صفحات الرأي

فقط في العالم العربي!/ امين قمورية

ميزة الديكتاتور انه يبني دولة خاصة به لا تشبه اي دولة اخرى. ولو كان في وسعه ان يفعل لحوّل مجاري الانهار وازاح الجبال لتتلاءم مع الطبيعة التي يتمناها، ولاختار افراد شعبه او صنعهم على شاكلته ومزاجه وقنن عليهم الماء والهواء ومنعهم من التأفف وفرض عليهم السجود له ليل نهار.

وعندما يسقط الديكتاتور تسقط دولته بسقوطه. هكذا حصل في الصومال بعد سياد بري. وهكذا حصل في العراق بعد صدام. وهكذا يحصل الان في ليبيا بعد القذافي. وهكذا سيحصل في توتاليتاريات عربية اخرى.

العدو الاول للديكتاتور مؤسسات الدولة وكذلك اي سلطة غير سلطته، هو المرشد الاعلى، القائد الى الابد، الزعيم الاوحد. دستور دولته اهواؤه والمزاج، مجلس نوابه ازلامه والمريدون، قضاته منفذو الاوامر، مدرسته كتابه الاخضر او الاحمر او عمى الالوان، صحافته المباخر والمبخرون. وعندما يرحل الديكتاتور او يُرحل تصير الدولة من بعده عارية من المؤسسات والهياكل والادارات والارادات والمجتمع المدني، تصير ارضا جرداء ياكلها التصحر والجفاف على انواعه.

الديكتاتوريات ليست صناعة عربية محلية بل هي ايضا بضاعة مستوردة من الخارج، فالعالم شهد نشوء ديكتاتوريات وهبوطها. لكن المفارقة ان التوتاليتارية لم تكن سوى سحابة صيف في تاريخ شعوب جعلتها حافزا للتطور والتقدم. سقطت النازية قام بعد ذلك في المانيا اكبر الاقتصادات العالمية. انهزمت العسكريتاريا شهدت اليابان عقب الهزيمة ثورة تكنولوجيا عظمى. اطيح سوهارتو شهدت اندونيسيا للتو فورة تنمية. انهارت جمهوريات الموز ارتقت دول اميركا اللاتينية نحو الديموقراطية والتجدد.

فقط في العالم العربي عقارب الساعة تعود الى الوراء. سقط سياد بري عادت الصومال قرونا الى الوراء، الى زمن القراصنة، بعدما اعياها صراع القبائل وامراء الحرب وشذاذ الافاق. اطيح صدام ونظامه انبعثت في العراق العصبيات الجاهلية للطائفية والاتنية وصار نهج الديكتاتور الراحل مثالا يحتذيه ضحاياه السابقون كل امراء الطوائف. قتل معمر انتعشت في ليبيا الصراعات الجهوية وفوضى السلاح، ولم تعد البلاد اربعين سنة الى الوراء الى عهد الملكية والاقطاع، بل الى ما قبل ذلك الى عهد الفيديرالية، الى الاقاليم الثلاثة طرابلس وبرقة والفزان. ليبيا تسجل سابقة تاريخية بخطف رئيس وزرائها على أيدي حماته وحلفائه من دون انقلاب. سابقة لن تكون يتيمة في مسار تراجعي يشهد على دمار الدولة وسيادة شريعة الغاب.

حدث، يحدث، سيحدث ذلك في العالم العربي فقط. فهل ثمة ديكتاتورية خاصة بنا ام ان العلة هي في مجتمعاتنا التي تسعى عبثا الى ايجاد طريق ثالث للسياسة غير الخضوع للاستبداد او الاستسلام للفوضى والحروب الاهلية؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى