صفحات العالم

غلطة تركيا الموجبة وخطأ العراق السالب!

عبدالله ناصر العتيبي *

كان الرئيس السوري بشار الأسد في بداية الأزمة يستخدم ورقة الإرهابيين كثيراً.

كان يتحدث عنهم وعن حربه لهم، كان يحاول أن يرسل رسائل إلى العالم المتحضر، تتلخص في أن الأزمة في سورية ليست بينه وبين شعبه إنما هي بين عناصر إسلامية متشددة وقوة مدنية حرة، تتمثل في النظام العلماني الذي يرأسه.

حشد كل قواه الإعلامية ووجهها تجاه هذه الرؤية، لم تكن التلفزيونات السورية الرسمية أو التابعة والصحف الحكومية تعترف أبداً بالثورة السلمية الأولى في ساحات المدن السورية.

كانت كل التقارير التي تنشر أو تعرض تنفي ضلوع الجيش في أية عمليات ضد المواطنين، وترسل إشارات إلى أن ما يحدث ليس ثورة سلمية وإنما هجوماً من قوى الشر المتشددة المدعومة خليجياً على قيم الخير والحق والمدنية! وكان العالم في المقابل يعرف أن ما يحدث على الأرض السورية ليس إلّا شأناً سورياً خالصاً، وثورةً سلميةً ضاغطةً لشعب قرر أخيراً التحرر من السلطوية والاستبداد. كان العالم كل العالم مؤمناً بذلك، إلا أنه للأسف تخاذل عن التدخل السريع والمباشر، لتضخيم صوت السلمية في الميادين وتحويلها إلى أمواج هادرة، تقتلع في طريقها كل معارض لحريتها ورغبتها الجديدة في الحياة.

يوم بعد يوم وأسبوع بعد أسبوع وشهر بعد شهر والثورة تشتعل والمخابرات السورية تعمل، حتى تمكن النظام من تحقيق حلمه أخيراً بإدخال وتسهيل إدخال مرتزقة العالم الذين يطلبون الحرب في كل مكان، من أجل حاجتهم الشخصية وأنانيتهم المفرطة المتمثلة في الخروج من هذه الدنيا استشهاداً، واستجابة لبرمجة ذهنية مسبقة أو للتكفير عن ذنب دنيوي غير قابل للنسيان!

صارت الكذبة حقيقة على الأرض الآن، وبالتالي تحول الرئيس المدافع عن وجوده فقط قبل عامين إلى رئيس يدافع عن وجود العلمانية والمدنية والمعاهدات الدولية والاستقرار في المنطقة حتى خطوط معاهدة سايكس – بيكو! انتصر الأسد موقتاً بلا شك، وصار لزاماً على القوى الإقليمية والعالمية أن تعيد الحسابات من جديد، للتعامل مع المتغيرات الجديدة، والتوفيق ما بين الأفكار المتضادة، الأسد ليس عدواً لكيانات المنطقة، ولا يهدد مصلحة الدول الكبرى، والجهاديون أعداءٌ (ومشتغلون على عداوتهم) للدول التي جاؤوا منها، وأعداءٌ للحضارة الغربية، والشعب السوري غير قادر على تكوين دولة مدنية بعد سقوط النظام! الخذلان الأممي في بداية الأزمة يقابله الآن حيرة أممية، وسيناريوهات عدة تُرسم من أطراف كثيرة، للوصول إلى حل للأزمة وإيقاف نزيف الدم الذي لم يجف منذ الـ15 من آذار (مارس) ٢٠١٣.

لكن ما هي كل السيناريوهات المحتملة، وما مدى نجاحها؟ السيناريو الأول، دعم الرئيس السوري والوقوف في صفه لمحاربة الجماعات الإرهابية والقضاء على ما يعرف بالحال الجهادية التي تختصر الوجود الدنيوي في عداء الغرب والشيعة للفوز بالجنة. هذا السيناريو يظل قائماً، لكنه صعب الحدوث جداً، لأسباب كثيرة، يأتي على رأسها ولوغ النظام السوري في الدم، واستحالة قدرة المواطن السوري الذي تعرض للتشريد والتقتيل على الخضوع من جديد لسلطة بعثية متجددة.

السيناريو الثاني، دعم وتسليح كل القوى الثورية بما فيها الجماعات الإرهابية لإسقاط النظام، وهذا السيناريو صعب التحقق، لأنه ليس هناك ما يضمن عودة الجهاديين إلى ديارهم بعد إكمال المهمة. وحتى لو أوجدت الضمانات لعودتهم فسيظلون حملاً ثقيلاً على حكوماتهم.

السيناريو الثالث، عدم التدخل مطلقاً في الحرب الدائرة بين الثوار والنظام، والعمل على إدخال أطياف المجتمع السوري بالكامل في الاستقطاب، بحيث لا تكون المواجهة بين جيش وثوار فقط بل بين أثنيات وطوائف وأعراق مختلفة، ثم فرض الشروط (الأممية) على المنتصر الذي أهلكته الحرب، وبددت موارده وصبره!

السيناريو الرابع، إسقاط نظام الأسد من الداخل بواسطة عمليات استخباراتية (أممية) نوعية، وتسليم السلطة لقوى مدنية تعمل على إكمال مهمة تطهير البلد من الجهاديين بمساعدة القوى العالمية وغالبية الشعب السوري، هذا السيناريو يبدو أنه أفضل السيناريوهات وأقلها خسائر، لإنهاء الأزمة، لكنه يظل صعب التحقق لطبيعة النظام البعثي الذي ربط مصيره بذكاء بمصير (التركيبة) التي تحرسه!

السيناريو الخامس، العمل على الحل السلمي للأزمة من خلال المفاوضات المباشرة بين الثوار والنظام الأسدي، لضمان إسقاط الجهاديين من الحل وقصره على القوى غير المعادية لكيانات المنطقة والقوى العالمية على حد سواء، هذا السيناريو يبدو أنه الأقرب للتحقق خصوصاً مع التحركات الأخيرة لإدخال روسيا من جديد في دائرة الحل، واستبدال الصقور بالحمائم في مجلس الائتلاف الوطني السوري.

كل المؤشرات تُشير إلى أن حل الأزمة السورية بات معقداً جداً خصوصاً بعد تراجع انتصارات الجيش الحر في الفترة الأخيرة، ودخول جماعات كثيرة إلى الأرض السورية لا تهدف إلى إسقاط بشار من أجل مصلحة السوريين، وإنما تعمل على إسقاطه لإقامة دولة جديدة لا تعترف بكل دول العالم!

لو تُرك الشعب السوري منذ البدء يُدير أزمته بنفسه لانتصر منذ فترة طويلة، لكن تدخل بعض الدول الإقليمية أسهم في تعقيد الوضع بخاصة تركيا والعراق اللتين صنعتا ممرات هجرات إرهابية للأراضي السورية بحسن نية للأولى وبسوء نية عراقية!

* كاتب وصحافي سعودي

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى