صفحات العالم

هل تتولّى إيران حلّ الأزمة في سوريا، كما تولّت سوريا حلّ الأزمة في لبنان؟


    اميل خوري

السؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: ماذا تعدّ الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول أوروبية لمواجهة مرحلة ما بعد خطة كوفي أنان في حال إعلان فشلها؟

ثمة من يتحدث عن اتصالات غير رسمية تجرى مع كل من روسيا وإيران توصّلاً إلى اتفاق على حل مشترك للأزمة السورية، أو استدراج عروض روسية وايرانية لاختيار العرض الأقل ثمناً وكلفة لتلزيمه هذا الحل، وأن اجتماع مجموعة الدول الست في بغداد مع ايران سيكون تحت المجهر لمعرفة كيف ستسير الامور بالنسبة الى البرنامج النووي الايراني، فإذا تم التوصل الى اتفاق على هذا البرنامج يرضي هذه الدول وتطمئن اليه دول الخليج من جهة واسرائيل من جهة اخرى، فإن ايران قد تصبح الدولة المؤهلة لحل الازمة السورية إذا تقدمت بشروط أقل ثمناً من شروط روسيا. واذذاك تتكرر مع ايران الصفقة التي عقدت في الماضي مع سوريا لوقف الاقتتال في لبنان، والتي جعلت سوريا زمن الرئيس حافظ الاسد تتخلى عن صداقتها لا بل عن تحالفها مع الاتحاد السوفياتي وتعقد تلك الصفقة مع الولايات المتحدة الاميركية بموافقة عربية وعدم ممانعة اسرائيل التي ضمنت هدوء جبهة الجولان ووضع الجنوب اللبناني تحت رقابة الوصاية السورية على كل لبنان.

وبالعودة الى عقد تلك الصفقة يتبين ان هدف الحروب في لبنان كان إلحاق الهزيمة بالفلسطينيين المسلحين على أرضه بحيث يرتاح لبنان من انتهاك سيادته والتعدي على سلطاته، وترتاح اسرائيل من عملياتهم الفدائية المزعجة لها. وعندما استمرت تلك الحروب وكانت سجالا بين أطراف لبنانيين وأطراف فلسطينيين يدعمهم أطراف لبنانيون من دون أن يتمكن أحدهم من التغلب على الآخر، كانت سوريا زمن الرئيس حافظ الأسد جاهزة لحسم تلك الحروب من طريق إرسال قوة من جيشها الى لبنان تحت مسمى “قوة ردع عربية” بموافقة قمة عربية عقدت في الرياض، ولم يستمع الأسد لنصيحة السوفيات بالامتناع عن ذلك لأن هذه القوة سوف تصطدم في لبنان بالأحزاب الحليفة لهم، وكانت منضوية تحت اسم “الحركة الوطنية”، وهو ما حصل لأن العرض الاميركي كان مغريا لسوريا وهو أن تبسط وصايتها على لبنان مدة سنتين بموجب اتفاق الطائف، واذ بها تصبح ثلاثين سنة كان نقص الحرية والسيادة والاستقلال ثمنا لوصاية تحفظ الأمن والاستقرار وعدم مواجهة اجتياحات اسرائيل لأراضيه رداً على عمليات تقوم بها المقاومة اللبنانية والفلسطينية، حتى ان حرب تموز 2006 التي كانت لايران اليد الطولى فيها من خلال “حزب الله” لم تشارك فيها سوريا رغم ان ثمة اتفاقاً دفاعياً بينها وبين لبنان يفرض ذلك ترجمة لمبدأ “أمن لبنان من أمن سوريا وأمن سوريا من أمن لبنان”…

والولايات المتحدة الاميركية المعروفة بممارسة السياسة البراغماتية خدمة لمصالحها والتخلي من أجل ذلك حتى عن أصدقائها عندما تفشل في ممارسة سياسة أخرى بفعل تقديرات خاطئة، لا شيء يمنعها من التخلي كل مرة عن اصدقائها والعودة الى السياسة البراغماتية ووضعهم أمام الأمر الواقع، ما دامت هذه السياسة تخدم مصالحها الحيوية في أي منطقة.

لذلك لا بد من انتظار تلزيم حل الأزمة السورية لروسيا او لإيران إذا اخذت هذه الأزمة تتفاقم وتتفاعل داخل الدول المجاورة ولاسيما منها لبنان الذي لم يعد يتحمل مزيدا من الحروب وزعزعة للأمن والاستقرار فيه. فكما أدى تلزيم سوريا وقف الاقتتال في لبنان وإخراج الفلسطينيين المسلحين من أرضه إلى تونس وإبقاء جبهة الجولان هادئة التزاماً باتفاق فك الاشتباك مع اسرائيل، فإن تلزيم إيران إخراج سوريا من مأزقها الدموي بموافقة عربية وغربية وعدم ممانعة اسرائيلية قد يكون هو الحل عندما يستحيل التوصل الى حل آخر.

وعندما تتخلى ايران عن برنامجها النووي بحيث لا يكون هدفه انتاج اسلحة نووية، فإن اسرائيل لا يعود يهمها أن تتولى ايران الحل في سوريا كما لم يهمها في الماضي ان تتولى سوريا الحل في لبنان بعدما استمرت الحروب فيه 15 سنة من دون ان يتغلب فيها طرف على آخر، وربما كان ذلك مقصودا ومدروسا من خلال وضع خطوط تماس للمتحاربين حالت دون انتصار طرف على طرف وذلك توصلا الى عقد الصفقة مع سوريا. قد يكون ما يجري في سوريا شبيها بنتائجه بما جرى في لبنان لجهة التوصل الى عقد صفقة مع صاحب العرض الافضل أي روسيا أو إيران. فهل هذا هو المنتظر إذا فشلت خطة أنان؟!

إن نتائج لقاء مجموعة الدول الستّ مع إيران في بغداد قد ترسم خط سير للأزمة السورية، فإما تكون خطة أنان قد توصلت الى حل لها أو تكون روسيا قد توصلت الى عقد صفقة مع الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، او تكون ايران قد نجحت في عقد هذه الصفقة بعرض افضل بفرض شبه وصاية ايرانية على سوريا كما فرضت سوريا وصايتها كاملة على لبنان ثمناً لإنهاء الحروب المدمّرة فيه.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى