صفحات سورية

غزو سوريا

حسن عباس

“أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلّوا”. بهذه الجملة المستلّة من خطبة شهيرة للإمام علي بن أبي طالب، ختم شيخ إحدى القرى الشيعية الجنوبية كلامه الهادف إلى تجييش الحشد المجتمع في النادي الحسيني على إيقاع تدخل حزب الله في سوريا.

 قبل وقت ليس بطويل، كان مناصرو حزب الله يضعون الحديث عن تدخل الحزب العسكري في الداخل السوري في خانة الإفتراء المغرض. مع تزايد حالات وصول جثامين القتلى إلى قراهم اختلف الوضع. صُدم أبناء هذه الطائفة. ولاحتواء صدمتهم، كان لا بد من خطاب تجييشي. لبنانيو ريف القصير قصة غير جذابة. وحدها السيدة زينب، بما تمثله في الوجدان الشيعي، يمكنها أن تنقذ الموقف.

 يستعيد حزب الله لغة مأساة عاشوراء القابعة في وجدان الشيعة ويسقطها على مسألة تدخله في سوريا. في بيروت وضواحيها، تشهد الأحياء الشعبية على هذا الخطاب. “كلنا عباسك يا زينب”، كتب أسفل صورة ربيع فارس المعلقة على زجاج مقهى شعبي صغير قائم قرب مسجد القائم الذي يرتاده بكثرة أنصار الحزب.

 على أوتوستراد الشهيد هادي نصر الله، تقوم المعاهد الصغيرة بنعي طلابها. “إدارة وطلاب” معاهد الآفاق، المعروفة باستقبالها الطلاب الفقراء، رفعت لافتة تنعي مهدي نزيه عباس، ابن قرية كوثرية السياد. بعد أمتار قليلة قامت “إدارة وطلاب” معاهد المسار بالأمر نفسه ناعية حيدر محمد صوفان. ولكن، تأخر رفع اللافتة الثانية ثلاثة أشهر عن تاريخ التشييع! فمع انتقال حزب الله إلى مرحلة الحديث العلني عن مشاركته في الحرب السورية، تغيّرت الأمور.

 فقط في الأحياء الشعبية يمكن للمرء أن يرى صور من سقطوا في الحرب السورية. في زقاق البلاط، تم تركيب ماكينة لصنع القهوة في خلفيته “فان” معطّل، فتحوّل مع بعض الكراسي المصطفة حوله إلى مقهى شعبي صغير. هناك ترى صورة لأحد القتلى وتقرأ في أسفلها: “سنثأر يا ثائر”.

 “ثائر” هو الاسم الحزبي للشاب الصغير حسن نمر الشرتوني، إبن قرية ميس الجبل الجنوبية. في التشييع الحاشد الذي أقيم له قبل مدّة كان المجتمعون غاضبين. من مكبرات الصوت قيل لهم: “ثأركم ليس هنا. ثأركم هناك”. أيام قليلة كانت كافية لتعليق صورة كبيرة له على مدخل قريته،  كتب عليها عنوان خطاب حزب الله التبريري لتدخلّه: “لن تسبى (السيدة زينب) مرتين”.

 في القرى، لا شيء يشير إلى انتماء القتلى الطبقي. هنا الكل أولاد القرية. المنبر الأساسي الذي يخاطب حزب الله الجموع من خلاله هو النوادي الحسينية في ذكرى مرور أسبوع أو أربعين يوماً على وفاة أحد أبناء القرية.

 بعد نبش قبر الصحابي حجر بن عديّ، روى شيخ إحدى القرى للمشاركين في واجب العزاء قصة “صديق الإمام علي”. قال لهم أن معاوية قضى بإعدامه وابنه همّام بسبب موالاته للإمام علي وأخبرهم أنه طلب من الجلاد تنفيذ الحكم بابنه قبله كي لا يرتدّ عن تأييده للحق. “أراد أن يضمن له آخرته”، قال الشيخ وترك المنبر.

 إلى جانب خطاب الدفاع عن مقام السيّدة زينب، تكثر الشائعات عن اكتشاف خلايا سورية مسلّحة نائمة في قرى الجنوب. لا يمكن الفصل في صحّة هذه الشائعات التي تشترك جميعها في الخاتمة السعيدة: “حزب الله اكتشف الأمر والله ستر”.

 اللافت في الجنوب، هو ما ينقل عن مقاتلي حزب الله العائدين من سوريا. أحدهم ركّز أمام أصدقاء زاروه على كثرة عدد مقاتلي المعارضة وقال لهم: “مستحيل يخلصوا”. آخر قال: “ليكن الله في عون الشعب السوري. لا يعرفون من أين تتساقط عليهم القذائف”.

 “الحجر لا يمثل فقط حجراً. ترابك هو كيانك وعزتك في الدنيا وسلامتك في الآخرة”. بهذه الجملة مهّد شيخ إحدى القرى لانتقاله في خطبته إلى الحديث عن آخر مستجدات الوضع السوري بما فيها تدخل حزب الله العلني. “الاعتداء على حجر من مقامات الأولياء هو اعتداء على كل إنسان منّا. مع كل حجر يقطعون عضواً من اعضائنا”، قال الشيخ وختم حديثه: “نحن أمة أنبياؤها مقاتلون”.

لغة كربلاء، ليست فقط لغة يستخدمها حزب الله لتبرير تدخله. يستخدم مؤيدو الثورة هذه اللغة أيضاً. برأيهم ينصرون الظالم على المظلوم مهتدين بالإمام الحسين بن علي. لذلك أضاف حزب الله نقطه هامة على خطابه. وضع كل مقاتلي الثورة السورية في خانة التكفيريين. هي “كذبة صغيرة” ولكن مفعولها يكبر أكثر فأكثر بين جمهوره، وخاصة مع بعض ما يرشح من أفعال عن بعض الألوية المقاتلة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى