صفحات العالم

روسيا من الحرب إلى السلام في سورية/ فلاديمير فرولوف

 

 

انتهت المحادثات السورية في آستانة من دون انفراج يذكر، في وقت أصدرت الجهات الراعية الاجتماع، روسيا وتركيا وإيران، بياناً تعهدت فيه مراقبة و «تحديد سُبل وقف إطلاق النار». وصمد، إلى حد كبير، وقف إطلاق النار منذ إقراره في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2016، فيما خلا بعض المناطق في ريف دمشق. وعلى رغم أن وفدي النظام السوري والمعارضة لم يوقعا على البيان الختامي، إلا أن المحادثات قد تمثل محطة بارزة في طريق التسوية النهائية للحرب في سورية. ورمت المفاوضات، وهي أول لقاء من نوعه بين مسؤولين في الحكومة السورية وممثلين عن أبرز الجماعات المسلحة، إلى تناول التفاصيل العسكرية لوقف إطلاق النار – ولا غنى عنه في التمهيد لأجواء للتفاوض على التسوية السياسية.

وعلى رغم الخوف من أن تستبدل «منصة آستانة» مسار جنيف الذي تقوده الأمم المتحدة، أيّد البيان الختامي العملية السياسية التي تقودها الولايات المتحدة استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254، والتي قد تستأنف في 8 شباط (فبراير). وصارت محادثات آستانة ممكنة بعد انعطاف الاستراتيجية الروسية في سورية من عمليات عسكرية إلى ديبلوماسية، وتحديداً إلى الانخراط المباشر مع المعارضة المسلحة المعتدلة التي كانت موسكو تنفي وجودها قبل بضعة أشهر. وإثر تدخلها العسكري وضمان بقاء النظام السوري، تقتضي المصلحة الروسية اليوم إنهاء النزاع السوري. وفي سعيها إلى الحفاظ على نفوذها في سورية، استدارت موسكو من القتال إلى صنع سلام. وبعد حملة القصف، تفوق صدقية روسيا صدقية إيران في أوساط المعارضة المسلحة. لذا، في وسع موسكو اللجوء إلى القوة الناعمة.

وتخلى الإعلام الروسي عن الإشارة إلى المعارضة المسلحة بـ «الإرهابيين»، وانتهج لهجة أكثر حيادية. وقدمت موسكو للمعارضة السورية مشروع الدستور السوري الجديد، والذي صيغ في 2016 في شراكة روسية وثيقة مع إدارة أوباما في واشنطن. ومدّت روسيا يدها كذلك إلى الفصائل السياسية في المعارضة السورية، ودعت مجموعات القاهرة والرياض إلى موسكو للقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 27 كانون الثاني (يناير). وفي وقت تعول طهران على ميليشياتها للحفاظ على نفوذها في سورية، تسعى موسكو إلى إحياء الدولة السورية القوية التي تحتكر القوة المسلحة، ويتقاسم فيها النظام والمعارضة السلطة.

وأجهضت طهران سعي موسكو إلى وضع الميليشيات المحلية تحت قيادة عسكرية موحدة، فبادر الجيش الروسي إلى تدريب قوات سورية برية خاصة وتجهيزها. وتتحمل إيران وميليشياتها الشيعية والنظام السوري المسؤولية الأكبر عن انتهاك وقف إطلاق النار الذي تدعمه روسيا وتركيا. وهذه الانتهاكات تدور في وادي بردى، وهي ضاحية من ضواحي دمشق. عليه، لا عجب في أن جماعات المعارضة السورية في آستانة رفضت التفاوض مع إيران وأصرت على انسحاب المقاتلين الأجانب الشيعة من سورية.

وتقبل موسكو بتسوية سياسية تترك مساحات من سورية تحت السيطرة الفعلية للمعارضة، شرط أن تندمج الأخيرة شكلياً في بنية الحكومة السورية (مثل الشيشان في روسيا). لكن إيران ودمشق ترفضان تسوية تترك للمعارضة أي نوع من حكم ذاتي يحول دون السيطرة العسكرية الشاملة على كامل سورية. وشاغل موسكو اليوم تحدٍّ بارز: العثور على طريقة للتأثير في النظام السوري وداعمه الإيراني من أجل إلزامهما بوقف إطلاق النار وحملهما على التوصل إلى تسوية سياسية. وفي إشارة إلى جدّية روسيا في الضغط على نظام الأسد لتقديم تنازلات، أصدر الجيش الروسي بياناً اتهم فيه صراحة الحكومة السورية بانتهاك وقف إطلاق النار. وهمشت الولايات المتحدة في محادثات آستانة، واقتصر تمثيلها هناك على صفة مراقب (شأن دول الاتحاد الأوروبي التي أرسلت مراقبين). ولا تريد موسكو من واشنطن المساهمة في رسم معالم التسوية السياسية التي يرجح أن تشمل بقاء الرئيس الأسد في السلطة على الأقل إلى 2021. لكنها تحتاج إلى توقيع أميركا والاتحاد الأوروبي أيَّ تسوية مستقبلية، في مناطق السلطة ومناطق قوى الأمر الواقع المعارضة، لجمع أموال إعادة الإعمار من الجهات الإقليمية المانحة. وتقول إدارة ترامب أنها مستعدة للدخول في شراكة مع موسكو لمكافحة تنظيم «داعش»، وثمة مؤشرات إلى تبادل للبيانات والمعلومات بين موسكو وواشنطن من طريق تركيا. فالقانون الأميركي يمنع البنتاغون من إجراء عمليات مشتركة مع القوات المسلحة الروسية. وقد يرفع ترامب هذه القيود، لكن الغموض يلف ما يترتب على خطة الإدارة الأميركية للـ «قضاء على الإرهاب الإسلامي الراديكالي من على وجه الأرض».

* محلل سياسي، عن «موسكو تــايـــمــــز» الـــروســــــي، 25/1/2017، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى