صفحات الرأي

فلتخرجوا الشباب من الزاوية الميتة

 


لم يعد شباب اليوم أكثر قدرة على الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية فحسب، بل باتوا يشكلون تهديداً مباشراً للأنظمة الديموقراطية القائمة. ولثورة الشباب العربي ضد الاستبداد والفساد والبطالة وانغلاق الأفق موقعها في قلب «الربيع العربي»، ولتحرك الشباب الأوروبي فعل الصدى لتلك الثورات العربيّة، عكسه «الغاضبون» في بويرتا دل سول في مدريد، وفجره حشد الحانقين في أثينا ولشبونة، للتعبير عن يأسهم ورغبتهم بالتغيير.

ثوراتهم، وإن وصفت بالسلميّة والبناءة بفعل ارتكازها على الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي، إلا أنها تبدو، وفي أي لحظة، مهدّدة بالانزلاق في العنف المتطرّف. من هنا، وانطلاقاً من حقيقة أن فئة الشباب هي بمثابة «الزاوية الميتة» في حقل الرؤيا في السياسات العامة للدول، بات ملحاً إعادة موضعتها في خانة الأولويات.

ثمة عوامل أساسيّة تقتضي من الحكومات التحرّك السريع في هذا الاتجاه، يتمثل أولها في بطالة الشباب، التي تلامس الـ 45 في المئة لدى الفئة العمرية من 15 إلى 25 سنة، و25 في المئة في اليونان، و22 في المئة في فرنسا، و 21 في المئة في إيطاليا، وتتخطى الـ60 في المئة في بعض البلدان الأخرى.

بطالة تضرب الشباب في فئتيه: تلك التي تعاني من قطيعة مع النظام الدراسي، حيث تصل نسبة من يفتقرون إلى التحصيل العلمي في الدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى 11 في المئة، وفي فرنسا إلى 17 في المئة، أما في الولايات المتحدة فهي تتخطى الـ 30 في المئة، وتلك التي تضم متخرجي الجامعات المحاصرين عند خط الفقر.

وقد أرخت الأزمة الاقتصادية ظلالاً ثقيلة على هذه الفئة، بحيث تحولت بطالة الشباب إلى بطالة هيكلية بعد أن أغلقت الحكومات المجال أمام أية وظائف جديدة.

وإلى الآثار المترتبة عن الأزمة، يُضاف حائط الديون المرتبط بالشيخوخة الديموغرافية. وفي غياب الإصلاح، فإن الأعباء التي تتكبّدها دولة الرفاه، حيث يتجاوز متوسط العمر المتوقع 90 عاماً في دولة يعمل نصف سكانها فقط، ستجعل الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي في العام 2060 يتخطى الـ 400 في المئة في الولايات المتحدة، والـ 200 في المئة في أوروبا.

أما العامل الثاني فيتمثل في تهميش الشباب الذي يجرّ عواقب وخيمة. فهو إن يبدأ بإضعاف إمكانيات النمو، لا يتوقف عند تقليص حجم الإنتاج جرّاء ضعف الإنتاجيّة، وعند مشاكل جمّة تطال حقول الادّخار والاستثمار والإبداع.

من هنا يلزم على السياسة الاقتصادية للدولة أن تضع الشباب نصب أهدافها. وأول عوامل دمج الشباب في المجتمع يتجسّد في العمالة. وهذه الخطوة تستدعي توسيع فضاء الفرص في القطاع الخاص، على خلفيّة استحالة تمويل وظائف عامّة إضافيّة عن طريق الديون.

وفي النهاية، قد لا تقلّ أهميّة الحاجة إلى عقد سياسي واجتماعي جديد، يسمح بإعادة توزيع عادلة للدخل، ويؤكد على تحقيق الانفتاح على الفئات الشابة، الذي يمثل العلاج الفعّال لتجاوزات السوق، ويلزم الدولة بالتخطيط على المدى الطويل، بعيداً عن النزعة الفرديّة لصالح المشاريع الجماعيّة.

نيكولا بافيريز: اقتصادي ومؤرخ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى