صبر درويشصفحات الناس

سوريا: التجويع يفرض الهدنة!/ صبر درويش

في الوقت الذي تمكن فيه المدنيون في مناطق مختلفة من الصمود في وجه القصف الدموي المستمر منذ أشهر على مدنهم، بات من الصعب عليهم الصمود اليوم في وجه التجويع الذي أخضعوا له عبر الأشهر الطويلة الماضية. ما عجزت عن انجازه الأسلحة الثقيلة، ستنجزه سياسة الجوع والمرض، وهو الأمر الذي ربما مهد الطريق لطرح فكرة إقامة هدنة بين الثوار والنظام السوري، في عدد من المدن السورية.

في هذا السياق تأتي الأنباء التي أوردتها صحيفة “الاندبندنت” البريطانية عن أن الجيش الحر يجري محادثات في دمشق مع مسؤولين كبار في النظام السوري، لتشكل تطوراً جديداً قد يغير مسار الحرب الدائرة في سوريا.

الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، ذكر في مقاله قبل أيام أن وفداً مؤلفاً من رجلين مدنيين تابعين للجيش الحر وصل سراً إلى دمشق من مدينة حلب قبل 6 أسابيع، مشيراً إلى أن الوفد التقى مسؤولاً بارزاً من موظفي الرئيس الأسد.

وسبقت كل هذه التسريبات انباء غير مؤكدة تحدثت عن إمكان توصل الناشطين في مدينة حرستا الواقعة في محيط العاصمة دمشق إلى توقيع هدنة مع النظام السوري، تسمح بعودة المدنيين وفك الحصار عن المدينة.

أما اليوم فوفقاً لمعلومات توفرت لـ”المدن”، يجري العمل على توقيع هدنة بين ثوار مخيم اليرموك الفلسطيني والنظام السوري، تشارك فيها مجموعة من القوى العسكرية المسيطرة على المخيم (الرابطة الاسلامية – الكتائب الفلسطينية) والهيئات الاغاثية والحراك المدني من ناشطين وسياسيين.

وقد يكون يوم الجمعة هو اليوم الذي ستحسم فيه المسألة بالكامل. النظام يبدو أنه لم يحسم موقفه بعد. القصر الرئاسي على ما أفيد كان قد وافق على عقد الهدنة بينما الجهاز الأمني لا يزال معترضاً.

ومن جهة الثوار أيضاً، لا يزال السجال قائماً بين من يرى في الهدنة ملامح استسلام وتنازل خطير من قبل المعارضة، وبين من يراها حلاً مؤقتاً قد يفسح المجال أمام المقاتلين كي يلتقطوا أنفاسهم.

وتقوم الهدنة على  بنود أساسية وأخرى ثانوية. يأتي في المقدمة وقف كامل لإطلاق النار بين الطرفين، ووقف القصف من قبل قوات النظام وإخفاء المظاهر المسلحة داخل المخيم من قبل قوات الجيش الحر.

في المقابل، يقوم النظام بفتح الطريق إلى المخيم وتسيير دخول الناس وتأمين دخول المواد الغذائية للمواطنين وتأمين الاشخاص الذين يرغبون في تسوية أوضاعهم ممن عليهم مساءلات أمنية.

وتبدو جميع الأطراف في المخيم معنية بأن يبقى السجال حول الهدنة تحت السيطرة، ولا يتحول إلى اقتتال بين الفصائل المسلحة في الجيش الحر المتواجدة في منطقة اليرموك والحجر الأسود. وهو سيناريو يحذر منه الكثير من عقلاء اليرموك.

 يقول محمود نصار، وهو أحد اهم الناشطين في مخيم اليرموك، “المخيم يعاني من حصار جزئي مما يقارب 10 أشهر، وحصار كلي مما يقارب 3 أشهر، إذ يمنع النظام دخول أي شيء الى المخيم من مواد إغاثية الى الوقود فضلاً عن تقييد حركة المدنيين والسيارات والخضروات والخبز  والادوية وحليب الاطفال”. وأوضح أن هذه الاجراءات “أدت إلى حدوث كارثة إنسانية يعاني منها اكثر من 30 ألف مدني في مخيم اليرموك وانتشار حالات سوء التغذية بين الأطفال ووفاة عدد كبير من الجرحى بسبب عدم توفر الحد الادنى من المواد الطبية الضرورية ولا حتى الاطباء”.

كما لفت إلى أن “كل المحاولات لفك الحصار باءت  بالفشل، في ظل تخلي الأونروا عن دورها في حماية اللاجئين الفلسطينيين وتخلي مفوضية شؤون اللاجئين عن دورها في حماية النازحين السورين”، موضحاً أنه “في خضم كل ذلك انطرحت هدنة في مخيم اليرموك”.

 ورأى أن “قبول الهدنة في مخيم اليرموك لا يعني الخيانة لدماء الشهداء، فأبناء الشهداء هم أول من لا يجدون الحليب وهم اول من لا يجد الطعام، إن قبول الهدنة لا يعني الخيانة لجرحانا، لأنهم الوحيدون الذين لا يجدون إبرة المسكن حين يتألمون ونحن ننظر اليهم بكل عجز، إن قبول الهدنة لا تعني الخيانة لمعتقلينا، فانهم أكثر الفرحين حين يعلمون بأن أهلهم ينامون في بيوتهم لا على قارعة الطريق”.

الحقيقة، أجبر الناشطون على خيار الهدنة على الرغم من معرفتهم بحجم الضريبة السياسية التي سيدفعونها. وقد يكون من السهل تحميل ممارسات نظام الأسد المسؤولية كاملة حول هذا التطور الخطير في مسار الثورة، بيد أن للمعارضة الرسمية مسؤولية كبيرة في ذلك أيضاً.

الإهمال الذي حدث في دعم صمود الأهالي والناشطين، والتعامل باستهتار في ما يخص تأمين احتياجات هؤلاء الأهالي، نتج عنه وصول الحاضنة الشعبية للثورة إلى طريق مسدود، حيث أجبرت على التفكير في امكان تقديم تنازل مرير من خلال عقد هدنة مع نظام السوري. وهو تطور سيقرأه النظام من جانبه باعتباره انتصاراً لسياسته في إخضاع المدن وإعادة بسط سيطرته عليها من جديد.

يقول الصحافي ثائر السهلي وهو ابن مخيم اليرموك: “المنطقة الجنوبية عامة ومخيم اليرموك على وجه الخصوص، على أبواب كارثة انسانية، في ظل جمود عسكري ميداني على الارض، وعجز كامل عن ايصال ما يسد رمق 50 الف مدني محاصرين منذ نحو عشرة أشهر، الجوع وغياب الموارد الطبية واقع مؤلم في المخيم، وبات من الصعب احتماله”.

في ظل هذا التطور يصبح السؤال الذي من الجيد طرحه هنا: هل بدأ التعب يصيب الحاضنة الشعبية للثورة السورية؟ عانى محيط العاصمة دمشق، والذي تمكن الثوار من السيطرة عليه قبل حوالي العام، أكثر من غيره من سياسة الحصار، وذلك لأسباب عديدة، اهمها عدم وجود منافذ حدودية دولية قريبة على هذه المناطق، وبسبب الاهمية الحاسمة التي تشكلها العاصمة دمشق في معادلة الصراع بين مقاتلي المعارضة ونظام الأسد من جهة أخرى. وقد تبدو المنطقة الجنوبية من العاصمة هي الأسوأ على الصعيد الانساني. ولا يضاهيها في ذلك إلا معضمية الشام في الغوطة الغربية حيث تعدى الحصار فيها يومه الـ 280، وفاق عدد الشهداء الـ 700 شهيد، وتعطلت جميع المستشفيات، ويحظى كل 2400 شخص برعاية طبيب واحد فقط، والمدارس الـ 22 تعطلت بشكل تام،  يضاف إلى ذلك تسجيل عملية تدمير تسلسلي متقدم لمباني المدينة الواقعة على أطرافها وفي مراكزها الحيوية، وذلك وفقاً للبيان الذي أصدره الاتئلاف الوطني.

في محاولته شرح السياسة التي اعتمدها نظام الأسد في استهداف الحاضنة الشعبية للثوار وتدفيعها أثماناً باهظة، يقول  الباحث ماجد كيالي، لـ“المدن”، “المشكلة في سوريا انه حدثت عملية ازاحة المجتمع السوري، بهدف قتل البيئات الشعبية الحاضنة للثورة، وهو ما تمثل بمغادرة كتل شعبية واسعة لمساكنها واحيائها، بحيث صرنا ازاء ملايين من السوريين النازحين في سوريا وخارجها، ما ولد ظاهرة اسميها “اختفاء” المجتمع السوري، وهي تعني خروج معظمه من اطار المعادلات الصراعية الجارية في سوريا، بحيث بقيت المعادلة بين جماعات مسلحة مختلفة الالوان والخلفيات من جهة والنظام من جهة أخرى”.

أما من بقي من المدنيين، فتحول إلى “بيئة حاضنة” يجوز من وجهة نظر النظام ممارسة العقاب الجماعي بحقها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى