صفحات مميزة

عن معركة “عفرين” –مقالات مختارة

 

جدل حول عفرين/ عمر قدور

يُفترض أن تكون طلائع ميليشيات الأسد قد دخلت منطقة عفرين يوم الاثنين، بعد الإعلان عن اتفاق مع الميليشيات الكردية لم تُعلن تفاصيله، أو ربما تُركت التفاصيل إلى حين معرفة قرارات القوى الدولية والإقليمية اللاعبة في سوريا. إلا أن هذه النتيجة لا تتفق بأية حال مع ما كانت تعلنه الميليشيات الكردية حتى أيام قليلة جداً من تصديها للهجوم التركي وعدم تقدّم الغزاة شبراً واحداً، ولا تتفق أيضاً مع الوعيد التركي بالسيطرة على عفرين ومن ثم التوجه إلى منبج لطرد الميليشيات الكردية منها أيضاً.

واقعياً كان يلزم أكثر من حسن الظن كي يتوقع المتابع نتيجة مختلفة عن استدعاء تنظيم الأسد إلى عفرين، وإذا أتت هذه الفرضية من كردي فسيُواجه بتهم من نوع التخوين والعمل على إضعاف روح المقاومة، أما إذا أتت من عربي فهو بلا شك أردوغاني أو داعشي. تحقق هذه الفرضية اليوم لا يمنع أولئك الذين مارسوا التخوين والتشهير من تبرير استدعاء ميليشيات الأسد بعدم القدرة على مواجهة الهجوم التركي، مع إعادة اكتشاف أن الجيش التركي هو ثاني أضخم جيش في الناتو، ولا يندر أن يكون بين هؤلاء من سخروا من مقاتلين سوريين آخرين بدعوى جبنهم وهزيمتهم أمام تنظيم الأسد بخلاف بسالة الميليشيات الكردية في التصدي للعدوان التركي.

في الجهة المقابلة سيغضّ مؤيدو الهجوم التركي من السوريين أبصارهم عن النتيجة المتوقعة، ولا يندر أن تُرى في هذا المقلب شماتة تكتفي بانكسار الميليشيات الكردية ولو كان الثمن لمصلحة الأسد. مشجعو أردوغان في هذه الجهة لن يتوقفوا حتى عند تصريح وزير خارجيته بقبول بلاده انتشار ميليشيات الأسد إذا كان على حساب الميليشيات الكردية، ولن يعني ذلك شيئاً للعروبيين منهم إذ تعلو “وحدة سوريا” من وجهة نظرهم على ذلك الشقاق الدموي بين السلطة والمعارضة.

أيضاً في جهة مؤيدي الهجوم التركي هناك كثرٌ يرون أن عفرين لم تخرج أصلاً عن سيطرة الأسد، بحكم ما هو معروف من حالات تنسيق بين ميليشيات الطرفين. ومنهم من لا يريد التمييز أصلاً بين علاقة التحالف المذكورة والتبعية المطلقة، ولا يريد قراءة الواقع السوري الذي بات مقطّع الأوصال، وتحكمه تحالفات لا ترقى لأن تكون استراتيجية، فالميليشيات الكردية في مدينة حلب وريفها على تحالف وثيق بميليشيات الأسد، بينما هي على تحالف مشابه مع القوات الأمريكية شرق نهر الفرات، سواء أكانت تهوى ذلك التحالف أم لا.

لا يخفى في الجدل العربي الكردي حول عفرين أنه جدل لا يتوخى أصلاً الوصول إلى مقاربات مشتركة، بل هو جدل كيدي؛ غايته المحددة سلفاً هي الوصول إلى درجة أعلى من الاحتقان والعداء بين الطرفين. الأصوات المعتدلة، أو تلك التي تحاول الاقتراب من الموضوعية، أصحابها ليسوا الأعلى صوتاً، وهم بمثابة ضيوف غير مرغوب بهم على الجانبين، وليس المقصود فقط نبذ الأصوات العربية من قبل العرب أو الكردية من قبل الأكراد، فالكردي المعتدل غير مرغوب به عربياً لأنه يقلل من صفاء صورة الكردي المتعصّب لدى العرب، وقبله العربي المعتدل قد يكون الأكثر تعرضاً للهجوم من قبل الأكراد لأنه أيضاً يدلل على وجود عربي خارج الصورة النمطية المصفّاة.

هدف الجدل في مثل هذه الحالة هو الوصول إلى أعلى درجة اصطفاف ضمن المجموعة ذاتها، وشتم المجموعة المقابلة باعتبارها مجموعة متجانسة تماماً هو من باب الإصرار على التجانس الداخلي بوصفه سنّة الجماعات كلها. من أجل الوصول إلى هذه النتيجة لا بد من مغريات، وشيطنة الآخر أولها من حيث اعتبار الذات نقيضاً له، فالآخر هو سيء جوهرياً بقدر ما نحن نقيضه، وكلما أمعنّا في شتيمته كلما كنا في الوقت نفسه نعلي من ذواتنا. الآخر هنا ليس ابن مصالحه، لأن المصالح متغيرة وليست جوهرية أو جينية، والمصالح تقتضي السياسة بينما التناقضات الجوهرية تقتضي قطيعة كلية مع السياسة كسبيل للتعاطي معه.

واحد من تعينات القطيعة التامة أن يفضّل معارضون سوريون عودة عفرين إلى سلطة الأسد على سلطة الميليشيات الكردية رغم قناعتهم بأن الأسد بمثابة الشيطان، وأن يرى أنصار الميليشيات في الشيطان الذي يعرفون “الأسد” خياراً أفضل من الشيطان المطلق الذي يتمثّل بالمعارضة. أن يستفيد الأسد في الحالتين ليس بالأمر المحتم فقط، بل ما هو أسوأ من هذه الخلاصة ألا يحس أحد الطرفين بالخسارة، ما دامت هذه الخسارة ليست ربحاً للطرف الآخر.

وللحق أي كلام معتدل في خضم هذا الجدل سيبدو نشازاً، وسيبدو منفصلاً عن الواقع حتى إذا بدا أكثر واقعية أو نفعية على المدى البعيد، إذا لم نقل أنه سيكون مثيراً للشفقة. أصحاب الاعتدال، فوق ندرتهم، لا يملكون أية قوة على الأرض، بينما يملك غيرهم كافة مفاتيح السلطة العسكرية والاقتصادية، والمعنوية كنتيجة منطقية لهما. الاعتراف بالأرجحية الواقعية لتلك القوى قد يكون مدخلاً أفضل لفهمها بدل التعالي عليها بقيم لا قوة لها في الواقع، وهذا قد يكون أفضل لجهة التنبؤ بمآلات يُؤسس لها اليوم، فضلاً عن التأسيس الذي لم يقصّر فيه حكم البعث وحكم عائلة الأسد.

إذا أتيح للطرفين الكردي والعربي الاحتراب، كما تهوى القوى المسيطرة والفاعلة لدى كل منهما، فمن المرجح أننا سنكون إزاء حرب ساحقة شديدة الوحشية، لا تُراعى فيها أدنى قيم الإنسانية من قبل الجانبين. لن يحدث ذلك بالطبع لأن الطرفين يحوزان وحشية في جيناتهما، ولكن لأنها لن تكون حرباً سياسية بقدر ما سيعتبرها كل طرف منهما حرب وجود. وطالما أن هناك مناطق عربية تحت احتلال الميليشيات الكردية، ومؤخراً قرى كردية في عفرين تحت الاحتلال التركي بمساندة فصائل عربية، لن تكون هناك فرصة لفضّ الاشتباك بين الطرفين. هذا يصلح الآن، وفي المستقبل أيضاً إذا أمكن استمرار الصراع، مع إيلاء أهمية خاصة لمناطق سيبقى متنازعاً عليها بسبب عدم وجود غالبية ساحقة لأي طرف فيها.

منع الاحتراب غير وارد إلا بقوة ثالثة تحجز بينهما، أو قادرة على ضبطهما، وهذه أيضاً قناعة يتمنى الأسد وسواه من قوى خارجية أن يصل عدد متزايد من السوريين إليها، لأنه تشرّع الاستبداد أو الاحتلال، أو الاثنين معاً على النحو الحاصل الآن. إلا أن الوصول إلى هذه القناعة أسهل من تجشّم عناء إقامة تحاجز ذاتي ولو كان مؤقتاً، يفكّر من خلاله كل طرف بمشاكله وخساراته بمعزل عن مساهمة الطرف الآخر فيها، هذا التحاجز يتطلب توقف الجدل الحالي من دون تكاذب أيضاً، ومن دون ادّعاء يخالف القطيعة القائمة، إنه يعني تحديداً تعزيز القطيعة، وهذا ما ليس وارداً ليس بحكم الاشتباك الواقعي وإنما لأن المعادلة في حالتنا هي: قطيعة نفسية أشدّ يُحتمل جداً أن تؤدي إلى حرب أقل.

المدن

 

 

 

الأكراد بعد عفرين/ معتز حيسو

إنَّ جانباً من الإجحاف الذي تعرّض له السوريون، عرباً وأكراداً، يعود إلى أيام السلطنة العثمانية، وأيضاً إلى مقررات سايكس ــ بيكو التي فرضت تقسيمات جيو سياسية ما زلنا نعاني من تداعياتها حتى اللحظة. كذلك، فإن حلم الأكراد بتأسيس وطن قومي، استناداً إلى مخرجات معاهدة سيفر عام 1920، حطمته نتائج معاهدة لوزان 1923، فاستمر وجودهم موزعاً في غير دولة.

رغم ذلك، استمرت مراهنة الأحزاب الكردية، وتحديداً القومية منها، على دعم دول كبرى لتأسيس دولتهم الخاصة، وخاصة في لحظات مفصلية كالتي تمر بها مجتمعاتنا حالياً، ما يثير جملة من التساؤلات حول طبيعة دولتهم المتخيّلة وبنيتها، ومدى انسجامها مع الميل التطوري إلى نموذج الدولة الحديثة التي تجاوزت بأشكالها الراهنة ومستوى تطورها الأبعاد الإثنية والعرقية، وحول طبيعة علاقتها مع محيطها الجيو سياسي، علماً بأن ربط الأكراد مصيرهم السياسي بالأوضاع والتوازنات الدولية يحوّلهم إلى وقود لمشاريع دولية، ويعزز دورهم الوظيفي، ويسهم أيضاً في ارتفاع وتيرة اضطراب أوضاعهم وتردّيها، ويفاقم تصدّع علاقاتهم مع مكونات المجتمع المحلي.

في السياق نفسه، إن لفشل أنظمة الدول الوطنية الشمولية الكليانية، بنسختها العربية، في تحقيق الاستقرار الاجتماعي لمكونات المجتمع، وتزامنه حالياً مع صراعات تحمل أبعاداً إقليمية ودولية في غير دولة عربية وتحديداً سوريا، دوراً في تحريض الذاكرة الكردية، وارتماء أحزابها القومية في أحضان دول كبرى بغية إقامة دولتهم الخاصة.

استمرت مراهنة الأحزاب الكردية على دعم دول كبرى لتأسيس دولتهم الخاصة

من جانب آخر، نشير إلى أن مفهوم الهوية بتجلياته المتعددة والمختلفة، يخضع على نحو ملحوظ لتأثيرات الميول العولمية المضطربة والمتباينة، علماً بأن الميل العولمي إلى تشكيل هوية تستغرق الهويات القومية والوطنية والإثنية يتعثر أمام تحولات العولمة النيو ليبرالية والاحتكارية المتناقضة مع المعايير الديمقراطية، لكنه يسهم في بلداننا خاصة في إعادة إنتاج تلك الهويات، وأيضاً البنى السلطوية من منظور يفاقم من التمحور حول الذات الإثنية الطائفية والمذهبية سياسياً. ويتزامن ذلك مع تجذّر ظاهرة صراع الثقافات، ما يؤسّس في اللحظة العربية الراهنة لخروجنا عن السياق العام لتطور الدولة بمعانيها ومدلولاتها وتجلياتها الحديثة.

إن ما تتعرض له مدينة عفرين من غزو تهدد أنقرة بتوسيعه إلى مناطق أخرى هدفه كما تدّعي حماية أمنها القومي من التمدد الكردي، ومنع القوات الكردية المدعومة أميركياً من الانتشار على الشريط الحدودي بينها وبين سوريا. ولذلك علاقة مباشرة بمخاوفها من قيام دولة كردية على حدودها. ورغم غياب المؤشرات الدولية والإقليمية الكافية على إقامة دولة كردية، فإن مصالح واشنطن في تثبيت وجودها العسكري في سوريا، إضافة إلى تقاطع مصالحها مع أكراد سوريا، يمكن أن تشكل مدخلاً إلى إقامة كيان كردي شرق الفرات. ومن المرجّح أن يسهم ذلك في تقويض علاقة واشنطن بغير دولة، وبشكل خاص تركيا وروسيا، ما يعني ارتفاع وتيرة الاضطرابات الإقليمية، وإعادة إنتاج تحالفات دولية وإقليمية جديدة تستند إلى معايير مختلفة.

تأسيساً على ما عرضناه، نشير إلى أن ضمان الأكراد حقوقهم السياسية والثقافية والمدنية يستوجب وضعها في سياق وطني ديموقراطي، ما يعني التنسيق مع القوى السياسية السورية ومكوّنات المجتمع السوري لتشكيل رؤية سياسية وطنية ديموقراطية تقود إلى تمكين دولة المواطنة، وتؤسّس لنموذج حكم برلماني لا مركزي يعزز تداول السلطة والتشاركية السياسية والفصل بين السلطات، ويحافظ على تماسك كيانية الدولة السورية والاستقرار والتماسك المجتمعي، أي تخطّي إشكالية تسييس التمثيل الأقلوي الإثني الطائفي والمذهبي في سياق بناء هوية سورية جامعة، وإلا فسنكون جميعاً أمام مخاطر كارثية لن تنحصر في موجات من التدخلات والاحتلالات الخارجية.

* باحث وكاتب سوري

المدن

 

 

 

إعادة خلط الأوراق في معركة عفرين/ بكر صدقي

إلى حين كتابة هذه السطور، لم تتضح الصورة بعد بشأن ما إذا كان «النظام» قد دخل منطقة عفرين أم ارتد على أعقابه بنتيجة قصف مدفعي تحذيري تعرض له قرب بلدة نبل. لكن ما هو مؤكد أن دخول النظام على خط هذه المعركة الجانبية سوف يعيد خلط الأوراق تماماً، بعدما كان الأمر مقتصراً على طرفين متصارعين، وفي الخلفية كامل لوحة الصراع الدولي متعدد الأطراف.

ولعل أول سؤال يخطر في البال، عند الحديث عن المساومات الدائرة، من وراء الكواليس، بشأن دخول قوات النظام الكيماوي إلى البلدة الكردية وريفها، هو: وهل يملك النظام قوات فائضة عن حاجته ليرسلها إلى عفرين؟ هذا إذا كان المقصود وحدات من الجيش النظامي، وهو ما يزعم الناطقون باسم قوات الحماية الكردية أنهم يقصدونه في «دعوتهم» له بحماية «السيادة الوطنية» المزعومة لسوريا.

الواقع أن الأنباء الغامضة تحدثت عن توجه «قوات شعبية» تابعة للنظام إلى عفرين، وهو ما يمكن أن يفسر على أن المقصود وحدات من الشبيحة المدنيين في إطار ما يسمى «جيش الدفاع الوطني» أو فصائل الأممية الشيعية التي تقاتل في سوريا تحت إمرة الإيراني قاسم سليماني. وقد تحدثت بعض التقارير فعلاً عن أن المسلحين الذين توجهوا إلى عفرين هم من «لواء الباقر» الشيعي المتمركز في بلدتي نبل والزهراء المواليتين لإيران.

معروف أن البلدتين المذكورتين عانتا، طوال سنوات، من حصار فصائل المعارضة المسلحة في الريف الشمالي لحلب، وكانت قوات حماية الشعب الكردية في عفرين قد فتحت خطاً لخرق ذلك الحصار. يمكن إذن اعتبار الحركة الجديدة بمثابة رد الدين من نبل والزهراء إلى عفرين. لكن قدوم قوات الباقر إلى عفرين يأتي في سياق أكثر تعقيداً من مجرد «رد الدين»، بسبب تداخل عوامل دولية متنافرة بمناسبة حرب غصن الزيتون التركية على المنطقة الكردية.

تسربت أنباء عن امتعاض موسكو من المفاوضات الجارية بين الوحدات الكردية والنظام، وعدم موافقتها على دخول قوات تابعة للأخير إلى عفرين، بما يعكر من صفاء التوافقات الروسية التركية بشأن الشمال الغربي من سوريا (عفرين وإدلب). ذلك أن الدخول المفترض للنظام سيضعه مباشرةً في مواجهة مع القوات التركية، الأمر الذي لا تريده أنقرة ولا موسكو.

أهي حركة إيرانية إذن، من نوع التناقضات الثانوية والموضعية التي حدثت في أكثر من مناسبة ومكان بين الحليفتين روسيا وإيران؟ أم أنها مجرد تسريبات كاذبة، وأن موسكو نفسها أرادت قلب الطاولة التي نصبت بين تركيا والإدارة الأمريكية مجدداً، بعد جفاء، بمناسبة زيارة وزير الخارجية الأمريكي تليرسون إلى أنقرة التي خرجت منها بيانات إيجابية بشأن نتائجها غير المعلنة؟ فقد دخل تليرسون مكان اللقاء بأردوغان وحده، لا يرافقه حتى مترجم أو سفير، بناء على طلب الجانب التركي، ولعب وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بنفسه دور المترجم بين الرجلين. واكتفت الخارجية الأمريكية بإصدار بيان عن الزيارة يصف نتائجها بالبناءة.

من المحتمل إذن أن روسيا أرادت بإدخال جوكر النظام إلى اللعبة في عفرين، قطع الطريق أمام عودة تركيا إلى حلفائه التقليديين في واشنطن ودول الناتو. وهكذا كان أول فعل يقوم به الرئيس التركي، بعد انتشار التسريبات بشأن اتفاق وشيك بين وحدات الحماية والنظام، هو الاتصال بالرئيس الروسي. وكان مرتاحاً، بعد الاتصال، وهو يوجه باستهداف قافلة الميليشيات الشيعية بطلقات تحذيرية لمنع وصولها إلى عفرين، إلى درجة إعلان هذا الخبر من مقدونيا التي كان في زيارة رسمية إليها. كما أعلن مستشاره السياسي إبراهيم كالن أن «عملية غصن الزيتون مستمرة حتى تحقيق أهدافها».

ما الذي قد يتغير بعد خلط الأوراق هذا؟

كان لافتاً تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين قال إن هواجس تركيا الأمنية يمكن تلبية متطلباتها بحوار مباشر بين تركيا و«سوريا» أي النظام السوري. هذا ما يضغط الروس بشأنه على القيادة التركية منذ بداية مسار سوتشي، بل إنه تم تسريب خبر، قبل حين، حول اتصال هاتفي مفترض بين أردوغان وبشار الكيماوي، من المحتمل أن الغاية منه تطبيع تحول تركي محتمل في هذا الاتجاه لدى الرأي العام.

فإذا لبت وحدات الحماية شروط النظام لدخول عفرين، أو قسم منها، يخرج جميع اللاعبين رابحين. سيكون بوسع النظام الكيماوي أن يقول إنه مد سيطرته و«سيادته» على مساحة جديدة من الأراضي السورية، فضلاً عن قطع الطريق أمام «المشروع الانفصالي الكردي»، وإيقاف تركيا عند حدها.

وسيكون بوسع وحدات الحماية أن تزعم أنها كسرت العدوان التركي وردته على أعقابه بفضل «حنكتها السياسية»، وأنقذت قواتها والمدنيين من مزيد من الخسائر.

وسيكون بوسع أردوغان أن يقول إن حملته العسكرية على عفرين قد حققت أهدافها في القضاء على سيطرة «الإرهابيين» على عفرين، وسلمت البلدة إلى «أصحابها الحقيقيين» على حد تعبيره في تصريحات سابقة، ويكون المقصود بهم قوات النظام الكيماوي.

ويكون الروسي الرابح الأكبر، فاحتفظ بتركيا حليفة له في سوريا، ولم يخسر وحدات الحماية بصورة كاملة لصالح الغريم الأمريكي في شرقي نهر الفرات.

أما الأمريكي، فهو يبحث عن صيغ «مبتكرة» يرضي فيها تركيا، بشأن منبج، من غير أن يخسر حليفه الكردي، ولا أحد يعرف هل ستتمكن واشنطن من هذا الابتكار.

منطقة عفرين التي كانت آمنة من الهجمات الجوية أو الحروب البرية، إلى ما قبل الغزو التركي، أصبح مصيرها الآن في المجهول، فوق القتلى المدنيين الذين راحوا ضحية معارك الشهر الماضي.

أما السوريون الذين جندتهم تركيا لتخوض بهم حربها على عفرين، فلعلهم الخاسر الأكبر من أي تسوية بشأن عفرين. فسوف تسحبهم تركيا كما زجت بهم في معركة لا مصلحة لهم فيها، وقتل من قتل منهم دون أن يحصي أحد أعدادهم.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

 

تركيا وروسيا.. تقارب لا تحالف/ خورشيد دلي

أنتج التقارب التركي – الروسي في الفترة الماضية سلسلة تفاهمات سياسية، تجلت أساسا في جوانب محددة من الأزمة السورية، فعلى وقع تفاهمات أستانة، أبدل كل من القيصر والسلطان لغة التهديدات بلغة براغماتية، تجلت في اللقاءات والاتصالات المتكرّرة بينهما، ولعل ثلاثة أسباب رئيسية وقفت وراء التفاهمات السابقة، وهي توتر علاقات تركيا مع الغرب، بشقيه الأميركي والأوروبي، حيث رأت أنقرة في سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية خيانةً لثوابت العلاقة بين البلدين، خصوصا بعد أن أصرت الإدارة الأميركية على دعم كرد سورية بالسلاح، فيما رأت روسيا في هذا التوتر فرصة لكسب تركيا إلى جانبها. وثانيا، البعد الاقتصادي الذي يشكل عاملا حيويا في العلاقة الروسية – التركية، حيث صفقات النفط والغاز والأسلحة. وثالثا، أن التدخل العسكري الروسي في سورية أنتج معادلة جديدة على الأرض، رأت تركيا أن من الأفضل التعامل معها، في ظل تغير موازين القوى والاصطفافات الإقليمية لصالح النظام السوري وحلفائه.

لعل من أهم نتائج هذه التفاهمات إطلاق تركيا عملية درع الفرات في 24 أغسطس/ آب عام 2016، ومن ثم العملية العسكرية التركية في إدلب، في إطار مناطق خفض التصعيد، وأخيرا عملية عفرين المستمرة، إذ بدا الموقف الروسي متفهما وموافقا على هذه العمليات، لتحقيق جملة من الأغراض، أهمها الحد من تصاعد دور التحالف الكردي – الأميركي، في إطار الصراع الروسي – الأميركي على أوراق القوة والنفوذ في الأزمة السورية، وكذلك جلب تركيا إلى المساهمة في القضاء، أو ترويض الجماعات المسلحة في الشمال السوري، حيث تقاطعت المصالح بين الطرفين، كل طرف لأسبابه الخاصة: تركيا في منع إقامة كيان كردي مرتبط بقنديل، حيث قيادة حزب العمال الكردستاني. وروسيا في إدارة المرحلة الراهنة تطلعا إلى حسم المعارك العسكرية لصالح محوره. وفي العمق، أراد كل طرف استخدام الآخر لتحقيق استراتيجيته تجاه الأزمة السورية.

أمام التطلعات التركية – الروسية هذه، بدا أن التفاهمات السابقة بين الجانبين محدودة، إذ

“لكل طرف استراتيجية مختلفة، إن لم تكن متناقضة تجاه مجموعة من القضايا”

سرعان ما كشفت التطورات حدودها على شكل اختبار للعلاقات بين البلدين، إذ لكل طرف استراتيجية مختلفة، إن لم تكن متناقضة تجاه مجموعة من القضايا، لعل من أهمها:

أولا، تركيا، وعلى الرغم من قفزها فوق شعار إسقاط النظام في سورية، إلا أنها في العمق ترى أن التطورات العسكرية والميدانية لا بد أن تفضي إلى التخلص من النظام، فيما جوهر السياسة الروسية تقوم على إنتاج النظام وفق الظروف الجديدة، ولعل هذا هو الهدف الأساسي من أستانة، ومن ثم سوتشي.

ثانيا، حدود العملية العسكرية التركية في إدلب، إذ مع مواصلة تركيا هذه العملية، بدا وكأن كل طرفٍ يحاول تنفيذها وفقا لرؤيةٍ مختلفةٍ، تركيا في جعلها منطلقا لعملية أوسع، الهدف منها إخراج عفرين من سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، وروسيا في جعلها منطلقا لعملية ضد الفصائل المسلحة، لا سيما بعد إسقاط مقاتلة لها في ريف إدلب.

ثالثا، على الرغم من الموافقة الضمنية لروسيا على عملية عفرين، إلا أن ثمة اعتقادا بأن هذه الموافقة كانت أقرب إلى سياسة توريط تركيا في عمليةٍ غير مضمونة النتائج، فالعملية التي كان متوقعا أن تكون سريعة، أياما قليلة، باتت عملية طويلة محفوفة بالصعوبات. فيما يشي موقف حلفاء روسيا في سورية بالتحرك ضد العملية التركية، لا سيما بعد دعوة طهران تركيا إلى وقف عمليتها.

رابعا، تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أخيرا إلى أوكرانيا، وحديثه عن تأييد بلاده وحدتها، في إشارة إلى أن أنقرة لا توافق على ضم روسيا جزيرة القرم، وهو ما استدعى ردا روسيا أن الموقف التركي لن يؤخر أو يقدم بالقضية في شيء.

تؤكد هذه القضايا الخلافية وغيرها من جهة محدودية التفاهم التركي – الروسي، ومن جهة ثانية حقيقة أن التقارب بين البلدين ليس في موقع التحالف الاستراتيجي، كما تحدث خبراء كثيرون في الفترة الماضية، وإنما هو أقرب إلى التكتيكي الذي فرضته جملة من الظروف المتعلقة بتطورات الأزمة السورية، وبتوتر العلاقات التركية مع الغرب، بشقيه الأميركي والأوروبي، بعدما رأت أنقرة أن سياسة واشنطن في سورية والعراق باتت تستهدفها مباشرة، وهو ما التقطته موسكو لحظة سياسية ذهبية، لإبعاد تركيا عن المنظومة الغربية أولا، ولأسباب اقتصادية حيوية للسياسة الروسية ثانيا.

العربي الجديد

 

 

 

 

زيارة تيلرسون والعلاقات الأميركية التركية/ عمر كوش

لم ينجح وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، في زيارته أنقرة، في تبديد خلافات بلاده مع تركيا، على الرغم من لقائه المطوّل مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ثم اجتماعه بنظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، إذ إن هوة الخلافات بين البلدين لا تزال كبيرة، ولا تقتصر فقط على مطالبة أنقرة بضرورة تخلي الإدارة الأميركية عن دعمها العسكري الكبير حزب الاتحاد الديقراطي الكردي في سورية (PYD)، الذي تخوض ضد مليشياته “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG) معارك طاحنة في منطقة عفرين السورية، ومطالبتها سحب هذه المليشيات من مدينة منبج، بل تمتد إلى قضايا أخرى تتعلق بالتعامل الأميركي مع الوضع في سورية والعراق، وصولاً إلى مطالبة أنقرة واشنطن تسليمها الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت ليلة منتصف يوليو/ تموز 2016.

ولعل المنتج الوحيد للزيارة هو الإعلان عن التوصّل إلى وضع آليةٍ لإعادة تطبيع العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، حيث عبّر تيلرسون عن رغبة إدارة الرئيس، دونالد ترامب، في إعادة تطبيع علاقاتها مع الإدارة التركية، وأن تركيا والولايات المتحدة “لن تتحرّكا بعد الآن كل بمفردها في سورية”، وتريدان “المضي في العمل معاً” لتجاوز الخلافات الحالية بينهما.

ويدخل ذلك كله في الإطار النظري لتطبيع العلاقات التركية الأميركية، ومحاولة إعادة الثقة بين البلدين، بعد التباعد الكبير الذي حصل في السنوات القليلة الماضية، من خلال وضع آلية مشتركة، تركية أميركية، تتمثل في تشكيل لجنةٍ تضمّ ممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع وجهازي الاستخبارات في كل من تركيا والولايات المتحدة، مهمتها بحث القضايا والمواضيع الخلافية بينهما، واقتراح حلول لها. وبالتالي، فإن الأمر ترك معلقاً في انتظار أن تعقد هذه اللجنة اجتماعاتها المفترض أن تبدأ، حسب وزير الخارجية التركي، قبيل منتصف مارس/ آذار المقبل.

“لقاءات عديدة جرت ما بين المسؤولين الأتراك والأميركيين أخيراً، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بين البلدين”

 

ولم يخفِ جاووش أوغلو تأكيده على أن بلاده تنتظر من واشطن الأفعال، لا الأقوال، وأن العمل على إعادة بناء الثقة بين البلدين لابد أن يبدأ باتخاذ خطواتٍ ملموسة على الأرض، وبالتحديد من مدينة منبج، حيث قدّم الجانب التركي مقترحاً يقضي بانسحاب مليشيات الحماية الكردية، ونشر قوات تركية وأميركية مشتركة فيها، تتولى إدارة شؤونها.

وعلى الرغم من أن البيان المشترك الذي صدر عقب اجتماع تيلرسون وجاووش أوغلو أكد وقوف تركيا والولايات المتحدة بحزم “ضد كل محاولات التغيير الديموغرافي، وفرض الأمر الواقع في سورية”، والتأكيد على “وحدة الأراضي السورية، والمحافظة على وحدتها الوطنية”، إلا أن واقع الأمر يفيد أن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا لا يهمها “وحدة سورية”، إلا بوصفها مقولةً تخفي صراعها على استكمال نفوذه وتثبيته فيها، حيث تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تثبيت نفوذها في منطقة الجزيرة السورية، بعد وضعها استراتيجيتها الجديدة في سورية، الهادفة إلى إنشاء ما يشبه دويلة أو كياناً انفصالياً في منطقة الجزيرة السورية، عبر العمل على تشكيل جيش مؤلف من 30 ألف مقاتل، قوامه الأساسي عناصر مليشيات وحدات الحماية الكردية، مهمته الانتشار على طول الحدود مع تركيا والعراق وعلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، إلى جانب تأمينها وتدعيمها قاعدة التنف في الجنوب الشرقي من سورية، بينما تحاول روسيا استكمال سيطرتها وتأمين هذه السيطرة على منطقة الساحل السوري، بدءاً من مدينة اللاذقية وصولاً إلى مدينتي حمص ودمشق، حيث أقامت فيها قواعد عسكرية بحرية وبرية ومطارات، وثبتت وجودها العسكري باتفاقية مديدة ومهينة مع النظام السوري، تقرّ بتحول القوات العسكرية الروسية إلى قوة احتلالٍ شبه دائم في سورية.

ويحاول نظام الملالي الإيراني ضمان سيطرته على الطريق الممتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق، بعد تثبيت نفوذه عبر نشره أكثر من 70 ألف مرتزق من مليشيا حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والأفغانية، فضلاً عن قواعد ومصانع أسلحة، وضباط ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وسواهم.

أما تركيا فقد أطلقت عملية غصن الزيتون العسكرية، لتستكمل ما بدأته في عملية درع الفرات التي توقفت على أبواب منبج، وبقيت بوصفها الطرف الإقليمي الذي لم يرضه ما حصل عليه في حسابات تقاسم النفوذ في سورية، إذ اكتفت مرغمةً بمنطقة محدودة، تمتد من مدينة جرابلس إلى بلدة الراعي، وصولاً إلى مدينة الباب، مع أنها تعتبر نفسها أكثر الدول المعنية بالملف السوري، حيث منعها كل من الأميركان والروس من التقدم باتجاه مدينة منبج، عندما أطلقت

“سيلجأ ساسة كلا البلدين إلى التخفيف من حدة التوتر بينهما، وتدوير زوايا الخلافات، بغية الوصول إلى تفاهمات حولها”

عملية “درع الفرات” في 24 أغسطس/ آب 2016، وأرغمت تلك الممانعة الساسة الأتراك على تغيير وجهتهم الغربية باتجاه التفاهم والتنسيق مع الروس والإيرانيين، حيال الوضع في سورية.

غير أن ما زاد من حدة الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة مطالبة وزارة الدفاع الأميركية تخصيص مبلغ 550 مليون دولار، لدعم ما تسمى “قوات سورية الديمقراطية”، ولتدريب (وتجهيز) قوات حرس الحدود التي أعلنت الإدارة الأميركية العمل على تشكيلها، وكانت السبب الرئيس في توتر العلاقات الأميركية التركية، وإطلاق تركيا عمليتها العسكرية في منطقة عفرين، بمشاركة مقاتلين من فصائل الجيش السوري الحر.

ويبدو أنه على الرغم من لقاءات عديدة جرت ما بين المسؤولين الأتراك والأميركيين أخيراً، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بين البلدين، لكن في مطلق الأحوال، لن يؤدي ذلك إلى إحداث قطيعة بين البلدين الحليفين تاريخياً، وهو أمر تشهد عليه الأزمات السابقة التي حصلت بينهما. لذلك سيلجأ ساسة كلا البلدين إلى التخفيف من حدة التوتر بينهما، وتدوير زوايا الخلافات، بغية الوصول إلى تفاهمات حولها.

العربي الجديد

 

 

حرب عفرين تفتتح مرحلة «الأردوغانية» وتختتم «الأتاتوركية» المترهلة/ حسين جمو

في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2017 اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقادة حزبه، «العدالة والتنمية»، وطلب منهم الاستعداد لانتخابات 2019، وهي ثلاث: الأولى الانتخابات البلدية في آذار(مارس)، والانتخابات التشريعية والرئاسية في تشرين الثاني(نوفمبر). في ذلك الاجتماع حدد أردوغان أهمية الانتخابات الثلاثة بتعبير جامح: «ستحدد انتخابات 2019 مستقبل تركيا لنصف قرن مقبل».

الاطلاع على المشهد المحلي للأحزاب السياسية في تركيا يضع مقولة أردوغان – نصف قرن في إطارها الواقعي. هي ليست مبالغة ولا عبارة هدفها التحشيد الفارغ من المحتوى. هذا ما ستؤسس له الانتخابات الثلاثة العام المقبل في أول انتقال للنظام الرئاسي الذي يتم تطبيقه فعلياً منذ عام 2015.

ما الذي يمكن أن يحول دون سيطرة حزب «العدالة والتنمية» على مفاصل «مستقبل تركيا» ؟ إنها عفرين!

ما الذي يمكن أن يكرس هزيمة مبكرة لكل أحزاب المعارضة ويفتح الباب أمام مرحلة «الأردوغانية» في الحياة السياسية التركية واختتام «الأتاتوركية المترهلة ؟ إنها عفرين!

أظهرت خريطة التحالفات الحزبية خلال العامين الماضيين أن إلحاق الهزيمة بالتحالف القومي– الإسلامي المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية والجناح الشرقي (الأوراسي) من تنظيم أرغنكون، مهمة مستحيلة بالاعتماد على الديناميات المحلية في تركيا.

قرار الحرب على عفرين اتخذه هذا المثلث الذي يقود تركيا برؤية مشتركة. العضو الأخطر في هذه الدائرة العليا للقرار التركي يدعى دوغو بيرنجيك. وكان أحد أبرز المتهمين ضمن عصابة أرغنكون. وحكم عليه بالسجن 117 سنة في عام 2013. إلا أن تغير التحالفات الداخلية دفعت بأردوغان إلى إيجاد مخرج قضائي لإنهاء محاكمة كل المحكومين، بمن فيهم بيرنجيك، عام 2014 بحجة أن الأمن والقضاء كانا مخترقين من «الكيان الموازي» الذي يقصد به جماعة فتح الله غولن.

وقضية أرغنكون بدأت مع ضبط 27 قنبلة يدوية في إحدى الشقق بحي عمرانية في إسطنبول يوم 12 حزيران(يونيو) 2007، واستمرت القضية في المحكمة 6 أعوام وشهرين. لاحقاً، حين شن أردوغان الحرب على فتح الله غولن لم يجد حليفاً أفضل من مخضرمي «أرغنكون» لمواجهة ما سمّي «الكيان الموازي». ولم تقم الحكومة بعرض أي أدلة قاطعة على تورط «الكيان الموازي» في مؤامرة ضد أردوغان قبيل تفجر الخلاف بين الطرفين عام 2014، وتم تحويل تحضيرات جماعة فتح الله غولن بكيفية الحفاظ على الطابع الإسلامي للحكم في حال سقوط حزب «العدالة والتنمية» إلى مؤامرة روجت لها الحكومة أكثر مما هي موجودة في الواقع. كان انشغال غولن بموقع حركته في تركيا ما بعد أردوغان خطأ لا يغتفر في نظر الأخير.

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز(يوليو) 2016، أنشأ أردوغان تحالفاً ضم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، وزعيم «الحزب الوطني» دوغو بيرنجيك. هذا المثلث تأسس لمواجهة أعداء مشتركين: فتح الله غولن، حزب الشعوب الديموقراطي، منافسو أردوغان في حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم أحمد داوود أوغلو وعبدالله غل، ومنافسي باهجلي في حزب الحركة القومية (ميرال أكشنر).

لم يحصل الحزب الوطني سوى على 0.25 في المئة في الانتخابات البرلمانية في 2015. وهو يعد أصغر أحزاب تركيا. لكن خطورته تكمن في تأثيره الاستثنائي في القرار التركي. هذا يعني أن قوته الظاهرية عبر حزبه الصغير غطاء لموقعه الحقيقي، فهو عرّاب العلاقات التركية مع روسيا، وصديق مقرب جداً من حليف بوتين (ألكساندر دوغين)، وكان بيرنجيك بمثابة الرئيس الفعلي لـ «الدولة الخفية» في تركيا، وهي معطيات كشفتها ملفات المحاكمات التي رافقت قضية أرغنكون.

إضافة إلى روسيا، يحظى هذا التحالف الثلاثي التركي بدعم الدوائر السياسية البريطانية. في تركيا وكردستان هناك قناعة معلنة بخصوص بريطانيا. إنها تستخدم تركيا ضد أوروبا من أجل تحسين موقعها في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكنها تلحق ضرراً كبيراً بالشعب الكردي بهذه الطريقة وتدعم دكتاتورية «غير مرئية»، تجيد التخفي وراء المؤسسات. على رغم التناقض الكبير بين روسيا وبريطانيا بخصوص سورية، إلا أن الدولتين تدعمان الصيغة الحالية في السلطة التركية.

وفقاً لوجهة نظر بيرنجيك، تحتاج تركيا إلى تحالف مع روسيا، على غرار التعاون المناهض للإمبريالية مع السوفيات في أيام كمال أتاتورك.

وفقاً لهذا فإن الضلع الذي يقود المثلث الإسلامي القومي الأوراسي هو بيرنجيك الذي اعترف في مقابلة له مع موقع «أحوال» المتخصص في الشؤون التركية أن روسيا أول من حذرت من حدوث محاولة انقلابية على أردوغان. بيرنجيك يقود دفة تركيا باتجاه روسيا ويعتبر السياسات الغربية ذات جذور صليبية. ولديه كتاب بعنوان «الرجعيون الصليبيون» صدر عام 2007 اتهم فيها حزب العدالة والتنمية بخدمة المصالح الصليبية. وبعدما تحالف معه أردوغان صرح بيرنجيك أنه كان يقصد حركة «خدمة» التابعة لغولن.

هذا التحالف الثلاثي (أردوغان – بهجلي- بيرنجيك) يقود الحرب التركية على عفرين. الديناميات المحلية التركية غير قادرة على هزيمة هذا التحالف المهيمن على الحياة السياسية، وهو التحالف الذي دمر عملية السلام بين الحكومة والأكراد، وأشعل الحرب داخل تركيا.

نتيجة الحرب في عفرين تحدد الخريطة السياسية داخل تركيا. كيف؟

إذا فشلت تركيا في احتلال عفرين فإن هزيمة تركيا ستتحول إلى ورقة رابحة في البرنامج الانتخابي لحزب الشعوب الديموقراطي ضد التحالف الثلاثي (الإسلامي – القومي – الأوراسي). في الجبهة المعارضة هناك أحزاب أخرى غير متعاونة، على رأسها «حزب الشعب الجمهوري»، و«الحزب الجيد» بزعامة ميرال أكشنر. والحزبان متأقلمان مع الحرب على عفرين في الوقت الحالي لكن سيستفيدان من الهزيمة التركية للحصول على بعض الأصوات الغاضبة من التحالف الثلاثي. المعضلة التي تواجهها أحزاب المعارضة التركية أنها أبعد ما تكون عن التوافق، ولا أفق لأي تحالف انتخابي في ما بينها.

لكن ستظهر فعالية الأحزاب الثلاثة في الانتخابات الرئاسية اذا اتفقت على دعم مرشح مشترك في مواجهة أردوغان، على عكس الانتخابات البلدية والبرلمانية التي ستكون فيها أحزاب المعارضة في حالة تنافس شديد، خصوصاً أن استطلاعات رأي أظهرت أن حزب ميرال أكشنر يكتسب أنصاراً من قواعد حزب الشعب الجمهوري أكثر من القاعدة التقليدية لحزب الحركة القومية الذي انشقت عنه أكشنر.

من دون انتصار الكرد في عفرين قد يكون من الصعب على حزب الشعوب الديموقراطي تخطي الحاجز البرلماني (10 في المئة). وبناء على نتيجة هذه الحرب سيتخذ الحزب قراره الحاسم في المشاركة بقائمة حزبية (في حال هزيمة تركيا في عفرين) أو عبر المرشحين المستقلين في حال كانت نتيجة الحرب لمصلحة حزب العدالة. كما أن حظوظ «الحزب الجيد» بقيادة أكشنر قليلة في تخطي الحاجز البرلماني، وفي هذه الحالة فإنه في حال كسب الجيش التركي الحرب في عفرين فهناك أخطار قوية بأن يخفق حزبان في دخول البرلمان: حزب الشعوب الديموقراطي والحزب الجيد. وبخصوص حزب الحركة القومية فإن حظوظه منخفضة للغاية مهما كانت النتيجة في عفرين، لأن حزب العدالة والتنمية هو الذي سيحصد مكاسب الحرب. وسيكون البرلمان حكراً على حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، في نظام سياسي يعيد تركيا إلى الثنائية الحزبية التي سادت بين عامي 1950 و1960.

الملفات متشابكة بين الداخل التركي والحرب في عفرين. هزيمة تركيا في عفرين تتيح فرصة كبيرة لإزاحة هيمنة حزب العدالة والتنمية على الحياة السياسية، وسيكون احتمال إزاحة أردوغان عن الرئاسة كبيراً للغاية. وسيرافق ذلك تغيير موقع تركيا في التحالفات الإقليمية والدولية، وإعادة تشكيل السياسة الخارجية بما يتلاءم مع البرنامج التقليدي لتركيا في التقارب مع الغرب وعلاقات باردة مع روسيا وإيران. وعلى العكس تماماً، انتصار تركيا في عفرين ورقة رابحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استخدام تركيا ضد المصالح الأميركية عبر أردوغان وحلفائه. فبعد مرور شهر على عملية «غصن الزيتون» ما زالت تركيا ورقة روسية قوية في وجه أميركا، لذلك تضغط روسيا بكل قوة على النظام السوري لضمان أن تكون صيغة الاتفاق بين النظام ووحدات حماية الشعب استسلامية وليست «شراكة ضد الاحتلال التركي»، ذلك أن أي صيغة غير الاستسلام تضر بمكانة أردوغان داخل تركيا، وتضعف الآمال الروسية في وضع تركيا وجهاً لوجه أمام أميركا.

إذا كان النظام السوري يرغب في المساهمة بوضع نهاية لمستقبل أردوغان السياسي، وبالتالي قوى الإسلام السياسي، فإنه سيحرص على أن تبقى عفرين بالشكل الذي تصبح فيه مثالاً لهزيمة أردوغان.

الحياة

 

 

 

 

الاستراتيجية التركية في سوريا في ميزان الواقعية السياسية/ ميسرة بكور

كنا على الدوام نمتلك الجرأة الكافية لانتقاد سياسات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في ما يتعلق باستراتيجيتة الخاصة بالتعامل مع الملف السوري.

وامتلكنا المصداقية نفسها في انتقاد الفصائل المسلحة والجيش الحر عندما يرتكبون الأخطاء ولم يكن الهدف من الانتقاد تسجيل موقف فحسب، بل كنا انتقادنا لهذه الأطراف بهدف تعديل السياسات واتخاذ استراتيجيات بديلة بهدف تقليل الخسائر وتجنيب المدنيين ويلات المبادرات الخاطئة وتلك التي لا تصب في صالح ثورة الشعب السوري.

واليوم بكل جرأة وحزم نمتلك الإرادة الصادقة لكي نقول بكل وضوح نرفض أي استراتيجية تركية روسية أو صفقات تكون على حساب الثورة السورية ونرفض بعزيمة لا تلين ما يقال أو يُتداول حول صفقة ربما عقدت بالخفاء تدور حول تسليم مناطق في إدلب وريف حماة الشمالي لتنظيم الأسد مقابل تواجد تركي في عفرين السورية. أو ما يتناقله ناشطون حولة صفقة عقدت بهذا الخصوص في الأستانة ضمن الرعاية التركية، ونتساءل بصوت مرتفع عن المكاسب الحقيقية إن وجدت لنقل مقاتلين من إدلب للمشاركة في معركة «غصن الزيتون» بالرعاية التركية بينما قوات تنظيم الأسد تشن هجوماً متوحشا في مناطق إدلب وتسيطر على مزيد من الأراضي المحررة.؟

فلا يعتقد أحدكم أو يتوهم أننا ننساق كل الإنسياق خلف سياسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ولسنا ممن يضعون كل البيض في سلة واحدة، ربما بعضكم اضطلع على انتقاداتنا الشديدة للاستراتيجية التركية المتراخية في كثير من الأحيان وفي كثير من الجبهات. ونتفهم دوافعها لذلك لكن الأمر لم يكن مريحا لنا رغم تفهمنا لملابسات تلك السياسة.

كنا على الدوام نطالب تركيا بسرعة التحرك وعدم انتظار الآخرين الذين حاولوا توريطهم في مستنقع أسموه «الأزمة السورية» وطالبنا تركيا أن تكون صاحبة الفعل ولا تنتظر أفعال الآخرين لتقوم بردة فعل ربما تكون متآخرة وذات كلفة عالية.

هذا ما رأيناه في مناسبات عديدة حيث كان بإمكان الحكومة التركية في عام 2012 و2013 لو تصرفت بحزم أو بشكل منفرد أن تحسم الأمر في سوريا لصالح الثورة وتفرض سياسة الأمر الواقع، كما فعلت أمريكا من خلال محاولتها لفرض تنظيم حزب العمال الإرهابي بمختلف مسمياته وتشعباته كأمر واقع في سوريا. وهو ما وضع تركيا في هذا الموقف الحرج الذي دفع بشكل متأخر جدا لحسم الموقف على الشريط الحدوي.

وتتطلب منا مصداقيتنا مع أنفسنا ومع ثورتنا حين تقوم تركيا بعمل جيد وردة فعل متوازنة وحاسمة أن نصفق لها وأن ندعمها في هذا النحو ونقول لقد اتخذت القرار الصائب.

لكن ستظل أعيننا على الميدان تراقب الموقف عن كثب، وستكون انتقاداتنا جادة وحادة تجاه التراخي والانسياق خلف روسيا وعملية تأهيل الأسد في سوتشي.

مع تفهمنا الكامل لطبيعة المرحلة والانعطافة التي تمر بها ثورتنا السورية وحجم الضغوطات التي تواجهها تركيا من قبل حليفها الأمريكي وتملص حلف الناتو من اتخاذ مواقف حقيقية ملموسة لضرورة دعم تركيا في دفاعها عن أمنها القومي وفي وجه المخاطر والتحديات التي تواجهها من قبل المجموعات والمنظمات الإرهابية «حزب العمال ومشتقاته» والتي للأسف مدعومة من أمريكا.

قد نتفهم الواقعية السياسية التي دفعت تركيا للتوجه نحو موسكو في هذه المرحلة بسبب الدعم الأمريكي للعصابات الإرهابية وعدم دعمها للمشروع التركي في اقامة مناطق آمنة أو حظر طيران فوق مناطق سورية، وتجاهل الحلفاء في الناتو دعم تركيا إلا من بعض تصريحات متفهمة للرغبة التركية، ففي فبراير (شباط) 2016، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: في الوضع الحالي، سيكون من المفيد أن يكون هناك مثل هذه المنطقة، حيث لا يسمح لأي من الطرفين المتحاربين شن هجمات جوية.

ومحاولة توريط تركيا في مواجهة مع روسيا خاصة بعد اسقاط مقاتلة روسية من قبل سلاح الجو التركي.

حيث أظهرت تلك الحادثة حقيقة حلف الناتو واستراتيجيته تجاه الحليف التركي، ويمكن اضافة أسباب أخرى على سبيل المثال ما قيل حول تورط أمريكا في التخطيط للانقلاب على الحكومة التركية الذي أفشله الشعب التركي بوعيه، وكذلك رفض أمريكا تسليم «عبدالله غولن» لتركيا.

نتفهم كل هذه العوامل لكن ثمة حقيقة أخرى يجب أن توضع على طاولة الحقيقة، أن تركيا كانت مترددة في سوريا وتنتظر أفعال ودعم الآخرين ولم تكن فاعلة وصاحبة الفعل وفرض الأمر الواقع وكانت لديها مقومات فعل ذلك في الأعوام الأولى للثورة، لكنها فضلت الترقب وكانت لديها حسابات أخرى وهي التي أوصلتها لواقع اليوم.

بكل مصداقية نقول إن المخاوف التركية المشروعة من الانفصاليين» حزب العمال وتفرعاته» وتأثير ذلك على الأمن القومي التركي، وتخاذل الحلفاء بدعم أمن تركيا وإصرار أمريكا الاعتماد على تلك المنظمة ودعمها بالمال والسلاح واعتبارها حليفة لأمريكا شأنها في ذلك شأن الدولة التركية بما يشكل استخفافاً واضحا بتركيا وحكومتها، كان الدافع الرئيسي للقيام بعمل عسكري «غصن الزيتون» بالتعاون مع الجيش السوري الحر، لتحرير عفرين والقضاء على بؤرة الإرهاب وبذور الشقاق والنفاق والتقسيم الذي فرضته تلك العصبة المارقة في سوريا والذي ستكون له انعكاسات مباشرة على الأقليم والجغرافية التركية.

حيث سيثور أنصار حزب العمال في تركيا ويطالبون بالانفصال والانضمام إلى الدولة الوليدة وينطبق هذا الأمر على إيران والعراق.

حيث سينتفض الشعوبيون الانفصاليون ويطالبون بالانفصال عن إيران لذا تلاقت المصالح التركية الإيرانية في هذا الجانب وشكلا تحالفا كان من نتائجه وأد الحركة الانفصالية شمال العراق في مهدها.

تلك هي السياسة وحرب المصالح فالسياسة مصالح قد تتلاقى أو تتباعد ولسوء حظنا تلاقت المصالح الإيرانية التركية الروسية.

إن القرار الذي اتخذته الحكومة التركية بالتعاون مع الجيش السوري الوطني الحر، بشن عمليات في منطقة عفرين العربية السورية بهدف تطهيرها من عصابات حزب العمال الكردستاني.

كان القرار الصائب والصحيح والذي طال انتظاره من قبل السوريين الأحرار وأبناء المنطقة «عفرين» الذين يتعرضون للاعتقال والتجنيد الإجباري في صفوف تلك الفئة المارقة المنفلتة من عقال القيم والأخلاق الإنسانية، وتدعي أن تلك المنطقة العزيزة من سوريا هي جزء مما يزعمون أنه كردستانهم الوهمية وتلك الفئة المارقة مازالت تتحالف مع تنظيم الأسد والقوات الأمريكية.

تستغل العصابات الإرهابية مجريات الأحداث في سوريا من أجل تحقيق أطماعها الشعوبية الانفصالية في سوريا وهذا ما لايمكن القبول به سوريا وهو يشكل خنجرا في خاصرة الأمن القومي التركي.

وفي هذا المقام نقول إن لتركيا كامل الحق في التدخل لحماية أمنها القومي والجميع يعلم كم هي الأضرار التي تسببت بها عصابات حزب العمال الكردستاني ومشتقاته في سوريا لتركيا ولثورة الشعب السوري.

وفي الحديث عن المطامع التركية في سوريا، فقد أعلن الرئيس التركي في أكثر من مناسبة انه ليس لتركيا أي مطامع في الأراضي السورية وغيرها ونصدقه في هذا.

وفيما يخص اجتماع مجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في سوريا الذي طالبت به فرنسا، كنا سنرحب به في حال كان من أجل بحث وقف أعمال القتل والتدمير الحاصلة في سوريا من قبل الروس والإيرانيين والأمريكان الذين دمروا مدنا بكاملها.

وكنا نرجو أن توضع كل هذه الأمور على طاولة البحث وأن لا يكون موضوع عفرين هو البند الرئيسي على طاولة النقاش، فهذا من وجهة نظرنا انحياز واضح للفكر المتطرف والانفصاليين الذين يزعزعون أمن وسلامة ووحدة الأراضي السورية والتركية والعراقية.

ونعتقد أن انحياز مجلس الأمن ومنظومة المجتمع الدولي للمتطرفين الانفصاليين هو دعم للفكر الإرهابي التخريبي، كما حصل في عين العرب السورية حيث استنفر العالم كله لدعم الأكراد في الوقت الذي كان فيه الشعب السوري يتعرض للإبادة الشاملة بالأسلحة الكيميائية على يد تنظيم الأسد وإيران وبتوافق روسي كامل.

مازال البعض عن حمق ووقاحة شديدين يحاول تلبيس عملية غصن الزيتون انها موجههة ضد الشعوب الكردية.

وهذا كلام كاذب بالجملة، لسبب واحد أن رئيس وزراء تركيا الحالي بن علي يلدرم أو بينالي يلدريم، هو من أصول كردية فكيف له أن يشن حربا ضد أبناء جنسه، وهو الذي قال حين تكون المسألة الوطن لن نستأذن احدا.

بينما الحقيقة تقول إن تنظيم حزب العمال الإرهابي بمختلف مسمياته هو المستهدف بالعملية، وهو تنظيم متعدد الجنسيات ويضم في صفوفه على الأقل عشر جنسيات.

فقد أعلنت فرقة من المقاتلين الأجانب، بقيادة المقاتل الصيني هوانغ لي، الذي يحمل الجنسية البريطانية، انضمامها للقتال إلى جانب «الوحدات الكردية» في مدينة عفرين السورية.

وكان مسؤول في «ميليشيا قسد» صرَّح بأن متطوعين أمريكيين وبريطانيين وألمان، متواجدون الآن في منطقة عفرين للمشاركة في التصدي للهجوم التركي.

كاتب وباحث سوري

القدس العربي

 

 

 

 

ماذا لو أعلنت سورية استسلامها للأسد؟/ حازم الامين

خُير حزب الاتحاد الديموقراطي (بي يو دي)، وهو الحزب الأوسع انتشاراً بين أكراد سورية، بين أن يدخل الجيش التركي مدينة عفرين، وأن تدخلها ميليشيات قريبة من النظام السوري، فاختار الأخيرة! هذا التبسيط ضروري في مرحلة أخرى من نقاش ما جرى أخيراً في تلك المدينة السورية، لكن قبل ذلك يجب التدقيق في حقيقة ما إذا كان الحزب فعلاً قد خُير، والعودة إلى المشهد السياسي الشديد التعقيد الذي جرت في ظله هذه المفاضلة.

فـ «التسوية» المتمثلة بدخول ميليشيات قريبة من النظام إلى عفرين لم تكن بعيدة عن حقائق التنسيق غير المسبوق بين موسكو وأنقرة وطهران، وأيضاً جرت في ظل رعاية واشنطن لقوات «قسد» الكردية تدريباً وتسليحاً وإشرافاً. ميليشيا النظام دخلت غير متحدية الحقائق الثقيلة التي يمليها هذا الاصطفاف، وهنا يصح القول إن أنقرة أيضاً اختارت أن يدخل النظام المدينة عوضاً عن دخولها هي إليه، وإن اعترى خطابها حيال الخطوة بعض الوعيد لجيش النظام ولميليشياته. فالمفاضلة الموازية بين أن يسيطر النظام على عفرين، وأن تكون المدينة بيد عدو أنقرة التاريخي، جاءت نتيجتها أن أنقرة أيضاً تفضل ميليشيات النظام على الميليشيات الكردية. وهذا ليس استنتاجاً، فأداء أنقرة منذ سنوات كشف أن الأخيرة ترى في النظام شراً أقل عليها، وسبق أن رأت في «داعش» أيضاً خياراً إذا ما لاح الخطر الكردي.

النظام السوري ليس في موقع يرشحه لخوض مواجهة مع الجيش التركي. لم يكن يوماً بهذا الموقع، وهو الآن ليس فيه أكثر من أي وقت مضى. ولا أحد يمكنه أن يصدق أنه دخل عفرين متحدياً الإرادة التركية. التحالف المنعقد في خلفية هذا المشهد بين أنقرة وموسكو وطهران لا يجعل المواجهة منطقية أصلاً، وعلى المرء والحال هذه أن لا يُغامر باستنتاج مفاده أن مواجهة قادمة على هذا الصعيد. فدخول ميليشيا موالية لبشار الأسد كان مخرجاً منطقياً لجميع الأطراف في عفرين. أما أن يُذهل ناشطون سوريون من استقبال عفرينيين لهذه الميليشيات رافعين صور بشار الأسد، فكان حرياً بهم أن يذهلوا أيضاً من مواكبة وفد من قيادة الائتلاف السوري المعارض للجيش التركي على تخوم عفرين، علماً أن الذهول صار وظيفة وحيدة لكثير من الجماعات السورية في ظل عجزها عن التأثير في مجريات الحدث في بلدها.

دخول الميليشيات الموالية للنظام في سورية إلى عفرين كان حلاً يرضي كل أطراف الحرب في تلك المدينة، لكنه أيضاً مثل إعلاناً عن اختناق كل المشاريع التي تستبعد النظام عن الحل النهائي. وبهذا المعنى مثلت الخطوة هزيمة فعلية لما تبقى من قوى المعارضة. فلم يعد في الأفق إلا بشار الأسد، وهذا ينطوي بدوره على فاجعة وعلى مأساة. ففي الوقت الذي دخلت فيه قوات النظام إلى عفرين بوصفها ملجأ المتحاربين، كانت هذه القوات تُقدم على قتل المئات في الغوطة الشرقية! وتزامن الحدثين يوحي بأن الحل في سورية ينطوي على قبول بالوظيفة الدموية للنظام. وأطراف هذا القبول هم القوى التي جرت في ظلها تسوية عفرين. أي موسكو وأنقرة وطهران، وأيضاً واشنطن التي لم تكن بعيدة عن مسارات التسوية. وبهذا المعنى لا أحد بريء من الدم السوري في الغوطة، وهو على كل حال ما يُفسر الصمت الذي قوبلت به المجزرة هناك.

إنها مأساة حقاً، والمرء إذ يستعرض مشاهدها تتكثّف في مخيلته عشرات الصور التي تحف بها، فيسقط في عجزه عن تفسير هذا الاستعصاء. فأن يكون النظام خياراً دولياً لحل معضلة عفرين في الوقت الذي يتولى فيه قتل مئات السوريين في الغوطة على نحو سافر ومن دون أي رد فعل دولي يذكر، وأن تقبل أنقرة بهذا الحل في الوقت الذي يُرابط الائتلاف الوطني السوري مع قواتها في محيط المدينة، فإن الأسئلة في ظل هذا المشهد تطال جدوى الاعتراض على الوظيفة الدموية للنظام. فأي معترض على قتل المواطنين في الغوطة سيكون خاسراً، ذاك أن الائتلاف نفسه يُشارك في هذه الغارات عبر مشاركته أنقرة في حربها في عفرين.

مسؤولية الأكراد، وحزبهم الأوجلاني، عن دخول النظام مدينتهم ليست والحال هذه في مستوى مسؤولية المعارضات السورية المقيمة في تركيا، وهي من دون شك لا توازي مسؤولية أنقرة ولا تنفصل عن مسؤولية واشنطن. وهنا تبدو العودة إلى السؤال الأول خاتمة منطقية لهذه التراجيديا، فإذا استبعدنا كل عناصر المشهد وأبقينا على حقيقة أن الـ «بي يو دي» قرر أن ميليشيا النظام أقرب إليه من الجيش التركي، فإن ما علينا استعادته هنا هو حقيقة العداء التاريخي بين أنقرة وبين أكرادها وأكراد سورية، وهذا ما سيفضي إلى أن الخطوة الكردية منطقية، وغير المنطقي فيها أن تكون تسوية يشارك فيها رعاة المعارضات السورية ممن قبلوا بتسليم المدينة للنظام، وسبق أن أهدوه مدينة حلب.

لم يعد مجدياً أن يُقاوم أحدٌ المسارات التي تخطها الدول الراعية للحرب في سورية. الهزائم تتتالى وهي قدر لا بد منه. البحث عن عدد أقل من القتلى هو الخيار الأسلم في ظل هذه الهزيمة المدوية. أن يذهب وفد الائتلاف السوري إلى دمشق بدل أن يذهب إلى محيط عفرين وأن يُعلن من هناك استسلامه، ربما كان خطوة مفيدة، فهذا قد يفضي إلى عدد أقل من القتلى، ناهيك عن أنه يُحرر الائتلاف من وظيفة المستتبع المُهان. ففي دمشق ستكون السجون في انتظاره، وربما المشانق، أما في أنقرة، فهو جزء من تحالف جرى قتل الناس في الغوطة تحت رعايته وقبوله، وهو هناك في أنقرة ينتظر نتائج هذا الموت ومردوده على سيده الذي أفسح للنظام في عفرين وفي الغوطة.

يجب الإسراع في إعلان الاستسلام، فقبل سنة كان الاعتراف بالهزيمة ضرورة، أما اليوم فلا شيء أقل من الاستسلام، وغداً إذا لم نسارع في إعلان استسلامنا، سيكون العرض أن لا بديل عن إقدامنا على الانتحار. النظام السوري سبق أن طلب ذلك من شخص أعرفه.

الحياة

 

 

 

 

تدهور العلاقات الأميركية – التركية وتضارب المصالح في سورية

2018-02-22 | المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مثَّل تكثيف وتيرة الاتصالات الأميركية – التركية، على المستويات الدبلوماسية والعسكرية خلال الأسابيع القليلة الماضية، مؤشرًا على حجم التحديات التي تواجهها العلاقات بين الحليفين في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإدراك الطرفين ضرورة وقف تدهورها. ومثّلت زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، العاصمة التركية أنقرة، منتصف شباط/ فبراير 2018، ذروة هذه الاتصالات.

حسابات متعارضة

جاءت الاتصالات الأميركية – التركية في ظل توتر شديد، بسبب رهان الولايات المتحدة على القوى المسلحة الكردية في سورية. وتصاعدت حدة هذا التوتر، بعد إطلاق تركيا عملية “غصن الزيتون” في منطقة عفرين، شمال غرب سورية، الخاضعة لسيطرة “وحدات حماية الشعب” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي تعتبره أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني التركي. وكان إعلان الولايات المتحدة نيتها التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تمثّل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري، لإنشاء وتدريب قوة أمنية حدودية سورية قوامها 30 ألف عنصر، أسهم في مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين. وتحظى “قسد” بدعم أميركي، تسليحي وتدريبي، في حين ترى تركيا أن سيطرتها على الشمال السوري مقدمة لقيام كيان كردي انفصالي.

وتهدّد الحسابات المتعارضة للولايات المتحدة وتركيا بإمكانية وقوع صدام بين البلدين، خصوصًا مع تهديد تركيا بأنها قد تضطر إلى اجتياح بلدة منبج الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات، ودعوتها القوات الأميركية الموجودة فيها إلى الانسحاب منها، وهو الأمر الذي ترفضه الأخيرة. وتخضع منبج حاليًا لسيطرة “قسد”. وتحاول الولايات المتحدة، عبر هذه الاتصالات، تهدئة المخاوف التركية، وتجنّب الصدام بين قوات البلدين، أو بين الفصائل السورية المدعومة من كليهما.

ويعترف الطرفان بأن مستوى العلاقات وصل إلى حدٍ غير مسبوق من انعدام الثقة وافتراق المصالح؛ فبحسب تيلرسون، وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى “مرحلة

“يعترف الطرفان بأن مستوى العلاقات وصل إلى حدٍ غير مسبوق من انعدام الثقة وافتراق المصالح”

حرجة”. وهو التقييم الذي شاركه إياه وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، بقوله: “إما أن نصحح العلاقات أو أنها ستأخذ منعطفًا نحو الأسوأ”. ولعل في تحذير الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، القوات الأميركية في شمال سورية، في 14 شباط/ فبراير 2018 من الوقوف في وجه العملية العسكرية التي تنفذها قواته شمال غرب سورية، ما يؤكد المرحلة الحرجة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين، خصوصًا أنها جاءت بعد تحذيرٍ مماثلٍ، وجّهه قائد القوات الأميركية في منبج، الجنرال بول فونك، للفصائل السورية المدعومة من أنقرة، بقوله: “إن هاجمتمونا سنردّ بقوة”. وبحسب تشاويش أوغلو، لا تنمّ تصريحات أردوغان عن عداوة للولايات المتحدة، بقدر ما تعبر عن رأيٍ عام تركي مستاء منها؛ إذ ينظر 83% من الشعب التركي إلى الولايات المتحدة نظرةً سلبية، استنادًا إلى استطلاع رأي أجراه أخيرا مركز التقدم الأميركي.

محاولات رأب الصدع

انطلاقًا من إدراك الولايات المتحدة وتركيا حقيقة التوتر القائم في علاقاتهما وعمقه، فقد حرص مسؤولو البلدين على تأكيد مستوى العلاقات التحالفية بينهما، كما حرص المسؤولون الأميركيون على إبداء تفهمهم الهواجس التركية، الأمر الذي أكده تيلرسون، بقوله: “تحالفنا ليس شكليًا، وليس مرتبطًا بمصلحة مؤقتة. إنه تحالف تم اختباره زمنيًا، وهو مبنيٌّ على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل”. وأضاف: “لن نتصرّف منفردين بعد اليوم. لن تفعل الولايات المتحدة شيئًا والأتراك شيئًا آخر”. ورأى تيلرسون أنه لا خلاف في الأهداف بين الطرفين في سورية، والمتمثلة في: هزيمة “داعش”، وتحقيق الاستقرار في سورية، وإيجاد مناطق استقرار، حتى يتمكّن اللاجئون والنازحون داخليًا في النهاية من العودة إلى ديارهم، ودعم حل سياسي لسورية يؤدي، في النهاية، إلى سورية موحدة ومستقلة وديمقراطية، من دون وجود علامات ترسيم حدودية تقسمها، وتمكين الشعب السوري من اختيار قيادته من خلال انتخابات حرة ونزيهة.

ونص البيان المشترك الذي جاء بعد لقاءات تيلرسون في أنقرة على “إنشاء آليةٍ لحل الخلافات”، وتعزيز العلاقات بين البلدين، على أن يتم “تفعيلها في موعدٍ لا يتجاوز منتصف آذار/ مارس 2018″. كما أشار تشاويش أوغلو إلى اتفاق الطرفين على تشكيل مجموعات عملٍ أخرى تعالج مسائل مثل وحدات حماية الشعب الكردية، والداعية التركي فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية عام 2016.

مع ذلك، لا يبدو أنّ أزمة الثقة بين الطرفين قد زالت؛ إذ لم تقدّم الولايات المتحدة إجابةً، بعد،

” لا يبدو أنّ أزمة الثقة بين الطرفين قد زالت؛ إذ لم تقدّم الولايات المتحدة إجابةً، بعد، عن العرض التركي نشر قوات مشتركة معها في سورية”

عن العرض التركي نشر قوات مشتركة معها في سورية، وهو ما يعني، إن تمَّ، استبدال القوات الكردية بتركية. فبحسب تشاويش أوغلو، ستكون تركيا قادرة على اتخاذ خطوات مشتركة مع الولايات المتحدة في سورية، ما إن تغادر الوحدات الكردية منطقة منبج، مضيفًا: “المهم من سيحكم ويوفر الأمن لهذه المناطق […] سننسق لاستعادة الاستقرار في منبج والمدن الأخرى. سنبدأ بمنبج. بعد أن تغادر وحدات حماية الشعب الكردية، يمكننا اتخاذ خطوات مع الولايات المتحدة بناء على الثقة”. وهو الأمر الذي ردَّ عليه تيلرسون بالقول: “لا يتعلق الأمر بمنبج وحدها. علينا أن نفكر في الشمال السوري بأسره”. وأضاف، وإن كان يتفهم حق تركيا المشروع في الدفاع عن حدودها، فهي مدعوةٌ لممارسة ضبط النفس في عملية عفرين، وتجنّب ما وصفها تصرفاتٍ من شأنها تصعيد حدة التوتر في المنطقة.

وكان لافتًا أيضًا تضارب التصريحات التركية – الأميركية في مسألة سحب الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعب. وبحسب وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي، فإنّ نظيره الأميركي، جيمس ماتيس، خلال اجتماعه به في 15 شباط/ فبراير 2018 على هامش اجتماع لحلف الناتو، أبلغه أنّ واشنطن تعكف حاليًا على خطة لجمع الأسلحة التي وزعتها على “قسد”، خصوصًا الأسلحة الثقيلة. لكن تيلرسون قال، في وقت لاحق، إن واشنطن “لم تقدّم مطلقًا أسلحة ثقيلة” ل”قسد”. ولذلك لا يوجد شيء يحتاج إلى أن نجمعه. وهو الأمر الذي أثار غضب الأتراك الذين يصرّون على أنّ واشنطن تسلّح الأكراد بأسلحةٍ ثقيلةٍ، يستخدمونها في التصدّي للعملية العسكرية التركية في عفرين.

وقد أقر تيلرسون بالتلاعب الأميركي مع تركيا بقوله: “قطعت الولايات المتحدة تعهداتٍ لتركيا من قبل، ولم تف بالكامل بتلك الالتزامات. سنعالج ذلك من خلال مجموعة العمل، وسيكون لمنبج الأولوية”. وهو ما دفع تشاويش أوغلو إلى القول إن الولايات المتحدة قدّمت وعودًا في السابق “لم يتم الالتزام بها”، وأن تركيا تصر هذه المرة على أن تغادر القوات الكردية بلدة منبج السورية، وتتحرك إلى شرقي نهر الفرات.

أسباب أخرى للتوتر

ولكن الخلاف الأميركي – التركي لا يقتصر على السياق السوري، فثمّة عوامل أخرى تسهم في توتير العلاقة بين الطرفين، وانعدام الثقة بينهما، أهمها:

  • الانفتاح التركي على روسيا والتنسيق المشترك معها في سورية بعيدًا عن الولايات المتحدة، خصوصًا في مسار مفاوضات أستانة.
  • نية تركيا شراء نظام الدفاع الصاروخي الجوي الروسي أس – 400. فمن ناحية، ترى الولايات المتحدة وحلف الناتو أن هذا النظام لا يتوافق مع أنظمة الحلف. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة تقول إنّ مضيّ تركيا في الصفقة مع روسيا قد يجعلها عرضةً لعقوباتٍ أميركيةٍ، بموجب القانون الأميركي الذي أقرّه الكونغرس عام 2017 لمعاقبة روسيا، بذريعة تدخّلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وينص القانون على معاقبة الشركات والدول التي تتعامل مع بعض الصناعات العسكرية الروسية. أما تركيا فتقول إنها تتفهم القوانين الأميركية، لكن الدفاع الجوي يمثل مصدر قلق لها، وهي لم تتمكن من الحصول على بدائل أخرى من العرض الروسي.
  • استمرار تركيا في احتجاز بعض الموظفين الأتراك العاملين في القنصلية الأميركية في إسطنبول، إضافةً إلى مواطنَيْن أميركيين، تتهمهم السلطات التركية بالتجسّس والتورّط في دعم المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا صيف عام 2016. وقد أدت هذه الاعتقالات إلى تعليق خدمات التأشيرة بين البلدين في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. وقد طالب تيلرسون بالإفراج عنهم جميعًا.
  • استمرار الولايات المتحدة في إيواء فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية عام 2016. وما زالت الولايات المتحدة تماطل في فتح ملف غولن، إذ قال

“استياء واشنطن من تراجع منسوب الديمقراطية في تركيا، وما تسميها النزعة السلطوية لدى الرئيس أردوغان”

تيلرسون إن الولايات المتحدة ستواصل فحص الأدلة التي قدّمتها تركيا ضده.

  • الغضب التركي من الموقف الأميركي الغامض من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا صيف عام 2016. وقد حاول تيلرسون التخفيف من حدّة الغضب التركي في هذا الصدد، عبر إشارة البيان المشترك بين البلدين إلى إدانة الولايات المتحدة “محاولة الانقلاب الشنيعة”، وإعرابها عن تضامنها مع الحكومة التركية.
  • استياء واشنطن من تراجع منسوب الديمقراطية في تركيا، وما تسميها النزعة السلطوية لدى الرئيس أردوغان. وقد لمّح تيلرسون إلى ذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع تشاويش أوغلو، بقوله: “نحن ندعم، وسوف نواصل دعم الديمقراطية التركية”، مضيفًا: “احترام سيادة القانون واستقلال القضاء والصحافة الحرة هي مصادر قوة واستقرار، وعندما تحافظ تركيا على التزامها بهذه المبادئ فإنها توسّع شراكتنا المحتملة”.

الخلاصة

ربما نجحت اللقاءات الدبلوماسية والعسكرية الرفيعة المستوى التي أجراها مسؤولون كبار من البلدين في الأسبوعين الأخيرين في تخفيف أزمة حادة بين الحليفين، غير أنه من غير المحتمل أن تتمكّن من تبديد الأزمة بينهما كليًا؛ فالخلافات الحادة بين الولايات المتحدة وتركيا تتعلق بالرؤى والأولويات والإستراتيجيات في الإقليم؛ أي من العلاقات بروسيا إلى الموقف من الصراع الدائر في سورية. ولكن، من المستبعد أن تصل الأزمة إلى درجة الصدام؛ فثمة آلياتٌ كثيرةٌ لتجَنُّبه والتوصل إلى تسويات، فلا يبدو أنّ أيًا من الطرفين مستعد للاستغناء عن الآخر. أما التوصل إلى إستراتيجيةٍ مشتركةٍ فهو أمر صعب المنال حاليًا.

العربي الجديد

 

 

 

 

عفرين: تقلبات صعبة ومواقف لا مفر منها/ براء صبري

يمر الشهر الأول من المعارك في عفرين بين الوحدات الكردية من جهة والجيش التركي وحلفائه من جماعات الجيش الحر السورية من جهة ثانية بقلق شديد، وبزيادة في الحسابات والضحايا، وتقلبات صعبة في المواقف، والتحالفات، ومناطق السيطرة بين الجهتين، في وقت يُلاحظ المراقبون كيف أن الجبهات السورية الأخرى تشهد المزيد من الضجة وخاصة ان الحرب الداخلية على مناطق النفوذ في إدلب بين حركة أحرار الشام الإسلامية وصقور الإسلام من جهة وبين هيئة تحرير الشام الإسلامية (جبهة النصرة) من جهة أخرى في بلدات أريحا ومعرة النعمان والمسطومة وغيرها مستعرة في الوقت الذي زادت فيه تركيا عدد نقاط تمركزها هناك إلى ست. ويُلاحظ تزايد الهجوم الجوي الوحشي للنظام مدعوما بحلفائها من الروس والإيرانيين على منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة بترافق مع إعلان كتائب الجنوب السوري في درعا عن فض الهدنة مع النظام مع وصول الأخبار عن مقتل المئات من المدنيين في الغوطة، وتأتي الأخبار عن قيام الأمريكان بدحر هجوم لجيش النظام وحلفائه على نقطة تمركز لقوات سوريا الديمقراطية والجيش الأمريكي في وادي الفرات وما تبعه من ضجة إعلامية عن وجود مواطنين روس يقاتلون مع النظام هناك ضمن حملة السيطرة على نقاط النفط والغاز في شرق سوريا. كل هذه الأحداث التي ترسم معالم الأوضاع العامة السورية تُعتم إلى حد ما على الأحداث في عفرين وتجعلها معركة هامشية رغم ارتباط معظم الأحداث في سوريا بعضها ببعض، ورغم كونها مصيرية على مركز الأكراد السياسي والعسكري في سوريا المستقبل، وتجعل من مواقف القوات الكردية التي «تدافع بشراسة» حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان لدرجة اضطرارها إلى طلب المساعدة من جهة تعتبرها تلك القوات نداً وعدواً لها وهي جيش النظام السوري الذي دخلت بعض قواته الرديفة إلى عفرين قبل أيام للمساعدة في صد الهجوم التركي عليها.

ما زالت المعارك في عفرين تتمحور على أطراف المقاطعة رغم الحديث عن عمليات كر وفر مستمرة بين الطرفين في معارك القرى هناك. وما زالت نسب السيطرة التركية على المنطقة غير معلومة، وان كانت التقارير تتحدث عن سيطرة تركيا على نسبة من الأراضي هناك تتراوح ما بين العشرة في المئة إلى السبعة عشرة، وهي نسبة صغيرة قياساً بنوعية الأسلحة وحجم القوات التركية والقوات الرديفة لها من السوريين، وهي نسبة مؤثرة كردياً على اعتبار أن عفرين نفسها ليست بتلك المساحة الكبيرة وكل تقدم تركي ولو صغير يزيد من صعوبة موقف الإدارة الذاتية هناك من حيث كيفية إدارة الموقف، واحتواء الوضع الإنساني، وكيفية إيواء للنازحين إلى بلدة عفرين من مناطق الاشتباك الساخنة، وكذلك يجعل خيارات الوحدات الكردية أكثر ضيقاً على اعتبار أن المجتمع الدولي يتفرج حتى اللحظة، ويخشى لجم تركيا الغاضبة من الغرب لملفات خلافية عدة رغم التذكير الفرنسي والأمريكي المستمر لها بضرورة ضبط النفس والهدوء، ولقربها السياسي الحالي في سوريا مع موسكو على رغم الحديث المتقطع لروسيا عن تفاصيل ثانوية هنا وهناك، وتأكيدها على ضرورة الحوار المباشر بين أنقرة ودمشق لوضع حل لتلك الأحداث في قفز على المواضيع الرئيسية المتعلقة بعفرين.

الدعوة الكردية للنظام للدخول وفصل الملفات

ظل الأكراد يطالبون النظام التدخل في عفرين ضد الهجوم التركي منذ اللحظات الأولى من خلال إغلاق المجال الجوي السوري بوجه الطائرات التركية دون التدخل المباشر لعدم إعطاء النظام الفرصة للعودة إلى السيطرة هناك على اعتبار ان عفرين خالية من النظام منذ أكثر من ثلاث سنوات، وان الأكراد يرتابون من عودة المركز إلى ممارسة سلطته الاستبدادية التي عانوا منها لعقود في مناطقهم. ولكن، ظل النظام الذي صرح نائب وزير خارجيته فيصل المقداد قبل بدء العمليات التركية هناك أن الدفاعات الجوية السورية ستتصدى للطائرات التركية عند دخولها المجال الجوي السوري متفرجاً عند بدء العمليات. النظام الذي رفض طلباً من الوحدات الكردية للانتشار على الحدود للدفاع عن «السيادة السورية» تحت ضغط الروس حسب توصيف المصادر الكردية في بدايات المعارك، أعلن قبل أيام عن وصوله لصيغة غير واضحة تماماً لدخول عفرين للمساعدة في الدفاع عنها.

يتحدث القادة الأكراد عن أن ظروف المعركة حتمت عليهم دعوة دمشق للدفاع عن حدودها الخارجية، وهو جزء من نهج يتبعونه من خلال فصل الملفات الداخلية عن الخارجية، حيث يذكر هؤلاء، أن واجب حماية الحدود عند وجود هجوم خارجي يقع على عاتق المركز وغير ذلك من الملفات كملف إدارة المنطقة، وملف الأسلحة الثقيلة والمقاتلين، وشكل الحكم، هي ملفات خلافية مع المركز لا علاقة لها بموضوع الدفاع المشترك عن الحدود الخارجية لعفرين. حاول النظام الترويج على أنه حامي البلاد، وأنه عاد للمنطقة كمنقذ، وظل الأكراد يرسمون خطوط انتشاره المتواضعة حتى اللحظة حسب المراقبين هناك. ففيما تصر الوحدات الكردية على تخصيص الخطوط الأمامية فقط لتلك القوات القادمة والتي يسميها النظام بالقوات الشعبية (وهي جلها فيما يبدو من منطقتي نبل والزهراء المجاورتين لعفرين والتابعتين للنظام)، يحاول النظام الترويج على عودته الكاملة للمنطقة، وتحاول في ذات الوقت الجماعات السياسية المعارضة القريبة من تركيا اعتبارها جزءا من تحالف قديم بين الوحدات والنظام، في الوقت الذي يرد القادة الأكراد على تلك الجماعات وعلى النظام نفسه من خلال تسليط الضوء على الأخبار الواردة عن القتال المستمر لقوات سوريا الديمقراطية ضد النظام وحلفائه على مناطق النفوذ في شرق الفرات.

وظلت أمريكا تحاول تخفيف التشنج الحاصل على حدود عفرين بين جهتين تعتبرهما حليفتين لها في المنطقة دون جدوى. وطالبت أمريكا تركيا مرات عدة ضبط النفس، وحاولت تمرير الرسائل من خلال التصاريح الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع والخارجية لأنقرة عن ضرورة تركيز القوة على محاربة «داعش» لا على معركة عبثية.

وظلت أمريكا تذكر الوحدات الكردية أن المعارك في عفرين رغم عبثيتها من قبل تركيا، إلا أنها خارج النفوذ الأمريكي وهي لا تستطيع سوى تقديم الدعوات للطرفين بالهدوء. وكان التصريح الرسمي الذي ركز على أن القوات الأمريكية لم تقدم أي سلاح للوحدات الكردية الموجودة في عفرين جزءا من الصراحة الأمريكية للوحدات الكردية عن حقيقة الأمور وطبيعة التصرف الأمريكي مع ملف عفرين الساخن، في وقت كانت الأخبار تتحدث عن رفض أمريكي التخلي عن منبج التي تطالب بها تركيا واستعدادها الدفاع عن وجودها وشركائها هناك. لم يكن الرد الكردي الرسمي في عفرين على الموقف الأمريكي فوضوياً بل فيما يبدو من التفاصيل حسب المراقبين، أن الأكراد اختاروا البراغماتية في التصرف فقرروا البحث عن بدائل وإن كانت موجعة لهم في الوقت الذي عززوا تحالفهم مع الأمريكان في شرق الفرات ومنبج أيضاً. كانت الأخبار الصادرة عن الدفاع الصارم للقوات الأمريكية عن قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها في وادي الفرات أمام هجوم النظام جزءا من تلك البراغماتية التي يمارسها الطرفان. تقبل الأكراد تباعد الأمريكان معهم في ملف عفرين، وتأقلموا مع الوضع، ويقدر الأمريكان فيما تقول المصادر عدم تهور الأكراد بسحب المقاتلين من مناطق التشابك مع «داعش» والنظام السوري في وادي الفرات إلى عفرين كرد فعل على عدم تدخل أمريكا القوي لوقف تركيا عملياتها هناك. بحثت الوحدات عن دعم بديل فوجدته لدى النظام وعلى اعتبار ان الهجوم التركي بدأ بضوء أخضر روسي، لا يصلح طلب المساعدة من الروس بعدها، وعلى اعتبار أن الوحدات تجد في إيران دولة مريبة، وتقبل الأمريكان الخيار البديل الوحيد المتوفر للوحدات واستمروا في علاقتهم ودعمهم للوحدات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية في مناطق التواجد المشترك بينهما رغم الدخول العسكري للنظام إلى عفرين.

وبينما تأخذ العمليات العسكرية في عفرين طابعا جديدا مع دخول بعض الطلائع العسكرية التابعة للنظام، يبدأ الحديث عن المصير الذي ستكون عليه الأوضاع العامة لمستقبل الإدارة في عفرين في الشارع الكردي العام وعن الآليات التي سيتبعها القادة الأكراد لتحقيق التوازن بين خططهم الخاصة وتشويش النظام عليها، وكذلك تطفو على السطح تساؤلات عن موقف تركيا في مواجهة الوجود الرسمي للنظام على الحدود، فبينما يتخوف البعض من تحول المعارك إلى إقليمية في حالة المواجهة المباشرة بين النظام وتركيا، يظن البعض أن الأتراك سيضطرون إلى التوقف عن هجومهم الذي قد يحرج قيادتهم في الداخل التركي، ويجعل موقف المعارضة السورية المسلحة أضعف عن ما قبل من حيث وقوفها صامتة أمام عدوها الرئيسي المفترض وهو النظام، حيث ما زال البعض في عفــرين يتحدث وبإصرار عن ان بنادق هؤلاء المقاتلين تفتح فوهاتها مع فوهات البنادق التركية وتغلق بإغلاقها ليس إلا.

القدس العربي»

 

 

 

أوجلان والأسد كتفاً إلى كتف؟/ صبحي حديدي

أصدر فرات خليل، القائد العام لـ«وحدات حماية الشعب» في حلب، بياناً إلى الرأي العام يشرح فيه السبب وراء دخول قوات النظام السوري إلى أحياء حلب الشرقية، خاصة الشيخ مقصود. وقال خليل: «لأنّ كل العالم التزم الصمت حيال الهجمات الإرهابية [ويقصد عملية «غصن الزيتون» التركية]، نحن كوحدات حماية الشعب والمرأة في حلب توجهنا إلى إقليم عفرين، لذلك وقعت الأحياء الشرقية من مدينة حلب تحت سيطرة النظام السوري».

هذا نموذج يوضح مقدار اختلاط الحسابات والأوراق لدى القوى الكردية، «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» على حدّ سواء، في سلوكها العام إزاء مختلف الملفات التي تشكّل عصب حضور العامل الكردي ضمن المعادلة السورية العامة الراهنة: مناطق الجزيرة السورية، محيط دير الزور وشرق الفرات، أحياء حلب الشرقية، منبج، ثمّ عفرين.

هي شرق الفرات، في مثال أول، تواجه تحالف النظام السوري وميليشيات الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومتعاقدي «فاغنر» الروس، وتقاتل هؤلاء بالتنسيق مع القوات الأمريكية التي لم تتردد في توجيه الضربة الأقسى لهذا التحالف منذ أن دخلت واشنطن طرفاً عسكرياً في نزاعات الأرض المعقدة على امتداد ريف دير الزور وشرق الفرات. لكنها، في مثال ثانٍ، تنسحب في الشيخ مقصود لصالح النظام السوري، مبررة ذلك بضرورات الدفاع عن عفرين؛ وفي الآن ذاته تسمح لميليشيات النظام/ سليماني بالدخول إلى المدينة. وهي، في مثال ثالث، تتلاقى مع جهود موسكو الساعية إلى إقامة حوار كردي مع النظام السوري، حول ترتيبات حكم ذاتي كردي ذي صيغة ملموسة تحت سقف النظام، ثم تفترق عنها فتفضّل البقاء تحت المظلة الأمريكية حتى إذا أسفر ذلك عن موافقة موسكو على «غصن الزيتون»…

ولعلّ الاتفاق الأخير مع النظام السوري، حول دخول قوات موالية إلى قلب مدينة عفرين، هو آخر تجليات هذا الاختلاط/ الاختلال في الحسابات. ذلك لأنّ بشار الأسد لم يرسل وحدات عسكرية نظامية، بل عشرات من عناصر ميليشيا تمّ تأسيسها خصيصاً لهذه المهمة. هذا في ضوء تفصيل أقرب إلى السرّ المفضوح، مفاده أنّ مخطط «غصن الزيتون» لم يكن أصلاً يستهدف احتلال عفرين ذاتها، بل تطويقها من جهات ثلاث، وترك خاصرتها الجنوبية مفتوحة على جيش النظام وحده؛ أيّ مقيدة ومحاصرة، من هذه الجهة الرابعة أيضاً!

الوقائع على الأرض تؤكد عواقب هذا الاختلاط/ الاختلال، إذْ أنّ رقعة الاحتلال التركي لمحيط عفرين آخذة في التوسع، بل باتت مؤخراً أسرع وتيرة حتى من أفضل تقديرات الخبراء العسكريين. وبعد قرابة شهر على التوغل التركي في محيط الإقليم، تشير التقارير إلى احتلال أكثر من 100 نقطة كانت تحت سيطرة القوى الكردية، بينها 72 قرية، و20 تلّة. هذا فضلاً عن نجاح أنقرة في انتزاع اعتراف رسمي من واشنطن، بلسان وزير الخارجية الأمريكي نفسه، يدرج «غصن الزيتون» من باب تفهّم مخاوف الأمن القومي التركي.

فأيّ تكتيك هذا الذي، بعد إعطاء قيادات قنديل سلطات مطلقة في إدارة عفرين بمنطق الاحتلال، يستنجد بالنظام السوري ويستقبل ميليشياته التي تمارس طرازاً ثانياً من الاحتلال، في أحياء حلب الجنوبية، وتل رفعت شمالها، ثمّ في عفرين المدينة؛ وفي الآن ذاته يواصل الانكسار أمام زحف مفارز الاحتلال التركية؟ وأيّ اتساق منطقي في القتال مع أمريكا شرق الفرات، وابتلاع مهانة سكوت واشنطن عن الغزو التركي في عفرين؟ وأخيراً، أيّ منطق سياسي، وعقائدي وأخلاقي، ذاك الذي يبرر أن تشهد عفرين، المعذبة الصابرة الضحية، رفع صورتَيْ عبد الله أوجلان (قائد حركة تحرر كردية يسارية)، وبشار الأسد (قاتل أطفال فاشي مرتهن)… كتفاً إلى كتف؟

القدس العربي»

 

 

 

 

إيران تتمدد إلى الحدود التركية في عفرين: لقوات الشعبية السورية ميليشيا إيرانية جديدة/ منهل باريش

علمت «القدس العربي» أن اتصالات مكثفة بين قيادة «وحدات حماية الشعب» والجنرال قاسم سليماني أفضت إلى انتشار الميليشيا الجديدة المسماة «القوات الشعبية السورية» في مناطق عفرين، والتي تتشكل أساسا من الميليشيات الشيعية المتمركزة في نبل والزهراء.

ويأتي الانتشار بمثابة «جس نبض» الجانب الروسي الذي اعترض سابقا على انتشار «القوات الحكومية « في حال بقيت «الوحدات» الكردية في عفرين. ووافق على عملية «غصن الزيتون» التي شنتها تركيا وأشركت فيها فصائل «درع الفرات»، معتبرا أن من حق تركيا الدفاع عن أمنها القومي، وهو الكلام الذي سمعه قائد «وحدات حماية الشعب» مع الأركان الروسية، في موسكو مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي سابقا، وتكرر في المحادثات الأخيرة في مدينة حلب بينه وبين ممثلين عن النظام وموسكو.

ومع تضارب الأنباء حول انسحاب «وحدات حماية الشعب» من مناطق حلب الشرقية في الهلك والشيخ مقصود والأشرفية والحيدرية، أكد مصدر مقرب من المقاتلين الأكراد انسحابهم من كل الأحياء المذكورة عدا حي الأشرفية، فهو بقي تحت سلطة «الوحدات».

مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في «مقاطعة عفرين»، سليمان جعفر، نفى في تصريح لـ«القدس العربي» تسليم القوات الكردية «أي قطعة سلاح»، ووصف دخول النظام إلى عفرين بـ«الاتفاق العسكري مع الوحدات، وهو دليل على مصداقية طرح الإدارة الذاتية بأن عفرين منطقة سورية، وتسقط كل الترهات التي يفبركها المتصيدون بالمياه الضحلة والذين يشيعون أن الكرد انفصاليون».

ومع احتدام المعارك والتقدم المتسارع للجيش التركي وحلفاؤه من فصائل الجيش الحر، وحول قرار الوحدات بالاتفاق مع النظام السوري، أضاف جعفر: «قامت بدعوة الجيش السوري للقيام بواجبه لحماية السيادة السورية. على مبدأ لماذا اللف والدوران من جنيف وأستانة. فلنتفاوض مباشرة لإنقاذ منطقتنا، ولماذا كل التنظيمات والمعارضات تجري مباحثات من تحت الطاولة ومن فوقها مع النظام وتركيا، ولماذا هو حلال لهم وحرام علينا؟ لذلك وافقنا على تمركز الجيش السوري على الحدود الدولية فقط».

الاتفاق بين الوحدات الكردية والنظام السوري انعكس بشكل واضح على تحالف قوات سوريا الديمقراطية، «قسد»، في منطقة عفرين، إذ غادر مقاتلون من جيش الثوار (أبرز فصائل الجيش الحر المنضوية في تحالف قسد) مناطق عفرين باتجاه مناطق سيطرة حركة نور الدين الزنكي عبر خط الاشتباك القريب من جبل الشيخ علي، والذي اتخذه الجيش التركي نقطة مراقبة حسب مناطق «خفض التصعيد».

وأكد الناطق الرسمي في جيش الثوار، أحمد السلطان، أن 50 مقاتلا من فصيله غادروا مناطق قسد إلى مناطق سيطرة الزنكي، ولفت في حديث مع «القدس العربي» أنه قام شخصيا «بترتيب خروجهم إلى منطقة قبتان الجبل بعد أن اتخذ تعهدات بعدم التعرض لهم والسماح لهم بالإقامة في مناطق سيطرة الزنكي». وعلل انسحابهم بـ«عدم قبولهم البقاء في منطقة يسيطر عليها النظام السوري فنحن أساسا محاربون ضد النظام ونحن تجمعنا في منطقة عفرين بعد أن قاتلتنا جبهة النصرة ولاحقتنا».

من ناحية أخرى تبادلت الحكومة التركية الاتهامات مع النظام السوري وقسد بشأن القصف الجوي التركي لقافلة على طريق حلب عفرين، وصفته المصادر التركية أنه استهدف رتلا للقوات الكردية المتحركة من حلب إلى عفرين، في حين اعتبرها إعلام النظام «قافلة إنسانية أرسلها إلى عفرين»، وهي مساعدات إنسانية وقافلة تضامن مدني وشعبي مع المدنيين السوريين في عفرين.

عسكريا، تقدم الجيش التركي سريعا في الأسبوع الأخير وزادت القرى التي سيطر عليها بمساندة من فصائل العسكرية إلى نحو 75 قرية، ووسع سيطرته في المناطق السورية في عفرين، وتمكن أيضا من وصل ناحيتي راجو وادمانلي غرب عفرين، وأكمل السيطرة على تل تيلور في ناحية جنديرس.

ويحتاج الجيش التركي الآن إلى السيطرة على ناحيتي ميدان إكبيس وشيخ الحديد لإتمام السيطرة على المناطق الحدودية المشتركة مع سوريا، حيث تقع ميدان إكبيس في الزاوية الشمالية الغربية المحاذية لتركيا وريفها، لوصل منطقة شانكال بمنطقة ادمانلي. وتتوسط شيخ الحديد المنطقة بين راجو وجنديرس وهي الأقرب إلى محافظة إدلب ومعبر باب الهوى أيضاً.

وتسارعت التطورات الميدانية مع فتح جبهة جديدة انطلاقا من الأراضي المتاخمة لمنطقة أطمة وقاح باتجاه عفرين شمالا، وشاركت فصائل «الزنكي» و«أحرار الشام» و«فيلق الشام» بالهجوم على «قسد» في ذلك المحور، وتمكنت من السيطرة على قرى قيلة (القريبة من نقطة المراقبة التركية الأولى في صلوة)، تل سلور، الديوان التحتاني، ديوان الفوقاني، مضايا، مدايا، والمحمدية، ما شكل ضغطا ناريا كبيرا على ناحية جنديرس وخفف عن باقي المحاور المتعثرة كثيرا بسبب جغرافيتها الجبلية.

التعارض الإيراني ـ الروسي في عفرين أصبح واضحاً وسيزداد تعقيدا خلال الأيام المقبلة، فروسيا التي أطلقت يد تركيا في عفرين تريد هزيمة الحليف الأمريكي، هزيمة تصدع العلاقة بينهما شرق الفرات وليس في عفرين فقط، ولذلك لن تفضل المخرج الذي يبحث عنه النظام في عودته إليها ونشر قواته على الحدود مع الجيش التركي.

إيران من جانبها تفضل استعجال انتشار الميليشيا التي شكلتها حديثا لقطع الطريق على تركيا ومنعها من التوغل في عمق عفرين، بل ستفضل أن تسيطر عسكريا وتقيم قواعد عسكرية على الحدود مع تركيا في أول تقدم لها منذ بدء الحرب السورية. وفي هذا محاولة لتحجيم النفوذ التركي في سوريا ومنع وصل منطقة درع الفرات في إدلب عبر الشريط الذي تسعى إليه، وبذلك فإنها تفضل وصل المنطقتين عبر تل رفعت ونبل والزهراء وصولا إلى عندان.

التوافق التركي ـ الروسي الكبير في ملف عفرين قد يهدد تحالف موسكو وطهران بشكل كبير هذه المرة، وسيكون استمرارا لسلسلة اختبار العلاقة بينهما، والتي نجحا دائما في تجاوز عقباتها. لكن فرق الحسابات المعقدة في عفرين سيؤدي نهايةً إلى تفاهمات أوسع تذهب ضحيتها «الوحدات» الكردية، وربما تسفر عن خروجها من كانتون عفرين إلى شرق نهر الفرات.

 

 

 

 

التفهم الأمريكي للمخاوف التركية لا يقبل بهجمات واسعة في سوريا

رائد صالحة

أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس على تفهم الولايات المتحدة للمخاوف التركية الأمنية المشروعة، ولكنه قال ان هذا التفهم لا يصل إلى حد الموافقة على شن هجمات على مناطق لم تكن مصدرا للعنف مثل عفرين، مشيرا إلى ان المباحثات بين واشنطن وأنقرة مستمرة لبحث كل القضايا التي تسبب الاحتكاك أو قد تؤدي إلى فقدان العلاقة مع حليف الناتو.

وألح ماتيس أثناء استعراضه للموقف الأمريكي العسكري في سوريا على فصل القضايا الأمنية والعسكرية في سوريا على الرغم من تشابكها بصورة واضحة، بما في ذلك قضية مشاركة قوات روسية غير نظامية على هجوم ضد قوات الدفاع الذاتي. إذ قال انه لا يعرف تفسيرا لذلك ولكنه يشك في ان 257 شخصا قد قرروا بأنفسهم عبور النهر إلى أراضي العدو وقصف المواقع والقيام بمناورة للدبابات.

وقالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انها تتفق مع تركيا على ضرورة السيطرة المحلية على المناطق المحررة وانها ستعمل مع تركيا في هذا الموضوع إضافة إلى قضايا أخرى قد تكون محل خلاف. وقالت الإدارة ان قضية تركيا وعفرين ليست ذات اتجاه واحد ولكنها قضية هامة اتفقت واشنطن وأنقرة على حلها والعمل من خلالها.

ولكن ما هي الآليات التي ستحرك التفاهمات الأمريكية ـ التركية في عفرين؟ ماتيس قدم إجابة غير شافية على هذا التساؤل، إذ قال ان هذا ما علينا القيام به فوق قاعدة الالتزام.

وردا على الاتهامات التي شنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بان الولايات المتحدة تدعم إنشاء سلطة محلية وإقامة حكم ذاتي للأكراد في سوريا، قالت هيثر نويرت، المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية، ان الولايات المتحدة تدعم سوريا آمنة ومستقلة مع الحدود الحالية وان واشنطن لا تدعم تغيير الوضع أو إضافة أي نوع من مناطق الحكم الذاتي.

هذا التأكيد لم يمنع دول المنطقة من الشك في النوايا الأمريكية مما دفع العديد من المحللين إلى القول ان الولايات المتحدة تبدو وكأنها تقوم بأمور غير مفهومة في معركة خاطئة مما أدى إلى تصورات غير صحيحة تجاه الدور الأمريكي، وبالتالي، ردات فعل عدوانية من أطراف النزاع ضد واشنطن. وأوضحت نويرت ان بعض الدول تقوم بأعمال مضللة بهذا الشأن ولكن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الاستجابة لكل إجراء.

وقد أعربت إدارة ترامب عن قلق بالغ إزاء تصاعد العنف في ضواحي دمشق في الغوطة الشرقية حيث تشير التقارير إلى ان الغارات الجوية استهدفت المستشفيات وما تبقى من الهياكل المدنية الاساسية مما يؤدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية الخطيرة لما يقارب من 400 ألف شخص، ولكن إدارة ترامب لم تعلق كثيرا على موضوع عفرين بحجة ان المعرفة الأمريكية محدودة بما يحدث هناك لان القوات الأمريكية غير متواجدة في تلك المنطقة.

ولم تقنع هذه الاجابة أي مراقب، فالولايات المتحدة لديها من الوسائل الاستخبارية والامكانيات ما يدعم فكرة انها تعرف تماما ما يحدث، وكالعادة في مثل هذه المواقف، وزارة الخارجية تطلب من الإعلاميين مخاطبة وزارة الدفاع للحصول على إجابات والبنتاغون بدوره يطلب منهم العودة إلى الخارجية ضمن لعبة روتينية معروفة.

هنالك اتفاق مبدئي بين واشنطن وأنقرة على تهدئة الأمور وإصلاح العلاقات، وكان من المفترض ان تبدأ هذه العملية في شمال سوريا، وخاصة في منبح، ولكن الأمور تبدو في حالة انهيار وهي حقيقة لا تريد وزارة الخارجية الاعتراف بها، حيث قالت نويرت، ان وزير الخارجية ريكس تيلرسون اجتمع مع نظيره التركي، وكذلك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على ضرورة الالتزام بهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» والعمل بطريقة أفضل لتحقيق الاهداف المتبادلة، والأهم من ذلك كله اعترفت وزارة الخارجية ان هناك محادثات دبلوماسية خلفية وغير معلنة بشأن معركة عفرين بعيدا عن اللقاءات المعلنة من أجل التوصل إلى تفاهم من غير المهم إعلان بنوده إذا اقتضى الأمر.

توقعات الخبراء في واشنطن بشأن المعارك في عفرين تتجه إلى سيناريوهات غير مؤكدة مثل قيام الجماعات الكردية بإحداث أكبر ضرر ضد تركيا وعندما تشعر هذه الجماعات بانها لا تستطيع الاستمرار فإنها ستسلم المنطقة إلى قوات النظام السوري. وقال المحللون ان روسيا ستكون سعيدة بهذا السيناريو ولكن الولايات المتحدة لن توافق على هذا العرض رغم الإشارات المتكررة من جانبها ان عفرين ليست مشكلتها.

ووصلت تحليلات البعض إلى حد القول ان الولايات المتحدة قد أدركت انها لا تملك بالفعل خيارات إلى جانب حليفها الكردي في عفرين بعد ان شاهدت تركيا وهي تتحرك بتخطيط وحزم ولذلك فقد قررت، بطريقة ماكرة وغير مباشرة، وضع تركيا في مواجهة قوات الأسد ولكن من غير المرجح، وفقا لأقوال العديد من المحللين، ان تدخل دمشق في صراع جديد إلا إذا هاجمت القوات التركية من داخل عفرين نفسها.

وتحدث المحللون عن مشاكل محتملة تواجه الآليات الضرورية للتحكم في مجريات الأمور في شمال سوريا مثل المخاوف من امكانية وجود اتفاق بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري قد يفسح المجال أمام هذا الإقليم ليكون مركزا للإرهاب والتدريب المسلح كما كان عليه الحال، إضافة إلى مشكلة عدم رغبة أولئك الذين هاجروا إلى تركيا من عفرين للعودة لديارهم إذا تولت قوات الأسد زمام الأمور هناك.

وقال مراقبون أمريكيون انه لا يمكن التحقق من بعض ما يجرى في عفرين بشكل مستقل، حيث وردت تقارير متناقضة عن الأضرار الجسيمة في المدينة والأطراف المسؤولة، ولكنهم قالوا ان المعركة ستزيد من تعقيد الصراع في شمال سوريا إذ ان المحاولة التركية لإبعاد الأكراد عن عفرين ستضع الولايات المتحدة في موقف صعب للغاية، فمن جهة أمريكا لا تستطيع التخلي عن حليفها الكردي الذي ساعدها في هزيمة «داعش» لان من شأن ذلك إضعاف مصداقيتها وعدم رغبة الآخرين في التعاون مع الولايات المتحدة ومن جهة أخرى لا تريد أمريكا خلافات جانبية مع حليفها في الناتو، والحل الوحيد هو ان تعمل الولايات المتحدة من خلال القنوات الدبلوماسية للحد من التوتر في المنطقة ومنع مواجهة قد تؤدي إلى حرب منفصلة قد تعيد الجماعات الإرهابية إلى المشهد من جديد.

 

 

 

الطريق إلى عفرين والواقع المر/ إبراهيم درويش

إلى أين تمضي تركيا في عمليتها السورية؟ وهل سيحقق الرئيس رجب طيب أردوغان أهداف عملية «غصن الزيتون» ويطهر بلدة عفرين من مقاتلي حماية الشعب «الإرهابيين» ويخلق الأجواء لعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم؟ الجواب على هذه الأسئلة مرتبط بالحقائق على الأرض التي وجد أردوغان كغيره من القوى المتنافسة على أرض سوريا أنفسهم يواجهونها. فشبكة العلاقات والولاءات والمصالح الإقليمية والدولية متباينة ومتجادبة في الوقت نفسه. فإصرار الرئيس أردوغان على منبج وضعه وجها لوجه أمام مواجهة مع الولايات المتحدة التي وضعت قواتها هناك لحماية حلفائها الأكراد ضمن مظلة «قوات سوريا الديمقراطية» ولم يكن الطيران التركي قادرا على التحرك في المجال الجوي بدون إذن من الروس الذين سحبوا مستشاريهم من عفرين قبل بدء العملية التركية. ولم تمنع القوات الأمريكية في شرقي الفرات المقاتلين الأكراد من التدفق للدفاع عن عفرين، وحسب المتحدث باسم حماية الشعب فلا فرق بين عفرين ومناطق الأكراد الأخرى، مع ان الأمريكيين تعللوا أن البلدة ليست داخلة ضمن ترتيبات التعاون بينهم وبين الأكراد الذين استخدمتهم لقتال تنظيم «الدولة».

وقالت إن وجودها شبه الدائم في سوريا هو لمنع ظهور الجهاديين ومواجهة التأثير الإيراني. وعليه لا يمكن فصل العملية التركية التي بدأت 20 كانون الثاني (يناير) عن التطورات الأخيرة بين إيران وإسرائيل والهجوم الذي يقوم به النظام السوري على آخر معاقل المقاومة في الغوطة الشرقية، قرب دمشق وهو الذي غطى على العملية التركية التي وجدت نفسها عالقة بين مواقف أمريكية وروسية غامضة واتفاقيات تكتيكية بين قوات موالية للنظام السوري والمقاتلين الأكراد لتسليمهم المدينة بدلا من السماح للقوات الكردية والمقاتلين الموالين لها من الجيش السوري الحر السيطرة عليها. وتحرك الأكراد ليس غريبا لأن سجلهم يظهر أنهم مستعدون للتعاون مع النظام طالما خدم مصالحهم وحماهم من عدوهم التركي.

ويواجه النظام التركي في عملية عفرين حربا إعلامية غربية شككت بقدرات أردوغان كقائد عسكري وتبنت بالمطلق تصريحات ومواقف المتحدثين باسم الأكراد وقوات حمايتهم مثل زعم استخدام الجيش التركي الأسلحة الكيميائية ضد عفرين بالإضافة لاستهداف المدنيين وهي مزاعم اعتبرها أردوغان «كاذبة». وعلى العموم يمكن تحليل مسار العملية التركية من خلال تطورين حدثا خلال الأيام الماضية وهي دعوة الأكراد في عفرين القوات الموالية للنظام دخولها وزيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للمنطقة والتي شملت تركيا.

فعلى صعيد دخول القوات الموالية للأسد المدينة ترى صحيفة «نيويورك تايمز» (22/2/2018) أن الصور الاحتفالية للمقاتلين الموالين للرئيس بشار الأسد والأكراد الذين حملوا صور الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، سرقت اللحظة من الجيش التركي الذي يقاتل منذ شهر لدخول البلدة. مشيرة إلى أن هذه واحدة من النكسات الكثيرة التي واجهت طموحات الرئيس التركي في سوريا.

ونقلت عن مايكل ستيفنز من المعهد الملكي للدراسات المتحدة قوله: «هذا أمر «سيحد من خيارات تركيا» التي هددت بضرب القوات الموالية للنظام. ورغم اعتماد تركيا على آلاف من المقاتلين الذين دربتهم «سي آي إيه» إلا أن تقدمها ظل بطيئا وخسرت 32 جنديا في العملية التي كان من المفترض ان تكون سريعة وأهدافها واضحة وهي تنظيف المنطقة من مقاتلي حماية الشعب- فرع حزب العمال الكردستاني وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين. ورغم سيطرة الأتراك وحلفائهم السوريين على عدد من القرى قرب الحدود التركية إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى المدن. وكان النظام عارض العملية التركية منذ البداية وهدد بمواجهة الجنود الأتراك لكن الروس سمحوا لتركيا بالعمل. ولم يكن دخول القوات الموالية للأسد بدون ضوء أخضر روسي، فقد ذكرت تقارير أن مسؤولا روسيا مع مسؤولين من الحكومة السورية التقوا في حلب، سابان حمو، قائد الحماية الكردية في البلدة واتفقوا على شروط انسحاب مقاتليه وفتح المجال أمام دخول القوات الموالية للنظام. وتعلق الصحيفة أن قبول الأكراد دعما من النظام يهدد بخسارتهم حكمهم الذاتي، خاصة أن عفرين هي الحلقة الضعيفة من «روجافا» أو كردستان الغربية التي يعمل أكراد سوريا على بنائها وتحاول تركيا منع السيناريو.

 

تلاعب روسي

 

وأكد المسؤولون الأكراد أن عمليتهم مستمرة ضد عفرين بعيدا عن دخول القوات الموالية للأسد. ويرى عدد من المحللين في الشأن السوري أن روسيا تريد ان تظل ممسكة بأطراف اللعبة السورية. ويرى كريم هاس، المحاضر في جامعة موسكو الحكومية أن «روسيا ليست خارج العملية بل هي في مركز الصفقة». ويضيف أن روسيا تستخدم عفرين لإجبار الأكراد السوريين والنظام على الجلوس معا ويستخدمون العصا التركية لتحقيق جلوس قادة الأكراد مع النظام على الطاولة. ويمكن أن يمنح التدخل الروسي مخرجا لأردوغان الذي أصر على أن العملية ضرورية للأمن القومي ولإنشاء منطقة آمنة تسمح بعودة اللاجئين. ولهذا انضم عدد من مقاتلي الجيش الحر للعملية على أمل العودة إلى قراهم. ولكنهم تكبدوا خسائر ولا يقتربون لتحقيق أهدافهم. ويرى ستيفنز من المعهد الملكي للدراسات المتحدة بلندن أن أردوغان يستطيع ادعاء تحقيق نصر من نوع ما حالة تحرك النظام ضد قوات حماية الشعب. ويقول إن الموقف الإستراتيجي التركي ضعيف ودائما ما يبحث الأتراك عن مكاسب تكتيكية، خاصة أنهم يواجهون لاعبين أكثر تمترسا في سوريا وغيروا استراتيجيتهم أكثر من مرة لتتناسب مع احتياجاتهم الأمنية التي باتت تركز على التهديد الكردي والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة على حدودها. والتعاون الكردي مع النظام سيؤثر سلبا على الطموحات التركية الهادفة لمنع ولادة كيان كردي على حدودها، هذا إن صدقنا ما قاله المعلق ديفيد إغناطيوس في صحيفة «واشنطن بوست» (22/2/2018) من أن الأمريكيين والروس والإسرائيليين يناقشون فكرة تتمحور حول تعاون الأكراد مع الدولة السورية التي يتم إصلاحها وليس بالضرورة النظام، خاصة أن أمريكا لا تستطيع البقاء طويلا في سوريا ولا يمكنها دعم الكيان الكردي للأبد.

وفي الوقت الذي كان فيه الأكراد والسوريون يناقشون برعاية روسية موضوع عفرين، اجتمع مسؤولون أمريكيون وأتراك لبحث موضوع منبج، حيث طالب الرئيس أردوغان بإخراج قوات حماية الشعب منها.

وطرح في الاجتماع آلية تعاون أمني أمريكي- تركي في منبج. ويتزامن هذا التطور مع إنفراجة في العلاقات بين البلدين بعد زيارة ريكس تيلرسون لأنقرة في 16 شباط (فبراير). وفي أثناء الزيارة اعترف تيلرسون أن هناك أزمة في العلاقات ووافق على إنشاء لجنة مشتركة تجعل من منبج أولوية لها وقد أسهمت لهجة تيلرسون التصالحية في ترطيب الأجواء. إلا أنه قال ـ وهذا مهم ـ إن اللجنة المشتركة قد لا تناقش المناطق التي حررت من تنظيم «الدولة»، مشيرا إلى أن السبب الذي جعل الأمريكيين ينشرون قواتهم كان للتأكد من بقاء مبنج تحت سيطرة «حلفائنا» أي قوات سوريا الديمقراطية. ويظل السؤال فيما إن عملت الولايات المتحدة على إرضاء انقرة بحل في منبج، لكن أردوغان يبدو مصرا على السيطرة عليها رغم أن الوقائع والتطورات كلها تقف ضده. فتعاون الأكراد مع النظام السوري كوسيلة لوقف أنقرة يمكن ان يكرر في منبج كما في عفرين.

ويريد الأكراد من هذه المناورات القول ان لديهم خياراتهم رغم حنقهم على روسيا التي سمحت للطيران التركي بضربهم. وعلى خلاف جرابلس التي سيطر عليها الأتراك عام 2016 فالوضع في منبج مختلف، فسكانها الذين عاشوا تحت حكم تنظيم «الدولة» ورحبوا بقوات سوريا الديمقراطية لن يتقبلوا دخول الأتراك إلى بلدتهم. وكما يقول فهيم تاستكين من موقع «المونيتور» (23/2/2018) فإن سكان منبج سيفضلون الجيش السوري على التركي. ويرى الأكراد انه حتى لو خرجت القوات الأمريكية كما فعل الروس في عفرين فسيتم تكرار السيناريو نفسه في منبج، أي تسليمها للنظام. وفي الوقت الحالي يعول الأكراد على الموقف المتشدد من البنتاغون الداعم لهم خلافا للبيت الأبيض الذي عادة ما يميل لاسترضاء تركيا. وهذا نابع من أهمية البلد للمصالح التركية مع أن أصواتا بدأت تطالب الإدارة الأمريكية باتخاذ موقف متشدد من أنقرة، كما في كتابات إغناطيوس في «واشنطن بوست» أو مقالة إريك إلدمان، السفير الأمريكي السابق في تركيا وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لجوزيف بايدن، نائب الرئيس باراك أوباما اللذان قالا في مقال لهما بمجلة «بوليتكو» (13/2/2018) إن تركيا خرجت عن السيطرة وأن أردوغان يريد تدمير التحالف الأمريكي- التركي.

 

حل

 

إلا أن صحيفة «وول ستريت جورنال» (21/2/2018) تحدثت عن خطوات واجتماعات مكثفة عقدها المسؤولون الأمريكيون مع نظرائهم الأتراك في محاولة لإبعاد أنقرة عن موسكو وطهران. وأشارت لاجتماعات تيلرسون وجيمس ماتيس، وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي، أتش أر ماكمستر. ونقلت عن مستشار في إدارة دونالد ترامب أن «اصطفاف تركيا مع روسيا وإيران هو ضد المصالح التركية».

وتقول الصحيفة أن الولايات المتحدة تريد تركيا في صفها خاصة وأنها تحاول الوقوف أمام الجهود الإيرانية بالمنطقة وتخشى من نجاح الروس بتقسيم الناتو من خلال بيع أنظمة دفاع صاروخي إلى تركيا. وكان الرئيس أردوغان تحدث مع فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني لترتيب قمة تعقد هذا الربيع في تركيا لبحث الأزمة السورية. وهو ما يغضب الأمريكيين الذين يرون أن خطة بوتين بدون جوهر. وتعترف أمريكا أن مشكلة العلاقة مع تركيا هي في دعمها الأكراد السوريين وتحاول والحالة هذه البحث عن توازن بين الخلافات التي لا يمكن ردمها. فقد قدم الأمريكيون عروضا مثل إنشاء رقابة عسكرية مشتركة للتأكد من عدم ضرب الأكراد الأراضي التركية. وتحاول واشنطن البحث عن طرق لتخفيف قوة الأكراد الذين عملت على تقويتهم بالمال والسلاح والتدريب على يد القوات الأمريكية الخاصة، عبر تسليمهم المناطق ذات الكثافة العربية لسلطات محلية. إلا أن المطلب التركي الأهم وهو التوقف عن دعم قوات حماية الشعب الكردية ليس على قائمة اهتمامات إدارة ترامب. وبدلا من ذلك تقترح على أنقرة أن تتقدم ببديل وتحديد القيادات الكردية في سوريا التي ترغب بالعمل معها.

 

 

 

روسيا بين الأكراد وتركيا في عفرين/ فالح الحمراني

إلى جانب التطورات المتسارعة في الغوطة الشرقية، تراقب روسيا عن كثب التصعيد في عفرين. وعكس عمق اهتمام الكرملين بالوضع هناك، ان الرئيس فلاديمير بوتين وعلى غير العادة، عقد في منتصف الاسبوع اجتماعا مع أعضاء مجلس الأمن الروسي ناقش فيه الوضع في سوريا ولاسيما في عفرين، كما ناقش المسألة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وتنظر روسيا للتطورات هناك من زاوية الدور الأمريكي فيها، الذي أثار مخاوف تركيا الأمنية، وهدد بنسف مناطق تخفيف التصعيد ومنع القوات الحكومية من انتزاع المناطق التي ما زالت تسيطر عليها «الدولة» الإسلامية أو قوى المعارضة المسلحة التي لم تنضم لعملية التسوية السلمية أو الالتحاق بواحدة من المنصات التي تقود التفاوض مع الحكومة السورية حول تنفيذ مبادئ بيان جنيف.

وتحدثت مصادر مطلعة عن ان موسكو طلبت من الأكراد التفاهم مع بشار الأسد والخضوع له، مقابل دعم مطالبهم بالحصول على حكم ذاتي في إطار الدولة السورية، بيد انهم رفضوا هذا الخيار. وكانت وزارة الدفاع الروسية سحبت القوة العسكرية من عفرين وأعلنت انها لن تتورط بالحرب فيها إلى جانب الجيش التركي، وستدعو إلى وقف إطلاق النار بالوسائل السياسية والدبلوماسية. ووصفت القيادة الكردية الموقف الروسي ذاك بانه تواطؤ مع أنقرة وخيانة لقضيتهم، وردت روسيا بحدة على هذه التهم وحملت الأكراد مسؤولية التصعيد بتحالفهم مع أمريكا.

وحذرت موسكو النظام السوري من تداعيات التورط بدخول قواته لعفرين. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيدرالية المجلس الأعلى للبرلمان الروسي قسطنطين كوساتش: ان احتمال دخول القوات الحكومية السورية إلى عفرين محفوف بخطر نشوب مواجهات مباشرة بين سوريا وتركيا. وفي رأيه «ان هذا قد يعني بالنسبة لدمشق توسيع الأراضي التي تسيطر عليها، بيد ان هذا بطبيعة الحال سيزيد في الوقت نفسه من مخاطر المواجهات المباشرة بين سوريا وتركيا، وأقل ما يقال ان هذا غير مناسب في الوقت الحالي».

وتأخذ روسيا في هذه الأثناء البعد الدولي في التطورات في عفرين وتورط دول أخرى فيها، فالولايات المتحدة تدعم الأكراد بكثافة رغم ارتباطها بعلاقات تحالفية مع تركيا من خلال حلف الناتو، وكذلك إسرائيل وروسيا وإيران. ومن الخطأ الاعتقاد ان طرفا واحدا يفرض سيطرته على هذه المنطقة. وتقف روسيا في هذه الحالة في وضع صعب بين موقفها المعلن عن دعمها للأكراد بالحصول على تطلعاتهم كأمة، وسعيها لترتيب علاقة مستقرة مع تركيا، والإبقاء على وجود أنقرة في محور استانا الذي يضم إيران وروسيا، والإفادة منها للتأثير على قوى المعارضة السورية التي تدور في مدارها، فضلا عن عدم المس بالروابط الاقتصادية والمشاريع الكبرى في مجال الغاز والطاقة النووية للأغراض السلمية وصفقة منظومة اس 400 للدفاعات الجوية، التي تنطوي أيضا على اعتبار ان تركيا عضوة فيه.

بيد ان روسيا أعربت في الآونة عن عدم ارتياحها لتحركات القوى الكردية وخيارتها السياسية، وفي الدرجة الأولى ما يتعلق في وقوعها في المدار الأمريكي. وترى موسكو ان الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تلعب بالورقة الكردية لتحقيق أهداف جيو/ سياسية. وترى ان واشنطن تتحمل مسؤولية تأجيج الوضع في عفرين وما حولها.

وتشير بهذا إلى واقع انشاء قوى أمن حدودية، خُصصت لها الأموال الطائلة لتدريب «قوى سوريا الديمقراطية»، التي أصبحت الميليشيات الكردية أساسا لها. وقال وزير الخارجية لافروف «لقد جرى هذا التطور في الوقت الذي ظهرت لدى تركيا الكثير من التساؤلات حول تلك الخطط، وخاصة عندما تم الإعلان عن إقامة منطقة آمنة على طول الحدود بين سوريا والعراق». موضحا «نحن جميعنا نعرف ما هو موقف تركيا إزاء هذه أو تلك من وحدات الميليشيات الكردية. ويمكن تقييم الموقف التركي هذا بمختلف الصور، ولكنه واقع». وقال ان من قصر النظر العمل مع تجاهل هذا الموقف تماما. وأضاف «اننا نلاحظ نتائج قصر النظر هذا، بما في ذلك في عفرين». وأكد ضمن هذا السياق: «روسيا كانت منذ البداية وستظل مؤيدة لمشاركة الأكراد بصورة مباشر في كافة الجهود بشأن التسوية السورية. ان الأكراد ـ جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري. ان قرار 2254 لمجلس الأمن الدولي انطلق من هذا الأمر» مطالبا بـ «عملية تسوية بمشاركة الحكومة وطيف المعارضة والمجتمع السوري بأسره. وبدون مشاركة الأكراد لن يتيسر لنا تحقيق تسوية الأزمة السورية بشكل نهائي وثابت. ولكن ينبغي التقدم نحو هدف مثل هذه التسوية الشاملة بمشاركة الأكراد، من خلال التوصل إلى وفاق مشترك بين جميع اللاعبين السوريين سواء في الداخل أو في الخارج، من المشاركين في العمليات التي تدور في سوريا وحولها».

وترى موسكو ان الولايات الأمريكية تهدف من خلال دعم القوى الكردية الانفصالية والمعارضة التي تقف إلى جانبها، لإقامة «شبه دولة» على جزء كبير من الأراضي السورية على الضفة الشرقية من نهر الفرات وحتى الحدود العراقية. وبات كل هذا يشبه على نحو متزايد خط تقويض وحدة الأراضي السورية. ويجري في هذه الأراضي إنشاء أجهزة سلطة محلية ذاتية ومستقلة عن دمشق. وتُرسل إلى هناك الأموال من أجل ان تعمل أجهزة السلطة تلك، وتُزود بالأسلحة، وبدعم أمريكا يجري إنشاء أجهزة حفظ النظام. «لقد طرحنا هذه الأسئلة مرات عديدة، ولكننا لم نحصل على أجوبة واضحة باستثناء شعار عام حتى لا نشعر بالقلق، من انهم يؤيدون وحدة سوريا. ولكن في الواقع يبدو كل شيء مختلفا» كما قال لافروف.

يتضح ان الجانب الروسي ينظر إلى التطورات في عفرين من منظارين مختلفين، تعزل القضية الكردية كقضية أمة تسعى لنيل حقوقها القومية، عن قضية القوى السياسية الحالية التي تقوم بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على التصعيد وعرقلة المضي في تصفية وتدمير ما تبقى من الهياكل السياسية والعسكرية لتنظيم «الدولة» الإسلامية ومواجهة هيئة تحرير الشام التي تسيطر على شرق الغوطة. وعلى وفق تقييمها، الذي جاء على لسان نائب وزير الخارجية مبعوث الرئيس الروسي لشئون الشرق الأوسط وبلدان افريقيا ميخائيل بوغدانوف: «ان مسؤولية تأجيج الميول الانفصالية بين جزء من الأكراد تقع في الدرجة الأولى على الأعمال الخرقاء لشركائنا الأمريكيين». وكما قال انهم خلقوا لدى الأكراد الوهم ان أكراد شمال سوريا، ومهما فعلوا، سيكونون بحماية ورعاية الولايات المتحدة. وأثاروا لدى الأتراك ـ المخاوف الشديدة على أمن حدود البلاد الجنوبية، التي اعتزم الأمريكيون، كما يُفهم من بعض بيانات ممثليهم الرسميين، تسليمها للتشكيلات الكردية التي دربها وسلحها مدربون أمريكيون. والنتائج المحزنة معروفة. ولذلك، فان عنصرا إضافيا من وصفتنا هو توصية لجميع القوى الخارجية التي تحاول التأثير على الوضع في سوريا، ان تأخذ بعين الاعتبار الحقائق الإقليمية المُعقدة، وخصوصية سوريا، هذا البلد الفريد للغاية في نوعه.

وقال بوغدانوف وهو الذي يدير ملفات الشرق الأوسط في الخارجية الروسية، ان روسيا الاتحادية مستعدة عند الضرورة القيام بدور الوسيط لتسوية النزاع المسلح في عفرين. وأوضح « لا نفرض دورنا على أي طرف، ولكن إذا استدعى الأمر، فنحن مستعدون للقيام بمساع حميدة من أجل وقف إراقة الدماء، وإيجاد القواسم المشتركة».

القدس العربي»

 

 

 

الأسد يتحسس الموقف التركي عبر الميليشيات والأكراد يميلون نحو إيران

حسام محمد

شكلت الثورة السورية محوراً فاصلاً في العلاقات الرسمية السورية التركية بعد أن شهدت تقارباً كبيراً بين الجانبين قبل اندلاع الحراك الشعبي، فيما كان تعنت النظام السوري بخياره العسكري ورفضه الحلول الدبلوماسية التي كانت تقترحها تركيا لمنع قتل السوريين على يد الأسد، سبباً رئيسياً في توسع دائرة الخلافات بين الجانبين، ليصبح أصدقاء الأمس ألد أعداء اليوم.

لعل المشهد اليوم في معركة عفرين، التي يخوضها الجيشان التركي والسوري الحر ضد الوحدات الكردية ومشروعهم الخاص، يوضح ما يرسمه الأسد مع تحالفه الذي يضم كلاً من روسيا وإيران وحزب الله وباقة من الميليشيات الطائفية المنصهرة في ذات التحالف ضد تركيا والثورة السورية.

دخول النظام السوري أو الأذرع الإيرانية إلى عفرين، في ريف حلب، جرى بعد مفاوضات مع الميليشيات الكردية، بهدف مساندتها أمام عملية «غصن الزيتون»، إلا إن دخول الميليشيات الموالية للأسد إلى عفرين يراه متابعون للشأن السوري، أنه ليس تأييداً أو حباً بالأكراد أو مشروعهم، بقدر الانتقام من الموقف التركي حيال الأسد، وأن الميليشيات الكردية أو الموالية للأسد هي مجرد أدوات لذلك.

ويرى المعارض السوري فراس ديبة، أن تركيا حققت أهم أهدافها من خلال «غصن الزيتون»، وهي تأمين حدودها مع عفرين، وفتح طريق بين ريف حلب الشمالي من جهة، وريف حلب الغربي ومحافظة إدلب من جهة ثانية، إضافة إلى نزع السلطة – ولو شكلياً – من قوات حماية الشعب في منطقة عفرين.

وسيطرت تركيا وفصائل الجيش الحر المشاركة ضمن عملية «غصن الزيتون» على القوس المحيط بعفرين من الشمال والغرب، من خلال سلسلة الجبال والمرتفعات على طول الحدود، وأصبحت معظم مناطق عفرين محكومة نارياً من قبل تركيا وحلفائها.

ويرى ديبة، أن لا ضرورة تركية للتوغل في عمق عفرين أكثر، وتكبد خسائر في العتاد والمقاتلين بسبب وعورة المنطقة، كما يرى أن المتبقي لعملية غصن الزيتون، هو القليل من القرى والجيوب العسكرية، ثم تتوقف بعدها العمليات العسكرية.

 

الأسد يحتمي بالروس

 

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن من الممكن حلّ الأزمة في منطقة عفرين عبر الحوار المباشر بين أنقرة ودمشق، التي دعاها هي الأخرى للحوار مع الأكراد.

أما بشار الأسد، حسب فراس ديبة، فلا يرغب بمواجهة عسكرية مع تركيا، لكنه يجازف بميليشيات مرتزقة، مقابل رؤية ردة فعل تركيا، تمهيداً منه لانتشار عسكري أكبر لاحقاً، مراهناً على ضغط روسي يحميه من أي تحرك تركي محتمل.

وكانت للأسد وإيران، حليفته تجربة مريرة في وقت سابق أمام الجيش التركي، ففي ريف حلب الجنوبي – تلة العيس- تلقت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية ردا صاروخياً تركياً حازماً آنذاك، تمثل بثمانية صواريخ باليستية استهدفتهم بشكل مباشر، ما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من القوات إبان حلمتها العسكرية التي كانت الأخطر، وفق ما قاله ديبة.

مصادر إعلامية موالية لإيران والنظام السوري، تحدثت عن وصول عشرات المقاتلين تحت مسمى «القوات الشعبية» على مراحل إلى مدينة عفرين، لمساندة الميليشيات الكردية في مواجهة الجيشين التركي والسوري الحر.

أما وزير الدفاع التركي نورالدين جانيكلي، في تعليقه على إرسال النظام السوري مجموعات موالية له إلى عفرين فقال

«المجموعات المسلحة التي أرسلها النظام السوري إلى عفرين ليست لديها القدرة على تغيير نتيجة محاربة الإرهاب التي ننفذها في تلك المنطقة على الإطلاق، ولن يكون لها ذلك.

استنزاف تركيا

 

وقال الضابط السوري المتقاعد فراس تمام لـ «القدس العربي»: «حال تركيا من حال الثورة السورية، أعداء كثر يتربصون بمستقبلها، وأن إيران وروسيا رغم حالة التقارب بينهما وبين تركيا، إلا إنهما لا يرغبان بأي دور تركي فعال في سوريا، وأن سقف الثقة بين الأطراف متدني، واعتبر ما يجري في عفرين يشير إلى أزمة كبيرة تسيطر على المشهد، خاصة بين الأتراك والإيرانيين».

واعتبر أن التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى مدينة عفرين مصدرها الأول إيران، وأن هدف طهران من ذلك، عدم السماح لتركيا بالتدخل الكبير في الملف السوري، ما لم تقدم تنازلات سياسية، وعلى رأسها فتح باب التواصل مع النظام السوري، أو ايقاع تركيا بكمين الاستنزاف الزمني والعسكري في سوريا، بهدف تكبيدها أكثر الخسائر الممكنة، مستبعداً الصدام المباشر معها في المراحل الحالية.

ما يعقد المشهد في عفرين، ويفتح مستقبل تطوراته على كافة الاحتمالات حسب تمام، هو غياب موقف أمريكي واضح من المآلات الأخيرة، خاصة أن الميليشيات الكردية تقترب أكثر فأكثر من المحور الروسي الإيراني، وتوسع الخلافات التركية الأمريكية حول ذات الملف.

 

 

 

 

 

 

الجيش التركي يقترب من إتمام «الهلال العسكري» في عفرين والشرطة الخاصة تتولى «حرب الشوارع» في راجو وجندريس

إسماعيل جمال

في إحدى ضواحي مدينة غازي عنتاب الحدودية مع سوريا جنوبي تركيا، أنشأت وزارة الداخلية التركية مقراً جديداً أطلقت عليه اسم «مركز تنسيق العمليات المشتركة» ليكون مقراً لقيادة وتنسيق العمليات بين عدة تشكيلات أمنية أوكلت إليها مهمة البدء في قيادة «حرب الشوارع» داخل المناطق المأهولة في مدينة عفرين، وذلك بعد أن اقترب الجيش من إتمام إنشاء «الهلال العسكري» على طول حدود المدينة.

ومنذ انطلاق عملية «غصن الزيتون» التي دخلت، الأحد، يومها السابع والثلاثين، قاد الجيش التركي لا سيما قوات «البوردو» وهي أبرز تشكيلات القوات الخاصة في الجيش، العمليات العسكرية هناك، وخاض معارك شرسة للسيطرة على التلال والجبال الإستراتيجية في طول حدود المدينة.

وحسب ما يقول الخبراء العسكريون الأتراك، فإن الجيش عمل منذ البداية لإنشاء ما يطلق عليه عسكرياً «هلال عسكري» ويعني السيطرة على جميع حدود المنطقة المستهدفة على شكل هلال مع إبقاء ممر صغير لخروج المسلحين وتجنب الحصار التام الذي يدفع المسلحين إلى المقاومة بشراسة أكبر ـ القتال حتى الموت ـ في حال عدم توفر خيار الانسحاب بأمان.

وعملياً اقترب الجيش التركي والقوات المشاركة معه من الجيش السوري الحر من إنشاء هذا الحزام الذي يمتد من مناطق سيطرة قوات «درع الفرات» ومنطقة أعزاز في سوريا مروراً بطول حدود مدينة عفرين مع مدينة كيلس التركية ومن ثم مدينة هاتاي وصولاً إلى مناطق انتشار الجيش التركي في نقاط المراقبة التي أقامها بموجب اتفاق مناطق خفض التصعيد في مدينة إدلب.

وبالتزامن مع تواصل عمليات الجيش التركي للسيطرة على منطقتين فقط متبقيتين لإتمام السيطرة فعلياً على جميع مناطق «الهلال»، انتهت جميع التجهيزات والتحضيرات التي قامت بها وزارة الداخلية التركية لتولي المرحلة الجديدة من عملية عفرين والمتمثلة في بدء «حرب الشوارع» مع مسلحي الوحدات الكردية والمتوقع أن تبدأ خلال الساعات المقبلة في عمق منطقتي راجو وجندريس.

وستتولى ثلاثة أفرع أمنية تتبع وزارة الداخلية وليس الجيش العمليات العسكرية داخل المناطق المأهولة بالسكان، وهي «قوات الشرطة الخاصة» وهي عبارة عن قوات شرطة عالية التدريب ولديها تجربة واسعة جداً في الحرب على مسلحي تنظيم العمال الكردستاني داخل المناطق المأهولة بالسكان في جنوبي وشرقي تركيا، وهو ذات التشكيل الذي تصدر إفشال محاولة الانقلاب التي جرت ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخامس عشر من تموز/يوليو عام 2016.

كما انضم الآلاف من عناصر «القوات الخاصة التابعة لقوات الجندرما (الدرك)» وهي أيضاً قوات عالية التدريب ولديها تجربة واسعة في قتال المدن مع المسلحين الأكراد داخل تركيا، يساندهم أيضاً مئات ممن يطلق عليهم اسم «حراس القرى» وهو تشكيل أمني يتبع وزارة الداخلية التركية ومهمته حماية القرى من هجمات العمال الكردستاني.

والعامل المشترك بين هذه التشكيلات الثلاثة التي أقيم لها مركز عمليات وتنسيق مشترك لكي تقود العمليات في عفرين تحت مضلة واحدة، هو تجربتها الواسعة في حرب المناطق المأهولة مع المسلحين الأكراد، حيث تتوقع تركيا أن مسلحي عفرين يتمتعون بالقدرات ويتبعون التكتيكات العسكرية نفسها التي اتبعها مسلحو «بي كا كا» في جنوبي وشرقي البلاد. وتقول مصادر تركية إن عدد هذه القوات سوف يصل إلى 6 آلاف عنصر.

ومع السيطرة على مجموعة قرى وتلال جديدة، أكدت مصادر عسكرية تركية اكتمال السيطرة على جميع القرى والمناطق المحيطة ببلدة «راجو»، فيما بدأ الجيش التركي بإلقاء منشورات والنداء على السكان المدنيين بالخروج من البلدة، تمهيداً لإعلان ساعة الصفر لمهاجمة البلدة المأهولة، حيث يسعى الجيش بكل الطرق لتجنب سقوط مدنيين في ظل ما يقول إنها حملات إعلامية تهدف إلى تعزيز الضغط الدولي عليه لوقف العملية.

وبالتوازي مع التحرك نحو راجو، يُكمل الجيشان التركي والسوري الحر السيطرة على ما تبقى من عدد قليل من القرى وصولاً لمركز ناحية جندريس، التي فيها أكبر تجمع سكاني يقترب منه الجيش التركي حتى الآن، ويتوقع أن تشهد معارك عنيفة خلال الأيام المقبلة. وتعتبر منطقتي راجو وجندريس من أهم 5 نقاط إستراتيجية مركزية في عفرين والسيطرة عليهما سوف تؤدي إلى تغيير خريطة مناطق السيطرة في المدينة.

وخاطب قائد الجيش التركي الثاني وعملية «غصن الزيتون» إسماعيل متين، آلاف عناصر الوحدات الخاصة، قائلاً: «نقوم بعملية عسكرية هامة جداً، لكن عليكم أن تفهموا جيداً، أن هدفنا هم الإرهابيون فقط لا غيرهم، سكان المنطقة هم أصدقاؤنا وأحبتنا» داعياً إياهم للحذر وحماية المدنيين وتحمل ظروف المعركة الصعبة، على حد تعبيره.

والسبت، سيطر الجيشان التركي والسوري على قريتي «حجلار» و«أبو كعب»، جنوب غربي «عفرين»، وقال الجيش التركي بذلك ارتفع عدد المواقع المحررة منذ انطلاق العملية إلى 103 مواقع، بينها مركز ناحية، و75 قرية، و6 مزارع، و20 جبلًا وتلة إستراتيجية، وقاعدة عسكرية. كما أعلن الجيش أن قواته الجوية دمرت 782 موقعا للمسلحين في عفرين منذ انطلاق العملية، وارتفع عدد المسلحين الذين تم تحييدهم إلى 1931.

 

 

 

حرب “عفرين”… حرب تركية من صناعة أميركية؟/ باراك بارفي

حَذَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفترة طويلة من أن تركيا لن تتسامح أبدا مع أي وجود عسكري كردي على الحدود الجنوبية للبلاد؛ وقد يبدو الهجوم الأخير وكأنه يشير إلى أن كلمات أردوغان تتحول الآن إلى أفعال على الأرض.

ولكن في حين أَمَر أردوغان بشن “عملية غصن الزيتون”، فإن الجاني الحقيقي كان تركيز الولايات المتحدة الذي يتسم بقِصَر النظر على قهر النزعة الجهادية الإقليمية. فبسبب الافتقار إلى سياسة متماسكة في التعامل مع سورية، كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة مصابة بهوس استهداف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدون أن تضع في الحسبان العواقب والتبعات الكاملة المترتبة على تصرفاتها. ولم يكن توغل تركيا في شمال غرب سورية سوى واحدة من هذه العواقب.

وفي تموز (يوليو) من العام 2012، عندما استولى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني على سلسلة من البلدات الحدودية السورية، شعرت تركيا بالجزع الشديد. ذلك أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن حرب عصابات ضد حكومة تركيا منذ العام 1984.

في مستهل الأمر، شاطرت الولايات المتحدة أردوغان مخاوفه. ففي آب / أغسطس 2012، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون، أن “سورية لا يجب أن تتحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين من حزب العمال الكردستاني”.

تنظر تركيا إلى حزب العمال الكردستاني بوصفه تهديداً لوجودها، وتعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني تابعاً مهلكاً له في سورية.

تنظر تركيا إلى حزب العمال الكردستاني بوصفه تهديداً لوجودها، وتعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني تابعاً مهلكاً له في سورية.

ولكن بعد استيلاء “داعش” على مساحات شاسعة من الأراضي في سورية والعراق، وجدت أميركا في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني حليفاً مفيداً. وسرعان ما قامت الولايات المتحدة بتزويد الجناح المسلح للحزب بالسلاح والتدريب.

وقد سعى أردوغان الذي أغضبته هذه التحركات إلى الحصول على تأكيدات أن الدعم الأميركي للأكراد مؤقت، وأن المقاتلين الأكراد لن يعبروا نهر الفرات. ولكن، بعد حصول الأتراك على الضمانات التي أرادوها، عبر الأكراد المدججون بالسلاح نهر الفرات على أي حال.

ثم في آب (أغسطس) 2016، وجه نائب الرئيس جوزيف بايدن توبيخاً علنياً إلى مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي، محذراً إياهم من خسارة دعم الولايات المتحدة إذا لم يتراجعوا. ولكن المقاتلين لم يعودوا أدراجهم قَط، وواصلت الولايات المتحدة تسليحهم وتدريبهم. وفي نيسان (إبريل) 2017، أعلن أردوغان الغاضب أن إدارة أوباما “خدعت” تركيا بشأن حزب العمال الكردستاني. وتنبأ قائلاً: “لا أعتقد أن إدارة ترامب ستفعل الشيء نفسه”.

لكن أردوغان كان مضللاً مرة أخرى. فعلى الرغم من الوعود التي نقلتها التقارير بإيقاف نقل الأسلحة الأميركية، لم يغير الرئيس دونالد ترامب المسار، واستمرت الأسلحة الأميركية في التدفق إلى الأكراد.

لهذه الأسباب، فَقَد قادة تركيا الثقة في أي شيء تقوله حكومة الولايات المتحدة. والواقع أن البلدين لا يستطيعان حتى الاتفاق على مضمون مكالمة هاتفية بين الرئيسين، كما رأينا من الروايتين المتضاربتين لمحادثة جرت بينهما الشهر الماضي.

كيف وصلت العلاقات بين حليفين في منظمة حلف شمال الأطلسي إلى مثل هذه النقطة المتدنية؟

يمكن تعقب جزء كبير من الإجابة إلى رفض الرئيس باراك أوباما نشر قوات قتالية ضد “داعش”، وتوجهه بدلاً من ذلك إلى ترك بصمة خفيفة من خلال استخدام قوات محلية بمعاونة الغارات الجوية الأميركية والتدريب. وقد جربت الولايات المتحدة هذا النهج لأول مرة في العراق، ولكنه أفضى إلى نتيجة عكسية عندما نجحت قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران في الاستيلاء على الأرض.

وسوف تبلغ العواقب المترتبة على هذا القرار، والتي اختارت الولايات المتحدة تجاهلها إلى حد كبير، ذروتها في نيسان (إبريل)، عندما يخطط قادة قوات الحشد الشعبي لخوض الانتخابات البرلمانية في العراق.

لا توجد أية مساندة شعبية لعملية أنقرة في عفرين: حتى ولو نجحت تركيا بتفوقها المادي والتكنولوجي والرقمي في الاستيلاء قريبا على عفرين، فإن آفاق النجاح السياسي بعيدة المدى لعملية “غصن الزيتون” تبقى في أحسن الأحوال غير منظورة. سيصعب على الأتراك تعيين عمدة قوي في عفرين وإيجاد زعيم كردي مطيع مثل مسعود برزاني الذي حكم طويلا في شمال العراق، لأنه بخلاف الوضع في كوباني ولاسيما في إقليم الجزيرة وهما الإقليمان الشرقيان اللذان توجد فيهما معارضة كردية داخلية ضد وحدات حماية الشعب الكردي ووحداتها المسلحة، فإن دعم السكان المحليين لأصحاب السلطة في عفرين يكاد يكون بالإجماع.

في سورية، أثبت الأكراد كونهم وكيلاً أكثر جدارة بالثقة. ولكن ولاءهم للولايات المتحدة لم يكن بلا تكلفة. كان أوباما على استعداد للتغاضي عن علاقات مقاتليهم بحزب العمال الكردستاني، مستخدماً خيطاً رفيعاً للتميز بين جماعات لا يمكن التمييز بينها. واختار أوباما، الذي لم يقدر مخاوف أردوغان حق قدرها قَط، معالجة مخاوف تركيا بشكل سطحي.

وعندما تولى ترامب الرئاسة، كان عدم اهتمامه بالتفاصيل وميله إلى الاستعراض واجتذاب آهات الإعجاب سبباً في تفاقم التوترات. وكانت إحدى السمات الأساسية لرئاسة ترامب هي رغبته في تملق ضيوفه والفوز بالحظوة لديهم من خلال عرض ما لا يستطيع تقديمه حقاً (كما فعل خلال اجتماع عقد مؤخراً مع الديمقراطيين في الكونغرس حول الهجرة). ويبدو أن هذا الميل أسفر عن وعود بذلها ترامب لأردوغان لم يكن صانعو القرار في البنتاغون، الذين يوجهون السياسات الأميركية في التعامل مع العراق وسورية، عازمين على الوفاء بها قَط.

ولكن، على النقيض من المشرعين في الولايات المتحدة، يُسَيِّر أردوغان من حوله جيشاً يتصرف وفقاً لتقديره الشخصي. وتنظر تركيا إلى حزب العمال الكردستاني بوصفه تهديداً لوجودها، وتعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني تابعاً مهلكاً له في سورية.

وكانت الرسائل الأميركية المشوشة، التي يسلمها رئيس تعوزه الدبلوماسية والمهارة في التعامل مع الأمور السياسية الدقيقة، سبباً في إضرام النار في علاقة بالغة الأهمية، وبالتالي تعريض المعركة ضد “داعش” للخطر. وعلى الرغم من ادعاء ترامب في خطاب حالة الاتحاد أن تنظيم داعش هُزِم تقريباً، فما يزال نحو 3000 من مقاتلي التنظيم باقين في سورية، ويستولون على الأرض أحياناً.

هذه السياسة الأميركية باختصار هازمة لذاتها والغرض منها. فهي لا تشجع خصوما مثل إيران ووكلائها من قوات الحشد الشعبي فحسب؛ بل وتعرض للخطر أيضا نحو 2000 جندي أميركي يعملون مع الأكراد في سورية.

لم يكن حس أوباما الغريزي مخطئاً. فالغزوات كاملة النطاق نادراً ما تنجح في استئصال التهديد الجهادي. ولكن أسلوب التعاقد من الباطن مع مقاتلين محليين في سورية، والذي تنتهجه أميركا في إدارة المعارك هناك، تسبب في خلق مخاطر جديدة.

وإذا كان ترامب راغباً في الانفصال عن الماضي واكتساب الفضل الذي يدعيه لنفسه، فيتعين على الولايات أن تجد وسيلة جديدة لتحقيق أهدافها الأمنية من دون نشر فِرَق بأكملها. ولكن في الوقت الحاضر، لا تقدم الولايات المتحدة لتركيا -والمنطقة- سوى عدم الاتساق والإرباك والمزيد من الوعود الفارغة.

*باحث في “نيو أميركا”، متخصص في الشؤون العربية والإسلامية.

© Project Syndicate 2018

 

 

هجمة تركية “خاطئة لكن أسبابها مفهومة”/ أولريش فون شفيرين

واجهت العملية العسكرية التركية ضدَّ الأكراد السوريين في عفرين انتقادات من جميع الأحزاب في ألمانيا، وكذلك يحظى الأكراد بتعاطف واضح من قِبَل وسائل الإعلام الألمانية. صحيح أنَّ انتقاد العملية التركية في عفرين مبرَّرٌ إجمالاً، غير أنَّ مَنْ يتجاهل مخاوف أنقرة الأمنية يُبَسِّط الأمور كثيرًا. فتركيا في الواقع تجد نفسها مهدَّدة، عندما يستقر على حدودها الجنوبية فرع من جماعة متمرِّدة تخوض منذ ثلاثة عقود في جنوب شرق تركيا معركة دموية ضدَّ الدولة.

فعلى العكس مما يتم عرضه كثيرًا في ألمانيا، فإنَّ “حزب الاتِّحاد الديمقراطي” الكردي السوري (PYD) وذراعه العسكرية، أي وحدات حماية الشعب (YPG)، ليسا فقط مقرَّبين من حزب العمال الكردستاني الكردي التركي (PKK) من الناحية الأيديولوجية، بل ويعتبران أيضًا مرتبطين به هيكليًا وشخصيًا ارتباطًا وثيقًا، بحيث أنَّ بعض الخبراء يتحدَّثون هنا عن وحدة عضوية. وحزب الاتِّحاد الديمقراطي تم تأسيسه في عام 2003 ليس فقط كفرع سوري من حزب العمال الكردستاني، بل إنَّه لا يخفي اليوم أيضًا قربه من حزب العمال الكردستاني.

عبدالله أوجلان حاضر في كلِّ مكان

ارتباط سياسي مع حزب العمال الكردستاني [التركي]: بعد استيلائهم على مدينة الرقة، معقل الجهاديين، كان أوَّل ما قام به مقاتلو وحدات حماية الشعب [الكردية السورية] هو تعليق صورة أوجلان في وسط المدينة. وبالإضافة إلى ذلك فقد نقل الصحفيون من الرقة أنَّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني يلعبون دورًا مركزيًا في الهياكل القيادية لوحدات حماية الشعب. صحيح أنَّ اعتبارهما تنظيمًا واحدًا قد يكون أمرًا مبالغًا فيه كثيرًا، ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار ارتباط وحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني.

في مكاتب وحدات حماية الشعب عُلـِّقت صور مؤسِّس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في تركيا، وفي احتفالات وحدات حماية الشعب يتم رفع أعلام عبد الله أوجلان، وبعد استيلائهم على مدينة الرقة، معقل الجهاديين، كان أوَّل ما قام به مقاتلو وحدات حماية الشعب هو تعليق صورته في وسط المدينة.

وبالإضافة إلى ذلك فقد نقل الصحفيون من الرقة أنَّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني يلعبون دورًا مركزيًا في الهياكل القيادية لوحدات حماية الشعب. صحيح أنَّ اعتبارهما تنظيمًا واحدًا قد يكون أمرًا مبالغًا فيه كثيرًا، ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار ارتباط وحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني.

لا يزال يتم حتى يومنا هذا وخاصةً لدى أجزاء من اليسار الألماني الرفع من قيمة حزب العمال الكردستاني باعتباره حركة تحرُّر ثورية تكافح من أجل الحرِّية والديمقراطية وحقوق المرأة. غير أنَّ حزب العمال الكردستاني في الواقع هو حزب كادر [شيوعي ماركسي لينيني] عقائدي سلطوي، يتميَّز بتقديس زعيمه، ويعتبر منذ تأسيسه العنف والبطش الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه. كما تعتمد سياساته على الاستقطاب والقمع؛ إذ إنه يحارب كلَّ مَنْ لا يؤيِّده، ويقضي على معارضيه الداخليين، ويضطهد الجماعات المنافسة له، ويعاقب المنشقين والمتراجعين والمتعاونين المزعومين مع الدولة.

توسيع منطقة القتال: أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن توسيع الهجوم التركي ضدَّ مقاتلي ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا ليشمل المنطقة الحدودية برمَّتها. وهذا يعني انتشار القوَّات التركية على الأراضي السورية حتى الحدود مع العراق في الشرق. وقد صرَّح إردوغان بأنَّ “عملية غصن الزيتون سوف تستمر حتى يتم تحقيق أهدافها”.

وعنف هذا الحزب لا يستهدف فقط الجنود ورجال الشرطة وحدهم، بل يستهدف أيضًا السياسيين والمعلمين. كما أن هذا الحزب يقبل بوقوع ضحايا مدنيين؛ حيث يمثِّل قمع الدولة جزءًا من حسابه لتعبئة السكَّان الأكراد. ومن خلال قراره القاضي بنقل الحرب في خريف عام 2015 إلى المدن، فقد وضع سكَّان المدن في خط النار. ومنذ وقت طويل يرفض حزب العمال الكردستاني المفاوضات، وحتى خلال محادثات السلام الفاشلة في عام 2015، رفض قسم من قيادته التخلي عن العنف.

وفي ظلِّ هذه الحقائق لا عجب من أنَّ الحكومة التركية غاضبة من تسليح الولايات المتَّحدة الأمريكية للفرع السوري من هذه الجماعة في الحرب ضدَّ الجهاديين. لا بدَّ من أن يكون المرء ساذجًا جدًا ليعتقد أنَّ هذه الأسلحة لن تدعم حرب حزب العمال الكردستاني ضدَّ تركيا. إنَّ ما يثير غضب تركيا بشكل خاص هو تمسُّك الولايات المتَّحدة الأمريكية -وحتى بعد الانتصار على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)- بتحالفها المثير للجدل مع هذه الجماعة الكردية وتشكيل قوة حراسة للحدود قوامها ثلاثون ألف جندي بمشاركة مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.

وحدات حماية الشعب – صديق الغرب؟

لقد أصبحت ميليشيات وحدات حماية الشعب في الواقع حليفًا مهمًا من الصعب التخلي عنه في الحرب ضدَّ الجهاديين، ولكن هل تعتبر هذه الوحدات لهذا السبب صديقًا للغرب؟ وإنْ كان الأكراد السوريون قد حاربوا ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية”، فإنهم لم يفعلون ذلك من أجل خدمة الغرب، بل من أجل مصلحتهم الخاصة. وقد كان هدفهم هو تحرير مدنهم وقراهم الخاصة، زِدْ على ذلك أنَّهم وضعوا مناطق كبيرة غير كردية تحت سيطرتهم، يمكنهم استخدامها كورقة للمساومة عند التفاوض على نظام ما بعد الحرب.

“تركيا لا يمكن إلَّا أن تفشل إذا كان هدفها الفعلي هو فرض سيطرتها على عفرين وعلى غيرها من الكانتونات الكردية. إذ إنَّ أفراد ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية مسلحون تسليحًا جيِّدًا وماهرون في القتال كما أنَّهم متجذِّرون بعمق في السكَّان الأكراد. وهذا الهجوم خاطئ قبل كلِّ شيء لأنَّ أنقرة تحاول من خلاله عسكريًا تسوية نزاع لا يمكن حسمه إلَّا سياسيًا”، بحسب رأي أولريش فون شفيرين.

وفي أنقرة تتم متابعة ازدياد قوة وحدات حماية الشعب بقلق لأسباب مفهومة. وبالنسبة لتركيا من الصعب القبول بأن يبني فرع من حزب العمال الكردستاني هياكل شبه حكومية على حدودها الجنوبية، ويتم دعمه في ذلك أيضًا من قبل شريكها في حلف الناتو الولايات المتحَّدة الأمريكية. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الهجوم التركي في عفرين خاطئ.

فعلى العكس من ادِّعاء أنقرة، لا يصدر أي تهديد حاد لتركيا من داخل المنطقة السورية. وبالنسبة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب فإنَّ عملية بناء وحماية مشروعهما للحكم الذاتي في سوريا تحتل أولوية -إلى إشعار آخر- قبل الحرب ضدَّ تركيا. بالإضافة إلى ذلك بإمكان أنقرة أن تؤكِّد أيضًا بقدر ما تريد أنَّها لا تستهدف إلَّا “إرهابيين”، لأنَّ هذا الهجوم يصيب المدنيين أيضًا. وهذا مؤلم أكثر، لا سيما وأنَّ عفرين كانت حتى بداية الهجوم التركي بمنأى عن العنف إلى حدّ كبير، بينما يمزِّق العنف بقية مناطق سوريا منذ سنين.

صراع يمكن حله سياسيًا فقط

وهذا الهجوم هو خاطئ أيضا لأنَّ وحدات حماية الشعب وعلى الرغم من ارتباطاتها الوثيقة بحزب العمال الكردستاني، إلَّا أنَّها لعبت دورًا إيجابيًا أكثر في سوريا. وبالمقارنة مع المعارضة المُنقسمة والمُتنازعة والتي يهيمن عليها الإسلاميون، فإنَّ وحدات حماية الشعب تمثِّل الاستقرار والاعتدال. كما أنَّ مشروع الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا يمكن اتِّخاذه حتى كنموذج لبقية أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أنَّ الهياكل الحالية للكانتونات الكردية هي أيضًا ديمقراطية وتعددية جزئيًا فقط، بيد أنَّ هذا الشكل من الإدارة الذاتية تقدميٌ ويتطلع إلى المستقبل.

تركيا لا يمكن إلَّا أن تفشل إذا كان هدفها الفعلي هو فرض سيطرتها على عفرين وعلى غيرها من الكانتونات الكردية. إذ إنَّ أفراد ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية مسلحون تسليحًا جيِّدًا وماهرون في القتال كما أنَّهم متجذِّرون بعمق في السكَّان الأكراد.

وهذا الهجوم خاطئ قبل كلِّ شيء لأنَّ أنقرة تحاول من خلاله عسكريًا تسوية نزاع لا يمكن حسمه إلَّا سياسيًا. ومن دون تقديم تنازلات سياسية وثقافية -مثلما كانت قد تمت مناقشتها خلال عملية السلام- لا يمكن ببساطة نزع فتيل الصراع مع حزب العمال الكردستاني.

وبعكس ذلك إذا اعتمدت تركيا على العنف، فيجب عليها ألَّا تندهش عندما يتم تجاهل مصالحها الأمنية الخاصة. وطالما أنَّ تركيا تواجه مساعي الأكراد المشروعة للمزيد من تقرير المصير قبل كلِّ شيء بالقمع ، فسيكون من السهل أيضًا على حزب العمال الكردستاني أن يعمل كمدافع عن الأكراد وعن الحرِّية.

ولكن في المقابل إذا نجحت أنقرة في تسوية النزاع مع الأكراد، فعندئذ لن تضطر بعد ذلك للخوف أيضًا من تطلعات الأكراد إلى نيل حكم ذاتي خلف حدودها الجنوبية.

 

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de

 

 

 

 

تركيا بين لغة الخطاب والواقع/ إيفا كولوريوتس

يسهب الكثير من المختصين في الشؤون السياسية بربط التاريخ بالحاضر من خلال تثبيت العداء التاريخي والصداقة التاريخية لتكون قاعدة في رسم السياسة الدولية، إلا أن القاعدة الأولى والأهم الواجب علينا تثبيتها في تحليل أي تطور دولي هو أنه في السياسة لا يوجد عدو دائم أو صديق دائم وإنما توجد مصالح مشتركة أو متعارضة.

وتشكل الإدارة التركية الحالية خير مثال بخصوص إعادة النظر في علاقاتها الدولية والإقليمية تبعاً للحظة، فخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة شكلت سياسة أنقرة الخارجية أحجية تاه في بحرها المراقبون السياسيون بحيث توقع بعضهم سقوطاً اقتصاديا مدويا، كما رأى بعضهم علامات كافية لبدء صدام عسكري، وبعضهم أكد على أن الحرب الأهلية التركية مسألة وقت لا أكثر، وأسهب بعضهم في تبجيل السلطان التركي على أنه الفاتح الجديد، إلا أن واقع الحال يثبت بأن الإدارة التركية على درجة عالية من الحنكة السياسية غير أن مشروعهم وطني لا أكثر.

كباحثة سياسية يونانية لطالما كانت تركيا محل تركيز شخصي بإداراتها المتلاحقة وتوازنات الجيش والأحزاب حتى للغة الخطاب السياسي الداخلي والخارجي، فالتاريخ المشترك بين بلدينا على درجة عالية من الأهمية، إلا أن لإدارة إردوغـان صفة هامة في شكل الخطاب السياسي وهـو علـى نوعـين يجـب التفـريق بينـهما:

الأول هو خطاب للداخل يكون أكثر صرامة وشعبوية يضع فيه المسؤولون الأتراك الكثير من الخطوط الحمراء والخضراء، يتغنون فيه بتاريخهم ويتوعدون بحروب وفتوحات، هذا النوع من الخطابات بشكل عام يكون للداخل التركي.

الثاني يكون دبلوماسيا براغماتيا إيجابيا يحترم الاتفاقيات والتوازنات الدولية والإقليمية وموجها للخارج. وهنا يقع الخلط فالكثير من المحللين السياسيين يبنون استنتاجاتهم فيما يخص الصراعات المرتبطة بتركيا طبقاً للخطاب الأول وهو ما ينتج عنه خطأ في التقدير.

في العلاقة التركية – الأوروبية، كمثال على تعدد الخطابات، وقفت أنقرة صلبة بعد نجاح إردوغان في اختبار التعديلات الدستورية والتي جعلت منه صاحب القرار الأول والأخير في سياسة أنقرة الدولية والداخلية. لقد أكد في خطاباته على أن تركيا لن تصر على الانضمام للاتحاد الأوروبي من جديد، إلا أن اتصالاته المتكررة مع الرئيس الفرنسي ماكرون والتي تكاد تكون أسبوعية وتواصل مسؤوليه مع المقربين من المستشارة الألمانية خلال الفترة الأخيرة لدعمها في تشـكيل ائتـلاف حكـومي يخـرج ألـمانيا من الفـراغ السـياسي يعـزز فكـرة بقاء تـركيا علـى لائحـة الاتـحاد ضـرورة.

في الأزمة السورية، والتي تشكل فيها تركيا رقماً هاماً في تطور مراحلها، ثمة تناقض في التصريحات التركية بتطبيقها على الأرض، فمعركة حلب وما قبلها وما بعدها يلاحظ بأن الخط الأحمر التركي لم يؤثر على سيطرة الأسد ومن خلفه روسيا وإيران على المدينة الاستراتيجية. ومع قراءة تفاصيل هذه المعركة نرى بأن أنقرة هي من سهلت بشكل أو بآخر سيطرة الطرف الآخر عليها.

ومع عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون التركيتين يصبح من الواضح بأن الخط الأحمر الوحيد لأنقرة ضمن الخريطة السورية هو النفوذ الكردي لا شيء آخر، وقد تلاقت في هذه النقطة مع موسكو في عملية درع الفرات في 2016، فيما تعارضت مع موسكو في النقطة نفسها في عملية غصن الزيتون الحالية. ففي ظروف درع الفرات الدولية والإقليمية وتوتر العلاقات التركية الغربية وجدت موسكو بأن اللحظة مناسبة لبناء أرضية موحدة مع أنقرة فدعمتها، أما في ظروف غصن الزيتون فموسكو أصبحت أكثر قدرة على الأرض، والميليشيات الكردية في عفرين أظهرت تقاربا قد يكون بوابة لسحب أكراد سوريا من اليد الأمريكية وعلى هذا عملت موسكو على تعطيل هذه المعركة ولاتزال.

ويمكن تطبيق الحالة التركية الروسية كمثال مميز في التعادي والتصالح بين الدول طبقاً للحظة، فالعلاقات التركية الروسية التي وصلت لحد كتابة الباحثين الروس المقربين من أصحاب القرار في موسكو خيارات الحرب العسكرية وإمكانية استخدام موسكو للسلاح النووي ضد أنقرة على خلفية إسقاط الطيران التركي الحربي طائرة عسكرية روسية، هم نفسهم عادوا ليكتبوا مقالات مطولة عن أهمية صفقة بيع موسكو منظومة اس 400 لأنقرة وتأثيرها على حلف الناتو، كما اسهبوا في مستوى هذه العلاقات لدرجة توقعهم أن تكون أنقرة حليف موسكو في الحرب العالمية المقبلة مع الغرب، إلا أن الواقع هو أن أنقرة وموسكو تربطهم مصـالح مشـتركة جيـوسـياسية واقتصـادية آنية.

تشكل الأزمة السورية واقعياً عقدة ربط للصراعات والتحالفات الدولية سيبنى على نتائجها مستقبل المنطقة والعالم عموماً، قد يبدو لبعضهم أنها في ساعاتها الأخيرة إلا أن الواقع يؤكد بأننا نقف على بعد ساعات من منعطف دولي مقبل لا محالة قد يؤدي لمخرج جديد أو لتشابك أكبر.

نعم أنقرة تقف كآخر الداعمين الفعليين للثوار السوريين فالإخوة العرب تناغموا مع أحجامهم في صراع الفيلة الكبار، وبعضهم ذهب للكهف لينام ويتهرب من عاصفة في طريقها لصحرائه لعل الثلاثمئة والتسع سنوات المقبلة تنجيهم، إلا أن انقرة في ظل حصر تحركها في الأزمة السورية لما يخص الخطر الكردي لن يؤدي لإسقاط الديكتاتور في قصر المهاجرين، كما أن دور أنقرة الحالي من خلال تثبيت وقف الاشتباك في الشمال ما بين المعارضة السورية المسلحة وميليشيات الأسد قد يعني بشكل أو بآخر تحول أنقرة لحصان طروادة تستخدمه موسكو للدخول لآخر قلاع الثورة السورية واحدة تلو الأخرى، فعلى من يتوقع أن تكون سكة الحجاز كافية لحمايته عليه أن يعيد التفكير فتركيا تضع مصالحها قبلك.

كاتبة يونانية

القدس العربي

 

 

 

 

إيران تواجه تركيا في عفرين والأكراد حلفاء واشنطن يتعاونون مع النظام

لندن – “القدس العربي” – إبراهيم درويش

كتب إيشان ثارور، المحلل في صحيفة “واشنطن بوست” أن تركيا وإيران تواجهان بعضهما البعض في معركة جديدة في سوريا. وقال إن الحرب في هذا البلد دخلت مرحلة فوضوية جديدة عندما قامت ميليشيات موالية للنظام بالتحرك نحو بلدة عفرين والتي تحاصرها القوات التركية منذ الشهر الماضي. ويبدو النظام وكأنه يدعم وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على المناطق الحدودية مع تركيا بشكل أثار حنق أنقرة. وحذر الكاتب من توسع الحرب، مشيرا إلى أن قوات حماية الشعب الكردي تظل في نظر الأتراك فرعا لحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الذي تصنفه أنقرة وواشنطن بالإرهابي. ولكن الولايات المتحدة تقوم بدعم وحدات الحماية الشعبية التي شاركت في مواجهة تنظيم “الدولة”.

دور معقد

ويقول الكاتب إن الدور الأمريكي المعقد في الحرب وقرارها عدم التورط في المواجهات في عفرين أجبرت الميليشيات الكردية على طلب الدعم من نظام بشار الأسد. ونقل ما تحدث عنه المتحدث باسم وحدات حماية الشعب نوري محمود إن “الحكومة السورية استجابت لنداء الواجب وأرسلت وحدات يوم الثلاثاء وستقوم بالتمركز قرب الحدود وستشارك في الدفاع عن وحدة حدود وأراضي سوريا”.

ورد الرئيس التركي بأن قواته سترد على تحرك الحكومة السورية “الإرهابي” وقال إن المدفعية التركية قد أخرجت وحدات المقاومة الشعبية. ويقول الكاتب إن وصول وحدات المقاومة الشعبية هو تحول جيوسياسي في الحرب التي تتعقد يوماً بعد يوم. فوحدات المقاومة الشعبية الموالية للأسد توالي أيضاً إيران التي دربتها ودعمتها. وفي هذا السيناريو فتركيا والجماعات السورية الموالية لها تواجه وحدات موالية للنظام ومرتبطة بإيران وتقاتل إلى جانب وحدات تلقى الدعم من الولايات المتحدة، وهذه تعارض بقاء نظام الأسد في السلطة. وهو ما يثير الحيرة من الحرب التي مضى عليها سبعة أعوام.

ويرى ثارور أن العملية التركية ليس مرحباً بها من وجهة نظر إيرانية. وشجبت القيادة الإيرانية بمن فيها الرئيس حسن روحاني، “الغزو” الذي أثر على المحادثات التي ترعاها روسيا لتقرير مستقبل سوريا.

وبحسب موقع “مونتيور” فقد ضغط القادة الإيرانيون على نظرائهم الأتراك للتورط في حرب استنزاف فوضوية في سوريا. ويقول غونول تول، الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى “كانت تركيا تأمل بالتحرك نحو عفرين وفتح الطريق. واعتقدت أنقرة أنها حصلت على ما تريده، من ضوء أخضر من روسيا التي تسيطر على الأجواء في عفرين”، “إلا ان التطورات الأخيرة على الأرض تقترح أن التقدم للأمام لن يكون سهلاً وأن الشراكة مع روسيا وإيران ربما لم تكن قوية كما أملت تركيا”.

رقعة شطرنج مزدحمة

وخارج عفرين فرقعة الشطرنج السورية مزدحمة أيضاً، فجماعات المعارضة المسلحة تواجه بعضها البعض في إدلب وتتعاون في الوقت نفسه مع تركيا لمواجهة النظام وحلفائه. وأدت الحرب الجوية الأمريكية في سوريا لمقتل عدد من المرتزقة الروس فيما يواصل الأسد وحلفاؤه الروس حملاتهم التي لا ترحم ضد الغوطة الشرقية. أما إسرائيل التي عبرت عن قلقها من وجود إيراني دائم في سوريا فوجهت لها سلسلة من الضربات الجوية. ويتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن الدخول في الحرب بشكل مفتوح. وفي الحقيقة فإن تركيا ليست لديها إلا خيارات قليلة. فالمشاعر المعادية للأمريكيين ودعم وحدات حماية الشعب جعل تركيا والولايات المتحدة في معسكرين متضادين. ولن تجد تركيا دعماً لا من روسيا أو إيران اللتين تعتبرهما تركيا أحيانا حليفتين. وهناك أصوات متناغمة ومتصاعدة في واشنطن تدعو للتوقف عن إرضاء أنقرة.

وكما كتب ديفيد إغناطيوس المعلق في الصحيفة نفسها:” لا أحد يريد انفجار عنف مع تركيا” و”بعد سبع سنوات كارثية من الحرب السورية على المراقبين الإعتراف ببعض الحقيقة: فقد سمحت تركيا لآلاف المتطرفين الأجانب بالتدفق إلى مناطق تنظيم “الدولة” وبناء قواعد هددوا منها أوروبا والولايات المتحدة ولو لم تتعاون الولايات المتحدة مع الميليشيا التي يقودها الأكراد وتكرهها تركيا كثيراً، لظل هؤلاء في الرقة يخططون لهجمات”. وبالنسبة للولايات المتحدة فالطريق أمام الولايات المتحدة صعب. وكما كتبت منى يعقوبيان، من معهد الولايات المتحدة للسلام: “إن قدرة واشنطن على تشكيل التطورات في مناطق النظام ضعيفة بشكل واضح” و “طالما ظل الأسد في السلطة فإن أفضل الخيارات أمام الولايات المتحدة هو أن تظل تواجه سلوك النظام الشائن بدون إشعال نزاع″.

“واشنطن بوست”

القدس العربي

 

 

 

 

الخاسر والرابح من دخول النظام السوري إلى عفرين

أعلنت سانا، وكالة أنباء النظام السوري الرسمية، أن «قوات شعبية ستصل إلى عفرين خلال الساعات القليلة المقبلة». ومن جانبها أكدت مصادر كردية في الإدارة المشتركة لإقليم عفرين أن «قوات النظام السوري ستنتشر على طول بعض المواقع الحدودية وقد تدخل منطقة عفرين خلال اليومين المقبلين».

هذا يعني أنه تم التوصل بالفعل إلى اتفاق بين «وحدات حماية الشعب» الكردية والنظام السوري، بعد تعثر مفاوضات سابقة بسبب اشتراط النظام السوري نزع سلاح الوحدات والانسحاب من مواقع استراتيجية في الإقليم مثل تل رفعت والشيخ عيسى. وليس واضحاً بعد ما إذا كان هذا الشرط قد تمت الموافقة عليه، أو أن الاتفاق يتناول أيضاً المسائل السياسية الشائكة، خاصة وأن النظام يرفض أي مشروع لإقامة كيان كردي منفصل أو إدارة ذاتية مستقلة.

وقد يكون هذا هو العنصر الأكثر حساسية في اتفاق يبدو هشاً أصلاً، إذ من غير الواضح ما إذا كانت الوحدات ستتعايش على نحو سلمي مع قوات النظام السوري، أو أن الهدف المشترك المعلن في مواجهة العملية التركية سوف يخمد التناقضات الكثيرة التي تكتنف قراءة الأرباح والخسائر لدى حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري. وليس مفاجئاً بالتالي أن يعلن بدران جياكرد، المستشار في الإدارة الكردية لإقليم عفرين، أن «القضايا السياسية والإدارية في المنطقة سيتم الاتفاق عليها مع النظام في المراحل اللاحقة عبر مفاوضات وحوارات مباشرة».

ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد تعاوناً بين النظام والفصائل الكردية، فقد جرى التنسيق بينهما في وجه تقدم القوات التركية نحو منبج والشيخ مقصود خلال عملية «درع الفرات» سنة 2016، فإن الاتفاق الراهن يعد سابقة ذات مغزى لجهة افتضاح مقدار الضعف العسكري الذي تعاني منه الفصائل الكردية في عفرين، واضطرارها إلى الاستنجاد بالنظام على ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر. وهذه حال تعكس، أيضاً، الثغرات الكبيرة أو القاتلة التي ينطوي عليها تحالف الأكراد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف يمكن أن يختل استراتيجياً، أو أن يتبدل بين عفرين ومنبج وشرق الفرات.

الرأي التركي المتكامل حول هذا الاتفاق لم يتضح تماماً بعد، في انتظار التطورات على الأرض، وإن كان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قد استبق الموقف وأوجز: «إذا دخل النظام لتطهير المنطقة من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي فلا توجد مشكلة»، وأما إذا كان الهدف هو العكس «فلا شيء ولا أحد يمكنه وقفنا». وفي المنطق السياسي والعسكري البسيط، يبدو الاتفاق أقرب إلى خدمة العملية التركية وليس إفسادها، إذ من الواضح أن هدف أنقرة لم يكن اقتحام عفرين المدينة بل تطويقها من جميع الجهات ما عدا الجنوب، وقطع اتصالها الجغرافي بمناطق سيطرة الأكراد في منبج، وهذا ما تحقق أو يكاد. وليس جديداً أن تتطابق مصالح النظام السوري مع مصالح تركيا في ضبط الفصائل الكردية، وتحجيمها سياسياً وعسكرياً.

بذلك فإن وحدات الحماية الشعبية تبدو الخاسر الأكبر في لعبة إقليمية إضافية، لا تغيب عنها واشنطن وموسكو. وليس هذا جديداً على الأكراد، كما تقول تجارب الماضي.

القدس العربي

 

 

 

 

من هم أبرز الخاسرين من عودة عفرين إلى حضن الأسد؟/ وائل عصام

لم يكن مشهد رايات النظام وهي ترفرف في ساحة ازادي وسط عفرين مفاجئا، فلقد تحدثنا مرارا عن المآل المتوقع لعملية عفرين، وما سينتج عنها من تمدد هيمنة دمشق بدون أي جهد حربي.

وإذا نظرنا لمكاسب وخسائر الأطراف المعنية حتى هذه اللحظة، فسنجد أن الهجوم التركي الذي دخل شهره شهره الثاني، لم يحقق لأنقرة أيا من  هدفيها المعلنين، وهما السيطرة على عفرين، وطرد وحدات الحماية التركية منها، وقياسا للقدرات المفترضة لجيشها والغطاء الجوي الذي تتمتع به قوات الجيش الحر الحليفة، فإن توسيع الشريط الحدودي بضعة كيلومترات يعتبر إنجازا محدودا، وهو ربما ما سيتم الاكتفاء به، خصوصا أن دخول قوات النظام قد يمنح تركيا مكسبا وحيدا يعوض الإخفاق بالسيطرة على عفرين، وهو تقويض سلطة الاكراد على حدودها لصالح نظام الأسد، وهو ما باتت تعلنه أنقره صراحة، كاستجابة لأولويات أمنها القومي، كدولة تعتبر الكيانات الكردية تهديدا لها، وليس نظام الأسد، على الرغم من أن الوحدات الكردية لن تغادر عفرين، ولكنها ستفقد السلطة الرسمية، مقابل بقائها متغلغلة في مفاصل المؤسسات المدنية والعسكرية في عفرين، في إطار تفاهمات يجري الإعداد لها كما يتردد، لمنح الأكراد صلاحيات محلية في مناطقهم شمال سوريا، شريطة البقاء تحت خيمة تحالف طهران دمشق، وهذه التوافقات ربما، هي ما يخفف على الأكراد في عفرين من إخفاقهم أيضا في الحفاظ على كيانهم الكردي مستقلا في جيب عفرين.

أما الثورة السورية وفصائل المعارضة التي شاركت مع أنقرة في هذه العملية، فهي بلا شك الخاسر الأبرز، فالدخول في حرب تكون محصلتها المباشرة، تمدد هيمنة نظام الأسد، العدو الأول للمعارضة، هو بلا شك اضطراب في أولويات النزاع، وارتهان لداعمي الثورة الذين لم يعودوا يرون الساحة السورية بعيون المعارضة، بل بعيون اولوياتهم القومية الخاصة، وهذه الفصائل قد لا تدرك ولا تشخص الخسارة في ضوء ضياع بوصلتها، فكثير من هذه القوى المسلحة بالمعارضة لم تعد تتحرك وفق الأهداف التي انطلقت منها، وستكتمل المفارقة إذا تذكرنا أن الفصائل الموالية لأنقرة حاربت مع الأكراد في كوباني، بقيادة القيادي بالجيش الحر العقيد العكيدي، عندما رغبت بذلك أنقرة، وها هي تحارب اليوم ضد الاكراد في عفرين!

بالنسبة للأسد، فهو بلا شك الكاسب الأول، مد نفوذ سلطاته إلى عفرين بدون اي جهد عسكري، بل بمجهود حربي من خصومه في المعارضة، ودخلت قواته باستعراض انتهازي أمام الكاميرات عند معبر الزيارة ولاحقا في ساحة ازادي، وهي تهتف «جايينك يا اردوغان» و»سنحارب العثمانيين»، في تعبير عن مشاعر دفينة تشكل هوية الميليشيات المدعومة من طهران، وهذا يطرح تساؤلات عدة، عن طبيعة الجار الذي باتت أنقرة تفضله على الأكراد قرب حدودها.

هذه القراءة، تفترض أن عملية عفرين شارفت على الانتهاء، بانتظار تفاهم روسي تركي بوقف العمليات بعد دخول قوات النظام، لكن سيكون من المفاجئ حقا، أن قررت دمشق ومن ورائها العقل المدبر طهران، الذهاب إلى أبعد من ذلك، بالاستفادة من التوافق الحالي للأكراد مع نظام الأسد، لتنفيذ عمليات جدية ضد الاتراك في عفرين، والأخطر هو التقدم في مناطق «درع الفرات» ومحاولة ازعاج الاتراك هناك، ليضطروا للانسحاب منها واعادتها للنظام بالنهاية، خصوصا إن علمنا أن الاكراد يوشكون على تسليم تل رفعت لقوات النظام، وهي المدينة الاقرب لمناطق «درع الفرات» شرقا، وسيعني هذا التطور إن حصل، أن طهران، وبعد انتهاء التهديد الجهادي السني، انتقلت إلى مرحلة جديدة لإبعاد كافة المنافسين الاقليميين والدوليين في سوريا، وعلى رأسهم تركيا والولايات المتحدة.

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي»

 

 

 

 

التعامل التركي مع المعارضة السورية/ محمد زاهد جول

نبدأ بالقول يخطئ من يظن أن تركيا تفرض على المعارضة السورية، بكل فصائلها المدنية والعسكرية، وبكل مكوناتها القومية وتياراتها السياسية أو العرقية أو الدينية، رؤيتها. ويخطئ من يظن أن تركيا تفرض عليها وجهة النظر التركية في الحل السياسي أو العسكري، سواء كانت هذه الفصائل المعارضة على الأراضي التركية أو خارجها، وسواء كانت معارضة مدنية سياسية أو معارضة مسلحة عسكرية، وسواء كانت على الحدود التركية السورية أو في غيرها، فوجهة النظر التركية السياسية أو العسكرية هي خاصة بتركيا وحكومتها وشعبها فقط، ومن حق الشعب السوري أن يتعاون معها أو يرفضها، أو أن يتوجه إلى أي دولة أخرى للتعاون معها أو الخضوع لأوامرها ومشاريعها الاستعمارية في سوريا، فالحكومة التركية لم تمنع معارضا سوريا على الإقامة أو الخروج من سوريا بالإكراه، ولا اتخاذ مواقف سياسية تحت التهديد أو غيرها.

إن الحكومة التركية تتعامل مع الشعب السوري والأزمة السورية وفصائل المعارضة السورية بالمعايير الإنسانية والأخوية والاجتماعية بين الشعوب المتجاورة، وبالأخص ذات الهوية الحضارية الواحدة، وبحسب القوانين الحقوقية الأوروبية والدولية أيضاً، وكان هذا منذ بداية الأزمة في مارس 2011 وحتى الآن، وربما حصل تطور في التعامل التركي بين فترة وأخرى، بما يواكب التطورات الخطيرة التي وقعت في سوريا خلال السنوات السابقة، وحيث ألا أطماع لتركيا في سوريا، فإن أهداف السياسة التركية محصور بتحقيق ما يعود بالنفع على الشعبين التركي والسوري أولاً، وبما لا يهدد الأمن القومي التركي ثانياً، وبما يحفظ سوريا جارة آمنة ومستقرة ومزدهرة لشعبها ثالثاً، وبأن يكون الازدهار والاستقرار والأمان بكل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية لصالح الشعب السوري أولاً، وعدم الاضرار بجيرانه ثانياً.

إن لجوء ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري إلى تركيا ليس أمراً سهلاً، ومن الأهداف التركية ألا يستمر هذا اللجوء طويلاً، وان ينتهي المصير السوري السياسي بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم ومدنهم وقراهم، وألا يكون طردهم منها إلى الأبد ولصالح تنظيمات إرهابية، بغض النظر عن قوميتها وهويتها الفكرية والسياسية، لأن ذلك يعني مخاطر أمنية وأضرارا اجتماعية ومتاعب اقتصادية لتركيا، فوحدة سوريا وعودة شعبها إليها هدف رئيسي للحكومة التركية. وعلى الدول التي تسعى للحل في سوريا، إن لم تتم إعادة هؤلاء السوريين إلى بلادهم ومدنهم وقراهم، أن تستعد لاستقبالهم على أراضيها، بما فيها أمريكا قبل غيرها، فقبل أن تعطي أمريكا المدن العربية للأحزاب الكردية، عليها أن تأخذ موافقة سكانها العرب الأصليين، أو أن تعرض عليهم الهجرة إلى أمريكا، وليس العمل لإبقائهم في تركيا وغيرها.

من الأدلة على أن الحكومة التركية لم تتدخل في قرارات المعارضة السورية في مرحلتها السياسية الأولى، هو ان هذه المعارضة كانت تطالب الأتراك بالتدخل عندما شكلت المجلس الوطني أواخر عام 2011 في العام الأول للثورة برئاسة الدكتور برهان غليون، ولكن المسؤولين الأتراك كانوا يرفضون ذلك، ولم تتدخل تركيا في التشكيلات السياسية السورية الأخرى، التي كانت تتخذ من اسطنبول مقراً لها في الغالب، وتركت لها حرية الحركة وعقد اجتماعاتها ومؤتمراتها السياسية في تركيا، بما يتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي في الحقوق الإنسانية وحقوق المعارضات السياسية في العالم مهما كانت هويتها، وكذلك سمحت تركيا المجال للمنشقين العسكريين أن يتخذوا من الإجراءات السياسية، وتقديم المساعدات الضرورية لأهلهم في الداخل، بما يدفع عنهم العدوان قبل مؤتمر جنيف1 وبعده في منتصف عام 2012.

وأعلنت الحكومة التركية رفضها الكامل لتشويه الثورة السورية بأوصاف الطائفية أو الإرهابية أو غيرها، حتى لو كانت الأطراف الأخرى التي تدعمها إيران أو روسيا، بما فيها جيش الأسد يمارسون السلوك الطائفي صراحة وعلانية، لأن تركيا كانت تهدف إلى أن تبقى صورة الثورة السورية مدنية وسلمية ودفاعية، حتى تحقيق أهدافها بالتغيير والاصلاح السياسي المنشود. ولكن بعد نحو خمس سنوات وجدت تركيا نفسها في دائرة الخداع الأمريكي والروسي والإيراني مجتمعين أو متفرقين، ووجدت عدم التحرك الأوروبي بما يتوافق مع القيم الأوروبية لحماية المدنيين من المجازر التي ترتكبها إيران وروسيا وجيش الاسد، فرفضت كل الدول الأوروبية استقبال اللاجئين السوريين في أوروبا، ولو لأسباب إنسانية فقط، ووجدت تركيا أن معظم الدول العربية تخشى على نفسها مما يجري في سوريا، أكثر مما تخشى على الشعب السوري ومستقبل دولته، فلم تجد تركيا دولة عربية أو جامعة عربية، تبنت القضية السورية وسعت لحلها، بوصفها قضية عربية قبل أن تكون إيرانية أو روسية او تركية أو أمريكية أو غيرها، وبقيت بعض الدول العربية تتعامل مع المعارضة السورية بآراء مختلفة ومترددة سياسيا، ونادرة وخجولة في دعمها عسكريا، أو بما ترضى عنه أمريكا فقط، ولذلك لم تكن مساعداتها معلنة ولا متبناة منهم، وربما خشية ردود الأفعال الإعلامية لحكومة بشار وحلفها الروسي الايراني ووسائل إعلامهم، التي تحرف الحقائق وتبث إعلاما كاذباً ضد هذه الدول، وبالأخص أن روسيا تبنت الدور العسكري الكامل في السنوات الأخيرة، وعطّلت عمل المنظمات الدولية ذات الصلة، مثل مجلس الأمن، بتوافق أمريكي وغربي لأهداف مشتركة تقوم على تدمير سوريا وقتل شعبها.

لقد مارست أمريكا منذ بداية الأزمة السورية سياسة الخداع لكل الأطراف التي تعاملت معها، وليس خداع تركيا ولا الدول العربية فقط، وكان من أسوأ نتائج الخداع الأمريكي، استمرار القتال في سوريا لسبع سنوات، مع إمكانية وقفها في العام الثاني بعد «جنيف1» مباشرة، ولكن أمريكا تعمدت إدارة الصراع في سوريا مهما ادى إلى القتل والتدمير حتى تضع أمريكا وتحديداً وزارة الدفاع الأمريكية خططها الاستراتيجية لمستقبل سوريا، وكان من أخطر نتائج الخداع الأمريكي تشتيت مواقف المعارضة السورية وشرذمتها عبر ضغوط الدول التي تعاونت مع أمريكا لحل الأزمة السورية، فأصبحت بعض فصائل المعارضة السياسية مجرد منصات إعلامية في العواصم العالمية، لا تأثير لها على أرض الواقع ولا تمثل الشعب السوري إلا صورياً. وبسبب الخداع الأمريكي أيضاً أصبحت إيران في ورطة وأزمة داخلية مع شعبها، ومع دول المنطقة، بما فيها تركيا والدول العربية، التي ترفض العدوان الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعض دول الخليج وغيرها، ومن أدلة التورط الإيراني أن الشعب الإيراني أصبح يهتف في احتجاجاته الداخلية بعدم التدخل في سوريا والانسحاب منها، إضافة إلى اتهام المسؤولين الإيرانيين لروسيا بخداعهم في سوريا، علما بأن التدخل الروسي نفسه كان من أكبر الخدع الأمريكية لتوريطها عسكريا في سوريا، فقد كان هذا التدخل من أكبر نجاحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري مع لابروف، فعمل كثيرا مع لابروف وبوتين وجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني حتى أصبح الجيش الروسي في المستنقع السوري من وجهة نظر أمريكية، ويحاول بوتين الانسحاب من سوريا بادعاء الانتصار والانسحاب تحت ضغوط الانتخابات الرئاسية في روسيا، ولكنه لا يجد بدا من مزيد من القتل والتدمير، لكل مظاهر الحياة الإنسانية في سوريا، انتقاما من الشعب السوري الصامد، كما يجري في الغوطة الشرقية هذه الأيام، وكما يظهر من كشف روسيا لوجهها القبيح في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية، وهي تدافع عن جرائمها وجرائم جيش الأسد وإيران.

كل تلك الخدع أرادت أمريكا منها تأخير إيجاد الحل وإشعال المعركة أكثر، لأن هدفها يختلف عن جميع الأطراف المشاركة في الأزمة السورية، فالهدف الأمريكي في سوريا هو تقسيمها وأخذ حصتها الجغرافية بإقامة كيان باسم القومية الكردية ليكون قاعدة عسكرية لها في سوريا والمنطقة، والبنتاغون لن يتنازل عن هذا الشرط أو الهدف إلا مضطراً، وهذا التنازل أو الإفشال لن يتحقق إلا بإرادة الشعب السوري في سيطرته على أرضه ومدنه وقراه، وإخراج المحتلين لها، وليس من خلال الحلول الدولية الطامعة بالأراضي السورية والهيمنة عليها، سواء في أستانة أو جنيف.

ومع إدراك تركيا لهذه المخاطر وقيامها بالتحذير من عواقبها، إلا أنها لم تستطيع منعها، فهي أطماع لدول كبرى عسكريا وسياسيا، ولم تستطع تركيا منع إيران من التدخل العسكري في سوريا، لأنها مدعومة سياسيا وعسكريا من أمريكا وروسيا سراً وعلناً، ولكن استمرار امريكا بخداعها لتركيا بما يهدد أمنها الداخلي والخارجي جعلها تقف ضد السياسة الأمريكية مهما كانت العواقب، فأخذت تركيا من الاجراءات السياسية والعسكرية ما يحقق أهدافها السابقة لحماية أمنها القومي الداخلي والخارجي، سواء في عملية «درع الفرات» أو «غصن الزيتون»، وفتحت تركيا الباب للمعارضة السورية بأن تضع خططها لحماية مدنها واستردادها من أيدي المحتلين الإرهابيين، فالمعارضة السورية في تعاملها مع تركيا حرة سياسيا وعسكريا، ولكنها مع الموقف التركي الجديد، أمام فرصة لاسترداد مدنها وقراها وتشكيل مجالس حكمها فيها بأنفسهم أولاً، وإعادة المهجرين من أهلها إليها ثانياً، ورفض المشاريع الاستعمارية الخارجية التي تسعى لتغيير معالم سوريا الديمغرافية لأسباب طائفية أو استعمارية.

كاتب تركي

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى