صفحات الحوار

غل لـ«الشرق الأوسط»: سوريا بلد يدمر نفسه.. ولا نتدخل في الشأن العراقي الداخلي

 

الاحتقان في المنطقة سيؤدي إلى انفجار مذهبي كبير

أنقرة: عادل الطريفي

التقت «الشرق الأوسط» هذا الأسبوع رئيس الجمهورية التركية عبد الله غل في حوار جامع، بمقره الرسمي في أنقرة، تناول فيه أبرز القضايا التي تشغل منطقة الشرق الأوسط، لا سيما التي تتصل بالعلاقات التركية – العربية، وعلى رأسها حاليا الأزمة السورية والدور الإيراني في سوريا ومنطقة الخليج.

الرئيس غل نوه أثناء اللقاء بالعلاقات المميزة التي تجمعه مع القيادة السعودية وحرصه على هذه العلاقة، ولا سيما مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، وحذر من استمرار الوضع القائم في سوريا، ورأى أنه يهدد بـ«انفجار مذهبي كبير في المنطقة.. وأمام أعيننا بلد يدمر نفسه بنفسه»، ثم حث جميع من «يعدون أنفسهم أصدقاء لسوريا ويجتمعون الآن في إسطنبول على ألا يكتفوا بالتفرج على ما يحدث في سوريا». ومن ثم عدّ غل إصرار الرئيس السوري على نهجه الحالي «استمرارا في جلب الخراب إلى سوريا أكثر فأكثر». لكن الرئيس التركي أكد في المقابل معارضته التدخلات العسكرية الخارجية. وبعدما نبه إلى خطورة التوتر المذهبي، قال: «هذا أمر خطير جدا، وقد يكون هناك انفجار كبير بعد الاحتقان الذي يحصل حاليا. هذا امتحان كبير جدا لهذه المنطقة التي لا يجوز أن تقع في فخ الفرقة المذهبية». وبالنسبة لإيران أقر غل بوجود تعارض في الموقفين التركي والإيراني من الأزمة السورية، ومعارضة أنقرة لجوء إيران إلى التسلح النووي، على الرغم من وصفه العلاقة بين البلدين بأنها «جيدة». كذلك نفى وجود أي تدخل تركي في الشأن العراقي.

اللقاء مع الرئيس عبد الله غل جرى في قصر شنقايا الرئاسي، المقر الرسمي لإقامة الرئيس التركي منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة. وكان أتاتورك قد أعجب ببيت وسط بستان وحديقة غناء في حي شنقايا بأنقرة بمجرد رؤيته، واشتراه من مالكه توفيق أفندي بورغورلو زادة عام 1921. وعبر السنوات التالية شهد البيت الذي كان أقرب إلى استراحة ريفية وسط البستان إضافات وتوسعات وتجهيزات عدة اكتملت عام 1932. وسكن أتاتورك فيما بات يعرف بـ«الفيلا الزهرية» حتى وفاته عام 1938. ومما يذكر في هذا الصدد أن أتاتورك كان قد اختار أنقرة عاصمة جديدة لحكمه في قلب الأناضول بعيدا عن العاصمة العثمانية إسطنبول، وأقام بداية عام 1919 بعد انتقاله إلى أنقرة في معهد أنقرة الزراعي، ثم انتقل في العام التالي إلى بيت المشرف على محطة السكة الحديد. وفي عام 1921 شاهد «الفيلا» التي غدت لاحقا مقر سكنه والقصر الرئاسي بعد سلسلة إضافات وأعمال توسعة لمبناها الرئيس وملحقاته، أشرف على أبرزها المهندس المعماري التركي محمد وداد باشا عام 1924، ثم المهندس المعماري النمساوي البروفسور كليمنز هولتزمايستر عام 1930.

دعينا في الساعة الثالثة والربع إلى مقابلة الرئيس غل، وخلال فترة قصيرة – تحديدا في الساعة الرابعة إلا ربعا – كنا ندخل مكتبه في القصر. المكتب صغير، لكنه أنيق ومزين ويطل على الحديقة الخضراء الجميلة على مد النظر. لاحظنا في جنبات القصر وجود لوحات بديعة لفنانين أتراك وأوروبيين من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن صورة أتاتورك كانت الصورة الوحيدة في «الغرفة الرئاسية»، بل في صدرها، فوق مكتب الرئيس.

واستقبلنا الرئيس غل ببشاشة ورحب بنا بحرارة. إنه رجل دمث ولبق للغاية. محضره مريح وابتسامته تنم عن طيبة ودفء. وفي حين يفترض المرء أن يكون سياسي جاء من حزب إسلامي موضع خلاف حول شخصه، استطاع غل بشخصيته المميزة تجاوز ذلك. إنه «رجل دولة» بكل ما للكلمة من معنى. وخلال لقاءاتي مع عدد من الساسة والإعلاميين الأتراك، وعدد منهم من «الكماليين»، لاحظت شبه إجماع على احترامه بعكس بعض مواقفهم المنتقدة للحكومة.

حرص الرئيس غل أثناء اللقاء على تناول العلاقات الثنائية المتميزة بين المملكة العربية السعودية وتركيا، فقال: «إن دور جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز في تطوير العلاقات السعودية – التركية كبير جدا. وقد حرص عندما انتخبت رئيسا للجمهورية على زيارتي في أنقرة على الرغم من أنه كان قد زار تركيا قبل سنة من ذلك التاريخ، وأنا بدوري قمت بزيارته في المملكة. وطبعا لي علاقات طيبة وعلاقات أخوة مع عدد كبير من المسؤولين السعوديين وفي مقدمتهم ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز».

الرئيس تحدث معنا بالتركية التزاما بالبروتوكول، لكنه بعد اللقاء وقف مصافحا، ومتحدثا بالعربية والإنجليزية بود وتبسط، طارحا أسئلة شخصية في لفتة لطيفة، مشيرا إلى دراسته الجامعية العليا في جامعة إكستر ببريطانيا، وقال إنه لا يزال يذكر تلك الفترة بحنين، كما أنه يتذكر بكثير من الود مدينة جدة. قال لنا إن الحنين ما زال يشده إلى جدة، وأسواقها القديمة وشوارع وسط البلد التي يحمل منها، كما قال: «الكثير من الذكريات الجميلة، فيكفي أن ابنتي ولدت هناك، وأعرف – كما تعرف زوجتي – كل أحياء جدة وأزقتها». وتابع بعاطفة ظاهرة: «مهما زادت المجمعات التجارية الفخمة، فلا يمكن التغاضي عن السوق وعن البلدة القديمة في وسط جدة، فلها نكهة خاصة ما زلت أتذكرها.. وشكرا لكم على إعادتكم إليَّ تلك الأيام الحلوة والسعيدة». وفي ما يلي نص الحوار:

* تستضيف تركيا «مؤتمر أصدقاء سوريا»، وهي التي تحملت الكثير من الأعباء وعاشت آلام الشعب السوري، فما الذي يفترض القيام به في رأيكم، وأين مسؤولية المجتمع الدولي في ذلك؟

– قبل أي شيء أقول إننا نتألم لما يحدث في سوريا، فأمام أعيننا بلد يدمر نفسه بنفسه. ونحن كأصدقاء لسوريا شعرنا بهذا الأمر منذ البداية، وحذرنا من أن الأمور يمكن أن تتطور إلى السيئ، فالأسوأ ما يباشر بعمليات إصلاح جذرية. لقد تشاطرنا هذه الأمور مع الإدارة السورية، غير أنها صمت آذانها عن هذه الدعوات، واستعملت العنف والسلاح، وعندها صار لزاما علينا الوقوف مع المظلوم، ولذلك اخترنا الوقوف مع الشعب السوري والمعارضة السورية. وبطبيعة الحال، فإن على جميع أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أصدقاء لسوريا ويجتمعون الآن في إسطنبول، ألا يكتفوا بالتفرج على ما يحدث في سوريا، ذلك أن دماء غزيرة تراق حاليا على امتداد الأرض السورية، ولذلك يجب أن يكون هناك ضغط دولي كبير من أجل الوصول إلى حل يتيح لسوريا استعادة عافيتها.

* هل تعتقد أن الحل في سوريا يمكن أن يتضمن بقاء الرئيس بشار الأسد أو الحزب الحاكم؟ وهل ترى ضرورة التدخل العسكري الدولي لإنهاء الصراع الدائر هناك؟

– رغبتنا الأساسية أن يتصرف بشار الأسد بواقعية، وألا يظل منفصما عن الواقع. إن إصراره على ما يفعله حاليا لا يعني سوى الاستمرار في جلب الخراب إلى سوريا أكثر فأكثر، لكنني في الوقت نفسه، لست مع التدخلات العسكرية الخارجية، لأننا لا ندري إلى أين يمكن لهذه الأمور أو غيرها أن تصل. أنا أرى أن الشعب السوري سيقوم بما يتوجب عليه القيام به لرسم خارطة طريقه.

* قبل شهرين خلال لقاء أجرته «الشرق الأوسط» مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي سألته عن العلاقات مع تركيا، فقال إنها تتدخل في شؤون بلاده.. فهل أنتم راضون عن العلاقات بين البلدين؟

– وحدة تراب العراق وسيادته واستقلاله هي كل ما ترغب فيها تركيا، ولقد أعلنت ذلك منذ بداية الحرب. ومنذ بداية الأزمة الحالية في سوريا لا تتدخل تركيا في الشأن العراقي. في المقابل، هناك حقا جهات تدخلت في الشأن العراقي من كتابة الدستور، إلى ترتيب بعض الأوضاع في العراق، لكن تركيا لم تفعل ذلك، بل كانت على مسافة متساوية من جميع الأطياف العراقية، ولم تميز بين عرق أو طائفة. نحن نريد الاستقرار ووحدة العراق، ونريد الأمن والأمان له ليس إلا.

نحن لا نؤيد التدخل الخارجي في أي بلد. إننا نرى أن لكل بلد الحق في تقرير مصيره واختيار توجهاته بنفسه. وعلى الرغم من بعض النواقص في مسيرة العملية الديمقراطية في العراق، فثمة عملية ديمقراطية سائرة، وثمة انتخابات وإرادة سياسية تنبع من ضمير الشعب العراقي، ويجب أن يقرر العراقيون شؤونهم بأنفسهم من دون أي تدخلات لا نريدها ولا نرغب فيها.

* كما تعلمون، منذ سنتين حصلت أحداث وانتفاضات في العالم العربي وصلت بنتيجتها أطراف إسلامية إلى الحكم أو إلى المشاركة فيه. ووسط كل ذلك كان الجميع يتطلع إلى نجاح التجربة التركية، وإلى نجاح الحزب الذي كنتم تنتمون إليه قبل ترؤسكم البلاد، وإمكانية أن يكون نجاح حزبكم نموذجا يحتذى لدى هذه القوى. لكن بعض هذه القوى رفضت النصيحة التركية بتبني العلمانية كنظام حكم كما في تركيا، فما نصيحتكم لقادة هذه القوى؟

– لكل بلد خصائص وحقائق تتعلق به لا يجوز إغفالها. والحقيقة أنه لا يمكن استنساخ تجربة أي بلد واعتمادها نموذجا لبلد آخر. صحيح أن ما حدث في تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة يمكن أن يكون مصدر إلهام بالنسبة لبعض البلدان. فبلد غالبية سكانه من المسلمين تناغم مع العملية الديمقراطية والأسس الديمقراطية. لكن في نهاية المطاف لكل بلد خصوصياته وحساسياته، وعليه أن يجد الطريق الصحيح لترسيخ مبادئ الديمقراطية بالشكل الذي يرضي شعبه.

* قلتم أكثر من مرة إنه لا تعارض بين العلمانية والإسلام، وإن سر نجاح تركيا في العقد الماضي يكمن في هذه المواءمة بين العلمانية والإسلام؟

– أود أن أقول أولا إنه لا تعارض ولا صراع بين الإسلام والديمقراطية. فالحقوق الأساسية للأفراد والشعوب يجب أن تكون مكفولة، وهذه مسألة مهمة، بل حيوية. وانتخاب القادة الذين يحكمون البلاد لا بد أن يكون نابعا من إرادة الشعب، وهذا أمر له الأولوية القصوى. نعم.. تركيا في دستورها بلد علماني، لكننا لا نعاني شعبا وأفرادا من الالتزام بمبادئنا الإسلامية.

* أعربتم قبل بضعة أسابيع عن انزعاجكم من تأخر صدور مشروع الدستور الذي يقال إنه سيحول تركيا إلى النظام الرئاسي، فإلى أين صرتم في هذا المجال؟

– يبذل عمل جاد لكتابة الدستور من جديد بما يتلاءم مع تطلعات الشعب التركي. وهناك لجنة مكلفة بشكل توافقي كتابة هذا الدستور، لكن كانت لدي شكوك في أن تنجح هذه اللجنة في التوصل إلى كتابة الدستور الجديد. كذلك تدور حاليا مناقشات حول تبديل شكل النظام من البرلماني إلى الرئاسي. المناقشات مستمرة حول هذا الموضوع، ولكن بغض النظر عن إمكانية التوصل إلى نظام رئاسي أو الإبقاء على النظام البرلماني، فإن المعايير يجب أن تكون ديمقراطية. إن ترسيخ الديمقراطية والتعبير عن إرادة الشعب هما الاعتباران الأهمان.

* أيهما تؤيدون يا فخامة الرئيس.. النظام البرلماني أم النظام الرئاسي؟

– ثمة مزايا واختلافات للنظامين وبينهما، والأمر المهم بالنسبة لي هو أن تترسخ المفاهيم الديمقراطية، وأن يكون لدينا دستور يرضى عنه الشعب، لأن هذا الدستور في نهاية المطاف سيعرض على الشعب للموافقة عليه.

* لننتقل إذا سمحتم إلى الشأن الإيراني، كيف سيكون رد تركيا إذا ما اختارت إيران سلوك مسار التسلح النووي؟

– لا نريد أن يكون هناك سلاح نووي لدى جيراننا، والمبدأ العام الذي نؤمن به هو أن يكون الشرق الأوسط بأكمله خاليا من الأسلحة النووية، ونحن من جانبنا نعمل على إيجاد حلول دبلوماسية، ونفضل الحلول الدبلوماسية في إنهاء الأزمات.

* هناك تناقض في الموقفين التركي والإيراني في الشأن السوري، ولقد صدر الكثير من الانتقادات الإيرانية للدور التركي في هذه الأزمة.. ما رأيكم في ذلك؟

– الاختلاف في الرأي مع إيران في شأن السياسة المتبعة في الشأن السوري غير خاف عليكم. تركيا اصطفت إلى جانب الشعب السوري، بينما موقف إيران في هذا الشأن واضح، وهو أيضا ليس خافيا على أحد. إيران بلد جار ومهم بالنسبة لنا، وعلاقاتنا الثنائية جيدة، إلا أننا نرغب في إزالة الاحتقان الحاصل في المنطقة بشكل عام. ما أريد أن أنادي به قادة العالم في منطقتنا هو ما يتعلق بالخلاف المذهبي، وتحريك الفرقة بين المذاهب بصورة علنية. هذا مؤلم ويجب الابتعاد عنه بشكل حاسم. لا أعتقد أن النداءات المذهبية لها علاقة بالدين وبأصوله أساسا، بل تعود إلى أسباب محض سياسية. هذا أمر خطير جدا، وقد ينتج انفجار كبير عن الاحتقان الذي نشاهده حاليا. هذا امتحان كبير جدا لهذه المنطقة التي لا يجوز أن تقع في فخ التفرقة المذهبية. لقد كنا في الماضي نتحدث عن صراع الحضارات ونحذر منه، لكن ما نراه اليوم من شأنه أن يفجر صراعا في داخل الإسلام إذا بدأنا ننحى في اتجاه مسألة الفرقة المذهبية. إن الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها المسلمون سوف تهدر في الصراعات الجانبية التي لن تقودنا إطلاقا إلى الطريق الآمن.

* لكن بعض القيادات الإيرانية اتهمت تركيا غير مرة بأنها تخوض حربا سنية، فهل ترون أنفسكم حقا ممثلين للسنة؟

– لا أرى في هذه الادعاءات، بالنسبة لتأييدنا هذا المكون أو ذاك، أمرا واقعيا. نحن نريد أن يسود الاستقرار والتساند في العالم الإسلامي، وأن يعيش المسلمون جميعا في مناخ حر وديمقراطي. عندما يكون الشيعة أو السنة الغالبية في بلد، يجب أن يسود بينهم جو التساند والتفاهم في جو ديمقراطي وصحي وشفاف. ثم إننا لو كنا ندافع عن المذهب السني، أو القادة السنة فقط، لما كنا وقفنا ضد صدام حسين، ولا كنا قلنا للقذافي إنك ترتكب الأخطاء.

ما نريده بالفعل، هو أن ينعم المسلمون على اختلاف بلدانهم وداخل حدودها، بالأمن والأمان ووحدة التراب الوطني، وفي الوقت نفسه خدمة شعوبهم بالوسائل الديمقراطية. فلماذا ينعم العالم المسيحي وشعوبه بالأمن والأمان والمعايير الديمقراطية، ولا ننعم نحن كمسلمين بذلك في منطقتنا. وأنا عندما أقول ذلك، لا أتكلم عن تصدير نماذج معينة من أنظمة الحكم، فهناك اختلافات في الأنظمة، الملكية والجمهورية، غير أن سعادة الشعوب وسيادة القانون هما من أهم المعايير في هذا الموضوع، وهما من مزايا المسلمين والدين الإسلامي. الشعوب والدول تختار أنظمتها بنفسها ولا يكون هناك تعارض في هذا الموضوع ما دامت تخدم شعوبها بالطرق التي ترضي هذه الشعوب.

* تربطكم علاقات مميزة مع القادة السعوديين، فكيف يمكن أن تتعزز علاقات تركيا والمملكة العربية السعودية؟

– العلاقات المتنامية بين السعودية وتركيا مهمة جدا، وهي جيدة على جميع المستويات من اقتصادية وسياسية وغيرها. وهناك الكثير من الزيارات المتبادلة، وكذلك تعزيز للعلاقات في جميع المجالات، حتى في الجوانب الأمنية والأمور العسكرية وقضايا التصنيع الدفاعي وما إليها. ولقد زارني رئيس أركان الجيش السعودي، كما زار رئيس الأركان التركي المملكة في وقت سابق. إن جميع مجالات التعاون بيننا مفتوحة وهي تتطور وفقا لما يريده البلدان.

* ما ذكريات الرئيس غل عن السعودية، وتحديدا في جدة التي أمضيتم فيها سنوات طويلة؟

– هناك الكثير والكثير من الذكريات الجميلة، ويكفي أن ابنتي ولدت هناك. وأنا أعرف – كما تعرف زوجتي – كل أحياء جدة وأزقتها، وبطبيعة الحال، تعرف زوجتي أسواقها. إننا نعلم اليوم عن انتشار المجمعات التجارية التي أنشئت حديثا، وكنا عندما نذهب إلى هناك نراها، ونشعر بالفخر بذلك أيضا، إلا أنني لا أستطيع أن أنسى السوق في البلد، وكذلك كورنيش جدة. ومهما زاد عدد المجمعات التجارية الفخمة، لا يمكن التغاضي عن السوق وعن البلدة القديمة في وسط جدة، فلها نكهة خاصة ما زلت أتذكرها.

* ماذا يقرأ فخامة الرئيس هذه الأيام؟

– أركز على قراءة التاريخ. هناك الكثير من الكتب التي تتناول القضايا السياسية والفكرية التي أحرص على قراءتها، لكنني كرئيس للجمهورية أركز حاليا على قراءة القضايا المتعلقة بالتاريخ.

* هل من مؤلفين أو مثقفين تركوا أثرا فيكم؟

– في تركيا استفاد جيلنا من عدد كبير من المفكرين، على رأسهم نجيب فاضل قيصا كورك الذي استفاد منه جيلنا في تنمية مداركه.

* يفضل بعض القادة أنواعا معينة من الأفلام، فالرئيس الأميركي باراك أوباما ذكر مؤخرا أنه يميل إلى مشاهدة الأفلام الكوميدية، وينقل عن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أنه يفضل الأفلام التاريخية، فأي نوع من الأفلام تفضلون؟ وهل يتيسر لكم ذلك مع أفراد العائلة؟

– ليست هناك إمكانية لمشاهدة الأفلام مع أولادي لأنهم يعيشون في الخارج، لكنني أشاهد الأفلام مع زوجتي. وآخر فيلم حضرناه كان «لنكولن»، وكان فيلما جيدا أمتعنا.

* دانيال دي لويس أدى دورا رائعا.. أليس كذلك؟

– بالتأكيد.

* لقد تخطينا الوقت الممنوح لنا، فخامة الرئيس، وكنا نرغب في الإطالة..

– أبدا.. لقد ذهبتم بي في رحلة إلى جدة وكنت سعيدا بذلك.

* محطات في حياة عبد الله غل

– ولد عبد الله بن أحمد حمدي غل في مدينة قيصرى التاريخية العريقة في هضبة الأناضول، يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1950.

– تخرج في كلية الاقتصاد جامعة إسطنبول عام 1972، ثم سافر إلى بريطانيا، حيث حصل على درجة الماجستير في جامعة إكستر وعاش في بريطانيا بين عامي 1976 و1978، ثم حصل بعد عودته على درجة الدكتوراه في جامعة إسطنبول في موضوع تطور العلاقات الاقتصادية.

– عين مدرسا للاقتصاد بقسم الهندسة الصناعية بجامعة سقارية في شمال تركيا، لكنه ما لبث أن اعتقل عام 1980 بتهمة الانتماء لمجموعة «السنجق».

– عمل بين عامي 1983 و1991 في بنك التنمية الإسلامي بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية كخبير اقتصادي.

– في عام 1991 حصل على درجة أستاذ مساعد في الاقتصاد الدولي.

– في العام نفسه – 1991 – انتخب نائبا عن حزب الرفاه الإسلامي عن منطقة سقارية. وكان بين 1991 و1995 عضوا في لجنة التخطيط والمالية النيابية، وبين 1995 و2001 عضوا في لجنة الخارجية البرلمانية.

– بعد حل حزب الرفاه سنة 1999 أصبح عضوا في حزب الفضيلة. وبعد حظر حزب الفضيلة عام 2000 أسس حزب العدالة والتنمية، عام 2001 مع صديقه رجب طيب أردوغان ودخل البرلمان مجددا تحت علم الحزب الجديد وأعيد انتخابه مرة أخرى عام 2007 بعد الأزمة الدستورية التي حصلت بشأن انتخاب رئيس الجمهورية، والتي كان مرشحا لها، وذلك عندما رفض الجيش التركي والأحزاب العلمانية ترشحه لمنصب الرئاسة.

– انتخب رئيسا لتركيا يوم 28 أغسطس (آب) 2007 في الجولة الثالثة للتصويت وبعد حصوله على أكثر من نصف أصوات البرلمان كما نص عليه الدستور.

– متزوج من خير النساء غل، وهو أب لثلاثة أولاد هم أحمد منير وكبرا ومحمد إيمري.

* نجيب فاضل قيصا كورك.. رمز فكري مناهض لـ«الأتاتوركية» – التقاه غل في شبابه خلال جولة في قيصرى وتأثر به

* يعتبر نجيب فاضل قيصا كورك الذي قال الرئيس عبد الله غل إن جيله استفاد منه في تنمية مداركه، واحدا من أبرز المفكرين والكتاب وشعراء التصوف الأتراك والمسلمين، وكان مناهضا للنظام الأتاتوركي، مما قاده إلى السجن عدة مرات بتهمة «التقليل من شأن القيم الأتاتوركية».

ولد في إسطنبول عام 1904 لأسرة غنية، وعمل والده في عدة مناصب قانونية في الدولة، وكان قاضيا في حي كاديكوي بإسطنبول. أما أمه فكانت مهاجرة من جزيرة كريت. تأثر نجيب في سن الطفولة بجده وتعلم منه الكثير، وكان الجد وراء تعليم الحفيد القراءة والكتابة والقرآن الكريم وهو في سن الخامسة. وفي شبابه التحق بقسم الفلسفة في جامعة باريس (السوربون)، وعاش حياة من الترف والمجون والجموح. قبل أن يتحول إلى التصوف عام 1934، عندما التقى الشيخ عبد الحكيم الأرواسي الذي كان من شيوخ الطريقة النقشبندية في إسطنبول. في عام 1943 أصدر نجيب فاضل مجلة «الشرق الكبير»، وهي مجلة ذات طابع إسلامي أخلاقي، نشر فيها عددا كبيرا من مقالات بديع الزمان النورسي. وكانت هذه المجلة في تلك الحقبة تشكل في توجهاتها مبادئ الدولة التركية، مما عرضها للمضايقات. كذلك تعرض نجيب فاضل للتهديد بفصله من أعماله وسجنه مرات كثيرة، وانتهى به المطاف إلى السجن عدة مرات. هذا، وكان لكتابات نجيب فاضل وبديع الزمان النورسي في هذه المجلة أثر كبير على جمهور واسع من القراء، لا سيما من الشباب، كذلك نشط نجيب فاضل في تلك الفترة في عقد الاجتماعات والندوات والمحاضرات في مختلف أرجاء تركيا، أما الرئيس عبد الله غل فقد التقاه عندما كان شابا، وبينما كان فاضل يزور مدينة قيصرى، مسقط رأس غل، في إحدى جولاته، وكان له أثر كبير عليه. ولقد توفي نجيب فاضل في 25 مايو (أيار) 1983 ودفن في منطقة أيوب في إسطنبول.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى