صفحات الثقافة

في انتظار “توماهوك”/ شريف رفاعي

ليس هناك حزن يشابه هذا الحزن، قلت لنفسي وأنا أنظر إلى شوارع بيروت من نافذة التاكسي، ثم تساءلت: هل تعوضني بيروت عن دمشق؟ فوجدت أن السؤال مفجع بحد ذاته، هذا يعني أن الفكرة باتت واردة. كيف لا وقد استبق الجميع وصول صواريخ الكروز قبل وصولها! باتت هنا في النفوس والأحاديث العابرة وهناك من ينتظرها بأمل وافتتان، ومن يرصد السماء وآخر التصريحات ليحدد بدقة موعد الاحتفال القادم.

الصديقة قالت لي إن إحدى المحطات التلفزيونية استضافت عرّافة شهيرة لتسألها عن توقعاتها! لمَ لا، سياسيونا لا يفعلون أكثر من ذلك، كلهم منجمون فاشلون، أجبت.

الحياة طبيعية، لكن الفرح غائب. هناك انتظار ثقيل في الأفق يشعر به الجميع، ثم يجدون أنه لا بأس من متابعة العيش حتى إشعار آخر. بعد التفجيرات الأخيرة في الضاحية وطرابلس، القلق أصبح طريقة حياة، الكل يفعل ما يفعله عادة، ولكن مع اعتبار كل سيارة مشروع انفجار وكل شارع مشروع موت محتمل. هكذا تصبح المدن عندما تفقد الأمان. لا فائدة من الاحتياط الزائد فليس هناك مكان أكثر تحصيناً من الآخر. الكل مشروع استهداف مفاجئ!

ليست الشام بعيدة، والجغرافيا معدية كالطاعون، دمشق هنا، غائبة حاضرة. الصديق الدمشقي لم يتمكن من الحضور «صعبة شوي هالكم يوم، والمعاملة سيئة على الحدود» قال باقتضاب. كيف لا والبلد الصغير ينوء تحت وطء تناقضاته وطوائفه وآثار حروبه التي تنفتح على الجرح السوري. «أنت مع التوما هوك أم لا؟» يسأل بائع الخضار البتروني بعد أن فضحتني لهجتي، أنا ضد كل شيء، أجبت بمزاح ليس مزاحاً، «نحنا بآخر النهار، خود يلي بدك ياه، بعملك سعر، أنا بحب الزباين يرجعوا» سأعود غداً أو بعد غد، إذا سمح لنا التوما هوك، ثم التقطت عدة حبات دراق وبندورة جبلية كبيرة وأضفتها إلى الميزان.

البحر متسع وخط لامتناه يرسم حدود البحر والسماء، الشمس تتابع هبوطها الأزلي. حولي افراد عائلتي، انظر إليهم واحداً واحداً، يستحقون مني كل وقتي ككل الأطفال… ولكن ماذا تفعل عندما تنتظر التوما هوك؟ ليس خوفاً هذا، انه انفتاح جديد لجرح بدأ منذ أكثر من عامين. هو تمزق جديد فلا أنت تعرف الأشياء ولا تعرف ذاتك، «لم يعد هناك نحن» قالت الصديقة، أتيت الى هنا أبحث عن شيء يشبهني، قلت وكان من الممكن ان يطول الحديث لولا التوما هوك وظله القاتم.

إذا أتى التوما هوك، فسأكون هنا، قلت لنفسي أيضاً، ليس تحت مرمى ناره بالضبط ولكن في دائرة قريبة من تردداته، ففي لبنان ما يكفي لتشعر مباشرة بتغيرات النبض السوري. لن يكون هناك ما تفعله ساعتها سوى التطلع إلى السماء بين رميتي نرد. ثم خطر لي أننا شعوب تفقد مناعتها تدريجاً وهي لهذا تغدو اليوم أكثر جهوزية لما كانت ترفضه البارحة.

لم يكن ممكنا أن يصبح التوما هوك وارداً لو لم نكن قد جهزنا له مسبقاً مكاناً في دواخلنا، بحيث يصبح قدومه حدثاً تتراوح ردودنا عليه بين من يعتبره قدراً وبين من يعتبره خلاصاً! هل يفسر هذا تلكؤ الولايات المتحدة منذ عامين؟ ربما كانت تقارير مخابراتها الرصينة تعتبر أن ثمة أماكن داخلنا لم تستبح بعد وأننا اليوم غدونا أكثر وداعة لدرجة أن نتوسل التوماهوك. هل كان هذا يخطر ببال من صرخ إبان غزو العراق العام 2003 ان ذاكرة الشعوب لا تنسى فإذا بها تنسى أمام لوعة الموت واستباحة الدم لدرجة ان تستجدي قاتل الأمس ليصبح منقذ اليوم؟

يكتمل السيناريو شيئاً فشيئاً، البوارج هنا وغرف العمليات متأهبة، صفحات الفيسبوك متخمة بالتعليقات والمقارنات. يحضر العراق، الغوطة تصبح حلبجة، ويلبس الصحاف وعلوجه وجه الوزير السوري وليد المعلم، كولن باول وكيري، كلاهما ترتبط صورته بالكيماوي من الآن فصاعداً.

التمام هوك آت؟ أهلاً وسهلاً، ها نحن أيضاً هنا، نراقب البحر وشمس الصباح مع فنجان قهوة ورمية نرد.

(كاتب سوري)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى