مراجعات كتب

فانون الأفريقي ناضل لجعل الحرية وعياً إنسانياً بعد الاستعمار

نايجل غيبسون استقرأ كتاباته واختلقه أفكاراً تحاكي الأسود واليهودي

    جوزف باسيل

فرانتز فانون الافريقي الاسود ليس اسماً مشهوراً في الاوساط الفكرية ما دام ليس اوروبياً او غربياً عموماً، وليس صنيعة الاستعمار والفكر الاستعماري او اجهزة “المعلومات” الدراسية، بل هو مناضل ضد الاستعمار في الجزائر ثم في دول افريقية. اشتهر بكتاب “معذبو الارض” جوازه الى الفكر النضالي العربي والفلسطيني، لكن الكتاب موضع المراجعة “فانون المخيلة بعد – الكولونيالية” لنايجل سي غيبسون، يقدم مشهداً عاماً لفكر فانون، مستقرئا ابرز كتاباته.

إن سعي فانون الى تحرر الانسان بالكفاح في وجه الاستعمار والنضال من أجل الحرية بمعناها الواسع، والمحاولات الكثيرة لتشويه فكره، دفعت بغيبسون الى القول ان هدفه تأويل فكر فانون، مستنداً الى ان “فكرة التغييرات الجذرية في الوعي التي هي سمة الحركات الثورية التاريخية لا تزال محورية في توضيح مفهوم فانون في شأن جدلية التحرير”.

ما مدى افادة “الربيع العربي” من افكار فانون؟

ان مفهوم فانون الماركسي بأن الناس يتغيرون فيما هم يصنعون التاريخ الذي يتقصاه بشيء من العمق في كتابه “السنة الخامسة”، يظل ملموساً كما شاهدناه في مختلف انحاء العالم العربي. “لكن تماماً كما انه لا يمكن ببساطة تطبيق فكر فانون آلياً على الثورة المعاصرة، كذلك فان معنى اي ثورة لا يتضح مباشرة”. ودعوة فانون الى الاشتغال بمفاهيم جديدة خلال الانخراط في الحركات الجماهيرية، مع معرفة كاملة بالتاريخ وعملية صيرورته تظل التحدي الذي يواجه المنظرين الجذريين.

ومن الاجابة عن هذا السؤال، انفذ الى سؤال آخر، نطرحه وسبقنا اليه فانون نفسه: “هل كان الاستقلال يستحق القتال من أجله؟”. وسؤال آخر في ظل ما يسمى “الربيع العربي”: هل الشعوب مقدر لها الآن ان تكرر دورة جديدة من الحكم السلطوي في ظل مجموعة جديدة من النخب؟ ام ان الأمر سيكون المرحلة الثانية من الثورة المناهضة للاستعمار التي علّق فانون أمله عليها؟ وكيف يمكن لإشراك فانون ان يساعد تلك المرحلة الجديدة؟

يرفض فانون النزعة المبتسرة المناهضة للاستعمار التي تؤدي الى تحالفات قصيرة الأمد مع انظمة قمعية، ويتحدث عن انسانية ثورية، مؤكداً ان دور المثقف المناضل هو مساعدة الحركة في ادراك نفسها، مستنداً الى افكار ثورية، محذراً من ان “الاستغلال يمكنه ان يرتدي وجهاً اسود او وجهاً عربياً”.

واذ ينتقد الدعوات الى الهوية يصبح مفهومه عن التحرر الوطني سياسة “يمكن في اطارها لكل نوع من العبقرية ان يتنامى”. والحديث عن المجتمع المستقبلي كان يجب ان يشتمل على الجميع من دون الاشارة الى اي هوية. كما ان المستقبل يجب ان يكون “مفتوحاً امام الجميع”. ولئن كانت وظيفة المجتمع خدمة الاحتجاجات الانسانية، فان هذا ايضا يجب ان يكون مقياس اي مجتمع اجتث الاستعمار.

 ووعى وحشية ما بعد الاستعمار سواء جاءت من حزب ام جيش ام دولة، وهي تتمظهر بترهيب الاجهزة الامنية الشعب وتشتيت قواه، مدركاً ان النضال من أجل التحرر الحقيقي ولّد امراضاً واضطرابات نفسية وصدمات وتوترات ناشئة عن الاوضاع المتطرفة.

وفي كتاب “معذبو الارض” الاساس لفكر فانون يؤكد ان “المشكلة النظرية المهمة” ليست مجرد احتراس، بل هي مشكلة دراسة الذات والتفكير فيها “في الاوقات كلها ومختلف الامكنة، هي توضيح وكشف ومهاجمة الاساءة الى الانسانية التي توجد في ذات المرء”.

يوكل فانون دوراً مهماً الى المثقف، فدوره تثبيت الاستقرار بالمساعدة على خلق وعي وطني عبر سياسة ثقافية جديدة. وتطور الانسانية يفترض نجاح المثقفين في تطوير المفاهيم الوطنية.

اقتناعاً منه بدور الفرد في المجتمع، والمثقف في تحريك الجماعة وتطويرها، والوعي الوطني في مواجهة اشكال السيطرة والاستعمار، جعل حرية الانسان تحتل حيزاً مركزياً في ديالكتيكه، الذي اثار اشكاليات اكثر مما اعطى من اجابات. وأهم اشكاليات فانون قوله ان الرجل الابيض هو الذي يصنع الرجل الاسود، وتساؤله: هل انا موجود؟ في الحقيقة من انا؟

يثير المترجم خالد عايد ابو هديب مسألة ارتأيت عرضها، اذ يتهم غيبسون بأنه اقتحم في الفصل الاول “فقرة مستقلة كاملة من نحو ست صفحات بعنوان “اليهودي ووعي الاسود”، اضافة الى اشارات اخرى متفرقة في ثنايا النص” يختلف فيها محاكاة بين وضع السود في المستعمرات ووعيهم، وبين وضع يهود المركز الاستعماري الاوروبي ووعيهم”. و”يذكرنا مرة تلو مرة بديالكتيك هيغل الخاص بالسيد (الابيض) والعبد (الاسود) متجاهلاً تماماً انطباق هذا الديالكتيك بالاحرى على علاقة السيد (اليهودي الصهيوني) و”العبد” (الفلسطيني العربي).

ويضيف: “ما يزيد الاقحام المذكور إمعاناً هو ايحاء الكاتب بأن الآراء التي يعرضها في هذا الصدد انما هي آراء فانون نفسه، وفانون بريء منها كل البراءة”. قد تبدو افكار فانون مفرطة في مثاليتها، لكنه في الحقيقة كان واقعياً من الطراز الاول. ويا للأسف، ان توقعاته في شأن افريقيا ما بعد الاستعمار ثبتت صحتها، فأفريقيا الآن اسوأ مما كانت عليه قبل خمسين سنة، ان تكهنات فانون وان غير مكتملة تظل واقعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى