صفحات العالم

غسيل النظام السوري


حمد الماجد

لم يعد الغسيل محصورا على الأموال، بل حتى الأنظمة الفاسدة أيضا تحتاج وتحتال لأي غسيل لعار ممارساتها حتى ولو كان سائل الغسيل في حد ذاته قذرا، ويبدو أن النظام السوري احتاج إلى هذا الغسيل لنظامه لإنقاذه من الانهيار الذي كان وشيكا، والغاسل هذه المرة هو رئيس فريق التفتيش العربي بقيادة «العميد» مصطفى الدابي.

الفرق بين غسل الأموال وغسيل النظام السوري أن «الغاسل» للنظام كان أقل ذكاء وأكثر بجاحة، فأوراقه مكشوفة، وتصريحاته مفضوحة، وإلا فالوضع في سوريا، كما قال الزميل طارق الحميد «لا يتطلب وفودا ومراقبين، بل يتطلب جهدا لوقف آلة القتل الأسدية». وأضيف أن كل مواطن سوري تحول إلى مراقب بلا مكافأة، وإلى مراسل إعلامي بلا أجرة، كاميرته في جواله يصور ويرصد ويوثق ويحقن مادته الإعلامية عبر النت لتظهر على كبريات الفضائيات العالمية في دقائق، ولولاها ما كان العالم ليطلع على فظائع النظام وجرائمه.

لقد شاهدنا العميد الدابي لأول مرة عبر الفضائيات وهو يمشي بين المحتجين السوريين متبخترا مكفهر الوجه نافخ الصدر حاد القسمات كأنه يستعرض طابورا عسكريا، مشيحا بوجهه عنهم حتى وهم يكلمونه، بالكاد يرد على صرخاتهم واستغاثاتهم وكأنهم متوسلون وقحون، فتغشاني شعور بالنفور منه ومن مراقبته، فوبخت نفسي على تقييم متسرع من خلال «شكليات» لا يبنى عليها حكم، لكن تأكد للجميع بعد تصريحاته الاستفزازية المتغاضية عن جرائم النظام أن مشاعرنا الأولية الشكلية كانت صائبة.

اختيار عسكري لهذه المهمة الإنسانية النبيلة، وبترشيح من نظام عسكري تلطخ بالدم في مناطق كثيرة في السودان جرت فيها مجازر لا نعلم عن دور الدابي فيها، ومباركة نظام الأسد لهذا الترشيح ثم الإشادة به وبتصريحاته، هما اللتان جعلتا الشعوب العربية ومعهم وسائل الإعلام العالمية تشك في نزاهة ترشيح هذا العميد، وأن سوريا فعلا دخلت في «طبخ» هذه الترتيبات بمعاونة حكومة السودان، وبغض النظر عن صدقية نظرية المؤامرة أم لا فالحقائق على الأرض والتصريحات السيئة التي تساوي بين الجلاد والضحية تكفي لإدانة هذا المراقب، وبالتالي تفرض على جامعة الدول العربية سرعة تغيير رئيس البعثة وأي مراقب راقب الدابي ولم يراقب الله وضميره في مهمته، طبعا هذا لا يشمل عددا من المراقبين الشرفاء الذين تاهت أصواتهم الصادقة في نقل معاناة الشعب السوري الأسير بين ضجيج تصريحات العميد الدابي.

الشعوب العربية لا تريد رئيسا جديدا لبعثة المراقبة لديه أحكام مسبقة ضد نظام بشار أو متعاطفة سلفا مع معاناة الشعب السوري، بل تريد رئيسا صادقا محايدا شفافا يصف المشهد السوري كما هو من غير مكياج ولا تزويقات، غير مكترث بالحسابات السياسية المعقدة، وألا يكون مسيسا ولا مسيرا من نظام زيد أو عبيد، نريد لمشروع المراقبة العربية في سوريا أن يكون ناجحا، لأن حالات عربية مرشحة لاستنساخ المشهد السوري، لا سمح الله، وقد تتطلب مثل هذه المهمة النبيلة، ونجاحها يعني مستقبلا حل مشاكل البيت العربي بأيد عربية، والعكس صحي

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى