صفحات العالم

غالب ومغلوب

    هشام ملحم

تتسم الحروب الاهلية بشراسة وعاطفية لا ترقى اليهما عادة الحروب النظامية. المتحاربون في الحروب الاهلية يعرفون بعضهم بعضاً وينظرون الى قتالهم من منظور وجودي او مطلق يفترض ان يؤدي الى غالب ومغلوب وليس الى تسوية. الدول التي انتهت حروبها الاهلية بغالب ومغلوب (اميركا واسبانيا) كانت فرصها افضل في اعادة اعمار البلاد وبناء أسس أقوى للدولة، ولكن بعد فترة انتقالية صعبة، وخصوصاً للطرف المغلوب. الدول التي توقفت حروبها الاهلية بتسويات وخصوصاً بعد تدخل دولي (يوغوسلافيا، لبنان، العراق) تبقى متشرذمة ومعرضة للسقوط مرة اخرى في نزاع اهلي.

الحرب في سوريا (وهي مزيج من نزاعات سياسية ومذهبية وإتنية) ليست مرشحة لان تنتهي بمفاوضات وحل سياسي. الاعلان الاميركي – الروسي عن خطة تقضي بعقد مؤتمر دولي لايجاد حل تفاوضي للحرب يبدو من هذا المنظور كأنه مبني على تمنيات وأوهام أكثر منه على تقويم جدي للديناميات السياسية والمذهبية الخطيرة التي برزت في السنتين الأخيرتين، ليس فقط في مسرح المعركة، بل ايضا في المنطقة وما وراءها.

ربما كان الحل التفاوضي واقعيا خلال الاشهر الستة الاولى للانتفاضة، أي قبل ان تحولها شراسة رد النظام على التظاهرات السلمية بالحديد والنار تمرداً مسلحاً فتح الباب امام تدخل قوى اقليمية وتحويل النزاع وإن جزئيا حرباً بالوكالة، وقتالا خطيرا بين السنّة والشيعة في العالمين العربي والاسلامي. في الحروب الاهلية، اللاعب المحلي يتمتع باستقلالية ومناعة تقيانه الضغوط الخارجية لان حياته (وليس فقط مصالحه كما هي الحال للاعب الخارجي) هي على المحك ولذلك يقاوم مفهوم التسوية وخصوصاً اذا كان ذلك سيؤدي الى اضعافه او اخراجه من المعادلة. هذا يعني في الحالة السورية ان قدرة موسكو على التأثير على قرارات الرئيس السوري بشار الاسد محدودة لانه يدرك ان “التسوية” ستؤدي الى اطاحته، وهزيمته لن تكون محصورة به وبعائلته ولكن بطائفته ايضا.

أضف أن الاعتماد المتزايد لنظام الاسد على موارد ايران وقدراتها العسكرية واللوجستية (وهذا يشمل “حزب الله” الذي تقّدر الاستخبارات الاميركية ان عدد أفراده المدربين جيدا المنتشرين في سوريا وصل الى 2500 استناداً الى صحيفة “الوول ستريت جورنال”) يعني ان ايران اليوم هي اهم من روسيا لضمان بقاء نظام الاسد على قيد الحياة. في المقابل، إن قدرة واشنطن في التأثير على المعارضة المسلحة محدودة ايضا وهي لا تستطيع حتى ان تستعمل السلاح وسيلة للضغط عليها. إن تشرذم المعارضة يزيد صعوبة التأثير الخارجي على قرارات فصائلها المتنوعة.

القتال سيستمر، وسوريا تسير على طريق ما يمكن تسميته “التقسيم الناعم” أي كيانات مذهبية – إتنية تتناحر لوقت طويل.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى