هوشنك أوسي

غزو تركي محتمل للمناطق الكرديّة – السوريّة؟


هوشنك أوسي *

عاد الأتراك للعزف على أسطوانة تهديداتهم القديمة – الجديدة، لجهة رفضهم «وجود الإرهابيين» على حدودهم الجنوبيّة. ويقصدون بذلك حزب العمال الكردستاني. تركيا تعرف أن الكردستاني موجود في اسطنبول وأنقرة وكل المدن الكرديّة جنوب شرقي البلاد. وتعلم أن الكردستاني موجود في قلب البرلمان التركي! وتعلم أن مقاتلي هذا الحزب وكوادره ومؤسساته الســــياسيّة والثقافيّة تملأ الجبال والقرى والمدن والسجون التركيّة.

وتعلم أن مقاتلي الكردستاني موجودون على الحدود الشرقيّة (كردستان إيران) والجنوبيّة الشرقيّة (كردستان العراق)! وبالتالي، إذا كانت تركيا تخشى خطر «الإرهابيين» فعليها إعلان الحرب على حدود ثلاث دول مجاورة لها. فضلاً عن المضي في المزيد من الحرب على كرد تركيا في الجبال والمدن الكرديّة والتركيّة!

وعليه، لا يوجد أيّ معنى للحجج والمبررات التركيّة، التي تلوّح بها حكومة رجب طيّب أردوغان باحتمال غزو المدن الكرديّة – السوريّة، بسبب وجود «مقاتلين» محسوبين على العمال الكردستاني فيها أخيراً. وأصلاً، حين كانت اتفاقيّة أضنة الأمنيّة في أوج تطبيقاتها، وكان التحالف بين أردوغان والأسد، يعيش سنين العسل، ضدّ العمال الكردستاني، لم تستطع دمشق وأنقرة ومعهما طهران، اقتلاعه من قلب المجـــتمع الكردي، لا في سورية، ولا في تركيا وإيران!

على المقلب الآخر، أداء الحزب الكردي – السوري (PYD) الموالي للعمال الكردستاني، بلغ من الدوغما الحزبويّة (عبر رفع صور أوجلان وأعلام الكردستاني في المناطق الكرديّة – السوريّة، ومساعيه لفرض هيمنته على المجتمع بقوّة السلاح) درجة مقلقة ومؤسفة ولامسؤولة، لا يمكن إنكار استفزازها للأتراك! ولكن، تبقى التهديدات التركيّة محلّ تنديد وشجب كردي – سوري منقطع النظير.

وفي حال مضت تركيا في تنفيذ تهديداتها للعمال الكردستاني في سورية، واستمرّ الكردستاني في استفزاز تركيا في سورية، فهذا يعني أن المناطق الكرديّة ستكون على موعد مع جحيم جديد، ملحق بالجحيم الذي كانت وما زالت تعيشه المدن الكرديّة – التركيّة، طيلة ثلاثة عقود من الصراع الدموي.

ومن جهة أخرى، ستكون تركيا قد حققت مأرب ومبتغى النظام السوري، عبر ضرب الأكراد بالاتراك! ذلك أن إخلاء النظام السوري بعض مراكزه ومقارّه الأمنيّة في بعض المدن الكرديّة – السوريّة، وحلول الحزب الكردي الأوجلاني، وبعض الأحزاب الكرديّة الأخرى في هذه المراكز، كان الهدف منه استفزاز الأتراك وتحريضهم على غزو المناطق الكرديّة، بحيث يضرب نظام الأسد عدوّين له (الأكراد والأتراك) بحجر واحد! وعليه، حذارِ من وقوع تركيا في مصيدة نظام الأسد، المنصوبة له في شمال سورية. ذلك أن كردستان سورية ليست كردستان العراق، حتّى يدخل ويخرج منها الجيش التركي متى وكيف يشاء!

النظام التركي، لا يعرف شيئاً عن سيكولوجية كرد سورية. وإذا قامت حكومة أردوغان بارتكاب هذه الحماقة، فإنها ستضع تركيا في نفق كردستان سورية، الذي سيبتلع تركيا. كرد سورية، قدّموا أكثر من 5 آلاف شهيد على مذبح القضيّة الكرديّة في تركيا، وقدّموا ضعفهم من المعاقين، وهنالك نحو 3 آلاف كردي – سوري ضمن مقاتلي الكردستاني. بل إن أبرز القادة العسكريين في هذا الحزب، هم من الكرد السوريين.

وحين يفكّر الأتراك بغزو كردستان سوريّة، فإنهم يطلقون النار على أنفسهم وعلى تركيا. وسيكون لهذا الغزو، نتائج وخيمة على الأخيرة، أقلّها أنه سيجع لها قوّة احتلال، لا فرق بينها وبين إسرائيل حين احتلّت جنوب لبنان والجولان، وبالحجّة التركيّة نفسها: حماية حدودوها من «الإرهابيين».

هذا الغزو، سيوحّد الكرد، في كل أنحاء العالم، ضدّ تركيا، حتّى أكثر من الفترة التي توحّدوا فيها أثناء اختطاف واعتقال أوجلان سنة 1999، وأكثر من فترة غزو تركيا كردستان العراق في شباط (فبراير) 2008.

زد على ذلك أن تركيا ستصبح دولة محتلّة دولتين جارتين لها (شمال سورية وشمال قبرص)، وستسقط كل السمعة الإقليميّة والدوليّة التي اكتسبتها حكومة حزب العدالة والتنمية خلال السنوات العشر الأخيرة! وهذا علاوة على أنه مع الغزو التركي شمال سورية، ستسقط نظرية «تصفير المشاكل» لكبير الديبلوماسيّة التركيّة وزير الخارجيّة أحمد داود أوغلو.

وإذا غزت تركيا المدن الكرديّة – السوريّة، ستكون أنقرة، قد حوّلت أشدّ الناقدين أو الناقمين على حزب العمال الكردستاني، إلى أشدّ وأعتى المدافعين عنه، وتكون قد قدّمت للكردستاني خدمة ذهبيّة، ستسمح له بقلب الطاولة على الحكومة التركيّة، داخل تركيا وخارجها، وقت يشاء.

على أنقرة أن تسعى حثيثاً لكسب الكرد. وإذا تمّ حلّ الملفّ الكردي في تركيا، وتكللت بالنجاح، على ما يشاع في الإعلام التركي، المفاوضات السريّة بين أنقرة وزعيم الكردستاني، عبدالله أوجلان، فسينخرط الكردستاني في السياسة والمشاريع والطموحات التركيّة، ويتمّ إبطال أيّة مخاوف من وجود «تحالف سريّ»، بينه وبين النظام السوري. بذلك، تكسب تركيا سنّة سورية وكردها.

على مخططي الاستراتيجيّة التركيّة، الالتفاتة إلى هذه الأفكار، والحذر، كل الحذر، من الانزلاق إلى حماقات غزو المدن الكرديّة – السوريّة، واستعداء الكرد، في كل مكان، لتركيا.

* كاتب كردي

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى