صفحات الناس

فقراء جدد وأغنياء من أمراء الحرب… ومناطق «آمنة» للنظام/ يامن حسين

لم تقف الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسورية منذ الشهور الأولى للثورة عند حدود المناطق الثائرة، والتي تحملت العبء الأكبر اقتصادياً وإنسانياً، بل بدأت تلتهم الطبقات الوسطى والفقيرة في ما يحلو للنظام السوري وإعلامه أن يدعوها «مناطق آمنة».

وإن كانت تصعب المقارنة بين الظروف المعيشية والاقتصادية للمنطقتين، فإن نظرة أكثر شمولاً تؤكد أن الأزمة الاقتصادية تسللت بقوة إلى مناطق سيطرة النظام ومسّت فئات الموظفين والعمال في القطاع الحكومي والخاص. فهؤلاء أثقلت كاهلهم الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية وبخاصة مع ارتفاع سعر صرف الدولار خلال أوائل ومنتصف عام 2013 (311 ليرة سورية مقابل الدولار، بدلاً من 45 ليرة سورية مقابل الدولار قبيل اندلاع الثورة )، ولم يساهم انخفاض أسعار صرف الدولار في الربع الأخير من عام 2013 ليصل حد (143 ليرة سورية مقابل الدولار) في انخفاض أسعار المواد الأساسية والخضار واللحوم.

سوق المواد المستعملة

مع ندرة فرص العمل في المؤسسات والمعامل التابعة للقطاع العام الحكومي في سورية، وهروب رأس المال الخاص، بات البحث عن عمل ثانٍ في مناطق سيطرة النظام أشبه بضرب من الخيال، فلجأ عديد من الموظفين للعمل بالتجارة في سوق «المستعمل» وهي تجارة بدأت تغزو شوارع العاصمة دمشق ومدن حمص وحلب وطرطوس. مئات «البسطات» تنتشر من جسر الثورة في قلب دمشق وصولاً إلى فندق «الفور سيزن»، وفي ساحتي الشهبندر وعرنوس، وبجوار محطة الحجاز، وشارع الحمرا، وكل ما يمكن للعقل أن يتخيله يباع على هذه «البسطات»، من قواطع الكهرباء وصولاً إلى الثياب والمناشف وحتى منافض السجائر.

يقول محمد وهو موظف بريد براتب 13 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 90 دولاراً شهرياً: «مع عائلة مكونة من طفلين كان من المستحيل أن يكفي الراتب أكثر من سبعة أيام فاضطررت إلى أن استدين مبلغاً من المال لأعمل على «بسطة» للمواد البلاستيكية المنزلية علّها تساهم بإعالة أسرتي والتي بالكاد أراها آخر الليل، ويوم الجمعة».

منير الحاصل على شهادة في قسم الفيزياء ويعمل مدرساً في إحدى الثانويات بمنطقة الدويلعة جنوب دمشق يقول: «كنت أنوي الزواج ولكن مع إيقاف القروض من البنوك الخاصة والعامة وارتفاع أسعار المنازل، والإيجارات والمعيشة، تأجل زواجي سنتين، فاضطررت إلى أن استعمل إحدى الغرف في منزل أهلي وتحويلها إلى محل لبيع الثياب المستعملة لأستطيع استئجار منزل صغير والزواج بخطيبتي». وتؤمن محال بيع الأدوات المستعملة اضافة لفرص العمل، متنفساً لذوي الدخل المحدود فأسعارها تبقى أقل ارتفاعاً من المحال العادية، لكنها تحرم خزينة الدولة من ملايين الليرات، كونها لا تخضع للضرائب، كما تشكل حرجاً للنظام مع شريحة كانت تعتبر صماماً ومعيناً له في دمشق، شريحة التجار وأصحاب المحال الكبيرة والتي بدأت بالتململ كون أسواق «المستعمل» تحرمهم من الزبائن وتنافسهم بالأسعار.

ولم يستطع نظام «الممانعة» كبح انفلات الأسواق والتجارة بدمشق، انفلات أشارت إليه محطة شام أف أم (قناة خاصة موالية للنظام السوري) حيث بثت خبراً عن وجود ملبوسات إسرائيلية في أحد محال «البالة» في منطقة المزة (الشيخ سعد)، ونشرت صورة لأحدى الكنزات المصنوعة في إسرائيل، محملةً الغياب التام لأجهزة الرقابة عن المستوردات والجهات «المعنية» المسؤولية عن دخول إسرائيل من ثقب الباب.

قاتل مأجور !

أحمد شاب في الخامسة والثلاثين من العمر وأب لطفلة كان يعمل في أحد مصانع منطقة (حسياء الصناعية) في محافظة حمص، تم طرده من العمل مع عدد كبير من العمال في بداية الثورة الثورية بعد تخفيض عدد العمال، ولاحقاً نقل صاحب المعمل كل معدات معمله إلى الخارج، حاول كما يروي لنا ابن عمه العمل في مدينة طرطوس بنقل «البلوك وأكياس الإسمنت في أحد المشاريع العقارية إلا أن الدخل اليومي المحدد له (800 ل س، حوالى خمس دولارات ونصف الدولار) بالكاد يكفيه أجرة نقل من طرطوس إلى حمص حيث يقيم، ولا يؤمّن أكثر من حاجيات أسرته لخمسة أيام فاضطر للالتحاق بما يعرف «جيش الدفاع الوطني» في حمص مقابل راتب ثلاثين ألفاً». ويكمل قريب أحمد: «في كل يوم تجلس أم أحمد وزوجته على عتبة الباب بانتظاره، لم يرغبوا لا هم ولا هو، في أن يشارك في القتال أو أن يُقتل في حرب يدفع الفقراء أكبر أثمانها».

طبقة الأثرياء الجدد

لم يكن ظهور الشبيحة أو ما عرف لاحقاً بـ «جيش الدفاع الوطني» فقط ظاهرة مقاتلين دفعهم ولاؤهم السياسي أو المذهبي للقتال إلى جانب النظام بل كان أيضاً مقدمة لظهور طبقة اقتصادية بدأت مع أول سوق لتصريف مسروقات هؤلاء المقاتلين من الأحياء الثائرة في ما عرف بـ «سوق السنّة» بدايةً، ولاحقاً وبعد أن طاولت السرقات بيوت الأحياء الموالية بات يعرف بسوق «التعفيش» (مصطلح أطلقه الشبيحة على سرقة أثاث البيوت)، وبعد سنتين ونصف السنة ظهر الأغنياء الجدد.

محمد أحد المعارضين الذين مازالوا ضمن أحد الأحياء الموالية في حمص يروي ما يجري في الأحياء ذات الغالبية العلوية: «ثمة شبكة كاملة تقوم بتجنيد الشبان العلويين والمسيحيين والشيعة للقتال إلى جانب النظام، مقدمين مغريات (الراتب الشهري) وما يحصلون عليه من عمليات السلب والنهب للبيوت والمحال التجارية، شبان بغالبيتهم عاطلون من العمل».

ويضيف «بدأت تظهر طبقة جديدة من الأغنياء في الإحياء الموالية في حمص، وبخاصة كبار الشبيحة، بعضهم لم يكن يملك شيئاً وبات اليوم من أصحاب العقارات، والســـيارات، وبدأت منــاطق كانت تعتبر فقيرة جداً في المهاجرين وأطراف حي الأرمن والزهراء في مدينة حمص تشهد نمواً اقتصادياً فانتشرت محال الأطعمة الجاهزة وشواء اللحوم من قلب حي الزهراء والأرمن إلى أطرافه حيث يستوطن الأغنياء الجدد، في حين تعيش نسبة كبيرة من أبناء هذه الأحياء على خط الفقر أو تحته بقليل، تعاني تشبيح «ذوي القربى» ومن كان يفترض أنهم (حماة الأقليات)».

الحياة

دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى