صفحات مميزة

فروع النظام وأصوله


حسام عيتاني

المعتدون على رسام الكاريكاتور السوري علي فرزات سيختفون وراء تلك الغابة من الفروع والجذوع الأمنية ويضيع حق الرجل في العدالة كما ضاعت حقوق الآلاف من مواطنيه السوريين.

وليس مستبعداً أن يظهر من صفوف النظام من يدعو فرزات إلى الكشف عن أسماء المعتدين عليه لتجري ملاحقتهم، لأن السلطة، مثل كل سلطة، لا تقبل بتعرض رجال الفن والثقافة لاعتداءات المارقين والأوغاد. فهذه من قوانين لعبة «الأمن» والمعارضة في كل الديكتاتوريات.

وفي سورية ينقلب تعدد أوجه النظام مشكلة تواجه كل الساعين إلى التفاوض أو التخاصم معه. فالشهادات أكثر من أن تحصى عن قبول القيادة السورية بالاقتراح ونقيضه، بإصدار الأوامر بعدم إطلاق النار على المتظاهرين ثم بتسيير القوات «لتطهير وتحرير» القرى، بالاتصال بالصحافيين وإبلاغهم فقرات كاملة من الخطاب المقبل للرئيس تتضمن إصلاحات جذرية، ومن ثم بتجاهل كل المطالب واللجوء إلى مقولات «الجراثيم» و «العصابات التكفيرية السلفية». بالتعهد بوقف العمليات العسكرية وبعد ذلك بقصف الدبابات لمنازل حمص والرستن وغيرهما. بل إن هناك معلومات عن حيرة مسؤولين وديبلوماسيين أجانب حيال الجهة التي تمسك فعلياً بالقرارين السياسي والأمني في البلاد وصعوبة إقناع المحاورين السوريين بالانتقال من الكلام إلى الأفعال، كوسيلة لازمة للبدء بالخروج من الأزمة.

ثمة ما يزيد عن تقاسم الأدوار والتنسيق المقصود بين «فروع» النظام الأخطبوطية. ثمة ما يقول شيئاً عن تعدد مراكز القرار وغياب خطة أمنية – سياسية مركزية للنظام لمواجهة المعارضة. فلم تعرف عن الحكم في سورية أي ميول «لا مركزية» بل إن قانون الإدارة المحلية ما زال بين القوانين التي يعد الإصلاحيون بإصدارها ذات يوم. لكن حتى لو بدا أن تعدد مستويات الرد على المتظاهرين وصنوفه مكسب استراتيجي للمحتجين الذين كشفوا عطباً رئيساً في آليات رد السلطات على نشاطاتهم، إلا أن ذلك ينطوي في الوقت ذاته على خطر كبير على بنية الدولة في سورية وعلى مستقبلها.

ذلك أن إفلات الأجهزة الأمنية التي «تغولت» في الأعوام الماضية من كل عقال ورقابة، وتطبيق كل فرقة عسكرية سياسة مستقلة وفق المعطيات الميدانية للمنطقة التي تنتشر فيها، ينذر بمخاطر تفكك الأجهزة والقوات المسلحة إلى مجموعات لا يربط بينها سوى الولاء للنظام. ويضعها ذلك في منأى عن أشكال الضبط والربط المعروفة حتى في الدول الشمولية.

ولمتابع المؤشرات الاقتصادية والمالية السورية أن يضيف الانخفاض الكبير في حركة السياحة والتصدير وارتفاع الاعتماد على التحويلات الآتية من الخارج، كوجوه ملازمة للحالة السورية الراهنة. ويجوز الاعتقاد أن النظام أيضاً قد زاد من الاعتماد على الأموال «السياسية» الآتية إليه من الخارج للحفاظ على الحد الأدنى من قدرات مؤسسات الدولة على أداء مهماتها، الأمنية والاقتصادية.

يضع الواقع المظلم هذا الوطنيين السوريين أمام مسؤولية ضخمة تتعلق بالنظر إلى مستقبل بلادهم من زاوية جديدة هي تحمل المسؤولية في العمل العام والانتباه إلى عمق المشكلات التي سيواجهونها عند حصول التغيير… وضرورة الإسراع في إنجاز التغيير من باب أولى.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى