في تحرير الرقة، ردت واشنطن برفع نسبة المكونات العربية التي تقاتل تحت راية قوات سوريا الديمقراطية مثل: “لواء تحرير الرقة” و “جبهة ثوار الرقة” و “جيش العشائر” و “لواء أحرار عنزة” و “كتائب شمس الشمال”، بالاضافة الى”قوات النخبة السورية” التي تتبع “تيار الغد السوري”، لكن ذلك لم يقنع أنقرة التي ارتفعت حدة رد فعلها وتنوعت انتقاداتها من اتهام الادارة الاميركية بـ “الكيل بمكيالين” الى الاعلان عن خيانتها لتركيا لعدم تنفيذها الوعود التي قدمتها بخصوص طبيعة تعاونها مع حزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي) وحدوده، وجاء الكشف عن وضع القوات الخاصة الاميركية شارات الحزب المذكور لتؤجج الانفعال التركي حيث دعا وزير الخارجية التركي القوات الاميركية الى وضع شارات “داعش” و “النصرة” في المرة القادمة.

يبقى ان اختيار قوات سوريا الديمقراطية للقيام بتحرير الرقة، والثمن الذي ستقدمه واشنطن لهذه القوات، خاصة وان تقديرات المحللين العسكريين تتوقع ان تكون المعركة طويلة وقاسية وكثيرة الضحايا، والهدف النهائي للعملية غير واضح حيث اختلفت تقديرات المحللين بين القول بانها اختارت هذه القوات لاشغالها بعيدا عن توجهها الرئيس بالتوجه الى منطقة جرابلس ومنبج لاستكمال حدود الكيان الذي تسعى لاقامته وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد: تطمين تركيا وتحرير الرقة، في حين رأت تقديرات أخرى ان نجاح هذه القوات في تحرير الرقة سيفتح لها طريق جرابلس منبج في ضوء فشل المعارضة العسكرية السورية في طرد “داعش” من هذه المنطقة، كما اختلفت التقديرات حول الهدف من العملية أهو اضعاف “داعش” أم القضاء عليه حيث رجحت تقديرات الخيار الاول: الاضعاف، لان وظيفة الصراع في سوريا وعليها لم تنته بعد، ما يجعل بقاء “داعش” في المعادلة ضرورة، في حين رأت تقديرات أخرى ان القضاء على “داعش” بات ضرورة لانه جزء رئيس في الخطة ب الاميركية التي تسعى من خلال القضاء على “داعش” وضع النظام امام معادلة جديدة ليس فيها الا النظام والمعارضة السورية ما يضطره للقبول بالحل السياسي المطروح في القرارات الدولية ذات الصلة.

المدن

 

 

 

تحرير الرقة أم تسليم حلب؟/ بكر صدقي

في الوقت الذي أعلنت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» بدء معركتها لـ»تحرير الرقة» من تنظيم داعش، حاصر هذا الأخير مدينة مارع، شمال حلب، من جهاتها الثلاث الشرقية والشمالية والجنوبية، لتكمل «سوريا الديمقراطية» هذا الطوق بحصارها من الغرب. وتشكل مارع آخر مركز مهم للمعارضة المسلحة في المنطقة قبل الوصول إلى إعزاز، فالحدود التركية. وهكذا تشاركت السلفية الجهادية و»العلمانية الكردية» في الإطباق على واحدة من أنشط بؤر الثورة على نظام البراميل الكيماوي، في ريف حلب الشمالي، في مرحلتيها السلمية والمسلحة.

ومارع نموذج يكثف الصراع الأوسع في شمال سوريا عموماً، أي منطقة النفوذ التركية المفترضة. تركيا التي وضعت كل ثقلها العسكري لضرب الكرد داخل حدودها، وتشن، على مناطقهم في جنوب شرق الأناضول، حرباً متواصلة منذ عام، فشلت في دعم فصائل المعارضة السورية المقربة منها شمال حلب، وخاصةً بسبب الضغوط الأمريكية ـ الأوروبية ـ الروسية على أنقرة لإغلاق حدودها المشتركة مع سوريا، وقطع أي خط إمداد لتلك الفصائل. كما منعت روسيا أي تحليق لطائرات تركية فوق الأراضي السورية، في إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش، تحت طائلة إسقاطها، رداً على إسقاط المقاتلات التركية للطائرة الروسية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ولم تكتفِ روسيا بذلك، بل هددت أنقرة علناً بتسليح حزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعاً مسلحاً ضد الجيش التركي. وفي منتصف الشهر الماضي أسقط مقاتلو الحزب طائرة هليكوبتر عسكرية تركية، بصاروخ محمول على الكتف، قرب الحدود التركية مع العراق، قيل إنه من أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع. وهكذا يستمر التصعيد بين موسكو وأنقرة على خلفية الصراع في/ وعلى سوريا، وبات الضرب من تحت الحزام، على الأقل من الجانب الروسي.

ويتكامل الدور الأمريكي مع الروسي، سواء في الضغط على تركيا أو في الضغط على المعارضتين المسلحة والسياسية المناهضتين لنظام الكيماوي في دمشق. فواشنطن التي تدفع بقوات صالح مسلم وحلفائه إلى تحرير الرقة من داعش، وتؤمن لهما الغطاء الجوي، لم تفعل شيئاً ضد قوات داعش المكشوفة التي تحاصر مارع. بل يكمل حليفها الكردي طوق داعش على مارع من الجهة الغربية، ويمنع نزوح المدنيين إلى مناطق سيطرته. وبموازاة ذلك تضغط على تركيا للقبول بدخول «قوات سوريا الديمقراطية» مدينة منبج، غربي نهر الفرات، الأمر الذي ترفضه تركيا رفضاً قاطعاً.

من المحتمل أن الولايات المتحدة ستتساهل في إسقاط مارع المتوقع بيد داعش، لتقوم بعد ذلك بقصف المدينة من الجو، تمهيداً لدخول القوات الكردية، لتصبح أنقرة أمام أمر واقع هو سيطرة هذه القوات على كامل الشريط الحدودي الشمالي، بعد القضاء على فصائل المعارضة المسلحة هناك. فإذا أخذنا بعين الاعتبار الهجوم الذي تشنه قوات النظام والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات، بغطاء جوي أسدي ـ روسي، على ريف حلب الغربي، اتضحت أبعاد الهدف المشترك الروسي الأمريكي الإيراني: الفوز بحلب، مدينةً ومحافظة، وإنهاء المعارضة المسلحة فيها.

بالتوازي مع هذه التطورات، يكثف الطيران الأسدي ـ الروسي غاراته على محافظة إدلب، بذريعة ضرب جبهة النصرة، وقد نجحا في تدمير مستشفيين وعدد من الأحياء السكنية، وفي قتل نحو ستين مدنياً في مدينة إدلب وحدها، إلى الآن. ويفهم من الإنكار الروسي التام لتنفيذ أي غارة على مدينة إدلب، أن عنف الغارات الروسية مرشح للتصعيد في الأيام القادمة.

يبدو أن الروسي بدأ يستثمر مجمل هذه التطورات الميدانية، وبينها أيضاً تقدم قوات النظام في الغوطة الشرقية على حساب الفصائل الإسلامية المتصارعة هناك، في الضغط على «الهيئة العليا للمفاوضات» ليس فقط لإرغامها على العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف، في شروط أكثر صعوبة بما لا يقاس مع الجولات السابقة (فهذه مهمة جون كيري)، بل لتغيير هيكليتها بصورة جذرية، بما يرضي البرنامج الروسي: إخراج ممثلَيْ الجيش الحر والفصائل العسكرية الإسلامية، أسعد الزعبي ومحمد علوش، وإدخال عناصر من مجموعتي القاهرة وموسكو (ويقال مجموعة حميميم أيضاً التي تمثل أجهزة المخابرات السورية مباشرةً). هذا يعني عملياً الاستسلام الكامل لهذه «المعارضات» الهجينة أمام النظام. ليس السؤال هنا هل تقبل الفصائل المسلحة بوصول المفاوضات إلى هذا الدرك من الاستسلام، بل هل تقبل الدول الداعمة لها بتحطيمها على يد النظام وروسيا وإيران، وبمباركة أمريكية؟

إلى ذلك تثير معركة تحرير الرقة من داعش على يد القوات الكردية المتحالفة مع فصائل عربية رمزية، تحت مظلة «قوات سوريا الديمقراطية»، مخاوف جدية من ارتفاع منسوب التوتر الكردي ـ العربي، ليضاف إلى سوابق «تحرير تل أبيض» وضمها إلى فيدرالية «الأمة الديمقراطية» الأوجالانية. وينطبق الأمر نفسه على ما يحدث الآن في ريف حلب الشمالي، وخاصةً في مارع، كما ينطبق على ما يخطط لـ»تحرير» منبج وجرابلس من داعش.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

معركة الرقة والرسائل الأميركية/ خورشيد دلي

لم تثر معركة من الجدل والنقاش مثل معركة الرقة، مع أنها لم تبدأ عملياً، فالضجة الإعلامية التي أثارها إعلان قوات سوريا الديمقراطية تحريك قواتها باتجاه معقل “داعش”، أضافت غرابةً وتساؤلات، وحركت هواجس خامدة كثيرة في داخل سورية وخارجها. بدأت المعركة صوتياً بعد سلسلة زيارات لمسؤولين أميركيين إلى المناطق الكردية في شمال سورية، إذ سبق إعلان قوات سوريا الديقراطية تحركّها على محور عين عيسى إلقاء طائرات أميركية مناشير فوق مدينة الرقة، تدعو السكان إلى مغادرة المدينة، والابتعاد عن مقار “داعش” ومراكزها، لكن الأيام القليلة التي تلت كشفت أن هذه المعركة افتراضية أكثر مما هي حقيقية، وأن معركة تحرير الرقة التي هي معركة حياة أو موت لداعش لا يمكن أن تكون بهذا الشكل، من حيث عدد القوات ونوعية الأسلحة والخطط العسكرية والجهات المشاركة.

من دون شك، معركة الرقة استراتيجية، لا لأنها معقل تنظيم داعش وعاصمته في سورية، بل لأن جغرافية الرقة حيوية ومهمة لمجمل سورية، وحتى العراق وتركيا، إذ إنها تربط بين خمس محافظات سورية (الحسكة، ديرالزور، حماة، حمص، حلب). وعملياً السيطرة عليها تعني السيطرة على شبكة الطرق وخطوط المواصلات ونهر الفرات ومنشآت نفطية ومحطات لتوليد الطاقة عديدة، كما أنها مهمة للمعارك الجارية في العراق ضد “داعش”، بسبب الترابط الجغرافي بين الرقة والموصل، حيث خطوط الإمداد وانتقال المقاتلين، كما أنها حيوية لتركيا التي تنظر بحذر شديد إلى الصعود الكردي في سورية وتطلعات الكرد إلى ربط مناطقهم في القامشلي وكوباني وعفرين جغرافياً، استكمالاً لإقامة إقليم كردي مجاور جغرافياً لتركيا.

قبل الحديث عن الرسائل الأميركية من هذه المعركة، ثمّة من يتحدث عن إشكالياتٍ تشوب القوى المشاركة في المعركة، إذ إنه على الرغم من الرهان الأميركي على قوات وحدات حماية الشعب، التي تشكل العماد الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن واشنطن تبدو حذرة من دخول القوات الكردية إلى مدينة الرقة، كي لا تحدث حروبٌ وصراعاتٌ بين الكرد والعرب، خصوصاً وأن مجتمع الرقة قبلي. وعليه، تحدثت مصادر عديدة عن تجهيز نحو خمسة آلاف مقاتل عربي سيتولون هذه المهمة، فيما ستقوم القوات الكردية بدور الإسناد والدعم. ومن جهة ثانية، ربط الكرد مشاركتهم في معركة الرقة بنوعٍ من الاعتراف الأميركي بالفيدرالية التي أعلنوها، وقد طرح وفد كردي من الإدارة الذاتية زار واشنطن أخيراً هذا المطلب، فضلا عن طلب دعم أميركي قوي لإشراكهم في مفاوضات جنيف، فيما لا تبدو واشنطن مشجعة أو على الأقل واضحة إزاء المطالب الكردية هذه. وفي جميع الأحوال، يبدي الكرد رغبوية فائقة لهذه المعركة، لقناعتهم بأن السيطرة على الرقة ستسهل لهم تحقيق تطلعاتهم. لكن، أبعد من هذه الإشكاليات، ثمّة من يرى التحريك الأميركي لمعركة الرقة انطوى على جملة من الرسائل، الأولى لروسيا، والتي بدت أنها فوجئت، فسارعت إلى إعلان الاستعداد للمشاركة فيها، ولتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية التي ربطت موقفها بموافقة الحليف الأميركي، الذي يبدو أنه أراد القول للروس إنه موجود عسكرياً على الرقعة السورية، وقادر على خلط عناصر القوة الروسية، وإن عليهم التعاون في إخراج سيناريو جنيف إلى بوابات التوافق من خلال الضغط على النظام. وكانت الرسالة الثانية موجهة لتركيا، مفادها بأن المتغيرات الداخلية التركية لا ينبغي أن تدفع أنقرة إلى الخروج عن القواعد السابقة على طرفي الحدود، والقيام بعمل عسكري، بعد أن لوحت أنقرة بذلك مراراً، في ظل إحساسها بأن كلفة الانتظار باتت أكثر من كلفة تدخل عسكري محدود، يغير من قواعد اللعبة، ولعل الرسالة الثالثة والأخيرة كانت موجهةً للداخل الأميركي، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، والمؤشرات التي توحي بأن المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، هو الذي سيواجه الديمقراطيين في سباقٍ إلى البيت الأبيض، مما يعني أن إدارة أوباما باتت تنظر بأهمية إلى معركة الرقة كإنجاز ينبغي أن يتم تسخيره في معركة الانتخابات الرئاسية. وعليه، ثمّة من يرى أن معركة الرقة مؤجلة فعلاً، إلى حين موعد الانتخابات الأميركية، وأن ما جرى حتى الآن كان أقرب إلى حربٍ إعلاميةٍ تحضيرا للمعركة الحقيقية.

العربي الجديد

 

 

 

 

فواتير الرقة/ امين قمورية

الرقة في سوريا مثل الموصل في العراق، من أقوى معاقل “داعش”، وسيطرة التنظيم عليها يعني سيطرته على المقلب السوري من الحدود الجنوبية مع تركيا . واشنطن دفعت بـ”قوات سوريا الديموقراطية” لانهاء حكم “الخلافة” في “عاصمة البغدادي”، والعنصر الكردي يهيمن على عديد هذه “القوات”، في حين ان غالبية سكان المدينة من العرب الذين عليهم ان يختاروا بين ارهاب “داعش” والخضوع للحماية الكردية… وفي كلتا الحالتين مشكلة!

وعلى رغم ان الاكراد لا يستسيغون القتال في مناطق غير كردية لئلا يجدوا انفسهم في مستنقع، فان لا مصلحة لحزبهم السياسي الكبير “العمال الكردستاني” في الخروج عن المشيئة الاميركية في ظل لعبة الامم الدائرة على الارضين السورية والعراقية، فمن يشارك الكبار في لعبتهم يضمن حصة من الفتات عند تقاسم الكعكة على موائد المفاوضات أو التسويات. فبينما تريد “قوات سوريا الديموقراطية” السيطرة على الرقة بدعم أميركي، سيسعى جيش النظام السوري الى اخراج “داعش” من دير الزور. وهكذا، المقايضة بين الكبار قائمة بينما الصغار يسعون الى حصص مضمونة. فاذا نجحت العملية في الرقة تكون “وحدات حماية الشعب” الكردية أحكمت سيطرتها على المناطق الواقعة شمال الرقة وضمنت لنفسها معبراً حدوديا الى قلب عدوتها اللدود تركيا، على ان تترك قلب المدينة للعناصر العربية في قوات سوريا الديموقراطية”. وفي المقابل، يضمن دخول الجيش السوري دير الزور لدمشق وحلفائها طريقا مفتوحا من طهران الى سوريا الساحل والعاصمة عبر العراق.

هذا اتفاق اللحظة، ولا يعني اطلاقاً ان وقت الوئام الدولي لانجاز تسوية كبرى في سوريا قد حان، فالتباين بين الكبار لا يزال على أشده. إدارة أوباما التي اخفقت في التفاهم على التسوية الكبرى مع الكرملين، تشعر بالحاجة إلى إنجاز في حربها على الإرهاب لعل ذلك يبدل في المشهد السوري ويغطي على دورها الملتبس الذي ساهم في استعصاء الأزمة. ولعل مساهمتها في تحرير الرقة والفلوجة يفتح الطريق إلى الموصل ويخطف من موسكو بريق استعادتها تدمر ويعيد الى من يخلفها في البيت الابيض دور الراعي الاكبر في المنطقة. وواضح أن روسيا تواجه بدورها معضلة في تدخلها العسكري الذي توقف عند أبواب حلب وادلب ولم يعطها الكلمة الاخرى في بلاد الشام. وهي أيضاً تبحث عن انجاز يمكن ان تستثمره في التعجيل في التسوية التي تريدها وتمنحها الحصة الاكثر دسماً في سوريا أو تعطيها ورقة رابحة في صراعها مع “الناتو”.

ما يدور في شمال سوريا لا يزال في اطار إدارة للصراع وليس حلاً له، فالفواتير لم تدفع كاملة بعد!

النهار

 

 

 

معركتا الفلوجة والرقة بداية رسم الخرائط؟/ جورج سمعان

لا صوت يعلو على صمت المعركة. معركة تحرير الفلوجة والرقة، عاصمة «خلافة أبي بكر البغدادي». «داعش» يواجه استحقاقين حاسمين تواكبهما الولايات المتحدة بدعم جوي واضح وتدخل بري محدود، خصوصاً في المدينة السورية. وإذا توافر النجاح في استعادة المدينتين سيخسر التنظيم الكثير ولن يبقى أمامه سوى الاستعداد للدفاع عن الموصل مستقبلاً. وتفعيل خططه الأرهابية بعمليات انتحارية وتفجيرات كان بدأها في بغداد. أو بعمليات مفاجئة لإرباك خصومه السوريين، مثلما رد على الحملة التي بدأت بريف الرقة الشمالي لقطع تواصله مع مواقعه في جرابلس ومنبج. فقد باغت الفصائل المقاتلة والإسلامية في ريف حلب الشمالي. وطردها من مواقع وقرى. وبات يحاصر مدينتي مارع وأعزاز، آخر موقعين للمعارضة على الحدود مع تركيا. وعلى رغم اختلاف الظروف المحيطة بالمعركتين، إلا أن هناك عناصر متنافرة وأطرافاً عدة وأهدافاً سياسية مختلفة تشكل ديناميات ستؤثر في مآل الحرب على الإرهاب، وعلى مستقبل الدولة في كل من العراق وسورية، وليس النظامين فحسب.

جاء توقيت معركة الفلوجة في ظروف سياسية وأمنية دقيقة يمر بها العراق. فقد أثبتت التفجيرات التي شنها التنظيم الإرهالبي في بغداد وحجم الضحايا الكبير عجز القوى الأمنية والعسكرية عن حماية العاصمة. مثلما أثبت اقتحام المتظاهرين المنطقة الخضراء عجزاً آخر لها، إضافة إلى عجز القوى السياسية عن الخروج من حال الاستعصاء الذي تجلى في فشل رئيس الحكومة حيدر العبادي في تمرير إصلاحاته وتشكيلته بعيداً عن المحاصصة. وفي تصاعد الصراع بين القوى الشيعية، وداخل صفوف «حزب الدعوة»، أكبر هذه القوى. هذه التطورات شكلت تأكيداً دامغاً لتهاوي النظام السياسي القائم على توزيع المغانم منذ 2003. وقد اصطدمت محاولات الخروج من هذا النظام بعناد طبقة سياسية وحزبية لم يعد بمقدور العراقيين تجاوزها أو القفز فوق مصالحها في أي عملية إصلاح حقيقية كما يطالب المتظاهرون. ناهيك عن الشرخ المذهبي الذي يتعمق يوماً بعد يوم. والتأثير الإيراني المتنامي. وعودة الولايات المتحدة تحت لواء محاربة «داعش» وقيادة التحالف الدولي.

وكان اندلاع التظاهرات في العاصمة ومحافظات جنوبية تعبيراً عن غضب شعبي عارم لم يعد مقصوراً على المحافظات السنية التي نالت نصيبها بعد انتفاضات 2013. ووجدها السيد مقتدى الصدر فرصة، فدفع بتياره إلى حضن المتظاهرين. وهو ما فاقم الصراع داخل الصفوف الشيعية، وهدد لحمتها و… ومستقبل ميليشياتها و»حشدها». وهكذا كان لا بد من استعجال معركة الفلوجة. إنها فرصة ليستعيد العبادي زمام المبادرة، فيصرف العراقيين عن ساحة التحرير والمنطقة الخضراء. ويغطي فشله في تمرير حكومة التكنوقراط العصية على الولادة. وفرصة لململة أشلاء البرلمان. ومناسبة للقوى الشيعية من أجل إعادة رص صفوفها خلف «الحشد الشعبي»، وتعليق خلافاتها في مواجهة معركة مصيرية مع الإرهاب. وتأكيد حضورها مجدداً بعد غياب عن معركة تحرير الرمادي والرطبة. ذلك أن انكفاءها عن هذه الحرب سيعزز موقع القوات النظامية. وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة، ولا يروق لإيران التي سارعت إلى تظهير الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في مقدم الصورة مع قادة «الحشد». فالصراع بين واشنطن وطهران مفتوح. وتسعى الأخيرة إلى الحد من استثمار «شريكها» الأميركي في بغداد نتائج الحرب على الإرهاب، ومنعه من توكيد تأثيره أوتعديل موازين القوى على الأرض، بدعمه قوى سنية وعشائرية، وحتى شيعية تناصب طهران العداء.

في ضوء ذلك، حرصت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على تأكيد رفضها دخول «الحشد» الشعبي المدينة بعد تحريرها. وأعلنت أنها لا تقدم غطاء إلى الميليشيات. وهو ما حرص عليه العبادي أيضاً، إذ اصطحب معه إلى غرفة عمليات الفلوجة رئيس البرلمان سليم الجبوري ورئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم وآخرين ليؤكد «الوطنية العراقية» التي تجمعت في المعركة، على حد قوله، وإبعاد أي صيغة مذهبية عنها. كما أن قائد «فيلق بدر» هادي العامري صرح بحضور رئيس الوزراء، وإلى وفد من مشايخ الأنبار بأن «الحشد» سيترك للجيش عملية اقتحام المدينة وسيشارك في تطويقها فقط. ولن يدخلها إلا إذا فشل هجوم القوات النظامية. لكن ذلك لم يبدد المخاوف. فهناك قوى تصر على اتهام أهالي المدينة بأنهم «داعشيون»، وترغب في خوض المعركة كأنها مواجهة مع أهل السنة في مدينة يشكل هؤلاء غالبيتها العظمى. كما أن تنظيم «الدولة» استعجل عشية المعركة صب مزيد من النار لتعميق الصراع المذهبي. وشن سلسلة عمليات إرهابية في بغداد (11 و17 أيار/ مايو) وأحيائها الشيعية مخلفاً مئات الضحايا بين قتيل وجريح.

إن تحييد «الحشد الشعبي» عن دخول الفلوجة يشكل تحدياً لحكومة العبادي وللقوى السياسية كافة، وكذلك للولايات المتحدة. فالمدينة سنية. و»الحشد العشائري» المشارك في الحملة لا يقارن عديده بالميليشيات الشيعية التي تشكل القوة الميدانية الأكبر. وفي ذاكرة العراقيين تجارب مريرة بعد تحريرالميليشيات نواحي من «داعش» قبل نحو سنة. فقد كان نصيب تكريت بعد استعادتها تهجيراً وإحراقاً لمنازل بعد نهبها. ولا ضمانات فعلية لعدم تكرار هذا السيناريو في الفلوجة. وقد حذرت دوائر أميركية من أن يؤدي الجو السياسي المحموم المحيط بالمعركة في ظل الصراع السني – الشيعي، إلى تعميق الانقسامات السياسية والمذهبية التي يستحيل بعدها رتق الشروخ في وحدة العراق. وعندها لن تكون واشنطن بمنأى عن تحمل تداعيات ما قد يحدث، ليضاف إلى سجل إخفاقاتها وأخطائها المميتة في بلاد الرافدين. أو بمنأى عن غضب قوى إقليمية عربية لم تعد تثق كثيراً بإدارة الرئيس باراك أوباما. لذلك يبقى الأهم من تحرير المدينة هو إعداد القوة التي ستملأ الفراغ الذي سيخلفه تحريرها.

ولا يختلف المشهد بتوقيته ونتائجه في معركة الرقة عنه في الفلوجة، على رغم اختلاف الظروف والعناصر والديناميات. فإدارة أوباما التي تشعر بإخفاق التفاهم على التسوية السورية مع الكرملين، تشعر بالحاجة إلى إنجاز في حربها على الإرهاب لعل ذلك يبدل في المشهد السوري. ويغطي على دورها الملتبس والانكفائي الذي ساهم في استعصاء الأزمة. وهي رفضت وترفض عرض موسكو المشاركة والتنسيق في المعركة. تريد أن تستأثر بالانجاز. فلا يظل الحديث عما حققه الروس وقوات النظام السوري في باستعادة تدمر. ولا ترغب بالتأكيد في أن يعود النظام وحليفه الإيراني إلى الرقة. بل هي حريصة على أن تختم عهدها ليس فقط بقتل زعيم «طالبان» الملا منصور، بل بتحرير «عاصمة الخلافة» والفلوجة أيضاً في الطريق إلى استعادة الموصل. وحريصة أيضاً على تقديم ما يخدم معركة الحزب الديموقراطي في انتخابات الرئاسة. لكن الصورة تبدو مختلفة في أمكنة أخرى معنية. فقد دان الرئيس رجب طيب أردوغان الدعم الأميركي للكرد. وكان وزير خارجيته مولود جاوش أوغلو أخذ على واشنطن «الكيل بمكيالين»، لأنها تدعم «وحدات حماية الشعب» الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديموقراطي. وهو حركة تتهمها تركيا بأنها إرهابية. واتهم المسؤولين الأميركيين بـ «النفاق» لأنهم لم يلتزموا تعهداتهم عدم الاعتماد او التعامل مع هذا الحزب.

وواضح أن روسيا تواجه معضلة في تدخلها العسكري الذي لم يعطها الكلمة الوحيدة في بلاد الشام، وتوقف عند أبواب حلب وإدلب وغيرهما. وهي الأخرى تبحث عن انجاز. لذلك تدعم «قوات سورية الديموقراطية»، أولاً نكاية بتركيا. وثانياً لدفع مشروع الفيديرالية واقعاً على الأرض. وثالثاً لعدم رغبتها ربما في سيطرة القوى الموالية لإيران على الرقة. فهي تشعر بأنها ليست قادرة على استثمار الورقة السورية في صراعها مع «الناتو» عموماً. مثلما تواجه صعوبة في التزام تعهداتها مع الولايات المتحدة وأوروبا في شأن الهدنة والحل السياسي لإخفاقها في الضغط على دمشق. فهي تشعر بأن الرئيس الاسد يفيد من التنافس بينها وبين طهران، مستفيداً من تمسك الأخيرة به عنصراً أساسياً للحفاظ على مصالحها في هذا البلد وفي لبنان. في حين أن روسيا تكرر باستمرار أنها لا تتدخل من أجل حماية النظام أودعمه ولا يهمها بقاء الأسد أو رحيله، بقدر ما يهمها الحفاظ على الدولة. وبذلك تحافظ على مصالحها. خلاف ذلك يعني تحول آلتها العسكرية في بلاد الشام إلى خدمة المشروع الإيراني. مما يضعها في مواجهة المنطقة وأهل السنة عموماً.

والمشكلة في الرقة أن الولايات المتحدة تتذرع بأن لا قوى على الأرض أفضل من قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الذي أفاد منذ اندلاع الأزمة في توسيع رقعة حضوره في مدن وقرى تضم عرقيات متنوعة. وقد اتهم بتطهير كثير من المواقع في ريف دير الزور والحسكة وحلب. ولا شك في أن اندفاعه نحو الرقة وهو يعلن أنه سيضمها إلى الإقليم الكردي يثير حساسية كبيرة في أوساط العشائر العربية. وفي أوساط المعارضة والنظام أيضاً. صحيح أن تحرير الرقة صار مطلباً محلياً وإقليمياً ودولياً، وأن ثمة فصائل عربية وتركمانية وسريانية في صفوف «قوات سورية الديموقراطية»، إلا أن الغلبة الطاغية والكلمة الفصل تبقى لقوات الحزب الكردي. ولا شيء يبدد مخاوف أهالي المدينة من أعمال انتقامية ينفذها الكرد. ولا يُعرف كيف سيتمكن الحزب من إدارة منطقة ستتحول محط نزاع عرقي. فهل يتحول الإقليم الكردي منطقة آمنة، ولكن ليس على قياس تركيا التي قاومها الجميع وحال دون طموحها إلى انتزاع منطقة من سورية تحشر فيها اللاجئين بعيداً عن أراضيها، وتكون لها ورقة مساومة يوم يحين رسم مستقبل سورية؟ هل ينطلق هذا المستقبل والخريطة الجديدة للمنطقة كلها من مستقبل الرقة والفلوجة حيث يصعب التكهن بمدى صمود «داعش» فيهما؟… معركة كوباني استغرقت وقتاً طويلاً وكلفت الكرد ضحايا ودماء ودماراً!

الحياة

 

 

 

 

محاربة «داعش» وتوظيفه في تسويات سورية والعراق/ عبدالوهاب بدرخان

تثير معركتا الفلوجة والرقّة جدلاً متوقعاً ومشروعاً، حتى لو اتخذ طابعاً طائفياً مؤسفاً، فهذا هو المنطق الذي فرض نفسه في الأعوام الأخيرة، حين راحت الصراعات الأهلية تتطيّف، وبالأخص حين دخلت الولايات المتحدة وروسيا كطرفين في هذه الصراعات ومنحازَين صراحة أو ضمناً إلى جانب إيران في مشروعيها للهيمنة بميليشياتها الطائفية على العراق ثم على سورية ولبنان. إذ لا تمكن إهانة عقول الناس في مناطق سيطرة تنظيم «داعش»، والمتعاطفين مع معاناتهم، باعتبارهم مجرّد حاضنين لتنظيم إرهابي لم يكن لهم دور في استيلاده وتسليحه، أو بالقول إنهم مخيّرون في الفلوجة بين «داعش» وميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية التابعة لإيران ومخيّرون في الرقة بين «داعش» وميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكرديّة التي تدين بوجودها للنظامين السوري والإيراني. وبالتالي لا يمكن توقّع أن يفهم السوريون والعراقيون محنتهم بأنها مجرّد «ارهاب» مرفوض دولياً، أو أن يتفهّموا جعلهم بدورهم مرفوضين ومكروهين وهو قتلهم ويقتلهم قبل/ وأكثر مما يقتل سواهم، وكانوا رأوا بالأعين المجرّدة وأدركوا بالتجربة المباشرة مَن فتح الطرق لـ «داعش» كي يدخل إلى مدنهم وقراهم. ولذلك يصعب أن يميّزوا بين من استدعش مناطقهم وبين من يدّعي الآن أنه آتٍ لتحريرهم، ويصعب أن يستوعبوا أن قتلهم وإذلالهم بأيدي «داعش» وصانعيه ومحاربيه في آن.

قبل أيام، فيما باشرت ما تسمّى «قوات سورية الديموقراطية»، تمويهاً لتسميتها الصحيحة كـ «قوات كردية»، شنّ هجمات منظمة لانتزاع مناطق من «داعش» في ريف الرقّة الشمالي، وبدأت التموضع تمهيداً لاقتحام المدينة – «عاصمة دولة الخلافة» – فإذا بالتنظيم يدفع بمجموعات كبيرة من مقاتليه غرباً بهدف الوصول إلى أعزاز بعد مارع في ريف حلب الشمالي، ثم السيطرة على معبر التواصل الأخير بين تركيا والمعارضة في حلب. كانت موسكو طلبت علناً تسكير هذه البوابة، وقبل ذلك كان نظام بشار الأسد والإيرانيون من اعتبرها «سبب» استمرار الأزمة. لماذا أقدم «داعش» على هذه الخطوة ومَن كان يخاطب؟ من الواضح أن الهجمات التي يتعرّض لها شمالاً لم تقلقه، وبالنسبة إلى قوى المعارضة الموجودة على الأرض لم يكن هناك أي غموض: فالتنظيم الإرهابي ونظام الأسد لا يزالان يتخادمان. فأي قتال بينهما يُكسب كلاً منهما «شرعية» يريد التنكّر بها، النظام في إثبات مواجهته لـ «الإرهاب»، و»داعش» في سعيه إلى تأكيد جدّية مشروع «دولته». هذه المعادلة التصادمية – التهادنية لم تقطع سبل «تنسيق» بينهما، كان بإشراف ضباط أسديين وايرانيين ثم دخل عليه الروس في شكل غير مباشر، إذ لا تزال واقعة تدمر طريّة في الأذهان، حين تمكن «داعش» من الانسحاب بآلياته وأسلحته وبرعاية غطاء جوي روسي. هناك وقائع كثيرة سابقة، من بينها مثلاً سيناريو تسليم مركز الرقّة إلى «داعش»، أو تدخّل مسؤولين من استخبارات النظام لحل إشكال أدى إلى مواجهات دامية بين التنظيم والميليشيا التــــابــــعة لـ «حــــزب الاتحاد الديموقراطي» بزعامة صالح مسلم الذي تريد موسكو تمثيله في وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف.

بين نظام دمشق الذي لا تعترف الولايات المتحدة بشرعيته والمعارضة التي لا تعترف بأي من فصائلها ولا حتى بـ «الجيش الحر» أو المقاتلين الذين درّبوا بمعرفتها لدى دول صديقة أو بإشراف وكالة «سي آي اي» ارتأى الأميركيون أن يعتمدوا على الأكراد وعلى مجموعة محدودة العدد استُخدمت لخلع صفة «العربية – الكردية» على «قوات سورية الديموقراطية». لكن الجميع بات يعرف أن هذه «القوات» كردية وكذلك قيادتها وأن الأميركيين يعوّلون عليها لـ «تحرير الرقة»، ولذلك قال غريب حسّو، أحد ممثلي «حزب الاتحاد» إن «من المنطقي أن تنضمّ المدينة بعد تحريرها تلقائياً إلى النظام الفيديرالي»، الذي يعمل الأكراد على إنشائه في شمال سورية. من الواضح لكثيرين، لا سيما للعرب والروس والأتراك، أن هذه الصيغة العسكرية – السياسية التي اختارتها أميركا لبتّ مصير الرقّة تسلخها عملياً عن خريطة سورية وتؤسس بها لصراع عربي – كردي، فضلاً عن أنها لا توحي بجديّة فعلية للقضاء على «داعش» بل ربما تفتح أمامه فرصاً للاستمرار بصيغ مختلفة، وهي تذكّر بأن الأميركيين تحدثوا دائماً عن إضعافه، أكثر مما تحدثوا عن إنهاء وجوده.

والواقع أن تحليل «الحرب على داعش»، كما قادتها أميركا حتى الآن، من دون معالجة الأزمات التي أدّت إلى ظهوره سواء في سورية أو في العراق، يبيّن أمرين: الأول أن وجود وباء الإرهاب وليس غيابه يحقّق مصلحة أميركية، والثاني أن محاربة الإرهاب تمكّن واشنطن من ضبط إيقاع المنطقة وتحديد أدوار الدول فيها، بما في ذلك روسيا التي فشلت كلّياً في طرح معايير مختلفة عن تلك الأميركية، لا في التعامل مع ملف الإرهاب ولا في حل الأزمة السورية. ولعل الأخطر أن تلك الحرب، بمحدداتها السياسية التي وضعتها القيادة الأميركية لـ «التحالف الدولي»، لا تساعد الدول والحكومات المعنية في المنطقة على تجاوز الإرهاب بعد «إضعافه»، بل تبقي مجتمعاتها في مواجهة ومعاناة دائمتين مع موجاته المرشحة للتجدّد مستمدّة وقودها من عوامل عدة. ذاك أن الصراعين السنّي – الشيعي والكردي – العربي يدوران في بيئة أفسدتها إيران بتهميش الجيوش والمؤسسات الأمنية الوطنية لمصلحة الميليشيات التي أنشأتها. ثم أن هذه الميليشيات اكتسبت «مشروعية» بفعل تعامل الأميركيين والروس معها كقوى أمر واقع، وهو ما ظهر بفجاجة في غضّ النظر أميركياً عن مشاركة ميليشيات «الحشد» بقيادة قاسم سليماني في معركة الفلّوجة، كما يظهر في تلاقي الأميركيين والروس والإيرانيين ونظام الأسد على دعم الميليشيا الكردية مع علمهم بخطورة أنشطتها الانفصالية أو بالأحرى تأييداً لهذه الانفصالية. وجميع هؤلاء يدّعون محاربة «داعش» ويوظّفونه في مشاريع لتغيير الديموغرافية والجغرافية ورسم حدود ما بعد «سايكس – بيكو».

تدافع روسيا وايران عن نظام الأسد وتعترف أميركا لهما بهذه الأفضلية، وتدافع أميركا وإيران عن النظام العراقي وتعترف روسيا لهما بهذه الأفضلية. في الحالين يبدو السوريون موالين ومعارضين، والعراقيون شيعةً وسنّةً، كمَن فقدوا أي تأثير في مستقبل بلدهم. فمَن يأخذ الرقّة يطلق رصاصة الرحمة على سورية الموحدة، كذلك مَن يأخذ الفلوجة يتحكم بصيغة الفدرلة العراقية، و«الفضل» في الحالين لـ «داعش» ذريعة ووسيلة. لا تزال لنظام الأسد فسحة يتظاهر فيها بأنه يحكم، فيما يتصرّف الروس والإيرانيون ميدانياً كأنه غير موجود. أما صورة حيدر العبادي وهو بين يدَي هادي العامري فلا تعني شيئاً آخر غير أن سلطة الميليشيا تبقى أعلى من الحكومة وأي سلطة أخرى، ففي يوم غير بعيد كان العبادي يستقوي بمرجعية علي السيستاني لكن دعوات المرجع إلى عدم الاستباحة في الفلوجة بقيت بلا صدى، فالميليشيات وُجدت أساساً للانتهاكات.

كل السيناريوات التي حاولت تصوّر حلول ما في سورية أو في العراق كانت تشير إلى لحظة فارقة غير محددة المعالم، كإعلان توافق أميركي – روسي أو توافق أميركي – إيراني، غير أن أيّاً منها لم يتوقّع أن يكون «تحرير» المدن المستدعشة هو تلك اللحظة. كان الظن أن «داعش» حال شاذة يتنافس فيها الغباء مع الخطورة ولا يمكن بناء حلول دائمة عليها، فهو لا يعبّر عن المجتمع وحركة التاريخ، وليست لديه مشاريع ورؤى للمستقبل. لكن المتدخّلين الكبار وجدوه فرصة سانحة للعبث بخرائط طرأت عليها تغييرات تنتظر من يعترف بها.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

“بازار” المجزرة السورية/ زهير قصيباتي

معركة الرقة تُمدِّد عمر النظام السوري، ولا تُحسَم ببضعة أسابيع. أغلب الظن أن معظم الأثمان سيدفعها المغلوبون على أمرهم، المحاصَرون بين ظلم النظام وجنون «داعش».

معركة الفلوجة تمدِّد لحكومة حيدر العبادي فترة السماح للمضي في الإصلاحات التي تقاومها القوى الحليفة لإيران، بالدرجة الأولى.

تصر إيران على «المساعدات الاستشارية» التي تقدِّمها لدمشق وبغداد. لنظام دمشق «المظلوم» في مواجهة «الإرهاب» والشعب الظالم(!)… لا الشعب ولا الضحايا في حسابات الخطاب الإيراني، أو في بيانات الكرملين ووزارة الدفاع الروسية التي لا تعترف بسقوط مدنيين أبرياء قتلى بعد غارات طائراتها.

تبخَّر مسار جنيف الذي أوحت واشنطن بممارستها ضغوطاً على موسكو لدفعه وإنهاء نكبات السوريين في الداخل والخارج، وأوحى الكرملين بأنه ينأى عن نظام بشار الأسد من أجل تسريع تسوية. تبخُّر كل الرهانات على تقاطع مصالح أميركية- روسية قد يبرِّد الجحيم السوري، فلا موسكو مهتمة بمصير السلام والمرحلة الانتقالية، ولا أحلام باراك أوباما تتجاوز المبارزة مع «داعش»، وتحقيق انتصارات على التنظيم، لتجييرها إلى الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون.

في بازار المبارزة، يتبارى القيصر والبيت الأبيض في إحصاء قتلى «داعش»، يتوارى الحديث عن لوائح «الفصائل الإرهابية» بين المقاتلين المعارضين، الجميع في كفة واحدة لتغليب كفة النظام، والضحايا المدنيون مجرد أرقام ترتفع.

وبين مسار جنيف وطموحات فلاديمير بوتين وأوباما، لـ «المستشار» الإيراني أن يفعل ما يشاء، دفاعاً عن «المظلوم» الذي لا يكون إلا نظام الأسد!

واضح أن إيران تسلّم بكذبٍ تفتعله لتبرير سياساتها، فيما واشنطن التي ارتضت تسليم العراق إلى «الحرس الثوري» تصمت إزاء دوره في سورية، خصوصاً فتح فصول جديدة من المجازر.

والأكيد أن الأصابع الإيرانية تبدي مقاومة شديدة لأي جهد يُبذل من أجل تسويات تخمِد الحرائق الكبرى في المنطقة، بدءاً بسورية مروراً بالعراق، وانتهاء باليمن. فلا قطار الكويت يتحرّك إلى حل متوازن وقرارات للحوثيين تعترف بالشرعية، ولا قطار جنيف يقلع إلا محمّلاً بمزيد من جثث السوريين، بدلاً من المفاوضين.

فلنستمع إلى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني يبرر مجدداً دعم طهران «محور المقاومة» في مواجهة «محاولات الأعداء لإسقاط دمشق وبغداد». وبعدما «فشل الاستكبار العالمي في تحقيق أهدافه عبر احتلال البلدان، مثل العراق وأفغانستان»، لا دور لإيران فيهما إلا «لدعم الاستقرار»، بدليل ما نراه من ازدهار واستقرار في بلاد الرافدين.

مساندة إيران «المقاومة»، يقول شمخاني تنطلق من مبادئ الثورة والدين «فالوقوف إلى جانب الحق واجب شرعي، ومساندة المظلوم وظيفة دينية وأخلاقية، يجب القيام بها، مهما كان الثمن». هكذا يُبَرَّر عدم تخلي طهران عن دعم النظام السوري باعتباره «وظيفة دينية» أيضاً، ولو كان الثمن ربما إبادة نصف الشعب المنكوب. ألا يقاوم هذا النظام «التكفيريين والإرهاب»؟ تضليل يدمج السياسة والأطماع بالعقائد، ولأن حقبة الظلام طويلة، لا يضير «الجمهورية الإسلامية» في محاولاتها لصرف الأنظار عن أهدافها البعيدة في سورية، أن لا تهدّئ مع السعودية، وأن تواصل تحريض الحوثيين على إهدار الوقت في مشاورات الكويت، وتحريض المعارضة في البحرين، بانتظار مرحلة «إنهاك الخصوم»، وفرض دور إيراني في التسويات.

لا يضيرها أيضاً أن يطغى على وقائع المجزرة الرهيبة في سورية، التصعيد الروسي ضد تركيا، بعدما لوّح بوتين بالحرب معها، وهو «يأمل بتفاديها». من مصلحة طهران أن يتدخّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فجأة ضد الدور التركي في العراق، خصوصاً في الشمال لئلا يخطف من وهج قاسم سليماني ودوره «الاستشاري».

وإذا كان واضحاً أن فترة عصيبة تنتظر الدور الإقليمي لتركيا، في ظل أزمة ثقة بين أنقرة وواشنطن التي تدعم أكراد سورية، في المقابل لا يمكن الاتكاء على «اعتراف» هاشمي رفسنجاني بصعوبة استمرار التورُّط الإيراني في سورية والعراق ولبنان وأفغانستان، ولا اعترافه بخلافات بين أجنحة السلطة في طهران. فمنذ عهد محمود أحمدي نجاد، استُخدِم الترويج لخلافات الداخل أداة للتغطية على أدوار «خفية» في الخارج، ولإسكات أي صوت يشكّك بـ «حكمة» القائد المرشد.

على مدى عشرات السنين، كان للعرب حيّز للمناورة تحت سقف صراع القطبين ثم الحرب الباردة… في حقبة المجازر، أكثر من سقف للتفاهمات الأميركية – الروسية، وأكثر من حلبة للتواطؤ الإيراني.

الحياة

 

 

 

 

تحرير الرقة… إنذار للأسد؟/ سعد كيوان

نحو الرقة دُر. فجأةً، ومن دون سابق إنذار، قرّرت واشنطن إطلاق معركة تحرير الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويقيم فيها حكم الشريعة منذ نحو ثلاث سنوات. لن تشن الهجوم، بطبيعة الحال، القوات الأميركية مباشرة، وإنما بالاستعانة بتحالف “قوات سوريا الديمقراطية” التي تؤلف “وحدات حماية الشعب” الكردية عموده الفقري، تحت غطاء جوي أميركي. وهي الوحدات التي تمرّست واستبسلت في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، في معركة تل أبيض القريبة من الحدود التركية، علماً أن الرقة ذات غالبية عربية، إلا أن الفصائل العربية في “قوات سوريا الديمقراطية” لا تبدو مستعدةً للمشاركة في الحملة.

فلماذا الرقة، وفي هذا التوقيت؟ تقع مدينة الرقة في وسط المحافظة التي تحمل اسمها، في شمال وسط سورية، شرق مدينة حلب. وكانت الرقة أول محافظة تسقط في أيدي “داعش”، من دون أن تدافع عنها عملياً كتائب الأسد، وهو تنظيم صنعه النظام، عندما قرّر عسكرة الثورة السلمية التي انفجرت في وجهه في 15 مارس/ آذار 2011، فاطلق سراح من أصبحوا في ما بعد قياديي “داعش”، مثل أبو محمد الجولاني وأبو محمد العدناني وغيرهما… ومنذ ذلك الحين، سادت حال من التواطؤ الفعلي وغير المستور، لم يقدم خلالها أي من الطرفين على مهاجمة الآخر، لا في الرقة ولا في غيرها، حيث تمدّد “داعش”، وحيث يوجد منذ ظهوره في نهاية 2011. ولم يطل قصف طيران النظام ولا براميله المتفجرة، يوماً، مواقع لـ “داعش”. وقد صب التنظيم المذكور كل جهوده لمقاتلة “الجيش الحر” وفصائل المعارضة الأخرى وكذلك “جبهة النصرة”، وحيّد، باستمرار، المناطق التي تسيطر عليها كتائب الأسد. وأخيراً، كانت معركة استعادة مدينة تدمر من أيدي “داعش” أكبر دليل على ذلك، إذ كشف نائب رئيس مجلس المحافظة أن تنظيم “الدولة الإسلامية” تمكّن من السيطرة على تدمر، بعد أن تلقت قوات النظام تعليماتٍ بالانسحاب وعدم التصدّي له، وبعدها شارك الطرفان في عملية تهجير أهل المدينة. والأمر نفسه حصل عندما شنّت كتائب الأسد في 27 مارس/ آذار الماضي هجوماً لاستعادتها بدعم روسي وإيراني.

قرّرت واشنطن التحضير لمعركة تحرير الرقة، عقب زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف إل. فوتيل، شمال سورية، للتنسيق مع مقاتلين أكراد تحضيراً للهجوم. وهو أكبر مسؤول عسكري أميركي يزور سورية منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011، إلا أن اللافت أكثر فأكثر هو عرض روسيا خدماتها، إذ أعلنت، على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، استعداد موسكو لتنسيق الجهود مع “الائتلاف الدولي”، ومع الأكراد من أجل تحرير الرقة من قبضة “داعش”.

فهل انتقلنا من مرحلة التنسيق السياسي والدبلوماسي إلى مرحلة التنسيق العسكري بين واشنطن

“موسكو ترغب في تحقيق حل سياسي تفاوضي، لا ممارسة لعبة الشطرنج قبل مغادرة أوباما” وموسكو، اللتين كانتا تقفان على طرفي نقيض، في بداية الصراع الدائر على مصير سورية، أم أن الحمية دفعت أوباما إلى إعادة النظر في موقفه، فقرّر خوض معركة إثبات وجود قبل مغادرة البيت الأبيض. أو الأصح أن أميركا قرّرت الكشف، بوضوح، عن أوراقها، واستكمال شهر العسل مع إيران عبر التقرب من ربيبها بشار الأسد، بذريعة محاربة الإرهاب؟

وبعيداً عن هذه الاحتمالات أو تلك، أين أصبحت معركة حلب التي حشد لها النظام، واندفعت إليها بقوة مقاتلات “سوخوي” بوتين، وارتكبت فيها أبشع المجازر، ودمرت خلالها أعرق المدن وأغناها تراثاً وتاريخاً؟ معركة صوّرت على أنها مفتاح الحسم للسيطرة على شمال سورية وإحكام القبضة على الحدود مع تركيا، من أجل قطع خطوط الإمدادات عن الإرهابيين والتكفيريين. وهذا يمهّد لفرض حل روسي- إيراني (بتواطؤ أميركي) على معارضةٍ مشرذمةٍ ومتناحرةٍ وعاجزة، ومتروكةٍ لمصيرها على طاولة مفاوضات شكلية في جنيف… فهل دفع فشل معركة حلب، أو تعثرها، باستراتيجيي الطرفين للبحث عن معركةٍ أخرى، سهلة المنال، ضد “داعش”، إلى درجة أن موسكو أعلنت أنها ستوقف عملياتها ضد جبهة النصرة، علماً أنها كانت ترفض مشاركتها في أي مفاوضات، باعتبارها تنظيماً إرهابياً.

نهج العقل الروسي المراوغ هو نفسه منذ تدخل عسكرياً في سورية، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، يقوم على فرض حل تحت الضغط العسكري. ولذلك، يجب دوماً تسخين الأرض، وتكثيف القصف في أثناء المفاوضات. ولا بد هنا من التذكير بأن بوتين كان قد تعهد بأن تدخله العسكري لن يدوم أكثر من ثلاثة أشهر. وفي نهاية الرابع، أعلن انسحاباً فولكلورياً لقواته غير ذي وزن. وها قد مضت سبعة أشهر على هذا التدخل و”الدب الروسي” يغرق أكثر فأكثر في أوحال المستنقع السوري. وكما في كل مرة، فشل تكتيك الضغط العسكري، لأن المعارضة رفضت الجلوس، في المرة الأولى، إلى الطاولة قبل وقف إطلاق نار شامل. وفي المرة الثانية، لأن الحملة العسكرية نفسها على حلب لم تنجح. وها هي موسكو تحاول إعادة لملمة “جنيف-3″، على الرغم من إعلان المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، عدم تفاؤله.

واذا كانت موسكو ترغب حقيقة في تحقيق حل سياسي تفاوضي، لا ممارسة لعبة الشطرنج على الرقعة السورية، قبل مغادرة أوباما ودخول رئيسٍ جديد عتبة البيت الأبيض، فإن العودة إلى جنيف يجب أن تتم على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على قيام مرحلة انتقالية، تمهّد لعملية انتقال السلطة. وبما أن واشنطن قد أعلنت، مراراً، أن المرحلة الانتقالية سيبدأ تطبيقها في شهر أغسطس/ آب، أي بعد شهرين، فلا مفرّ، بالتالي، من وضع حد لصلف النظام وتقليم أظافره، لإرغامه على الولوج إلى المرحلة الانتقالية بدون الأسد، وهو الذي حاول الاستحصال، في إبريل/ نيسان الماضي، على شرعيةٍ مزيفةٍ، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، عبر تنظيم الانتخابات-المهزلة التي أحرجت حتى القيادة الروسية نفسها. فهل يكون المدخل إلى تطويعه إطلاق معركة إخراج حليفه المضمر (داعش) من الرقة، خصوصاً وأن معركة حلب أثخنت الحليف الإيراني وذراعه الضارب، حزب الله، بالجراح. أم أنها مجرد مسرحية مضيعة للوقت، يتبعها ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة أخرى؟

العربي الجديد

 

 

 

 

هلال شيعي – كردي؟/ محمد ابرهيم

اعلنت موسكو اكثر من مرة انها تبحث مع واشنطن في تنسيق ضربات مشتركة ضد مواقع الإرهابيين، ونفت واشنطن اكثر من مرة وجود مثل هذا البحث. لكنهما، كما يبدو من تصريحات روسية اخيرة وصمت اميركي حيالها، ينسقان “فك الارتباط” بين قوى المعارضة “المقبولة” و”جبهة النصرة” تمهيدا لمواجهة مع الأخيرة تتولاها قوات النظام وحلفائه بغطاء جوي روسي.

هذه المعركة، التي سيكون مجالها على الأرجح في محافظتي إدلب وحلب، لها ما يقابلها في المعركة التي فتحتها “قوات سوريا الديموقراطية”، ذات الغالبية الكردية، وبغطاء جوي اميركي، في محافظة الرقة. هذا التقاسم للمهمات يبدو بديلا من العمليات المشتركة الأميركية – الروسية التي اقترحتها موسكو. وهو تطبيق عملي للشعار الروسي المعلن حول اولوية المعركة ضد الارهاب، والاولوية العملية لأميركا في محاربة “داعش”، مع توكيل للروس بـ”النصرة”، رغم ما يمكن ان ينجم عن ذلك كله من خلل في موازين القوى العامة بين النظام والمعارضة “المقبولة”.

في المعركة العامة ضد الارهاب تتقدم اذن القوات ذات العصب الكردي من ناحية، وتلك ذات العصب العلوي- الشيعي من ناحية اخرى، فيما ينقسم العصب السني– العربي بين ملتحقين بـ”داعش” و”النصرة”، ومعارضين مهمشين محتمين بالمظلة التي يؤمنها قرار وقف العمليات العسكرية المرعيّ اميركيا وروسيا.

والمعركة ضد الارهاب في سوريا توازيها المعركة المفتوحة في العراق من مدخل تحرير الفلوجة والاستعدادات المستقبلية لتحرير الموصل. ومع تمتع الادارة الأميركية باحتكار رعاية المعركة في العراق باسم الائتلاف الدولي تبدو القوى العاملة على الأرض شبيهة بتلك العاملة في سوريا. فالقوات الحكومية العراقية التي تشكل عصب القوات المقاتلة في الفلوجة هي تعبير عن الغلبة الشيعية على السلطة في بغداد، وقوات “الحشد الشعبي” الشيعية توازي المتطوعين الشيعة الداعمين لقوات النظام في سوريا. والدور المتوقع للسنة يقتصر على تولّي العشائر، بإصرار أميركي، الأمن الداخلي في المناطق التي يتم تحريرها.

في معركة الموصل المقبلة سيكون وزن الأكراد اساسيا، اذا لم يتفوّق على دور القوات الحكومية لأسباب جغرافية اقلا، بما يعيد منظر التحالف الكردي – الشيعي المرعي اميركيا منذ اطاحة صدام حسين، ويعيد انتاج المعادلات التي كانت في اساس تمدد “داعش” في سوريا والعراق.

هذا التوزيع العملي لساحات المعارك بين روسيا وأميركا يضيف للتأزم السني – الشيعي تأزما عربيا – كرديا. واذا اضفنا الى ذلك الموقف السلبي الاكيد للقوى الإقليمية السنية، وهي تشاهد تركيب هلال شيعي – كردي، يصعب توقع ان تبقى المعركة منضبطة كما يخطط لها “الراعيان” الدوليان.

النهار

 

 

 

 

ما بعد داعش: أسئلة اليوم التالي/ محمد أبو رمان

تشهد هذه الفترة ازدياداً ملحوظاً في وتيرة الاستعدادات العسكرية الدولية والعراقية والسورية، في محاولة القضاء على تنظيم داعش عسكرياً، فيما تؤكّد مصادر دبلوماسية عربية أنّ هنالك رغبة أميركية شديدة في القضاء على التنظيم في مدينة الرقّة السورية، وتحجيمه تماماً في العراق. وتفيد التقارير الواردة من سورية بأنّ تدشين الحملة العسكرية الكردية، بدعم أميركي، وإسناد من قوات سورية الديمقراطية، للبدء بريف الرقّة الشمالي، وصولاً إلى إخراج التنظيم من الرقّة بالكامل، وهو السيناريو نفسه الذي يسعى إليه الروس في ريف دير الزور ضد التنظيم.

وعلى الساحة المجاورة، تمثل معركة الفلوجة التي تمّ حشد آلاف الجنود العراقيين ومليشيات الحشد الشعبي والعشائري لها، بدعم أميركي كبير، منعطفاً مهماً ومؤشراً كبيراً بشأن إدارة المعركة المقبلة في الموصل، بعدما تمكّنت القوات العراقية سابقاً من إخراج داعش من الرمادي ومن أغلب مناطق الأنبار العراقية.

هل هذا يعني أنّ داعش على وشك الانهيار والتلاشي؟ خسر التنظيم جزءاً كبيراً من الأراضي التي سيطر عليها في العامين 2013-2014، في سورية والعراق، وتحوّل من حالة الهجوم إلى الدفاع في أوقاتٍ كثيرة، وخسر أغلب قيادات الصف الأول التي عملت على التخطيط والإعداد لما وصل إليه من وضع عسكري، مكّنه من تحقيق نتائج قوية على أرض الواقع، وكان آخر هؤلاء أبو علي الأنباري، وقبله أبو مسلم التركماني، فضلاً عن حجي بكر وأبو عبد الرحمن البيلاوي. فوق هذا وذاك، فإنّ الهالة الرمزية، التي بدا عليها التنظيم في صعوده في العام 2014، وكأنّه محصّن من الضربات، لا يُهزم، يعتمد تكتيكاتٍ مرعبة من المفخخات والانتحاريين وخطاب الرعب، بدأت تتفكك شيئاً فشيئاً، وتظهر نقاط ضعفه أمام الخصوم الذين طوّروا استراتيجياتٍ لمواجهة تكتيكات داعش المفاجئة.

مع ذلك، من الضروري ألا نتوصل إلى نتيجة حتمية بأنّ زواله جرّاء الحملات العسكرية الراهنة بمثابة تحصيل حاصل، وأنّ المسألة هي مسألة وقت، فالتنظيم أظهر كفاءة وصموداً غريباً في مواجهة الحملات العسكرية ضده، بما يتجاوز ما عرفناه عن الجيوش العربية في المعارك السابقة، وحتى تنظيم القاعدة مع طالبان في الحرب الأفغانية عام 2002.

على الرغم من الضربات الجوية المستمرة اليومية، وعلى الرغم من حجم التسلّح الكبير، وانتشار ساحات مواجهات التنظيم بصورة غير طبيعية، من الرقّة إلى دير الزور إلى الأنبار، والفلوجة، وقبلها الرمادي وريف حلب، في مواجهة الجيشين، السوري والعراقي، والطائرات الأميركية والروسية والفصائل السنية الأخرى، والأكراد والحشد الشعبي، مع ذلك ما يزال موجوداً ويقاوم، ويعيد الإمساك بالمبادرة العسكرية في أحيانٍ أخرى، ويستعيد بعض المناطق التي أُخذت سابقاً منه.

ثمّ تبقى معركة مدينتي الرقة والموصل أكثر صعوية وتعقيداً مما سبق، فهنالك مئات الألوف من البشر الذين يخضعون لسلطة داعش، وقيادات التنظيم وعائلات المقاتلين وأبنائهم وآلاف من المقاتلين المتحصنين في المدينتين، ما يتطلب قواتٍ بريّةً كبيرة، خصوصاً في سورية، غير متوفرة إلى الآن، للقيام بهذه المهمة من حربٍ داخل المدن مع التنظيم. مع ذلك كلّه، دعونا نفترض جدلاً أنّ التنظيم خسر معقله في كل من الموصل والرقّة، فإنّ السؤال المهم: هو ما بعد داعش، على أكثر من صعيد.

“تمثل معركة الفلوجة التي تمّ حشد آلاف الجنود العراقيين ومليشيات الحشد الشعبي والعشائري لها، بدعم أميركي كبير، منعطفاً مهماً ومؤشراً كبيراً بشأن إدارة المعركة المقبلة في الموصل”

الصعيد الأول هو اليوم التالي في كل من العراق وسورية. ففي العراق، إذا لم يكن هنالك حلول سياسية مقنعة وآفاق حقيقية للمجتمع السني، فإنّ الظروف التي أنتجت داعش كفيلةٌ بإعادة إنتاجها، أو ربما ما هو أكثر خطورة منها، بعد أعوام قليلة.

بالمناسبة، هذه الحالة نفسها التي مرّ بها العراق، بعد تأسيس “الصحوات العشائرية” السنية منذ العام 2007، وهي الصحوات التي أضعفت تنظيم الدولة الإسلامية حينها، وقامت بتحجيمه، ما أدى إلى تبخّره من أغلب الأراضي التي سيطر عليها هناك، وتحوّله إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ تعتمد حرب العصابات، قبل أن يستفيد التنظيم، مرّة أخرى، من انتكاسة العملية السياسية، وخيبة أمل السنة من العملية السياسية، بعدما سُرقت منهم نتائجها في انتخابات 2010، ثم الشعور بالإقصاء والظلم والاعتقالات. وقد ولدت كل تلك المشاعر الرغبة في الانتقام، وهي المشاعر التي عزف عليها تنظيم الدولة بذكاءٍ شديد، معتبراً نفسه حامي السنة في مواجهة الخصوم.

في المحصلة، إذا لم تكن هنالك آفاق في كل من العراق وسورية، مع اختلاف الحالة السورية التي تتوفر على بدائل سنية عسكرية قوية، وعادت المعادلة السياسية إلى ما كانت عليه قبل بروز داعش، فإنّ النتيجة ستكون شبيهة. أما في سورية، فإنّ غياب الآفاق السياسية يخدم، بالدرجة الأولى، داعش وجبهة النصرة، وإن كان الأول يتميز بأنّه أكثر قدرة على استقطاب الجيل الجديد من الجهاديين وأنصار السلفية الجهادية العالمية.

تلك قوانين، وليست فزّاعات، طالما أنّ المقدمات والشروط موجودة، فإنّ النتائج ستكون متشابهة، ذلك حصل أيضاً مع حركة طالبان في أفغانستان. في العراق، كلمة السرّ إدماج السنّة عبر نظام فيدرالي متوازن، ومنحهم إقليماً يعطيهم حقوقهم السياسية بصورة واضحة، ويُبعدهم قليلاً عن هيمنة القوى المرتبطة بإيران. وفي سورية خروج الأسد من الحكم، ما يزيل إحدى أكبر المعضلات التي تقف في وجه التفاهمات الدولية والإقليمية، ويعطي السنة شعوراً بالارتياح، وبأنّ تضحياتهم لم تذهب هباءً.

على الصعيد الثاني، فهو داخل تنظيم داعش نفسه، فهو تنظيم غير تقليدي، ليس مثل حالاتٍ سابقة، أصبح اليوم يتشكل من طبقاتٍ عديدة، من مقاتلين عراقيين من المجتمع، ولديهم عائلاتهم، والطبقة الثانية السوريون وعائلاتهم، والطبقة الثالثة القادمون من الخارج وعائلاتهم، من أوروبا والعالم العربي وآسيا الوسطى، فهنالك عشرات الآلاف من المقاتلين، ومعهم أطفال ونساء، وجيل جديد منذ أعوام وهو يلقّن عقيدة داعش وأفكاره وتعليماته. ماذا سيحدث لهؤلاء؟ هل سيُقتلون جميعاً؟ أمر غير متخيّل، سيتم اعتقالهم؟ وماذا بعد ذلك؛ إعادة الآلاف إلى دولهم مع الأطفال والنساء، ليحاكموا هناك؟ ثم ماذا بالنسبة للأطفال والنساء والجيل الجديد؟

من الضروري أن تنال مثل هذه الأسئلة اهتماماً وتفكيراً جديّاً، بعدما كان العالم الغربي مسكوناً بسؤال ما بعد الأسد، والخشية من اليوم التالي لرحيله.

العربي الجديد

 

 

 

دليل موجز لفهم الأكراد

في عام 2005، اختار الأكراد في شمال العراق ممثليهم في المجلس التشريعي، وكذلك في البرلمان العراقي. وكانت هذه الانتخابات الأولى من نوعها في نحو 50 عاما.

وقد قيل أن الكرد أمة بلا حدود، على الرغم من أن هذا ليس صحيحا سوى جزئيا. هم، بطبيعة الحال، مواطنون من عدد من البلدان، تلك التي تحيط وطنهم في منطقة الشرق الأوسط ومنها ما أبعد من ذلك بكثير خارجها. ولكن بالنسبة للأكراد، الذين يبلغ عددهم نحو 25 مليون نسمة وعلى الرغم من أنهم على ثقافة مشتركة فإنهم يتكلمون لغات مختلفة، ويتبعون مختلف الأديان، وينتمون إلى الأيديولوجيات السياسية المختلفة، ويحملون جوازات سفر مختلفة، فإن المواطنة ليست مسألة بسيطة.

سوف يكون أكثر دقة أن نقول إن الأكراد، بعد استيعابهم في الدول التي لا تعتبر خاصة بهم، يميلون إلى أن يكونوا مواطنين في الاسم ولكن ليس في الممارسة. حيث يخضعون للتمييز والاضطهاد الصريح.

في تركيا، ما زالت المناهج اللغة الكردية محظورة في معظم المدارس. وفي العراق قتل ما يقدر بنحو 50 ألفا إلى مائة ألف من الأكراد في أواخر الثمانينيات خلال حملة الأنفال التي قادها نظام «صدام حسين». وفي إيران، أعدم ما لا يقل عن 1200 سجين سياسي كردي بعد الثورة الإيرانية عام 1979.

لم يكن للأكراد أي خيار سوى الاستيعاب، في هذا البلد أو ذاك حيث أن الوطن، كردستان، الذي يفضله معظمهم لا وجود له، وربما سوف لن يكون.

وقد ضغطت جماعات عرقية أخرى لا تعد ولا تحصى من أجل الاستقلال، ولكن هذه هي قصة الأكراد، الذين حاولوا لأكثر من قرن من الزمان وفشلوا في فرض إرادتهم. كان الفشل، وربما لا مفر منه. إن اقامة دولة هو أمر صعب خاصة إذا تم تدوين حرمان مواطنيها المحتملين في القانون الدولي.

إن معاهدة لوزان 1923، التي استبدلت معاهدة سيفر الفاشلة، التي سعت لإقامة دولة كردستان شهدت على ذلك. ومع ذلك، نجح الأكراد في القيام بذلك، ولو لفترة وجيزة، في عام 1946 مع تأسيس جمهورية مهاباد التي كانت خاضعة اسميا للأكراد في إيران والتي كانت مدعومة من الاتحاد السوفيتي ودامت أقل من عام.

وعلاوة على ذلك فقد نجحوا، ، في كسب درجة من الحكم الذاتي، إن لم يكن الدولة المطلقة، مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق، وكذلك في منطقة روج آفا في شمال سوريا. ويجد الأكراد أنفسهم في منطقة تخللتها الفوضى ويتم استغلالهم من قبل قوى أجنبية.

الهويات الممزقة

كردستان، هو اسم عامي يشير إلى الوطن التاريخي للأكراد، وهو المنطقة غير الساحلية التي تقع في مفترق الطرق بين تركيا وسوريا والعراق وإيران. وتقطعه جبال زاغروس من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي، وتشكل التضاريس الهائلة التي أعاقت هذا النوع من الاستيطان التماسك في الدول التي تحيط بها.

الأكراد يختلفون عرقيا عن جيرانهم العرب والأتراك، حتى لو كان العديد منهم يشتركون في نفس التقليد الديني السني. (لا تزال هناك جيوب يهودية، وشيعية. وما زال، حتى كتابة هذا التقرير، يوجد الأكراد الزرادشتيون المنتشرون في جميع أنحاء المنطقة). وعلى الرغم من أن الأكراد أكثر ارتباطا بالفرس من أي مجموعة عرقية أخرى، فهم مجموعة فريدة من نوعها ثقافيا، ولهم هوية فريدة.

ولكن هذه الهوية الثقافية الفريدة، وبسبب تلك الظروف، تقسمت حسب هويتهم اللغوية. اللهجات الكردية تنقسم تقريبا إلى فئتين: الكورمانجية في الشمال (تركيا وأرمينيا وسوريا وشمال العراق) والسورانية في الجنوب (في وسط العراق وإيران). أولئك الذين يتكلمون لهجات مختلفة يمكن أن يفهموا بشكل عام بعضهم البعض، ولكن يمكن أن يكون هناك اختلافات لغوية كبيرة. وتمشيا مع تعقيد سياسة الهوية الكردية، وهناك أيضا فرع لهجة غوراني، المعروفة باسم «زازا»، التي يتحدث بها ما لا يقل عن 4 ملايين في تركيا الذين يعرّفون أحيانا تحت مسمى الأكراد وأحيانا كمجموعة متميزة.

وقد خلقت هذه الظروف أيضا انقسامات سياسية. معظم الأفرع الكردية المختلفة في المنطقة يتفقون عموما على أن الأكراد يجب أن يتم إنشاء دولة خاصة بهم، ولكنهم يختلفون حول أفضل طريقة للقيام بذلك. ويؤيد البعض التعاون مع حكومة الولايات المتحدة. والبعض الآخر لا يؤيد. وقد تحولت هذه الخلافات أحيانا إلى مواجهات عنيفة. عندما قام حزب العراق الديمقراطي الكردستاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، بالتحالف مع الحكومة في أنقرة في شهر أغسطس/آب عام 1995، على سبيل المثال، قام حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) بالرد بمهاجمة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتذكيره بتكلفة دعم العدو الإقليمي.

وقد استغلت الأطراف الخارجية المنافسات لمنع نمو دول كردية مستقلة. وأسبابهم في ذلك كثيرة. هناك، بالطبع، قضية الأراضي التي لا توجد دولة ترضى طواعية تسليمها إلى أي شخص، ناهيك عن الأقليات العرقية التي يمكن أن تتحدى حكمها. ولا ترغب أي دولة في تسجيل سابقة من شأنها أن تشجع الأقليات العرقية الأخرى في الشرق الأوسط نحو الانفصال. كما يتم عرقلة قيام الدولة الكردية لأسباب مالية. تركيا، على سبيل المثال، تريد استمرار الوصول إلى موارد الطاقة في شمال العراق، ناهيك عن استمرار نفوذها على كردستان العراق، وبالتالي فإنها قررت دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني.

قد يكون العراق أيضا، بسبب الفوائد المالية من إيرادات النفط الناتجة عن حكومة إقليم كردستان، أقل ميلا للمشاركة مع كردستان كدولة فعلية.

وما يعقد المسألة بشكل أكبر هي الجهود الجارية لاستغلال الأكراد، والدول تتنافس مع بعضها البعض على ذلك. في الواقع، هناك منافسة جارية في إيران وتركيا على الأحزاب الكردية على النفوذ في حكومة إقليم كردستان. وقد تحالف مؤخرا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) وحزب غوران. وهذا يعرض تحالف تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني للخطر في الوقت الراهن، ولكن إذا كان للتاريخ أي إشارة، فإن الوضع يمكن أن يتغير في أي لحظة.

محرك الحكم الذاتي

مع الكثير من الأمور على المحك، فليس من الغريب أن حكومات في المنطقة قد أخمدت مرارا دعوات من أجل الاستقلال الكردي. وقد فشلت ثورات في سوريا وإيران وتركيا والعراق منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن في عام 1991، نشطت حرب الخليج تمردا فاشلا آخر من أاكراد العراق ضمن مساعي الأكراد للحكم الذاتي.

وقد أدت الإدانة دولية لغزو صدام حسين للكويت، ومنطقة الحظر الجوي اللاحقة من الولايات المتحدة على العراق، إلى خلق مساحة آمنة لظهور دولة كردية بحكم الأمر الواقع.

ومع ذلك فقد ظلت الوحدة السياسية بعيدة المنال. ولكن، في عام 1994 اندلعت حرب أهلية بين اثنين من أكبر الأحزاب الكردية في العراق: الحزب الديمقراطي الكردستاني، المدعوم من الحكومات التركية والعراقية، والاتحاد الوطني الكردستاني المدعوم من حزب العمال الكردستاني التركي وفيلق بدر الإيراني. ولكن بعد مرور أربع سنوات تمكنت الولايات المتحدة من التوسط لإحلال السلام بين الطرفين.

الجماعات المسلحة المتطرفة التي ظهرت من كنف الأحزاب السياسية مصرة على مواصلة تشكيل دولة كردية. صقور حرية كردستان تركيا، الجناح الإرهابي لحزب العمال الكردستاني، قام بشن هجمات لأكثر من عقد من الزمن، على الرغم من الاعتداءات أصبحت أكثر تواترا خلال الأشهر القليلة الماضية.

كذلك فرع حزب العمال الكردستاني الإيراني وحزب الحياة الحرة في كردستان، اللذان قاما في الوقت نفسه، بهجمات متقطعة ضد قوات الأمن الإيرانية في المناطق ذات الغالبية الكردية لحوالي عقد من الزمان. الناخبين الإيرانيين يميلون إلى تذكر نوبات العنف هذه عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع ويصوتوا في كثير من الأحيان ضد المرشحين الأكراد وفقا لذلك.

ولكن هناك بعض المؤشرات للتماسك. مؤخرا، جلبت الصراعات في العراق وسوريا الفصائل الكردية في سوريا معا، وذلك بفضل صعود عدو مشترك: وهو «الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من الماضي الذي كسته الصراعات، فإنه حتى حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يعملان معا لمحاربة الجماعة الجهادية، على الرغم من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يواصل السماح لتركيا بضرب أهداف حزب العمال الكردستاني بشكل منتظم.

ومع ذلك، لا تزال هناك شقوق عميقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على وجه الخصوص، حيث يعمل الاتحاد الوطني الكردستاني هو لضمان أن تبقى المنطقة خالية من سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بل ويعمل على الذهاب لأبعد من ذلك لعقد صفقات مع بغداد للقيام بذلك. ونظرا لكون البشمركة، تشارك في القتال ضد «الدولة الإسلامية»، فإن التوتر بينهما غالبا ما يترجم إلى خسائر في ساحة المعركة.

وفي الحين الذي فيه كان أكراد العراق قد حققوا بعض النجاح في إقامة دولة بحكم الأمر الواقع، فإنه من غير المحتمل أن تظهر في أي وقت قريب دولة كردية كبيرة.

سوف يبقى الأكراد هدفا سهلا للقوى الأجنبية، حتى تلك التي من خارج منطقتهم الأصلية، التي ترغب في استخدامهم لأغراض سياسية خاصة بها. فعل البريطانيون ذلك في تركيا 1920، والولايات المتحدة تفعل ذلك الآن في سوريا، حيث تدعم وحدات كردية في شن حرب بالوكالة ضد «الدولة الإسلامية». وهذه القوى ليست تلك التي تطمح لكردستان موحدة ومستقلة من شأنها أن تشكل مستقبل الأكراد.

ترجمة وتحرير أسامة محمد – الخليج الجديد

ستراتفور

 

 

 

مارينز/ أكراد: حفلة تنكّر أمريكية لـ”تحرير الرقّة”/ رأي القدس

نشرت «القدس العربي» في صفحتها الأولى أمس صورة جنديّ أمريكيّ يضع شعار «وحدات الحماية الكرديّة» (أو نسختها المنقّحة أمريكيّا «قوّات سوريا الديمقراطية»). ينظر الجنديّ الأمريكي الأشقر إلى الخلف بينما يتخفّى الجنود الأكراد (أو غير الأكراد؟) الباقون في أقنعة سوداء ويدير ثلاثة آخرون ظهورهم بحيث يصبح الجنديّ الأمريكيّ مركز الصورة ومعناها الحقيقيّ الذي لا خفاء فيه ولا قناع يستره.

الأخبار الواردة من شمال سوريا تتحدّث عن خطّة أمريكية لاستخدام قوّات حزب الاتحاد الديمقراطي لتحقيق انتصار سريع لإدارة الرئيس باراك أوباما يختتم فيها «إنجازاته» العالميّة، ويبدو أن التسّرع هذا لم يجعل من يسمّون بـ»المستشارين الأمريكيين» الموجودين في المنطقة ينخرطون مباشرة في القتال، بل إنهم ما عادوا مهتمّين بالخلط الذي قد ينشأ عن تخفيض وضعيّة جنود الدولة العظمى إلى مرتبة حزب مرتبط (إن لم نقل إنه تابع) بحزب أكبر (العمال الكردستاني التركي) تعتبره الدولة العظمى نفسها «إرهابيّاً» وينظم، مثله مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تحاربه، عمليّات انتحاريّة يذهب ضحيّة لها عشرات المدنيين الأتراك.

استدعى هذا المشهد الغريب رد فعل سريعا من الحكومة التركيّة، فقال وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو أمس إنه «من غير المقبول لجنود أمريكيين أن يضعوا شعار الوحدات الكردية على ملابسهم»، وإنها «اذا لم تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية السورية منظمة إرهابية فإنها تكيل بمكيالين»، وهو توصيف دقيق للوضع.

ويبدو أن تناقضات المشهد جعلت وزير الخارجية التركيّ يخرج عن أعراف التصريحات الرسميّة التي تميّز الدبلوماسيين فاقترح ساخراً أن يقوم الأمريكيون عندما يتوجّهون إلى المناطق الأخرى في سوريا بأن يضعوا «شعارات داعش والنصرة والقاعدة… وعندما يذهبون إلى أفريقيا فليضعوا شعار بوكو حرام» باعتبار أن كل هذه التنظيمات يجمعها سياق العمل الإرهابيّ والتشابهات مع «وحدات الحماية الكرديّة».

غير أن تبنّي شعارات «وحدات الحماية» والتماهي بها ليس إلا مظهراً من مظاهر التناقضات الأخرى الكبيرة التي تحيط بكلّ تفاصيل الخطط الأمريكية للحرب مع تنظيم «الدولة»، وهي تناقضات لا يمكن، على ما يبدو، إلا لمخططين أمريكيين أن يتجاهلوها، وقد لخّصها إعلاميون بسؤال الخارجية الأمريكية كيف يمكن أن تدعم قيام الأكراد بتحرير الرقة التي يقطنها العرب السنّة في سوريا ويقوم الشيعة بتحرير الفلوجة السنّية في العراق؟

الجواب الأمريكي كان بالقول إنهم يعملون على «تنويع العناصر المكوّنة لقوات سوريا الديمقراطية» بحيث يتم استقطاب المزيد من العرب السنّة، وهو تصريح يشبه حديث «طبّاخ» في مطعم عن «طبخة» تضاف إليها بعض البهارات لتحسين مذاقها، أو باحث يقوم بتجربة علميّة على فئران أكثر مما هو حديث شخص مدرك للمعادلات العسكرية والسياسية المعقّدة للوضعين السوريّ والعراقي.

هناك تعليق شهير يقول إن الأمريكيين يفعلون دائماً الشيء الصحيح وذلك بعد أن يكونوا قد جرّبوا كل الحلول الخطأ الأخرى، وإذا كان على العرب أن ينتظروا أن تنفد كل حلول أمريكا الخاطئة في المنطقة فربّما لن يبقى هناك عرب أصلاً.

حاليّا، يمكن أن يكون جلّ ما قد يسعدنا الحظّ به هو أن تتوقف الحفلة التنكّرية الأمريكية على الأرض العربية.

القدس العربي

 

 

 

 

“داعش” ليس أولوية أردوغان بعد/ موناليزا فريحة

لا شيء في الاقتراح التركي تنفيذ عملية مشتركة مع واشنطن ضد “داعش” في سوريا يدل على تغيير في السياسة التركية الملتوية حيال التنظيمات الإرهابية التي باتت هي نفسها تكتوي بنارها. ولا يبدو كلام وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن تعاون مشترك بين الأتراك والأميركيين لاقفال جيب منبج في أسرع وقت وفتح جبهة أخرى أكثر من محاولة تركية لتخفيف زخم التعاون بين واشنطن والقوات الكردية في شمال سوريا ومعركة الرقة أخيراً.

بالنسبة الى أنقرة، لا يختلف تعاون واشنطن و”قوات سوريا الديموقراطية” لتحرير الرقة، ومناطق أخرى يسيطر عليها “داعش”، عن السياسة التي تعتمدها واشنطن في العراق، بغضها الطرف عن الدور الكبير الذي يضطلع به “الحشد الشعبي” في تحرير الفلوجة وغيرها. ففي رأيها ، إن هاتين السياستين تنسجمان والاستراتيجية الاميركية التي تقضي باستخدام أية وسائل متاحة في هذه الحرب من دون الاضطرار إلى إرسال قوات برية إلى هناك والتورط في إنهاء الفوضى لاحقاً.

لا شك في أن أنقرة محقة في تشخصيها للسياسة الأميركية التي تتيح لإدارة الرئيس باراك أوباما البقاء بعيدة من الانخراط جدياً في حربي العراق وسوريا والاستمرار في إدارة الحرب من بعد، إلا أن اقتراحها الأخير ليس الحل المنشود لاستئصال داء “داعش” والقضاء على الإرهاب الذي بات يهدد تركيا بمستوى تهديده سوريا والعراق.

صار الخلاف بين أنقرة وواشنطن على دور حزب الاتحاد الديموقراطي في محاربة “داعش” عقبة كبيرة أمام إحراز تقدم حقيقي في الحرب على التنظيم الإرهابي. ومع القرار الأميركي المضي بـ”قوات سوريا الديموقراطية” لتحرير الرقة، وجدت أنقرة نفسها أمام أمر واقع يعقد مساعيها لربط هذه القوات بـ”حزب العمال الكردستاني” المحظور. من هنا يبدو اقتراحها الاخير محاولة لإغراء واشنطن بقوات تركية سنية، لا كردية، لا تثير حساسيات في المنطقة.

في الشكل، يأتي هذا العرض متأخراً جداً، فلطالما ناشدت الدول الغربية عبثاً أنقرة التعاون جدياً ضد “داعش” واقفال حدودها أمام مقاتليه. أما في مضمون الاقتراح التركي، فتنسب صحيفة “حريت دايلي نيوز” إلى مسؤول أميركي أن تركيا لم تقدم خطة مفصلة يمكن أن تشمل “عملية واسعة مع قوات كبيرة”، وأن كل ما تحدث عنه الأتراك هو بعض المفاهيم الأساسية.

أما المفاهيم الأساسية التي عرضتها تركيا، فيلخصها المسؤول الأميركي بـ”عملية مشتركة لدعم قوات محلية غير وحدات حماية الشعب” الكردية.

الواضح أن محاربة “داعش” ليست أولوية للرئيس رجب طيب أردوغان بعد، واقتراح التعاون لا يختلف عن غيره من اقتراحات سابقة لم تعد كونها عرض عضلات.

النهار

 

 

 

 

 

ثمن العناد التركي مع أكراد سورية/ عمبرين زمان

تؤكد واشنطن رغبتها الملحة في طرد «داعش» من خط جرابلس – أعزاز في شمال سورية، وقالت مراراً أن إقصاء «داعش» عن الحدود التركية حيوي لدحر «داعش» أو التغلب عليه. وهذه مسألة بارزة كذلك في حسابات تركيا. فهذه المنطقة هي منصة إلى قصف مدينة كيليس التركية بالقذائف، وهي جيب يتسلل «الداعشيون» منه إلى تركيا ويلتحقون به من أراضيها إليه. ففي جرابلس وأعزاز يتسلم «داعش» الدعم المالي، وينظم صفوفه، ويجند مزيداً من الشباب على أرض تركيا. وصار حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي يسيطر على نصف الحدود التركية مع سورية. وإلى اليوم، لم يبدر منه عمل ضد تركيا ولم يبد لها العداء. لكن أنقرة تتمسك بموقفها القائل أن «الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية هو امتداد لحزب «العمال الكردستاني» الإرهابي في تركيا، وتسعى للحؤول دون تعاون واشنطن مع أكراد سورية، على رغم الأخطار المترتبة على موقفها هذا.

والكابوس الأعظم الذي تعيشه تركيا اليوم هو الخوف من أن تتقدم قوات «الاتحاد الديموقراطي» الكردية وتسيطر على أراض هي اليوم في قبضة «داعش» في جرابلس. ويصل هذا التقدم بين كانتونات الأكراد من كوباني إلى عفرين التي يحاصرها «داعش»، فتستيقظ تركيا إذّاك على مقاطعة كردية كبيرة تسيطر على كامل حدودها مع سورية ويتحكم بها «الكردستاني». وحمل جنون الارتياب التركي من الأكراد أنقرة على ارتكاب الخطأ تلو الخطأ في سياساتها في سورية. وعدوى الميل إلى سلب الأكراد حقوقهم في تركيا انتقلت إلى سياسة تركيا في سورية، وعقدت الحل هناك، وجعلت التفاهم مع أميركا على شؤون سورية عسيراً.

ومع انطلاق الثورة السورية، سنحت أمام أنقرة فرصة ذهبية لحل مشكلتها الكردية، فبدأ الحوار المباشر مع عبدالله أوجلان، ودار الكلام على إمكان المصالحة مع أكراد سورية. لكن هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح، فالشروط التي فرضتها تركيا على أكراد سورية وتركيا من أجل السلام كانت مستحيلة: طلبت أنقرة من أكراد سورية الذين عانوا من نير الأسد طوال عقود أن يقاتلوا جيشه بإمرة الميليشيات الإسلامية الأخرى المدعومة إقليمياً، والتي تسمى معارضة معتدلة، وأن يقاتلوه من دون أي ضمانات لحقوقهم في الدستور الجديد. وطالب أردوغان أكراد تركيا بأن يدعموه في البرلمان لتطبيق نظام رئاسي واسع الصلاحيات، وأن ينسحب مسلحو حزب «العمال الكردستاني» من تركيا من غير ضمانات دستورية. فأضاعت تركيا فرصة مد يد العون الاقتصادي إلى أكراد سورية وأن تلعب على الأقل دور الحكم بينهم وبين إخوتهم العرب، عوض أن تنحاز إلى العرب وتعاديهم. ومنذ 2013 وتركيا تدفع بمقاتلي «النصرة» و «داعش» إلى قتال الأكراد في سورية وتؤمن لهم ممراً آمناً في أراضيها، على نحو ما حصل في كوباني وتل أبيض. فساهمت في توسع رقعة «داعش»، وهي، اليوم، حين تعرقل حركة الأكراد في شمال سورية تساعد التنظيم هذا على التمدد من جديد. وفي 2014، لاح ضوء في نهاية النفق، واستطاع مستشار وزارة الخارجية التركية، فريدون سينرلي أوغلو، دعوة صالح مسلم إلى تركيا. وظهر أمل جديد بالسلام، لكن الرئيس أردوغان أعلن توقعه «سقوط كوباني في يد داعش» وحرض على ذلك. وعلى رغم انزعاج الأكراد، ساعدت قوات صالح مسلم تركيا في نقل ضريح سليمان شاه من سورية إلى تركيا في 2015. وبعد انتخابات حزيران ( يونيو) 2015، قرر أردوغان استئناف الحرب على «الكردستاني» في تركيا، وعدنا إلى عهد انتهاك حقوق الإنسان ودخول الجيش المدن.

وفي نيسان (أبريل) الماضي، استمعت واشنطن، ولو على مضض، إلى خطة تركيا القاضية بتعاون تركي – عربي على طرد «داعش» من المنطقة من دون الاستعانة بالأكراد، وأبرم اتفاق مع شيوخ العشائر في مارع، وانتظرت واشنطن شهراً. لكن التقدم الذي حققته القوات المدعومة من تركيا كان هزيلاً. وما حررته في أسابيع استعاده «داعش» في أيام. بعدها اتفق أوباما مع أردوغان على السماح للأكراد بعملية الرقة، وهي تسمية للتمويه. فالهدف الحقيقي للعملية هو منبج وليس الرقة، وبدأت عجلتها تدور، لكن «داعش» حاصر مارع وبدأ يزحف على أعزاز. وهذا تطور خطير. ولا يسع التحالف قصف مارع المكتظة بآلاف المدنيين إذا وقعت في يد «داعش». واليوم، تقف تركيا على مفترق طرق، فإذا لم تكف عن عنادها ومعاداة الأكراد، ولم تعدل عن رفض تقدمهم إلى مارع وأعزاز، سقطت هذه المناطق بيد «داعش». ثمة فرصة تاريخية سانحة أمام تركيا: التعاون مع الأكراد لتلميع صورتها الدولية عبر محاربة «داعش» وتحسين علاقاتها مع واشنطن وربما فتح باب جديد للسلام مع أكراد سورية وتركيا.

* كاتبة، عن «ديكان» التركية المعارضة، 28/5/2016، إعداد يوسف الشريف

الحياة

 

 

سباق الجبهات من سوريا إلى العراق/ سميح صعب

من الرقة الى منبج في سوريا الى الفلوجة في العراق إختلاط وتشابك غير مسبوقين في خطوط الميدان والجبهات. واشنطن تدفع بـ”قوات سوريا الديموقراطية” التي تتألف في معظمها من “وحدات حماية الشعب” الكردية الى معركة الرقة فتعترض تركيا، بينما تتسامح تركيا مع شن هذا التحالف المدعوم من الولايات المتحدة هجوماً على منبج شمال حلب لاستعادتها من “داعش” وخصوصاً في منطقة بالغة الحساسية بالنسبة الى أنقرة وسبق لها أن وضعت عليها الخطوط الحمر. غض النظر التركي عن عبور مقاتلين أكراد الى غرب الفرات لخوض معركة منبج يعني أن تركيا تقاضت ثمناً ما من واشنطن.

وبما ان المرحلة المقبلة في سوريا هي مرحلة الميدان، تبدو روسيا قاب قوسين أو أدنى من معاودة تشغيل محركات “السوخوي” دفاعاً عن مكتسبات كادت تضيع منذ العمل باتفاق وقف الاعمال العدائية في 27 شباط الماضي. التراجع في الدور العسكري الروسي تلاه تراجع في الدور السياسي وتنشيط للدور العسكري الاميركي عبر “قوات سوريا الديموقراطية” أو عبر فصائل جهادية وسلفية في ريف حلب الجنوبي ومنها “جبهة النصرة” التي تحاول اميركا إقناع موسكو بعدم توجيه مزيد من الضربات إليها كأن فرع “القاعدة” في سوريا لا يشكل مصدر قلق لأميركا على رغم أنه موضوع على اللائحة الاميركية للمنظمات الارهابية. ومما يثير مزيداً من الريبة والتساؤلات حيال الموقف الاميركي هو الرفض الاميركي مشاركة روسيا في قصف “النصرة” في سوريا!

ولكن لا يسع روسيا أن تبقى صامتة مدة أطول عسكرياً وقت عادت الولايات المتحدة لتتلاعب بخطوط الجبهات السورية مع ما يرافق ذلك من احتمال فرض معادلات عسكرية لن تكون نتائجها السياسية في مصلحة موسكو. ألا يصب تحريك الجيش السوري نحو الرقة في هذا الاتجاه؟

ولا تبدو إيران بعيدة من ساحات المعارك المتجددة بقوة في سوريا والعراق. واللافت أن طهران اختارت العودة الى سوريا من الفلوجة العراقية. وأي اختراق على جبهة الفلوجة سيتردد صداه في سوريا حكماً. واذا ما استعادت القوات العراقية الفلوجة تسقط رمزية كبيرة لـ”داعش” ربما توازي الموصل أو الرقة من هذه الناحية لأنه من الفلوجة توسع التنظيم المتطرف وانطلق الى الموصل.

وبحكم هذا التشابك العسكري على الارض السورية وامتداده الى العراق، بات كل كلام في السياسة الآن مؤجلاً. ولن يكون في الامكان معاودة الحديث عن تسويات في سوريا قبل أن ينجلي غبار المعارك الدائرة حالياً من حلب الى الرقة وادلب ودير الزور وصولاً الى الفلوجة.

النهار

 

 

 

الحرب الأميركية ضد داعش والاستعصاء السوري/ د. خطار أبودياب

يشهد شمال سوريا فصلا جديدا من فصول اللعبة الكبرى للقرن الحادي والعشرين وضمن مسلسل ترنح المشرق تحت عنوان “عدة حروب في حرب”، تبدو الصورة غامضة لناحية طبيعة القوى والأهداف النهائية. في حقبة “البطة العرجاء” (آخر شهور ولاية باراك أوباما)، تتركز أولوية واشنطن على قيادة المعركة ضد داعش، لكن ذلك لن يفتح تلقائيا كوة في جدار الاستعصاء السوري لأن موسكو تقود، عمليا، مسار الحل السياسي وتوزع نسخا من “دستورها السوري”، وتحاول فرض تركيبة هجينة بين ما يسمى فترة تحضيرية ومرحلة انتقالية كي تفرض الأمر الواقع الأسدي. وهكذا تشكل الإدارة الأميركية للحرب ضد الإرهاب، عن قصد أو عن غير قصد، ستارا من الدخان لحجب الرؤية الحقيقية حيال ما يجري في الكواليس والمطابخ الدولية من ترتيبات مشبوهة ستحوّل سوريا إلى عراق آخر، وتدع اللعبة فيها مفتوحة لصراعات طويلة ومريرة.

تأكد الرهان الأميركي على الأكراد في الحرب ضد “تنظيم الدولة” مع إرسال 250 مستشارا وجنديا أميركيا لدعم “قوات سوريا الديمقراطية” ومجيء قائد القوات المركزية الأميركية جوزف فوتيل، في أواخر مايو إلى مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية (في أول زيارة لمسؤول عسكري أميركي رفيع إلى سوريا منذ بداية الحملة ضد داعش في 2014) واجتماعه مع طاقمه الميداني ومع القائد العسكري الكردي ألدار خليل (حزب الاتحاد الديمقراطي المقرب من حزب العمال الكردستاني) من أجل التحضير لمعركة الرقة، حيث أن أوباما يحاول أن ينهي عهده مع طرد داعش من الرقة والموصل كي يسجل إنجازا يحسب له في حصاد سنواته في البيت الأبيض، مع أن فشله المعنوي والأخلاقي والسياسي في الملف السوري لا يمكن لأحد إنكاره، ولو أن الرئيس “البراغماتي” يردد أن “استخباراته نصحت بعدم ضرب سوريا العام 2013، لأن هناك دولا تريد جر بلاده إلى حرب في سوريا”.

في هذا السياق، يحاول أوباما ترك توصيات لمن يخلفه في البيت الأبيض، إذ يعتبر في مداخلة حديثة له “أن المقترحات بتدخل عسكري أميركي أقوى في نزاع مشابه للحرب الأهلية في سوريا يجب دراستها بدقة صارمة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر التي تنطوي عليها بشكل صادق”. وقد أكد الرئيس الأميركي مرارا أنه سيكون من الخطأ إرسال قوات إلى سوريا لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد أو محاربة جماعة داعش الإرهابية. لكن ذلك ليس دقيقا، إذ يوجد مستشارون وجنود أميركيون إلى جانب الأكراد في سوريا ولو أن تواجدهم ليس على الخط الأمامي للجبهة. والأهم أن أوباما الذي لم يعتبر يوما تغيير نظام الأسد من الأولويات الملحة وأدرجه في سياق مسار سياسي معقد بالتنسيق والتوافق مع موسكو، يعطي توجيهاته لحرب بالقطّارة أو بالتقسيط أو بالوكالة ضد داعش والإرهاب بما يتلاءم مع مصلحة استمرار التأثير الأميركي على مجرى الأحداث وامتلاك الأوراق في المساومة مع موسكو أو في فرض التوجهات على الحلفاء وخاصة تركيا.

هكذا بعد زيارة الجنرال الأميركي جوزف فوتيل (قائد القوات الخاصة السابق) إلى مكان ما بين كوباني (عين العرب) ومطار رميلان، صدرت إشارة الانطلاق لمعارك في شمال الرقة التي احتدمت في الأيام الأخيرة، لكن مع هجوم تنظيم الدولة على مارع ليس بعيدا عن الحدود مع تركيا، بدأت معركة منبج الاستراتيجية، واتضح أن خطة الهجوم من قوات سوريا الديمقراطية لا تركز في المدى القصير على الوصول إلى الرقة عاصمة دولة الخلافة المزعومة، بل تركز على منبج وعينها على أعزاز وجرابلس مما سيتيح لها لاحقا السيطرة على شريط يصل بين عفرين وكوباني، ويوحد ما تسميه “روج أفا” للتوصل إلى فرض منطقة حكم كردي ذاتي متواصلة جغرافيا في الشمال السوري.

تقف أنقرة عاجزة عن التأثير على مسار المعارك على الجانب السوري المقابل لحدودها، إذ تكتفي بتصديق وعد واشنطن بإبقاء قوات عربية من قوات سوريا الديمقراطية في منبج، وتستنتج أنه بدلا من المنطقة الآمنة على حدودها والتي تطالب بها منذ 2012، يأخذ مكانها شريط كردي كانت تحاربه بقوة. وفي هذا الإطار مقابل طلبات موسكو لواشنطن بالتعاون ضد النصرة، يحاول الجانب الأميركي كسب قصب السباق في تحجيم داعش ويحاول أن يبرهن للروس عمليا قدرته على ضبط الحدود التركية – السورية وإغلاق ممرات التهريب مع داعش.

في مواجهة معارك عين عيسى ومنبج والتواطؤ الأميركي-الكردي، تحتدم المعارك بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني من نصيبين إلى ديار بكر في جنوب شرق تركيا، ويستخدم فيها أردوغان كل القوة المفرطة ولذلك يتراجع في الملف السوري كي يضمن صمت واشنطن إزاء القبضة الحديدية التي يعتمدها في الداخل. لم يقل أردوغان كلمته الأخيرة وستمثل معارك شمال سوريا ومعركة الموصل اختبارات لقياس نفوذه وقدرته على حماية مصالح تركيا من منظوره. ومما لا شك فيه أن سقوط أعزاز بيد الأكراد سيمثل تحديا للرئيس التركي ويطوي صفحة اتفاق أضنة الذي وقعته الحكومتان التركية والسورية في 1998 إثر تسليم النظام السوري إلى أنقرة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان.

نراقب تضاؤل البعد السوري المحض في نزاعات شمال سوريا التي يستمر تلاشي دولتها المركزية. وعلى وقع “الرقصة” بين التاريخ والجغرافيا، تبرز منظمات جهادية عابرة للحدود (ناقضة لمفهوم الدولة الوطنية أو الدولة-الأمة) وكيانات إثنية ومذهبية. واللافت أن واشنطن تدير المعركة عن قرب بين الأكراد وداعش في سوريا، بينما تتعامل مع الوضع في العراق بشكل مختلف نتيجة النفوذ الإيراني هناك، لكن وجود البيشمركة وغيرهم من المقاتلين الأكراد في معارك شمال العراق، يدفعنا إلى القول إن واشنطن تراهن على الحصان الكردي وسيكون لذلك من دون شك أثر كبير على إعادة تركيب الإقليم ورسم خرائطه الجديدة بعد مئة سنة على اتفاقية سايكس–بيكو.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى