خلف علي الخلفصفحات سورية

فتاوى للتصدير: شيوخ التكفير يستعيدون لياقتهم في سوريا

خلف علي الخلف
لزمن طويل دعمت السعودية “سلفنة” العالم [من السلفية]. لم يبق موطئ قدم استطاع دعاة السلفية السعوديون أو من تمولهم أن يذهبوا إليه ولم يفعلوا. ومضوا على نهج الارساليات في نشر المسيحية. كانوا تبشيريين بالدين الصحيح؛ دين التوحيد. بنوا مساجد ومدارس حول العالم هدفها تدريس “منهج التوحيد” ونشره.
وبينما كان العالم الاسلامي الذي يناهض “إسلامهم” يصر على تسمية الدين الذين يروجون له بـ “الوهابية” كان السعوديون قيادة ودعاة يصرون على أنه لاوجود للوهابية وأن نهجهم هو نهج السلف الصالح.
وإذا قيض لك أن تعيش في السعودية في نهاية الثمانينات وعقد التسعينات حتى مطلع الألفية ستجد أن منهج التوحيد كان يعني تكفير العالم؛ ليس عليك الذهاب للمسجد كي تسمع التكفير وتحفظه؛ كان التكفيرُ يدخل إليك ولو كنت في بروجٍ مشيدة. تكفير اليهود والنصارى والعلمانيين والليبراليين والصوفيين والشيعة والمجوس والبوذيين والسيخ وباختصار تكفير كل من لايدين بدين التوحيد الذي يتبع نهج السلف الصالح، أو “الوهابية” بتعبير المناهضين له.
كانت السعودية في حربٍ مع العالم وكأن مؤامرة كونية تحاك ضدها ويتآمر عليها كل العالم في آخر الليل. ويصحوا صباحاً ليسأل: أين وصلنا بالمؤامرة على السعودية والسعوديين؟ هيا بنا نكمل. لم تكن الحرب فقط خارجية في افغانستان والبوسنة والهرسك وكشمير والشيشان لاحقاً؛ كانت هناك حرب داخلية يشنها “المطاوعة” [الذراع الضاربة لمنهج التوحيد] على السعوديين، وهم شعب مسلم متدين محافظ، كانت المعركة مع المطاوعة طويلة ومضحكة في كثير من الاحيان، يقودها هاجس المطاوعة بأن السعوديين المسلمين المساكين المتمسكين بفروض دينهم -في العموم- منحرفين عن النهج الصالح ولابد من تقويمهم؛ وكان كل من تبدوا عليه ملامح انحراف يسحل ويسجن ويبهدل أمام زوجته وأطفاله في الشارع… الخ.
كل ذلك كان عادياً ويسير بسلاسة شديدة بموجب العهد الوثيق بين القائمين على دعوة ابن عبد الوهاب ودولة ابن عبد العزيز.. حتى وقعت الواقعة وعاد الإرهاب المُصدّر الى داخل السعودية وكُفرت الأسرة الحاكمة وشكك بشرعة حكمها وسيقت فتواى عديدة بانها لاتمثل نهج السلف الصالح.. ثم جاءت الطامة الكبرى في 11سبتمبر/أيلول.
خاضت الحكومة السعودية بصبرٍ وطولة بال حربٍ طويلة ضد “الفكر الضال” المنحرف عن “شريعتنا السمحاء”.. كانت حرب على كل الجبهات، أمنية، ثقافية، اعلامية، مالية، مجتمعية.. محاولةً تفكيك بنية الفكر الضال والذي ذراعه الأساسية الفتوى.
ضيق على نشر “الفكر الضال” في وسائل الااعلام والصحف..حوربت منتديات التطرف وأغلقت أو حجبت؛ بدلت بعض المواد في المناهج حذفت كتب ودروس.. أعطيت مساحة لكتاب يحسبون أنفسهم على الليبرالية كي يهاجموا الفكر الضال بخفة ورشاقة دون أن يمضوا بعيداً، كي لايستنفروا المجتمع نفسه، بحماية رسمية تقريبا، وخاض الملك عبدالله منذ أن كان وليا للعهد حربا طويلة النفس تقوم على إصلاحات بطيئة وحرب مفتوحة ضد الفكر الضال تضمنت مغريات عديدة في إطار ما سمي “المناصحة” التي تم من خلالها قبول توبتهم اللفظية عن “الضلالة” مقابل فك سجنهم وعدم الحكم عليهم و تزويجهم وتسكينهم وتوظيفهم، حتى أصبح خيرجو برنامج المناصحة يناولون مكاسبا و”دلالا” أكثر من خريجي أعرق الجامعات. حتى تمنى أحد قدامى الليبراليين السعودين على أمير: ياطويل العمر عاملونا كما تعاملون الإرهابيين.
في ظل المناصحة تم إصدار قرارات متلاحقة تهدف إلى تجفيف مستنقع الإرهاب وموارده الفكرية فنتج عن ذلك قرار بمنع الفتوى وحصرها بهيئة كبار العلماء أو من يُصرح لهم. ونص على عقوبات رادعة لمن يتجاوز ذلك. كما تم عزل “الشيوخ” لذين يعارضون العلم والتقدم العلمي تحت رُهاب الإختلاط.
لم يعد بإمكان شيوخ التطرف الإفتاء في الداخل السعودي، ولأن من يبطل عادته تقل سعادته، ولأن أمة الإسلام مترامية الأطراف وكلها ساحة للفتوى، فصاروا يتحينون الأحداث المحيطة كي يصدروا فتواى خارجية “للتصدير” ويمارسوا دورهم المتطرف دون أن يطالهم السيف السعودي.
وهكذا وجدوا مؤخراً في الساحة السورية مكاناً لإعادة التأهيل والتدريب على الجاهزية، بعد أن كادت فتاوى “التكفير” تضمر لقلة استخدامها.
ولأن الثورة ترحب بالإنصار والمناصرين فقد تلقف بعض السوريين فتاوى المؤازرة من شيوخ “التكفير” بعضهم لايعرفهم ولا يعرف من تاريخهم شيء سوى أنهم آزروهم ونددوا بصمت العالم أمام من يسمونه منذُ القرن الفائت “النظام الطائفي النصيري البعثي العلماني الكافر المجرم” حسب تنويعات كل خطيب وحماسه. والبعض الآخر رحب بهم لأنهم “شيوخه” فهو سلفي ابن المدرسة الوهابية؛ التي يطرب أتباعها للتكفير وينتشي شيوخها وهم يكفرون العالم.
وبعد أن “فاع” هؤلاء الشيوخ بفتاوهم التي منع تسويقها داخلياً، قال التلفزيون السوري : أرأيتم أيّها السوريون هذا هو المستقبل الذي ينتظركم فجفل من جفل ممن كان مع الثورة وغادر بعض الصامتين صمتهم ليلتحقوا بالنظام لأن “الظلامية” أدركتهم في عقر دارهم. بينما صفق مناصروا النظام ونشروا هذه الفتاوى بحماسِ شديد.
السوريون شعب محافظ في عمومه لكنه بالتأكيد لن يكون محافظا كالسعوديين، وكثير منهم متمسكين بفروض دينهم لكنهم بالتأكيد لن يصلون للسعودين الذين يجبرون على تأديتها أحيانا، فإذا كان السعوديون وهم في بلاد يقوم حكمها على الشريعة قد ضاقوا ذرعا بهذه الفتاوى وحاربوها مالذي يجعلنا نعتقد أنها ستجعل بلادنا جنة الله في الأرض!
أم أن سوريا أصبحت مكب نفايات لفتاوى شيوخ التطرف، التي انتهت صلاحيتها في بلادهم. أليس من حقنا أن نسأل: لو كان من وراء فتواكم خيرا لانتفعت بها بلادكم ولما منعتم من الفتوى في أرض تحكم كما يقال بالقرآن والسنة ولكانت فتواكم مرحب بها في أرض تتبع منهج السلف الصالح أيها السلفيون.
أهل نجد يقولون عابسين لمن ههم غير مرحب بهم: أقول ضف وجهك انت وياه. أي اخرجوا بسرعة غير مأسوف عليكم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى