صفحات العالم

فلسطينيو سوريا والقلق المتزايد

 

علي بدوان

تَطرح الحالة العامة لأزمة فلسطينيي سوريا العديد من التساؤلات المتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً، واللاجئين الفلسطينيين في سوريا خصوصاً. ولأول مرة، ومنذ عقود النكبة، بدا القلق، سيد الموقف عند هؤلاء، الذين لم يمروا في تاريخ وجودهم في البلد بأزمة شبيهة بما يجري الآن

فلسطينيو سوريا كانوا الأكثر إستقراراً وأمناً في إقامتهم الموقتة من بين فلسطينيي الشتات، في بلد عاشوا فيه وما زالوا في ظل مساواة تامة في الحقوق والواجبات تقريباً بينهم وبين المواطن السوري، وذلك منذ لجوئهم القسري لسوريا عام النكبة.

لأول مرة، ومنذ عقود النكبة، بدا القلق، سيد الموقف عند عموم فلسطينيي سوريا، الذين لم يمروا في تاريخ وجودهم في البلد بأزمة شبيهة بما يجري الآن. فقد سقط منهم حتى تاريخه نحو 1150 شهيداً، منهم نحو 400 من مخيم اليرموك وحده. وما زالت غالبيتهم، في مناطق شتات جديدة داخل سوريا وحتى خارجها، في لبنان ومصر وتركيا وغيرها من البلدان.

هذا فيما تلوح في الأفق مؤشرات قوية تشي بوجود مشاريع إعادة تهجير أعداد منهم الى عدد من الدول في أصقاع المعمورة، ومنها أوستراليا ونيوزيلاندا وكندا والدول الإسكندنافية وغيرها من البلدان، في سياق مايجري منذ سنوات طويلة لشطب حق العودة وإنهاء الوجود الفلسطيني الكبير نسبياً في دول الطوق كسوريا ولبنان.

ومن بين المؤشرات المذكورة نلحظ قبول بعض السفارات الغربية في عدد من البلدان طلبات الهجرة من فلسطينيي سوريا وهو أمر كانت تلك السفارات ترفضه رفضاً قاطعاً في الماضي البعيد والقريب. كذلك من بين تلك المؤشرات المعلومات غير البريئة التي تم تسريبها عن مساعي غربية تبذل مع الأردن من أجل مده بدعم مالي كبير يصل الى نحو22 مليار دولار لإستيعاب العدد الأكبر من فلسطينيي سوريا.

التساؤلات المطروحة حول مستقبل فلسطينيي سوريا باتت الآن على جدول الحوارات والنقاشات بين الفلسطينيين السوريين انفسهم في مناخ سياسي مضطرب ومُتخم بالضابية في سوريا، حيث تتخذ الأزمة الداخلية في البلاد مساراً لا يستطيع أحد أن يتنبأ بشكل قاطع بما سيؤول إليه في نهاية المطاف. فالأزمة السورية تعدت منذ شهورها الأولى الحالة الداخلية لتدخل في متاهات إقليمية ودولية، وهو أمر يرفع من مستويات القلق عند عموم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين منذ العام 1948 فوق الأرض السورية.

والمصدر الإضافي للقلق عند الفلسطينيين، يعود الى الخشية من إتساع حالة التحريض الغوغائي الذي يستهدفهم، نتيجة الموقف السلبي الذي بدا يتشكّل عند البعض من المعارضة ومن الموالين على حد سواء، الذين باتوا يقابلون الفلسطينيين السوريين بمنطق إتهامي. فالمعارضة (وبالأخص منها أصحاب الرؤوس الحامية) تتهم قطاعات من الفلسطينيين وأحياناً كل الفلسطينيين بموالاة النظام والإصطفاف الأعمى وراءه، وفي المقابل فإن قطاعات من الموالين (البعيدين عن رؤية الأمور بمنطق عقلاني) تتهم فلسطينيي سوريا أيضاً بنكران الجميل للبلد وللشعب وللنظام متجاهلة أن فلسطينيي سوريا والسوريين هم في نهاية المطاف نسيج واحد بكل ما للكلمة من معنى، وأن من الطبيعي والمنطقي في السوسيولوجيا الواحدة، أن يترك الإنقسام السوري الداخلي إنعكاساته على قطاعات من الفلسطينيين ولو كانت محدودة.

وبالرغم من كل ماقيل وما قد يقال، فلا وجود لموقف رسمي أو غير رسمي على مستوى القوى والأحزاب المعارضة وغير المعارضة، وعلى مستوى المؤسسات الشرعية والرسمية في البلد تجاه الفلسطينيين في سوريا حتى الآن، بالرغم من وجود مؤشرات ملموسة وإلتقاطات شبه مؤكدة تشي بوجود تعليمات شفهية أو على الأقل سلوكات فردية لمواقع مقررة باتت تقول بإستبعاد الفلسطينين السوريين العاملين بالأصل في مؤسسات الدولة، من الوجود في مواقع وظيفية ذات شأن في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، وقد لوحظت ولُمست اخيرا تلك الوقائع بوضوح.

ومع هذا وذاك، إن حالة التعامل الرسمي مع فلسطينيي سوريا مازالت هي هي. كما كانت قبل بروز الأزمة الداخلية. وعلى سبيل المثال : تقدم الخريجون الجامعيون الفلسطينيون للمسابقات الوظيفية التي جرت اخيرا وفي برنامج تشغيل الشباب، حالهم كحال السوريين، وقد قُبلت أعدادٌ جيدة منهم في مجال العمل الوظيفي العام في مختلف المؤسسات والوزارات الحكومية، حيث جرى تصحيح خطأ ورد في مرسوم المسابقات الوظيفية الذي كان ينص تاريخياً على عبارة (السوريين ومن في حكمهم) وعندما فُقدت تلك العبارة في المرسوم الأخير جرى تصحيحها من قبل الجهات الرسمية بالقول “إن الفلسطينيين السوريين مشمولون أصلاً كالسوريين  بإعتبارهم يخضعون لمرسوم المساواة الصادر في تموز عام 1956”.

وفي هذا السياق، يأتي الموقف العام للغالبية الساحقة لفلسطينيي سوريا، والتي إتخذت لنفسها موقف “الحياد الإيجابي” وليس موقف “الحياد فقط” وهناك فرق كبير بين الموقفين. هذه الغالبية ساهمت بكل إمكاناتها في بلسمة جراح الشعب السوري، وفي لعب دور طيب على صعيد الأزمة الداخلية في البلاد عندما تحولت المخيمات ومناطق التجمع الفلسطينية إلى ملاذات آمنة لآلاف المواطنين السوريين الذين لجأوا إليها من مناطق التوتر الساخنة.

إن فلسطينيي سوريا، وكما تشير الوقائع الملموسة التي يعيشونها في بلد إستضافهم ووفر لنا كل سبل ومقومات الحياة كالمواطن السوري تماماً، يدركون بأن دورهم في معمعان الأزمة الداخلية في البلاد يفترض به أن يصب في مسار الحفاظ على البلاد والعباد، وفي مسار السعي بالقدر الممكن والمتاح في ظل إمكاناتهم ولو المحدودة في هذا المجال للخروج من الأزمة الراهنة.

وهذا موقف نابع من دروس التجربة المريرة التي عاشها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية في الشتات، في أكثر من مكان في الطوق المحيط بفلسطين منذ نكبته الكبرى عام 1948.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى